البروفيسور المساعد كوزاد محمد أحمد، رئيس قسم الآثار في جامعة السليمانية[1]
ترجمة نضال محمود حاج درويش
تعتبر الأعياد والمهرجانات في كردستان الحديثة محدودة العدد. نظراً لأن معظم هذه الأعياد كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمعتقدات الدينية، فقد كان لابد من إخفاء العديد منها مع مجيء الإسلام واستبدالها ببساطة بالفطر (الإفطار في نهاية شهر رمضان) و الأضحى (عيد الأضحى كجزء من مراسم الحج) فقط. أستعير هنا التعبير الذي استخدمته الأستاذة الراحلة ماري بويس لوصف ما حدث لإرث ما قبل الإسلام في إيران بعد الفتوحات العربية، وهو ما ينطبق على ثقافة كردستان ما قبل الإسلام أيضاً، حيث قالت: “اختفى الجزء الأكبر منه مثل الثلج في حرارة الصيف الإسلامي ”.[2] نحن نعلم هذا الأمر من خلال المصادر التاريخية التي تشير إلى أعياد ومهرجانات عديدة كانت موجودة قبل الإسلام. كانت الخريطة الدينية للمنطقة في تلك الأوقات أكثر تنوعاً مما هي عليه الآن؛ إلى جانب الزرادشتية، الديانة الرسمية للإمبراطورية الساسانية، كانت هناك المسيحية، واليهودية، والمانوية، والمزدكية، والميثرائية، والمعتقدات الوثنية القديمة، وغيرها من المعتقدات والطوائف الدينية الثانوية التي لا يمكن إدراجها جميعاً هنا. على سبيل المثال، بقيت مهرجانات كاهامبار Gahambar الستة الشهيرة- والتي يبدو أنها كانت مهرجانات وثنية للسنة الرعوية ومرتبطة بفصول السنة كما توحي أسماؤها- في الزرادشتية،[3] ولكن وجب نسيانها من قبل المعتنقين الجدد للدين الإسلامي. ومع ذلك، سرعان ما تم إدخال الممارسات القديمة جنباً إلى جنب مع الأعياد والاحتفالات الاسلامية ولكن بأشكال حديثة- يغلب عليها طابع الإسلام- في الاتجاهات التي تم تأسيسها حديثاً (المذاهب) داخل الدين الجديد، حيث تم تأسيسها لتناسب-في معظم الأحوال- المستويات العليا الفكرية والثقافية والاجتماعية للشعوب المغلوبە.
البحث عن أعياد الأزمنة السابقة، يعيدنا إلى الموقع الأثري المعروف ب تبه كورا Tepe Gawra، حيث تُظهر الأختام الوفيرة التي تم اكتشافها في الموقع- والتي تعود إلى عصر ما يعرف بثقافة العبيد الشمالي (حوالي 4000-3500 قبل الميلاد)[4]– مجموعة واسعة من الموضوعات، من بينها العديد من الأختام التي يمكن أن تكون صوراً لـطقوس احتفالية. إنها تظهر شخصيات بشرية ترتدي أقنعة وترقص وتشرب (الشكل 1) أو حتى تؤدي رقصة خاصة على شكل صف والتي تعتبر حتى يومنا هذا جزءاً أساسياً من الأعياد والمهرجانات في كردستان.
تظهر قطعة من الفخار أجزاء من شخصية بشرية ترتدي سترة قصيرة ربما تكون خاصة بالاحتفالات ويحمل الشخص علماً يشبه الشاعوب (Melêb)، وربما يكون تصويراً لعيد آخر أو لمهرجان (الشكل 2). نقوش كوندك Gundik القريبة من أكري Akrê والتي يبدو أنها تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد تصور مشهداً لعيد قديم أو طقوس الاحتفال باستحمام ثلاثة أطفال من قبل امرأتين بالغتين (؟) بمساعدة ثلاثة آخرين (شكل 3). لوحة أخرى في نفس الكهف تظهر مشهد صيد ربما من أجل مأدبة العيد.[5] وتظهر على طبعات بعض الأختام من أواخر الألفية الثالثة قبل الميلاد، والتي عثر عليها في تل موزان (اوركيش القديمة) في منطقة الخابور، إقامة الولائم برفقة موسيقي ومغني في حضور ملكة اوركيش اوقنيتوم (الشكل 4).[6] شهدت الألفية الأولى قبل الميلاد الموجة الثانية من هجرة الهندو-اوربيين إلى كردستان القديمة. منذ ذلك الحين، حلت الثقافة واللغة الهندية الإيرانية محل اللغات والثقافات القديمة وذلك في عملية تدريجية ولكن ثابتة. ليست لدينا رؤية واضحة لمدى تسرب الأعياد والمهرجانات القديمة إلى الثقافة الجديدة، ولكن لا بد من حدوث ذلك. تروي إحدى القصص الفولكلورية أنه في وقت ما في الماضي كانوا يأخذون تماثيل آلهتهم على ظهور حيوانات مزينة بوفرة في موكب من خلال جميع أنحاء المدينة، مصحوبة بالموسيقى.[7] هذا الاحتفال، الذي يشبه إلى حد كبير عيد أكيتو الذي كان يحتفل به قديماً في بلاد ما بين النهرين، يلمح بوضوح إلى بقاء التقاليد القديمة في الثقافات اللاحقة. على عكس الفترة الأخمينية، فإن الفترتين السلوقية والبارثية فيما يتعلق بالمهرجانات غير موثقة بشكل جيد. ومع ذلك، نظراً لأن الزرادشتية كانت الديانة السائدة خلال هاتين الفترتين، فمن المفترض أنهما احتفلتا تقريباً بنفس احتفالات الفترة الساسانية.[8]
عيد نوروز
كان النوروز في الفترات المبكرة توأماً لعيد المهرجان، وكان الأول يمثل بداية الربيع أما الأخير فكان يمثل بداية الخريف. في وقت مبكر من العصر الأخميني، تم الاحتفال برأس السنة في نفس يوم عيد المهرجان. ومع ذلك، اكتسب النوروز أهمية أكبر من عيد المهرجان في أوقات لاحقة وذلك بسبب قدوم الربيع، بالإضافة إلى تزامنه نسبياً مع عدد من المناسبات الهامة الأخرى، من بينها عيد ميلاد زرادشت نفسه، وذلك عندما انتشرت الزرادشتية وأصبحت الديانة الرسمية للإمبراطورية الساسانية.[9] يُعتقد أن جذور النوروز تعود إلى عصور قديمة جداً، على الرغم من عدم وجود ذكر واضح له في الأفستا. ومع ذلك، فإن التواريخ والقصص الأسطورية تنسبه إلى جمشيد، الملك الأسطوري الأول للعالم الإيراني، وبعض الكتب الدينية البهلوية تذكر النوروز والطقوس المرتبطة به.[10] في الواقع، يُعتقد بشدة أنه تم الاحتفال به في الفترة الأخمينية. يعتقد الكثيرون أن الشعوب الخاضعة للأخمينيين والتي تم تصويرها على نقوش برسيبوليس Persîpolîs (عاصمة الأخمينيين) تحمل جميع أنواع الهدايا للملك، وتخطيط المجمع بأكمله وموقعه، كلها تشير إلى احتفالات النوروز، حتى أن البعض يعتقد أن المجمع قد تم بناؤه خصيصاً لهذا الغرض.[11] ومن المثير للاهتمام، أن بعض الأعمال الأدبية تشير إلى حقيقة أنه في ظل حكم الساسانيين، تم بناء المباني والقاعات وحتى المدن خصيصا ً لتكون أماكن للاحتفال بنوروز وعيد سه ده Sedeh.[12] نظراً لأن النوروز يمثل بداية الربيع، فقد تم الاحتفال به في الأصل في بداية الموسم. ومع ذلك، نظراً لأن السنة في التقويم الإيراني القديم كان يتكون من 365 يوماً، فإن الربع المتبقي من اليوم تسبب في تقدم طفيف كل عام. أدى التراكم المستمر لهذا النقص إلى تقدم لمدة شهر واحد لكل 120 عاماً، لذلك بحلول أواخر العصر الساساني، تم الاحتفال بعيد النوروز في الصيف.[13] فقط تحت حكم السلاجقة تم تصحيح التقويم وتم تحديد يوم بداية النوروز مرة أخرى في بداية الربيع.
تحت حكم الساسانيين، كان يوم الاحتفال بالنوروز يوم عطلة. كانت الناس تذهب في الصباح الباكر إلى الينابيع للاستحمام، ورش الماء على بعضهم البعض، ثم كانوا يقدمون الحلوى لبعضهم البعض، وخاصة العسل، ويدهنون أنفسهم بالزيت والشمع المحروق. احتوى المهرجان الذي كان يمتد ستة أيام على تقديم الضرائب المحصلة للملك، ويتم تنصيب حكام المقاطعات الجدد ليحلوا محل السابقين، وكانت تُضرب عملات معدنية جديدة، ويتم تطهير معابد النار، وكان الملك يجلس للاجتماع والاستماع إلى الرعية وكذلكً للقاء وجهاء الإمبراطورية.[14] في الواقع، كان هناك نوعان من النوروز؛ واحد للعامة، والآخر للعائلة المالكة والطبقة العليا من المجتمع. كما هو الحال في العصر الساساني، في عهد العباسيين أيضاً، احتفلت الطبقات العليا (حتى الخليفة المسلم وحاشيته) وعامة الشعب بعيد نوروز. في عهد العباسيين أيضاً، لم يكن الأمر يتعلق بإشعال النار فحسب، بل كانت تقام ألعاب ذات صلة بالمياه. و كانت الناس تقوم بزيارة بعضهم البعض للتهنئة وتقديم الحلويات. كان النوروز عيدا من الاهمية بمكان بالنسبة لهم لدرجة انهم في احدى المرات احتفلوا بالنورز قبل يومين من تاريخه المعتاد حتى لا يتداخل مع شهر رمضان القادم.[15]
في كردستان الحديثة يتم تنظيف المنازل وتحضير وجبات الطعام وتلوين البيض وشراء الألعاب النارية لليوم الأول، ولكن أبرز ما يميز الحفل هو إشعال نار كبيرة في كل منطقة أو حي في المدينة، والخروج للاحتفال، والتنزه والرقص والغناء. في كردستان الشمالية، يشمل ذلك القفز على النار، ربما كرمز للتغلب على الشتاء. كما أصبح النوروز مهرجاناً به قدر كبير من القومية والسياسة، لأنه مرتبط بانتصار الحداد كاوا، الذي كان كردياً كما تروي الأسطورة، على الطاغية ضحاك، وهي قصة ترمز إلى انتصار ثورة العوام على الحاكم المستبد. لعب النورز ولا يزال، دوراً كبيراً في تعزيز وتوطيد الوعي الجماعي لدى المحتفلين. لطالما كان، مثل أي مهرجان آخر، أداة لتذكير الناس بالقضية المشتركة التي تربطهم ببعضهم البعض، سواء كانت وطنية أو دينية أو طائفية أو قبلية أو أيا كانت. لهذا السبب بالذات، حظرت حكومات العراق وسوريا وتركيا الاحتفال لمدة عقود بعيد النوروز. في العراق وسوريا، بعد عقود من الحظر، سمحت حكومة البعث بذلك ولكنها أنشأت مهرجاناً موازيا للنوروز ليطغى عليه سمي بـ”عيد الشجرة!” (في العراق) وعيد الأم (في سوريا)،[16] في تركيا وحتى وقت قريب جداً، كان يتم سجن المحتفلين وكانت عربات الإطفاء تبحث عن نار النوروز لإطفائها! بعد ثلاثة عشر يوماً من نوروز، يذهب الناس في نزهة إلى ضواحي المدن والقرى ويقيمون مآدب فخمة. عند العودة إلى المنزل، يلقى كل شخص 13 حجراً بالاتجاه المعاكس للمنزل قائلاً: “ثلاثة عشر… كن بالخارج!” التي تهدف من خلالها إلى إبقاء المصائب التي يجلبها الرقم 13 بعيداً طوال العام.[17]
مهرجان
كان عيد المهرجان ثاني أكبر الأعياد التي يتم الاحتفال بها في العصور القديمة في كردستان وإيران. ارتبط هذا العيد بالإله ميثرا إله أشعة الشمس، وكان الاحتفال به يستمر لمدة ستة أيام، وكان يمثل بداية العام الجديد في الفترة الأخمينية. كان الاحتفال بعيد مهرجان يبدأ في اليوم السادس عشر (كان يسمى يوم الإله مهر) من شهر مهر (الشهر السابع بالتقويم الايراني) (الثامن من أكتوبر الحالي) الذي يمثل بداية الخريف. يبدو أنه كان في الأصل مهرجاناً ليوم واحد فقط، لكن الملك الساساني هرمز الأول (272-273 م) أصدر مرسوماً يقضي بأنه يجب أن تكون ستة أيام لحل مشكلة التقويم، وقد تم الاحتفاظ بهذا التقليد في العصر الإسلامي ايضا.[18] حتى القرن الماضي كان يتم في يوم العيد تقديم الولائم والقيام بالاحتفالات الفخمة، ولا سيما بين الزرادشتيين، ثم كانت ترافقها حفلات، وفي كل يوم، يتم عزف ألحان موسيقية مختلفة.[19] كما في عيد النوروز، كان يتم تقديم الهدايا للملوك والحكام والمسؤولين رفيعي المستوى بالإضافة إلى تقديم التهاني خلال المهرجان. ارتبط المهرجان بتقديم الذبائح الحيوانية في العصور القديمة. حافظ الزرادشتيون أيضاً على هذا التقليد واحتفلوا بهذا العيد. ومع ذلك، فقد تراجعت أهميته عند البارسيين Parsīs الموجودين في الهند منذ القرن الثامن عشر، ربما بسبب التخلي عن الذبائح الحيوانية، والتي تشكل عنصراً أساسياً في عيد مهرجان،[20] في حين استمر الاحتفال بهذا العيد من قبل الزرادشتيين في إيران، وذلك في بعض القرى النائية في مقاطعة كرمان حتى السبعينيات من القرن العشرين. لم يبق شيء من هذا العيد في الوقت الحاضر في كردستان أو في أي مكان آخر، ولكن من المفارقات أن كلمة مهرجان نفسها أصبحت مرادفة المهرجان باللغة العربية.
يلدا Yaldā
تسمى الليلة الأولى والأطول في الشتاء ليلة يلدا، وهو مصطلح سرياني يعني “الولادة”.[21] يتم الاحتفال بهذه الليلة تحت نفس الاسم ولكنها كانت معروفة في الأزمنة القديمة تحت اسم Çele، والتي تعني “الأربعين”، وهي بذلك تشير إلى الأربعين يوماً من منتصف الشتاء. تم الاحتفال به في الأصل لأنه كان عيد ميلاد ميثرا وكان احتفالاً قديماً جداً بين أتباع الميثرائية في إيران القديمة وكردستان. في العصور القديمة، تم الاحتفال بعيد يلدا في الحادي والعشرين من كانون الأول، ولكن بسبب الاختلافات الناتجة عن الحسابات غير الدقيقة للسنوات الكبيسة، فقد انتقل إلى الخامس والعشرين من كانون الأول.[22] في ليلة الاحتفال ب يلدا يبقى الناس مستيقضين حتى الصباح ويقيمون الحفلات ويغنون ويأكلون ويرقصون ويلعبون.
سه ده Sedeh
ويوجد عيد آخر يسمى سه ده ويعني “المائة” وسمي بهذا الاسم بسبب انقضاء مائة يوم وليلة على نهاية الصيف. لذلك، يتم الاحتفال به في العاشر من شهر بهمن (= 30 يناير)،[23] أي 50 يوماً قبل الاحتفال بنوروز. ومع ذلك، وفقاً للبيروني (عالم من خوارزم) فأن أصل العيد يعود إلى الوقت الذي وصل فيه عدد نسل مشيا Meşiya ومشيانه Mişyane (أول رجل وامرأة) إلى 100 شخص، عندها قاموا بتنظيم وليمة كبيرة بهذه المناسبة وأطلقوا عليها سه ده.[24] ويقول آخرون إن سبب الاحتفال بالعيد يعود إلى تخليد انتصار فريدون على ضحاك، أو بمناسبة طرد أفراسياب من إيران في عهد زاف Zav، ابن طهماسب كما يروي التاريخ الأسطوري. سه ده هو أيضاً عيد قديم وقد كان معروفاُ في كامل أجزاء كردستان الحالية وأجزاء كبيرة من إيران، على الأقل في العصر الساساني، ولكن ربما يعود تاريخ الاحتفال بهذا العيد إلى العصر الأخميني. وفقاً للقصص القديمة، يعود تاريخ العيد إلى عهد الملك هوشنك Hoşeng، الملك الأول للأسرة البيشدادية Pîşdadî الأسطورية،[25] والبعض الآخر إلى بيوراسب Bîurasip، المعروف أيضاً باسم الملك الطاغية ضحاك من قبل الفردوسي.[26] يقول المؤلفون القدماء إن الناس اعتادوا حرق البخور لإبعاد الشر، الأمر الذي يتطلب إبقاء النيران مشتعلة طوال الليل. وبحسب البيروني مرة أخرى، فقد رمو الوحوش والحشرات الضارة في النار لتقتلها، وخلال ذلك قاموا باللعب والشرب حول النار.[27]
يتم الاحتفال بالعيد تكريما للنار وهزيمة قوى الظلام والبرودة. وقد تم ذكره جنباً إلى جنب مع النوروز والمهرجان في بعض الأشعارو هو ماقد يشير إلى أنه قد حضي بنفس الأهمية كما عيدي النوروز والمهرجان.[28] تم الاحتفال بهذا العيد من قبل غير الزرادشتيين في العديد من المناطق؛ حيث كان من العادة إشعال النار بمناسبة سه ده في منطقة رواندوز في كردستان العراق وكذلك بين القبائل الكردية في مهاباد وكرمانشاه وقصر شيرين.[29] وفقاً للبعض، هناك تلميحات في الروايات التاريخية والأسطورية القديمة تشير إلى عبادة النار بين (على الأقل) بعض الأكراد في الماضي.[30] في الوقت الحالي، لا يتم الاحتفال بهذا العيد في اي مكان في كردستان؛ لكن في كردستان الإيرانية، يحتفلون بالنار مرة واحدة في الأسبوع، ولكن كل أسبوع دون انقطاع من سه ده حتى جوارشما – سور (انظر أدناه).[31]
أعياد الإيزيدية
أهم عيد يحتفل به الإيزيديون هو عيد رأس السنة، ويحتفل به كل سنة في أول أربعاء من شهر نيسان. إنه عيد “ملك طاووس”. [32] يعتقد الإيزيديون بأن الله خلق في ذلك اليوم طاووس من نوره، وفي يوم الأربعاء خلق آدم. لذلك فأن هذا العيد هو عيد الخلق/التكوين عند الإيزيديين ولذلك فأن يوم الأربعاء هو يوم مقدس لدى الإيزيديين. يشير النص ذو الصلة في الكتاب الإيزيدي المقدس إلى أن هذه المناسبة هي عيد الربيع وتجديد الأرض بقوله: “نزل ملاك التجديد ملكزان Melekzan يوم الأربعاء في مطلع نيسان إلى الأرض ليعمل على احيائها وتجديدها في الربيع “.[33] يوزع الإيزيديون اللحوم على الفقراء “من أجل أرواح الموتى” وقبل ثلاثة أيام من رأس السنة الجديدة، تأخذ النسوة الطعام إلى المقابر، وهو ما يماثل عيد الفيراليا Feralia الروماني الذي وجده بروكلمان.[34] هو نفس العيد الذي يسمى جارشه ما سور çarşema sor “الأربعاء الأحمر” من قبل الإيزيديين الذين يعيشون في تركيا الحديثة وأذربيجان وأرمينيا وجورجيا.[35] ويتم الاحتفال بعيد آخر بمناسبة أربعين يوماً من منتصف الصيف، بعد صيام يدوم أربعين يوماً (24 يونيو – 3 أغسطس). يقام هذا العيد في لالش ويستمر لمدة ثلاثة أيام. في اليوم السابق للعيد، يحج الإيزيديون إلى الأماكن المقدسة هناك. وبالمثل، يحتفلون بعيد الخريف لمدة سبعة أيام (7 – 14 أكتوبر). يجتمع المشاركون في لالش ويحتفلون بالعيد بشكل مشابه لاحتفالهم بعيد الصيف. وبمناسبة اليوم الأربعين من منتصف الشتاء (24 ديسمبر 4 1 فبراير)، يحتفلون بعيد آخر هو أيضاً عيد الشيخ عدي،[36] حيث يعتقد الإيزيديون بأنه صام أربعين يوماً في الصيف وكذلك أربعين يوماً في الشتاء. يتم الاجتماع للاحتفال بهذا العيد في لالش، حيث يقدمون “قرابين” سَما.[37]
وتوجد أعياد أخرى مثل عيد الصيام الذي يتم بعد صيام ثلاثة أيام، حيث يكون العيد في اليوم الرابع، ويجب أن يصادف يوم الجمعة. ويوجد عيد آخر وهو خاص بطبقة البيرPîr،[38] وهم الذين يتم اختيارهم لخدمة المزارات والأماكن المقدسة. يقول بعض الإيزيديين أن هذا الصوم والعيد مرتبطان بطوفان نوح. عادة، يحدث ذلك في شهر كانون الأول، عندما تكون الأمطار غزيرة. هناك أيضاً عيد “ميلاد” بلندا Bilinda “ولادة” وهو يحدث في الجمعة الثانية من أربعينية الشتاء. عيد آخر هو عيد خضر الياس، وهو أيضاً يوم مقدس للمسيحيين والمسلمين في العراق، ويحدث في أول خميس من شهر شباط. ويسبق هذا العيد صيام ثلاثة أيام. يسمي المسيحيون في العراق هذا العيد باعوثا ويرتبط بالزراعة.[39] أحد الاحتفالات الشيقة هو عيد الختان. عندما يختنون صبياً يزيدياً، يضعونه في حضن رجل من ديانة أخرى أو طبقة اجتماعية إيزيدية أخرى يختارونها،[40] فتسقط قطرات من الدم على ملابس الرجل، فيصبح بذلك كريف ابنهم، أخ بالدين، أو صديق حرفياً – عن طريق الدم مما أدى إلى علاقة وثيقة بين العائلتين حيث لا يُسمح بالزواج بين العائلتين. هذا مثير للاهتمام لأنه يسعى إلى الصداقة والأخوة مع أتباع الديانات الأخرى خارج طائفتهم.
الكاكائيون[41]
في الحادي عشر من كانون الثاني (يناير) يصوم الكاكائيون يوماً واحداً في احتفال يسمى عيد الاستقبال، يليه صيام ثلاثة أيام وينتهي بالعيد في اليوم الرابع. قيل إنهم يصومون يوم ظهورالنجم المعروف بـ “نجم سهيل”،[42] لكن بعضهم ينفي ذلك.[43]خلال التجمعات العامة أو المهرجان السنوي، تقدم كل عائلة ما لديها من طعام، ثم تقوم العائلات المجتمعة بإعداد مأدبة من ذلك الطعام. وبهذه المناسبة يذبح رئيس الطائفة، الذي يُدعى بير Pîr ، الأغنام لهم. بعد ذلك، تتم تلاوة ما يسمى بـ “دعاء الإخوة”، حيث يأكلون جميعاً معاً ويحتفلون بهذه المناسبة برقصة مختلطة (رجال ونساء) تسمى جوبي çopî يعتقدون أن الله يبارك أولئك الذين يأكلون هذا الطعام في تلك المناسبة.
بير شَليار Pîr Şelyar
ويوجد عيد آخر يستمر لمدة أسبوع يتم الاحتفال به في منطقة هورامان التي تقع على جانبي الحدود بين كردستان العراق وإيران. ومدة الاحتفال بهذا العيد سبعة أيام، وهو بمناسبة تكريم بير شَليار، الذي يُزعم أنه كاهناً قديماً في الديانة الزرادشتية. يبدأ العيد في نهاية الصيف ويتم تقديم المآدب اليومية باللحوم والجوز التي تنمو بكثرة في منطقتهم. في فترة بعد الظهر، يجتمع الرجال للرقص في دوائر على إيقاع طبول خاصة. في اليوم السادس يذهبون لزيارة ضريح بير شَليار ويدخلونه حفاة الاقدام.
أخيراً من الممكن أن تكون المهرجانات قاتلة!
يذكر البلاذري، المؤرخ الشهير للفتوحات العربية، أنه خلال مجيء المسلمين لكردستان، اقتربوا من مدينة محصنة لاحتلالها وكانت تدعى رَزان. وجدوا أن جميع سكانها كانوا يحتفلون بعيد فوق هضبة خارج مدينتهم. استغل المسلمون هذه الفرصة واقتحموا المدينة. لقد نجحوا في الاستيلاء عليها قبل أن يتمكن المحاربون والمدافعون من الوصول إلى أسلحتهم التي تركوها وراءهم في المدينة[44]. لسوء الحظ، لم يعط البلاذري أي تلميح عن طبيعة العيد، لكن يمكن للمرء أن يفترض أنه كان عيد نوروز أو مرتبطاً إما بـ هورداد Hordad أوأمورداد.Emûrdad أما بالنسبة لعيد هورداد فقد كان مخصصاً للماء، حيث كانت تقام الصلوات والقرابين بشكل عام في الجداول والآبار. أما عيد أمورداد فكان يجب أن يكون في الحقول عند أقدام أشجار كبيرة[45].
مصادر البحث
الشكل 1: وليمة أشخاص يلبسون الأقنعة ويرقصون ويشربون من تَبَه كَورا Tepe Gewra
Tobler 1950, Vol. 2, pls. CLXII, CLXIII and CLXIV
الشكل 2:رجل يرتدي سترة قصيرة يحمل شاعوب
Tobler 1950, Vol. 2, pl. LXXVb.
الشكل 3أ: منحوتة كوندك Gundik
Al-Amīn 1948, fig. 8
الشكل 4: ملكة اوركيش اوقنيتوم في مشهد مأدبة مع الشرب والموسيقى والغناء.
Buccellati – Kelly-Buccellati 1995, fig. 6.
الشكل 5: نوروز في كردستان الحديثة
الشكل 5: أعياد الإيزيدية
الشكل 6: بير شَليار في هورامان
[1] العنوان الأصلي للمقال:
Kozad M. Ahmed, FEASTS AND FESTIVALS IN KURDISTAN PAST AND PRESENT. In KASKAL
Rivista di storia, ambienti e culture del Vicino Oriente Antico Volume 15 (2018)
[2] Boyce 1968, 1.
[3] Boyce 1983, 794-795.
[4] يتم حالياً تأريخ فترة العبيد الشمالي بين 5300-4200 ق.م. (المترجم).
[5] بخصوص تلك الطبعات والقطع انظر في:
Tobler 1950.
[6] Ahmed 2012, 93-94.
[7] Sajjadi 2010, 223.
[8] Boyce 1983, 792.
[9] Razi, 2004b, 23.
[10] Mu’īn, 2009, 45; Amoozgar, 2009, 57-58.
[11] حول عدد من هؤلاء، انظر:
Sancisi-Weerdenburg 1991, 173 and following, where she mentions (in this
regard) Green in Fuller 1958, 3284329; Le Rider 1965, 33; Vermaseren 1978, 5324534; Ghirshman 1957,
267 and following; Pope 1957, 125.
[12] على سبيل المثال، ذُكر أن لوهراسب Lohrasp بنى مثل هذه المدينة في بلخ؛ أقام أردشير بابكان Erdeşêr Papekan على شرف حفيده هورمزد مأدبة في القاعة “حيث تم الاحتفال بعيد نوروز و سه ده.” انظر في:
Boyce 1983, 793.
[13] Razi, 2004b, 24.
[14] Christensen 1936, 166-167.
[15] Haji 2017, 128.
[16] بخصوص سياسة الحكومة السورية انظر في:
Lowe 2006, 3.
[17] Sajjadi (no date), 58.
[18] Boyce 1983, 107.
[19] نجت أسماء بعض هذه المقطوعات الموسيقية من الضياع، لكن لم يُعرف أي شيء آخر عنها. انظر في:
Safwat 1971, 12418; Razi 2004a, 40.
[20] Boyce 1975, 106.
[21] ومع ذلك، يرى K. Farrokh أن المصطلح دا/ da / في يلدا ليس من أصل سامي، ولكنه ينتمي بدلاً من ذلك إلى عائلة اللغات الهندو-اوروبية الأوسع نطاقًا. يتم تعريف دا / da / أو دائي/ daî / اللاحق في دائيفا / Daîva / وفقًا لقواميس اللغات الهندو-اوربية الأولى على أنها “اليوم، والشمس، واللمعان، والتألق، والإله، والإلهة”، انظر بهذا الخصوص في:
Farrokh 2015, 30433.
[22] Razi 2004a, 77.
[23] Krasnovolska in Encyclopaedia Iranica, available online at: http://www.iranicaonline.org/articles/sada-
festival.
[24] Khatibi (no date), 1. Referring to al-Bīrūni 1934, 308.
[25] Christensen 1936, 170; cf. also Cristoferetti 1998, 71 and following.
[26] Christensen 1936, 170.
[27] Al-Bīrūni 1878, 226-227.
[28] For examples, cf. Khatibi (no date), 2.
[29] Krasnovolska in Encyclopaedia Iranica, available online at: http://www.iranicaonline.org/articles/sada4
Festival.
[30] Cf. for instance Cristoferetti 1998, 73.
[31] Razi 2004a, 156-157.
[32] يبدو أن كلمة “طاووس” هي شكل معدل من دياوس * dyaûs الكلمة الإيرانية القديمة لكلمة “إله” و “الجنة”، ولا سيما أن جلوة، أحد الكتابين الإيزيديين المقدسين، يذكر “الأب طاووس” الذي يجب أن يكون دياووس بِتر dyaus pit(a)r. راجع حول هذا وهبي 2006، 56 والملاحظة 49. ومع ذلك، ليس من المحتمل أن يكون اسم طاووس مشتقاً من اسم آله بلاد ما بين النهرين تموز (في اللغة الاكدية) أودوموزي (في السومرية) بحسب اقتراح الباحث فرانكفورت. انظر:
Frankfort 1934, 144.
[33] Al-Khayyūn, 2016, 177 (referring to Baqsarī 2003, 132).
[34] Cf. Christensen 2010, 474.
[35] Al-Khayyūn 2016, 177
[36] الشخصية الرئيسية لدى الإيزيديين، حيث يعتبرونه مؤسس الإيزيدية.
[37] Al-Khayyūn 2016, 178.
[38] بير هي الكلمة الكردية للشيخ، ويستخدمها أتباع الديانات والطوائف الإسلامية القديمة لتسمية كهنتهم وأسيادهم الصوفيين والمسؤولين عن الأماكن المقدسة.
[39] Al-Khayyūn 2016, 179.
يُعتقد أن الخضر كان شخصية مقدسة تسبب في نمو النباتات أينما جلس. هناك أضرحة في أماكن مختلفة في العراق لاستدعائه. في بغداد يحتفلون به بالشموع العائمة المشتعلة في نهر دجلة.
[40] ولا يتم ذلك مع الأولاد من الأديان أو المذاهب الذين يحرمون الختان.
[41] بخصوص الكاكائية انظر في:
Kreyebroek at: http://www.iranicaonline.org/articles/kakai.
[42] واسمه اللاتيني كانوبوس وهو ألمع نجم في مجموعة النجوم المكونة لكوكبة القاعدة، وثاني ألمع نجم في السماء ليلا بعد الشعرى اليمانية. (المترجم) انظر بالتفصيل في:
سهيل (نجم) – ويكيبيديا (wikipedia.org)
[43] Al-Azzāwi 1949, 68-69.
[44] Tawfīq 2014, 302 (Referring to al-Balādhuri, 328).
[45] Boyce 1983, 792.