نوقشت في كلية الآداب بجامعة المنصورة في جمهورية مصر العربية قبل عدة أسابيع رسالة الماجستير التي قدمها الباحث من اقليم كردستان العراق (ئوميد ياسين رسول) بعنوان: ظاهرة الاغتيالات السياسية لزعماء الكرد 1930_1995″.
تتناول هذه الدراسة (ظاهرة الاغتيالات السياسية لزعماء الكرد 1930 _ 1992م)، واختار الباحث عام 1930م، كنقطة انطلاق للدراسة لأنه العام الذي أُغتيل فيه القائد الكردي إسماعيل أغا الشكاكي في إيران،وجاء عام 1992م،كنهاية لها لأنه شهد اغتيال صادق شرفكندي زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني _ إيران في العاصمة الألمانية برلين.
وتعود أهمية هذا الموضوع للدراسة إلى تكرار هذه الظاهرة في البلدان التي توزع المكون الكردي عليها خاصة في إيران والعراق خلال القرن العشرين. وتهدف هذه الدراسة إلى تناول أسباب وتداعيات ظاهرة الاغتيالات السياسية للقادة والزعماء الكرد (1930 ـ 1992م)،باعتبارها وسيلة للقضاء على الحركات المسلحة الكردية في كل من العراق وإيران وتركيا، بالإضافة إلى دراسة ظاهرة استعمال العنف والقتل والتصفية الجسدية كأسلوب من أساليب العمل السياسيمن قبل الأنظمة الإيرانية والعراقية ضد خصومهم الكرد.
وتحاول الدراسة الاجابة على التساؤلات التالية:
- ماهو مفهوم الاغتيال؟ وما الفرق بين القتل والاغتيال؟
- كيف بدأت الاغتيالات السياسية في التاريخ الحديث؟
- ما أسباب اغتيال إسماعيل أغا الشكاكي؟ وماهي تداعيات اغتياله؟
- إلى أي مدي كان لبريطانيا والعراق وتركيا دور في اغتيال سمكو؟
- كيف وقع سيد طه النهري في فخ الاغتيال بطهران على الرغم من معرفته بسابقة اغتيال سلفه القائد الشكاكي؟
- ماهي الأساليب التي اُستعملت في محاولات اغتيال مصطفى البارزاني ونجليهإدريس ومسعود، وكيف تمكنا من النجاة؟ وما هي تداعيات محاولات اغتيال القادة البارزانيين بالرغم من تفاوضهم مع الدولة العراقية من أجل الوصول إلى تسوية للقضية الكردية.
- لماذا لجأ نظام البعث لاغتيال مصطفى البارزاني؟
- ما هي أصداء محاولات اغتيال مصطفي البارزاني ورد الفعل الكردي حينذاك؟
- لماذا لجأ نظام البعث لاغتيال صالح اليوسفي؟
- كيف تمكن الجناة من اغتيال عبد الرحمن قاسملو وخلفه صادق شرفكندي على الرغم من تواجدهما في بلدين أوربيين (النمسا وألمانيا) معروفين بالتدابير الأمنية؟ وما هي نتائج التحقيقات الرسمية في تلك الجرميتين وسبب تقاعس كل من النمسا وألمانيا عن إعلان نتائج التحقيقات؟
- هل أثرت جريمة ميكونوس على علاقة دول الاتحاد الأوربي مع النظام الإيراني؟
- هل أثر اغتيال زعماء الحزب الديمقراطي الكردستاني-إيران على حزبهم وعلى نضال الكرد في كردستان- إيران؟
و يتكون الدراسة من مقدمة وأربعة فصول وخاتمة:
جاء الفصل الأول بعنوان ( ظاهرة الاغتيالات السياسية ) وتناول ظاهرة الاغتيالات كمفهوم وتحديد أنواع الاغتيالات والتصفية الجسدية بما فيها الاغتيالات السياسية التي تهدف إلى إبعاد الخصوم السياسيين من ساحة الصراع ودوافع الاغتيالات السياسية والفرق بين الإرهاب والاغتيال، واشهر الاغتيالات السياسية التي جرت في التاريخ على مستوى العالم، كما استعرض أهم الاغتيالات السياسية التي استهدفت القادة والزعماء الكرد قبل 1930م، مثل إسماعيل أغا، بابير أغا، محمد باشا، حمزة أغا، جعفر أغا، الشيخ سعيد الحفيد.
وجاء الفصل الثاني بعنوان (الاغتيالات السياسية لزعماء الكرد قبل الحرب العالمية الثانية بإيران)وعالج ظاهرة الاغتيالات السياسية لزعماء الكرد قبل الحرب العالمية الثانية بدولة إيران خلال حكم آلبهلوي والذي بدأت باغتيال سمكو أغا الشكاكي في مدينة شنو الإيرانية 1930م، بعد استعراض أهم محطات حياتهوأبرز المحاولات التي بُذلت من أجل تصفيته جسديا وكيفية نجاته من تلك المحاولات حتى وقوعه في فخ الاغتيال أثناء توجهه للمفاوضات مع السلطات الإيرانية وإلى أي مدي كان لبريطانيا والعراق وتركيا دور في اغتياله،ثم اغتيال سيد طه النهري الذي وُلد ونشأ في تركيا لكنه ألتحق بثورة سمكو ضد حكم رضا شاه بهلوي في إيران،واغتياله عن طريق السم في طهران .
وجاء الفصل الثالث بعنوان (محاولات اغتيال زعماء الكرد في العراق بين النجاح والفشل 1970-1981م) برصد المحاولات الفاشلة والناجحة لاغتيال زعماء الكرد بالعراق بين أعوام 1970 ـ 1981م. نجحت واحدة من بين تلك المحاولات ألا وهي اغتيال صالح اليوسفي. يبدأ عرض تلك المحاولات بمحاولة اغتيال إدريس البارزاني 1970م،أثناء تواجده في بغداد من أجل التفاوض مع الدولة العراقية بغية الوصول إلى تسوية سياسية للقضية الكردية وتداعيات هذه المحاولة على علاقة الحركة الكردية بالنظام الحاكم في العراق.
علاوة على المحاولات المتعددة التي تعرض لها الملا مصطفى البارزاني خاصة محاولات (1936م)، (1961م)، (1971م)، (1972م) والإشارة إلى تداعيات هذه المحاولة على الثقة الهشة بين بغداد والحركة الكردية بالإضافة إلى محاولة اغتيال مسعود البارزاني في النمسا 1979م واتهام المخابرات العراقية بتدبير تلك المحاولة الفاشلة.
وجاء الفصل الرابع بعنوان (اغتيال قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني _إيران في المنفى) وتناول عملية اغتيال أشهر قائدين كرديين في إيران عامي 1989 و 1992 في المنفى ونتائج التحقيقات التي أُجريت في مقتلهما في كل من النمسا وألمانيا،عملية اغتيال عبدالرحمن قاسملو في 1989م في النمسا مع عرض أبرز محطات حياته السياسية والثقافية وجهود قاسملو للتفاوض مع النظام الإيراني ومكانته السياسية ونشاطاته الثقافية وعلاقاته الواسعة بالدولة العراقية والقوى العربية،ورحلة قاسملو إلى النمسا للتفاوض مع النظام الإيراني وتعرضه للاغتيال أثناء المفاوضات مع اثنين من مرافقيه، وعرض قرائن ودلائل ضلوع ايران باغتياله .
وعملية اغتيال خلف قاسملو في قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني صادق شرفكندي في ألمانيا في 1992 مستعرضا كيفية اغتياله مع ثلاثة من رفاقه في مطعم ميكوونوس ببرلين،مع تحديد الآثار والتداعيات التي تركها اغتيال هذين الزعيمين على الحركة الكردية في ايران .
وقد اعتمدت الدراسة على قائمة متنوعة من المصادر والمراجع على راسها:
- الوثائق العربية غير المنشورة خاصة وثائق وزارة الداخلية العراقية، والوثائق الأجنبية غير المنشورة .
- كما اعتمد الباحث على الوثائق الأجنبية المنشورة على رأسها وثائق وزارة خارجية الولايات المتحدة Foreign Relations of The United States (F.R.U.S) والكتب الوثائقية الفارسية المنشورة. وعدد من رسائل الماجستير غير المنشورة علاوة على المراجع العربية والأجنبية والكردية والفارسية والمقابلات التلفزيونية ومقابلات الباحث مع الشخصيات والزعامات المعاصرة لهذه الاحداث علاوة على الدوريات والمواقع الإلكترونية.
وخرجت الدراسة بعدد من النتائج وهي:
- تمثل الاغتيال السياسي، لزعماء الكرد في استخدام العنف المفرط ووسائل التصفية الجسدية واستهداف الزعامات التاريخية مما يمثل ظاهرة ارهاب الدولة وهو أخطر أنواع الإرهاب،وتُعد ظاهرة الاغتيالات السياسية ظاهرة عالمية ازدادت حدتها بعد الحرب العالمية الثانية مارستها الدول الديمقراطية والدكتاتورية على السواء، مثل الولايات المتحدة التي اغتيل عدد من رؤسائها، كما لجأت إليها الدول الدكتاتورية بشكل أكثر لتصفية معارضيها.
- لم تُسكت محاولات اغتيال زعماء الكرد ارتفاع حدة الحركة الكردية فبعد اغتيال سمكو ظهر قاسملو وبعد اغتياله ظهر شرفكندي…
- كانت الغاية من استهداف زعماء الكرد وتدبير المؤامرات المتنوعة لاغتيالهم ضرب الحركة الكردية، وتركزت معظم هذه المحاولات في إيران يليها العراق،ولم يستفد زعماء الكرد من تكرار هذه ظاهرة ضدهم خاصة في شرق كردستان .
- أقلق سمكو الشكاكي بال حكومات خمس دول وهي: إيران وتركيا والعراق وبريطانيا وروسيا، فلجأت الحكومة الإيرانية إلى اغتياله بأسلوب المراوغة والحيلة ووثق سمكو بأعدائه وتكرر نفس الخطأ مع شقيقه (جعفر أغا) في عام 1905م، فوقع في فخ الدولة الإيرانية وانتهى الأمر باغتياله .
- استمر سيد طه على نهج نضال آبائه بينما حاولت بريطانيا استغلاله لتحقيق أهدافهم، وعندما استنفذت أغراضها تخلصوا منه .
- أنقذت العناية الإلهية إدريس البارزاني، وظل الفاعل الحقيقي مجهولاً حتى اعترف مدير الأمن العام ناظم كزار بالواقعة، وضحى النظام به مؤكدًا عدم معرفته بحقيقة هذه المؤامرة.
- نجا مصطفى البارزاني من عدة محاولات لاغتياله كان أولها محاولة محافظ الموصل دس السم له في فنجان قهوة في 1936م، وثانيها عندما غير البارزاني موقع اجتماع حدده الأمن العراقي في اللحظة الأخيرة فتعرض ذلك المكان للقصف الجوي في 1961م، وثالثها في 1971م بمحاولة تفجير مقر لقائه بوفد من رجال الدين بحجة الوساطة للمصالحة، ورابعها بواسطة حقيبة مفخخة في 1972م، كما أنقذه القدر من أكثر من ثلاث محاولات اغتيال بين عامي 1975م و 1979م ولم تتوقف هذه المحاولات حتى بعد إصابة البارزاني بمرض ميؤوس من شفائه.
- تُعد الاغتيالات السياسي وسيلة من وسائل عجز الدولة عن مواجهة الحركة الوطنية والمعارضة فعندما لم تستطع الحكومة العراقية إخماد الثورة التي قادها البارزاني لجأت عدة مرات لاغتياله باعتقادهم أن اغتياله يُنهى الحركة الكردية في جنوب كردستان،واستمرت محاولات نظامالبعث لاغتيال زعماء الكرد حتى خارج العراق حيث اُستهدف مسعود البارزاني في فيينا ولكن تلك المحاولة فشلت أيضًا.
- نجحت محاولة اغتيال صالح اليوسفي بطرد مفخخ بينما فشلت المحاولات التي استهدفت مصطفى البارزاني ونجليه إدريس ومسعود مما دفع السلطات العراقية للسعى والبحث عن سبل جديدة في التعامل مع زعماء الكرد.
- تدخل عمليات الاغتيال السياسي في إطار العلاقات الثنائية للدول وتشهد مساومات وتواطؤ ودفع فواتير واستخدام الضغوط السياسية والعسكرية وتبادل المصالح فغضت النمسا الطرف عن جرائم إيران الإرهابية مقابل الحصول على مكاسب اقتصادية.
- أدت سذاجة بعض القادة الكرد إلى وقوعهم في فخ المؤامرات الساعية لاغتيالهم خاصة حالة قاسملو.
- كان لمحاولات الاغتيال صدى شائع باختلاف الظروف الزمانية والمكانية وكان لاغتيال قاسملو صدى أكثر من اغتيال سمكو، كما كان لمحاولة اغتيال الملا مصطفى البارزاني في 1971م صدى أكثر من محاولة اغتياله في 1972م.
- جرت معظم حالات اغتيال زعماء الكرد أثناء المفاوضات والتحدث عن حل سلمي للقضية الكردية.
- شهدت ظاهرة الاغتيالات السياسية التي استهدفت الزعماء الكرد في شرق كردستان نصيبا أكبر مقارنة بباقي أجزاء كردستان، ومرد ذلك استخدام النظام الإيراني القوة والعنف ضد الحركات التحررية الكردية وكذلك سذاجة وإهمال زعماء الكرد .
- لم يتعظ شرفكندي من أخطاء قاسملو، وقام بالتفاوض في مكان عام ومكشوف غير آمن ومعلوم لجميع الإيرانيين خاصة في برلين ودون إخطار للشرطة لحمايته، لذا كان خطأ شرفكندي أكبر من خطأ قاسملو.
- دار الهدف الاساسي من عملية ميكوونوس تصفية شرفكندي ورفقائه في الحزب حيث كان بإمكانهم قتل جميع الحاضرين في غرفة الاجتماع، والحاق ضرر كبير بحزب الديمقراطي الكردستاني –إيران .
- كان لدي الإرهابيين علم بالمطعم وضواحيه وحتى غرف الاجتماع وكان لديهم علم بشكل أعضاء الهيئة المشاركين وحتى مكان الجالسين لذا جاءوا مباشرة إلى غرفة الاجتماع وقاموا بإطلاق النار على هيئة الحزب .
- جاءت تأثيرات اغتيال شرفكندي أكبر من تأثيرات اغتيال قاسملو على الحزب، لأن شرفكندي استطاع أن يملأ الفراغ الذي تركه قاسملو، وان قاسملو قد ترك وراء فراغ كبير، فضلاً عن أن اغتياله يعتبر ثاني أكبر ضربة أو خسارة تعرض لها الحزب .
- شهدت أوربا ملاذًا آمنًا للجواسيس وللقتلة بجوازات سفر مزورة في النمسا وفرنسا وسويسرا.. ودول أخرى، والمصالح القومية وإرادات الدول وأعمال التجارة منحت الفرصة لهروب القاتلين .
- تعد عملية الاغتيالات السياسية منظومة معقدة ومتشابكة تلجأ إليها الدول وأجهزة المخابرات وعصابات دولية وتتعدد الآليات والوسائل التي تلجأ إليها لتنفيذ تلك المخططات الإجرامية.
- لم تعدم الحكومات العراقية والإيرانية والتركية المتعاقبة الوسائل للتخلص من الزعامات الكردية داخل وخارج كردستان وإذا كانت تلك الحكومات قد اغتالت بعضهم فما زالت الحركة الكردية باقية.