الكاتبة : مونيكا بورتر
ترجمة: كيڤورك خاتون وانيس
قلما تجعلني رسالة الكترونية واردة إلى صندوق الرسائل غير المرغوب بها أو ما يعرف بالـ junk أو spam، انفجر من الضحك، لكن هذا ما حدث مؤخراً عندما التقطت منشوراً مرمي عند مدخل الباب وقرأت: “الرأسمالية هي المشكلة، الاشتراكية هي الحل.” المنشور هو دعوة الحزب الشيوعي البريطاني للتصويت له في الانتخابات المقبلة لمجلس بلدية لندن الكبرى، التي يشارك فيها الحزب بتسعة مرشحين. لقد كان الأمر مضحكاً جداً لأنه ذكّرني مرة أخرى بأن قدرة الإنسان على خداع الذات تفوق كل تصوّر. وأن تزيين الشيوعية كأنها “الاشتراكية” هي مقولة قديمة ومبتذلة، لدرجة أن المرء يتساءل عن سبب إزعاجهم.
أنا فقط ممتنة لأنه حتى في بريطانيا اليوم المقادة من يسار ليبرالي مأخوذ بالصحوة، قلة قليلة من الناس من الحماقة بما يكفي للتصويت للمرشح الشيوعي. حسنًا، ربما واحد أو اثنين من قراء جريدة الغارديان. أقول ذلك لأن كاتبهم السابق سوماس ميلن (والصديق الحميم لـ جيريمي كوربين [ كوربين هو زعيم حزب العمل البريطاني – المترجم] ) هو مدافع صريح عن ستالين، ثم هناك قضية ريتشارد غوت سيئة السمعة، الذي كان محرراً في إحدى الصحف اليسارية، حيث تم الكشف عن تعاملاته المشبوهة مع الكي جي بي منذ فترة طويلة من قبل السلطات في مجال التجسس أثناء الحرب الباردة. نعم، لطالما كانت تفوح رائحة المراوغة من صحافة الغارديان؛ أما أحدث اختراق فاقد للمصداقية هي مسألة الكاتب والصحفي روي غريسلاد المعجب بالجيش الجمهوري الإيرلندي IRA.
لكن المفارقة الغريبة هي أن الأشخاص الذين ما زالوا يؤمنون بصدق بأن الشيوعية هي الحل لكل قضايا الحياة الشائكة هم أولئك الذين لم يعيشوا قط في ظل النظام الشيوعي. فبينما عانى النصف الشرقي من أوروبا من هراوة ستالين الوحشية، كان النصف الغربي موطناً للمخدوعين عمداً (مثل جورج برنارد شو العجوز الساذج) أو ما هو أسوأ من ذلك بكثير، أولئك الذين كانوا على دراية كاملة بسياسة الترهيب والتصفيات الجسدية، لكنهم اختاروا ركنها جانباً تحث شعار “لا يمكنك إعداد عجة دون كسر البيض” (المؤرخ البريطاني إريك هوبسباوم والفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر أوضح مثالين في هذا السياق). و بعد طول انتظار تسأل جورج أورويل: “ولكن أين العجة؟”
تُعتبر الصين الاستثناء الوحيد في كل هذا. صحيح أن الملايين قد تم انتشالهم من حالة الفقر إلى طبقة متوسطة جديدة؛ ولم يكن مستوى المعيشة في الصين أعلى في أي وقت مضى. ولكن أليس مثيراً للاهتمام أن لا تحدث هذه المعجزة إلا بعد أن تبنت الحكومة الشيوعية للرأسمالية إلى أقصى حد؟ إن مؤالفة الصين بين النظام الاقتصادي الرأسمالي الصريح والنظام السياسي الشمولي القمعي كان ذكيا إلى حد ما؛ وهو أمر يجب الاعتراف به. ويبدو أن الرأسمالية قد تحولت بالنسبة للصين إلى الحل للمشاكل التي خلقتها الاشتراكية. لكن مع ذلك من منا يختار العيش في دولة شي جين بينغ الأمنية ؟ إذ انه ليس هناك من ذكر لأي هجرة من الغرب للعيش في ظل “الاشتراكية ذات الخصائص الصينية”.
إذاً أين نجحت الماركسية غير المخففة ، عفوًاً الاشتراكية ؟ كوريا الشمالية؟ في كمبوديا تحت حكم بول بوت؟ في فنزويلا الفقيرة الجائعة؛ في الإرث الحزين الذي خلفه هوغو تشافيز؟ في كوبا الأخوين كاسترو؛ جنة جذابة لدرجة أن فرار الشعب الكوبي إلى فلوريدا المجاورة لم يتراجع طيلة العقود الستة الماضية، حيث يعيش في هذه الولاية لوحدها حوالي 1,5 مليون أميركي من أصل كوبي؟
لا، أيها القراء الأعزاء، المشكلة الوحيدة التي تعتبر الاشتراكية حلاً لها هي: كيف يمكننا تدمير أكبر عدد ممكن من الأرواح والمجتمعات والنظم الاقتصادية، بينما نتظاهر بالاهتمام بالإنسانية؟
تعليق المترجم:
قد يبدو العنوان صادماً أو مستهجناً من قبل البعض كونه يتجرأ على نقد واحدة من المفاهيم أو بالأحرى العقائد المطلقة التي لا يجوز المساس بمكانتها أو مجرد التفكير بها، سيما وأنه ثمة نظريات أكدت مراراً وتكراراً بأن الاشتراكية ( السيطرة المطلقة للدولة على كل النشاطات الاقتصادية ) هي الحل الوحيد والشامل لكل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية للفرد والمجتمع!
لكن التجارب اثبتت بأن نظام السوق الحر(الرأسمالية كنظام اقتصادي) هو الأفضل بشرط اقترانه بأجواء سياسية حرة (الديمقراطية) ، كما هو الحال في دول أوروبا الغربية (ومؤخراً الكثير من دول شرق أوروبا) وكندا وأستراليا وما شابه؛ حيث يتركز دور مؤسسات الحكومة على حماية المواطن من الاستغلال والدفاع عن حقوقه الاقتصادية والاجتماعية ( حق البطالة والتقاعد والضمان الصحي والرعاية الاجتماعية لذوي الاحتياجات الخاصة …..الخ) بالتوازي مع صيانة حقوقه السياسية (تشكيل منظمات المجتمع المدني، وحرية التعبير والصحافة، تشكيل نقابات وجمعيات غير حزبية أو حكومية ……الخ)!
ثمة نقطة هامة في ما يتعلق بمنهج القيادة السياسية في الصين التي حاولت ولا تزال تحاول عن طريقه مزج الزيت بالماء؛ فالرأسمالية ( كنظام اقتصادي حر) لا يمكن أن تنتعش في أجواء الدولة البوليسية العفنة؛ إنه تطبيق لأسوأ أنواع الرأسمالية المعروفة باسم رأسمالية المحسوبية ( نظام سوق حرة يعتمد على العلاقات القوية بين رجال الاعمال والمسؤولين الحكوميين- الحزبيين)، فهي ليست سوى مجرد حيلة تتبعها أغلب الدول المحكومة بنظام الحزب الواحد لإلهاء الناس عن المطالبة بالاستحقاق الأهم ألا وهو الحريات السياسية (تعددية سياسية، نقابات مهنية حقيقية غير حزبية، حرية الصحافة، تجريم الاعتقال السياسي……الخ) التي هي المدخل الوحيد لكل الإصلاحات الأخرى وليس العكس!
أخيراً وليس أخراً، لا يختلف هدف تبني نظام السوق الحر(الرأسمالية ) من قبل دولة النظام الحزبي- الأمني عن هدف اتباع نظام السوق الموجه (الاشتراكية) من قبل ذات الدولة؛ ألا وهو ضمان استمرار الطبقة الحاكمة في السلطة كلما أحست باهتزاز في عرشها، ولا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالتخفيف من معاناة الناس وإلا لماذا إذن لا يترافق هذا الانقلاب الاقتصادي الجذري ( الذي ما انفك نفس الحزب في وصفه بأبشع الاوصاف!) مع انفراج سياسي داخلي؛ فالناس بحاجة للتنفس بنفس حجم حاجتهم للغذاء!