مراد جوان
الترجمة عن الكردية: صالح كوباني
حسب بعض المعلومات، أنّ ميرزا بيگ الداسني كان أميراً على شيخان حتى سنة ١٦٥٠ قبل أن يصبح باشا.
أما المعلومات المتعلقة بشخصية ميرزا، وكيف أصبح باشا على ولاية الموصل؟ وكيف جُرِّد من هذا المنصب؟ وما هي المحاولات التي قام بها ميرزا للإحتفاظ بمنصب الوالي؟ وماذا حصل له؟ موجودة في كتابي “تاريخ نعيمة”[١] و “سياحت نامه ” اوليا جلبي[٢]
يكتب نعيمة: “ميرزا باشا الداسني، من بيگوات كوردستان والذي تم عزله من الموصل (عزله من منصب الولاية ) هو من بيگوات عشيرة المرداسني(هل هناك عشيرة بهذا الاسم، أم أنها هي عشيرة داسني ذاتها؟) إنها شخصية جسورة و شجاعة في حملاته نحو الشرق(إيران) [٣] و خاصة في سنة بغداد[٤] حين قام مع مجموعته من الفرسان الكرد المؤلفة من سبعة أشخاص بتشتيت جحافل القزلباش (الجنود الصفويون) المؤلفة من مئات الفرسان، وعدد لا يحصى من الرؤوس(المقطوعة: المترجم) والأسرى ، كذلك أثبت جدارته في الكثير من المواقف. فأثناء شغل مراد باشا منصب الصدر الأعظم، عينه والياً على إيالة الموصل بدرجة باشا لشجاعته، وحصل على لقب “ميرزا باشا”.
في النهاية تم عزله، ولم يحصل على منصب مناسب بديل، قضى فترات مذلة و صعبة مع الكثير من أقربائه في اسطنبول”.
مقصد نعيمة من “تلك الفترات” هو سنة ١٦٥١. حيث يتعرض لهذه المسألة في باب أحداث ١٠٦١(هجرية: المترجم).
ففي تعرضه لإحدى أحداث السنين الأخيرة من عمر ميرزا باشا يذكر نهاية شهر شعبان ذلك العام، وهذا التاريخ يوافق بداية شهر آب ١٦٥١.
إن الصدر الأعظم مراد باشا ، والذي يتحدث عنه نعيمة، هو من منح باشاوية موصل لميرزا بيگ عندما أصبح صدراً أعظماً.
الباشا قره مراد أرناؤوطي الأصل، وأصبح مسلما فيما بعد.
شغل قره مراد باشا منصب الصدر الأعظم على مدى سنة وثلاثة أشهر، أي ما بين ٢١ أيار ١٦٤٩ و ١٩آب ١٦٥٠. أثناء تلك الفترة عين ميرزا بيگ والياً على الموصل برتبة باشا
وحسب المصادر فإن ميرزا باشا شغل منصب والي إيالة الموصل على مدى سنة وشهر[٥]. وتواجده في اسطنبول قبل بداية آب ١٦٥١، يدل على أنه تمَّ عزله بعد خسارة قره مراد لمنصبه.
لقد تم تعيين الشخصية العثمانية المعروفة “ملك أحمد باشا” ذوي الأصول الأبخازية صدراً أعظماً بعد قره مراد باشا في الخامس من آب ١٦٥٠ حيث شغل المنصب إلى ٢١ آب ١٦٥١ حيث أزيح.
يحتمل أن عزل ميرزا باشا من منصب والي إيالة الموصل كان بفرمان من ملك أحمد باشا لأسباب غير معروفة.
اشتهر ملك أحمد باشا بتنفيذه الإبادة الجماعية الوحشية ضد الايزيديين في جبل سنجار سنة ١٦٤٠ وحربه ضد الأمير عفدال خان، أمير بدليس سنة ١٦٥٥.
أصبح ملك أحمد باشا ، بيگ البيگوات ( أمير الأمراء ) في إيالة ديار بكر بعد معاهدة ” قصر شيرين” ١٦٣٩ وكانت سنجار وقتها تابعة لهذه الإيالة.
وحسب الادعاءات، فإن ايزيديي جبل سنجار كانوا ينزلون إلى البراري المحيطة بسنجار، وإلى سهل الموصل وماردين، ينهبون القرى ويقطعون الطرق و يمارسون السطو على القوافل ولذا قام ملك أحمد باشا سنة ١٦٤٠ بالهجوم على سنجار بقوة من ٧٠ ألف جندي تعرّض خلالها أكثر من ٣٠٠ قرية إيزيدية وسكانها الذين يقدرون ب ٤٥ـ٥٠ ألف للقصف المدفعي و سيوف المقاتلين وتم نهب وإحراق قراهم، أما المدنيون من النساء والأطفال والمسنين صعدوا الى المرتفعات و اختبؤوا في مغارات كبيرة تحت الأرض لكن سرعان ما تم كشفهم.
قام العسكر بإضرام النيران في المغارات و سكب المياه فيها، منهم من مات حرقا ومنهم من مات غرقا، أما من نجا فقد استسلم في أوضاع مزرية.
قام الجنود العثمانيون بسبي النساء والفتيات، وقتل الأطفال والرجال والمسنين. يتحدث أوليا جلبي عن الكثير من تفاصيل هذه الواقعة في كتابه سياحت نامه [٦]
لا ندري إن كان ثمة ربط بين عزل ميرزا باشا و خلاف قديم بينه وبين ملك أحمد باشا على صدى إبادة الإيزيديين سنة ١٦٤٠.
وحسب المعلومات فقد كان ميرزا أميراً على “شيخان” قبل أن يصبح باشا على الموصل. وعندما يتعرّض أوليا جلبي لإبادة (الإيزيديين: المترجم) فإنه لا يأتي على ذكر اسم ميرزا او ايزيديي شيخان.
أما الشجاعة و الصفات الحميدة التي يتحلى بها ميرزا بيگ و التي يأتي “نعيمة” على ذكرها لها صلة بهجماته على الصفويين، أي ١٠ـ١١ سنة قبل تعيينه والياً على الموصل. فلماذا لم يتم تكريمه حينها من قبل السلطان مراد بل تم ذلك في عهد السلطان محمد الرابع؟
السلطان محمد من مواليد ١٦٤٢، نصب سلطانا حين كان عمره سبع سنين، وذلك بعد اسقاط والده باديشاه ابراهيم (السلطان إبراهيم الأول: المترجم) نتيجة عصيان ضد القصر سنة ١٦٤٨.
في الأعوام ١٦٥٠ـ ١٦٥١ حيث لم يتجاوز عمره (السلطان :المترجم) التسعة أو العشرة كان ثمة منافسة ومؤامرات و صراعات محتدمة بين البيروقراطية العسكرية والدينية والإدارية حول منصب رئيس الوزراء والمناصب الوزارية والإدارية العليا.
أمهات وزوجات السلاطين كنَّ أصحاب امتيازات كون انتماء ابنائهن أو أزواجهن الى السلالة العثمانية، هؤلاء كن جوارٍ أصلاً، و لكونهنَّ أمهات وزوجات السلاطين والأمراء، وقُدنَّ تلك الدسائس. من بينهن تورخان سلطان و السلطانة كوسم اللواتي اشتهرنَّ في تلك السنين بالكفاح لأجل السلطة.
الباشوات والوزراء والآغوات المنحدرين من الدوشرمة والانكشاريين أصلاً، كذلك العسكريين الانكشاريين المحيطين بهنَّ كانوا مسلحين وأصحاب رتب، ويشكلون مركزاً قوياً للسلطة في اسطنبول العاصمة، كانوا يغيرون السلطة بالقوة، كانوا يسقطون ويطردون ويقتلون الوزراء والصدر الأعظم، كانوا ينصبون ويسقطون حتى الباديشاه. ففي أوساط تلك المراكز كذلك في أوساط شيوخ الإسلام والمفتين والقضاة والأمراء و والباشوات والوزراء الإداريين والعسكريين، كان ثمة وجود لمن لم يكن من الدوشرمة، من ترك و كورد وشركس و أبخاز و أرناؤوط وعرب، ورثة النبلاء والبيگوات القادمين من الأناضول الذين كانوا قد انضموا للدولة العثمانية و تبوءوا مناصب مهمة، كانت المنافسة شديدة بينهم.
كان الفساد و الرشاوي سمة المرحلة، ففي العاصمة كما في الإيالات لم يكن توزيع المناصب ممكناً بدون الرشاوي والإكراميات والهدايا الثمينة والمبالغ ضخمة.
كان الوزراء والباشوات يجرّون قواتهم العسكرية والإدارية إلى الولايات التي اكتسبوها نتيجة الرشاوي الباهظة، ولكي يستعيدوا أضعاف ما دفعوه، كانوا يفرضون على الناس ضرائب كبيرة وينهكون الناس بمختلف أنواع الجباية، كانوا يظلمون الرحل والرعية والقرويين كذلك سكان المدن التابعة لإيالتهم من مسلمين ومسيحيين، كان التهديد و النهب و القتل سيد الموقف. فإن كل وزير أو أمير أو باشا ممن يطمح في منصب من العاصمة أو الإيالات، كان يذهب الى اسطنبول، و يستند إلى طرف أو عدة أطراف، يرشي أو يدخل معهم في اتفاق للحصول على السلطات.
كانت السلطانة تورهان قد أحاطت نفسها في تلك الفترة بالباشاوات و الآغوات والوزراء الانكشاريين، أما السلطانة كوسم (أحاطت نفسها: المترجم) بالمراكز الأخرى. كانوا ينسجون الحيل والدسائس و يوجهون الضربات لبعضهم.
يبدو أن ميرزا بيگ الداسني كان موالياً للصدر الأعظم قره مراد باشا، و الصدر الأعظم كان إلى جانب السلطانة “كوسم” ضد الانكشاريين. لكن التغييرات المتسارعة إلى جانب توازنات السلطة أجبرته على الانسحاب من منصب الصدر الأعظم باكراً، وأن يقترح على السلطانة “كوسم” و التي هي جدّة الباديشاه محمد ذو التسع سنين، تنصيب ملك أحمد باشا الأبخازي صدراً أعظماً، وهو ما حدث بالفعل. في هذه الفترة أي أثناء وجوده في اسطنبول كان ميرزا بيگ مهملاً و فاقداً للفرص حسب نعيمة، لم يفلح في الحصول على أي منصب، لم يحظى بالاهتمام، كان مع ثلة من أقربائه الكورد الايزيديين يمكث في اوسكودار\ اناضول [٧]
لكن يبدو أنه كان على علاقة جيدة مع الأوساط المنافسة للانكشاريين. ينظر الانكشاريون له بعين الشك ويحسبون له ألف حساب. هذه المعلومات يخبرنا بها “تاريخ نعيمة” وتباعاً من نفس المصدر” قام ميرزا باشا باستجداء الوزراء وبالأخص آغوات[الانكشاريين] وحاول كثيراً استعطافهم، ونظراً لعدم تمكنه من تقديم (الرشاوي والهدايا) لم يلتفت له أحد، ولم يعين في أية وظيفة (مناصب ومراكز).
كان مع ٤٠ـ٥٠ نفراً من أقربائه يقيمون في “اوسكودار”. لكي يتمكن من العبور إلى اسطنبول لم يكن لديه ما يسدد به أجرة القوارب، كان يبيع حاجياته ليعيش منها. يُنقل عنه أنه لم يكن لديه ما يشتري به الفواكه حتى أثناء موسم الفواكه، حيث باع دلة القهوة واشترى بها البطيخ و الجبس ليطعم بها أقرباءه. كان يقدم “عرضحال” للحصول على ثمن ما يطعم به من حوله، حيث يواجه بالرفض، ولذا كان مصابا بالإحباط. في تلك الفترة كان ثمة شخصين آخرين في “اوسكودار” في نفس(ضائقة: المترجم) ميرزا باشا الداسني. أحدهم كان نسيمي أفندي الذي جُرِّد من منصب الدفتردار(مدير الحسابات: المترجم) في “قارامان”، أما الآخر فهو السيپاهي(جندي فارس عثماني: المترجم) يگن بيگ الآيدني والذي كان من أصحاب الجاه، كلاهما لم يحصل على أيّة خدمات، حتى رواتبهم المتراكمة و مستحقاتهم من السباهية لم تدفع لهم وذلك بسبب تسلط آغوات الانكشاريين وتماديهم في الرشاوي. كانوا في ظروف مزرية وأوضاع مهينة في خانات “اوسكودار” فارغي اليدين، حتى المستلزمات باعوها كي يشتروا بها ما يأكلون دون جدوى.
في نهاية المطاف قرر كل من ميرزا باشا و نسيمي أفندي ويگن بيگ الخروج إلى الأناضول مع رجالاتهم.
في نهاية شباط ١٠٦١(بداية آب ١٦٥١) تناهى إلى أسماع آغوات الانكشاريين أن هؤلاء خرجوا حانقين ، مكسوري الخاطر، مما أثار مخاوف لدى الانكشاريين أن يتواصل هؤلاء مع المتمردين من أتباع حسن باشا الأبخازي الذي كان ينافس الانكشاريين في اسطنبول.
كتخودا بيگ (كددا كتخودا محمد بيگ الذي كان كتخدا للصدر الأعظم ملك أحمد باشا: المؤلف) باشر على عجل بتجميع ٥٠٠ـ٦٠٠ خيالة وأدخلوهم الى اسكودار. تم تهيئة كل من اوخري بيگ من بيگوات الأرناؤوط و مصطفى شاه سليمان من أقرباء مختاربيگ و دلي دلاور آغا البولو وبورناز شاهين من آغوات الوزراء والكثيرين من أمثالهم وكلهم كانوا تلامذة كتخدا بيگ، و تم وتنصيب محمد أمين بيگ الوالي السابق لإيالة “وان” قائداً لهم والذي كان من أقرباء كتخدا بيگ الموثوقين بهم. قام هؤلاء بملاحقة ميرزا بيگ ومساعديه ورفاقه لكي يدعسوا عليهم و يهشموا رؤوسهم أينما واجهوهم.
حطت مجموعة ميرزا بيگ ورفاقه رحالها في حقول الأرز في ما وراء “لافكا” (اوسمانلي بيلاجيك الحالية:المؤلف) كانوا مشغولين بأنفسهم ولم يدروا أن الكلاب الشرسة وراءهم. إستدركهم متتبعوهم ذات مساء و قاموا بتطويقهم والتحكم بهم وقالوا: “إلى أين أنتم ذاهبون؟ امسكوهم!! كان الجواب: “نحن في طريقنا إلى ولاياتنا، لو كنا ننوي الذهاب إلى الأبخازي، لما كنا سلكنا هذا الطريق، كنا سنذهب باتجاه سابانجا”. لكن هذا الكلام لم يفدهم، وتم هجوم مباغت عليهم. كان ميرزا بيگ الداسني قد نزع سرج فرسه، وجعله في وضعية الاستراحة، التقط رمحه وامتطى فرسه غير المهيأ.
قام التركي مصطفى شاه سليمان برمي الرمح على ميرزا بيگ، لكنه صد الرمح وقال: تذكر يا مصطفى آغا لقد فضلنا عليك مرات عديدة وانقذناك عدة مرات من بين أيادي “قزلباش”(صفويون: الكاتب) أثناء الحملة على بغداد كذلك أمّنتُ لك المأوى، أهذا جزاء الاحسان؟
لم يهتم مصطفى آغا لهذا وقال: حتى لوكنت والدي الحقيقي، سوف أنفذ رغبة سيدي، لن أعطيك الأمان، سوف اقتلك. هجم عليه ثانية لكن ميرزا بيگ طعنه برمحه من الظهر حيث خرج الرمح من الجانب الآخر بطول شبر وأرداه قتيلا. قتل (ميرزا بيگ:المترجم) عدداً آخر منهم، كما أشهر الأبطال الكُرد سيوفهم وخاضوا القتال وقتلوا الكثيرين، لكنهم قتلوا بسيوف الظلم. لكي ينجو ميرزا بيگ بنفسه من بين حقول الأرز، لحقه أكثر من مئتي مقاتل بالبنادق و الرماح و طوقوه. قتل ميرزا بيگ عدداً آخر منهم، لكن حصانه انغمس في الوحل و طوقه كل من محمد أمين باشا و دلاور آغا اللذان كانا مصابين ونادوه حالفين عاهدين: “والله لن نؤذيك! سنأخذك حياً سالماً الى اسطنبول، توقف عن القتال!” لم يبق أمام ميرزا بيگ من خيار سوى الاستسلام. أمسكوا به وكبلوه. كان كل من نسيمي افندي ويگن بيگ مصابين، تم الامساك بهما وتكبيلهما أيضاً.
لاحظوا أنً غالبية الكُرد في أرض المعركة كانوا مصابين، كما أنَّ الذين أصابوا محمد أمين باشا بالسيف هم الآن في قبضتهم، لذا اكتفوا بأخذ كل من ميرزا ونسيمي أفندي ويگن بيگ على الأحصنة مكتوفي الأيدي. أخذوا الاحصنة واللوازم كغنائم. أرسل(محمد أمين باشا: المترجم) رسولاً إلى اسطنبول مقدماً اما هو فعاد إلى العاصمة.
في اسطنبول و باقتراح من كتخدا بيگ أصدر الوزير(الصدر الاعظم ملك أحمد باشا: المؤلف) فرماناً، بوجوب قطع أعناق المعتقلين فور العلم بالفرمان، وجلب رؤوسهم فقط. كانوا في نواحي “مالتابا” عندما وصلهم الفرمان، وعلى مقربة من “كميكلي بابا” (ضريح، تكية: المؤلف) قاموا بقطع رؤوس الثلاثة، دفنوا أجسادهم هناك، وأخذوا رؤوسهم إلى “باب الهمايون” ورموها في الميدان. كان وقع هذه الحادثة ثقيلا على الناس، كان الناس عندما ينظرون إلى تلك الرؤوس، يدعون على آغوات الانكشاريين قائلين: “ماذا كانت جريمة هؤلاء مسلوبي الإرادة؟ فلينتقم الله ممن تسبب بهذا، ليلقوا جزاءهم عاجلاً بإذن الله!”
لكن الآغوات لم يهتموا لهذا، ولم يتراجعوا عن التحرش والاغتصاب والفرعنة، كانوا يقومون بأعمال قذرة بغرض الإساءة للآخرين.
أحداث ميرزا بيگ الداسني في سياحت نامه اوليا جلبي
لم يتطرق أوليا جلبي إلى باشاوية ميرزا بيگ الداسني على موصل في ال ” سياحت نامه ” [٨]، لكنه يتحدث عن إقامته في اسطنبول و عودته منها الى الأناضول مع مجموعة مسلحة و عن إرسال مجموعة مسلحة للتعقب ثم الصدام معه، عن المقاومة البطولية التي أبداها ميرزا ورفاقه وكيفية إلقاء القبض عليهم وإعادتهم إلى اسطنبول كذلك قتلهم وهم أسرى في طريق الإعادة إلى اسطنبول.
ولأن ملك أحمد باشا كان حينها صدراً أعظماً، وثمة صلة قربى بينه وبين أوليا جلبي(والدة أوليا جلبي أبخازية و من الأقرباء المقربين من ملك أحمد باشا ) وكان حاضراً في عملية إرسال العسكر وممثلاً لطرف الدولة في تلك المعركة. لكن يبدو أن الأمر لم يكن برغبة الصدر الأعظم، علما بأن إصدار فرمان إرسال الجند وقتالهم ثم قتلهم وهم أسرى كانت ممهورة بختم السلطان محمد ذو التسع سنين والتي كانت بحوزة الصدر الأعظم ملك أحمد باشا. كان الصدر الأعظم يرى بأن هذا القرار كان ظلماً بحقهم. كان مضطراً لوضع الختم تحت هذا القرار نتيجة ضغوطات الآغوات الانكشاريين. يرى أوليا جلبي أن وضع الختم تحت القرارات المتخذة في تلك الأحداث من قبل ملك أحمد باشا بدون رغبته كان خاطئاً جداً وغير عادل. كما يرى أن أحد أسباب عزل الصدر الأعظم فيما بعد كان عدم توفقه بعد تلك الأحداث التراجيدية.
عزل ملك أحمد باشا بتاريخ ٢١ آب ١٦٥١ ونصب سياڤوش باشا الأبخازي بدلا منه.
عندما يتطرق أوليا جلبي لميرزا بيگ الداسني (في سياحت نامه : المترجم) يسميه “داشنيك ايميرزا\ميرزا بيگ” ولا نعلم إن كان مكتوباً هكذا في المخطوطة أم أنَّ التغيير طرأ عندما تم تحويلها إلى الحروف اللاتينية ومن ثم ترجمتها الى التركية لم اتمكن من تحري الامر. لكن الأحداث التي يستعرضها بشكل عام، كذلك الأمكنة والتواريخ تتوافق في الكثير من جوانبها مع ما ذهب إليه “نعيمة”.
واضح تماماً أن داشنيك ايميرزا\ميرزا هو ميرزا بيگ\باشا الداسني الذي يتحدث عنه “نعيمة” في “تاريخ” ه. فمن الآن وصاعداً أثناء تعرّضنا لأحداث واردة في “سياحتنامة” أوليا جلبي سوف سنذكره كـ “ميرزا داسني”. الفرق بين تاريخ نعيمة وسياحتنامة أوليا جلبي هو أسماء رفاق ومساعدي ميرزا بيگ وأعدادهم.
يذكر نعيمة كل من نسيمي افندي و يگن بيگ كأقرب أصدقائه، لكن أوليا جلبي لم يأتي اصلاً على ذكر هذين الاسمين، و بدلاً منهما يأتي على ذكر حنيفي خليفة الذي لا يذكر عند “نعيمة”. أنا من جهتي لم أتثبت من شخصية حنيفي خليفة.
أوليا جلبي كما نعيمة، يذكر أن ميرزا بيگ كان في اسطنبول للحصول على منصب قيادي، كان مع أقربائه في اوسكودار، كذلك أن الكثير من الآغوات، البيگوات، الباشوات، الوزراء، وكبار القادة و الضباط ممن فقدوا مناصبهم كانوا في اسطنبول لمحاولة الوصول إلى أصحاب النفوذ في أروقة السلطة وإرشائهم للحصول على منصب بيگ أو آغا او رئيس عشيرة . علاوة على الولايات والإيالات والمدن، كانت هناك وحدات عشائرية للرحل والتي لم تكن لها ارتباط بمكان بعينه، يتنقلون ضمن الحدود العثمانية في الأناضول، ومابين الهضاب صيفاً والسهول شتاءً في كوردستان.
كانوا ينتقلون إلى الجبال والهضاب مع بداية الربيع، وينزلون إلى السهول والبراري والمناطق الدافئة مع نهاية الخريف. بعضهم كان يتبع إماراته الكوردية لكن كان هناك أيضا كونفدراليات عشائرية كبيرة كالبادليين والرشوانيين و البوز اولوس و قره أولوس وآت كيش و عشائر تركمان الاسكودار…الخ
عشائر الرحل هذه كانت أما تركمانية أو كوردية أو عبارة عن كونفدرالية مختلطة. كانوا يعدون كتلة واحدة أو كيان، كسكان مدينة أو منطقة أو ولاية ما. كان من يحصل على منصب الأغا الرسمي أو مقام آخر، يتنقل أينما تنقلوا، يتولى حفظ أمنهم، يجمع الجزية والضرائب والمصاريف لايصالها للدولة، كانوا يسمون “تركمان اغاسي” اي آغا التركمان. اسناد هذا المنصب الى آغا اوبيگ أو باشا كان يجري في إسطنبول، والتنصيب نفسه أيضاً في اسطنبول بعد دفع الرشاوي و الهدايا والإكراميات، بما معنى أن الآغوات و الوزراء والباشوات كانوا يتنافسون على شراء المناصب.
كانوا يدفعون الأموال سلفاً، بعدها و بفرمان من الباديشاه يذهبون لممارسة الآغاتية ، البيگوية أو رئاسة العشائر التركمانية. كان يحدث ايضاً أنّ الآغا أو البيگ أو الوزير يشتري المنصب في اسطنبول و يختار أّلّا يذهب بنفسه الى هناك بل يعرض الوظيفة للبيع ل ‘متسلم’. المتسلم هو بمثابة الجابي في أيامنا هذه، يجمعون الجزية والضرائب والمصاريف من تلك المناطق. المناصب والمقامات الشبيهة كانت موجودة في المدن أيضاً ومنها ما كانت تباع للمتسلمين.
وبهذا الشكل كان الكثير من الآغوات والبيگوات و الباشوات والوزراء مقيمين في اسطنبول علماً بأنّ أسماءهم كانت في أماكن أخرى. كانت التجارة بتلك المناصب تجري في أوساط الآغوات و البيگوات و الوزراء والباشوات والقضاة وأصحاب المناصب العالية الأخرى المحيطين بسراي السلطان. كان القسم الأكبر من المناصب العليا العائدة للانكشاريين هي صاحبة السلطة والفرص. كان ميرزا الداسني وأمثاله يحاولون الحصول على هكذا مناصب. حتى ولو لم يتطرق أوليا جلبي للأمر، لكن رأينا أن نعيمة يكتب عنها بوضوح. افتقار ميرزا بيگ للمال وعدم تمكنه من دفع الرشاوي منعته من الحصول على منصب ومكوثه بين أقربائه في اوسكودار في فقر مدقع.
كان الكثير من أمثاله في الوضع ذاته، وكثيرون من السپاهي والعساكر الآخرين من الأناضول ممن لم يتقاضوا رواتبهم شهوراً وسنين، يعيشون في حظائر وخانات ويجوبون حارات اسطنبول و خصوصاً في اوسكودار معتازين آملين الحصول على مستحقاتهم. يتحدث أوليا جلبي كما يفعلها نعيمة عن انتفاضة حسن آغا الأبخازي في تلك الأثناء. و نظراً لشجاعة حسن اغا الأبخازي وكياسته فقد منحه السلطان محمد الرابع منصب آغا عشيرة تركمان الاسكودار مدى الحياة. كان يقدم للدولة سبعون كيساً من النقود سنوياً. عندما نصب ملك احمد پاشا صدراً أعظماً جاء هو أيضاً إلى اسطنبول وبارك للباشا(كلاهما أبخاز) ثم عاد الى اسكودار.
اتفق كل من بكداش آغا، الآغا الرش(الاسود:المترجم) الانكشاري و كتخدا القوليين(الانكشاري) جلبي وكتخدا (واحدة من أهم المناصب العالية للانكشاريين)ملك أحمد باشا و كتخدا كوددا محمد بيگ اتفقوا على انتزاع آغوية التركمان من قره حسن باشا أبخازي واعطائه لشخص يدعى آق علي آغا مقابل مئة كيس من النقود. غضب حسن آغا عندما سمع بالخبر و نقل ثلاثمائة من جنوده إلى “آخر قابي” في اوسكودار، وأبحر إلى اسطنبول بالزوارق مع مئتين من خيرة رجاله ، أبقى على مئة من فرسانه على زوارقهم وأخذ مئة معه إلى قصر ملك أحمد باشا.
يكتب أوليا جلبي أنه كان موجوداً هناك ذلك الوقت. خرج حسن آغا الى لقاء الصدر الأعظم حيث سأله غاضباً كيف لهم انتزاع هذا المنصب منه، ودفعه للعوز والفقر بعد كل الخدمات والأفضال التي قدمها لهم .
ردَّ صدر الأعظم ملك أحمد باشا قائلا: هكذا أصبح الوضع الآن، دفع لي مئة كيس من النقود، انتظر عاماً واحداً لنرى ما سيحدث.
لم يتقبل حسن آغا الأمر، وأثناء خروجه الغاضب من السراي، صادف كتخدا كوددا محمد، حيث كان حسن آغا على علم بأنه هو من يقود هذه المؤامرة ضده، هجم عليه شاهراً خنجره، لكن أحداً كان على مقربة منهما أنقذه منه.
هرب كوددا إلى الصدر الأعظم و عاد حسن آغا غاضباً الى اسكودار.
هذا الكتخدا كوددا محمد باشا من انكشارية أطراف دياربكر، كان يسكن في جيرموك. عندما أصبح ملك أحمد باشا والياً على إيالة ديار بكر للمرة الاولى سنة ١٦٣٩ـ١٦٤٠ أصبح من المقربين منه، ومنذ ذلك الحين كان ملازماً للباشا أينما حلّ.
كان “كوددا” ضمن جيش ملك أحمد باشا الذي ارتكب الإبادة الجماعية ضد إيزيدية سنجار عام ١٦٤٠
عاد قره حسن باشا الى اسكودار وقام بتجميع أقربائه والعساكر السيباهي الذين كانوا يقيمون في الحظائر والخانات في ظروف مزرية ويجوبون الشوارع. عندما سمع هذا الخبر، ذهب كوددا كتخدا ورفاقه المذكورون سابقاً الى الصدر الأعظم وحدّثوه عن مخاطر انتفاضة حسن آغا، كما طالبوا بإصدار فرمان بقتله. أصبح ملك أحمد باشا مضطراً لإصدار فرمان قتله باسم السلطان. عندما سمع حسن آغا بالأمر، فرّ من اوسكودار الى ازميت و انضم إليه ألف سيباهي ممن ذهبوا إلى اسطنبول لقبض رواتبهم.
عندما وصل إلى بولو وصل عدد مقاتليه إلى ٣٠٠٠، وعندما وصلوا الى اوسمانجيك وصل عددهم إلى ٥٠٠٠ بعدما وصل إلى انتفاضة أخرى باسم ايشبير باشا حيث وصل عددهم مجتمعين إلى ٤٠ـ٥٠ ألفاً. أرسل الباديشاه فرمان إبادتهم إلى الصدر الأعظم. قال الصدر الأعظم ملك أحمد باشا أنه لن يختم على هذا الفرمان، وأنه على استعداد لتسليم الختم.
هنا يقوم أوليا جلبي بتناول شخصيتي ميرزا داسني و حنيفي خليفة، واصفاً انهما كانا من أهل السلطة، جاءا للمطالبة بمنصب الآغا للعشائر الرحل(الكوجر:المترجم) أمثال بوزولوس و قره أولوس وتركمان الاسكودار.
آق علي آغا الذي حصل على آغاوية تركمان الاسكودار من آغوات الانكشارية، لم يجرؤ على تسلم المنصب بعد انتفاضة حسن آغا حيث بقي المنصب شاغراً.
اتفاق الانكشاريين مع كوددا كتخدا و بكداش آغا وخداعهم لميرزا الداسني و حنيفي خليفة حال دون حصولهما على المناصب علماً بأنّه كان بحوزتهم من الرشاوي أكثر مما كان بحوزة الذين نالوا المنصب، حسب اوليا جلبي.
بعد حادثة حسن آغا بدأ هؤلاء بالخوف على حياتهم، وفي إحدى الليالي خرجوا الى اسكودار ومنها فرّوا باتجاه الأناضول. لا يدعي نعيمة ولا اوليا جلبي بوجود اتفاق بين ميرزا الداسني ورفاقه مع قره حسن آغا الابخازي. لكن الأحداث حصلت في نفس الفترة وتتعلق بنفس الأوضاع والمسائل.
حسب هذين المدونين، يدّعي كددا كتخدا ورفاقه أنّ كلا الطرفين متعاونان، وفرّوا سوية، في حال ذهاب ميرزا الداسني ورفاقه الى مواقع حسن آغا سيحدث عصيان كبير ليضع اسطنبول تحت الخطر. يدّعي أوليا جلبي أن آغوات الانكشاريين عندما طالبوا بإرسال الجيش لقتلهم وسلب أموالهم، كان ملك أحمد باشا قد قال: ” هذه الجماعة أهل الخدمة هم وأموالهم، مسلمون طيبون، وأصحاب ناموس. ألم تأخذوا عبرة من حسن آغا؟ كان يقدم سبعين كيساً من المال للميرية (للخزينة\للدولة) انتزعتم منه منصبه الدائم وسلمتم لشخص بغير حق ، والذي بدوره لم يجرؤ على تسلم المنصب حيث بقيت الوظيفة الباديشاهية شاغرة.
حولتم شخصا إلى جلالي(متمرد)أمام مرأى ومسمع الجميع، والآن ماذا تريدون من حنيفي خليفة؟ والله سوف احترق بناركم قريباً، اما انتم ستحترقون وتصبحون كالكباب.”
وصلت الأنباء إلى الصدر الأعظم أن ميرزا بيگ وحنيفي خليفة برفقة ٦٠٠ مقاتل وصلوا إلى “ايسكالا ديل” ومن هناك سوف يقطعون بحر ديل ليصلوا إلى حسن آغا و ايبشير باشا على أطراف حلب(؟)
اجتمع آغوات الانكشاريين و ضغطوا بإتجاه إصدار فرمان من الباشا بحق ميرزا وخليفة. اضطر الصدر الأعظم لإصدار فرمان بإسم الباديشاه بقتلهما.
وعلى جناح السرعة تم تجميع ٢٠٠ من فرسان الأحصنة الكحيل المدرّعة و المزودة بالاحجبة من بكداش آغا و ٣٠٠ من فرسان الاحصنة الكحيل الجميلة المزينة بالاحجبة والحمايل و المزودة بالدروع الواقية من قره چاويش آغا الانكشاري و ٥٠٠ من المقاتلين الشجعان الجسورين، الضليعين في فنون القتال، المتمكنين من الرماية، الصقور التي تقول” ماحدا قدي” من جلبي كتخدا و ٧٠٠ مقاتل متمكن من المبارزين ذوي الصيت والخبرة من الأبخاز والشركس والجورجيين من ملك أحمد باشا.
٥٠٠ مقاتل آخرين من خيرة رجال المشاة والمسلحين، أي ٢٥٠٠ من خيرة الفرسان أصحاب الاحصنة الكحيل، من نخبة مقاتلي السيوف، من الذين يتطاير الغضب من أعينهم.
تلميذ ملك أحمد باشا الذي يدعى عبدالله باشا مع ٥٠٠ من خيرة الرجال الكورد أصبح قائداً، وانضمّ إليهم أوليا جلبي مع ثمانية من خدمه [٩].
٣٠٠٠ مقاتل أبحروا ليلاً إلى شواطئ اسكودار بالزوارق والسفن، ومن هناك زحفوا إلى “گبزا”، وخلال يوم واحد اجتازوا بحر ديل و ممر دربند
استدلوا إلى قلعة انزك. كانوا مرهقين لدرجة ان خيولهم لم تعد تقوى على السير، مئات من فرسان بكداش آغا و فرسان الانكشارية ترجلوا في انزيك أو بقوا على أطراف الطرق، بعضهم توقف في الجبال مع خيولهم اللاهثة.
في إحدى المراعي القريبة من انزيك، بعد أن سألوا الناس، علموا أنّ أكثر من ألف فارس يستريحون في خيم وغابات وبعضهم في حقول الأرز بين لافكا(اوسمانلي بيلاجيك) و “سوكوت” على مقربة من نبع أحمد بيگ.
قام عبدالله باشا بتجميع العسكر، وأُصدر قرارا بالهجوم مع صلاة الفجر الشافعي.
قاموا بتطويقهم سراً، كانوا منتشرين، منهم من تمدد تحت شجرة عالية، ومنهم من كان حول الأشجار مشغولاً بالمتعة، أما أكثرهم كانوا متخفين في الغابة، مبعثرين، نيام.
عند ساعة الصفر، قام الجنود العثمانيون بقيادة عبدالله باشا بالنداء”الله…الله” بالهجوم على النيام، قاموا بالسطو وتعرية بعضهم، ضربُ السيوف كان في أوجه، لم يكونوا بعد على وعي بما يحدث لهم، كانوا يفرون من خيمهم ببكاء وصراخ، منهم من استطاع الوصول إلى خيله، ليتناول السيف و الرمح والدرع منخرطا في القتال، بعضهم بلباسه والبعض عار.
في هذه الأثناء خرج كل من ميرزا الداسني وحنيفي خليفة مع ٧٠٠ـ٨٠٠ من مقاتليهم من الغابة وهاجموا العسكر.
كان القتال دمويا.
يكتب أوليا جلبي أنهم كانوا يقولون”الله…الله” و الجانب الاخر يقول “الله…الله” طرفان من جيوش الإسلام يتحاربان. يتحدث أوليا جلبي مطولاً عن هذه المعركة، عن شجاعتهم و الأعداد الكبيرة من الخسائر البشرية من الجانبين.
في النهاية كانت الخسارة للجانب الذي فوجىء في نومه. فرّ ميرزا الداسني و ٤٦ من فرسانه للنجاة بأنفسهم، لكنه وقع في فخ بعض جنود ملك أحمد باشا و تم أسرهم و تقييدهم. حاول حنيفي خليفة الهروب بجروحه، لكن تم إلقاء القبض عليه مع ١٣ من أقربائه وتقييده.
جمعوا الأسرى وقاموا بتجميع الكثير من الرؤوس المقطوعة . أخذوا٨٠٠ من خيول المتمردين كغنيمة، قام الجنود بركوب تلك الخيول. تم إرسال فرمان لاثني عشر قاضٍ من المناطق القريبة، إنه يجب إلقاء القبض على الفارين وتسليمهم. خرج الناس الى البراري والجبال لاصطياد الفارين، منهم من أسر حياً ومنهم من جلب رأسه مقطوعاً. دفن الموتى في ١٥ بئراً وحفرةً على أقل تقدير، رؤوسهم أصبحت “زينة لرؤوس الرماح”.
عاد العسكر بالأسرى ورؤوس(القتلى:المترجم)، جاؤوا إلى بحر”ديل” وعبروا إلى “كبزة” ومن هناك إلى جسر “بوستانجي” القريب من اسكودار.
هناك وصل فرمان من اسطنبول الى قره عبدالله باشا بقتل جميع الأسرى و دفن أجسادهم هناك و جلب رؤوسهم الى اسطنبول.
هذا القرار أثار غضب وحزن العساكر والمدنيين، قالوا إن الرؤوس المقطوعة كثيرة، ماذا يريدون بعد، ِلمَ قتل هؤلاء المساكين؟.
قال عبدالله باشا أنه سيقتل الجميع مادام هناك فرمان بهذا. حاول الممتعضين من الجنود ثني عبدالله باشا من ارتكاب المجزرة بحق هذا العدد الهائل من الأبرياء. قبل القائد طلب العسكريين في نهاية المطاف، أطلق سراح البعض منهم في حقول القصب القريبة من “بوستانجي” وترك البعض يختبئون تحت الجسر كما تركوا قسماً آخر في اسكودار.
يكتب أوليا جلبي انه هو شخصياً أنقذ ستة أشخاص بالتوسل إلى عبدالله باشا.
لكن الرجاء والتوسل لم ينفعا في إنقاذ ميرزا الداسني وحنيفي خليفة. تمَّ صف (ميرزا الداسني: المترجم) إلى جانب ٤٦ من أقربائه تحت جسر بوستانجي، قتل حنيفي اولاً بالسهام، بعدها قطع رأس ميرزا و٤٦ من أقربائه. يكتب أوليا جلبي أنهم كانوا ينطقون بالشهادة وهم ينحرون. دفن كل الأجساد عند بداية الجسر، أما الرؤوس وعددها كان ٨١٤ أوتي بها الى اسكودار ومنها الى اسطنبول وعلقت على الرماح في “باخجا قابيسي” في استعراض للسلطان محمد الرابع ذو العشر سنين والذي كان جالسا في ديوانه.
بعدها تم رمي تلك الرؤوس في الميدان أمام “باب الهمايون”. بقيت الرؤوس كالكرات مهملة، ممرغة في الأوساخ عدة أيام.
يكتب أوليا جلبي أن عدداً من الصالحين رأى ” في تلك الليلة في باب الهمايون، و بحكمة إلهية انه ولثلاث مرات ظهرت هالة من النور تنزل على رأس ميرزا الداسني و حنيفي خليفة”.
لكنهم وفي تلك الليلة أخذوا الكثير من الرؤوس وأبقوا على حوالي المئة منهم، في تلك الليلة هدمت منازل بعض الكفرة داخل “فنر قابيسي” والتي كانت تسمى “حجرات بكداش آغا”. في نفس الليلة ظهرت نيران صغيرة على رؤوس الجبال، وفي “ماجون جو” احترق مستودع للبارود.
حسب أوليا جلبي إنَّ أحد أسباب عزل ملك أحمد باشا من منصب الصدر الأعظم هو مقتل ميرزا الداسني و حنيفي خليفة بغير وجه حق وبشكل عشوائي.
[1] Naima Tarihi, Cilt 5, 2130-2133, Naima Mustafa Efendi, الترجمة عن العثمانية, Zuhuri Danışman Yayınevi, 1969, İstanbul
[2] Günümüz Türkçesiyle Evliya Çelebi Seyahatnamasi, cilt 3, kitap 1, YKY, 2006, İstanbul.
[3] حملات على الصفويين نحو شهرزور وبغداد
[4] سنة ١٦٣٩ عندما وجه السلطان مراد الرابع حملة ضد الصفويين، وصلت الحملة الى بغداد واحتلتها، بعدها تم التوقيع على اتفاقية قصر شيرين والتي بموجبها تم رسم الحدود بين الإيرانيين و الصفويين.
[5] Osmanlı Vilayet Salnamelerinde Musul, ORSAM, Orsam kitapları no 5, r. 222, Ankara, Kasım 2012.
[6] Günümüz Türkçesiyle Evliya Çelebi Seyahatnamesi, من منشورات YKY, الجلد الرابع، اسطنبول
[7] حينها كانت اسكودار مدينة منفصلة عن اسطنبول
[8] Günümüz Türkçesiyle Evliya Çelebi Seyahatnamesi.
المجلد الثالث، الكتاب الأول، صفحة ٣٥٦ـ٣٥٩ وتكملتها، منشورات (YKY) اسطنبول ٢٠٠٦
[9] يذكر نعيمة أن والي “وان” السابق محمد أمين باشا قاد هذه الحملة