ترجمه عن الفرنسية محمد علي عبد الجليل. الأصل الفرنسي لهذا المقال مأخوذ من Kurdistan iranien, 72 MAQAM RITUELS DES YARSAN, Maison des Cultures du Monde,2002 Ali Akbar Moradi Akbar Moradi, chant et tanbur Akbar Moradi, chant et tanburKurdistan iranien LES MAQAM RITUELS DEالS YARSAN Ali Akbar Moradi, chant et tanbur
“كردستان الإيرانية ، 72 مقام لليارسانية ، بيت الثقافات العالمية ، 2002. علي أكبر مرادي أكبر مرادي ، غناء و تنبور أكبر مرادي ، غناء وتانبور كردستان إيران مقام طقوس يارسان علي أكبر مرادي ، غناء وتنبور.”
وهو عبارة عن كتيّب من حوالي ٤٠ صفحة, كما يحوي على ٤ سيديات هي المقامات الـ ٧٢ التي يعزفها علي اكبر مرادي.
تعيشُ غالبيةُ طائفة اليارسان في جنوب “كردستان إيران”، أيْ محافظة “كرمانشاه” وجنوب “لُرِستان”، وتضمُّ قبيلةَ “گوراني” بالكامل وغالبيةَ قبائل “سنجابي” وجزء كبير من قبائل “كَلهُر” و”زنگنه كندوله” و”جلالوند”.
كما نجد أبناءَ هذه الطائفة أيضاً في محافظة آذَرْبایْجانْ الإيرانية وفي منطقة طهران وفي كردستان العراق وأخيراً في أفغانستان وباكستان والهند. وتُشكِّلُ هذه الطائفةُ، بحسب الأرقام التي يقدِّمها مختلف المؤلِّفين، نسبةً تتراوح من 3 إلى 10 % من المجتمع الكردي.
يُعرَف أتباعُ هذا الدين بأسماء مختلفة: يارسان”، وهي تسمية تشير إلى الجزء الأكبر والأكثر تشدّدا من الطائفة؛ “أهل الحق”، وهي التسمية الأكثر شيوعاً في الغرب منذ أنْ أطلقلَها الكونت دو غوبينو، “العلي إلهية” (من يؤلِّهون علياً) وهي تسمية يستخدمها أساساً منتقدوهم من المسلمين… وبحسب م. إيزَدي (1992)، تضمُّ اليارسانيةُ اليوم في الواقع ثلاثة اتِّجاهات تتميَّز بحسب المواقف التي اتَّخذَتْها تجاه الإسلام:
1- أهل الحق الذين قام اثنان من معلِّميهم الأخيرين، وهما نعمة الله جَيهُون آبادي وابنُه أُستاد نور علي إلهي (1895 – 1974) مؤلِّفُ الكتاب الشهير برهان الحق (طهران، 1963)، بالتقريب مع الإسلام الشيعي بهدف حماية الطائفة على ما يبدو.
2- التايفَسان الذين ينأَون عن الإسلام أكثر من أهل الحق.
3- اليارسان الحقيقيين، وهم فلَّاحون وحِرَفيون من محافظة “كرمانشاه”، متمسِّكون تمسُّكاً قوياً بدينهم وينكرون أيَّ انتماء للإسلام.
لا بد من بحث أصول العقيدة اليارسانية في الأديان الهندو-إيرانية القديمة وخاصةً في عبادة ميثرا والمزدية. وقد اختلطَت فيها عناصرُ يهوديةٌ ومسيحية وإسلامية.
إنَّ أركان هذا الدين المتأثِّر تأثُّراً شديداً بالتصوف والذي يصنِّفُه بعضُ الدارسين ضمن “عبادات الملائكة” (مع العلويين واليزيديين) هي:
– الاعتقاد بأُلُوهة تُسمَّى “يا”، وهي الجوهر الإلهي، خالق العالَم. في البدء كان العالَمُ مغموراً بالماء. وفي عمق هذا الماء لؤلؤةٌ في قلبها يوجد الجوهرُ الإلهي في حالة “الأزل”. هذا الجوهرُ أظهرَ قبل كلِّ شيءٍ أصحابَه السبعة، الهَـفتَن (الأجسام السبعة). ثم خرجَت الألوهةُ من اللؤلؤة استجابةً لطلب الهَـفتَن وتجلَّت على شكل خوانْكار (أو خواندگار)، وهو الرَّبُّ الله. هذا الربُّ خلقَ العالَمَ بإحراقه اللؤلؤةَ: فمِن الدخانِ وُلِدَت السماواتُ والنجومُ والغيومُ، ومِن المادَّةِ وُلِدَت الأرضُ. فطلبَتِ الهَـفتَن إليه خَلْقَ الإنسانِ، فقامَ بخَلْقِه من كتلةٍ من صِلِصال أصفر. ثم طلبَتِ إليه الهَـفتَن أنْ يتجلَّى في شكلِ إنسان. عندئذٍ شاء اللهُ أنْ ينفخَ نفساً في جسم الإنسان. ولكنْ عندما أبت النفسُ ذلك دخلَت الهَـفتَن في قلب الإنسان وعزفَت موسيقىً (راجع: CD 4 plage 1). وعندما سمِعَت النفسُ هذه الموسيقى أصابتها النشوةُ فدخلَت في جسم الإنسان وبقيَت حبيسةَ الجسد.
أمَّا الظهوراتُ الإلهيةُ اللاحقةُ فعددُها سبعة. الظهورُ الأول هو خَوانكار؛ والثاني هو الإمام علي (ومن هنا يسمِّيهم منتقِدو اليارسانية بِـــ العلي إلهية، “من يؤلِّهون علياً”)؛ وأهمُّ الظهورات هي الثالث والرابع، وهما على التوالي: شاه خوشين (القرن الحادي عشر) الذي يُنسَب إليه العهدُ الأول مع الألوهة وتكريسُ الطنبور وإدخالُه في المَجالِس الدينية، وسلطان إسحاق [سلطان سهاک] (القرن الرابع عشر) الذي جدَّدَ العهدَ مع الألوهة وجعلَ العقيدةَ اليارسانيةَ رسميةً. وبحسب المنقولات فإنَّ أمهاتِ هذه الكائناتِ المتجلِّية كانت عذراوات نظراً لأنه لا يمكن لأحد غيرِ الألوهة أنْ يُخصِبَها.
– عبادة الملائكة: كان للهَـفتَن, كأصحابٍ للألوهة، تجسُّداتُهم هم أيضاً. وهكذا ظهرَ في العصرِ الرابع عصرِ سلطان سهاک ثلاثةٌ مِن أصحابِها ذُكِروا كثيراً جداً في القصائد: ﭘـــير بنيامين وﭘـــير داود وﭘـــير موسي. هناك ملائكة أخرى لها أيضاً أهميتُها: الهَـــفتوانه أو السلطات السبع، والهَــفت-سَردار أو القادة السبع، والقَواَلْتَس، إلخ.
– التقمُّص: تغطِّي دورةُ النفوس فترةً مقدارُها خمسون ألف سنة وتشمل ألف تجسُّد؛ التجسُّدُ الأولُ بعدَ الألفِ يكون أبدياً ويحصل يوم القيامة الذي هو أيضاً يوم الحساب الأخير. وليست دورةُ التجسُّدات هذه مرتبطةً حصراً بدورة الحياة؛ فبالإضافة إلى التجسُّد الذي يعقب الموتَ، هناك تجسُّداتٌ أخرى ممكنة: عقِبَ مرضٍ، وعقِبَ حالةِ يقظةٍ عندما يشعر الإنسانُ أنَّ نفسَه تغيَّرَت أو على العكس أثناءَ حُلُمٍ (م. مُكري، 1959). من وجهة النظر هذه يمكن النظر أيضاً إلى التجسُّدات باعتبارها استناراتٍ تُميِّــزُ مسارَ حياةِ الإنسان وترتبطُ ديمومتُها بصورةٍ خاصةٍ بمقدار ما يُظهِرُ الإنسانُ مِن استقامةٍ وتقوى. وبالتالي فمِنَ المفترَضِ أنْ تبلُغَ النفسُ كمالَها على مرِّ تجسُّداتِها خلال رحلتها الطويلة التي تقودها من الحالة اللاعضوية إلى الحالة الإلهية.
– تقوم الممارسةُ الدينيةُ أساساً على مَجالس المسارَرين أو الجَم (الحلقة)، وعلى القرابين والأضاحي وعلى مراعاة عدد من قواعد الحياة: الطهارة والاستقامة والتواضع ومساعدة الآخرين. وهذه القواعدُ تُشكِّلُ موضوعَ عهدٍ يربط اللهَ بأصحابه (الهَـفتَن) وبالمؤمنين. هذا العقدُ جعلَه رسمياً لأول مرة شاه خوشين في القرن الحادي عشر تحت مسمَّى سَجناري ثم جدَّده وطوَّرَه سلطان إسحاق [سلطان سهاک] في القرن الرابع عشر تحت مسمَّى ﭘـَـرْدِيْوَري بَـــيَــابَس. وقد جُمِعَت جميعُ قواعد اليارسانية ومعتقَداتها في مجموعة أقوال أو كلام يردِّدُها مختلَفُ المعلِّمين والأولياء.
– الجَم هو مَجلِس المؤمنين الصوفي. هؤلاءِ المؤمنون، رجالاً كانوا أم نساءً، ينبغي أنْ يكونوا بالغين ومسارَرين [مُـــنَسَّـبِين] على يد معلِّم روحي (سيِّد أو ﭘـــير أو دليل). وينبغي أنْ تكون نفوسُهم طاهرةً وأجسادُهم مغسولة. ويجب أنْ تدفعَهم رغبةٌ بالتقرُّب من الألوهة. يجب أنْ يرتدوا قطعةَ قُماش على مقاسهم كعلامةٍ على الخضوع. أخيراً، على جميع المشاركين في الجَم أنْ يوحِّدوا أفكارَهم بهدف تشكيل كائن واحد. خلال مراسم الحفل، تلعبُ الموسيقى دَوراً محورياً لأنه من خلالها يرقى المشاركون إلى الحقيقة مثلما أنها عند خَـلْقِ الإنسانِ أتاحت للهِ أنْ ينفخَ فيه روحَه. والآلةُ الموسيقية المقدَّسةُ بامتيازٍ هي العُود [البَرْبَط] ذو العنق الطويل، الطنبور. وقبلَ أنْ يُعزَفَ عليها، تنتقِلُ الآلةُ من يدٍ ليدٍ ليلمسَها جميع المشاركين ويُــقبِّــلوها ثم يعيدوها إلى المنشد قائدِ الجوقة الذي يستطيع عندئذٍ أنْ يبدأَ بالعزف وترتيل الكلام، أيْ الكلمات المقدَّسة.
تنقسم الطائفةُ إلى أحدَ عشرَ فرعاً (خاندان) يقودها معلِّمون تعود أنسابُهم إلى المؤسِّسين. وبالتالي يحتفظ اليارسانيون إلى اليومِ بذكرى أغلب معلِّميهم وأوليائهم. وبعضُ هذه الشخصيات يستحقُّ التوقُّفَ عنده نظراً لأنَّ نصوصَ المقامات تشير إليهم كثيراً.
• المعلِّم الأول هو بهلول. عاش في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد (القرن الثامن) الذي جعلَ من مدينة “كرمانشاه” مقرَّ بلاطه الصيفي. ولأنَّ نشاطَه الدينيَّ أغضبَ الخليفةَ فقد تظاهرَ بهلول المطارَد والمهدَّد بالقتل بأنه مجنون.
• المعلِّم الثاني هو فضل الولي (القرن العاشر) الذي يَعتبِره بعضُهم الظهورَ [الإلهي] الأول في العصر الإسلامي.
• شخصية أخرى مهمة وإنْ كانت غامضةً هي شخصية بابا سَرهَنگ الذي عاش على الأرجح في أواخر القرن العاشر.
• شاه خوشين هو الظهور الثالث. اسمُه الحقيقي مُبارك شاه. وُلِدَ في بدايات القرن الحادي عشر في منطقة “لُرِستان” حيث جدُّه لأمِّه، “ميرزا أمانه”، كان رئيسَ قرية. وبحسب المنقولات فإنَّ أمَّه حَبِلَتْ به وهي ما تزال عذراء؛ فألقاه أبوه غاضباً في الجبال. كانت أمُّه تتوه ذاهلةً باكيةً عندما ظهرَ لها فارسٌ يُدعى كاكا رايا وبشَّرَها بأنها ستضع طفلاً من نور. يُنسَب لِشاه خوشين أولُ تقنين لشرائع اليارسانية وتكريسُ الطنبور في المَجالس الصوفية.
• سلطان إسحاق [سلطان سهاک] – الظهور الرابع – هو الشخصية الأهم في اليارسانية، لأنه هو الذي جدَّدَ العهدَ مع الألوهة ووضعَ العقيدةَ اليارسانية. عاش في القرن الرابع عشر. كانت أمُّه خاتون دايراك تقيم حينئذٍ عند الشيخ عيسى في مدينة بَرزنجه الصغيرة في العراق. وبعد وفاة الشيخ عيسى، نشبَتْ خلافاتٌ بين سلطان وإخْوتِه الأصغرِ منه سِنّاً. فغادرَ مسقطَ رأسِه وانتقلَ ليقيمَ في قرية شيخان. وتُوُفِّيَ عن عمرٍ يناهز المئةَ سَنَة، وضريحُه ينتصِبُ على ضِفاف شِيروان قُرْبَ الحدود بين إيران والعراق.
الأربعةُ التاليةُ أسماؤهم يُنظَر إليهم باعتبارهم تجسُّداتِ أصحاب الألوهة (الهَـفتَن).
• ﭘـــير بنيامين وُلِدَ في القرن الثالث عشر قُرْبَ جبلِ شاهو (سلسلة جِبال ألبُرز) في منطقة هورامان. وقد استقبلَه سلطان إسحاق في قرية شيخان وأصبحَ واحداً من أصحابه. يوجد ضريحُه في “كَرند غرب” على بُعد 100 كم من كرمانشاه.
• ﭘـــير موسي أصلُه من كردستان سوريا. يُقال إنَّ سلطان إسحاق قد اتَّخذَه كاتباً له.
• ﭘـــير داود، الصاحب الثالث لسلطان إسحاق، وُلِدَ في القرن الثالث عشر في قرية دَودان في منطقة هورامان، ويقع ضريحُه في قرية شيخان على ضِفاف نهر شِيروان.
• بابا يادگار عاش في القرن الرابع عشر في قرية شيخان. وبحسب بعض الكلام فإنَّ سلطان إسحاق قد عيَّنَه خليفةً له. وعند وفاة المعلِّم، غادرَ يادگار مسقطَ رأسِه إلى زَهاب على بُعد 120 كم غرب كرمانشاه. فعاش في البداية في كهف في وادي هُونا قبل أنْ يستقرَّ في قرية سارانا بجانب جبل دالاهو. وقد أصبحَ ضريحُه الواقع على جبل دالاهو في مكان يُدعى تختِ سَرانه أحدَ أهم أماكن الحج عند اليارسانية.