تأليف: شيري لايزر
المرأة الكردية: الهوية والهدف
بدا من الضروري، إذا ما اختارت امرأة ما أن تسرد لي قصتها، أن استنطقها قدر الإمكان بطريقة مشابهة للطريقة التي سُرِدت لي حتى يكون أسلوب السرد أسلوبها وليس أسلوبي أنا. إن معظم القصص الواردة هنا مروية بضمير المتكلم ماعدا قصة نساء برزان حيث قصتهن الملحمية الطويلة عبارة عن مأساة مشتركة. وتلك القصة بالتحديد تتطلب تعريفاً بظروف حياتهن المروعة
القصص الأخرى منبعها أجزاء كردستان الأربعة. وهذه القصص تغطي عدداً من القضايا مثل مكانة المرأة داخل المجتمع وداخل الحركة السياسية وداخل المنزل والعائلة وعلاقاتها الشخصية. وهي كلها قصص حقيقية قمتُ فقط بتغيير أسماء شخصياتها وأماكن محددة لحماية الراويات. وفي بعض الحالات قمتُ بإضافة تعليق كخلفية لبعض القضايا الهامة التي تثيرها تلك القصص. وتلك القضايا، وهي ليست غريبة أبداً عن راوياتها، لها تأثير على إحساس المرأة بهويتها في عموم كردستان.
بنات في العائلة
في المجتمع الكردي التقليدي، كما في المجتمعات الذكورية الأخرى، فإن النخبة الذكورية الحاكمة-سواء أكانت علمانيةً أو متدينةً- تعيق تطور المرأة. فلا يتم تشجيع المرأة على الإدراك والتعبير عن قوتها واستقلاليتها. بدلاً من ذلك، يمكن أن تُقتل المرأة لمجرد التعبير عن رغبتها في اختيار رجل تتزوجه أو لم تقم العائلة باختياره أو بسبب إقامة علاقة حب أو إقامة علاقة جنسية أو الفرار مع عشيقها أو لمجرد اكتشافها في موقف مثير للشبهة أو حتى لمجرد انتمائها إلى حزب سياسي[1]. جرائم القتل بدافع الشرف قد تُنفذ من قبل والد المرأة أو زوجها أو أشقائها أو أحد أقربائها الذكور.
منذ الانتفاضة الكردية قُتِل أكثر من مئة امرأة في كردستان الجنوبية على يد آبائهن او أقربائهن الذكور للأسباب المذكورة أعلاه. في العاشر من حزيران /يونيو قُتِلت نيكار محمد حاجي بابير في رانيا على يد والدها لرغبتها في الزواج من رجل من اختيارها هي. في شهر آب/أغسطس من السنة ذاتها وفي أربيل تحديداً قُتِلت ثلاث نساء الأولى على يد والدها والثانية التي كانت حاملاً هُجمت بوحشية وقُتلت والثالثة قُتِلت في سوق بأربيل. في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من السنة ذاتها وفي أربيل مجدداً وفي معسكر كاواسكوك تحديداً قُتِلت امرأة أخرى على يد والدها.
في شباط/فبراير من عام 1993 اُغتيلت امرأة بالرصاص على يد أشخاص مجهولين أمام طفليها في مخيم بازيان. وبعدها بشهر وفي التاسع عشر من آذار/مارس أُطلقت عدة عيارات نارية على دلكش صادق محمد داخل منزلها في باريكا. وكانت تبلغ من العمر ستة عشر عاماً فقط. وبعدها بأقل من أسبوع قُتِلت بالعيارات النارية امرأة أخرى تدعى باكشان على يد زوجها في السليمانية. في أيار/مايو 1993، قُتِلت أمينة عبدالله على يد والدها لرغبتها في الزواج من شخص لم يوافق عليه وفي حلبجة قُتِلت امرأة تدعى عائشة وجُرِح رضيعها.
وقد اشتكت منظمة النساء المستقلة التي تأسست في 1993 من جرائم القتل تلك مؤكدة الاحصائيات لمراسل صحيفة هوكار الكردية التي تتخذ من لندن مركزاً لها وعلقت: “أنه من العار أن يكون من بين أعضاء البرلمان الكردي البالغ عددهم 105 اثنان فقط نساء. هذا يؤكد أن وجهة نظر النساء لا يتم التعبير عنها بشكل كاف في المجلس التشريعي الكردي.[2]
إن هذا السلوك “التقليدي” في قتل النساء بسبب عدم الاحتشام لا يدل على مجتمع متحضر إنما يدل على الافتقار إلى الإنسانية والتعاطف بشكل أساسي. إنه تمييز على أساس الاختلاف في الجنس. إن سوء المعاملة الجسدية أو العاطفية للآخرين، سواء أكان رجلاً أو امرأة، علامة المجتمع الحيواني وليس الإنساني.
إن الحاجة القوية للسيطرة على المرأة، بحسب الدكتورة طاهرة كوجترك Tahire Koçtürk ، ظاهرة يمكن اقتفاء أثرها إلى ما قبل الإسلام حيث أخلاقيات الشرف التي تعتمد على الاعتقاد أنه لا يمكن الوثوق بالمرأة في الحفاظ على عفتها وبما يكفل مصالح المجتمع الذكوري على أفضل نحو. إن ذلك الحق ممنوح لأقارب المرأة من الذكور.[3] وتقتبس كوجترك من التشريع الإسلامي أيضاً:
“الرجال قوامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله والتي تخافون نشوزهن فعِظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان عليّاً كبيراً” (سورة النساء، الآية 33)
لقد أجاز الرجال سلطتهم وعدوانهم [على المرأة] بكل السبل الممكنة، لكن الإقرار الأساسي كان في الدين: الحملات الصليبية، الجهاد وأنواع أخرى من الحرب “المقدسة” والاستبدادية التي بررتها الكتب والتشريعات الدينية والتي سنها الرجال الحاكمون. وصدام حسين خير مثال في العصر الحالي عن كيفية تبرير السلطة وسوء استغلالها من خلال الاحتكام إلى النص القرآني لتبرير أفعال متنوعة.
لم يتم التعبير عن الطبيعية التوحيدية ليهوه أو God أو الله في النصوص المقدسة في التوارة والإنجيل والقرآن بعبارات تدل على المرأة ولا هناك أنبياء من الإناث وللملائكة كذلك أسماء ذكورية. والرسل الذين قاموا بنقل النصوص المقدسة ذكور أيضاً. وقد تم تحوير ذلك في الديانات الكبرى على أن تفوق الذكور شيء مقدّر من الله حيث يعتقد المسلمون أن القرآن كلام الله ومحمد رسوله. إن عدم التسامح الديني وعودة الفتاوى والثقافة الدينية المتحيزة قد يجعل مثل هذه الأشياء خطيرة حتى بمجرد التفوه بها.
يفضل الإسلام التمييز بين المجتمع حيث أوجد عالمين منفصلين عن بعضهما: عالم الرجل الحر المسيطر وعالم المرأة المقيدة والسلبية:
” إن إصرار الإسلام على قولبة شخصية الرجال والنساء على طرفي نقيض يعكس الحاجة إلى مجتمع أبوي لحماية نفسه من تهديدات متخلية من المرأة.فقد قال محمد (ص) وهولا على سرير الموت[4] ” أستوصيكم بالنساء فإنهن عوان [أسيرات][5] عندكم”. تستحضر الصورة الحرب بين الجنسين حيث أُخذت النساء كأسرى لدى الرجال”
منذ الطفولة تُعلّم الفتيات الكرديات، مثل الفتيات في بقية الشرق الأوسط والمجتمعات اليهودية-المسيحية، أن يشعرن بالخجل من أجسادهن ويُخبرن أن يذعن لأزواجهن وألا يبدين أية متعة أثناء ممارسة الجنس (رغم تأكيد القرآن على حق المرأة في إشباع رغبتها الجنسية وأن إخفاق الرجل في توفير ذلك يُعد سبباً كافياً للطلاق). إنها مقموعة ومشوشة. وهي غير قادرة، ولا يسمح لها غالباً، أن تسأل عن جسدها أو عن أمور جنسية ولا أن تعّبر عن نفسها بحرية. وهي ممنوعة من التعلم باختبار الحياة والعلاقات الإنسانية بكل رقتها وتعقيداتها بذات الطريقة التي يستطيعها الولد وإلا فإنها ستصنّف كعاهرة وتجلب العار على رجال مجتمعها.
تُدفع المرأة على أن تشعر نفسياً بالدونية لأنه لا يتم تشجيعها على أن تعتمد على نفسها أو أن تؤمن بقدراتها أو أن تسعى للنجاح في بعض المجالات المهنية والحرفية بديلاً عن أولويتها في الزواج. يجب أن تكون أولوية المرأة الأولى هي الزواج الذي يُعد سبب وجودها. ولكن لكي يدافع الرجل عن شرفه وسمعته فإنه يستطيع يهجر أو يلحق العار بشريكة حياته حتى أمام المجتمع مع تمتعه بكامل الحصانة فهو يستطيع أن يطلق شريكته إذا ما أخفقت على أن ترتقي إلى مستوى توقعاته كزوجة عفيفة وأم حنون وربة منزل جيدة. وقد يجلب زوجة ثانية إلى البيت أو حتى أربع زوجات بحسب التشريع الإسلامي حيث أن تعدد الزوجات مبرر للرجل على أسس دينية. المرأة أقل من شخص كامل:
“يحدد الإسلام عدم المساواة بين الرجل والمرأة ففي المحكمة شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد. وفي الزواج هي تعادل ربع رجل.”[6]
وتصبح بعض الجوانب الفيزيولوجية مثل الدورة الشهرية حراماً ونجساً. يجب على الرجل ألا يمارس الجنس مع المرأة الحائضة. يتم تجنب المرأة مرة واحدة في الشهر ليس فقط جسدياً بل أيضاً نفسياً خلال فترة الخصوبة حيث لا يستطعن الحبل. وكثيراً ما يستخدم الرجل عبارة “إنها مريضة” وهو تعبير ملطف للإشارة إلى المرأة الحائضة.
لقد كُتب الكثير من تاريخ المرأة بدم رحمها وآلام حيضها ومخاضها وتضحيتها بنفسها دفاعاً عن الأسرة الإنسانية. ولكن في الوقت الذي ينبغي أن تكون ولادة الطفل ذروة الحب ونتاجه، فإنها غالباً ما تكون نتيجة الاغتصاب والشبق للرجال المقاتلين.
تعزز النساء الكرديات على نحو عفوي، مثل نساء المسلمين في أماكن أخرى، بعض العادات الاجتماعية السلبية التي تسمى خطأً باسم “التقاليد”. إنهم مقيدات بشدة في سلوك اجتماعي غير واعي. وقد يرضين مشاعرهن السلبية حول ظروفهن الاجتماعية من خلال الدخول في نقاش عقيم حول نساء أخريات كن متهورات. عندما تصل إشاعات من هذا النوع إلى أذن الرجل فإن نتيجة الفضيحة يمكن أن تدمر حياة المرأة باستثناء أكثر النساء قوة. وقد يبرر الذكور في العائلة قتل المرأة كعقاب للعار الذي ارتبط بالشائعات حول العلاقات العاطفية المحرّمة للمرأة كما شرحنا أعلاه.
عندما لا تكون المرأة متزوجة يعني أنها مرفوضة من قبل مجتمعها أو أنها ليست صالحة أو جميلة بما فيه الكفاية أو أنها كبيرة في السن أكثر من اللازم. “والكبيرة في السن” يعني أكبر من 25 سنة. والأسوأ من بين هذه الأشياء الثلاثة هو أن تكون “غير صالحة” أي سيئة أخلاقياً أو امرأة لديها “خبرة” [في الأمور الجنسية]. تماشياً مع تقاليد معظم المجتمعات الأبوية، من غير المقبول أن يكون لدى المرأة أكثر من شريك واحد إلا في حالة وفاة زوجها الأول حيث تستطيع المرأة أن تتزوج مرة أخرى. وحتى في تلك الحالة فإن الكثير من النساء يخترن ألا يفعلن ذلك مخافة تعرض سمعتهن وشرفهن للخطر[7].
هذه “العادة” التي تقضي بعدم المساواة بين الجنسين والنظر إلى المرأة ونشاطها الجنسي كبديل لشرف أفراد المجتمع لا يبني مجتمعاً صحياً وعادلاً. إنها تضلل وتفسد قلوب وعقول الرجال وتشوه شخصية المرأة. إنها لا تمثل العدالة والشفقة والحرية التي ينشدها الأكراد. إن الأكراد الذين يتمسكون بـ”تقاليد” كهذه على أنها “كردية” لم يفهموا بعد معنى الحرية الإنسانية. هذه ليست تقاليد كردية. إنها تقاليد المجتمع الأبوي التي تناسب الرجال والتي فرضها الرجال من خلال سلطة الدولة والدين في الكثير من دول العالم. لكن الرجال متأقلمون جداً بالعيش وفق مفهوم “الشرف” الذي يجعل النساء ضحايا له.
تقوم الأنظمة الوحشية بإرهاب مواطنيها للخضوع كوسيلة للسيطرة عليهم، فهل ينبغي على الرجال أن يؤبدوا العنف ضد المرأة كدليل على ما يعتبرونه تفوقاً؟
تقليدياً كان دخول المرأة الكردية لساحة العمل السياسي شيئاً صعباً للغاية. ويعتبر PKK واحداً من أول الأحزاب الذي نجح في استقطاب أعداد كبيرة من النساء في صفوفه وفي كفاحه المسلح حيث يوجد للنساء جيشهن الخاص. في القصص التالية سوف نتناول جوانب مختلفة من حياة المرأة: المرأة التي اختارت أن تتبع المسار السياسي كما في قصة نرمين التي اختارت أن تصبح مقاتلة في قوات PKK مثل الكثيرات من صغيرات السن من جيلها من كردستان سوريا وتركيا، والمرأة التي تناضل ضد القيود المفروضة عليهن مهنياً وشخصياً من قبل المجتمع الإقطاعي مثل نازدار حيث تتعرض المرأة لقسوة وحشية من قبل الحكومات المركزية في حربها ضد الأكراد وهن الأضعف في مجتمعاتهن كما في قصة سروه وأمينة في ظل حكم البعث في العراق.
قضيت وقتاً مع كل تلك النساء وانتزعت منهم قصصهن بالملاطفة واللباقة والتعاطف قدر الإمكان حتى أعفيهن من الألم وهن يتذكرن بعض أكثر المواقف صعوبة.
يتبع …
________________________________________________
[1] من بين كل الأسباب التي ذكرتها المؤلفة تُقتل المرأة بشكل رئيسي عندما تقيم علاقة جنسية خارج إطار الزواج وفي حالات نادرة عند هروبها مع عشيقها. ويقر معظم الكتاب الغربيين الذين كتبوا عن المجتمع الكردي أنه أكثر انفتاحاً على المرأة من المجتمعات الشرق أوسطية الأخرى. يمكن في هذا السياق مثلا الرجوع إلى مقالة مارتن فان برونسين: من عادلة خانم إلى ليلى زانا: المرأة الكردية كقائد سياسي المنشورة في موقع www.medaratkurd.com (المترجم)
[2] هوكار، تشرين الأول/أكتوبر، 1993 ص.4
[3] طاهرة كوجترك: قضية شرف: تجارب نساء أتراك مهاجرات، زيد بوكس، 1992 ص.56
[4] حاشية المترجم :كذا في الأصل والأصح في خطبة الوداع
[5]حاشية المترجم: تقول الدكتورة سهيلة زين العابدين حماد أن كلمة «عوان» التي وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بها النساء، في خطبة حجة الوداع ، تعنى في [ لسان العرب ]:» النَّصَف والوسط « أي الخيار وتعنى ذات المعنى في موسوعات مصطلحات الفنون [انظر: الراغب الأصفهاني [ المفردات في غريب القرآن ] طبعة دار التحرير. القاهرة سنة 1991م.وأبو البقاء الكفوي[ الكليات ] ق2 ص287. تحقيق: د. عدنان درويش ، طبعة دمشق سنة 1982م. انظر صحيفة المدينة العدد 18777 14/8/2013
[6] السابق ص51.
حاشية المترجم: ليس في الإسلام شيء من هذا القبيل إلا إذا كان المقصود هو أن الرجل يستطيع أن يتزوج أربع نساء والمرأة رجلاً واحداً.
[7] حاشية المترجم: الذي يمنع الأرملة من الزواج مرة أخرى هو عاطفتها الزائدة وتمسكها بأطفالها وليس خوفها من تعرض شرفها للخطر كما تقول المؤلفة لأن زواج الأرملة حلال وفق الشريعة الإسلامية.