مصطفى محمد
مقدمة:
” الإخوان المسلمون ” في سوريا تُعرّف نفسها بأنها جزء من جماعة الإخوان المسلمين العالمية التي أسسها الشيخ حسن البنا في مصر[1]. و تزامنا مع ثورات الربيع العربي تمكنت تلك الأخوية الإسلامية من الوصول إلى حكم بعض الدول مثل تونس و مصر و ليبيا ، و ذلك عبر لعبة الديمقراطية ، و على الرغم من عقائدهم الجامدة ، إلا أنهم انتهجوا منهجا برغماتيا في سبيل الوصول إلى القرار ، و هذا جعل مسيرتهم تكتسي بشكل متزايد طابعا إنتهازيا، و من دون الإلتزام بتعهداتهم.
و من هنا تأتي الأهمية الأكاديمية و المجتمعية لبحثي ألا و هو معرفة و كشف المقاربة الديمقراطية للإخوان في سوريا بعد 2011، لأن هذه الحركة الإخوانية الإسلامية تتبع نفس المنهج البرغماتي ، و لعلّ الجناح السوري هو الأكثر إتباعا للتقية السياسية و خصوصا بعد سنوات المعاناة في السبعينيات و الثمانيات القرن الماضي و كذلك تحالفاتهم المشكوك بها مع بداية الألفية الثالثة.
يبدأ البحث بضبط بعض المفاهيم اللازمة ثم الإنتقال إلى الخلفية التاريخية للصراع بين الإخوان المسلمين و حزب البعث ، و صولا إلى الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد في ٢٠١١ و وثيقة “عهد و ميثاق” التي أعلنتها الحركة، و هذه الوثيقة سوف تكون موضوع البحث. ثم تحليل النظرية “الوثيقة” ، أي هذا الخطاب المعمم ، و ما مدى تطابق هذه الوثيقة مع أدبيات الإخوان و عقائدهم، و كيف تستخدم في كواليسها خطابا يتسم بالإيدلوجيا الإسلامية فترضي بذلك جمهورها من جهة ، وتتحاشى انتقاد النخبة السياسية من جهة أخرى بهذه الوثيقة، ثم تحليل الممارسات و السلوكيات خلال إثني عشرة عاما من الصراع في سوريا، في سبيل معرفة مدى إلتزامهم بتعهداتهم.
ضبط المفاهيم : النص المقدس مقابل الديمقراطية
من أجل فهم العلاقة بين الإخوان المسلمين و الديمقراطية ، و مدى التقارب بينهما ، لا بد لنا من ضبط بعض المفاهيم التي تخص بحثنا ، و البدء باسم الجماعة نفسها ، حيث يرى بعض الباحثين أن فكرة الأخويات قد اقتبست من نظام الأخويات المسيحية التي انتشرت في عالم المسيحية في الغرب وكذلك الأخويات التاريخية الإسلامية والمسيحية مثل الجماعة الإسلامية في مرحلة حسن الصباح وجماعة فرسان الهيكل المسيحية والجمعيات الماسونية، ويستدلون على ذلك بالتشابه بين أسلوب ونظام جماعة الإخوان المسلمين وبين الأخويات الدينية السرية التاريخية منها والحديثة[2]، إذ أن جماعة الإخوان السورية و من خلال مشاركتها في السياسة البرلمانية كانت تشدد علنا على الطبيعة العالمية لرسالتها وتجنّب العلمانية في المجتمع السوري المنقسم[3].
و المفهوم الثاني الملح ، الذي يتطلب تقديم تعريف له هو الشورى ، حيث أن الشورى هو مصطلح إسلامي للدلالة على تقليب الآراء، ووجهات النظر في قضية من القضايا، من أجل تحقيق أحسن النتائج[4]، و هو مبدأ شرعي من مبادئ الإسلام ، فتجعل السيادة للشريعة الإسلامية ولو خالفت الأغلبية. فالشورى في الإسلام تقوم على حقيقةٍ مفادها أن الحكم هو حكم الله المنزَّل بواسطة الوحي، و يتم الشورى ، اي التشاور ، بين أهل الشورى و هم أهل الحل و العقد.
أما أهل الشورى (الحلِّ والعقد)، فهم من وجهاء الناس و يتوفر فيهم شروط العدالة و العلم و الرأي و الحكمة حسب رأي الفقهاء.
اما اذا أردنا أن نقدم تعريفاً بسيطاً و مكثّفاً للديمقراطية ، فهو مصطلح مشتق من المصطلح الإغريقي δημοκρατία ويعني «حكم الشعب» لنفسه، و هو مصطلح صيغت من شقين δῆμος (ديموس) «الشعب» و κράτος (كراتوس) «السلطة» أو «الحكم». و الديمقراطية في شكلها السياسي قائمة على التداول السلمي للسلطة و هي حكم الأكثرية.
و من خلال هذه التعاريف البسيطة يمكننا أن نستنتج الفرق بين الشورى و الديمقراطية ألا و هو مصدر السيادة في التشريع ، فالديمقراطية تجعل السيادة في التشريع للشعب ولو خالفت الشريعة الإسلامية، أما الشورى فتجعل السيادة للشريعة الإسلامية ولو خالفت الأغلبية.
و من هنا يحصل التضارب ، و يستحيل أن يحصل التوافق ، فمثلا في الديمقراطية النيابية تعتبر العملية الانتخابية جوهرا في تحديد هؤلاء النواب وليس التعيين ، وبذلك الشرط تفتقر عمليات التعيين التي تنتهجها الجماعات الاسلامية في اختيار أهل الحل والعقد الى آلية الانتخاب. أضف إلى ذلك أن الجماعات التي تتصف بالإسلام السياسي لايمكنها عزل من ينوبون عن الناس لأنهم يمنحون توكيلا لايقبل التشكيك وهم منزهون عن الفساد لأنهم أتقياء وعلى درجة من الصلاح الديني وهم يكسبون بسهولة تعاطف جمهورهم الذي يمتثل للنص المقدس في طاعة أولي الأمر.
و مثال آخر في الديمقراطية الإجتماعية، حيث تكمن نقاط الضعف لدى الجماعات الاسلامية في تحقيق الشرط الليبرالي في بلوغ هذا النوع من الديمقراطية، لأنها جماعات تقسم المجتمع إلى فئات ، فالرجل في الحقوق لا يتساوى مع المرأة ولاتخضع هذه الجماعات قواعدها النظرية لحساسية الجندرة في المجتمع ( النوع الاجتماعي) وحقوقه الأساسية في الحرية والمساواة.
اي أن الشريعة أو حكم الله المنزَّل بواسطة الوحي يحول دون تطبيق هذا النوع من الديمقراطية ، حيث أن ” لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق”.
و كخلاصة و حتى أصل إلى ربط هذه المفاهيم بسؤال بحثي ، أستطيع ان اجادل بأن الحركات الإسلامية و على رأسها جماعة الإخوان المسلمين في سوريا تحاول أن تستفيد من بعض أنواع الديمقراطية – كون التوافق و التطبيق محال ، نتيجة التصادم بين النص القرآني و مقومات الديمقراطية – في سبيل السيطرة على صناعة القرار و استلام الحكم. و ذلك عبر الديمقراطية التعددية حيث يحاولون الاستفادة من هذه التعددية لتشكيل أحزاب لاتبتعد كثيرا عن إيديولوجيتها الخاصة بها ولو غيرت في مسمياتها وحركتها السياسية وتدفع أيضا بشخصيات تدعوها مستقلة و ذات نفوذ وتأثير ، و ذلك بالاستفادة من أخلاقيات احترام التنوع ، وربما تعزز الوصول لذلك الهدف بواسطة المال السياسي، اي أن الجماعة تتبع سلوك “التخفي”. و هذا يفسر سبب دعوة الإخوان المسلمين في وثيقة ” عهد و ميثاق ” في بندها الثاني إلى “دولة ديمقراطية تعددية تداولية.”
الخلفية: جماعة الإخوان المسلمين و إنقلاب حزب البعث في ٨ آذار ١٩٦٣.
أستطاع ضباطٌ ينحدرون من الطائفة العلوية الهيمنة على مفاصل السلطة في البلاد إبتداءا من ١٩٦٣ ، و انتهاءا إلى انقلاب قاده حافظ الأسد عام 1970، حيث تصاعدَ الاستقطاب الطائفي و التشرذم الإجتماعي، مع تمكينه لضباط علويين من مفاصل السلطة العسكرية والأمنية التي بدأت تتغوّل وتتوسّعُ في البلاد على حساب الحريات العامة وتفريغ المجتمع من السياسة.
و ترافق ذالك حملة رفض و إدانة من قبل الجماعات الإسلاميّة السنية وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين على سيطرة شخص علوي على الحكم ، إلى جانب العداء لوجه السلطة العلماني ، و هذا الوجه العلماني للسلطة نفسها كان يذوي يومًا بعد يوم أيضًا، لصالح حكم الحزب الواحد، ثم الطغمة الطائفيّة، ثم العائلة[5].
حيث وقع أول صدام واسع النطاق بين الطرفين بعد فترة وجيزة من انقلاب عام 1963، و على إثرها تم حظر جماعة الإخوان المسلمين السورية في نفس العام. و بحلول نيسان/أبريل من عام 1964؛ اندلعت أعمال شغبٍ في حماة حيث قام المتمردون من الإخوان وغيرهم بإقامة حواجز على الطرق وتخزين المواد الغذائية والأسلحة.
في الفترة بين(1976-1982) قامت حملة من قِبل الجماعات الإسلاميّة السنية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين ضدّ النظام ، حيث قامت جماعة الإخوان المسلمين بأنشطة حرب العصابات في مدن متعددة داخل البلاد مُستهدفةً الضباط العسكريين والمسؤولين الحكوميين ، حيث لجأوا إلى العمل المسلح عبر عمليات نفذها الجناح العسكري للجماعة الذي أطلق عليه «الطليعة المقاتلة»، و ذالك رفضا لحكم حزب البعث العلماني و كذلك وجود رئيس غير مسلم لسوريا كون حافظ الأسد من الأقلية النصيرية ، حسب رأي جماعة الإخوان المسلمين .
حيث اتسمت تلك الأعوام الستة بحدوث مجازر من قبل طرفي الصراع ، فمن جهة نفذ الجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين مجزرة مدرسة المدفعية في حلب في 16 حزيران/يونيو 1979، وأسفرت عن مقتل 50 إلى 82 طالباً من طلاب المدرسة معظمهم من الطائفة العلوية. و كذلك قاموا بمحاولة اغتيال حافظ الأسد في 26 حزيران/يونيو 1980 خلال حفلِ استقبالٍ رسميّ لرئيس مالي.
و من جهة أخرى كان انتقام النظام السوري سريعًا وبلا رحمة؛ فبعد سويعات قليلة من نجاتهِ من محاولة الاغتيال الفاشلة؛ وقعت مجزرة سجن تدمر حيث تم إعدام 1200 شخصًا في زنزاناتهم، و من المجازر الأخرى التي قام بها النظام السوري مجزرة حصار حلب في ١٩٨٠ ، و مجزرة حي المشارقة في حلب في صباح يوم عيد الفطر عام 1980 ،[6] و أيضا مجزرة جسر الشغور في 9 آذار/مارس عام 1980..[7] و لعلى أبشع مجزرة كانت مجزرة حماة 1982 ، حيث قدّر الكثيرون وعلى رأسهم روبرت فيسك أن عدد الضحايا قد بلغَ 20,000..[8] و وفقًا للصحفيّ والكاتب البريطاني باتريك سيل «فإنّ كل مظليّ أُرسل إلى حماة؛ قيل له أنه هذه المرة يجبُ القضاء على التشدد الإسلامي مهما كانت التكلفة».[9]
نتيجة لتلك الفترة الدموية و خصوصا بعد مجزرة حماة فمن جهة انتهت المقاومة المسلحة من قبل الإخوان المسلمين، و من جهة أخرى أصدر النظام السوري سلسلة من القوانين تحظر اي نشاط للإخوان المسلمين في سوريا، حيث سنّت الحكومة السورية قانونًا يقضي بإعدامِ كل من انتسبَ لجماعة الإخوان المسلمين وصارَ عضوًا فيها منذ يوليو ١٩٨٠ ، تم تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية منذ 1982.[10] و منذ تلك المذبحة لم تشهد أي احتجاجات شعبية كبيرة على السياسات التي ينتهجها النظام فقد تم بالفعل تجريف و إجتثاث جماعة الإخوان المسلمين في سوريا.
أقتصر نشاطهم في المنفى فقط، حيث حاول الإخوان المسلمين استعادة تماسكهم وتطوير بناهم وعلاقاتهم في الخارج، و حاولوا صياغة مراجعات فكرية وتنظيمية، و قد أصدرت عام 2001 وثيقةً حملت اسم «مشروع ميثاق الشرف الوطني»، ولاحقًا كانت من الموقعين على إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي عام 2005، الذي وقَّعَت عليه أيضًا أحزاب وحركات يسارية وعلمانية وليبرالية معارضة. ثم قامت بتحالف برغماتي مع عبد الحليم خدام نائب الرئيس السابق حافظ الأسد و هو ما عُرِفَ بجبهة الخلاص الوطني المعارضة عام ٢٠٠٧.[11]
و مع بداية الثورة السورية و تزامنا مع ثورات الربيع العربي أصدرت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا يوم 25 /3/2012 وثيقة سمتها «عهد وميثاق»[12] وتعتبر الجماعة هذه الوثيقة «أساساً لعقد اجتماعي جديد، يؤسس لعلاقة وطنية معاصرة وآمنة بين مكونات المجتمع السوري»[13]. و هذه الوثيقة هي النتيجة بعد صياغة مراجعات فكرية وتنظيمية، و هو موضوع هذا البحث.
تحليل ا: (تحليل نظري…).
– تسعى حركة الإخوان المسلمين في سوريا – و التي تُعرّف نفسها بأنها جزء من جماعة الإخوان المسلمين العالمية التي أسسها الشيخ حسن البنا في مصر[14] – من خلال التنظير إلى دفع مقاربات قد تبدو شكلية عند تمحيص السلوك ، فهي من جهة لاتتورع عن الخوض في الدعوة الى ممارسات تتصف بالعنف بالوقت الذي تتطلب الديمقراطية استخدام وسائل سلمية في الوصول إلى السلطة .
– في مطلع العام ٢٠١٢ اي بعد عام من اندلاع الاحتجاجات في سوريا تم الإعلان عن وثيقة “عهد و ميثاق” تتضمن رؤية الجماعة لسورية المستقبل[15].
وتعتبر هذه الوثيقة – بما تضمنتها من حقوق مدنية وحريات والتزام بوسائل الديمقراطية ونظام الحكم ونبذ للغة العنصرية والكراهية “من وجهة نظر تحليلية”- افتراقا مع ما تدعو اليه الجماعات الاسلامية مسألة تقديم أو ادماج السياسي الدنيوي مع النص الشرعي المقيد حين رفعت شعارها الصريح “الإسلام هو الحل” وما يعني هذا الشعار من الرجوع إلى دولة الخلافة ومآلاتها التاريخية المنافية لأي مقاربة ديمقراطية حديثة.
– و هذا يجعلنا نتساءل اذا كانت الجماعة في سوريا تعي ماتعنيه هذه الوثيقة أم أنه نوع من التعمية التي تمارسه الحركة على النخبة السورية بينما تستخدم في كواليسها خطابا يتسم بالإيدلوجيا الإسلامية فترضي بذلك جمهورها من جهة ، وتتحاشى انتقاد النخبة السياسية من جهة أخرى بهذه الوثيقة، أي أنهم يعملون على خلق مسلم بدلا من مواطن، حيث كشفت أول دراسة ميدانية عن الإخوان أن :
«وجود فجوة كبيرة داخل الجماعة في فهمهم لمسألة الديمقراطية، حيث يفهمونها كممارسة وليس كقيم، أي يدخلون الانتخابات ويطلقون مظاهرات لكن لا يوجد إيمان لديهم بقيم الديمقراطية من مساواة وحرية وعدالة»[16].
– وإذا كانت الجماعة غير جادة في برنامجها فمن يلزمها بذلك ياترى، استطيع القول أن الجماعة تلجأ إلى صياغة خطاب معمم ولا تتوسع كثيراً في تفصيل المفاهيم الديمقراطية وأيّ منها يمكنها الركون إليها ولاتحاول اتخاذ المواقف السالبة منها تحاشيا للنقد المضاد.
ولو حاولنا البحث في ثنايا الوثيقة عن طبيعة الديمقراطية التي يمكن انتهاجها فلن نجد ما يمكننا الركون اليه ولدى تفحص الآليات التي يعتمدونها فلن نجد أكثر من الشورى مفهوما قاصرا عن الممارسة الديمقراطية وهي الخطوة التقيمية التي يمكن أن تكشف عمق التقية السياسية التي يمارسونها في الحوكمة الداخلية والتنظيم والادارة في مؤسساتهم.
– أن جملة العقائد التي يرجو منها مرشدو الحركة مركزة القرار والسلطة لديهم لن تجعلهم يضحون بقداسة النص لصالح التشريعات الوضعية التي تعبر عن المصلحة العامة لدى الجمهور وبذلك ستبقى الحالة الداخلية للجماعة الإسلامية محكمة للنص الشرعي ومنفذة له.
– إن هذا الخطاب المعمم لن يطمئن الكثير من النزعات الأخرى والهويات الفرعية التي مزقت المشهد المجتمعي في سوريا فالجماعة ليست التعبير السياسي الوحيد عن الإسلام السياسي وهناك تناقضات مذهبية ودينية تفرض نفسها على الساحة خاصة وأن الجماعة تتخذ من عنصر القوة العنيفة كماهو وارد في شعارهم “وأعدوا “وعيدا في تصفية الخصوم، و كذلك يشير المطلب الثالث من مطالب الخمسون التي وضعها حسن البنا والتي أرسلها لحكام الدول الإسلامية في “رسالة نحو النور”إلى “تقوية الجيش والإكثار من فرق الشباب وإلهام حماستها على أسس من الجهاد الإسلامي.”و أيضا يشير البند الأول من الأصول العشرون إلى “جهاد ودعوة أو جيش وفكرة”[17].
– ينبغي ان تكون التجربة هي المحك الرئيسي لكل هذه الاتجاهات والميول والتي هي من حق أفرادها عندما يسعون إلى الاكتفاء بالديني في اطار حرية العقيدة للأفراد والعمل على انجاز شؤون دنيوية يمكن ان يكون محل اهتمام المجتمع بكافة تكويناته الاجتماعية.
ينتظر اخوان سوريا دائما الدعم من جماعات أخرى ، فالجماعات الإسلامية عابرة للحدود الوطنية وهي اشكالية اخرى يضاف الى جملة تحديات فكم تستطيع الجماعة أن تغلق الباب امام تدخلات وتأثيرات يمكن أن تمليها جماعات اخرى خارج الحدود وربما تتنافى مع المسالة الوطنية.
– يمكنني ان أجادل بأنه لن يكون ثمة أي مقاربة بين الديمقراطية و فكر الإخوان المسلمين و ذلك بسبب مصدر السيادة ، فالفكر الإخواني لا يضحي بقداسة النص القرآني لصالح التشريعات الوضعية ، أي أن الشريعة أو حكم الله المنزَّل بواسطة الوحي هو مصدر السيادة حتى لو خالفت الأغلبية. و أما هذه الوثيقة ما هو إلا تخفي أو نوع من التقية السياسية حتى يصلوا إلى مركز القرار ، و هذا ما أكده المرشد الخامس مصطفى مشهور حينما شبه حال الإخوان المسلمين بفترة وجود الرسول محمد في مكة، حيث كان آنذاك سلمياً لا يقاتل، ولكن بعد أن أقام دولته قاتلهم[18].
تحليل اا: ( تحليل السلوك و الممارسة …)
يمكننا في سبيل تفحص سلوك الإخوان المسلمين في سوريا دراسة أذرعها السياسية و العسكرية ، أما بالنسبة للأزرع العسكرية ، فقد أحكمت سيطرتها على هيئة الأركان في الحكومة المؤقتة و ذلك من خلال تلقيها دعما من تركيا ، الكويت و قطر ،[19] أي أنهم أستفادوا من تعدد الموارد لديهم وأغرقوا الثورة بالسلاح و عملت على تشكيل كتائب إسلامية إبتداءا من “هيئة حماية المدنيين” و انتهاءا ب “فيلق الشام”. و قد اعتمد الإخوان على نحو كبير على إستراتيجية شراء الولاءات ، و محاولة تمكين الحلفاء من خلال الدعم المالي و السياسي المستهدف[20].
جاء في مقال نشرته مجلة “فورن بوليسي” للكاتب حسن حسن ، أن الجماعة استحوذت على ولاء العقيد رياض الأسعد قائد الجيش الحر الذي حل محل لواء ” الضباط الأحرار” ذي الميول العلمانية ، لتظهر بعدها كتائب تحمل أسماءا دينية بدلا من أسماء الشخصيات الوطنية ، أو المناطق التي تعمل فيها. فبينما كانت القوى الوطنية و
و المجلس الوطني السوري تعمل المستحيل من أجل تشجيع الكتائب المسلحة على التعاون والاتحاد، وقبول العمل تحت قيادة عسكرية وسياسية واحدة، كان الإخوان يعملون على شراء ولاء عشرات الفصائل، لتكوين جيش تابع لهم، ووضعه تحت قيادة عسكرية وسياسية خاصة موازية لقيادة المجلس الوطني[21].
وكانت تلك الممارسات تمهيدا للعنف المتوحش اذ لم يستطع الإخوان ضبط السلاح ضمن شعار وطني تحرري بل انفلت العقال باتجاه إحياء الخلافة الإسلامية، فأين نستطيع القول بأن الحركة لديها مقاربات سلمية و ديمقراطية صحيحة وهي التي ترعى مفاهيم الجهاد وتهيئ بكل الوسائل الولوج في العنف المقدس.
ناهيك عن ولاءات الإخوان المسلمين للقوى الإقليمية و على رأسها الحكومة التركية المتمثلة بحزب العدالة و التنمية ذو الميول الإسلامية ، حيث أن الوضع الراهن يبرز منعطفا جديدا من منعطفات الصراع بالوكالة لمصلحة تركيا ، في ظل تراجع القضية الرئيسية للسوريين عموما ، و انحصار اهتمام تركيا بشمال السوري و محاربة الكرد، و ذلك يتنافى مع وثيقة “العهد و الميثاق” ويفرض اجندات من خارج الحدود الوطنية السورية.
و يتم كل هذا و ذاك عبر سلوك التخفي ، إذ لا يوجد فصيلٌ واحدٌ في سوريا يقول إنه ذراعٌ عسكري لجماعة الإخوان المسلمين، رغم أن هناك فصائل كانت موجودة واختفت، وأخرى لا تزال موجودة، بالإضافة إلى تيارات مهمّة في فصائل إسلاميّة كبيرة، كلّها مرتبطةٌ إلى درجات مختلفة بتيار الإخوان المسلمين، أو مدعومةٌ من قيادة الجماعة في الخارج[22].
أما بالنسبة للأزرع السياسية ، فقد عملت الجماعة على السيطرة على المعارضة في الخارج من خلال علاقتها و تحالفها مع تركيا كأمتداد إقليمي للحركة، و البلد المستضيف و الحاضن للمعارضة بكل مؤسساتها و هيئاتها، حيث كانت الجماعة من المؤسسين للمجلس الوطني السوري ، و أستحوذت على ربع المقاعد فيه حسب دراسة لمعهد مالكوم كير كارنيغي[23]. و ذلك من خلال تأسيسها لأحزاب جديدة و تحت أسماء جديدة مثل مجموعة العمل الوطني و الحزب الوطني للعدالة و الدستور “وعد” ، حيث أن هذه المقاعد في المجلس الوطني السوري موزعة بين المنظمين في خلايا حركة المسلمين القيادية و القاعدية و بعضهم من المؤيدين للحركة و بعضهم من الأصدقاء و البعض الآخر من المتعاقدين معهم لقاء مصالح متعددة الأشكال[24].
حيث أكد برهان غليون الذي شغل منصب رئيس المجلس الوطني السوري:
– يمزج الإخوان المسلمون بين عقائدية جامدة ومنهج براغماتي يجعل مسيرتهم تكتسي بشكل متزايد طابعاً انتهازياً ، و من دون الألتزام بتعهداتهم”[25].
و بالإضافة إلى استحواذها على ربع مقاعد المجلس الوطني السوري ، أستطاعت السيطرة على اللجنة الإغاثية أيضا و ذلك في سبيل الوصول إلى الداخل السوري و شراء الولاءات ، و بدلا من أن تكون الإغاثة لكل السوريين بغض النظر عن دينهم و مذهبهم و قوميتهم و و مناطقهم و هوياتهم السياسية ، قامت الجماعة بتوزيع أموال الإغاثة على مناصريها[26].
– يمكنني ان أجادل أن الإخوان المسلمين يمارسون نوعا من التقية السياسية أو التخفي من خلال الإستفادة من الديمقراطية التعددية و ذلك من خلال تشكيل أحزاب تحت تسميات جديدة ، و دفع بشخصيات تدعوها مستقلة، حتى أن الزائر للموقع الرسمي للائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، لن يجد أيّ ذكر للإخوان المسلمين في القسم المخصّص لتعداد مكونات الائتلاف[27]، على الرغم من معرفة جميع المتابعين أن للجماعة حضورًا فاعلًا عبر ثقلها الكبير في المجلس الوطني السوري، الذي هو أحد أبرز مكونات الائتلاف.
بالإضافة إلى أنها راعية لمفاهيم الجهاد وتهيئ بكل الوسائل الولوج في العنف المقدس، و تتمثل لمطالب و أجندات خارجية إسلامية اكثر من تقديم مشروع وطني جامع ، بل إنها تعمل على تمكين حلفائها و أنصارها ذوي الميول الإسلامية فقط. و تتمثل مقاربتها مع الديمقراطية في منهجها البرغماتي على الورق و الدخول في التحالفات دون الإلتزام بوعودها ، حيث يحال أن تتخلى عن جمودها العقائدي المتمثل بالنص القرآني المقدس. و بدلا من ذلك كله يمكنني أن القول بأنها ألتزمت بجمودها العقائدي و إمتداداتها الأقليمية و نجحت في ذالك.
خاتمة:
حركة الإخوان المسلمين في سوريا كجزء من الأخوية الإسلامية العالمية ، تتمثل بالولاء التام للنص القرآني المقدس من جهة ، و بالولاء للأخوية الإسلامية العالمية من جهة أخرى. فولاءها الأول يمنعها من الإقتراب من الديمقراطية ، و ولاءها الثاني يمنعها من تقديم اي مشروع وطني جامع لكل السوريين ، بل تعتبر نفسها جزءا من الأمة الإسلامية بدلا من ذلك.
فهذه الولاءات وقفت حائلا أمام الألتزام بوثيقتها ، حيث بقيت مقاربتها للديمقراطية على الورق فقط ، بينما عملت كل جهدها من أجل خلق مسلم بدلا من مواطن ، و روجت للمفاهيم الجهادية ، و حاولت لتمكين نفسها في الداخل السوري مستفيدة من المال السياسي و إمتداداتها الإقليمية في تناقض صارخ مع وثيقة ” عهد و ميثاق”.
Bibliography
Fisk, Robert. Pity the Nation. Oxford: Oxford University Press, 2001.
Hinnebusch, Raymond and Özlem Tür. “Turkey -Syria Relations: Between Enmity and Amity.” In Milking the Male Goat’ and Syrian-Turkish Relations, edited by Sami Moubayed. New York: Routledge, 2016.
Lund, Aron. “Struggling to Adapt: The Muslim Brotherhood in a New Syria.” Carnegie Endowment for International Peace, May 07, 2013. https://carnegieendowment.org/2013/05/07/struggling-to-adapt-muslim-brotherhood-in-new-syria-pub-51723
“Syrian Muslim Brotherhood: Pledge and Charter on Syria,” Malcolm H. Keer, June 01, 2012, https://carnegie-mec.org/diwan/48390
Teitelbaum, Joshua. “The Muslim Brotherhood in Syria, 1945—1958: Founding, Social Origins, Ideology.” Middle East Journal, Vol. 65, No. 2, (Spring 2011): 213-233.
البنا ، حسن. مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا. (n.p.: n.p. ,n.d.).
الخرباوي، ثروت. “حسن البنا.. الإرهابى الأول.” العربية ، تشرين الثاني ٢٩، ٢٠١٣ . https://tinyurl.com/5db7n7d5
الرمح ، احمد. “كيف هيمن الإخوان على الثورة السورية،” مركز أبحاث و دراسات مينا ،(n.b.).
العناني ،خليل. الإخوان المسلمين في مصر : شيخوخة تصارع الزمن. القاهرة : الشروق ، ٢٠٠٧.
بدرالدين، صلاح. “هكذا يسيطر – الاخوان – على ( الائتلاف السوري المعارض ؟! ).” الحوار المتمدن، كانون الثاني ٩، ٢٠٢٢. https://m.ahewar.org/s.asp?aid=743345&r=0
“جماعة الإخوان المسلمين في سوريا.” الجزيرة، آذار ٢٩، ٢٠١١. https://tinyurl.com/bcnrkncu
“جماعة الإخوان المسلمين في سوريا،” مركز مالكوم كير – كارنيغي للشرق الأوسط، n.b. https://carnegie-mec.org/syriaincrisis/?fa=48396
“جسر الشغور .. مشهد يتجدد.” الجزيرة ، حزيران ١٤، ٢٠١١. https://tinyurl.com/2emhunw7
“خمس وثلاثون عاماً على مجزرة حي المشارقة: دماء لم تجف بعد.” اللجنة السورية لحقوق الإنسان ، آب ١١ ، ٢٠١٥. https://www.shrc.org/?p=22440
عبد الرحمن، صادق. “الإخوان المسلمون في سوريا: المسألة الطائفية والاجتثاث.” حبر، نيسان ٢٧، ٢٠١٨، https://www.7iber.com/politics-economics/muslim-brotherhood-in-syria/
غرايبة، أبراهيم. “الإخوان المسلمين و دلالات التسمية.” حفريات ، أيار ٢١، ٢٠٢٢. https://tinyurl.com/bdczeuah
غليون ، برهان. عطب الذات: وقائع ثورة لم تكتمل، سوريا ٢٠١١-٢٠١٢.بيروت : الشبكة العربية للأبحاث و النشر ، ٢٠٢٠.
“وثيقة ‘عهد وميثاق’ إخوان سوريا.” الجزيرة ، آذار ٢٦، ٢٠١٢ .
“جماعة الإخوان المسلمين في سوريا،” الجزيرة ، آذار ٢٩، ٢٠١١
[2] إبراهيم غرايبة، “الإخوان المسلمين و دلالات التسمية”، حفريات ، أيار ٢١، ٢٠٢٢ ،
[3] Joshua Teitelbaum, “The Muslim Brotherhood in Syria, 1945—1958: Founding, Social Origins, Ideology,” Middle East Journal , Vol. 65, No. 2, (Spring 2011): 213.
[4] https://www.shura.gov.sa/wps/wcm/connect/shuraen/internet/home
صادق عبد الرحمن ، “الإخوان المسلمون في سوريا: المسألة الطائفية والاجتثاث” ، حبر، نيسان ٢٧، ٢٠١٨، [5]
“خمس وثلاثون عاماً على مجزرة حي المشارقة: دماء لم تجف بعد“، اللجنة السورية لحقوق الإنسان ، آب ١١ ، ٢٠١٥ ،
[7] “جسر الشغور .. مشهد يتجدد،” الجزيرة ، حزيران ١٤، ٢٠١١،
[8] Robert Fisk, Pity the Nation (Oxford: Oxford University Press, 2001), 185-186.
[9] Fisk, Pity the Nation, 185-186.
“جماعة الإخوان المسلمين في سوريا.” [10]
عبد الرحمن ، “الإخوان المسلمون في سوريا: المسألة الطائفية والاجتثاث.” [11]
“وثيقة ‘عهد وميثاق’ إخوان سوريا،” الجزيرة ، آذار ٢٦، ٢٠١٢ ، [12]
[13] “Syrian Muslim Brotherhood: Pledge and Charter on Syria,” Malcolm H. Keer, June 01, 2012, https://carnegie-mec.org/diwan/48390
“جماعة الإخوان المسلمين في سوريا.” [14]
[15] ” Syrian Muslim Brotherhood: Pledge and Charter on Syria,”
خليل العناني ، الإخوان المسلمين في مصر : شيخوخة تصارع الزمن ، ( القاهرة : الشروق ، ٢٠٠٧ ) ، ٤٨. [16]
حسن البنا ، مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا [17]
ثروت الخرباوي، “حسن البنا.. الإرهابى الأول،” العربية ، تشرين الثاني ٢٩، ٢٠١٣ ، [18]
[19] Raymond Hinnebusch and Özlem Tür, “Turkey-Syria Relations: Between Enmity and Amity.” In Milking the Male Goat’ and Syrian-Turkish Relations, ed. Sami Moubayed (New York: Routledge, 2016), 76.
[20] Aron Lund, “Struggling to Adapt: The Muslim Brotherhood in a New Syria,” Carnegie Endowment for International Peace, May 07, 2013, https://carnegieendowment.org/2013/05/07/struggling-to-adapt-muslim-brotherhood-in-new-syria-pub-51723
برهان غليون ، عطب الذات: وقائع ثورة لم تكتمل، سوريا ٢٠١١-٢٠١٢، ( بيروت : الشبكة العربية للأبحاث و النشر ، ٢٠٢٠ ) ، ١١٠. [21]
[22] Aron Lund, “Struggling to Adapt: The Muslim Brotherhood in a New Syria,”
“جماعة الإخوان المسلمين في سوريا،” مركز مالكوم كير – كارنيغي للشرق الأوسط، [23]
[24] صلاح بدرالدين، “هكذا يسيطر – الاخوان – على ( الائتلاف السوري المعارض ؟! )،” الحوار المتمدن، كانون الثاني ٩، ٢٠٢٢، https://m.ahewar.org/s.asp?aid=743345&r=0
[25] غليون ، عطب الذات ، ١٠٥.
[26]احمد الرمح ، “كيف هيمن الإخوان على الثورة السورية،” مركز أبحاث و دراسات مينا ، ١١- ١٢.
[27] Syrian Coalition Components, https://www.etilaf.org/syrian-coalition-components