وثيقة بريطانية من الأرشيف – مذكرة بشأن أوضاع الكرد و مطالبهم ، باريس 1949م

شارك هذا المقال:

وثيقة بريطانية من الأرشيف

مذكرة بشأن أوضاع الكرد و مطالبهم ، باريس 1949م
دور العراق بما في ذلك تاثير الانتداب و ثورة 1943 – 1946(الملا مصطفى)

بعد توقيع هدنة مودروس في ال30 من تشرين الأول 1918  أعلنت كل من فرنسا وبريطانيا في 8 من تشرين الثاني 1918 أن هدفهما هو التحرير الكامل للناس الذين عانوا  طويلاً من ظلم الأتراك, وتشكيل حكومة وطنية وإدارة تأخذ سلطتها من الإرادة الحرة للسكان الأصليين.

كان ذلك من ضمن مبادىء ويلسون. لذلك كان من الطبيعي للكرد كغيرهم بشكل ما أو أكثر من سكان بغداد والبصرة أن يحلموا بالإستقلال. اتضح الآن هدف بريطانيا الحقيقي وهو فصل الجزء الشمالي الغربي من الأراضي الكردية(حيث تقع آبار النفط) عن باقي كردستان, قبل أن  يتم تقرير مصير الأخيرة (كردستان) بهدف ضمها, وبالضد من الإرادة الجماعية للكرد، إلى العراق الذي هو كيان قومي جديد عربي بحت في جوهره. قاوم الكرد ذلك, وهنا بدأت انتفاضات عدة.

أصدر المفوض السامي البريطاني في 24 كانون الأول عام 1922 البيان التالي: “تعترف حكومة جلالة الملك وحكومة العراق بحق الشعب الكردي بالعيش ضمن حدود الدولة العراقية وتشكيل حكومة كردية ضمن إطار هذه الدولة. ويأملون أن تتوصل جميع العناصر الكردية إلى اتفاق فيما بينها بالسرعة الممكنة لتشكيل الحكومة التي يرغبون بها ويحددوا الحدود التي يريدون الوصول إليها. سيقوم الكرد بإرسال مندوبيهم ليناقشوا علاقاتهم السياسية والإقتصادية مع حكومة جلالة الملك والحكومة العراقية. ” لكن بقي هذا البيان كغيره رسالةً ميتةً.

أبلغ السيد كلايتون في شباط عام 1929 الحكومة العراقية بأن الحكومة البريطانية جاهزة لدعم دخول العراق في عصبة الأمم بعد توقيع معاهدة معها.

تم توقيع هذه المعاهدة في عام 1930 وقد جوبهت بمعارضة شديدة من الكرد. وملأت شكواهم وعرائضهم  جنيف ولندن. وأعلن فيليب مومفورد الذي خدم سبع سنوات في الإستخبارات البريطانية عن هذه التطورات: ( المعاهدة الإنكليزية_ العراقية تحدد علاقاتنا مع العراق عندما يصبح هذا البلد مستقلاً,( نشر في حزيران 1930). بدأ الكرد بالإجتجاجات وتقديم العرائض و مقاطعة الإنتخابات التي جرت في ذلك الصيف.

انتهت تلك الإضطرابات بثورة عندما قامت الحكومة العراقية بإطلاق النار على الحشد الكردي. اتخذ الشيخ محمود ذلك ذريعةً ليعلن عن ثورة مفتوحة. طالب الشيخ محمود بحكم ذاتي تحت الحماية البريطانية وثار الشعب ضد الحكم المباشر لحكومة بغداد.

كان من المأمول أن تتمكن الحكومة من تسوية الوضع بمفردها, لكن سرعان ما اتضح أن هذا الأمر غير وارد بسبب عمق الشعور القومي لدى الكرد من جهة وعدم كفاءة الجيش العربي من جهة أخرى.

كان على سلاح الجو الملكي أن يتحمل الجزء الأكبر من العملية. أصبح ضرب القرى الكردية أمراً لا مفر منه من أجل السيطرة على التمرد. ومع ذلك لم يستسلم الشيخ محمود إلا بعد ثمانية أشهر من المقاومة (من محاضرة للجمعية الفلكية الملكية في كانون الثاني عام 1933.).

لخص هنري دوبس  المندوب البريطاني السابق في العراق في ختام مذكرة في 8 أيار 1931 وضع الكرد في العراق وحدد مسؤوليات بريطانيا العظمى قائلاً” إنه لأمر خطير أن يتم استخدام قوات بريطانيا  كمرتزقة بيد حكومة شرقية تجرأت على ارتكاب أعمال وحشية ضد رعاياها, مع معرفتها بأنهم محرومون من البلسم الطبيعي ضد الطغيان ألا وهو الأمل في تمرد ناجح. وسيقع ثقل هذا النظام في المقام الأول على غير العرب، ونعني بهم الكرد, الأقلية الأهم والأكثر ولعاً بالقتال.

كتب مراسل التايمز  مقالا عن أحداث العراق في 1939_1931 وأبدى رأيه بخصوص الموقف البريطاني قائلاً: بعد إعلانها عن رفضها لإعدام السلطات التركية لمائة كردي من العراق ممن لجؤوا إلى تركيا  على أساس أن ذلك كان تنفيذاً لأحكام تعود إلى أكثر من 18 عامًا……إلخ. وأضاف أنه بالرغم من الرغبة الشخصية لبعض المستشارين البريطانيين الذين بذلوا كل ما في وسعهم لتحقيق العدالة ، فإن الكرد أصبحوا مقتنعين تماماً أنه من غير المجدي أن يأملوا أي شيء من السفارة البريطانية في بغداد وكذلك ليس من الحكمة الوثوق بالحكومة العراقية التي لم تكن تنوي السلام. حيث كان الطرفان يسعيان إلى إسكات الكرد إلى الأبد. بدأت الحكومتان وبسرعة استئناف العمليات العسكرية, حيث بدؤوا الهجوم في تشرين الثاني 1931 واستمروا حتى حزيران 1932. تم تدمير منطقة بارزان بشكل شبه كامل نتيجة القصف بسلاح الجو الملكي البريطاني.  تم تدمير 79 قرية في مقاطعات باروج وميرزوري وشرفان  وبلغ عدد المنازل المدمرة 1365 منزلاً من أصل 2382ً. نتيجة هذه الوحشية قامت الإحتجاجات في كل مكان تقريباً.

ذكرت صحيفة التايمز في 23 أيلول في تقرير لها: بناءً على شروط المعاهدة العراقية البريطانية, فإن دور القوات الجوية البريطانية يجب أن يكون محدوداً في الدفاع عن الحدود العراقية وفي صد العدوان الخارجي, لكن ذلك كان كالعادة مجرد مناقشات أكاديمية.

آخر ثورة كردية في العراق.

نتيجة الإستياء من ظلم ووحشية حكومة بغداد, حمل الكرد السلاح, وامتد آخر تمرد لهم من 1943_1946. أعادت الحكومة العراقية تنظيم قواتها في عام 1945 .عند وصول فرقتين من المحركات العراقية الميكانيكية المشكلة والمدربة من قبل البريطانيين في مصر, ظنت الحكومة العراقية أنها قوية بما يكفي لمهاجمة البارزانيين. دعت القائد الكردي العظيم الملا مصطفى البرزاني إلى بغداد بزعم البحث عن سبل جديدة لتوقيع اتفاقية جديدة. لم يثق الملا مصطفى بالدعوة ورفضها. على كل حال, لكي يثبت  طيب نيته أبدى استعداده لبدء  المفاوضات مع أي مندوب ترسله الحكومة. بالرغم من أنه لم يكن يتوقع أن تسفر المفاوضات عن أية نتائج إيجابية. كان فشل المفاوضات متوقعاً, حيث قامت الحكومة في حزيران 1945 بتجهيز 42000 من رجالها, ضمت 30000 من القوات النظامية و12000 من الجندرمة والشرطة وجميع عناصر القوات الجوية  التي تبلغ25 مقاتل وقاذفات القنابل. تم تفويض الأمر إلى الجنرال البريطاني ريتون القائد السابق لما يعرف بجرذان الصحراء وبمساعدة هيئة الأركان العامة.

كان الملا مصطفى مستعداً أيضاً, لكن لم يكن عدد رجاله يتجاوز ال5000 مقاتل والذين كانوا مسلحين بالبنادق والرشاش الخفيف والتي كانوا قد استولوا عليها سابقاً من الجيش العراقي في 1943.

استأنف الجيش العراقي الهجوم في 7 آب 1945 في منطقة رواندوز, وبدأ سلاح الجو بالعمل, كانت معركة دامية. ففي الوسط تم القضاء على أربعة كتائب عراقية ودبت الفوضى في مقدمة الجيش. دون ترك المجال والوقت للعراقيين بإعادة ترتيب صفوفهم, كان الملا مصطفى يلاحقهم ويشتتهم. أصبح الطريق إلى أربيل مفتوحاً أمامه كما أصبح الطريق إلى بغداد مفتوحاً أمامه.

كان الأمر ملحاً, أليس كذلك؟ أن نلجأ مرةً أخرى إلى سلاح الجو الملكي البريطاني الذي فاجأ القوات الكردية على بعد عشرين كيلومتر من أربيل. دمر سلاح الجو في غضون عدة أيام 55 قرية عدد منها بشكل كامل والآخر بشكل جزئي. كان هناك قرابة 1000 إصابة بين قتيل وجريح, وأجبر حوالي 15000 إمرأة وطفل وشيخ على الهروب إلى الجبال, كما تم قتل عدة آلاف من رؤوس الماشية.

كان الملا مصطفى ورجاله متحصنين في الجبال, وكانوا قادرين على الصمود لفترة طويلة ضد الهجوم العراقي وحتى هجوم سلاح الجو البريطاني لو لم تبرز في تلك الفترة حركة التحرير الكردية في إيران بقيادة القاضي محمد في مهاباد.

اعتقد الملا مصطفى أن تعاونه مع القاضي محمد قد يزود الأخير بالمقاتلين المسلحين والمدربين جيداً ويدعم دولة مهاباد الجديدة وذلك سيكون مفيداً للقضية الكردية بمجملها, لذلك انسحب إلى إيران ووضع نفسه في خدمة جمهورية مهاباد الكردية.

 

شارك هذا المقال: