حرب الألوان

شارك هذا المقال:

الفصل الثامن 

الترجمة عن الإنكليزية : راج آل محمد

 

حرب الألوان

العدو في الداخل

بحلول عام 1994 بات التهديد والخطر في كردستان الجنوبية مثل الفيروس في الهواء يستشعر به الجميع ولكنه غير مرئي ويضرب بشكل عشوائي. كانت النصيحة الموجهة لأي شخص أجنبي هي عدم التنقل والحركة لوحده. ولكن كثيراً، وبحكم الضرورة، لم يكن بإمكاننا أن نجد مرافقين شخصيين لحمايتنا ولا أن نجد سيارات لنسافر فيها، لذا كان ينبغي أن نمشي عدة تجمعات سكنية لوحدنا بعيدين عن المناطق المجاورة للمنظمات غير الحكومية عبر الأسواق المزدحمة أو عبر ساحة مكشوفة للاتصال بشخص ما. بات الأجانب العاملون في كردستان الجنوبية يشعرون بتسعيرة العشرة آلاف دولار على رؤوسهم، وهو مبلغ أكدته الأمم المتحدة كسعر صرف رسمي يقدمه صدام حسين لمجرميه كي يغتالوا أي أجنبي يعمل في المنظمات غير الحكومية أو صحفي أو حتى أي من حراس الأمم المتحدة.  

   متشمساً في حديقة ذات جدران عالية خارج وقت الدوام في مقر مفوضية الأمم المتحدة في العراق، شرح لي توم أولسن، رئيس الفريق العامل في زاخو، أن الأمم المتحدة تعرضت لـ 151 هجوم على أفرادها ومبانيها في الأشهر الأربع الأولى من عام 1994 وكانت نتائجها مميتة في بعض الأحيان. وكان عملاء عراقيون قد هاجموا حافلة (ميكروباص) لمفوضية الأمم المتحدة في العراق عند نقطة تفتيش يسيطر عليها الأكراد بالقرب من أربيل في الشهر الماضي وبالنتيجة أُصيب جنديان أستراليان بجراح خطيرة أدت إلى شلل أحدهما. لقد تم رش حافلتهم بمدفع رشاش مخبّأ في خنادق تم حفرها مؤخراً من قبل العراقيين داخل “كردستان المحررة”. كان حراس الأمم المتحدة غير راضين عن الوضع الأمني وصرحوا أنهم بحاجة إلى مزيد من الحماية إذا ما قرروا الاستمرار. لقد عرِف الحراس أنهم باتوا الهدف الرئيس للنظام. وكان الكثير منهم يتشوقون إلى العودة إلى بيوتهم قبل أن يجددوا عقودهم لسنة أخرى في كردستان. بات اختصار الأمم المتحدة UN يعني “اللاشيء المتحد”United Nothing قال أحدهم ضاحكاً وهز الآخرون رؤوسهم في إشارة إلى الموافقة.

   رُفِعت الرايات السوداء على أسوار المنظمات غير الحكومية ومكاتب الأحزاب السياسية الكردية وهي ترفرف بعنف في الهواء تذكيراً بـ “الموت العرضي” لمركز القيادة العسكرية الذين ذهبوا ضحية هليكوبتر قبل شهر وبمقتل صديقة الأكراد الصحفية الألمانية ليسي شميدت Lissie Schmidt التي قُتِلت مع مرافقها الشخصي من قبل عميلين عراقيين مأجورين من قبل النظام في كركوك. لقد عُلِقت إحدى اللافتات السوداء على سجن زاخو وكُتِب عليها “إنكم في الواقع تستشهدون من أجل الإنسانية وحقوق الإنسان”. نعم، لقد وصلت الكآبة إلى هذا الحد. فكرتُ في”ليسي” بحزن عميق التي غالباً ما كنت ألتقي بها عندما تتلاقى طرق عبورنا إلى مناطق كردستان المختلفة. بات أصدقائي الأكراد يحذرونني “لا تكوني مثل ليسي. لا تثقي  بأحد” ولكن كيف يمكن للمرء أن يكون حذراً؟ إذ بدا أنه لم يعد بمقدور أحد أن يستطيع الاعتناء بأي شيء في كردستان الجنوبية. لقد تبخر مزاج الأمل في “الملاذ الآمن” وحل محله اليأس والعنف والمجهول عندما أخفق الغرب في معالجة القضايا السياسية في قلب الصراع الكردي في كل من شمالي العراق وتركيا.

    لدى عودتي إلى كردستان بمفردي في ربيع عام 1994 كان “الملاذ غير الآمن” في زاخو مليئاً بالاستخبارات العاملة بفعالية-عملاء من الكثير من الأمم المعادية والدول المجاورة طمعاً في فوائد قد يجنوها من مستقبل كردستان. كانت السيارات التي تحمل لوحات تركية أو بدون لوحات حتى تجوب شوارع زاخو ودهوك وفيها شرطة بلباس مدنية –ميت [الاستخبارات العسكرية التركية]. ويمكن أن تسمع من بعض الناس المطلعين  بأن مكاتب العلاقات العامة الكردية ربما تكون مخترقة من قبل عملاء يتلقون رواتبهم من الحكومة التركية أثناء زيارتك لها.

   على سطح مقر الهلال الأحمر التركي في دهوك كان ثمة رجال مسلحين في حالة تيقظ تام وأصابعهم جاهزة على الزناد. كانت الجدران محصنة بأكياس الرمل ،والمزاج العام في المكان لم يكن يدل على نزعة خيرية إنسانية تجاه الكرد بل بدت مثل حصن يستعد لمواجهة حصار.

العقوبات والاضطراب السياسي

يستحق صدام التهنئة على فعالية الحظر الداخلي الذي فرضه على شمالي العراق الخاضع للسيطرة الكردية في تشرين الأول (أكتوبر) 1991. فبعد ثلاث سنوات من ذلك الحظر كانت كردستان تموت جوعاً بالمعنى الحرفي للكلمة. لقد أثمرت خطته أخيراً. فمع التمديد الجديد لعقوبات الأمم المتحدة ضد العراق، بدا مؤكداً ألا تحسن سيطرأ على ظروف معيشة المواطنين العاديين. وكان لذلك عواقب سياسية وخيمة. فمع كارثة اقتصادية كبيرة كتلك، بات معظم الأكراد يائسين من الاستمرار في العيش. لقد باتوا يفهمون الآن، مثلما فعل صدام منذ البداية، أن الحرية بمعدة فارغة ليس حرية على الإطلاق. لقد باتت “كردستان الحرة” سجناً من جديد. 

   لقد أصبحت الحقيقة اليومية منذ أشهر هي المزيد من الحرمان. عملياً لم يكن هناك أي توظيف وحتى أولئك القليلون الذين لديهم وظائف كانت أجورهم غير كافية لمعيشة أسرهم. مع توسع الهوة بين الفقراء والأغنياء، باتت التصدعات في الاقتصاد تزداد أكثر فأكثر. استفاد التجار من العقوبات المضاعفة حيث كانوا يبيعون منتجاتهم في الأسواق الحرة بأسعار يستطيع فقط 5% من الطبقة العليا تحمل نفقاتها. لم يعد الفقراء يأكلون اللحم أو الخضروات واكتفوا فقط بالرز والخبز والتمر والبطاطا.  

   ومع وصول الدينار إلى أدنى مستوياته متخطياً سعر 75 دينار مقابل الدولار، فإن من كان يستطيع الحصول على عشرة دنانير في اليوم –وهي كافية فقط لشراء نصف كيلو من الرز أو الفاصولياء- يُعتبر محظوظاً بما فيه الكافية. في هذه المرحلة اضطرت الكثير من العائلات إلى بيع آخر قطعة من الأثاث لديها بما فيها حتى الأبواب والألواح الزجاجية في النوافذ لمنازلهم من أجل إطعام أسرهم لشهر آخر أو أسبوع آخر أو حتى يوم آخر. والمنظمات غير الحكومية المتبقية في كردستان بما فيها المفوضية العليا للاجئين، واليونيسيف، وبرنامج الأغذية العالمي وأنقذوا الأطفال Save the Children  وقنديل، لم يكن لديها الميزانية لكي تحل المشكلة.

   كان المشروع الصحي السويدي، قنديل، يعالج شهرياً ما يقارب 400 حالة من سوء التغذية الشديدة بين الرضع والأطفال  في عيادة واحدة فقط ومراجعة حالات الهزال التدريجي (أو ما يطلق عليه طبياً اسم سَغَل) وكواشيوركور (سوء التغذية بالبروتين والطاقة). ومع وجود ما بين أربعة إلى ستة عشر طفلاً في العائلة بات البقاء على قيد الحياة صعباً للغاية. لأسباب دينية واجتماعية فإن ضبط النسل غير موجود عملياً في كردستان لذلك فإن الطفل يلحق بأعقاب الآخر. في اليوم الذي ذهبتُ فيه إلى مركز قنديل الغذائي الداعم في زاخو، تم معالجة ما مجموعه تسعون امرأة وطفلاً في غضون ست ساعات. فيما عاد ثلاثة من فرق قنديل من أطباء وعمال صحة الذين يقدمون الرعاية الصحية للقرى الكردية البعيدة عن المركز إلى المستوصف في زاخو لرفع تقارير عن المشاكل ذاتها. كانت الأمهات يصلن إلى المركز مع زوج من التوائم وهي تذوي أمام أعينهن. كانت صحة النساء في تدهور دائم مع انتشار تضخم الغدة وفقر الدم والنقص في البروتين بات متفشياً.

   وتفاقم الموقف أكثر من ذلك في ربيع 1994 عندما فرّ ما يقدّر بعشرة آلاف كردي من الهجمات على قراهم من قبل الجيش التركي ليطلبوا الملاذ في كردستان الجنوبية( شمالي العراق) وأماكن أخرى. استمرت الطائرات الحربية التركية في غاراتها على طول الحدود بينما كثّفت قواتها البرية حملة تدمير القرى الكردية والمناطق المشجرة داخل تركيا. لم يكن هدف الأتراك عزل الگريلا عن السكان الأكراد بل أيضاً لإخلاء كردستان تركيا من سكانها بالقوة (انظر الفصل التاسع).

الانتحار السياسي في كردستان الجنوبية

تطورت العلاقات السياسية الكردية، التي انبثقت بشكل رئيسي من الصلات القبلية بالعائلات البارزة والولاء للآغوات (مالكي الأراضي الأثرياء) والشيوخ، بشكل تدريجي إلى نوع من الدعم الشعبي للأحزاب السياسية الكردية أو حركات سياسية رغم أن “العشائر” الكردية استمرت في ممارسة حد من التأثير السياسي في المنطقة.

  إثر الانتخابات الكردية التي جرت في أيار (مايو) 1992 في “كردستان الحرة”، بات النفوذ في الإقليم مقسما بالمناصفة بين (ح.د.ك) و(أوك) مما ساهم في زيادة التنافس والانقسام القائمة منذ عقود بين الحزبين الرئيسيين. بعد عدة أشهر بدأ الأكراد يشيرون إلى حالة التوتر الداخلية الظاهرة بـ”حرب الألوان” في إشارة إلى حالة التنافس بين الحزبين الرئيسيين للسيادة المطلقة على “كردستان الحرة” حيث الأعلام الخضراء والمباني المدهونة باللون الأخضر لـ (أوك) التابع لجلال الطالباني تتنافس مع الأعلام الصفراء والمباني الملونة بالأصفر لـ(ح.د.ك) التابع لمسعود البارزاني.

خلفية الاحتراب الداخلي

عندما سُحِقت حركة البارزاني وثورته من قبل الحكومة العراقية بمساندة من القوة الجوية البريطانية في عام 1945، اضطر الملا مصطفى البارزاني إلى الانسحاب إلى إيران. هناك كان يُنظر إليه على أنه عميل للبريطانيين. ونظر إليه الروس الذين كانوا يسيطرون على إقليم أذربيجان النظرة ذاتها. لهذا السبب لم يمنح قائد (ح.د.ك.إ), قاضي محمد, مكانة ذات أهمية للملا مصطفى، بل أبقى البارزانيين في قرية على الحدود. وقد قام إبراهيم أحمد بتشجيع العلاقة بينهما في سبيل القوة السياسية والاتحاد. كان أحمد مسؤولاً عن شؤون البرنامج [السياسي] لـ (ح.د.ك) في عام 1951 وأصبح سكرتيراً عاماً للحزب بين 1953 إلى 1964 وبقي يشغل منصب سكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني في الفترة بين 1964 إلى 1970.

   حالة التنافس بين (ح.د.ك) و(أوك) تعود إلى تلك الفترة. منذ البداية كان (ح.د.ك) يتألف من مجموعتين متميزتين ومتباينتين إلى حد كبير تتمثل في الجناح المدني التقدمي بقيادة إبراهيم أحمد والجناح القبلي التقليدي بقيادة ملا مصطفى البارزاني.

   كانت الجموع غير المثقفة بحاجة إلى بطل، وكان البارزاني هو من وقف في وجه الجيش البريطاني وحارب في عدة حروب بحيث بات البارزاني محط أنظار الجميع. بحكم إدراكه لتلك الحقيقة، ساعد المكتب السياسي البارزاني كي يصبح رئيساً صورياً للحزب وانتهى بهم الأمر أن تحولوا إلى ضحايا له. دخل المكتب السياسي الذي كان يبحث عن توحيد الكرد تحت قيادة سياسية واحدة في خلاف مع الملا مصطفى الذي انضم إليه الآغوات والإقطاعيون ودفعوا إبراهيم أحمد وجلال الطالباني وأتباعهما إلى إيران. لم يفهم 90% من الأكراد الذين يعيشون في ظل أسطورة البارزاني نوايا المكتب السياسي أو لم يعرفوا عنهم شيئاً أصلاً، وبالتالي عندما أُجبروا على التوجه إلى إيران، فإنهم اتُهموا بمحاولة خلع البارزاني، الذي أصبح بطلاً في المخيلة الشعبية، عن مركز القرار وتم اتهامهم بالخيانة بكل سهولة.

   بات البارزاني عقبة في وجه الإصلاح ولجأ المكتب السياسي إلى البعث من أجل أن يعيد تسليح أنفسهم وسلكوا سبيل القومية بالذهاب إلى بغداد. لدى محاولتهم لإصلاح القبائل، بدأوا بالهجوم على الآغوات الذين انضموا إلى البارزاني من أجل حماية أنفسهم  بحكم منبتهم الإقطاعي مثل البارزاني. وكانت تلك القبائل ذاتها هي التي طردت المكتب السياسي عندما هُددت مصالحهم.[1]

   عاد المكتب السياسي إلى البارزاني في عام 1965 لكن الزعيم سعى إلى معاقبتهم على عدم إخلاصهم مؤخرا. ورغم أن خطط الهروب قد أُ‘عِدّت إلا أن رفاق المكتب السياسي قد أفشوها وعرف البارزاني بمكان اختبائهم فلم يبق لها من خيار سوى اللجوء إلى بغداد.

   بعد انهيار الثورة الكردية لعام 1975 هذه المجموعة المنشقة بشكل أساسي ضمن (ح.د.ك) شعرت أن البارزاني قد أفشل الحركة مرة أخرى. كان مائة وخمسون ألف مقاتل بيشمرگه قد أخبروا البارزاني أنهم لا يزالون يريدون أن يستمروا في القتال سواء أراد أن يبقى أو يتنحى بشرط ألا يستسلموا لبغداد. ورغم أن البارزاني أراد أن يتجنب مزيداً من سفك الدماء، فإنه كان ذلك ضد أن يخلفه أي من قادته الأقوياء أمثال عمر دبابة وعلي عسكري. لذلك ضحى بالقضية الكردية* وهدد بمقاتلة المنشقين من إيران وبمساندة إيرانية.

   فيما بعد تم تشكيل (أوك) في حزيران (يونيو) 1975 من مجموعة الأعضاء السابقين في (ح.د.ك) الخائبي الأمل :”الخط العام” بقيادة جلال الطالباني ومجموعتين صغيرتين أخريين: كوماله الماركسية-اللينينية والحركة الاشتراكية. ترأس (أوك) جلال الطالباني، صهر إبراهيم أحمد ووريثه السياسي. قُلّد مسعود البارزاني قيادة (ح.د.ك) في عام 1978. كان بإمكان مسعود أن يختار السير بالأشياء قدماً بدلاً من القبول بالمستنقع السياسي المتوارث عن والده لكنه أخفق في ذلك واستمر صراع  النفوذ بين (ح.د.ك) و(أوك) حتى عام 1982 واندلع مرة أخرى في أيار (مايو) 1994. لم تكن هناك قوة مركزية في كردستان بل مئات القوى الصغيرة التي تمثل ميراث الإقطاعية واستمر مسعود في استقطاب الإقطاعيين.   

 

 

 

نبذة عن اللاعبين الرئيسيين في كردستان العراق

الحزب الديمقراطي الكردستاني (ح.د.ك)

بقيادة مسعود البارزاني وهو الأقوى في منطقة بهدينان ويشتهر بنزعته المحافظة. يزعم أنه يحترم التقاليد الكردية القديمة ولكنه يستمر في إقامة تحالفات مع جيرانه من الأعداء الذين خانوا جميعاً الحركة التحررية الكردية في كل فرصة. ورغم أن الكرد عموماً يعترفون بالمآثر السياسية التي قام بها الملا مصطفى البارزاني، رمز الحزب، للحركة الكردية، يتذكر الكثيرون أيضاً خيبة الأمل التي شعروا بها عندما وضع البارزاني السلاح (نتيجة ثقته بهنري كسنجر و CIA) وترك النضال لدى هزيمته في عام 1975. جاء استسلامه في لحظة كان الكرد في أوج قوتهم أثناء الثورة الكردية من 1970-1975. في تلك المرحلة المفصلية كان لديه نحو 150 ألف بيشمرگه مسلح يناضلون من أجل الحقوق الكردية. إثر توقيع العراق على اتفاقية الجزائر مع إيران، كل مكتسبات الثورة ضاعت في الحال.

   ورغم أنه يوجد في الوقت الحاضر اثنين فقط من أفراد عائلة البارزاني في المناصب العليا داخل الحزب، قائده مسعود البارزاني وابن أخيه نيچيرڨان وهو أحد الأعضاء السبعة في المكتب السياسي, فإن القسم بالولاء لمسعود البارزاني لا يزال شرطاً أساسياً للعضوية. ويزعم أعضاء اللجان العليا للحزب الديمقراطي الكردستاني أنهم يدعمون تطبيق الديمقراطية داخل الحزب. لكن الكثيرين من خارج الحزب يتهمونه بالأتوقراطية ويقدمون الدليل على ذلك بكون الملا مصطفى البارزاني هو نفسه من قام بتعيين مسعود خلفاً له فهو لم يُنتخب من قبل بقية الأعضاء. وهل يمكن أن ينتُخب لقيادة (ح.د.ك) من لا ينتمي إلى البارزانيين؟

   يحتفظ (ح.د.ك) بأكثرية الأصوات في منطقة بهدينان بينما يستحوذ (أوك) على الدعم الشعبي في منطقة صوران مع مجموعة ثالثة أصغر تُقسم بين الشيوعيين والحركة الإسلامية و زحمت كيشان (الكادحين) وPKK وحفنة من الأحزاب الأخرى والشخصيات المستقلة[2] كما تجلى في نتائج الانتخابات التي جرت في عام 1992 وفي الاقتتال الداخلي من 1994 إلى 1995.

الاتحاد الوطني الكردستاني (أوك)

تأتي طلبات الانتساب إلى الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني من الأوساط المدينية في السليماينة وأربيل (هولير) وكويسنجق. وينتمي الكثير من الشخصيات البارزة فيه إلى طبقة رجال الأعمال الأثرياء والطبقة الوسطى من المثقفين المدنيين الذين تأثروا بالحركة القومية العربية، التي هي غالباً ضد الشيوعية في المنطقة،والشباب العاطلين عن العمل الذين يتلقون راتباً أساسياً كمقاتلين مسلحين çekdar. تاريخياً كان (أوك) يفضل دوماً الحل العسكري لحل المشاكل العالقة وكثيراً ما بدأ بالصراع المسلح عندما يكون في خلاف مع بقية الجماعات السياسية. (الأعمال العدائية ضد (ح.د.ك) في 1994-1995 هي الجولة السادسة من الاقتتال الداخلي).

   طالما أن جلال الطالباني، قائد ومؤسس (أوك)، يستمر في القيادة لا يمكن الحديث بسهولة عن ديمقراطية حقيقية داخل الحزب فلم تجر أية انتخابات داخل الحزب  قبل 1992 وأعضاء المكتب السياسي كانوا يُنتخبون ويعينون من قبل جلال الطالباني نفسه. وقد برهن الطالباني أنه مشرف ذكي فبرغم التقلبات والانعطافات في مسيرته السياسية، إلا أنه بقيَ وبثبات في مركز القيادة داخل حزبه. ويُقال بين الكرد أن لا أحد يستطيع أن يتنبأ بما سيفعله جلال في الخطوة التالية. وهو سريع البديهة ويُطلق عليه غالباً لقب أنجح دبلوماسي كردي. لكن إستراتيجيته غالباً ما تضمنت تحالفات قصيرة الأمد ربما لم يستفد منها عامة الناس في كردستان. يجذب (ح.د.ك) و(أوك) نوعين مختلفين من المساندين حيث يميل منتسبو (أوك) إلى كونهم “عصريين” وتقليديين أقل في نظرتهم وسلوكهم ومتمدنين.

الحزب الشيوعي العراقي (ح.ش.ع)

جذب الحزب الشيوعي العراقي (ح.ش.ع) عدداً لا يستهان به من أعضائه من الأكراد. تأسس الحزب في 1934 وكان معارضاً لكل من الملكية العراقية والتدخل البريطاني في المنطقة.

   يلّخص عصمت شريف وانلي، وهو كاتب ومؤرخ كردي، موقف (ح.ش.ع) قائلاً أن الحزب الشيوعي العراقي كان معارضاً لـ”القومية الكردية  ذات النزعة البرجوازية الصغيرة التي تبناها الحزب الديمقراطي الكردستاني ولهجماته على “ملك العراق العربي” ولمطالبه المتعلقة بـ”النفط الكردي”  ولرفضه المشاركة في “النضال المشترك” لأحزاب المعارضة. الحزب الديمقراطي الكردستاني من جانبه انتقد الحزب الشيوعي العراقي على موقفه غير الحاسم من قضية الحقوق القومية الكردية. ولكن في المؤتمر الثاني غيّر الحزب الشيوعي العراقي موقفه وباختصار بات يعترف بالأمة الكردية.

   باستثناء مسألة “الحكم الذاتي”، فإن أهداف الحزب الديمقراطي الكردستاني لم تكن تختلف كثيراً عن الأهداف المرحلية للحزب الشيوعي العراقي أو الحزب الديمقراطي الوطني. انطلق هذان الحزبان ليصبحا حزبين جماهيريين وقد نجحا في ذلك. بات للحزب الشيوعي” فرع كردي” بالكامل وكانت قيادته مزيجاً من القوميات المختلفة[3].

   لقد دخلت الحكومة العراقية و(أوك) و(ح.د.ك) في صراع مسلح مع الحزب الشيوعي العراقي في أوقات مختلفة. في عام 1973 “اختفى” اثنا عشر كادراً للحزب الشيوعي العراقي لدى عودتهم إلى كردستان عن طريق زاخو من موسكو حيث كانوا يدرسون. في ذلك الحين كان الحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث عضوين في ائتلاف الجبهة الوطنية بتأثير من اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية. لقد كان البعثيون قد وقعوا اتفاقية صداقة مدتها عشرون عاماً مع موسكو في مقابل السلاح والدعم. اتهم الحزب الشيوعي العراقي أفراد الأمن الكردي، پاراستن، بقتل كوادره المفقودين. ورغم أن الآمر العسكري للحزب الديمقراطي الكردستاني, عيسى سوار, قد اتُهِم بذلك إلا أن  بعض الشهود الذين كانوا موجودين في ذلك الحين يتذكرون كيف أن التحقيق الداخلي الذي أجراه (ح.د.ك) توصل إلى أن عملاء حزب البعث، الذين كانوا أقوياء في المنطقة في ذلك الوقت هم من فعلوا ذلك. كان ذلك في لحظة دار فيه الاتحاد السوفييتي ظهره للأكراد ودعم حزب البعث بشكل علني. رفض الحزب الشيوعي العراقي الحركة القومية الكردية وبقي متحالفاً مع البعثيين حتى 1979. بعد ذلك أصبح الحزب الشيوعي العراقي عضواً في الجبهة الكردستانية في عام 1988. في الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) 1995 قُتِل اثنا عشر عضواً من Partîya Karî Serxwebûna Kurdistan (PKSK) (الحزب العمل لاستقلال كردستان) قرب كويسنجق على يد ميليشيا (أوك).

   في عام 1993 انشقت مجموعة من المثقفين الشيوعيين ذوي الأصول الكردية، من ضمنهم الشاعر رفيق صابر، عن الحزب الشيوعي العراقي منتقدين قيادة عزيز محمد وشكَّلوا (PKSK) الذي دعا إلى إصلاحات ما بعد الغلاسنوست (العلنية)[4] الاشتراكية.

الحزب الشيوعي الكردستاني

تشكل الحزب الشيوعي الكردستاني كفرع مستقل عن الحزب الشيوعي العراقي وبدأ بأخذ قراراته الخاصة في المناطق الكردية بعد 1993 رغم أنه بقي متحالفاً مع الحزب الأم. استحوذ على دعم ومساندة الكثير من أعضائه وأعضاء اللجنة المركزية ذوي الأصول الكردية الذين رفضوا أن يتحالفوا مع (أوك) أو (ح.د.ك) في أعقاب انتخابات أيار (مايو) 1992 متمسكين بقيمهم السياسية رغم انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي.

الحزب الاشتراكي الكردستاني في العراق

“في أعقاب النكسة التي تعرضت لها الثورة في عام 1975″يتذكر محمود عثمان، وهو عضو قيادي سابق في الحزب الاشتراكي المنحل الآن، “قررنا نحن أعضاء اللجنة التحضيرية للحزب الديمقراطي الكردستاني الذين كنا مختلفين مع قرار البارزاني بإنهاء الثورة. كنا في إيران في ذلك الوقت وقد عدنا إلى كردستان. في آب (أغسطس) 1979 انتقلنا إلى سوريا مع عدد من المؤيدين البارزين من الحركة الاشتراكية الكردية، وهي واحدة من الحلفين الرئيسيين في الاتحاد الوطني الكردستاني وشكلنا الحزب الاشتراكي [الكردستاني].[5]وبات الحزب واحداً من ثمانية أحزاب رئيسية في ائتلاف الجبهة الكردستانية في الثمانينات [من القرن الماضي]. كان الحزب الاشتراكي الكردستاني برئاسة الراحل, رسول مامند, حتى شكل بعد 1991 قيادة مشتركة مع الحزب الاشتراكي الكردي (باسوك) من أجل الانتخابات في كردستان العراق في أيار (مايو) 1992.

في أعقاب الانتخابات:

“تم توسيع الحزب ليشمل الحزب الديمقراطي الكردستاني الشعبي(ح.د.ك.ش) في آب (أغسطس)1992 شكلت الأحزاب الثلاثة حزباً جديداً باسم حزب وحدة كردستان Partî Yekgirtîa Kurdistan الذي احتفظ مؤقتاً بهيئة قيادية مؤلفة من ثلاثة أشخاص بدلاً من قائد واحد. في الوقت الذي حلّ الحزب الديمقراطي الكردستاني الشعبي وباسوك نفسيهما بعد هذا الاتحاد، رفض الحزب الاشتراكي الكردستاني-العراق بقيادة رسول مامند الانضمام إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني الشعبي. وحل الحزب الاشتراكي الكردستاني نفسه في كانون الأول (ديسمبر) 1992 عندما انضم رسول مامند إلى الاتحاد الوطني الكردستاني كعضو في المكتب السياسي.”[6]

أُعيدت جثة مامند إلى كردستان من المملكة المتحدة التي توفي فيها نيسان(إبريل) 1994 إثر سكتة قلبية. امتد موكب جنازته من زاخو إلى العمادية.

الحزب الاشتراكي الكردي (باسوك)

تأسس في كركوك في عام 1975 بعد هزيمة (ح.د.ك) من قبل المثقفين الكرد أمثال أحمد هردي وشيركوه بيكس وآزاد مصطفى، كان باسوك يدافع عن المثل الأعلى المتمثل بكردستان الكبرى. بعد مؤتمره الأول حشد قوة من البيشمرگه الخاصة به وبدأ بشن عمليات مسلحة في السليمانية وأربيل وبشكل خاص داخل الجامعات. انضم إلى الجبهة الوطنية الديمقراطية (جود) في عام 1982 والجبهة الوطنية الكردستانية التي أصبحت لاغية في عام 1988. بعد مؤتمره المنعقد في عام 1991، غيّر اسمه إلى حزب استقلال كردستان منضما إلى الحزب الاشتراكي الكردستاني وحزب الشعب الديمقراطي الكردستاني.

حزب الشعب الديمقراطي الكردستاني (ح.ش.د.ك)

في عام 1979 انشق سامي عبدالرحمن (وهو عضو في المكتب السياسي ومستشار الشؤون الخارجية للبارزاني) عن (ح.د.ك) أيضاً وأخذ أنصاره معه ليشكلوا حزب الشعب الديمقراطي الكردستاني. حصل الانشقاق على أثر خلاف شخصي بين سامي والراحل إدريس البارزاني، أحد أكثر أبناء مصطفى البارزاني نشاطاً سياسياً. بقي حزب الشعب الديمقراطي الكردستاني مستقلاً حتى ما بعد الانتفاضة الكردية في عام 1991. في أواسط التسعينات [من القرن الماضي] انضم سامي عبدالرحمن مرة أخرى إلى (ح.د.ك) مع كل أتباعه.

   في عام 1992 وإثر انتخابات كردستان بات الموقف يتسم بالاستقطاب بين (ح.د.ك) و(أوك) حيث انشق الحزب الاشتراكي وانقسم أعضاؤه بين (أوك) و(ح.د.ك) في حين بقيت مجموعة صغيرة على الحياد.

الحركة الإسلامية في كردستان (ح. إ. ك)

نشأت الحركة الإسلامية الكردية في البلدات الكردية على طول الحدود العراقية-الإيرانية مثل رانية، حيث تتمتع بتأييد كبير، والتي شهدت مناوشات بين (أوك) وعناصرها منذ عام 1992 والتي تعتبر

“عسكرياً وسياسياً ثالث أكبر قوة في المنطقة. وهي حركة إسلامية سنية تأسست في عام 1986 أثناء الحرب العراقية-الإيرانية ويترأسها الشيخ عثمان كزعيم روحي لها. وتضم قيادتها كوادر وأعضاء سابقين في اتحاد العلماء الدينيين (الذي تأسس في عام 1971، والذي يتمثل هدفه الرئيسي في نشر الوعي الديني. والذي تجمد نشاطه إثر انهيار حركة المعارضة الكردية في عام 1975، والذي عاد إلى الحياة بعد نحو ستة أشهر من انتفاضة آذار (مارس) 1991…) فيما بقية عناصرها محاربون سابقون في حرب أفغانستان. وفي السنوات الثلاث الأخيرة عززت الحركة الإسلامية الكردية من مستوى عضويتها في كردستان العراق حيث أسست بنيتها الأساسية…

    إضافة إلى الحركة الإسلامية الكردية توجد في كردستان العراق مجموعات إسلامية سياسية أخرى من بينها حزب الله الكردي بقيادة الشيخ محمود خالد البارزاني (ابن عم مسعود البارزاني) وحزب الله الثوري الكردي بقيادة أدهم البارزاني.[7]

المؤتمر الوطن العراقي (م.و.ع)

الجماعة الأخرى الجديدة على المشهد السياسي منذ حرب الخليج هي المؤتمر الوطني العراقي الذي تأسس في فيينا في حزيران (يونيو) 1992. والمؤتمر الوطني العراقي جزء من المعارضة العراقية يضم الأكراد والعرب.

   “لقد اتفق المؤتمر الوطني العراقي على حق تقرير المصير للأكراد ويطالب الولايات المتحدة إلى الاعتراف به كحكومة منفى يمكن إقامتها في شمالي العراق. في حين رفض وزير الخارجية الأمريكية جيمس بيكر الذهاب إلى ذلك الحد معتبراً زيارة العراقيين [إلى الولايات المتحدة] تحسناً في علاقاتهم مع الولايات المتحدة. وأصدر جيمس بيكر بياناً يحضهم على الاتحاد لتشكيل حكومة ديمقراطية تعددية تعيش في سلام مع جيرانها وتهتم بشعبها.”[8]

  بتلقيه دعماً مالياً وسياسياً من حكومات التحالف الغربية ومن بعض الدول العربية، دخل المؤتمر الوطني العراقي في المناقشات السياسية الدولية حول مستقبل العراق في وقت كانت فيه الحكومات الغربية لا تزال تشجع المعارضة العراقية على الإطاحة بصدام حسين. ولكن بعد سنتين من حرب الخليج ومع بدء بروز الانقسامات الداخلية في العراق، فترت علاقات الدبلوماسية الغربية مع المؤتمر الوطني العراقي والقيادة الكردية وحرضتهم على العودة إلى الحوار مع صدام بينما هي تبقي العقوبات ضد العراق كجزء من سياسة ذو حدين بالغة التدمير. أثناء القتال بين (ح.د.ك) و(أوك) تم تشجيع المؤتمر الوطني العراقي من قبل الغرب على أن يلعب دور الوسيط في محاولة لإعادة السلام إلى كردستان وقد نجح في ذلك لوقت قصير حين استأنف (ح.د.ك) و(أوك) القتال في كانون الأول (ديسمبر) 1994 من أجل السيطرة على المناطق الإستراتيجية في منطقة الحكم الذاتي الفعلية.

   كان لدى المؤتمر الوطني العراقي جيشه الخاص ويقدر بنحو 20 ألف مقاتل كان الكثير منهم من الفارين من الجيش العراقي الذين بقوا في كردستان الانتفاضة خوفاً من المصير الذي ينتظرهم في حال عودتهم إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

ونشأت مجموعات أخرى من ضمنها PKK تدعو إلى الاتحاد في كردستان الكبرى خارج منطقة كردستان العراق ثم بنت قاعدة دعم لها داخل كردستان. ولبعض من تلك المجموعات تأثير فعال على السياسات داخل كردستان العراق سيتم مناقشتها في موضع آخر من الكتاب.   

 

 

 

اندلاع الحرب بين (ح.د.ك) و (أوك)

وأخيراً وقعت أولى المناوشات بين مقاتلي الحزبين في “قلعه دزه” أثناء إحياء الذكرى السنوية لأيار (مايو) 1994.

   فقد أدى خلاف شخصي حول حقوق الملكية بين علي حسو ميرخان، قيادي بارز في (ح.د.ك)، وبعض المواطنين المحليين إلى قتال عنيف الذي تفاقم إلى صراع حزبي. وقد نصح مام جوتيار، ممثل (أوك) في المنطقة، الشاكي حسو ميرخان أن يؤجل النقاش حول حق المطالبة بالملكية إلى ما بعد يوم أيار (مايو). لكن تم تجاهل نصيحته ونشب خلاف. ويقال أن ميرخان أردى جوتيار قتيلاً في فورة غضب وانتشر التوتر بين الحزبين المنافسين كانتشار النار في الهشيم حتى اندلع النزاع في كل كردستان.

   في الثاني والثالث من أيار (مايو) هاجم كل من (ح.د.ك) و(أوك) قواعد ومقار بعضهما بعضاً في السليمانية ورانيه وجمجمال وحلبجة وصلاح الدين. وقد كان الشعور بالنزاع محسوساً بشدة أيضاً في منطقة بهدينان ولا سيما في المدن الكبيرة مثل زاخو ودهوك. هناك يشكل (ح.د.ك) الأغلبية حيث أحاط عناصره بفعالية واحتلوا ومن ثم رفعوا أعلامهم الصفراء فوق المقار السابقة لـ(أوك) التي رحلت بشكل مفاجئ وجماعي معاقلهم الرئيسية في السليمانية وأربيل. ورغم أنه كانت هناك رشقات متقطعة للنار، إلا أنه بدا ألا إصابات خطيرة قد وقعت في منطقة بهدينان.

   ورغم أنني كنتُ شاهد عيان على الأحداث التي وقعت في زاخو ودهوك، إلا أنه كان من الصعب الحصول على معلومات عن القتال في المناطق الأخرى من كردستان حيث سعى الحزبان إلى التقليل من حجم خسائرهما وإلى إنكار خطورة النزاع على أمل نزع فتيل مزيد من العدوان. ما لم يفعل الحزبان ذلك لكان بمثابة إشعال عود ثقاب في غابة يابسة والذي لم يحصل إلا في وقت لاحق.

   مثل انتفاضة آذار (مارس) 1991، كانت شوارع زاخو مليئة بأكراد مسلحين. كانت المدافع المحمولة وقواذف آ ربي جي تظهر في زوايا الشوارع حيث المقاتلون مستعدون لإطلاقها على إخوتهم. بعض المتفرجين المتوجسين اندفعوا إلى أسطح المباني العالية وهم على أتم الاستعداد للقيام برد الفعل لأية تطورات. وشكلت مجموعات شبابية جموعاً صاخبة وهم يرددون شعارات مؤيدة لـ(ح.د.ك) ويدوسون بأرجلهم لافتات وشعارات (أوك). (في السليمانية ورانيه وقلعه دزه كان العكس هو الصحيح.  حيث استولى (أوك) على مباني (ح.د.ك) وخرجت مظاهرات شعبية مؤيدة لـ(أوك)).       

   في صباح اليوم التالي تم تغيير كل لافتة (آرمة) في زاخو مكتوب عليها (أوك) إلى (ح.د.ك) وهو تعديل سهل. وحتى أعلام (أوك) الخضراء تم استبدالها بأعلام (ح.د.ك) الصفراء وبات الموقف خطيراً. في هذه الأثناء دخلت الحركة الإسلامية المدعومة من إيران إلى الصراع في حلبجة البعيدة [عن ساحة الصراع]. وبالنتيجة مات عدة أشخاص أثناء المعارك العشوائية التي تلت ذلك. لم يُعرف بالضبط العدد الإجمالي للإصابات من الجولة الأولى من الاقتتال الحزبي بين تلك الأطراف ولكن البعض يقدرها بنحو ستمائة شخص.

   كان زعيم (أوك) جلال الطالباني في أوربا عندما بدأ الصراع ولم يكن قادراً على العودة للمساهمة في تهدئة الوضع. رفض الطالباني العودة لأن مسعود البارزاني أخفق في السفر شخصياً إلى الحدود لاستقباله وهو الضمان الوحيد لسلامته الشخصية ويؤدي إلى التهدئة بين الطرفين المتعاديين في ذلك الوقت الدقيق. لكن مسعود البارزاني نشر خطاباً يقول فيه رغم أن حزبه قد تضرر من الصراع، فإنه يتمنى ويؤكد على ألا يقوم أي شخص بالانتقام لأية إصابات لحقت بهم أو قتلى في صفوفهم لأن ذلك قد يعرض الاستقرار في كردستان العراق نفسها. وطلب البارزاني من كل القوات المسلحة التابعة لـ(ح.د.ك) بالانسحاب فوراً.

   بينما هو في الخارج أرسل جلال الطالباني إلى مسعود البارزاني والمكتب السياسي لـ(ح.د.ك) رسالة رسمية يحث فيها البارزاني أن يتولى القيادة مؤقتاً لكلا الحزبين وأن يسيطر على الوضع ريثما يتمكن من العودة [إلى كردستان]. ورغم التظاهر بالوحدة فإنه كان من المستحيل على البارزاني والإدارة الكردية على استعادة النظام إلى الإقليم.

   ثم اندلعت جولة ثانية وثالثة من القتال في التاسع من أيار (مايو) ومرة أخرى في القسم الجنوبي من المنطقة المحررة حول كويسنجق وهبة السلطان وشقلاوه وحلبجة وخورمال. انضمت الحركة الإسلامية إلى (ح.د.ك) ضد (أوك). في السابع عشر من أيار (مايو) أُعدِم حسن كويستاني، ممثل (أوك) في دهوك، بعد أسره في معركة على طريق جومان-حاج عمران من قبل الحركة الإسلامية الكردستانية وحزب الله الكردي والباسدار الإيراني. كما تم مهاجمة بيوت الوزراء في برلمان كردستان الفدرالي في أربيل من قبل الأطراف المتنافسة.[9]

   خطورة الموقف أطلقت صفارات إنذار في العواصم الغربية كما في بقية أجزاء كردستان. حضّ الموظفون الرسميون الغربيون بما فيهم ممثلي وزارة الخارجية البريطانية جلال الطالباني على العودة بسرعة إلى المنطقة وحذروا القادة الكرد بغية تسوية خلافاتهم بسرعة أو مواجهة العواقب: سحب الدعم السياسي والإنساني الغربي. وكان المثقفون الأكراد سريعين بالقدر نفسه لإيجاد طريقة لكي يعم السلام قبل أن يصبح الضرر الذي وقع غير قابل للإصلاح. لقد باتت كردستان مقسّمة فعلياً إلى منطقتي نفوذ حصريتين: أتباع البارزاني في الشمال-غرب وأنصار الطالباني في الجنوب-شرق. كان ذلك الموقف متعارضاً مع النضال الشعبي لكردستان في تدشين الديمقراطية.

   حضت إيران تركيا على تدخل عسكري سريع معتقدة أن تركيا قد تكون قادرة على توجيه الضربة القاضية للإقليم وبالتالي تريّح الائتلاف المعادي للأكراد. ساندت إيران الحركة الإسلامية الكردية وهي تحتل حلبجة وقصفتها بالمدفعية من الجبال المحيطة بها. وأعلن صدام حسين بسرور في الصحافة التي تديرها الدولة بأن الأكراد غير قادرين على إدارة شؤونهم بأنفسهم في المنطقة ملمّحاً أن عامة الشعب يفضل عودة إدارة بغداد.

   في هذه الأثناء تم تجديد عقوبات الأمم المتحدة على العراق في 21 أيار (مايو) 1994 حتى نهاية العام. لم يكن هناك عملياً أي تعديل في بنود العقوبات باستثناء فقرة واحدة تنص على أنه يحق لتركيا أن تفرّغ خط أنابيب النفط العراقي المار من أراضيها على أن تُخصص 30% من عائداتها للمساعدات الإنسانية لكردستان. ولكن، كما أشارت سارة گراهام-بروان في تقرير الشرق الأوسط, “رفضت بغداد أن تستخدم عائدات النفط السابق التي تعادل 300 مليون دولار …مصرة على أن لها الحق حصراً في أن توزع تلك الحاجيات [الإنسانية] وبدون مراقبة في شمالي العراق وفي المناطق التي تسيطر عليها الحكومة على حد سواء”[10]

   جرى سلام هش في شمالي العراق بينما حاولت الأطراف المتنافسة التوصل إلى اتفاقية عن طريق المؤتمر الوطني العراقي شريطة أن تعود كل الأطراف إلى مواقعها ما قبل النزاع. ولكن بسرعة وقبل الوقت المتوقع اندلع القتال من جديد. وحصيلة القتلى لا تزال غير واضحة. لكن التوتر الشديد بقي سيد الموقف في فترات “السلام” التي أعقبت ذلك ومرة أخرى حبست الشخصيات الرئيسية والمتفرجون أنفاسها وبقيت تنتظر. تم تهيئة المسرح لعودة جلال الطالباني من أجل تسوية نهائية. تم مرافقته للعودة إلى كردستان في الأول من حزيران (يونيو)1994 بعد شهر بالضبط من اندلاع القتال. 

   في الثلاثين من حزيران (يونيو) 1994، والذي أُطلق عليه “اليوم الأسود”، شارك ما يُقدر بعشرين ألف كردي في موكب تشييع أوصمان قلا مينوار، القائد العسكري لـ(ح.د.ك) في السليمانية. بدأت المشكلة عندما وصل الموكب إلى ساحة كاوا وبدأ إطلاق النار. استؤنفت هجمات (ح.د.ك) و(أوك) على مراكز بعضهما  بشكل متقطع. في الخامس عشر من آب (أغسطس) 1994 كُثِفت الهجمات وتركزت بشكل رئيسي في مدينة شقلاوه. يحتفل (ح.د.ك) بشكل تقليدي بالذكرى السنوية للحزب في السادس عشر من آب (أغسطس) كل عام. قبل ذلك كان أعضاء (ح.د.ك) قد بدؤوا بتزيين شقلاوه والبلدات الأخرى بأعلام صفراء ولافتات تمهيداً لإقامة حفلات موسيقية والاستمتاع باحتفالات سلمية أخرى. هذا الاستعراض “لألوان” منافسيهم، أثار حفيظة أعضاء (أوك) مما حدا بأحد بيشمرگة (أوك) أن يُطلق النار على أحد أعضاء (ح.د.ك) وهو يرفع الأعلام الصفراء ويصيبه بجراح. وقد أثار ذلك عناصر (ح.د.ك) فهاجموا مواقع (أوك) في شقلاوه لمدة اثنا عشرة ساعة التالية حتى وصل مسعود البارزاني نفسه إلى البلدة ووضع حداً للقتال.   منذ ذلك الوقت وحتى منتصف أيلول (سبتمبر) 1994 كانت هناك فترة سلام نسبي. بعد ذلك استعد (أوك) لمهاجمة حلبجة واستردادها من الحركة الإسلامية الكردية و(ح.د.ك) بقوة تقدر بنحو 3000 بيشمرگه. عندما علم (ح.د.ك) ذلك، هاجم قلعه دزه.

   حذّر عارف طيفور، من مركز القيادة الثاني لـ(ح.د.ك) في حلبجة، بما يلي: “إذا ما هاجمنا (أوك) على جبهة، فإننا سنهاجمهم على جبهة أخرى حيث لا توجد لهم قوة.” هُزِم (ح.د.ك) في قلعه دزه ولكنه استعاد السيطرة على حلبجة بالتعاون مع الحركة الإسلامية الكردية على قاعدة أن الدفاع خير وسيلة للهجوم في حالات كهذه. احتدم القتال في حلبجة لمدة ثلاثة أيام. كان القتال شرساً لدرجة أنه كان من المستحيل أن تُنتشل جثث القتلى المنتشرة في الشوارع.[11]  بالتزامن مع ذلك، كانت إيران تقصف قلعه دزه بالمدفعية من مواقعها على الحدود. قُتِل العديد من المواطنين بينما فرّ آخرون إلى السليمانية وهولير (أربيل). في أعقاب تلك المجزرة بدا أن الحزبين المتحاربين قد أدركا بأنه ما من طرف منتصر وأن الحرب مكلفة من جهة الأرواح ومن جهة الموارد المالية. بدأ الحزبان: (أوك) و(ح.د.ك) بتشكيل “لجان تطبيع العلاقات” في المدن لاستعادة كل حزب لقواعده والسماح للبرلمان بمتابعة عمله. في تشرين الثاني (نوفمبر) 1994 توصل زعيما الحزبين المتحاربين إلى اتفاقية من 14 بنداً. إحدى تلك النقاط نصت على أن العلاقات الخارجية يجب أن تُقام بمعرفة الطرفين وعلى أساس أن كردستان لا تزال جزءً من العراق.[12] ولكي يهدئا مخاوف الدول المجاورة، أكد الحزبان للمجتمع الدولي بأن هدف الأكراد يتمثل في الفيدرالية ضمن عراق متحد وليس الانفصال.

   ولكن بحلول عيد الفصح (25 ديسمبر) 1994، كان (ح.د.ك) و(أوك) في حالة حرب من جديد. نشبت معارك متقطعة واستمرت حتى الغزو التركي لكردستان العراق عشية رأس السنة الكردية الجديدة في الواحد والعشرين من آذار (مارس) 1995 والذي يبدو أنه أعاد للكرد رشدهم وإن يكن لفترة مؤقتة. طالب كلا الحزبين بالانسحاب الفوري للأتراك مع أن (ح.د.ك) قد اتُهِم بالتعاون مع أنقرة في ذلك الوقت (يراجع الفصل التاسع). 

 

عصافير محبوسة في القفص

ربما كان من المتعذر تجنب الكثير من الشدائد وصنوف المعاناة التي لحقت بالكرد نتيجة العقوبات المزدوجة والعزل السياسي وأن تطلق العنان للتوترات السياسية الداخلية المكبوتة، والانشقاق والكراهية التي ترافق عادة الحزازات الماضية التي لم تتم تسويتها والتي تساهم في بقاء الشعب مقسماً.

   برّر (ح.د.ك) حربه على أساس خلافهم القديم مع (أوك) الذي يرجع إلى 1964 حين حاول (أوك) أن يتخلص من اسم البارزاني. من جهته أطلق (أوك) على (ح.د.ك) صفة “خونة دوليين” وأتباع الثورة المضادة وخونة القومية الكردية لمصالحهم الحزبية. (على نحو مماثل احتفظ الاتحاد الوطني الكردستاني بعلاقاته الدولية). وأبقت الدول المجاورة تحالفها المضاد للقضية الكردية لاستفحال أية توترات داخلية تنشأ بين الأكراد مستغلة تلك الانقسامات على هوى مصالحها.

   بات المجتمع الكردي مقسما بين “شهداء” و”وطنيون” و”خونة”. كان من المستحيل أن تبقى محايداً لأن الحياد نفسه معادل للخيانة في ذلك الجو السياسي الحامي حين كان بقاء الأكراد كشعب على المحك. لطالما كان الشهداء الكرد موضع تقدير من قبل أتباعهم ولهم مدلول قومي أكثر منه ديني حيث شهداء كردستان يموتون من أجل تحرير وطنهم وليس للفوز ببطاقة دخول للجنة. ذلك المدلول متجّذر في اسم البيشمرگه الذي يعني من يواجه الموت. يتوقع البيشمرگه أن يفدي بنفسه من أجل شعبه. ثمة شهداء من كل المهن ومن كل حزب واجهوا الموت بالآلاف من أجل تحرير كردستان وقد تم تخليدهم في أغان وطنية وفي الكتب وفي الملصقات الإعلانية. أغنية الشهداء التالية تُغنى في تجمعات كردية لا حصر لها:

أيها الشهداء  (Ey Şehîdan )

أيها الشهداء، أيها الشهداء

أسماؤكم ومآثركم لن تموت أبداً

أنتم أصبحتم قادة لنا

أنتم من تحمون ظهورنا، أنتم من تسيرون أمامنا

لقد رفعتم تاج العظمة على رؤوسكم

أنتم من صددتم أعداء الأمة

إن شجرة الحرية لن تتوقف عن النمو

حتى تتحرر أمتنا

أيها الشهداء، أيها الشهداء

أسماؤكم ومآثركم لن تموت أبداً

لقد قضى الاقتتال الكردي الداخلي على بعض من أكثر المثل الكردية رفعةً. لقد كان البيشمرگه ينظرون إلى أنفسهم كمنقذين للأمة ومدافعين عن الحلم الكردي، ولكن البيشمرگه يقتل البيشمرگه الآن. انتهاكات حقوق الإنسان باتت منتشرة وبكثرة والأحزاب السياسية الكردية حنت رأسها بكل خزي وعار عندما وثّقت منظمة العفو الدولية عدد الانتهاكات التي ارتكبها الكرد أنفسهم ضد بعضهم بعضاً في كردستان منذ عام 1991[13]. هنا بدا الأكراد الذين كانوا يعتقدون أنفسهم وطنيين  وعاشقين لوطنهم وعاشقين للحرية ومحبين لكردستان Welatparêz يظهرون أمام المجتمع الدولي مختلفين قليلاً عن صدام حسين.

   في السنوات الخمس الأولى من [الضغط] النفسي والحرمان الاقتصادي منذ حرب الخليج، ومع الاستنزاف البطيء لأحلامهم وآمالهم أُصيب أكراد العراق بالجنون. الإحباط والسلبية يحرقان قلوبهم وعقولهم. لقد حلقت الأحلام الكردية عند إقامة”الملاذ الآمن” الذي ألهم أكراد العراق بأن يعيدوا بناء وطنهم-ثم أُغلقت الحنفية ببطئ. تردد الغرب وهو يراقب العراق يعاني ويتفكك. وذبلت الأحلام الكردية وبقي مجتمعهم في فوضى عارمة.

 

 


[1] من أجل تحليل شامل للمجتمع الكردي ينظر مارتن فان برونسين الآغا والشيخ والدولة، زيد بوكس، 1991.

[2] كان ذلك قبل أن ينشق نوشيران مصطفى عن (أوك) ويؤسس حركة كوران التي فازت بأكبر عدد من الأصوات بعد (ح.د.ك) و(أوك) في الانتخابات التي جرت في العام 2014 في إقليم كردستان. (المترجم)

[3] عصمت شريف وانلي في جيرار شاليانGérard Chaliand، شعب بلا دولة: الكرد وكردستان، زيد بوكس، لندن ص150.

حاشية المترجم: ترجم الأستاذ عبدالسلام النقشبندي الكتاب أعلاه بعنوان” جيرارد جالياند شعب بلا وطن: الكرد وكردستان، دار آراس للطباعة والنشر، أربيل، الطبعة الأولى 2012 وهذا خطأ كبير إذ أن للكرد وطن هو كردستان ولكن ليس لهم دولة. (أدين بهذه الملاحظة للصديق محسن سيدا).

[4] فيصل داغلي، الاقتتال الأخوي Birakûji، بلجي ياينلري، استانبول 1994، ص297-309

[5] من مقابلة خاصة مع محمود عثمان، لندن، شباط (فبراير) 1995.

[6] داغلي ص306-307

[7] منظمة العفو الدولية Amnesty International، العراق: انتهاكات حقوق الإنسان في كردستان العراق منذ 1991، 28 شباط (فبراير) 1995، ص10.

[8] كارنيج انداوتمنت للسلام العالمي، حق تقرير المصير في النظام العالمي الجديد، مورتن هـ. هالبرين وديفيد مع جيش يفر Scheffer  وباتريسيا آي. سمول، واشنطن، 1992، ص43.

[9] تتضمن المصادر شهود عيان ورسائل وتقريرين عن الوضع صادرة عن (ح.د.ك) و(أوك). ماذا حصل في كردستان ؟أيار (مايو) 1994 قسم الأبحاث في (ح.د.ك) و كردستان العراق: تقرير ميداني عن الأحداث الأخيرة، لجنة العلاقات الخارجية في (أوك)، شباط (فبراير) 1995 وأيضاً تقرير منظمة العفو الدولية: العراق: انتهاكات حقوق الإنسان في كردستان العراق منذ 1991، 28 شباط(فبراير) 1995 ص129-130. 

[10] تقرير الشرق الأوسط رقم 193 آذار(مارس)-نيسان(أبريل) 1995 ص6.

[11] تقرير لشاهد عيان. صيحفة هينكاو Hengaw ، لندن، تشرين الأول (أكتوبر) 1994

[12] صيحفة هينكاو Hengaw ، لندن، كانون الأول (ديسمبر) 1994.

[13] انظر منظمة العفو الدولية، العراق: انتهاكات حقوق الانسان في كردستان العراق منذ عام 1991، 28 شباط (فبراير) 1995.

  • كرّس الراحل ملا مصطفى البرزاني جلّ حياته في سبيل الكرد وكردستان ولم يضح بالقضية الكردية بل ضحى في سبيلها.

شارك هذا المقال: