أربيل ترسل النفط وتركيا تتحمل المتاعب

شارك هذا المقال:

Erbil Sends Oil, Ankara Gets Trouble

by OlguOkumuş

أولغوأوكوموش

الكاتبة :محاضرة معتمدة في دبلوماسية الطاقة في Sciences Po في باريس ومديرة  التحرير في Natural Gas Africa وهي مرشحة للدكتوراه في العلوم في Sciences Po في باريس, حيث تركز في أبحاثها على سياسة نقل الطاقة عبر تركيا.

هذه الورقة من :  سلسلة أوراق عمل  معهد السياسة الدولية (IAI)

IAI Working Papers 14 | 02 – February 2014

 

معهد السياسة الدولية

أسسه التيروسبينيللي عام 1965 في إيطاليا, يقوم بالبحث في حقول السياسة الخارجية والاقتصاد السياسي والامن الدولي. وكمؤسسة غير ربحية تهدف لتعميق المعرفة والبحث والدراسات  وتعقد المؤتمرات وتنشر الابحاث. وتتعاون من أجل ذلك مع المؤسسات البحثية الاخرى والجامعات والمؤسسات في إيطاليا وخارجها وهي عضو في عدد من الشبكات الدولية. وبشكل محدد تركز على المؤسسات والسياسات الأوربية والسياسة الخارجية لإيطاليا واتجاهات العولمة الاقتصادية وعملية التدويل في إيطاليا وقضايا الاقتصاد والسياسة  والدفاع في البحر المتوسط والشرق الأوسط والعلاقات عبر الأطلسي.

Via Angelo Brunetti, 9 – I-00186 Rome, Italy

T +39 06 3224360

F + 39 06 3224363

iai@iai.it

www.iai.

 

 

 

أربيل ترسل النفط وتركيا تتحمل المتاعب

الترجمة عن الانكليزية : د. مسلم عبد طالاس

مقدمة:

عندما أوردت وسائل الاعلام الشهر الماضي بأن النفط  بدأ بالتدفق من كردستان العراق إلى تركيا, عارضت الحكومة المركزية الأمر بشدة, وأعلنت أن تركيا تنتهك سيادتها[1]. حسب رأي بغداد فإن الحكومة المركزية تمتلك الحق الحصري  في إدارة موارد الطاقة في العراق, لكن أربيل لا توافق على ذلك وتشدد على الحقوق الدستورية للحكومة الاقليمية[2]. أما أنقرة فإن أولويتها هي تلبية حاجتها المحلية المتنامية للطاقة وأن تصبح مركزاً للطاقة. كذلك فإن النفط المتدفق من كردستان العراق يمكن أن يرفع من موقع تركيا تجاريا كبلد ناقل للطاقة, وعمليا يمكن أن يتم نقل مليوني برميل يوميا ليصدر للأسواق العالمية من خلال تركيا[3]. كذلك باعتبار أن تجارة الغاز تسير في أعقاب تجارة النفط كما هو متوقع, فإن تركيا يمكن أن تستورد الغاز من  كردستان العراق. مع بدء مستوردات النفط تلك, أظهرت تركيا مسبقاً استعدادها  لخفض التعامل النفطي مع بغداد, على حساب خط أنابيب النفط كركوك- يومورتالك اذي يعمل منذ عام 1977. لقد قادت المصالح التجارية سابقاً بعض الشركات النفطية الدولية للانسحاب من حقول تقع تحت سيطرة بغداد من  أجل التوجه للمناطق التي تسيطر عليها اربيل.

       لكن على الرغم من أن نفط كردستان العراق مغرٍ تجاريا, فإنه يخلق بعض المشكلات السياسية الدولية والمحلية لأنقرة. حيث يمكن أن تضر بالاعتماد الدولي على دور تركيا كممر موثوق للطاقة, ويمكن أن يؤثر على الدعم المحلي  للحكومة. الاتفاقية بين أنقرة وأربيل ولدت التوتر مع بغداد, وهي تقع في منطقة قانونية رمادية باعتبار أن العراق مازال يفتقد القرار حول شكل توزيع عائدات النفط والاتفاق على الحقوق الدستورية للحكومة الاقليمية. ويتحدى الاتفاق كذلك الاهتمامات السياسية الأمريكية, باعتبار أن واشنطن عبرت مراراً عن معارضتها لتصدير النفط  من أي جزء من العراق بدون موافقة بغداد[4]. تخشى الولايات المتحدة بأن السيطرة الكاملة للكرد على الاحتياطيات الضخمة للنفط والغاز شمالي العراق قد يشجع الطموحات الاستقلالية للكرد. على الجبهة المحلية , أثارت الاتفاقية الانتقادات بسبب نقص الشفافية في العقود وتعقيدات السياسة الكردية. ولذلك يطرح سؤال: ما هو العنصر الجاذب في موارد كردستان العراق بحيث جعل تركيا تقرر أن تمضي قدماً رغم المتاعب؟ ستبدأ هذه المقالة بدراسة جاذبية كردستان العراق لتركيا الساعية لتأمين حاجتها المتزايدة من الطاقة, قبل المضي إلى تناول صفقة الطاقة نفسها, بالإضافة لانعكاساتها السياسية السلبية المحتملة.

1- جاذبية اقليم كردستان:

وفقا لوكالة الطاقة الدولية فإن العراق يمتلك القدرة على إنتاج 45% من عرض النفط العالمي خلال السنوات العشر القادمة[5]. وهذا يشكل خطراً على موقع العربية السعودية وروسيا كأكبر مصدرين للنفط. ثلث الاحتياطيات العراقية المقدرة تقريباً هي في اقليم كردستان[6]. واحتياطيات النفط  هذه (في الاقليم) تعادل تقريبا احتياطيات ليبيا, ويمكن أن يصنف الاقليم في موقع عشرة الأوائل عالميا. بالإضافة لذلك يمتلك الاقليم /2.8/ ترليون متر مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي, حوالي خمسة أضعاف احتياطي آذربيجان.

       وعلى الرغم من موارد الغاز والنفط  وافرة في الاقليم, لكن الصناعة الهيدروكربونية فيه تعود فقط لعام 2007, باعتبار أن بغداد خلال فترة حكم البعث (1968-2003) رفضت الاستثمار في اقليم كردستان. ورغم عدم تطوير قطاع الغاز فإن انتاج النفط المستهدف عام 2015 هو مليون برميل نفط يومياً, وهو ما يعادل انتاج قطر عام 2010. بدأت شركات النفط العالمية, مثل أكسون موبيل وتوتال الفرنسية وغاز بروم نفت الروسية وشفرون الأمريكية عملياتها في الاقليم, مما أدىت الحاجة لطرق تصدير جديدة. ونظراً لعدم الاستقرار في سوريا والعقوبات على إيران فإن تركيا هي هدف التصدير الأمثل, وهذا ما يتوافق تماماً مع حاجتها النامية حاليا للطاقة.

2- حاجة تركيا لموارد الطاقة:

على أبواب اقليم كردستان الغني بالموارد النفطية, تقف تركيا الجائعة للطاقة. حيث يبلغ استهلاك تركيا من الطاقة حوالي 114.1 مليون طن من النفط (سنويا), وهو يعادل 5.2% من مجمل عرض الطاقة في العالم عام 2011,  وينمو طلب تركيا على الطاقة سنويا بمعدل مركب حوالي 4.5% [7]. وبالنظر للموارد المحلية المحدودة, فإن تركيا بحاجة لاستيراد النفط والغاز لدعم النمو الاقتصادي, لكن امدادات الطاقة هذه غير آمنة باعتباره من عدد محدود من الموردين: حوالي 39% من مجمل النفط الخام يستورد من إيران و19% من حقول جنوب العراق  و15% من العربية السعودية و11% من روسيا , والتي تقدم أيضا 58% من مستوردات تركيا من الغاز الطبيعي.

         بالنظر لحاجة تركيا لزيادة عرض الطاقة من أجل الحفاظ على معدل نموها الاقتصادي, فإنها دعمت مشروع ممر الطاقة الجنوبي. ولهذا السبب تزايد اهتمامها بحل مشكلة مخاطر عرض الطاقة وفي أن تصبح مركزا للطاقة.

        طور ممر الطاقة الجنوبي أساساً في أواخر التسعينات  من أجل نقل الغاز الآزري والتركماني إلى أوريا عبر تركيا. وكان الهدف من ذلك هو خفض اعتماد أوربا وتركيا على الغاز الروسي. لكن تركمانستان اختارت أن توجه غازها مباشرة إلى الأسواق الشرقية, والصين بشكل خاص, بدلا من الغرب, وكذلك فإن المشكلات القانونية (السيادية) والتقنية والسياسية في منطقة بحر قزوين منعت نقل موارد المنطقة للغرب مما ابقى أذربيجان لوحدها مورداً لممر الطاقة الجنوبي. وجدت تركيا نفسها في مأزق وبدأت البحث عن خطط للاستيراد من إيران والعراق. وعندما شدد الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة العقوبات على إيران, اصبح العراق هو فرصة تركيا الوحيدة لتلبية حاجاتها المتنامية للطاقة وتحقيق هدفها في أن تصبح مركز الطاقة في عالم أعمال الطاقة الأوراسي(ألأوربي الآسيوي)[8].

       العراق هو شريك تركيا الأكبر في نقل النفط. بنى العراق وتركيا في السبعينات أنبوب نفط يصل بين حقول كركوك وميناء جيهان التركي على المتوسط. فقد هذا الانبوب فعاليته بشكل تدريجي بعد العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على العراق عام 1996. اليوم, وبالإضافة للمشكلات التقنية والهجمات الارهابية, كذلك فإن الصراع الشخصي بين رئيس الوزراء نوري المالكي والتركي رجب طيب أردوغان أضر بعمليات الانبوب. وفي هذا السياق اصبح اقليم كردستان خيار تركيا الوحيد للتوريد خدمة لأهدافها المذكورة أعلاه. عرضت أنقرة نفسها للخطر بالبدء بالتعامل مباشرة مع حكومة اقليم كردستان, كما فعلت الشي نفسه العديد من شركات النفط العالمية.

        وفيما يتعلق بموارد الغاز الطبيعي غير المستغلة في كردستان العراق, وحاجة ممر الطاقة الجنوبي لموارد جديدة, فإن خط أنابيب نفط مستقل ينطلق من كردستان العراق إلى تركيا يبدو, ليس فقط المسلك الأكثر أهمية لتصدير النفط بالنسبة لحكومة اقليم كردستان, بل ربما , وعلى المدى الطويل, يفتح الطريق لتجارة الغاز, كما فعل أنبوب النفط باكو- تبليسي – جيهان بين أذربيجان وتركيا لمشروع أنبوب الغاز عبر الاناضول. مشروع أنبوب الغاز عبر الاناضول مشروع مشترك بين أذربيجان وتركيا لنقل الغاز الآزري إلى أوربا, متبعاً نفس مسار أنبوب نفط باكو-تبليسي- جيهان بدءا من باكو وصولاً لأرزروم في تركيا. ورغبتBP (بريتش بتروليوم), مشغل انبوب نفط باكو-تبليسي- جيهان, العمل كمشغل لانبوب عبر الاناضول. وفي الحقيقة فإنه عندما تعرض تركيا نفسها لمخاطر الصفقات مع اقليم كردستان, فإنها لا تصارع فقط من اجل أن تعبر بضعة آلاف من براميل النفط لأراضيها, بل أيضا من أجل إمكانية إقامة القدم الثانية لممر الطاقة الجنوبي الذي سيسير من حقول الغاز في كردستان العراق إلى تركيا, حيث تنضم لخط عبر الاناضول.

3- صفقات الطاقة بين تركيا وحكومة اقليم كردستان:

بدأت صفقات الطاقة بين تركيا وحكومة اقليم كردستان تجتذب اهتمام وسائل الاعلام مباشرة بعد زيارة رئيس حكومة اقليم كردستان لأنقرة واستنبول في ابريل 2012[9]. ومن ثم في يناير 2013 شحنت الشركة البريطانية التركية المشتركة Genel Energy أول شحنة من نفط اقليم كردستان من حقل طق طق إلى ميناء جيهان التركي على المتوسط بالشاحنات, حيث شحنت من هناك للسوق العالمية[10]. إن عمليات الشحن التي بلغت ما بين 5000- 10000برميل يوميا تعتبر صغيرة نسبياً وهي أقل بكثير من ربع الكمية التي صدرها اقليم كردستان من خلال انبوب كركوك- يامورتلك السنة الماضية, لكنها أثارت المخاوف من سعي اقليم كردستان العراق للاستقلال الاقتصادي والسياسي[11].

       وعلى الرغم من رد فعل بغداد ومعارضة الولايات المتحدة لتجارة الشاحنات تلك, لم يتردد المدير العام لـGenel Energy, Tony Hayward, في التصريح علنا بأن صادرات النفط قد ترتفع إلى 20000 برميل يوميا, ترافق مع ذلك التصريح الرسمي لحكومة اقليم كردستان عن أول تصدير مستقل عبر أنابيب النفط: وهو خط أنبوب نفطي 75 كم يربط حقل طق طق ـخورمالة, نقطة الدخول إلى البنية التحتية التصديرية  كركوك-جيهان الموجودة سابقا. على الرغم من كلام توني هاورد بأن خط الأنابيب سيكتمل آلياً نهاية 2013 , لكن العملية السياسية والقانونية استمرت[12].  مازال النزاع الطويل في البلد حول توزيع الموارد وإدارتها مستمراً, على الرغم من كل الجهود من أجل إيجاد حل. وانتعشت آمال التوافق في يونيو 2013 , عندما قبل رئيس الوزراء نوري المالكي, بعد سنتين من التوتر, دعوة حكومة الاقليم للاجتماع, لكن لم يتم الوصول لاتفاق.

       اثار موقف تركيا خلال هذه العملية الشكوك, باعتبارها وقعت اتفاقية مع حكومة اقليم كردستان وسمحت بتدفق النفط من جهة, واستمرت في التأكيد على أنه  لن تتم اية صادرات بدون مصادقة سلطات بغداد من جهة أخرى.  أدخل وزير الطاقة والموارد الطبيعي التركي, تانريلدز, تمييزا جديداً للمفاهيم في 26 نوفمبر 2013 في مقابلة تلفزيونية, مبيناً أن ما وقعته تركيا مع حكومة اقليم كردستان كانت اتفاقيات وليست عقود, وهو تمييز لم يستطع خبراء القانون الدولي شرحه[13]. في نوفمبر خطت أنقرة خطوة أخرى للأمام وطرحت مبادرة, وعرضت العمل كوسيط مستقل. والصيغة التي اقترحتها أنقرة على بغداد تشدد على أن تودع عوائد النفط العراقي, في حساب مجمد في بنك حكومي تركي, يتم تحريره بموجب مصادقة بغداد. ولذلك كان مفاجئاً أن ينقل الاعلام بأن النقط الكردي بدأ بالتدفق إلى تركيا قبل أن تتخذ بغداد قراراً بقبول أو رفض صيغة الوساطة التركية[14]. وربما كان هذا هو السبب, حسب التقارير, في إصدار الحكومة التركية لتصريح يقول بأن النفط سيخزن في ميناء  جيهان التركي ولن يصدر للعالم بدون مصادقة الحكومة المركزية في العراق.  وآخر تصريحات الحكومة العراقية كانت لحسين الشهرستاني, وزير النفط, الذي عبر عن ” اسفه الشديد وذهوله” حول الخطط المعلنة لحكومة اقليم كردستان وتركيا بدون مصادقة الحكومة المركزية[15]. وقد دعم رئيس الوزراء العراقي نوري المالي تصريح وزير النفط, محذراً من انه ” يجب على تركيا أن لا تتدخل في قضايا تضر بسيادة العراق” [16]. ونشأت مخاوف السلطات بسبب النزاع بين الحكومة الفيدرالية والحكومة الاقليمية حول تشريع العائدات الهيدروكربونية نتيجة تفسيراتهما المختلفة للدستور.

4- النزاع حول التشريع والدستور في العراق:

النزاع بين الحكومة الفيدرالية وحكومة اقليم كردستان حول توزيع العوائد ناتج عن الفهم المختلف للدستور, الذي يحدد الصلاحيات على الموارد الهيروكربونية. عندما صادق البرلمان العراقي على الدستور عام 2005, بعد سقوط نظام البعث, تم تعريف كردستان العراق كاقليم فيدرالي في العراق. وقد أظهر النظام الجديد الاستعداد لفتح الصناعة النفطية للاستثمارات الاجنبية الخاصة (على خلاف النظام السابق), والسماح للشركات الاجنبية بالاستثمار في الأراضي العراقية بعقود موثوقة. اقترحت الحكومة تشريعاً للقطاع الهيدروكربوني تضمن سياسة لتوزيع الموارد. لكن لم تستطيع الهياكل الفيدرالية والاقليمية الاتفاق على أدوار كل منها وسلطاتها في إدارة الموارد الهيدروكربونية. وكان جوهر النزاع حول المواد 111 و112 من الدستور. وتنص المادة 111 على أنه ” النفط والغاز ملك لكل العراقيين في كل محافظات ومناطق العراق”. وهذا يعني بالنسبة لأربيل أن المحافظات والمناطق تمتلك حق الملكية والسلطة, وهي نظرة ترفضها بغداد. وفي النتيجة وفي الوقت الذي لم تستطع فيه الحكومة المركزية وضع مشروع قانون لإدارة وتنمية موارد النفط والغاز الطبيعي, استطاعت حكومة اقليم كردستان إصدار قانون الاستثمار في النفط والغاز أواخر عام 2007, وبدأت بتوقيع اتفاقيات المشاركة في الانتاج مع المستثمرين الاجانب على الرغم من عدم الاتفاق مع الحكومة المركزية. تعقدت المشكلة بشكل أكبر بسبب المادة 155 من الدستور, التي تمنح الأولوية للقوانين الاقليمية عندما يحدث تنازع مع القوانين الفيدرالية. في البداية أدانت بغداد أنشطة الاستثمار الأجنبي في الطاقة التي تمت بالاتفاق مع أربيل واعتبرها غير قانونية, ومن ثم وكلت محامين للقيام بإجراءات قانونية ضد أي مشتر ( مثل تركيا) يستورد النفط الخام من اقليم كردستان بشكل غير قانوني, حسب وجهة نظرها.

5- المعارضة في الولايات المتحدة:

أعربت سلطات الولايات المتحدة مراراً عن معارضتها لأي صفقات طاقة مباشرة مع حكومة اقليم كردستان. وفي ديسمبر 2012 وفي تعليق مباشر على تصدير النفط بالشاحنات, قالت الناطقة باسم الحكومة Victoria Nuland : ” لا ندعم صادرات النفط من أي جزء من العراق بدون المصادقة المناسبة من الحكومة العراقية”, وتخشى واشنطن أن السيطرة الكامل من حكومة الاقليم على احتياطيات النفط والغاز في شمال العراق سيشجعها على طلب الاستقلال, وهذا قد يسري على مناطق أخرى[17]. على الرغم من معارضة واشنطن, وفي 14 مايو 2013, وقبل المغادرة في رحلة إلى واشنطن لمناقشة الأزمة السورية, أعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن شركة النفط التي تمتلكها الحكومة التركية ستعمل مع العملاق الأمريكي أكسون موبيل لتطوير النفط في مناطق من اقليم كردستان العراق. وفي إجابة على تساؤلات الصحفيين حول ردود فعل كل من بغداد ومصالح واشنطن أكد أردوغان: ” إن البلدان في مختلف أرجاء العالم تتخذ خطوات من اجل استكشاف وانتاج النفط في مختلف أجزاء العراق, ومن ثم تورده للسوق العالمية. ليس هناك شيء غير عادي, الأمر أكثر من عادي, فتركيا تقدم كل أنواع الدعم والمساعدة لجارها اللصيق , لكي يقوم بخطوات تخدم المصلحة المشتركة للطرفين”[18].

       عندما أعلن نجيرفان البرزاني في نوفمبر 2013 أن النفط يمكن أن يبدأ بالتدفق من كردستان العراق إلى تركيا ” قبل عيد الفصح” أعاد الناطق باسم البيت الأبيض تأكيد دعم الولايات المتحدة لسلطة بغداد على صادرات النفط ومعارضتها لقيام حكومة اقليم كردستان بصفقات طاقة بدون مصادقة بغداد. وقال الناطق : ” لا ندعم صادرات النفط من أي جزء من العراق بدون مصادقة الحكومة الفيدرالية العراقية. ومستمرون في حث الحكومة الفيدرالية العراقية وحكومة اقليم كردستان  على الوصول إلى حل دستوري, وهو موقفنا المستمر. وهو لم يتغير.”[19] تعتبر الولايات المتحدة وحدة العراق من الأولويات, وهي معارضة لصفقات النفط بين اقليم كردستان وتركيا بشكل اساسي اعتماداً على المخاطر التي يمكن أن يشكلها هذا الاستقلال الاقتصادي على وحدة العراق.

6- الشك في تركيا:

على الرغم من الجاذبية التجارية وآفاق تصدير نفط كردستان العراق, فإن هذه الصفقات واجهت التشكيك في الداخل التركي, وبشكل أساسي بسبب نقص المعلومات المتاحة لعامة الناس حولها. زودت الحكومة الإعلام بالقليل من المعلومات حول متى وأين وكيفية تدفق هذا النفط لتركيا. ولذلك كان على الخبراء تخمين سيناريوهات مختلفة, أثارت الشكوك لدى الرأي العام. المسألة الثانية التي تنشأ عن علاقات الطاقة بين أنقرة وأربيل  ناتجة عن المسألة الكردية داخل تركيا نفسها. من المنظور القومي التركي, فإن تعامل تركيا مع حكومة اقليم كردستان إشارة على تساهل تجاه المجموعات الانفصالية الكردية, مثل PKK. وفي نفس الوقت ومن المنظور الكردي التركي, فإن الدولة التركية تحاول استبدال قادة الكرد وبرلمانييهم في تركيا بممثلي حكومة اقليم كردستان. خلقت زيارة رئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني ديار بكر ارتباكاً وسط النواب الكرد حول حقه في الادعاء بتمثيل سكان تركيا من الكرد. وقد اصبح هذا التقارب مثيراً للجدل بشكل أكبر, إذا أخذنا في الاعتبار أنه في أواخر عام 2007 كانت تركيا تلوم حكومة اقليم كردستان على دعم PKK, المجموعة الكردية الارهابية في تركيا, وهددت بفرض عقوبات اقتصادية.

وتتناسى هذه المناقشات ان حزب العمال الكردستاني قد أوقف إطلاق  النار في صراعه المسلح مع الدولة التركية, ومن المعقول توقع بعض الآثار الإيجابية من منظور دبلوماسية الطاقة الأوراسية. إن وضع نهاية للنزاع سيحسن من أمان وموثوقية نقل الطاقة عبر جنوب شرق تركيا, بعد عقود من الهجمات الارهابية التي أضرت بتدفق النفط في خطوط الأنابيب الموجودة سابقاً: باكو- تبليسي- جيهان  وكركوك –يامورتلك.

خاتمة:

منذ إيراد الإعلام لخبر تدفق النفط من اقليم كردستان إلى تركيا, ثارت الشكوك حول قانونية العمل ومقبوليته سياسياً وشفافيته. صفقة النفط هذه جذابة تجارياً لتركيا الجائعة للطاقة, لكنها تحمل مخاطر سياسية. لقد أثار افتقاد الحكومة التركية الشفافية فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والتقنية لصفقة الطاقة مع اقليم كردستان انتقادات محلية, وهي مسلك خطر سياسياً في ضوء الانتخابات القادمة.

       إن الصفقة مع اقليم كردستان يمكن أن تضر بالاعتماد الدولي على تركيا كممر موثوق, فتركيا في هذه الصفقة تعمل في المنطقة الرمادية في مقابل تعامل نقل النفط مع بغداد امتد لـ30 سنة. ستعمل تركيا على تجاوز هذه العقبات وتحقيق اتفاق بين اربيل وبغداد إذا بدأت ببناء استراتيجية شاملة. ويجب تجنب المواقف التي تشدد على أن تركيا هي الطريق الوحيد الحيوي لنفط كردستان العراق, كما اشارت وكالة الاناضول مؤخراً, يجب تجنبها[20].

       من الأفضل لتركيا أن تضع نفسها في موقع الشريك الأكثر موثوقية لتصدير النفط والغاز العراقي, بدون أي تمييز بين السلطات الاقليمية والفيدرالية. بتحقيق ذلك لن تحقق تركيا فقط أعظم المنافع الاقتصادية والسياسية من علاقتها مع العراق, بل أيضاً تحقق نقلة استراتيجية فيما يتعلق بعلاقتها مع الاتحاد الأوربي. إن ما ينتج عن  تجارة النفط من تمكين تركيا من ربط الغاز العراقي بمشروع ممر الطاقة الجنوبي وبناء القدم الجنوبي الشرقي لخط انابيب الغاز عبر الأناضول , سيؤدي لتحقيق تنافسية في الأسعار الحقيقة ويخفض مخاطر الاحتكار الآذري لممر الطاقة الجديد إلى أوربا.

       إن شراكة الكل للكل بين أربيل وبغداد وأنقرة وبالاعتماد على علاقات الطاقة الطبيعية ستساعد تركيا في بناء جسور طاقة جديدة مع الاتحاد الأوربي, بما يخفض أسعار الغاز على المستهلكين الأوربيين ويعزز علاقات أنقرة مع الاتحاد الأوربي.



[1]– OrhanCoşkun, “Update 2-Kurdistan Oil Flow to Turkey Begins, Exports Await Iraqi

Consent”, in Reuters, 2 January 2014, http://www.reuters.com/article/2014/01/02/turkey-iraqidUSL6N0KC0M220140102;

Ahmed Rasheed, “Update 2-Iraq to punish Turkey, Kurds over

‘smuggled’ oil-minister”, in Reuters, 17 January 2014, http://www.reuters.com/article/2014/01/17/

iraq-oil-kurdistan-idUSL5N0KR25920140117; Ben Van Heuvelen, “Iraq’s Kurdish Region Pursues

Ties with Turkey – for Energy Revenue and Independence”, in The Washington Post, 9 November

2013, http://www.washingtonpost.com/ffae210a-41a5-11e3-8b74-d89d714ca4dd_story.html; Tim

Arango and Clifford Krauss, “Kurds’ Oil Deals With Turkey Raise Fears of Fissures in Iraq”, in The

New York Times, 2 December 2013, http://www.nytimes.com/2013/12/03/world/middleeast/kurdsoil-

deals-with-turkey-raise-fears-of-fissures-in-iraq.html.

[2]– Abdel WahedTohmeh, “Oil and Gas Law Key to Resolving Issues Between Baghdad, Erbil”, in Al-

Monitor, 12 July 2013, http://almon.co/b0j

[3]– HumeyraPamuk, “Update 1-Iraqi Kurdistan’s First Oil Exports via Turkey Pipeline Seen by

end-Jan”, in Reuters, 8 January 2014, http://www.reuters.com/article/2014/01/08/oil-iraq-turkeyidUSL6N0KI3FW20140108.

[4]– US Dept. of State, Daily Press Briefing, 20 August 2013, http://www.state.gov/r/pa/prs/

dpb/2012/08/196704.htm#IRAQ; John Lee, “US State Department Misquoted on Risks of KRG Oil

Contracts”, in Iraq Business News, 21 August 2012, http://www.iraq-businessnews.com/?p=48022;

“U.S. Opposes Turkey-Kurdistan Oil Deal, Without Baghdad’s Approval”, in Ekurd, 28 November

2013, http://www.ekurd.net/mismas/articles/misc2013/11/govt2230.htm; Sam Bollier, “All Is Not

Well in Northern Iraq’s Oilfields”, in Al Jazeera, 21 January 2013. http://aje.me/10fyJaa.

[5]– International Energy Agency (IEA), Iraq Energy Outlook, Paris, OECD/IEA, 9 October 2012, http://

www.worldenergyoutlook.org/iraq.

[6]– Financial Times, “Kurdistan Oil & Gas 2012”, in FT Special Reports, 10 December 2012, http://

www.ft.com/intl/reports/kurdistan-oil-gas-2012.

[7]– International Energy Agency (IEA), Oil and Gas Security Emergency Response of IEA Countries.

Turkey 2013, Paris, OECD/IEA, 2013, http://www.iea.org/publications/freepublications/publication/

name,38110,en.html.

[8]-OlguOkumuş, Energy-hungry Turkey, Istanbul, TESEV, December 2013, http://www.tesev.org.tr/

energy-hungry-turkey/Content/1606.html.

[9]– SinemCengiz, “KRG Leader Barzani Visits Turkey as Alliance with Iraqi Kurds Deepens”,

in Todays Zaman, 18 April 2012, http://www.todayszaman.com/newsDetail_getNewsById.

action?newsId=277894; Mustafa Demir, “Evolution in Discourse: Turkey and the KRG”, in Turkish

Review, Vol. 2, No. 5 (2012), p. 92-97, http://www.turkishreview.org/newsDetail_getNewsById.

action?newsId=223234.

[10]– Julia Payne and Peg Mackey, “Update 2-Iraqi Kurdistan Starts Independent Crude Oil Exports”,

in Reuters, 8 January 2013, http://www.reuters.com/article/2013/01/08/kurdistan-crude-exportsidUSL5E9C843R20130108.

[11]– Denise Nathalie, “How Independent Is the Iraqi-Kurdish Pipeline to Turkey?”, in Al-Monitor, 4

November 2013, http://almon.co/2hs6.

[12]– Stuart Elliott, “Kurdistan Begins Commissioning New Crude Export Pipeline: UK’s Genel”,

in Platts, 30 October 2013, http://www.platts.com/latest-news/oil/london/kurdistan-beginscommissioning-

new-crude-export-26413427.

[13]-TurgayGüler interview to TanerYıldız, SıradışıProgramiـlkeTv, 26 November 2013, http://www.

siradisiprogrami.com/363-siradisi-ulke-tv–26112013–taner-yildiz.html.

[14]– OrhanCoşkun, “Update 2-Kurdistan Oil Flow to Turkey Begins, Exports Await Iraqi Consent”, cit.

[15]-“Baghdad Summons Turkish Diplomat, Maliki Warns Ankara over Kurdish Oil”, in Hürriyet Daily

News, 12 January 2014, http://www.hurriyetdailynews.com/?pageID=238&nID=60925.

[16]– Suadad Al-Salhy and Alistair Lyon, “Iraq’s Maliki Threatens to Cut Funds If Kurds Pipe Oil to

Turkey”, in Reuters, 12 January 2014, http://www.reuters.com/article/2014/01/12/us-iraq-kurdistanoil-

idUSBR EA0B0AY20140112.

[17]– US Dept. of State, Daily Press Briefing, 11 December 2012, http://www.state.gov/r/pa/prs/

dpb/2012/12/201811.htm#IRAQ.

[18]– EmrePeker, “Turkey’s State Oil Company To Develop Oil Projects In Kurdistan With

Exxon -Erdogan”, in The Wall Street Journal, 14 May 2013, http://online.wsj.com/article/BTCO-

20130514-711996.html.

[19]-US Dept. of State, Daily Press Briefing, 27 November 2013, http://www.state.gov/r/pa/prs/

dpb/2013/11/218105.htm#TURKEY.

[20]– SelenTonkus, OguzhanOzsoy, “Turkey Is the Only Viable Route for KRG Oil”, in Anadolu Agency,

14 February 2014, http://www.aa.com.tr/en/economy/288244–turkey-is-the-only-viable-route-forkrg-

oil.

شارك هذا المقال: