بالتعاون بين مجلة الحوار ومدرات كرد
د. آزاد أحمد علي
4 – التعاون بين الوفدين الكوردي والأرمني في سيفر
سببت اشكالية العلاقة بين الكورد والأرمن في مرحلة أواخر السلطنة العثمانية الكثير من الصدامات الجانبية، وكانت لبعضها نتائج كارثية على الطرفين المتصارعين برعاية عثمانية وروسية مباشرة. إلا أن الحرب العالمية الأولى وآفاق تحرر الشعوب المنضوية تحت الحكم العثماني قد سهلت التقارب بين الطرفين، بل انتقلوا الى مرحلة التفاهم، خاصة في سياق مفاوضات مؤتمر الصلح في سيفر.
ويبدو أن رغبة بريطانيا في استقلال كوردستان، والتأسيس لمشروعها الكولونيالي الخاص قد ساهم في هذا التقارب، كما سبق ذكره، حتى: “جعل من الممكن التوصل إلى تسوية مرغوبة بين الأكراد والأرمن، رغم القتال الكردي – الأرمني على الأرض. وهكذا بات مصير كردستان من الناحية الاستراتيجية أكثر أهمية لبريطانيا في الوقت الذي باتت فيه احتمالات تجسيدها أقل. في باريس أقنع الموظفون البريطانيون الممثل الأرمني، بوغوص نوبار، على ضرورة إصدار بيان كردي – أرمني بالتضامن ضد عودة الحكم التركي. ونظراً لاعتقاده أن القضية الأرمنية في خطر، سارع نوبار في التفاوض بشأن التوصل الى اتفاقية مع شريف باشا. وفي 20 تشرين الثاني[1] أصدرا بياناً جاء فيه: اننا وبالاتفاق التام معاً نناشد مؤتمر السلام منحنا السلطة الشرعية، وفق مبادئ القوميات لكل من أرمينيا المتحدة والمستقلة وكردستان المستقلة، وبمساعدة إحدى الدول الكبرى…” (ماكدول، 2004، 218).
بل ارتقت العلاقة بين الطرفين وشكلت منعطفاً سياسياً وفتحت صفحة جديدة من التعاون استمر بعد ذلك لسنوات طويلة: “أبدى الأكراد نشاطاً محدوداً في أيام مؤتمر الصلح بباريس انعكس بشكل خاص في أعمال وفدهم الصغير برئاسة الديبلوماسي والعسكري العثماني السابق شريف باشا، الذي قدم الى المؤتمرين مذكرتين حول حقوق الأكراد. وأجرى اتصالات مع أعضاء عدد من الوفود. ودخل في مفاوضات تفصيلية مع رئيس الوفد الأرمني بوغوص نوبار باشا وممثل جمهورية أرمينيا اوهانجيان أسفرت عن التوصل في كانون أول 1919 الى اتفاق مشترك حول قضايا كثيرة تهم الجانبين. مما جلب اهتمام أوساط سياسية في الداخل والخارج.” (مظهر، 2013، ص335)
حيث اتفق كل من بوغوص باشا رئيس الوفد الأرمنى والدبلوماسي الكوردي شريف باشا رئيس الوفد الكوردي، مما انعكس بشكل ايجابي على الطرفين، وخاصة لتثبيت مبدأ حق تقرير المصير والاستقلال لكل من الأرمن والكورد. وأعطت من الناحية الدبلوماسية والسياسية قيمة مضافة للكورد والأرمن، وترجمت حقيقة علاقات حسن الجوار بينهما، مما شجعت بريطانيا بشكل أوضح على دعم حقوق الطرفين. وكان للاتفاق صدى إيجابي في الاعلام، فقد: “نشرت اثنان من صحف إستانبول (بيام) في 24 شباط و(تان) في 10 آذار 1920 تصف الاتفاق الذي أولاه المسؤولون الإنكليز كذلك اهتماماً خاصاً. حتى أن اللورد كريزون أصدر تعليمات خاصة الى المندوب السامي البريطاني في اسطانبول الأدميرال دي روبيك تقضي بإبداء كل تشجيع ممكن للاتجاه الجديد. واعتبرت أوساط مختلفة الاتفاق أمرا غير متوقع البتة. وقدم الجانبان بعد ذلك مذكرة مشتركة حول مصير الشعبين الى المؤتمر.” (مظهر، 2013، ص336)
وعلى الرغم من الدور البريطاني في هذه النقلة الدبلوماسية، ألا ان حقيقة تأثير مبادئ ولسون، وتشجيع ممثلي أمريكا الطرفين للتقارب، كان أيضاً اساسياً. بل يمكن ترجيح الرأي على أن محرك معاهدة سيفر من حيث مضامينها التحررية كانت مبادئ ولسون، تلك المبادئ التي أنعشت النخب الكوردية وأعطت لنضالاتها مزيداً من القوة والروح: “بموجب مبادئ ولسون التي كانت الأوساط الكردية تطلق عليها اسم (منهج الحياة للكورد) كان الشعب الكردي سيقرر مصيره مع سائر القوميات المنضوية تحت لواء الإمبراطورية العثمانية وداخل حدودها إذا ارادت ذلك” (آلاكوم، 2004، ص113)
بصرف النظر عن بعض التفاصيل التي لم تحقق طموحات النخب السياسية في الجانبين. إلا أن مخرجات سيفر كان منعطفاً سياسياً ودبلوماسياً، وإن لم تتقدم بخطوات عملية نحو التنفيذ، لكنها ظلت قابلة أن تترجم على الأرض في عملية رسم الحدود: “كانت تتقاطع المطالب الإقليمية الكردية والأرمنية، كان يتضح أن التفاوض بين الأكراد والأرمن ضروري. وفي الأخير تحقق وتم الوصول الى اتفاق في باريس، في كانون الأول / ديسمبر 1919، وقدم الأكراد حينذاك مذكرة ثانية، في آذار / مارس 1920، وكانت مطالبهم فيها أكثر تواضعا، فكانوا يطالبون حينذاك بإقامة دولة كردية ذات حكم ذاتي تضم ولايات دياربكر وخربوت وبدليس والموصل، اضافة الى سنجق أورفا مع منفذ على خليج اسكندرون. ويؤكد بهذا الصدد الباحثان شانيولو وسياح بأن معاهدة سيفر خلقت وهماً لدى ممثلي الأكراد بأن مطالبهم قد أخذت في الاعتبار لأنها قدمت حكما ذاتياً: “للمناطق التي يسيطر فيها العنصر الكوردي، والواقعة شرق الفرات، والى جنوب الحدود مع أرمينيا والى شمالي الحدود مع سوريا وتركيا والعراق، بحسب المادة 62 من المعاهدة. وتنص المادتان 63 و64 الى أبعد من منح الحكم الذاتي، لأنها تنصان على أنه إذا أرادت أكثرية سكان هذه المناطق على بلوغ الاستقلال وإذا اعتبر مجلس عصبة الأمم أنهم قادرين على القيام بذلك، فان تركية (المرغمة على توقيع المعاهدة) تقبل التوافق مع هذه التوصية، وفي هذه الفرضية يعترف الحلفاء بالدولة الكردية المستقلة.” (2006، ص66)
كما نشر الباحثان المذكوران الحدود التقريبية للمنطقة الكوردية المرشحة للاستقلال بموجب معاهدة سيفر في الخارطة رقم (3) التالية.
الخارطة رقم (3) تبين الحدود التقريبية للدولة الكوردية المقترحة شرق نهر الفرات، بالخط الغامق.
حسب معاهدة سيفر – عن تشاينولو وسياح
لم تطبق بنود هذه المعاهدة، التي كانت تتضمن أيضا انشاء دولة أرمنية ووصاية أوربية على إستانبول ومضيق البوسفور، وبقي مضمونها حبراً على ورق. ومع أن معاهدة سيفر كانت تجسيداً وتوثيقا لحلم الاستقلال الكوردي في حدوه الدنيا، إلا ان عملية رسم حدود دولة كوردستان لم تتم، وظلت عائمة، فبالنسبة إلى بريطانيا، كانت المساومة واضحة، فإما تضم كل ولاية الموصل الى العراق، وبذلك تكون حدود كوردستان شمالها، أو كانت ستضم نصف ولاية الموصل اليها ونصفها الآخر تلحق بولاية هكاري، وبالتالي بدولة كوردستان. في حين ترسيم حدود كوردستان ظل معلقاً، وذكرت في المعاهدة بأن حدودها الجنوبية تقع شمال حدود سوريا، لكن حدود سوريا الشمالية لم ترسم الا نظرياً، لأن فرنسا كانت ترغب في ضم كيليكيا والإسكندريون، ولاية حلب وقسم من ولاية دياربكر، فضلاً عن كامل سنجق (دير الزور) إلى دولة سوريا المزمع تشكليها وتوسيعها. حيث كانت تطمح في رسم هذه الحدود بحسب بقاء قواتها العسكرية، وتقدمهم على الجبهة الجنوبية للأناضول. لكن اتفاقية سيفر لم تحقق هذه الرغبة الفرنسية، وقلصت المساحات التي ستضم الى سوريا، وذلك بموجب البند (27)، الذي اقترح رسم الحدود في خط مستقيم تقريبا من وسط كيليكيا وحتى جزيرة بن عمر على نهر دجلة. لكن استقلال المناطق الكوردية التي كانت تابعة للسلطنة العثمانية لم يتحقق بعد سيفر، ولم يتم تثبيت حدود تركيا من الأطراف الأربعة، بما فيه مع منطقتي الانتداب البريطاني في العراق، والفرنسي في سوريا، بحيث ظل مشروع كوردستان وحدودها مرتبطاً معهما، ومع حدود الدولة التركية الجديدة مع الاتحاد السوفيتي عبر كل من (جورجيا، أرمينيا، أذربيجان التابعة للدولة السوفيتية). بل تفتت كل ولايات وسناجق كوردستان العثمانية، وتوزعت في تبعيتها لثلاثة دول رئيسية، أو بصيغة دقيقة على خمس دول وليدة في المنطقة، هي (أذربيجان[2]، أرمينيا، سوريا، العراق، واحتفظت الجمهورية التركية بالقسم الأكبر). لقد تراجع الحلفاء المنتصرون سياسياً وعسكرياً، ولم يصروا على تنفيذ بنود سيفر، وخاصة بريطانيا التي ترددت بشكل واضح عن حماسها السابق، واصرارها على استقلال كوردستان. بل على العكس نفذت بعد مرحلة سيفر سياسات تعاكس، وتناقض تماما مشروع الاستقلال الكوردي. فضلاً عن ان تفاهمات فرنسا مع حكام تركيا الجدد قد مهدت لتزيد من اعتراضها على تشكيل الدولة الكوردية المستقلة بناء على مخرجات سيفر، على اعتبار أنها لم تكن مقتنعة بمشروع الاستقلال الكوردي أصلا في تلك المرحلة من سياساتها الكولونيالية، على اعتبار أن نواة منطقة نفوذ بريطانيا المتفق عليها، كانت كوردستان نفسها، وكانت تركز في الوقت نفسه على الاستحواذ على نفط الموصل وكركوك، وهما المنطقتان اللتان كانتا أيضاً من مناطق كوردستان العثمانية عهدئذ.
وكنتيجة للتسويات ومصالح الدول الكبرى من جهة، تقدم وانتصارات القوات التركية من جهة أخرى، تم طي معاهدة سيفر عملياً: “وكما رأينا، سرعان ما تحطمت بنود هذه المعاهدة بعلاقات القوى على الأرض حيث استطاعت جيوش مصطفى كمال فرض نفسها بسرعة. وكرست معاهدة لوزان الموقعة في تموز / يوليو 1923 هذا الانتصار التركي، وبالتالي اختفاء أي امكانية لحكم ذاتي، بالأحرى أي استقلال للأكراد.” (شانيولو وسياح، 2006، ص66)
من الواضح أن القوة الكوردية الضاغطة كانت ضعيفة بالمقارنة مع التوازنات بين الدول المتصارعة. لذلك لم تتمخض عن قرارات وبنود هذه المعاهدة التاريخية المهمة دولة كوردستان المرتقبة أو سلطة محلية تحت بند (الحكم الذاتي)، خلافاً لما كان متوقعاً بعد نضال طويل من قبل المجتمعات الكوردستانية، وتوافقاً مع الظروف الدولية والإقليمية التي كانت قد هيأت البيئة العسكرية وتالياً وفرت الأساس القانوني للاستقلال. على الرغم من أن الحقوق الكوردية السيادية قد أدرجت تحت بند الحكم الذاتي، لكن كل المعطيات، والمؤشرات كانت توحي بأن البيئة ممهدة للاستقلال السياسي الكوردي. حيث كانت نواة الإمبراطورية العثمانية، الأناضول قد تفتت كأحد أهم نتائج الحرب، ولم تعد هنالك دولة مركزية تركية: “كرست معاهدة سيفر في 10 آب 1920 التي أكرهت الحكومة العثمانية على توقيعها، تجزئة الإمبراطورية، بل والأخطر من ذلك، تجزئة الأناضول: منح جزء من تراسا الغربية لليونان، ظلت سميرنا[3] على الأقل لفترة خمسة أعوام، تحت السيادة النظرية للامبراطورية، ولكن كان من الواضح بأنها ستلحق باليونان. ووجدت فرنسا نفسها وقد حصلت على العديد من الولايات الجنوبية. وفرضت سيطرة دولية على المضائق، وأخيراً كانت المعاهدة تنص على إقامة دولة أرمنية ومنطقة كردية ذات حكم ذاتي، من الممكن أن تفضي إلى الاستقلال.” (بوزرسلان، 2010، ص38)
وبعد مرور هذه السنوات، تكرر سؤال الاستقلال الكوردي، وما زال يتكرر ويتبادر إلى أذهان المتابعين لأحداث تلك المرحلة صياغة جديدة لهذا التساؤل: مادام الحلفاء كانوا منتصرين ويحتلون معظم الشرق الأوسط والأناضول وكوردستان وقد وقعوا على هذه المعاهدة التي جاءت تحت ضغط وإلحاح القوى والمجتمعات الكوردية المطالبة بالاستقلال، وكترجمة لوعود بريطانيا المتكررة للكورد، فلماذا تراجع الحلفاء واختفت دولة كوردستان في مرحلة عصيبة من تاريخ المنطقة؟! خاصة في الأعوام (1918 – 1923) التي اختفت إبانها آخر إمبراطورية متعددة القوميات في المشرق، وعلى أنقاض تفتتها لم يكن يتطلب إعلان الدول المنبثقة من شعوبها غير التركية، سوى حفلة كوكتيل تجمع سفراء وقناصل وبعض جنرالات الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى. وكان من الممكن أن يفتتح الحفل في باريس الدبلوماسي شريف باشا يفرقع فيها زجاجة شامبانيا[4]…
كانت عهدئذ المناخات مهيأة، والدولة الكوردية كانت فقط تحتاج إلى اجتماع بروتوكولي يعلن فيها ولادة دولة كوردستان، بصرف النظر عن مساحتها وحدودها. لأن عدد الكورد وتوزعهم داخل الامبراطورية العثمانية كان كافيا لإعلان دولة بمقاييس تلك المرحلة. إذ كان من الممكن أن يتم تسمية رئيس الدولة وترسيم الخطوط العامة لحدوها، وبعدها كانت الدولة تقوم على قدميها الداميتين. كما حدث لغيرها من الدول الناشئة والبسيطة التركيب عهدئذ. فهكذا تم تشكيل معظم الدول التي ورثت الإمبراطورية ـ السلطنة العثمانية. علما أن بريطانيا قد سعت في مرحلة حماسها عن البحث عن رئيس دولة كوردستان المرتقبة، والذي كان شريف باشا أنسبهم: “عند إلقاء نظرة على الوثائق البريطانية، نجد أن شريف باشا اقترح ليس ممثلاً عن جميع الكورد فحسب، بل أنه محور له تأثيره بين الكرد البابان المفضلين عادة من قبل البغداديين. ومن شأن هذه الحالة أن تكون حصيلة توجه الإنجليز للبحث عن قائد آخر من بين الكرد للحد من شوكة حركة الشيخ محمود الحفيد التي كانت مصدر تهديد للوجود البريطاني في هذه المنطقة من كردستان في غضون تلك السنوات. فإن الإنكليز الذين كانوا يبحثون عن قائد بديل، ثقة، سواء بين كرد تركيا خصوصاً أو بين الكرد عموماً اضطروا آخر الأمر إلى أن يخاطبوا مختلف الشخصيات الكردية. ويأتي في مقدمة هؤلاء سيد عبد القادر وأمين عالي بدرخان ومحمود باشا من عشيرة الملي وشريف باشا…وطمعاً في تذليل هذه الصعوبات، فإن من يبذل أكبر جهد في هذا السبيل سيكون شريف باشا” (آلاكوم، 2004، ص126)
يبدو أن مجموعة من العوامل قد تشابكت وتضافرت جملة من المسببات لوقف وتأجيل مشروع استقلال كوردستان، فروايات الدول الحليفة أحالت بطريقة أو أخرى عدم بروز دولة كوردستان إلى عوامل ذاتية خاصة بالكورد، مثل غياب القيادة الموحدة، البنية القبلية، عدم اتفاق الكورد جميعا حول مشروع الاستقلال، وهكذا. لكن تبدو هذه الحجج ضعيفة، بعد مقارنتها مع عدد من الدول التي تشكلت في تلك المرحلة، وما تلتها. إذ لا يخفى على أحد أن العديد من الدول ظهرت في المنطقة والعالم وكانت بنيتها قبلية ومازالت، كما أن زعاماتها أوجدت بمساعي دول الحلفاء أنفسهم، وفي الوقت نفسه نجد أن عددا آخر من الدول التي صنعتها الكولونيالية الأوروبية على أسس قومية ـ أثنية، ورسمت حدودها، مازالت حتى وقتنا المعاصر تفتقر الى اشتراطات بناء الدولة النموذجية.
من الأهمية أن نذكر بهذا الصدد أن الدول المنتصرة في الحرب أبرمت مجموعة من الصفقات الثنائية والجماعية لتوزيع المستعمرات واقتسام غنائم الحرب العالمية الأولى، وخاصة تركة الرجل المريض “الإمبراطورية العثمانية” وكانت حاصل قسمة وجمع هذه الصفقات إبقاء كوردستان مجزأة، غير مستقلة. إذ كان المشهد عصرئذ على الشكل الآتي: أمريكا كانت تحبذ إنشاء دولة أرمنية واسعة على حساب المناطق الكوردية الشمالية كترجمة تطبيقية لمبادئ ولسون، وتحت ضغط فعال من اللبوبي الأرمني في أمريكا. لكنها انسحبت فجأة من فعاليات وخطط تقسيم وتوزيع المنطقة. ويبدو أنها لم تحبذ الانخراط في النظام الكولونيالي، أو كان بسبب مرض ولسون وانسحابه من المشهد السياسي. أما روسيا فقد كانت تميل لمد نفوذها إلى داخل كوردستان حتى منطقة جزيرة بوتان وبارزان، وصولا الى راوندوز على الحدود مع إيران، وظلت فرنسا ضد استقلال كوردستان وكانت تهدف إلى ضم أكبر جزء من كوردستان إلى مستعمرتها الواعدة في سوريا، وتوسيعها لضم كل من منطقة بوتان، زاخو، وحتى أغلب مناطق ولاية الموصل ومنطقة سنجار بشكل خاص. لأنها كانت تدرج ولايات كوردستان ضمن دولة سوريا التي ستؤسسها لصالحها: “ان تخلي فرنسا الاضطراري عن ولاية الموصل سنة 1918 في اتفاق شفهي بين لويد جورج وكليمنصو، لم يدل على أن الأوساط الفرنسية الحاكمة قد فقدت الاهتمام بالأراضي التي يسكنها الأكراد في الشرق الأوسط، فأولاً اعتبرت باريس ان الولايات السورية في الإمبراطورية العثمانية والتي كانت تدخل في عداده كردستان الجنوبية – الغربية حصتها من الغنيمة…” (لازاريف، 2013، ص96). في حين ظلت بريطانيا مترددة ومتوترة وحسمت رأيها بضم ولاية الموصل الى مستعمرتها (العراق). وغير اكتشاف النفط تجارياً الأمر كلياً في الضد تماماً من صالح المجتمعات الكوردية والآشورية. “الجدير بالذكر أن روسيا وقفت في البداية، بقوة، ضد إعطاء أي جزء من المناطق الكردية لفرنسا، فهي كانت تريد كل أرمينيا وكردستان العثمانيتين لنفسها دون منازع، إلا انها وافقت أخيراً وبعد أخذ ورد طويلين ومساومات وارضاءات كثيرة على القبول بإدخال أصقاع كردية واسعة ضمن النفوذ الفرنسي. أما بريطانيا فكانت تتطلع منذ زمن بعيد الى ولاية الموصل وتعمل في سبيل توطيد مواقع أقدامها فيها بشتى الأساليب، وذلك ضمن خطتها الرامية الى السيطرة على جميع منابع حقول النفط في الشرق الأوسط وكذلك على المنافذ الضرورية لنقل ذلك النفط عبرها. كما كانت تفكر بالدافع نفسه في الاستحواذ على جزء من كردستان الإيرانية أيضاً نظراً لأهميتها من هذه الناحية” (مظهر، 2013، ص316)
بصرف النظر عن درجات تقييم المعاهدة فقد شكلت سيفر الغطاء القانوني للسير نحو استقلال كوردستان، ومرجعية قانونية للسيادة الذاتية للمجتمعات الكوردية على مناطقها، بصرف النظر عن مساحتها وحدودها. لأن عدد من الساسة والدارسين الكورد قد اعترضوا على مساحة كوردستان بحسب سيفر، وبالتالي لا يقرون بالحدود التي رسمتها معاهدة سيفر لكوردستان. كونها قد حصرت بالمناطق التي تقع شرق نهر الفرات، وهذه الحدود كانت مطلباً لتركيا، التي كانت تهدف توسيع كيانها السياسي شرقاً، لضم مناطق واسعة من شرق الأناضول الى تركيا المحطمة، والتي انكمشت كثيراً، وكانت في حالة حرب واعادة تشكيل. لقد كان هذا الاعتراض الكوردي محقاً، حيث تركزت الكثافة الكوردية السكانية، ومنطقة استقرار مجتمعاتها المتجذرة في مساحة شاسعة من غرب نهر الفرات وحتى أواسط الأناضول في محيط أنقرة. ومن اسكندرون على البحر المتوسط جنوباً وحتى سيواس وأرزروم شمالاً. فعلى سبيل المثال دلت عدد من الاحصائيات أن الأغلبية النسبية لسكان لواء اسكندرون كانوا كورداً، حتى لو تم فصلهم عن جبل الكورد (منطقة عفرين) الواقع في شرقها، وجبل الأكراد المتصل بها جنوباً، والواقع حالياً في شرق محافظة اللاذقية: “تعداد سكانه يصل الى 125042 شخص، هناك 65147 مسلماً سنيا يتكلمون التركية، ويدعون احياناً بأنهم اتراك، لكنهم في الواقع وبأغلبيتهم أكراد وتركمان غير مدركين ذلك. انهم يقطنون سهل العمق والقسم الشمالي من الأمانوس بدءا من توب بوغاز (ابواب الحديد الشهيرة). والأكراد لا يتكلمون التركية فحسب، فإضافة الى لهجتهم المحلية، يستخدم عدد كبير منهم اللغة العربية ويجهلون التركية، وهؤلاء يقيمون الى الجنوب من سهل العمق. ووفق التقديرات الأكثر وثوقاً، لا يتجاوز عدد التركمان المتكلمين التركية أبداً عشرين الى خمس وعشرين ألف نسمة. أما باقي سكان السنجق فهم عرب 37 ألف علويون، اضافة الى 31 ألف مسيحي.” (رباط، 2020، ص174). وعلى الأرجح هذا العدد الكبير من الفلاحين الكورد المستقرين في سهل العمق تعود أصولهم الى قبيلة ريحانلي الكبيرة العدد المتنقلة تاريخيا بين مشاتي سهل العمق ومصايف الجبلية في الشمال، والتي تم تشجيعها على الاستقرار وممارسة الزراعة مطلع القرن التاسع عشر من قبل السلطات العثمانية: “وأحيانا لم يخصصوا بأماكن جديدة، وانما وجدت المصايف والمشاتي القديمة مناسبة لإسكانهم فيها. ويمكننا أن نقدم مثالاً على ذلك عشيرة أفشار التي اسكنت في أوزون يايلا على ضفاف نهر زاماناتي. وعشيرة ريحانلي المؤلفة من 2000 خانة تشكل 12 فخذا، حيث أسكنت وبنيت البيوت في أراضي سهل العمق الخصبة في ايالة حلب. ولترغب وتشجع أفراد هذه العشائر على الزراعة وزعت عليهم اراضي الميري واراضي الأوقاف الخاوية دون مقابل” (أورهونلو، 2005، ص 164)
كما أن الخارطة الأثنية رقم (4) المرفقة التي أعدها Dr. Michael Izady، من جامعة كولومبيا بنيويورك، تبدو قريبة من الأرقام والنسب السكانية التي أوردناها، وهي جميعاً تتوافق على أن الأثنية الأكثر عدداً، كنسبة وتناسب في شمال سوريا وحتى ساحل لواء اسكندرون كانوا من الكورد[5]. دقق في المساحات الملونة بالبني للكورد السنة، والبني الغامق للكورد الايزيديين. ومن الملاحظ أن الخارطة قد أهملت الكورد العلويين، أو خلطتهم في الواقع مع التركمان. مع ذلك كانت المجتمعات الكوردية تتركز في المناطق الزراعية الخصبة ذات الكثافة العمرانية والسكانية الكبيرة.
الخارطة رقم (4) تبين توزع الأثنيات في شمال غرب سوريا وتنوعها. عن ميشيل يزدي
وعلى نفس المسار تراجعت فرص الاستقلال الكوردي، وتغيرت الموازين والمعادلات بشكل حاد خلال فترة قصيرة، إثر ميل الدولة السوفيتية إلى دعم تركيا. حيث أن تأسيس الاتحاد السوفيتي من جهة، وبروز قوة الجيش العثماني بقيادة مصطفى كمال، وتحقيقه تقدما وانتصارات على جيوش الحلفاء من جهة أخرى، فضلا عن التردد البريطاني وترجيح سياسة ضم لواء الموصل، وبالتالي ضم وإلحاق مساحات شاسعة من المناطق الكوردستانية الخاضعة سابقا للحكم العثماني الى دولة جديدة تحت نفوذ الانتداب البريطاني، هي دولة العراق. تداخلت هذه العوامل مع المصالح الفرنسية، حيث ضمت ما تبقى من سهول الجزيرة وسنجق دير الزور، وكل المناطق الكوردية شمال حلب وغربها الى دولة سوريا، بما فيه لواء اسكندرون. وبالتالي استكملت جغرافية سوريا المزمع تشكيلها تحت سلطة الانتداب الفرنسي عهدئذ. حتى أفضت هذه العوامل إلى النتيجة المرجحة وهي إلغاء معاهدة سيفر والتمهيد لاتفاق جديد في لوزان في /24/ تموز 1923، وقد تمخض عن هذا الاتفاق ـ الصفقة تثبيت الحدود الحالية للدول في المنطقة من حيث المبدأ، والتوصية بتأمين الحقوق الثقافية للكورد داخل دولتي تركيا الجديدة، المقتصرة سكانياً، وبشكل رئيسي على الترك والكورد، وكذلك في دولة العراق المستحدث، الذي ضمت أيضاً مجتمعات كبيرة وأراضي واسعة من كوردستان العثمانية السابقة.
وبناء على قراءة سريعة لتلك المرحلة وملابساتها يمكن الاستنتاج بأن أبرز مسببات هذه التحول الحاد تجاه مستقبل كوردستان كانت:
أ- انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من المفاوضات، كشريك ومشرف على تقسيم الدولة العثمانية. حيث كانت أمريكا الدولة – الحكومة الوحيدة (التحررية) عهدئذ، وكانت فقط مبادئ الرئيس ولسون هي التي تطالب بحق الشعوب (العثمانية) في تقرير مصيرها السياسي. على العكس تماماً من السياسات الكولونيالية البريطانية والفرنسية المواربة والمترددة.
ب- عدم اقتناع الحلفاء عموما وكل من فرنسا وبريطانيا خصوصا بدعم وإعلان استقلال كوردستان، وهذا التردد كان يكمن وراء كل هذه المناورات التي تبعت الحرب العالمية الأولى وخاصة في أعوام 1921- 1923، وعلى ما يبدو ثمة عامل آخر خفي لم يظهر إلى العلن بعد، وراء موقف الحلفاء السلبي من استقلال كوردستان في أكثر الأوقات ملائمة وسهولة لولادة هذه الدولة مثل غيرها في الشرق الأوسط.
ج- إلغاء الخلافة العثمانية جاءت من صميم الصفقة الكبرى، التي تلت سيفر. وكانت حافزا على تقارب حكومة الكماليين القومية الجديدة مع الغرب المسيحي والسوفييت، ومدخلا لتغيير المنظومة الإسلامية الموحدة (الخلافة الإسلامية) في المشرق. شكلت هذه الخطوة في الواقع أول رشوة قدمها الكماليون الترك للغرب، وأهم حافز جديد للجهات الغربية ذات التفكير الديني، والعقلية الانتقامية منها على وجه الخصوص لمعاقبة الكورد، المتهمين بالمشاركة في مجازر السلطة العثمانية المنفذة بحق المسيحيين داخل الإمبراطورية العثمانية، وخاصة في الأناضول الشرقي وكوردستان وأرمينيا. فضلاً عن تاريخهم البعيد الريادي والفعال في صد الغزوات الصليبية وطردهم من المشرق. وقد عززت هذه المخاوف ميل المجتمعات الكوردية المحافظة للبقاء على المنظومة العثمانية، والتي ترجمت في موقف سيد عبد القادر المحافظ، وكذلك تمظهرت في انتفاضة الشيخ سعيد ضد الكماليين لاحقاً، في سنة 1925. حيث كانت تيارات كوردية واسعة مازالت ذات طابع وميل إسلامي صريح، وداعي لعودة العثمانوية، وان اتخذت شكل انتفاضة كوردية.
ت- سبب تعاون الكماليين مع البلاشفة خللا في ميزان التحالفات، وفضل البلاشفة التحالف مع الكماليين، وتهرب البلاشفة من عملية دعم استقلال الكورد، هذا الشعب الذي لم يكن على ما يبدو (مسجلا في دفاتر البلاشفة من الزاوية العملية على أنهم شعب يستحق حق تقرير المصير على ضوء النظريات والكراريس الماركسية – اللينينية المعتمدة لديهم).
ث – خوف بريطانيا من مواجهة أعداء جدد جراء التمسك بإعلان الدولة الكوردية ورعايتها، فعدد المتضررين من استقلال كوردستان كانوا كثراً عهدئذ: (روسيا السوفيتية، تركيا الكمالية، إيران الشاهنشاهية، القوميين العرب حلفاء بريطانيا الأساسيين إبان الحرب الأولى، فرنسا).
د- الرقعة الجغرافية الكوردستانية الواسعة، والثقل السكاني الكوردي الهائل والمتنوع، الذي لم يكن بمقدور أي قوة جمعهم في دولة قومية موحدة، دون العبور في مرحلة خطيرة، مرحلة ما يشبه انشاء امبراطورية (كوردية إسلامية الطابع)، قد تورث العثمانية بسهولة.
مهدت هذه النقاط، وعوامل أخرى مستجدة لاتفاقية لوزان التي هي امتداد وانقلاب على سيفر في الوقت نفسه. وكانت أبرزها إعادة تركيا لتجميع قوتها العسكرية وخروجها من صدمة الهزيمة، وذلك في مواجهة حالة ضمور وتعب للقوى الأوربية، وعدم استعدادها لاستمرار الصراعات العسكرية، وميلها الموضوعي للتسويات السياسية، مع مراعاة الحد المقبول من الحقوق التركية في استعادة تركتها الإمبراطورية العثمانية الهائلة. حتى باتت لوزان والتوقيع على بنودها تحصيل حاصل، وتصفية أخيرة للحسابات الإقليمية والدولية.
5- التسوية السياسية في معاهدة لوزان وتقسيم كوردستان العثمانية
لقد تفاعلت مجمل الأحداث بين أعوام 1920 -1923، وتغيرت موازين القوى خاصة لصالح القيادات التركية الجديدة، والتي استمدت دعمها من القوى التي تنافس فرنسا وبريطانيا، وخاصة روسيا التي توجهت في منحى راديكالي جديد، صب في مصلحة الأتراك. فضلاً عن الانتصارات العسكرية التي حققتها قوات الكماليين. وشكلت الدعوة لحكومة انقرة لحضور مؤتمر لندن سنة 1921 بداية التحضير لصفقة لوزان. (لازاريف، 2013، ص437). وفي السياق نفسه تراجعت بريطانيا أمام النهوض التركي، والتهرب الأمريكي: “وهكذا اضطرت إنكلترا الى التراجع. وفي مؤتمر وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وإيطاليا في باريس في كانون الثاني 1921 تقرر عقد مؤتمر خاص في لندن لإعادة النظر في معاهدة سيفر. حيث أصبحت البنود 62 و63 الضحية الأولى لهذا المؤتمر. ومن بعده، ومع انتفاء الحاجة الى ذكر اسم الكرد، تم طردهم نهائياً من اللعبة، بحيث لم يبق لديهم حتى مجرد مكان بسيط في المئة والثلاث والأربعين بنداً من بنود معاهدة لوزان التي حلت في 24 تموز 1923 محل معاهدة سيفر.” (مظهر، 2013، ص356)
لذلك، وكحصيلة لتقلب موازين القوة العسكرية والسياسية تم التمهيد لعقد معاهدة جديدة بين الدول ذات العلاقة مع ارث وتركة الدولة العثمانية. والتي انتقلت من موقع المنتصر الكامل الى موقع المفاوض لتقسيم التركة العثمانية من جهة، وإعادة صياغة النظام السياسي العام لمنطقة الشرق الأوسط من جهة أخرى، لذلك عرفت المعاهدة رسمياً باسم: (معاهدة معضلات الشرق الأوسط). وقد عبر الاسم بدقة عن المحتوى، لكن معضلات الشرق الأوسط لم تحل في تلك المعاهدة، ولا في تلك التي سبقتها. حيث كان قد ابرمت في لوزان سنة 1912 معاهدة لوزان الأولى. ولذلك تعرف معاهدة لوزان التي تم بناء عليها صياغة ورسم حدود الدول المعاصرة في الشرق الأوسط، بمعاهدة لوزان الثانية. فقد بدأت المفاوضات في لوزان في شهر تشرين الثاني سنة 1922 واستمرت حتى يوم توقيعها في 24/7/ 1923، وقد تولى رئاسة الوفد التركي عصمت اينونو. الذي حاول إطالة المفاوضات لأطول مدة ممكنة، كون القوات التركية كانت تتقدم على حساب تراجع قوات الحلفاء. وبدأت تسترجع المزيد من الأراضي العثمانية غرب وجنوب الأناضول. لقد أطال اينونو المفاوضات بهدف كسب الوقت وتحقيق مزيد من الإنجازات الدبلوماسية لصالح تركيا.
علماً أن الأطراف المتفاوضة كانت تتألف من ثمانية دول في الجبهة المواجهة لتركيا (العثمانية)، فقد فاوضت سلطات تركيا الدول التالية: (الإمبراطورية البريطانية، فرنسا، إيطاليا، اليونان، رومانيا، صربيا، كرواتيا، سلوفينيا)، واستضافوا وفداً روسيا جورجيا أوكرانياً مشتركاً لمناقشة موضوع المضائق.
تم الاتفاق في لوزان على 143 بند[6]، كل بند من البنود كان يلبي مصالح جهة مفاوضة وتحقق مصالح دولة. وقلما ظلت مشكلة سياسية، او إدارية، أو حتى اجتماعية ومالية قائمة بين الأطراف المتفاوضة ولم يتم حلها، بما فيه مشكلة القبور والمقابر (المادتين رقم 124،126). في حين لم تتضمن أي مادة إشارة الى المسألة الكوردية، أو حتى تأمين الحد الأدنى من مطالب وحقوق الكورد. فقد غاب ممثلي الكورد عن المفاوضات بشكل رسمي، وتم تمييع التمثيل الكوردي وتشتيته بين القيادات الكوردية والحكومة التركية التي أدرجت شخصيات كوردية في وفدها من جهة، كما كان رئيس الوفد التركي نفسه من أصل كوردي يعمل لصالح القومية التركية، وهو عصمت اينونو.
ان الطرف الكوردي الذي كانت ينظم ويوجه الزعامات الكوردية في تلك المرحلة، كانت جمعية ترقي كوردستان التي كان يترأسها سيد عبد القادر النهري، وقد أخطا عندما، طلب في نيسان 1920 من شريف باشا الاستقالة من رئاسة الوفد الكوردي في سيفر، وعلى أثرها لم يتشكل وفد كوردي ذات ثقل، وكان هذا الاجراء أحد أهم عوامل الضعف في الجانب التمثيلي والسياسي الكوردي. إذ أن الجبهة الكوردية تشتت قبل التوقيع على سيفر بأربعة أشهر، وان الخلاف اشتد بين الزعامات الكوردستانية، وتصادم أنصار الحكم الذاتي مع رواد الاستقلال. واستفاد الأتراك من ذلك الشقاق. لدرجة أن قرارات سيفر لم تصاغ بقوة بخصوص الاستقلال الكوردي التام. وكان لكل ذلك علاقة بنهاية دور شريف باشا في باريس، حيث عرف فيها ب (أبو الكورد). كما كانت نهايته، بداية النهاية لدور تيار المثقفين الكورد. وسيطر مصطفى كمال على مفاصل كوردستان، وتحرك عبر عملائه الكثر، خاصة سليمان نظيف وغيره. انتقلت بعدها الزعامات الكوردية الى سوريا ولبنان ومصر وحاول شريف باشا لقاء الملك فيصل لكنه فشل لقد حصل الجميع على حقوقهم سوى الكورد. (آلاكوم، 2004، ص141 – 143)
لا يمكن فصل اتفاقية سيفر عن لوزان، فهما متشابكتان والثانية تعديل وتصحيح للأولى، مع إضافة تفصيلات تنفيذية. اذ تم بموجب لوزان إلغاء أغلب نتائج معاهدة الصلح في سيفر 1920، والتي كانت تتضمن بنوداً تقوض تماماً كيان الدولة التركية، وأولها الإقرار باستقلال كوردستان العثمانية: “ان ضم أرمينيا الى الاتحاد السوفيتي في 20 كانون الأول 1920 ومعاهدة الصداقة والأخوة في آذار 1921 الموقعة مع موسكو أتاح لأنقرة أن تنقل قواتها إلى الجبهة الغربية. قرر الفرنسيون والايطاليون، الذين اندلعت ضدهم مقاومة محلية، خاصة من الوجهاء، مغادرة الأناضول في تموز 1921، فتمكن مصطفى كمال من حشد معظم قواته ضد الجيش اليوناني. أخيراً، انتهى مؤتمر لندن في شباط 1921 الذي يمنح لأنقرة، في الواقع، وضعية المفاوض التركي الوحيد، انتهى الى عزل اليونان على الصعيد الدبلوماسي، وعلى هذا الأساس من إعادة تأهيل القوات الكمالية تم التحضير لهجمات مضادة من قبل أنقرة على الجيش اليوناني المتناثر على أراضي شاسعة في الأناضول. وقد شن آخر هجوم مضاد بقيادة مصطفى كمال شخصياً، في آب 1922، وفي أيلول سقطت سيمرنا، الأمر الذي أدى الى فرار الجيش اليوناني. وكان الجلاء دون قتال في تشرين الأول عن الدردنيل وإسطنبول إشارة دلت على نهاية الحرب.” (بوزرسلان، 2010، ص40)
في ظل هذا النهوض التركي الرسمي ممثلاً بحكومة أنقرة، وكذلك الهبة الشعبية التركية القومية والإسلامية في وجه الغرب، عانت القوى الكوردية ونخبها القيادية من تشتت وتضارب في التوجهات، حتى باتت غائبة عن الساحة الدبلوماسية، لدرجة لم تستطع أن تحضر مؤتمر لوزان بصفة رسمية أو شعبية قوية: “إلا أن كمال لم يحقق هدفه عقب ذلك، وهو انشاء الجمهورية، وبقي منتظراً، فقبل كل شيء لابد من الاعتراف بالاستقلال الوطني وكذلك بحدود الأراضي التي تم فتحها من جديد، وهذا ما تحقق في لوزان بعد مفاوضات شاقة خاضها عصمت باشا. وفي 24 تموز 1923، تم التوقيع على المعاهدة الجديدة، والتي ألغيت معاهدة سيفر. الكرد، أيضا كانوا قد أرسلوا وفوداً لكنهم كانوا غير منظمين، ومن دون أي وحدة في العمل والإرادة، ولم تتمكن من منافسة الأتراك في موقعهم التفاوضي في معاهدة لوزان… لقد نجح الأتراك في جعلهم يعتقدون بأنهم سيحصلون على حكم ذاتي ما في تركيا الجديدة. ومن جهة أخرى لم يشهد الوضع في الموصل أية حلول على أمل أن يتم ذلك فيما بعد تحت رعاية عصبة الأمم.” (ماريسكوت، 2022، ص30)
إثر التوقيع على معاهدة لوزان ووضعها في سياق التطبيق العملي، دشنت مرحلة جديدة من تاريخ الشرق الأدنى وجوار تركيا المعاصرة، ومازالت نتائج هذه المعاهدة ثابتة على الأرض، وتتسم بالرسوخ، لأن العديد من القوى العظمى تحمي مخرجاتها. وأهم تلك النتائج كانت استعادة تركيا لمناطقها ومدنها الغربية الحساسة، كاستانبول وسيمرنا (أزمير). واتخاذ شرق الأناضول مركزا لتركيا الجديدة، لذلك تم تثبيت وازاحة العاصمة الجديدة نحوها، فاتخذت أنقرة عاصمة جديدة للجمهورية التركية، وطويت صفحة إستانبول كعاصمة مع طي صفحة السلطنة العثمانية. بحيث طويت أيضاً مع مرحلة إستانبول المزدهرة، لأنها كانت تعبر عن التنوع ولقاء الشرق بالغرب، لتحل محلها مرحلة أنقرة التي باتت رمزاً للدولة المركزية القومية التركية الصلبة، التي تحارب وتخشى التنوع واللامركزية. حيث عملت حكومة أنقرة بعد اتفاقية لوزان بمنهجية عميقة متعددة الجوانب على تهشيم المجتمعات الكوردية، واذابتها في الثقافة – الدولة (التركية الجديدة). لقد تعسرت في هضم مجتمعات كوردستان العثمانية الراسخة، اذ واجهت انتفاضات كبيرة وحركات عاصفة تلخصت في: “ثلاث ثورات كردية، ثورة الشيخ سعيد (1925)، وثورة آرارات (1930)، وثورة ديرسم (1936 – 1938)، زعزعت النظام على نحو جدي، مرغمة إياه على حشد عشرات الآلاف من الجنود. قمع الثورة الأولى، الذي تطلب تعاوناً عسكرياً مع فرنسا، القوة المنتدبة على سوريا، أدى من دون شك الى سقوط 15 ألف ضحية في صفوف السكان المدنيين. واعتبرها مصطفى كمال حرب مُثل.” (بوزرسلان، 2010، ص58). وهذه المُثل التي قصدها مصطفى كمال هي (المثل) التي تتبناها القومية التركية الجديدة، والتي أدرجت في الدستور في صيغة مكثفة: أن تركيا هي للأتراك فقط، واللغة التركية هي اللغة الوحيدة. وهكذا تسلسلت القيم التركية المعاصرة، والتي على ضوئها تم إبادة المجتمعات المختلفة والمتمايزة عن ثقافة ومثُل المجتمعات التركية.
6- مفتاح شريف باشا وعقدة بريطانيا
يمكن إحالة الكارثة التي حلت بالمجتمعات الكوردية إلى ثلاثة أسباب رئيسية إضافة إلى جملة الأسباب التي سبق ذكرها. الأول كان خروج الشخصية الدبلوماسية والسياسية الكوردية الاستثنائية من الميدان السياسي، فقد سببت استقالته من رئاسة الوفد في مؤتمر الصلح تراجعاً حاداً في النشاط الدبلوماسي الكوردي داخل كواليس وغرف اتخاذ القرارات في أوربا. إذ كان شريف باشا شخصية ريادية تصدر المشهد السياسي المعارض للأتراك في أوربا. أثبت حضوره كشخصية متنورة وتقدمية ومعارضة للاستبداد. وكان على اتصال وثيق مع الحزب الاشتراكي العثماني في باريس، وغيرها من الاتجاهات العثمانية المعارضة للقوميين الأتراك، بمن فيهم الليبراليين. كما كان قد أسس حزباً، وأصدر جريدة (مشروطيت) الفعالة في باريس. وقد فرض حضوره وأثمرت نشاطاته طوال سنوات (1899 – 1920)، حتى أصبح الشخصية الكوردية الأهم في الساحة الأوربية، لم تصل الى موقعه أي شخصية أخرى. بات مدافعاً صلباً عن حق الكورد في الاستقلال، لدرجة ان عرف في أوربا ب (أبو الكورد). والى جانب ذلك كان من أوائل من طالب بالمساواة بين الأمم والأقوام. حيث كان قائداً اصلاحياً وليبرالياً لدرجة أن خوله بعض الليبراليين الأتراك العثمانيين لتمثيلهم ايضاً في المحافل الدولية. كان لتسلمه رئاسة الوفد الكردي في مؤتمر الصلح صدى إيجابي تكامل مع باقي العوامل لتتحول مسألة استقلال كوردستان إلى قرارات دبلوماسية، وخطوات تتجه نحو التطبيق.
لقد بات شريف باشا مفتاحاً لفتح العديد من الأبواب المغلقة في وجه الكورد، وبات على بعد خطوة لإيجاد حل عادل للمسألة الكوردية. وعلى صعيد الجبهة الداخلية الكوردية، تحول إلى رمز توحدت النخب تحت قيادته، وعقدوا عليه الآمال، ولو لفترة قصيرة. إلى ان تقوضت كل تلك الإنجازات، عندما أرغم على الاستقالة من قبل الشيخ عبد القادر، الزعيم الكوردي الأبرز في سنوات الحرب العالمية الأولى. وكاد شريف باشا أن يقترب من فك العقدة البريطانية – الفرنسية في دعم وترجمة عملية استقلال كوردستان.
أما السبب الثاني الأكثر تأثيراً على مصير كوردستان فقد نتج عن التخبط البريطاني، واضطراب تعامله مع ملف استقلال كوردستان عاماً بعد آخر. إذ كانت في البدء بريطانيا هي صاحبة مشروع تحرير وتوحيد كردستان. حتى أن ماكدول قد أورد تفاصيل ومقتطفات من الوثائق البريطانية التي تبين قدرة بريطانيا الأكيدة يومئذ على حل المسألة الكردية حلا جذريا. مستعرضاً مراسلات ارنولد توينبي مع مارك سايكس، والتي تضمنت مقترحات عديدة حول توحيد كردستان. وهي عبارة عن عمليات اقتطاع وضم شملت حتى كوردستان الإيرانية: “في صيف 1921 أغرت نجاحات سمكو بريطانيا بإمكانية قيام كيانٍ كردي مستقل مقتطع من تركيا وإيران. ورغم أنها شكت في أن إيران سوف تسهل مرور القوات التركية إلى العراق من خلال أراضيها، فإنها قاومت، أي بريطانيا، مثل هذه المغامرة، هذه المرة بسبب مخاطر تفكك الحدود التركية ـ الإيرانية.” (2004، ص 234)
كما شاركت بريطانيا فرنسا حماسها في دعم استقلال الشعوب، بعد انتهاء الحرب العالمية، إذ: “صرحت كل من بريطانيا وفرنسا في 7/11/1918 بأن هدفها هو التحرير الكامل والنهائي للشعوب التي عانت من اضطهاد الأتراك لفترة طويلة وإقامة إدارات وحكومات قومية والتي سوف تستمد سلطتها من الممارسة الحرة لروح المبادرة والاختيار لسكانها الأصليين” (ماكدول،2004، ص261)
رغم التخبط والاضطراب في السياسية البريطانية اتجاه الكورد، لكنها رجحت مصالحها بسهولة، وعوضاً عن توحيد كوردستان سعت لتشكيل دولة العراق عملياً. وعلى ما يبدو حسم تشرشل ورجح هذا القرار، حيث تم التخلي نهائيا عن فكرة السماح بإقامة دولة كردستان المستقلة لصالح الحفاظ على جزء منها، أي ولاية الموصل، لتضم نهائياً إلى دولة العراق، إذ صرح في آذار عام 1921 وزير الخارجية آنذاك، تشرشل: “أن مقتضيات إقامة الدولة العراقية أهم من المطالب الخاصة للأكراد.” (ماكدول، 2004، ص 267)
وهكذا تراجعت بريطانيا عن وعودها للكورد بالاستقلال الذاتي، خطوة فخطوة، وفرضت الحكم العربي على الكورد، بحسب ماكدول: “كذلك فإنه من المشكوك فيه أن الإدارات العربية المتعاقبة قد نوت تحقيق التزاماتها أبدا … لقد فرض الحكم العربي المباشر على الأكراد حال بروز طبقة جديدة بينهم تتمثل بالمشتغلين بالثقافة من غير القبليين في مدن كردستان. ومن سوء حظهم أنه في الوقت الذي باتوا فيه جاهزين لتحريك الأكراد كشعب وليس كقبائل، كانت بريطانيا قد تخلت عن عرضها في تقرير المصير” (2004، ص243). وبتجميع الكم الكبير من القرارات والمواقف التي اتخذتها بريطانيا بحق المجتمعات الكوردية، بدءاً بمحاربة مشروع استقلال الامارات الكوردية في أواسط القرن التاسع عشر، وحتى التوقيع على معاهدة لوزان، وما نتج عنها من دعم بريطانيا لكل من حكومتي أنقرة وبغداد في قمع الحركات التحررية الكوردية، تبدو بريطانيا ليس فقط في موقع المسبب بإعادة تقسيم وإلحاق كوردستان بدول المنطقة فحسب، بل تتحمل مثل الحكومات التي دعمتها وزر جرائم الحرب، والابادة الجماعية التي لحقت بالمجتمعات الكوردية طوال أكثر من مئة وخمسين سنة.
أما السبب الثالث الذي سرع من عملية خسارة الكورد في ذلك المنعطف التاريخي، فقد تلخص في الحسابات الخاطئة للنخب والزعامات الكوردية، وخاصة أن حساباتهم غير الدقيقة، لم تميز بين خصوصية الشعوب المنضوية تحت سلطة الحكم العثماني، التي بات تحررها أمراً محتوماً، لأن موقع هذه الشعوب جغرافياً وثقافياً كان مختلف تماماً عن موقع الكورد في مركز السلطنة العثمانية. فقد انخدعت الزعامات الكوردية بوعود الدول الأوربية، وبالغت في محاربة العثمانيين والابتعاد عنهم، ولم تقدر قيمة العلاقة العضوية بين الكورد والعثمانيين، كما أساءت تقدير في الوقت نفسه درجة كراهية القوميين الترك لمسألة تحرر الكورد. حتى شكل تعاون قطاع واسع من الكورد مع مصطفى كمال وتياره الشعرة التي قصمت ظهر الكورد إلى حين.
7- معاهدة لوزان كمدخل للانتقام من المجتمعات الكوردية
لقد كانت من نتائج وسياسات مرحلة ما بعد لوزان، هو التعاون بين القوى الموقعة على الاتفاق في سبيل ضرب حركات الاستقلال الكوردية، والمساهمة العملية في استقرار ووحدة تركيا، وسلامة حدودها الدولية. فقد تعاونت كل من بريطانيا وتركيا وروسيا وإيران في قمع انتفاضة آكري الكوردية – الأرمنية: “اتخذ سحق انتفاضة آكري – آرارات، التي شارك فيها الى جانب الكورد مقاتلون أرمن من الطاشناك، شكل تدمير واسع للقرى الكردية، بحسب وصف الصحافة التركية. وقد استند قمعها على تعاون نشيط بين تركيا وبريطانيا العظمى وإيران والاتحاد السوفيتي. أخيراً، كان قمع انتفاضة ديرسم التي اندلعت 1935 في أعقاب قانون بإخلاء غير مشروط لمنطقة ديرسم من السكان، قد اتخذ بعداً شبيهاً بالابادة الجماعية، بحسب مارتن فان برونسون. وقد عدت على أنها حرب استقلال داخلية.” (بوزرسلان، 2010، ص59)
وعلى الرغم من هذا التعاون الدولي والإقليمي مع تركيا، للحفاظ على دولتها المركزية، ولقمع الحركات الاستقلالية الكوردية، والأرمنية بدون شفقة، ظلت سلطات تركيا الحديثة تعاني من حالة رعب وعقدة المستعمر المحتل، الذي ضخم من ميزانيته العسكرية على حساب التنمية والرفاه الاجتماعي. لقد عانت الحكومات التركية المتعاقبة من فكرة خطر تناثر وانقسام تركيا، لذلك قاوموا الحركات الاستقلالية الكوردية بعنف وقمع دموي، عبر تدمير آلاف القرى والبلدات بطريقة ليس لها نظير. بل أعادوا الحسابات، وفتحوا من جديد صفحة كل الشعوب التي قامت بحركات الاستقلال ضد العثمانيين، لذلك صبوا كل حقدهم على الشعوب التي قاومت الأتراك، وخاصة العرب، عبر الانتقام المتأخر من الكورد: “كانت السلطة الكمالية في الواقع موسومة بتناذر فكرة تجزئة تركيا. فكان قمع المقاومة الكردية يعتبر الشرط اللازم للتخلص من هذه اللعنة. وهكذا في عام 1925، أعدم الشيخ سعيد ورفاقه ليس فقط لأنهم تمردوا وإنما أيضاً لأنه كان ينبغي عليهم أن يكفروا عن الذنوب الانفصالية لباقي الشعوب الإسلامية. فكان قرار الإدانة ينص: (ان دوافع وأسباب التمرد الأخير في المقاطعات الشرقية من الوطن التركي الخالد هي مماثلة لتلك التي ثارت، في ماض ليس ببعيد، في البوسنة والهرسك المحاطة من ثلاث جهات بأعراق ليست تركية ولا مسلمة، ولتلك التي دفعت الألبان، رغم خمسة قرون من إخاء، الى طعن الأتراك في الظهر، وهم اللذين لطالما أظهروا محبة كبيرة لمواطنهم… إن الهدف والغاية اللذين ولدا الثورة الكردية هما ذاتها اللذين كانا قد أفسدا سوريا وفلسطين. البعض منكم منقادون بأنانيتهم، وآخرون بنصائح من الدعاية الأجنبية وبأطماع سياسية، ولكنكم جميعاً متفقون على نقطة واحدة، ألا وهي إقامة كردستان مستقلة، سرتم الى الأمام. وعلى أعواد المشانق سوف تدفعون ثمن المنازل المدمرة، والدم المراق.” (بوزرسلان، 2010، ص60)
وهكذا كما تم ملاحظته، فقد دشنت اتفاقية لوزران من جديد، لشوط آخر من مسيرة الدم والمشانق والاعدامات ضد الكورد، ولم تتوقف سياسات تدمير القرى وترحيل سكانها منذ ذلك الاتفاق. ولا يعاني الدارس صعوبة في الاستنتاج على أنه قد ساعدت أنقرة في سياساتها القمعية كل من دول الحلفاء وروسيا السوفيتية للسير بهذه السياسة، وتسهيلها كمقدمة لتسهيل عملية توزيع الأراضي بين الدول الجديدة، وتجنب الخلاف على رسم الحدود فيما بينها. وبالتالي انعكست هذه السياسات الجديدة بشكل مباشر على توزيع الأراضي بين الدول الكولونيالية المنتصرة. ومن ضمنها كوردستان العثمانية، التي انقسمت بشكل رئيس بين ولاية الموصل، والجزيرة الفراتية وما تبقى منها من أراضي الولايات ذات الغالبية الكوردية في شرق جمهورية تركيا الجديدة.
لقد جاءت اتفاقية لوزان لتلغي اتفاقية سيفر التي كانت تفتح المجال لنشوء دولة كوردية كبيرة، ودولة أرمنية، وبالتالي كانت ستخسر تركيا شرق الأناضول وأعالي الجزيرة الفراتية بشكل نهائي. لكنها رفضت هذا البند، وقاتلت في سبيل إلغائه، وهذا ما تم. وقد سبق أن جعل أتاتورك من بند استقال كوردستان في سيفر، وتوقيعها من قبل حكومة السلطان أداة قوية لمحاربتها بل تخوينها: “لقد عقد الصدر الأعظم الدامداد فريد باشا الذي خان تركيا معاهدة مع الإنكليز، وافق فيها على انفصال كردستان عن تركيا. وقد نشرت هذه الاتفاقية في الصحف الفرنسية..” (لازاريف، 2013، ص409)
وفي المحصلة ربحت تركيا وكذلك الطرف العربي الذي ساندته التوجهات البريطانية، والصهيونية كمقدمة لتسوية سياسية كبرى: “على اثر انتصار الأتراك على اليونان عقد مؤتمر من الحلفاء في مدينة لوزان للاتفاق مع تركيا على معاهدة جديدة فعقدت معاهدة لوزان في 24 تموز 1923 التي نصت على القضاء على استقلالية أرمينيا واعادتها الى تركيا وعن تخلي اليونان عن أزمير وتراقيا الشرقية واعادتها أيضا الى تركيا وعن الغاء المراقبة الدولية على المضايق على ان تحترم تركيا حرية العبور فيها. وأخيراً نصت هذه المعاهدة على الغاء الامتيازات الأجنبية التي تمتعت بها الدول الاوربية في الدولة العثمانية ما يزيد على ثلاثة قرون ونصف، وهكذا نسفت معاهدة سيفر ولم يبق منها سوى تنازل تركيا عن البلاد العربية.” (حماده، 1935، ص183)
وهذه التنازلات الكبرى جاءت تحت ضغط بريطاني – فرنسي – إيطالي ويهودي في الظل، للاستفادة من عدم قدرة المجتمعات العربية على إدارة نفسها، وترسيخ نظام كولونيالي اوربي تحت بند سياسة الانتداب في البلاد العربية، التي مهدت جميعاً لتسهيل الهجرة اليهودية إلى فلسطين. وقد يكون لهذا الاحتمال قدرة على تفسير تفضيل بريطانيا لإنشاء كيانات عربية، وتزعم عائلة الشريف حسين لثلاثة منها: “ففي لندن لم يتخذوا الخيار النهائي بعد، فإما أن يعقدوا الرهان الأساسي على دولة كردية كبيرة نسبياً تضم كردستان الشمالية والجنوبية والغربية. واما الاعتماد على الأوساط العربية القومية المتنفذة في بغداد ودمشق ومكة.” (لازاريف، 2013، ص338)
ومن حيث لا تدري المجتمعات العربية جاءت معاهدة لوزان في المحصلة لصالحها، خاصة من زاوية تأمين السيادة القومية لها، وضم الأراضي الكوردية الى كل من دولتي سوريا والعراق الناشئتين.
8- معاهدات كتبت بيد الشيطان
المسألة الجوهرية بالنسبة لبحثنا هذا هو ان كوردستان العثمانية قد قسمت ووزعت على ثلاث دول وربما أربعة، بل خمسة بشكل دقيق، إذا أخذنا كوردستان الحمراء التي ضمت الى آذربيجان، ومناطق كوردية صغيرة أخرى ضمت الى جمهورية أرمينا السوفيتية. وعلى الرغم من معارضة حكومة أنقرة، إلا أن التسوية كانت لصالحها، وعلى حساب الكثير من الخلافات والجزئيات، ولكن الخاسر الوحيد والأكبر كان شعب كوردستان، وكيانه الجغرافي الواسع، ومجتمعاته المنتجة النشيطة، التي تم تحطيمها بمنهجية، وبموافقة العديد من الدول وخاصة: (بريطانيا – فرنسا – روسيا، ايطاليا، اضافة الى إيران وألمانيا). وضمنا أمريكا، في صيغة تلخصت بعملية تخلي ويلسون عن مبادئه، وانسحابه من المشهد السياسي. فضلا عن صعود الحكم العربي في العراق بقيادة الملك فيصل بن الحسين، وتشكيل حكومة أخرى عربية في دمشق تحت الانتداب الفرنسي.
باختصار نذكر بأبرز نتائج لوزان، خاصة البند الأهم، الذي غير مصير منطقة شمال الشرق الأوسط،
وقد كان البند الأهم بصفة مطلقة لتركيا، وهو استرجاع منطقتي أزمير واسطانبول، وطي صفحة الاستقلال الكوردي، وبالتالي ضم كل مناطق شرق الأناضول، والقسم الشمالي من الجزيرة الفراتية رسميا اليها. ولم تعد تركيا كما كانت بموجب اتفاقية سيفر رقعة صغيرة محاصرة ضمن الأناضول، وإنما عادت بموجب اتفاقية لوزان الى حجمها ومساحتها المعاصرة، لتمد سلطتها من جديد الى حدود إيران شرقاً، والمضائق البحرية، وحدود اليونان غرباً. كما بات تطبيع العلاقات مع الدول الأوربية التي خاضت تركيا العثمانية الحرب ضدها من ثمار اتفاقية لوزان، وبالتالي تم التأسيس لصيغ مستقبلية جديدة من التعاون الثنائي.
من حيث الجوهر والمخرجات، شكلت معاهدة لوزان انتصاراً سياسيا لشخص مصطفى كمال، وكانت بالتالي الخطوة الأولى نحو تأسيس الجمهورية التركية، وطي صفحة (الخلافة والسلطنة العثمانية التي وقعت على معاهدة سيفر وقبلت بها، ثم اتهم الموقعين بالخيانة من قبل الاتحاديين الأتراك). وخاصة أتاتورك كما سبق ذكره.
يمكن التكثيف والاختصار، وترجيح الرأي الذي يميل إلى أن خسارة الحكم العثماني تجسد في سيفر، في حين ترجم انتصار التيار القومي الكمالي في معاهدة لوزان. اذ أن لوزان مهدت لنشوء جمهورية مركزية صلبة، وساهمت في تعويم التيار الكمالي، وبالتالي فتح المجال سياسياً ودبلوماسياً أمام ما عرفت لاحقاً (كماليزم) كأحد الحركات القومية الراديكالية العلمانية في النصف الأول من القرن العشرين. وساعدت مخرجات لوزان في تحقيق شعاراتها الحادة: (دولة واحد، لغة واحدة، علم واحد). إذ ساعدت تركيا الكمالية في ذلك النهج، كل من بريطانيا، فرنسا، أرمينيا، آذربيجان، التابعتان للاتحاد السوفيتي، كما ساهموا في تفتيت وهضم ايالة كوردستان العثمانية الكبرى. هذه الايالة التي كان من الصعب على تركيا الجديدة والضعيفة من الناحية الديمغرافية من حكمها، أو هضمها لوحدها، لذلك قسمت حتى باتت سهلة الهضم من قبل ثلاث جهات كولونيالية. على الرغم من الاعتراض من قبل القيادة التركية التي كانت واثقة من نفسها، وتدعي قرب الكورد منهم، ورغبتهم في العيش ضمن حدود تركيا. اذ طالت السجالات والصراعات مع بريطانيا بخصوص ضم ولاية الموصل الى دولة العراق.
في حين رد كيرزون[7] بقوة ضد الحجج التركية مبيناً أن الكورد كانوا دائماً مستقلين عنكم: “امام حجج الأتراك اصر كيرزون معبراً عن موقف بريطانيا، على أن الأكراد عاشوا على الدوام حياة مستقلة أم الأتراك فلم يفرضوا قط اشرافاً فعالاً على كردستان الجنوبية، واثناء الحرب قام الأكراد بمساعدة الإنكليز وليس الأتراك.” (لازاريف، 2013، ص467)
اختزلت سجالات ومفاوضات هذه المرحلة المسألة الكوردية من قضية الاستقلال العامة لكوردستان الى مستقبل ولاية الموصل، التي أصر الوفد التركي برئاسة اينونو على عثمانيتها وكرديتها. وبالتالي كان هذا التقلص والانحدار بمستوى القضية الكوردية لصالح الجمهورية التركية والدول الناشئة.
ان نظرة مجردة وموضوعية الى ما حدث في باريس أثناء مفاوضات الصلح، وما نجم عنها من مناورات ومساومات، من اتفاقيات ومعاهدات بين الدول الكبرى، والتي توجت بمعاهدة لوزان تجعل المتتبع يتفق تماماً مع ما علق به الديبلوماسي الأمريكي جورج كينن على معاهدات الصلح بعد الحرب العالمية الأولى، حيث قال: (لقد دونت مآسي المستقبل في هذه المعاهدات بيد الشيطان)[8]. فأقل ما يمكن أن يقال عنها أنها لم تستطع تجنب البشرية مأساة حرب عالمية ثانية. (مظهر،2013، ص356)
وفي المحصلة فتحت معاهدة لوزان الطريق لمسار السياسات القومية المركزية التركية العنيفة التي لم تحرم الكورد من حقهم في تقرير المصير السياسي فحسب، بل فتحت أوسع الطرق وأمنت المساعدات اللوجستية للقيادة التركية كي تشن حرب طويلة الأمد ضد الكورد والأرمن، وعلى نطاق أضيق ضد اليونان. قامت بحملات دموية تحققت عبر مجازر، وحروب إبادة جماعية، فضلاً عن عمليات احلال سكاني، وهندسة ديمغرافية عنصرية داخل عموم تركيا، ومناطق كوردستان في شرق الأناضول وشمال غرب نهر الفرات بشكل خاص. لقد كانت معاهدة لوزان غير عادلة، وغير أخلاقية كما وصفها القنصل الروسي والأكاديمي، وعضو جمعية باريس الآسيوية، ولخص رأيه حول اتفاقيتي سيفر ولوزان واشكالية طي صفحة الدولة الكوردية، مدوناً: “بأن لوزان لم تكن عادلة وتظل متخلفة وغير أخلاقية”. وذلك في رسالة الى جريدة لومتان (الزمان) الفرنسية في سنة 1937، ولم تنشر الرسالة في حينها، وإنما نشرت في كتابه الكورد دراسة سوسيولوجية وتاريخية: “من الممكن أن تكون معاهدة (سيفر) قد فسرت تفسيراً سيئاً من وجهة النظر السياسية ولم يعد تطبيقها ممكناً في النتيجة. إننا لا نريد بأي وجه في هذا المجال إعادة بناء التاريخ الدبلوماسي لآسيا الصغرى ما بعد الحرب، ولكن المعاهدة المذكورة كانت قد استصوبت ضمن أساس الاعتراف بمبدأ وجود كردستان مستقل ذاتياً، تقدم المبادئ الأخلاقية الدولية، في حين أن معاهدة لوزان لم تأخذ هذا الموضوع بنظر الاعتبار بمزيد الأسف، فهي من حيث تقدم وتطور الحقوق الدولية معاهدة متخلفة.” (نيكيتين، 1998، ص498).
وبعد مرور قرن على توقيع اتفاقية لوزان تتضح أكثر الخيوط المتشابكة للسياسة الدولية، وتفصح جزئياً عن أبعاد الشراكة الكولونيالية بين كل الموقعين على هذه الاتفاقية، إضافة الى تعاون روسيا من خارج قاعة المجتمعين، وعبر حضورها الضعيف لمناقشة موضوع المضائق. لدرجة أنه يمكن التعبير عن هذه الشراكة بجملة واحدة، وتوثيقها بقلم باحث أكاديمي تركي أصيل، كحصيلة لدراساته المستفيضة حول مآل المجتمعات الكوردية بعد اتفاقية لوزان: “كوردستان مستعمرة دولية”[9].
لقد دفع الشعب الكوردي ضريبة باهظة لكون بلاده تحولت منذ أواسط القرن التاسع عشر وحتى أواسط القرن العشرين الى مستعمرة دولية، بمعنى أن القوى الكولونيالية لجمت حق تقرير مصيرها السياسي، وتم تقسيم كوردستان العثمانية، والتدخل في شؤونها من قبل مجموعة من الدول. حتى نهبت ثرواتها، خاصة النفط، والمحاصيل الزراعية. وتم تحطيم المستقبل السيادي للكورد نتيجة الدبلوماسية السرية للدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، وبراغماتيتها في التعامل مع صعود القوميين الأتراك، وتعاونهم مع السوفييت لترتيب منطقة القفقاس وكوردستان. كما عملوا معاً لتوفير المناخ في الشرق الأوسط لولادة دولة إسرائيل، وتسهيل تنفيذ وعد بلفور الذي أعلن عنه سنة 1917م. مما تطلب ارضاء القوميين العرب، وتعويم الحكم الهاشمي عن طريق منح حق حكم سوريا، فالعراق والأردن لهم.
×××××
المراجع والمصادر بحسب نظام هارفرد
- آلاكوم، روهات (2004)، شريف باشا السنوات العاصفة لدبلوماسي كردي. ترجمة: شكور مصطفى. إقليم كوردستان العراق. دهوك
- أورهونلو، جنكيز (2005)، إسكان العشائر في عهد الامبراطورية العثمانية. ترجمة: فاروق مصطفى. دمشق
- بوزرسلان، حميد (2010)، تاريخ تركيا المعاصر. ترجمة: حسين عمر. الدار البيضاء. المغرب
- بيشيكجي، الدكتور إسماعيل (1998) كردستان مستعمرة دولية. ترجمة: زهير عبد الملك، السويد
- حسرتيان، وجليل، جليلي (1992). الحركة الكردية في العصر الحديث. ترجمة: عبدي حاجي. بيروت
- لازاريف. الحركة الكوردية 1917 -1923. ترجمة: عبدي حاجي. ط2، دهوك.
- حماده، محمد عابدين (1939)، التاريخ المعاصر وفقاً لبرنامج البكالوريا السورية، دمشق
- سلطان، الدكتور علي (1987)، تاريخ سورية (1908 – 1918) نهاية الحكم التركي. جزء أول، دمشق
—- تاريخ سورية (1918- 1920) حكم فيصل بن الحسين. جزء ثاني. دمشق 1987
- مظهر، الدكتور كمال أحمد (2013)، كردستان في سنوات الحرب العالمية الأولى. ترجمة: محمد الملا عبد الكريم، بيروت
- مكدول، ديفيد (2004)، تاريخ الأكراد الحديث. ترجمة: راج آل محمد، بيروت.
- ماريسكوت، اليزابيت (2022)، الجمهورية التركية والمسألة الكوردية. مواجهة مأساوية. ترجمة عن الإنكليزية: رضوان شيخو. تقديم ووضع الهوامش علي جزيري، أربيل
- شانيولو، جان بول. و سياح، سيدي (2006). مسألة الحدود في الشرق الأوسط. تعريب حسين حيدر، بيروت
- زكي، محمد أمين (1985). خلاصة تاريخ الكرد وكردستان. بيروت
- رباط، إدمون (2020)، تطور سوريا السياسي في ظل الانتداب. ترجمة: سليمان رياشي، بيروت
- نيكيتين، باسيلي (1998)، الكرد، دراسة سوسيولوجية وتأريخية. ترجمة الدكتور نوري الطالباني، بيروت
• المراجع باللغتين الكوردية والإنكليزية:
-Serhat Bozkut, Alişan Akpinar, Rûken Alp) …. 2011(, KURDISTANA OSMANî, ISTANBOL.
-Kennan, G. F. (1959) American Diplomacy 1900 – 1950, Seventh Printing, New
York
-Treaty of Peace. (1920), London. His Majesty’s Stationery office.
– Dr. Michael Izady for the Atlas of the Islamic World and Vicinity (New York, Columbia University, Gulf 2000 Project: 2006-present
[1] ينبغي أن يكون البيان قد وقع في سنة 1919 م. وبحسب البروفيسور أحمد مظهر كان الاتفاق في كانون الأول 1919
[2] تحولت تلك المناطق الى جمهورية كوردستان ذات الحكم، عرفت كذلك بكوردستان الحمراء، وعاصمتها لاجين. كانت تابعة لجهورية أذربيجان السوفيتية. وكانت قد أسست في عهد لينين سنة 1923م. وتضم أراضي: كلبا جار وقوبادلي، والتي عرفت لاحقاً بناكورني قرباغ. انتهت الجمهورية سنة 1929م. هجر قسم كبير سكانها الى أواسط آسيا ابان الحرب العالمية الثانية من قبل ستالين. ثم تزايد نسبة الآذريين فيها. وباتت تحت سيطرة أرمينيا سنة 1992م بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وهي موضوع خلاف يتصارع عليها كل من أرمينيا وأذربيجان. وشرد أغلب سكانها الكورد على مراحل.
[3] مدينة أزمير الحالية
[4] كان يؤخذ على رائد الدبلوماسية الكوردية شريف باشا خندان، أنه مولع بالشامبانيا. لدرجة أن خصومه من الكورد وأعدائه من الترك، أطلقوا عليه مفرقع الشمبانيا. “”لقد كان الباشا مغرماً بالشامبانيا،” (آلاكوم، 2004، ص108)
[5] Dr. Michael Izady for the Atlas of the Islamic World and Vicinity (New York, Columbia University, Gulf 2000 Project: 2006-present
[6] للاطلاع على الترجمة العربية الكاملة لنص المعاهدة وتفاصيل البنود ال 143 راجع المعهد المصري للدراسات على الرابط: https://eipss-eg.org/%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B5-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%84-%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%87%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D9%88%D8%B2%D8%A7%D9%86-1923/
[7] اللورد جورج كورزون (1859 -1925)، وزير الدولة للشؤون الخارجية في بريطانيا (1919 -1924)
[8] للتفاصيل راجع:
G. F. Kennan, American Diplomacy 1900 – 1950, Seventh Printing, New
York, 1959. P61
[9] كردستان مستعمرة دولية. عنوان كتاب للدكتور إسماعيل بيشيكجي. ترجمة: زهير عبد الملك. السويد -1998