منطقة نزاع: العنف العابر للحدود، السياسة والذاكرة في منطقة كرداغ  السورية[1]

شارك هذا المقال:

كاتارينا لانجه[2]

العنوان الأصلي للمقال:

Contested Terrain: Cross-Border Violence, Politics and Memory in Syria’s Kurd Dagh Region.

نشر البحث كمقال، ضمن الكتاب:

Regimes of Mobility: Borders and State Formation in the Middle East, 1918-1946, Tejel, Jordi; Öztan, Ramazan Hakkı (Ed.) (Scotland: Edinburgh University Press, 2022), pp. 170-201.

الترجمة العربية:

راج آل محمد

المراجعة:

د. فخري عبدو

في عام 1960 زعم المؤرخ السوري أدهم الجندي أن “ثورة الشمال” السورية، بقيادة إبراهيم هنانو، اندلعت شرارتها بفعل أعمال “البطل الكردي، غير المعروف نسبياً، محو ابن إيبو شاشو” (محمد إبراهيم)[3]، المعروف محلياً باسم محو إيبشاشي. جدير بالذكر أن إبراهيم هو أول من أطلق النار على القوات الفرنسية التي احتلت كل من كليكيا العثمانية وحلب في نهاية الحرب العالمية الأولى. علاوةً على ذلك، شكلت الجماعة المسلحة التي قادها محو أول عصابة في المنطقة تنتفض في وجه فرنسا. تابع ذلك الشكل التنظيمي الذي يُطلق عليه في اللغتين التركية والكردية اسم (چته) وفي العربية (عصابة) الأشكال المحلية القديمة من المعارك. وأصبح في فترة ما بعد الحرب الركيزة التنظيمية للحرب غير النظامية ضد الفرنسيين.[4] وما يؤكد التسلسل الزمني لمقولة الجندي هو شهادة يوسف السعدون، وهو أحد زعماء الثوار في جبل قُصير أثناء ثورة هنانو. وقد أكد السعدون في مذكراته المكتوبة (ولكن غير المنشورة) في الخمسينات، أن أولى الجماعات التي تشكلت لمهاجمة الفرنسيين بدأها “قائدان كرديان”، هما محو وشخص آخر يُدعى “تك بك حاجي” Tek Bek Hadji.[5]

    وفق التأريخ المحلي، وُلِد محو في قرية باسكا Baska، الواقعة على الجانب التركي من الحدود الحالية.[6] منحدراً من خلفيةٍ متواضعة، إن لم تكن فقيرة، اضطرت العائلة أن تغادر القرية بعد نزاعٍ قُتل على إثره أحد أعمام محو. فأصبحوا عمالاً معدمين (بلا أرض) في منطقة حارم السورية أولاً، ثم في منطقة سهل العمق. تحوّل محو إلى السطو على القوافل، لينتهي أمره بالسجن في حلب، الذي أُطلق سراحه منه على يد القوات العربية-البريطانية المحتلة في تشرين الأول/أكتوبر 1918.[7] حينما سيطرت فرنسا على شمال سوريا وكليكيا، قرر محو التمرد. جاء قراره، كما يُفترض، إثر مناقشات مع الحلبيين المعارضين للحكم الفرنسي، مدفوعاً بالغضب جراء الإهانات لـ”شرفه وكرامته”، بما في ذلك سلوكٌ مشينٌ من قِبَل الدرك المحليين تجاه زوجته.[8] اعتاد محو ورجاله، البالغ عددهم نحو أربعين رجلاً، نَصْب الكمائن لقوافل التمويل الفرنسية التي تعبر سهل العمق الكثيف الأدغال، من خلال إضرام النار في المناطق المحيطة [بطريق مرور القوافل]، واستخدام منطقة كرداغ الجبلية كملاذٍ حينما يتم مطاردتهم. عندما ذاع صيت  محو، انضم إليه أحد قادة العصابات الآخرين في المنطقة، هو تك بيقلي حاجي Tek Biqli Haji. بعد وقتٍ قصير من ذلك، انضم محو إلى القوات الكمالية في كليكيا، ورُقِّي، على ما يُقال، إلى رتبةٍ عسكرية وحاز على لقب الـ”باشا”. لكنه اعترض فيما بعد دوريةً للجيش التركي كان تمشّط القرى الحدودية من أجل التجنيد، وفي أعقاب الاشتباك الذي نشب، قتل محو جندياً تركياً واضطر مرةً أخرى إلى عبور الحدود إلى سوريا. وجد محو، الذي بات هارباً من السلطتين الفرنسية و التركية على حد سواء، ملاذاً في كرداغ، حيث يوجد له فيها أقارب. مات محو بعنفٍ، مثلما عاش على العنف، إذ قُتِل على يد ابن حموه في أحد الكهوف في جبل قازقلي Qaziqli.[9]

    مستخدماً وجهة النظر التاريخية-الإنثروبولوجية، يحاول هذا الفصل تحليل كيف أن شبكات العنف والسياسة على الحدود السورية-التركية وعبرها، ساهمت وشكّلت النضالات ضد الانتداب الفرنسي في منطقة كرداغ في الفترة الواقعة بين العشرينات والأربعينات. في الوقت الذي يحتفي الجندي بعمل محو في سياق الوطنية السورية، فإنني أقترح أن يتم النظر إلى ذلك أكثر في سياقٍ مناطقي، وفي الوقت نفسه، عابر للوطنية، كونها انطلقت من منطقة حدودية تُشكّل جسراً بين الحركتين القوميتين العربية والتركية الناشئتين في الوقت الذي كانت مسكونةً فيه بأغلبيةٍ كردية. في تلك المنطقة الحدودية، ترك رجالٌ أمثال

محو وتك بيقلي حاجي، المتأرجحين بين قطع الطرق والثورة، أثاراً في الذاكرة المحلية التي تعود (على أقل تقدير) إلى أواخر الحقبة العثمانية.[10]

    يحاول هذا الفصل، استجابةً لنقاشٍ أوسع حول طبيعة المقاومة للانتداب في سوريا على الصعد الدينية والمحلية و”الوطنية”، الإحاطة بمغزى الممارسات ذات السياق المحلي والعابرة للمحلية في بلورة الأفعال والشبكات قيد التحقيق. كانت منطقة كرداغ، التي تبدو منطقةً خلفيةً هامشيةً من وجهة نظر التأريخ السوري التقليدي، ذات أهمية كبيرة للمقاومة المسلحة للانتداب الفرنسي في كيليكيا، وارتبطت بحركات مماثلة في شمال سوريا. يطرح هذا الفصل أسئلةً من قبيل كيف أثّر الموقع على الحدود التركية-السورية على تلك الحركات وتشكيلها في سياق ممارساتها، وعلاقاتها وشبكاتها. تقدم المعرفة التاريخية المحلية من تلك المنطقة، المتجذّرة في عفرين الحالية، مجموعةً من الروايات الشفهية متفاوتة التفاصيل، تنقل معلومات متعلقة بسنوات ما بين الحربين العالميتين. يمكن الوصول إلى تلك هذه المعرفة من خلال التأريخ المحلي، وإجراء مقابلات مع أحفاد الأشخاص الذين عاشوا خلال تلك الفترة، والبيانات المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي. إن قراءة هذه الروايات في ضوء المصادر الأرشيفية الفرنسية وروايات معاصرةٍ أخرى، تدل على أنه في الوقت الذي قطعت فيه الحدود التركية-السورية العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التاريخية، إلّا أنها ولّدت ومكّنت أشكالاً معينةً من العمل السياسي والعسكري. وتدل على أن منطقة كرداغ شهدت لحظات من المقاومة المسلحة ضد الحكم الفرنسي في بداية ونهاية الفترة التي كانت تُثبّت فيها الحدود التركية-السورية.[11]

الجبل الكردي

خلال السنوات التي تم فيها تثبيت الحدود السورية-التركية بين نهاية الحرب العالمية الأولى في شهر تشرين الأول/أكتوبر 1918 واتفاقية أنقرة التي تم التوقيع عليها في شهر تشرين الأول/أكتوبر 1921، تحولت مفردة كرداغ “جبل الكرد” من الدلالة إلى مكانٍ جغرافي (سلسلةٌ جبلية في المنطقة الحدودية السورية-التركية) إلى الدلالة على كيانٍ إداري في الأراضي السورية. هذا التحول صاغ، وربما شكّل حافزاً للأفعال التي قام بها الرجال الذين أكتب عنهم، ونفخ الروح في علم التأريخ (المحلي) عن الأحداث الموصوفة في هذا الفصل، مما زاد عملي تعقيداً في الكتابة عن الموضوع.

    منذ إعلان الدولة السورية وكرداغ تعاني من التهميش بشكل محسوس للغاية، حيث إنها تقع على أطراف كل من الدولة السورية ومحافظة حلب التي هي جزء منها. ولكن، على الرغم من ذلك التهميش النسبي، فإن المنطقة، لكونها مساحة فاصلة، شكّلت جسراً بين كليكيا/الأناضول و سوريا. كانت الاتصالات البرية بين حلب وميناء إسكندرونة تُجرى عبر طريقٍ يمر عبر الحمام إلى الساحل؛ ومنذ عامي 1911/12، فإن فرعاً من خط سكة قطار بغداد أخذ يمر عبر المنطقة. لقد تشكل تاريخها خلال الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين (وفي الآونة الأخيرة أيضاً) من خلال موقعها المثير للجدل، الذي يتراوح ما بين الاكتفاء الذاتي والانعزال من جهة، والانغماس في نطاقات سياسية أوسع من ناحية أخرى.

    إن السلسلة الجبلية المسماة كرداغ، التي توازي جبال الأمانوس بارتفاع يتراوح بين 700 و 1260م، تمتد عبر الحدود السورية-التركية الحالية، شمال غربي حلب.[12] خلال الحقبة العثمانية، قُسّمت القرى في تلك المنطقة إلى عدد من المناطق التي كانت تتبع لـ قضاء كلس، حيث قامت كمركز إداري وسياسي واقتصادي للمنطقة.[13] عند تثبيت الحدود بشكل راسخ، فقدت كلس أهميتها بالنسبة للسكان على الجانب السوري من الحدود، حيث تم إحداث قضاء جديد باسم كرداغ.[14]

    كانت منطقة كرداغ، مثلما يُشير اسمها، متجانسة بشكل ملحوظ من ناحية اللغة المحكية والأصل العرقي. في 1940 وصف المستشرق الفرنسي روجيه ليسكو المنطقة بأنها “مأهولة بالكامل بالكرد”، مردداً آراء متصرفين (مسؤولين) سوريين سابقين.[15] في أواخر الثلاثينات، قُدِّر عدد سكان القضاء الجديد بـ50،000 نسمة.[16] لقد تُرجِمت الانتماءات العرقية-اللغوية والدينية والعشائرية إلى هويات اجتماعية تشكلت من خلال القرى والأصل العائلي وصلات القرابة والنَسَب، وانتظمت عبر تراتبية اجتماعية-سياسية. في بداية الانتداب، كانت الكردية (الكرمانجية) والتركية العثمانية، وليس العربية، هما اللغتان المحكيتان والمفهومتان من قبل السكان، الذين اختلفوا بالتالي عرقياً ولغوياً عن المناطق المجاورة في الجنوب والشرق. لكن المنطقة فُصِلت أيضاً من الناحيتين الجغرافية والتاريخية عن بقية المناطق الكردية في سوريا.[17] وكما هو موضّحٌ في المناطق الكردية الأخرى، اقتصر النفوذ السياسي على الآغوات (العشائريين) والشيوخ (الصوفيين)، ولكن في كرداغ كان له نكهة محلية مميزة.[18] فمقارنةً مع المناطق الأخرى، لم يكن للانتماء العشائري المعنى ذاته في التعبئة السياسية؛ إذ كانت العلاقات بين أفراد العشيرة تُبنى على أساس التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية الداخلية والتسلسلات الهرمية. منذ بداية القرن التاسع عشر تحوّل الرؤساء العشائريون إلى طبقة من ملاكي الأراضي الأثرياء الذين تميّزوا عن البقية لجهة الثروة والنفوذ والمكانة الاجتماعية، بالإضافة إلى عاداتهم وأذواقهم وسلوكهم.[19] فيما يخص الجانب العقيدي، فإن أغلبية السكان هم من المسلمين السنة، لكن المنطقة كانت أيضاً موطناً لليزيديين[20] والعلويين/القزلباش، وكذلك للأرمن،[21] خاصةً في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى.

رسم الحدود:

برزت الحدود التركية-السورية بشكلٍ تدريجي وأصبحت واقعاً خلال فترة ثلاث سنوات، بين نهاية الحرب العالمية الأولى في تشرين الأول/أكتوبر 1918 واتفاقية أنقرة في تشرين الأول/أكتوبر 1921. لا تزال الذاكرة المحلية في كرداغ تدرك أهمية السنوات الأخيرة من الحرب، عندما انسحب مصطفى كمال (أتاتورك لاحقاً) والقوات العثمانية المتقهقرة شمالاً من حلب. تم مطاردتهم من قبل لواء سلاح الفرسان الخامس عشر التابع للخدمات الإمبراطورية، المؤلف من رماة ميسور وجودبور. في السادس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر 1918 اشتبك الجانبان على طول الطريق المؤدي إلى كلس، شمالي حريتان، فيما يتم الإشارة إليه بـ”آخر معركة في الحرب” في الشرق الأوسط. بينما انسحب مصطفى كمال إلى أقصى الشمال عبر دير جمال، قرر أخيراً أن يقيم مركز قيادته في قطمة، 46كم شمالي حلب، حيث توقف الانسحاب. بعد أربعة أيام، أعلنت هدنة مودرس رسمياً نهاية الحرب بالنسبة للإمبراطورية العثمانية.

    تُستذكر “المعركة الأخيرة في الحرب” في المصادر الناطقة باللغة الإنكليزية باسم معركة حريتان، بينما يشير التأريخ التركي إلى قرية قطمة القريبة كالمكان الذي قام به مصطفى كمال بـ “رسم حدٍ بالحراب التركية” – وهو حدٌ أصبح أساساً للحدود السوريةالتركية لاحقاً.[22] كانت قطمة، التي يُشار إليها محلياً بــQitmê،[23] ذات أهمية استراتيجية كونها تمثل محطةً على خط سكة حديد بغداد، ومقراً لمركز عسكري عثماني. علاوةً على ذلك، تقع خلف الحد الوهمي الفاصل بين القرى الناطقة بالعربية والكردية في ريف حلب الشمالي؛ حيث يُتوقع أن يكون سكانها أقل تعاطفاً مع الجانب الإنكلو-عربي من السكان الناطقين بالعربية في دير جمال وحريتان.

    تَسِمُ الذاكرة المحلية الحد الديموغرافي في ريف حلب الشمالي، الذي يفصل بين المناطق التي يسكنها العرب والكرد، بكونها مهمةً في إقامة الحدود الجديدة بعد نهاية الحرب. ويتجلى ذلك في السردية الشيقة التالية: شهد الشاب محي عفدي بركات Mehî Evdî Berkêt وصول القوات العثمانية المتقهقرة إلى قريته بينه Bênê (بالعربية إبّين Ibbin)، الواقعة في شمال غربي دير جمال. سأل الضابطُ العثماني القائدُ القرويين، وهو لا يزال على صهوة الفرس، “هل أنتم كردٌ أم عرب؟”Kurd misin, Arap misin?“. عندما عرّف السكان أنفسهم ككرد، تنفس الضابط الصعداء وأشار للجنود بالترجل. بعد أن اطمأنوا أخيراً لوصولهم إلى مكان آمن، أخبر جنوده المنهكون القرويين بأن المدفعية البريطانية استمرت في استهدافهم حتى قرية دير جمال (العربية) القريبة، وأن القصف توقف عندما عبروا الخط (الوهمي) إلى كرداغ.[24]

    بعد أكثر من تسعين عاماً قام ابن محو، الحاج حسين بسرد الحكاية مرة أخرى. نظراً لافتقارنا إلى المصادر التي تؤكد ذلك، من المستحيل الحكم على مدى دقتها وصحتها. ولكن لكوني عرفتُ الراحل حاج حسين، فإنني أميل إلى الاعتقاد بأنه على الرغم من أن المرويّة ربما تكون قد شُذّبت سردياً بمرور السنين لإخراجها بأفضل صورة ممكنة، بيد أن جوهرها يُرجّح أن يكون صحيحاً. على الأقل هناك البعض من سكان حلب والبلدات والقرى الصغيرة المجاورة لها مَن رحّب علانيةً بالقوات العربية المحاربة إلى جانب الحلفاء، بل وانضموا إليها أحياناً، وبذلك زادوا الضغط على القوات العثمانية المتقهقرة.[25] الحكاية الخاصة بالحاج حسين تعكس، في الحد الأدنى منها، حقيقة أنه تم الاستناد إلى المنطق الإثني  لتبرير أو الطعن في إقامة الحدود السورية-التركية فيما بعد. وتشير أيضاً إلى أنه كان يُنظر إلى الإثنية على أنها تلعب دوراً في المواقف السياسية، حيث يُفترض أن “الكرد” مخلصون أكثر للجانب العثماني مقارنةً بجيرانهم العرب.  وأخيراً، وليس آخراً، تُظهر المرويّة بالتأكيد كيف تم تطبيع ذلك المنطق-الرابط بين الإثنية و الولاءات السياسية- في الألفينات.

النزاع (حول) الحدود:

في نهاية الحرب، بقي الشمال السوري مبدئياً تحت السيطرة العسكرية البريطانية، بينما بقيت الخدمة الفنية وصيانة خط السكة الحديدية في يد عمالها العثمانيين السابقين، وفق ما نصت عليه بنود هدنة 1918. في شهر كانون الأول/ديسمبر 1919 منحت الاتفاقية الإنكليزية-الفرنسية حق إدارة السكة و”المنطقة الشرقية للاحتلال” Territories de l’Est المفصولة عن كيلكيا إلى بريطانية العظمى. كان من المقرّر أنّ المنطقة ستُحكم من قبل فيلق خيالة الصحراء البريطاني المتمركز في حلب.[26] كانت سلسلة جبال كرداغ تفصل تلك المنطقة عن كليكيا، مما جعل ميدان أكبس تقع ضمن كيليكيا الخاضعة للسيطرة الفرنسية، بينما كانت قطمة في حينها تقع داخل القطاع الذي تسيطر عليه بريطانيا.[27] في تشرين الثاني/نوفمبر 1919 تنازلت بريطانيا عن السيطرة لصالح فرنسا وسط تنامي القلاقل والمقاومة المسلحة ضد احتلال الحلفاء. تمركزت القوات الإمبراطورية الفرنسية (لاسيما فرق شمال أفريقيا والسنغال) في قطمة، حيث رابضت في مواقع هامة استراتيجياً على طول سكة الحديد.

    عائداً بنظره إلى الخلف عقدين من الزمن، قيّم المستشرق الفرنسي روجيه ليسكو بشكل متناقض إلى حدٍ ما الطريقة التي بسطت فيها فرنسا سيادتها على كرداغ: ” لقد تم احتلال المنطقة بدون أيّ صعوبات كبيرة رغم بعض المناوشات. […] خلال بضع سنين، حيث حافظت خلالها العصابات التي جهزتها تركيا وزودتها بالمؤن على مستوى عالٍ من انعدام الأمن، تم فرض  التهدئة في كرداغ.”[28]

    بالنظر إلى الوضع في عام 1920، يبدو من الواضح أنه بالنسبة للمعاصرين في فترة ما بعد الحرب مباشرة، تسببت ما أُطلق عليه “العصابات” في إثارة مشاكل كبيرة، مما جعل سلطة المواقع العسكرية الفرنسية، وحتى الأمن الخاص بها، غير مستقرة حتى بعد الاحتلال الفرنسي لحلب ومعركة ميسلون في تموز/يوليو 1920. كانت السنوات الممتدة بين نهاية الحرب والبداية الرسمية للانتداب الفرنسي على سوريا فترة عدم استقرار واضطرابات في المنطقة. كان الوجود الأجنبي محفوفاً بالمخاطر ويبدو أنه عابر، وبالتالي فإن ديمومة وموقع الحدود الجديدة بدا موضع تساؤل. عندما أفاد الانتقال من السيطرة البريطانية إلى السيطرة الفرنسية إلى أن وجود قوات أجنبية سيتطور إلى احتلال طويل الأمد، تحولت المقاومة إلى معارضة مسلحة التي يسّرها وجود الكثير من الرجال المحليين ذوي الخبرة والتدريب، إضافة إلى توفر الأسلحة الحربية في أعقاب الحرب.[29]

    حالما انسحبت القوات البريطانية من المنطقة، تنامت المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الأجنبي والتي وصلت إلى ذروتها في ربيع 1920. كانت كرداغ تتمتع بأهمية استراتيجية للأطراف المتحاربة بسبب جغرافيتها وبنيتها التحتية البالغة الحساسية؛ و على الأخص كان خط سكة حديد بغداد بنقاطه الرئيسية ومحطاته في ميدان أكبس، وراجو، وقرت-قولاق Qurt-Qulaqê وقطمة، وجسور سكة الحديد المعرضة للخطر في أماكن نائية ذو أهمية حيوية. لقد اعتمد الثوار على جغرافية المنطقة الجبلية التي جعلت انتشار العربات المصفحة أو الدبابات شبه مستحيل،[30] مقدمة ملاذاً آمناً لقطاع الطرق والثوار المنسحبين من مطاردة القوات أو الميليشيات.[31] في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 1919، هُوجمت قافلة في طريقها إلى إصلاحية من مرعش من قبل الثوار، ما أسفر عن مقتل أحد الجنود المرافقين وجُرِح اثنان آخران. وفي الخامس عشر من كانون الأول/ديسمبر فُقِد ملازم ورقيب وأحد الجنود المشاة بالقرب من قرت-قولاق، وهي منطقة وُصِفت بأنها “منطقة غير آمنة في بعض الأحيان” une rêgion parfois per sure.[32] في أواخر كانون الثاني/ يناير 1920، تم مهاجمة المخفر الكائن في حمام، الواقع في وسط الطريق بين حلب وإسكندرونة من قبل 600 رجل مشاة و100 فارس، ربما، بدعم  من محو و تك بيقلي حاجي وأتباعهما.[33] بنهاية شباط/فبراير 1920، أفادت التقارير أن المنطقة في حالة ثورة شاملة. حينما وصل القائد العام للفرقة الرابعة في الثاني عشر من شباط/فبراير إلى قطمة للتقصي، وجد أن عصابات “القرويين المتمردين” قد خرّبت خطوط الهاتف وطوّقت، بل حاصرت عملياً كافة المواقع الفرنسية، وقطعت الطرقات. في اليوم ذاته، على بعد عدة كيلومترات في الشمال الغربي، قامت جماعة مسلحة بتخريب خط السكة بين ميدان أكبس وقطمة في وادٍ جنوبي راجو. كان الثوار قد نزعوا 150 متراً من السكة مما أدى إلى حرف قطار شحن عن المسار. هُوجم القطار المنحرف عن السكة وقُتِل جندي أرمني وثلاثة موظفين من خط سكة حديد بغداد. إضافة إلى ذلك، تم أسر عريف وثلاثة جنود آخرين من الفوج الثاني والعشرين من جنود المشاة الجزائريين، وسُلبت جميع ممتلكاتهم، وأُعيدوا إلى ثكناتهم بعد ثلاثة أيام. في وقت لاحق، كانت قاطرة احتياطية قد غادرت قورت-قولاق ووصلت إلى المكان الذي وقع فيه الهجوم، لتتفاجأ أن مزيداً من القضبان قد انتزعت من مكانها خلف القطار الأول وتسبب في انحراف القاطرة الثانية أيضاً. وحيث إن فرقة سوريا Division de Syrie، المنتشرة على خمس عشرة سرية بين إسكندرونة و أورفا، تعتمد في تموينها على السكة الحديدية، فإن هذه كانت ضربة مؤلمة للغاية. استُؤنِف سير السكك الحديدية في 25 شباط/فبراير، ولكنه قُطِع مرة أخرى في 2 آذار/مارس عندما تم قطعها بين قورت-قولاق وقطمة. وعلى نحو مماثل، تم إضرام النار في الجسور الواصلة بين قره سو وغربي قورت-قولاق. في 6 آذار/مارس تم الهجوم على الموقع الفرنسي الذي يقوم بحراسة جسر Here-Dere (الذي يُشار إليه محلياً باسم پرێ حەشاركێ Pirê Heşarkê) حيث أُجبر حراسها الخمس والثلاثون على الفرار أو أُخذوا كأسرى، وتقدم الثوار لمحاصرة الموقع الفرنسي في راجو. بعد خمسة أيام، تمكنت قوة إغاثة كانت قد أُرسلت من كلس أخيراً من فك الحصار، بينما استؤنفت حركة السكك الحديدة في 18 آذار/مارس. بحسب مصادر فرنسية، لم يتمكن الثوار فقط من قطع خط التموين الحيوي لسكة حديد بغداد لحوالي الشهر، بل قتلوا أيضاً ضابطين فرنسيين وسبعة جنود، وجرحوا أحد عشر آخرين، وتمكنوا من أسر خمسة وثلاثين جندي بينهم ضابط. استمرت العصابات المحلية في تنفيذ هجمات مسلحة ضد خطوط الاتصال الحساسة، وبشكل خاص سكة الحديد، إضافة إلى المواقع والدوريات العسكرية. وبحسب تقرير فرنسي، فإن “الرعب الذي تسببوا به والعنف الذي استخدموه أقنع حتى أولئك الذين لم يتأثروا بالدعاية الكمالية المغرضة [ضد الفرنسيين] أن [يدعموا العصيان].[34] في أعقاب هجوم كمالي على موقع فرنسي في ميدان أكبس في 30 آب/أغسطس 1920، قُتِل تسعة رجال من الفرقة الفرنسية الثانية، المتمركزة بين ميدان أكبس والفرات، وأُصيب ستة وثلاثون آخرون، وفُقِد ثمانية في العملية.[35] تم إرسال قوة إغاثة فرنسية بالقطار من قطمة، ولكنها عُرقِلت نتيجة الهجوم عليها من قبل عدة مئات من القوات غير النظامية في وادي راجو، ومُنِعت من مغادرة محطة راجو. عند جسر Here-Dere، وجدت القوات أن الموقع قد دُمّر بالمدافع، وأن العوارض الخشبية التي تدعم بناء مسار السكة الحديدية قد أُحرِقت، وأن الجنود السنغاليين الذين كانوا يحرسون الموقع إما فُقِدوا أو قُتِلوا. أُرسِلت المزيد من التعزيزات في الرابع من أيلول/سبتمبر وتمت مهاجمتها بالقرب من قمة قره بابا Qerebaba، ولكنها تمكنت من تخفيف الضغط على ميدان أكبس بعد يومين مشتتة المهاجمين إلى الشمال والغرب باتجاه إصلاحية. استمرت القوات غير النظامية في مضايقة قوة الدعم أثناء عودتها إلى قطمة.[36] على الرغم من أمل الضباط الفرنسيين في إنقاذ تأمين خط السكة الحديدية عبر توسط آغوات محليين مؤثرين وإجراء المفاوضات مع الجانب التركي، إلا أن المنطقة بقيت غير آمنة بالنسبة للمراسلات والمسؤولين الفرنسيين حتى العام التالي، مما اضطرهم في السنة التالية إلى إحداث خدمة بريدية مجوقلة/جوية بين حلب وإسكندرونة في ربيع 1921.[37]

    من الواضح أن المصادر الفرنسية المعاصرة اعتبرت كرداغ، بما في ذلك الجزء الذي سيصبح أرضاً سورية، جزءاً من كليكيا، واعتبرت أعمال الثوار في 1920-1921 امتداداً للحرب التركية/الكمالية ضد فرنسا في تلك المنطقة. في نهاية المطاف، تم التوقيع على معاهدة أنقرة في 20 تشرين الأول/أكتوبر 1921، التي شكلت إيذاناً رسمياً بنهاية هذه الحرب ورسّخت حدوداً جديدة تفصل بين الأراضي الواقعة تحت السيطرة التركية وتلك الواقعة تحت السيطرة الفرنسية. بعد أن تم التأكيد عليها في معاهدة لوزان في الرابع والعشرين من شهر تموز/يوليو 1923، كانت الحدود تمر الآن مباشرةً عبر كرداغ. خُطّت الحدود من ميدان أكبس مع محطة سكة الحديد التي فيها ضمن الأراضي السورية/الفرنسية، واستمرت باتجاه الجنوب الشرقي، لتمر إلى الشمال من قرى بلبل وحفتارو ومرسا (على الجانب السوري من الحدود). في حين أصبحت بلدة كلّس، ومراكز أصغر مثل إصلاحية جزءاً من الجمهورية التركية.

أبطال محليون-سياسيات عابرة للحدود؟

لا تخبرنا المواد الأرشيفية الفرنسية الكثير عن هوية وشخصيات الثوار، لكن الذاكرة والتأريخ المحليين يفعلان ذلك. كان الثوار على الأغلب محليون ينفذون العمليات ضمن محيط مسقط رأسهم. وكانوا غالباً، بقيادة أفراد من النخبة المحلية. ولا تزال الذاكرة المحلية تحفل بشكل خاص بالهجوم الذي يُسمى بمعركة Geliyê Tîra (وادي السهام) الذي تم تنفيذه في شباط/فبراير 1920 على قطار النقل الفرنسي بالقرب من راجو، ويُنسب إلى مجموعة من عدة مئاتٍ من الرجال بقيادة أحمدي روتي Ehmedê Rûtê. روتي، وهو أحد وجهاء قرية عمارة، شغل من قبل منصب رئيس بلدية كلس. بالإضافة إليه، يتذكر أهالي المنطقة ثوار آخرين من أبناء ملاكي الأراضي من قبيل سيدي ديكي Seydê Dîkê، على سبيل المثال، وهو آغا ذو نفوذ من عشيرة آمكي، واستطاع بالاعتماد على الولاءات العشائرية التقليدية أن يجند عدداً كبيراً من الأتباع،[38] وكذلك حاج حنان شيخ إسماعيل زاده من جماعة بيان العشائرية.

    مثّل هؤلاء الرجال، إلى حدٍ ما، نسخةً ريفية من “الجيل العثماني الأخير” الذين وصفهم بروفينس Provence.[39] إن وجود التشابه مع البيئات العشائرية لشرقي سوريا يجعل ادعاء بروفينس بأن “الضباط العثمانيين والمحاربين القدامى قادوا كافة حركات المقاومة المسلحة وحركات التحرر الوطني” صحيحاً نسبياً.[40] لقد كانوا يمثلون نخبة ريفية قليلاً ما نمت روابط الولاء خاصتهم بالكيان السياسي العثماني عبر التكون الشخصي في المدارس أو الجيش العثمانيين، حيث أن قادة قطاع الطرق Çete المحليون تلقوا القليل، أو حتى لم يتلقوا مطلقاً أي تعليم رسمي، ولا قضوا سنوات التكوين في إستانبول أو أية حاضرة كبيرة في الإمبراطورية، بل قد نجح بعضهم على الأقل في تجنب التجنيد الإلزامي خلال الحرب. على العكس من ذلك، يبدو من المرجح أن الثوار كانوا مدفوعين بشعور جمعي بالانتماء وإحساسٍ بالتحدي للغازين الأجانب، الذي كان يحمل عند الكثيرين منهم طابعاً دينياً.

    مع ذلك، لم يكن كل قادة الثوار من النخبة، كما في حالة محو إيبشاشي الذي ناقشناه في بداية هذا الفصل. كان من بين الرجال الذين قادهم كل من أحمدي روتي وحاج حنان وأيضاً محو إيبشاشي محاربين قدامى مثل عفدي خجي Evdî Xecê، وهو رجل من أسرة ثرية في قرية چوبانا كان قد خدم في الجيش العثماني برتبة عريف (امباشي) واشترك في معركة گاليپولي (چناق قلعه) قبل الفرار وانتظار نهاية الحرب في قريته الأصلية.[41] كما كان هناك أيضاً “جنودٌ مشاة” من الشباب من خلفيات اجتماعية واقتصادية متواضعة، دون أي خبرةٍ أو تدريبٍ عسكري سابق. من بين هؤلاء كان العشريني عمر عتوني Omerî Etûnê، ابن قاطع الطريق عبدالله عتوني، الذي تم شنقه من قبل السلطات العثمانية في 1908.[42] مقاتل آخر اسمه رشيد إيبو Reşîd Îbo، المولود في 1902 في قرية بليلكا القريبة من راجو. بعد سنوات كثيرة، صرّح إيبو في مقابلة مع صحيفة تشرين السورية أنه قرر الانضمام إلى الثوار بعد أن سمع إبراهيم هنانو يتحدث مع جمع من حوالي خمسين رجلٍ محليٍ في قرية معراته Maratê في كرداغ.[43] نظراً لافتقارنا إلى شهادات معاصرة، من الصعوبة بمكان البحث في الدوافع والانتماءات السياسية للثوار في كرداغ، ولكن يبدو من الواضح أنها كانت متباينة. فقد لعبت الهياكل الكمالية ودعايتها دوراً بارزاً في تنظيم ودعم أعمال الثوار، وكانت القوات الخاضعة للقيادة الكمالية تعمل بالتنسيق مع العصابات غير النظامية.[44] بحسب الذاكرة المحلية للسكان، تم دمج بعض الرجال على الأقل في الهياكل التركية الثائرة بعد أفول الإمبراطورية العثمانية؛ ويُذكر سيدي ديكي، أحمدي روتي، وعفدي خجي وحاج حنان إسماعيل زاده في انضمامهم إلى إحدى اللقاءات التأسيسية لـ Kuva-yi Milliye بقيادة كاظم قره بكر باشا، بالقرب من مرعش.[45]

    ويبدو أن القناعات الدينية قد لعبت دوراً غامضاً أيضاً. إذ يُقال أن أحمدي روتي قد أقسم يميناً معظّماً مع مصطفى كمال، الذي كان على معرفةٍ شخصية به، أن يبقيا حليفين حازمين ضد الأجانب الغزاة. وبحسب الروايات التاريخية الشفاهية ختم أحمد قَسَمه بوضع قدمه، وليس يده، على القرآن، جاعلاً الإيحاء أكثر تجديفاً وأقوى تأثيراً. في حين يُذكر ثوار آخرون، كحاج حنان وعفدي خجي، كأشخاص متدينين بعمق.

    إن الدوافع المختلطة، كما يتجلى في الشكل القصصي، متوافقة مع الوضع في أجزاء أخرى من الشمال السوري، مما سمح بتأويلات بحثية مختلفة.  فقد ذهب بعض الباحثين، تماشياً مع تفسير أدهم الجندي في وقتٍ سابق، إلى اعتبار أن الثوار الذين التفّوا حول هنانو كانوا قوميين عرب.[46] آخرون افترضوا بروز شعور وطني “سوري” شعبي ناشئ[47] أو أكدوا على البعد الإقليمي من خلال الزعم أن الثوار قاتلوا “من أجل صياغة نظام سياسي جديد في شمال سوريا”.[48] في حين شددت مداخلات أحدث على الدوافع الغامضة والمختلطة للرجال الذين قاتلوا في البداية على الأقل من أجل كيان سياسي عثماني عصري.[49] تشاطر بعض الجهات من المنطقة اليوم وجهة النظر الأخيرة، بينما يقترح آخرون – ربما رداً على المستجدات الحالية في المنطقة – أن الثوار الذين يتناولهم هذا الفصل حرّكتهم الرغبة في تأمين درجة معينة من الحكم الذاتي لمنطقتهم الأم.

العيش مع حدود جديدة:

في أعقاب معاهدة أنقرة في تشرين الأول/أكتوبر 1921، ركزت فرنسا على تعزيز وجودها وسلطتها في الشمال السوري. لجأت قوة الانتداب الجديدة إلى استراتيجية فعّالة ومجربة وذلك باستخدام ديناميات سياسية محلية، فتحالفت مع آغاوات ذوي نفوذ لاستتباب الأمن في المنطقة. فقد أصبح رشيد، شقيق الثائر حاج حنان من عائلة شيخ إسماعيل زاده (Şêx Sim´ela) السالف الذكر، أحد أبرز حلفائهم. لقد بقي كورشيد Koreşît (رشيد الأعور) أحد أبرز الآغوات المؤثرين في منطقة كرداغ حتى وفاته في 1939. نظراً لمواقعهم السياسية المتضاربة، ولكون حاج حنان مطلوبٌ من قبل سلطات الانتداب بسبب تمرده، تقاسم أخوته المقيمين على طرفي الحدود الجديدة ممتلكات العائلة. فقد أقام حاج حنان في قرية قازيقلي Qaziqlî على الجانب التركي، في حين بقي كورشيد في قرية بيكي Gundî Bêkê على الحدود في سوريا. غير أن حاج حنان نفسه واجه الاضطهاد في تركيا، ربما بسبب تعاطفه المزعوم مع انتفاضة 1925 بقيادة الشيخ سعيد. مستفيداً من العفو الذي حصل عليه شقيقه، عقد حاج حنان صلحاً مع الفرنسيين وانسحب إلى سوريا؛ تاركاً ممتلكاته على الجانب التركي. ونأى بنفسه عن الانخراط في السياسات المحلية والإقليمية حتى عام 1946 حين جنّد وموّل وقاد شخصياً قوة طوعية للانضمام إلى الحرب في فلسطين. بحسب أفراد العائلة والمعرفة المحلية، فإن دوافعه في ذلك الوقت، كما في بداية عشرينيات القرن العشرين، كانت دينيةً أكثر من كونها وطنيةً (عربية أو تركية): لقد قاتل حاج حنان للدفاع عن الإسلام، ووقف إلى جانب المسلمين ضد الكفار.

    اشترط كورشيد ثلاثة شروط لإعطاء دعمه للحكم الفرنسي وهي: أولاً، عفو عام عن كل الرجال الذين قاتلوا ضد الفرنسيين ( وهو شرط نصت عليه أيضاً اتفاقية أنقرة، والتي استفاد منها شقيقه ورجاله)، ثانياً، اعتماد اللغة التركية لغة رسمية في المنطقة، لأن السكان المحليين لم يكونوا يتحدثون العربية، وثالثاً، إنشاء قضاء منفصل يتميز بأن موظفيه  من السكان المحليين.[50]

    وبالفعل، تم في تشرين الثاني/نوفمبر 1921 إنشاء قضاء جديد تحت اسم كرداغ وضم تقريبا قراه الـ370؛ حيث اللغتان العربية والتركية لغتان رسميتان وكان المطلوب من موظفيها أن يتقنوا اللغتين.[51] ضم القضاء الجديد أربعة نواحي هي (راجو، وقطمة وبلبل وجومي) حيث الحدود الدقيقة لها ستُحدد لاحقاً. في 1922 تم نقل مقر الحكومة، الذي كان في قطمة أولاً ومن ثم في ميدانكي، إلى معبطلي/ماباتا، وهي إحدى مراكز السلطة لآل شيخ إسماعيل زاده[52]. غطت أراضي القضاء (مثل التقسيم الإداري اللاحق لمنطقة عفرين) حوالي 3،850كم2. كان يحدها شمالاً الحدود السورية-التركية، وغرباً وجنوباً بالحدود الفاصلة بين ولاية حلب وسنجق (لواء) إسكندرون بوضعيته القانونية الخاصة، بينما رُسمت حدوده الإدارية الجنوبية والشرقية عبر الأراضي السورية. التسويغ الرسمي لرسم حدود القضاء الجديد بشكل نهائي اتخذ منطقاً إثنياً، زاعماً أن التركيب السكاني للمنطقة بسكانها الكرد يجعل أمر تشكيل وحدة إدارية مستقلة أمراً ضرورياً: “لابد من الاعتراف أن الاعتبارات السياسية والفنية تحتم توحيد السكان الكرد إثنياً الذين يشغلون الجزء الشمالي من سنجق حلب في منطقة إدارية واحدة.”[53]

    حيث إن الوجود الفرنسي بات أقل هشاشة في المنطقة، فإن البنية التحتية التي تم قطعها أو تخريبها من قبل الثوار قد تم ترميمها وتحسينها. فقد تم صيانة الجسور وترميم وتجهيز الثكنات والمواقع، أما خطوط الاتصالات، ولاسيما الهاتف والبرق، فقد تم إعادة تمديدها أو توسيعها.[54] بحلول كانون الأول/ديسمبر 1922 كان الجنرال جراسي Gracy قادراً على رفع تقرير مع شعور من الارتياح عن زيارته التفقدية للموقع في راجو:

    “إن منطقة كرداغ هادئة تماماً؛ فقد جاء الآغوات النافذون إلى راجو لتحيتي […] أعتقد أنه إذا ما استمرينا في سياستنا الحكيمة التي تبنيناها في هذه المنطقة، فإن كرداغ قد تُعتبر في القريب العاجل محسوبة على الانتداب الفرنسي على نحو واضح.”[55]

خلال العشرينيات نمت بلدة عفرين و أخذت تلعب تدريجياً دور مركز القضاء الاقتصادي والإداري (وهو دور لعبته مؤقتاً بلدة اعزاز المجاورة).[56]

    كانت الحدود التركية مصدر رزق لسكان كرداغ من جهة وعائقاً أمامهم من جهة أخرى. فعملياً كان العبور من الأراضي السورية إلى التركية بالدرجة الأولى تغييراً في مناطق النفوذ وحسب. فقد كان خطٌ من المواقع الحدودية، عوضاً عن تحصينات مادية واسعة الانتشار، هو الخط الفاصل للتضاريس التلية، والجبلية جزئياً. لقد بقيت مسألة الرسم الدقيق للحدود موضع نقاش بين الممثلين الفرنسيين والأتراك لعقود.[57] لقد سمح الطابع “الأخضر” للحدود، التي ظلت قائمة لغاية أواخر الخمسينيات، بإمكانية التنقل عبر الحدود باتجاه الطرفين. “النشاطات الحدودية”، بحسب وفد زار حلب في آذار/مارس 1939 ” تألفت من التهريب والاتجار السري بالأسلحة والذخائر، ووجود المشتبه بهم والدعاية التركية على الحدود، الخ.” عدا التحركات “العادية” عبر الحدود لأسباب مثل الحفاظ على علاقات القرابة من خلال الزواج والأغراض الاقتصادية، فإن “أنشطة الحدود” في المنطقة، وفقاً للمندوب الفرنسي في حلب في آذار/مارس 1939، كانت تتألف من “التهريب والاتجار السري بالأسلحة والذخائر، ووجود المشتبه بهم والدعاية التركية على الحدود، وما إلى ذلك (commerce de contrabande, traffic clandestin d’armes et de munitions, présence à la frontière des suspects, propaganda turque, etc)”.[58] لقد كانت تلك الممارسات “السرية” تحصل كجزء من مواجهات (شبه)عسكرية على الحدود و عبرها في الثلاثينيات أثناء حركة المريدين التي سنناقشها أدناه. لكن يجب النظر إلى التهريب على نطاق أوسع على خلفية السياسات الاقتصادية المتغيرة في المنطقة منذ أواخر العشرينيات المرتبطة بالكساد الكبير، كما يجادل أوزتان.[59] مثّلت الحدود فرصة للفرار من الملاحقة الجنائية والضغوطات الاجتماعية، حيث كان المجرمون المطلوبون من الجانب السوري كثيراً ما يجدون ملاذاً في تركيا، كما حصلت تحركات مشابهة في الاتجاه الآخر؛ وأظهر تيجيل أن المرأة اجتازت الحدود من أجل توسيع نطاق فاعليتها.[60] وحيث إن الذاتيات السياسية والهويات الاجتماعية يتم تسجيلها عبر حدود الدولتين الجديدتين: سوريا والجمهورية التركية، فإن الأشخاص الذين لديهم ممتلكات على أحد طرفي الحدود الجديدة أصبحوا قادرين على اختيار الجنسية السورية أو التركية؛ وهو قرار مرتبط، في الأغلب الأعم، باعتبارات سياسية استراتيجية وتوقعات للمستقبل.

    مع ذلك لا يمكن إغفال التأثيرات السلبية للحدود الجديدة. فقد حُرِمت كلس من  قسمٍ كبيرٍ من أراضيها الزراعية  الخصبة،[61] وتم تشتيت شمل عوائل، وحُرِم السكان من مراعيهم المعتادة وحقولهم وممتلكاتهم التي باتت الآن عرضة لأنظمة ضريبية وقانونية مختلفة. كل ذلك لم يمثّل تحولاً اقتصادياً فحسب، بل أدى بالتدريج إلى إضعاف الروابط الاجتماعية وتحولات ثقافية.[62]

استياء محلي وسياسات عابرة  للحدود: المريدون

حتى أواسط الثلاثينيات [من القرن الماضي] بقي السخط من الحكم الفرنسي والآغوات في كرداغ خافتاً نسبياً. استمرت أعمال قطع الطرق، وهي سمة مستمرة رافقت سنوات الحكم العثماني، خلال فترة الانتداب، ومثالها أعمال المغير والمهرب العابر للحدود علي كَرو في 1934[63] وقاطع الطريق الشهير مصطفى جولاق، من مواليد قرية جنجليا Çençeliya القريبة من راجو، وأحد كبار قطاع الطرق والذي تتحدث عنه أغنية شعبية لا تزال تُغنى.[64] بإلقاء نظرة إلى الماضي، تم تفسير تلك الأحداث على أقل تقدير أنها تمثل مقاومة شعبية ضد قوة الدولة وسيطرتها،[65] إن لم نقل ثورة ضد الانتداب. ولكن، بسبب غياب شهادة معاصرة، مرة أخرى، فإنه من غير الممكن تقدير الدرجة التي كانت التجاذبات السياسية تحرّك قطاع طرق من أمثال جولاق (ولو بصورة جزئية). رغم إن المقاومة العامة لسلطة الدولة وممارساتها المؤسسية قد شابها امتعاض من الحكم الاستعماري، إلا إنه من الواضح أيضاً أن الخطابات السائدة في سوريا البعثية، حيث يتم عالياً تقدير المقاومة للاستعمار، ربما ساهمت في الطريقة التي يُنظر فيها لفهم طبيعة أفعال جرت في الماضي كهذه.

    بيد إنه تم تعبئة معارضة محلية قوية للانتداب في الثلاثينيات، وهي حركة يُشار إليها باسم المريد Mûrûd[66] واستطاعت بسرعة أن تجذب الأتباع الذين بلغ عددهم وفق مصادر استخباراتية فرنسية نحو 8000 بحلول كانون الثاني/ يناير من عام 1939 من أصل رجال كرداغ الذين قُدِّر عددهم بـ 12000 رجل.[67] من بين المريدين كان ثمة رجال قاتلوا من قبل في ثورة 1920ضد الفرنسيين ومن أبرزهم قائد الحركة العسكري رشيد إيبو. مع ذلك، كان ثمة من قاتل في ثورة 1920 ضد الفرنسيين ونأوا بأنفسهم عن الحركة بل وحتى عارضوها، واقفين بقوة مع أعدائهم السابقين ضد حلفائهم السابقين من أمثال حاج حنان وسيدي ديكي. تكمن أسباب هذا التغيير الواضح في الاصطفافات السياسية في خطوط الصدع الداخلي لسياسات ومجتمع كرداغ من جهة، وشبكة العلاقات المعقدة بين نخبها الاجتماعية والوطنيين السوريين من حلب من جهة أخرى، وأخيرا وليس آخراً إلى التطورات السياسية عبر الحدود في تركيا.

    لقد بدأت حركة المريدين كطريقة دينية (صوفية)، لكنها سرعان ما تطورت إلى حركة اجتماعية ذات بنية شبه عسكرية. كانت [الحركة] بقيادة الشيخ إبراهيم خليل سوكوك أوغلو Soğukoğlu المولود في عام 1901 بالقرب من إزميت وجاء إلى المنطقة في 1930، حيث خدم كصف ضابط في الجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى.[68] كان قد تتلمذ على يد شيوخ الطريقة النقشبندية في حمص ودمشق، لكنه طُرد من سوريا بتهم الاحتيال واستقر بالتالي في منطقة إصلاحية. حينما واجه مشاكل مع السلطات جرّاء تحشيد تبعية دينية، عبر الحدود سراً إلى كرداغ السورية، حيث بقي في البداية تحت حماية فايق آغا من عائلة شيخ إسماعيل زاده النافذة.

    دعت الحركة إلى الصرامة الدينية والروحية، مشجعة الناس على “العودة” إلى ممارسة الإسلام الصحيح، كالالتزام الصارم بصيام رمضان، والصلوات الخمس، والزكاة…الخ، ولكنها شجعتهم أيضاً على الامتناع عن التدخين، ورفض الموسيقى النجسة والامتناع عن الممارسات الطائشة الأخرى. مع ذلك، وقف ضد المريدين بعض شيوخ الصوفية الآخرين، الذين، كما لاحظ ليسكو، لم تكن لديهم إلا “فكرة غامضة جداً” عن النقشبندية. من حيث الشكل الخارجي، كان الأتباع يُظهرون تبعيتهم من خلال إطلاق لحى طويلة،[69] كما يتذكر المحليون أيضاً بأن المريد كان يظهر نفسه من خلال بعض الممارسات اليومية المحددة، كوضع السكر في فمه أثناء شرب الشاي (وليس تحريكه في الكأس، كما كانت العادة).[70]

    لم تفصح الحركة عن الصراعات الاجتماعية-الاقتصادية طويلة الأمد فحسب، بل عملت أيضاً من خلال الشخصية الكاريزمية للشيخ إبراهيم خليل الذي وعدَ أتباعه بمكافآت دنيوية لأتباعه، إضافة إلى ممارسات عسكرية وتراتبية هرمية، طبّقها و نفّذها صف ضابط تركي سابق كان قد تولى التدريب العسكري للثوار.[71] حينما عاد الشيخ إبراهيم مؤقتاً إلى تركيا في عام 1933، عمل ثلاثة رجال محليين كممثلين له، وهم: الشيخ حنيف (مسؤولاً عن الشؤون الروحية) ورشيد إيبو من قرية بليلكا Bilêlka وعلي غالب (المعروف بـ”قُرْتْ علي” Qurt ´Elî) من [قرية] سرينجه Se´rîncekê.[72]

    في الوقت الذي كان فيه معظم أتباع الشيخ إبراهيم خليل ينحدرون من سوريا، فإن بعضهم من الخارجين عن القانون أو الفارين من الجيش، كانوا يحملون الجنسية التركية.[73] استقطبت الحركة في المقام الأول الفلاحين الفقراء الذين لا يملكون أراض، مجسدةً، إذا جاز التعبير، المظالم الاجتماعية-الاقتصادية طويلة الأمد: فقد استنكرت التفاوت الاقتصادي الفاضح بين الآغوات والفلاحين الفقراء، ووعدت بتعويض العوائل التي تعرضت بناتها للاغتصاب على يد أفراد من عائلات الآغوات. جغرافياً، كانت الحركة أقوى في القرى الأكثر فقراً الواقعة في أقصى الشمال القريبة من الحدود.[74]

    كان آل شيخ إسماعيل زاده، ولا سيما أكثر ممثليهم قوة ونفوذاً في ذلك الحين، كورشيد Koreşît، الهدف الرئيس لغضب المريدين. رغم إن آغوات آخرين وقفوا ضد الحركة بشكلٍ كبيرٍ، إلا أن بعضهم سعى إلى الاستفادة من الخلاف لتسوية عداوات قديمة.[75] ضمن الساحة الوطنية للدولة السورية الفتية، تحالفت الحركة مع الوطنيين السوريين المنتظمين ضمن الكتلة الوطنية، التي اتحدوا معها في معارضتها للانتداب الفرنسي. في أيلول/سبتمبر 1936، نظم نحو 200-300 مريد احتفالاً مهيباً  ترحيباً بوفد الوطنيين السوريين العائد من المفاوضات في باريس عندما مر قطارهم عبر عفرين،[76] وفي العام نفسه، ترشح حسين عوني (أيضاً من خلفية آغاوية) بدعم من المريدين والكتلة الوطنية ضد كورشيد في الانتخابات البرلمانية، حيث خرج في النهاية – على نحوٍ فاجأ الكثيرين منتصراً.

مرة أخرى، كان موقع كرداغ  الحدودي، وتحديداً دور تركيا، عاملاً أساسياً في تغذية التطورات السياسية المحلية.[77] كان هذا مهماً بشكل خاص نظراً للتطورات المتزامنة في سنجق إسكندرون المجاور، الذي خضع لعدة مراحل من الحكم الذاتي التدريجي حتى أصبح رسمياً جزءاً من تركيا في تموز/يوليو 1939. خشيت فرنسا من استهداف تركيا ضم كرداغ أيضاً، واستعدادها لاستفتاء محتمل في القضاء من خلال تعزيز المشاعر المعادية لفرنسا والمؤيدة لتركيا. يتذكر المحاورون المحليون والتأريخ المحلي الشعبي أن “أتاتورك” قد أرسل عدداً كبيراً من “القبعات التركية” إلى كرداغ، ليتم توزيعها على السكان من قبل سيدي ديكي، الذي قاتل ضد فرنسا في عام 1920. فسر المحاورون هذا على أنه محاولة لجعل السكان يبدون أكثر “أتراكاً” من خلال تبني المظاهر الخارجية للتحديث الكمالي. (ومع ذلك، وبعد بعض التردد الأولي، ورد أن سيدي ديكي استوعب أن تركيا أيضاً لم تكن تهتم بمصالح كرداغ، فقام بإحراق القبعات بكل تباهٍ.)[78]

    كان المسؤولون الفرنسيون على الأرض متأكدين أن تركيا تسعى إلى زعزعة الوضع في سوريا أكثر وذلك من خلال الدعم الفعّال للمريدين. في الوقت الذي كانت فيه تركيا تنظر إلى نشاطات الشيخ إبراهيم خليل بعين الريبة، فإن الأخير، على ما يُقال، كان يعمل بأوامر من الاستخبارات السرية التركية بدءاً من 1935-36 فصاعداً.[79] اشتكت المصادر الفرنسية أن المسؤولين الأتراك لم يتعاموا فقط عن تحركات الثوار عبر الحدود، بل كانوا يتواصلون معهم بشكلٍ فعّال أيضاً، ويسمحون لهم بالتزود بأسلحة وذخائر إضافية وحتى “متطوعين” من تركيا.[80] في آذار/مارس 1939 قام  السفير الفرنسي في أنقرة، ماسيلي Massigli، بتزويد وزير الخارجية التركي سراج أوغلو بوثائق تم ضبطها في شباط/فبراير 1939مع قائد المريدين الشيخ حنيف، تُثبت الاتصالات النشِطة بين قائمقام كلس والمسؤولين المحليين الأتراك من جهة، والثوار من جهة أخرى.[81] في ضوء ذلك، بدا التزامن ما بين إعلان ولاية هاتاي (لواء إسكندرون) التركية والنهاية الفعلية لثورة المريدين في كرداغ صيف 1939، على أنه أكثر من مجرد مصادفة: فالحكومة التركية، وفق وجهة النظر هذه، قد حققت هدفها ولم تعد بحاجة إلى استخدام زعزعة الاستقرار في كرداغ كورقة مساومة للضغط على سوريا الخاضعة للانتداب الفرنسي.[82]

    عندما عاد إبراهيم خليل إلى سوريا في أواخر 1938، قام بجولةٍ على القرى الحدودية برفقة مرافقيه، “محققاً العدالة” من خلال الإعلان عن “إلغاء” ديون الفلاحين وعن شرعية الاستيلاء على ممتلكات الآغوات كـ “تعويضات” عن عمليات السلب السابقة والمظالم الأخرى التي ارتكبها الآغوات.[83] باتت الحركة تعتمد العنف بشكل متزايد حيث تلقى كورشيد وبعض أقاربه، وأيضاً بعض ممن وقفوا إلى جانب الآغوات، رسائل تهديد؛[84] وباتوا هدفاً للحصار الاقتصادي والهجمات المسلحة.[85] خلال عدة سنين قُتِل عدد من الشخصيات البارزة من طرف الآغوات، من بينهم شقيق كورشيد، جعفر، وابن أخيه، شيخو، وحتى كورشيد نفسه، الذي فارق الحياة في النهاية إثر إصابة جرحٍ ناجمٍ عن طلق ناري كان قد أُصِيب به في محاولة اغتيال في تشرين الأول/أكتوبر 1938.[86] ليس فقط أفراد عوائل الآغوات، بل أيضاً بعض الشخصيات الروحية البارزة في كرداغ وقعوا ضحايا هجمات المريدين. فقد قُتِل الشيخ إسماعيل شيخ قمبر، وهو شيخ صوفي معروف من قرية خلالكا Xilalka كان قد اصطف إلى جانب الآغوات، مع شقيق كورشيد، جعفر، أثناء الهجوم على مكان إقامة جعفر في قرية بيكي Gundî Bêkê؛[87] وكذلك جميل آغا شمو، رئيس الطائفة الإيزيدية في كرداغ، الذي تم الهجوم عليه بينما كان برفقة فايق آغا في رحلة بالسيارة.[88]

    تم نشر قوات الجندرمة السورية والفرنسية ضد المريدين.[89] في الوقت الذي مُنعِت فيه الصحف في حلب من “نشر أي تقارير عن العمليات العسكرية أو تحركات القوات في تلك المنطقة” سوى “البيانات الرسمية” المنشورة، فإن المصادرة البريطانية المعاصرة ذكرت أن ” كامل الحامية العسكرية في حلب تقريباً قد […] أُرسلت إلى المنطقة موضع البحث” في حين “تم جلب طائرات فرنسية إضافية من رياق Rayak للمراقبة والقصف بالقنابل”.[90] في أوج المواجهات المسلحة في 1938 و1939، كانت القوات الفرنسية والجندرمة السورية تواجَه من قبل عصابات المريدين الذين تراوح عددهم بين 60 إلى 250 رجلاً، حيث جرت معارك في نبي هوري وبلبل، وفي قرية پَنْيرَكا Penêreka، وجبل پارسي. على الرغم من أن الصحف الفرنسية ذكرت أن “تهدئة الأوضاع في كرداغ قد استُكمِل” في نيسان/أبريل 1939، فإن اشتباكات عنيفة استمرت لغاية شهر حزيران/يونيو.[91] كان القتال شديداً لدرجة أن “قوات جيش المشرق” militaires des Troupes du Levant و”الأفراد المدنيين من التابعية الفرنسية”  personnels civils de nationalité française ، الذين شاركوا في العمليات التي أُطلق عليها “عمليات الشرطة” في تشرين الأول/أكتوبر 1939، تلقوا “ميدالية سوريا-كليكيا التذكارية ذات المشبك البرونزي” médaille commémorative de Syrie-Cilicie avec agrafe en bronze تقديراً لهم.[92] وفي كانون الأول/ديسمبر من تلك السنة، صدر مرسوم رئاسي فرنسي بأثر رجعي مُنح بموجبه أجراً مضاعفاً للقوات المشاركة، معترفاً أن ما أُطلِق عليها “عمليات الشرطة” ترتقي في الواقع إلى مستوى حرب حقيقية.[93]

    وعلى منوال أسلوب العمل الفرنسي في أجزاء أخرى من سوريا، استهدفت الأعمال الانتقامية الفرنسية ليس فقط مجموعات الثوار، بل أيضاً قراهم الأصلية. لقد ” أُسقطت ما لا يقل عن 96 قنبلة خفيفة ضوئية على قرى المريدين وتجمعاتهم” في يوم واحد في آذار/مارس 1939.[94] أدى القصف الجوي الذي استهدف قرية رشيد إيبو، بليلكا Bilêlka، إلى مقتل ابنته زليخة وجرح أخته خديجة.[95] اضطر سكان “قرى بأكملها” مثل شيخورزي Şêxorzê وميدانلي Meydana وبليلكا إلى الفرار عابرين الحدود إلى تركيا، آخذين معهم مواشيهم، وأثاثهم وشراشفهم… مع ذلك، لم يقتصر الأمر على المريدين وأقاربهم فقط، بل فر أيضاً القرويون المعارضون لهم إلى تركيا هرباً من القتال. تصرفت فرنسا بذعر خشية أن يدعم ذلك مطالب  تركيا بالأراضي السورية:

    “إن ذلك [يسمح] للحكومة التركية أن تظهر أن حالة انعدام الأمن في كرداغ كبيرةٌ لدرجة أنها، وبدون اعتبار لأية أطراف سياسية، دفعت بالكرد للبحث عن الدعم والحماية من تركيا، هذا ناهيك عن أن المصالح التركية في كرداغ قد يُضحى بها (حيث لا يتمكن ملاكو الأراضي الأتراك على الحدود من زراعة أراضيهم الواقعة في كرداغ). وربما يُبرِّر ذلك لتركيا أن تطالب بالتدخل في الأراضي السورية تمهيداً لإحكام قبضتها الكاملة هناك في المستقبل، كما في حالة لواء [سنجق] إسكندرون.[96]

نتيجة المعارك الضارية التي شهدها صيف 1939، بلغ ثورة المريدين إلى حد كبير نهايتها، رغم أن هجمات واغتيالات متفرقة بقيت مستمرة في الأربعينيات. عاد الشيخ إبراهيم خليل لفترة قصيرة إلى كرداغ في تموز/يوليو 1940، لكنه فيما عدا ذلك بقي في تركيا. عاد معظم القرويون الذين كانوا قد فرّوا عابرين الحدود إلى سوريا بعد عدة أشهر، بينما استمر آخرون، ولا سيما الثوار النشطون وعائلاتهم، في طلب البحث عن ملجأ في تركيا خوفاً من أعمال انتقامية فرنسية. لكن مع ذلك فإن معظمهم قد عادوا إلى سوريا بحلول 1944. فبعد العيش على الأراضي التركية لمدة خمس سنوات، حيث تم التعامل معهم كمواطنين أتراك، الأمر الذي يعني احتمال سوقهم إلى الخدمة العسكرية – وهو واجبٌ سعوا لتجنبه. تم تسهيل حركة العودة نتيجة التحولات السياسية في الداخل السوري المؤيد للثوار السابقين: فلم تتغير إدارة الانتداب فحسب من فيشي إلى فرنسا الحرة والحلفاء، بل إن الحركة الوطنية السورية باتت أكثر قوة، ولا سيما بعد الانتخابات البرلمانية في 1943 التي خرج منها الوطنيون السوريون منتصرين.[97]

الخاتمة: الاحتفاء والوطنية

تبقى دوافع ثوار كرداغ في الوقوف في وجه فرنسا مفتوحة على كافة الاحتمالات في انتظار مزيد من البحث. في الوقت الذي يمكننا الزعم بكل ثقة أننا نفهم ما قاتلوا ضده، أقصد سيطرة وهيمنة قوة أجنبية، ولا سيما تلك الأوربية غير المسلمة، على أراضيهم، فإنه من الصعوبة بمكان أن نؤكد ما كانوا يقاتلون من أجله. تختلف حركة المريدين في الثلاثينات عن الانتفاضة ضد الفرنسيين في الفترة الممتدة بين 1919-1921 في عدة جوانب. على الرغم من اللجوء إلى استحضار الرموز والمشاعر الإسلامية خلال الفترة الأولى، وحقيقة أن ثواراً مثل حاج حنان كانوا بكل تأكيد متدينين، إلا أن الأدلة المعاصرة ولا الروايات المحلية تُظهر أي دورٍ محوريٍّ للدين في إيديولوجيا وتنظيم قطاع الطرق cheta كما هو الحال في حركة المريدين. نقطة الخلاف الأخرى هي أهمية الفرز الاجتماعي والطبقي. ففي حين كانت تلك مسألة محورية في حركة المريدين، فإنه من الواضح أنها لم تلعب أي دور في الانتفاضات التالية لمرحلة ما بعد الحرب حيث الآغوات وممثلو العائلات النافذة اشتركوا جنباً إلى جنب رجال لا يتمتعون بخلفية نخبوية.

    مع ذلك، ثمة نقاط تشابه، إن لم نقل خيوط استمرارية. إحدى تلك النقاط هي جغرافية الثورة المتمركزة في المناطق الجبلية القريبة من الحدود، مشيرةً إلى أهمية القرب من تركيا والانخراط الفعال للسياسة التركية في المنطقة. وقد تبدت الأهمية المتواصلة لهذه النقطة بشكل واضح أثناء كتابة هذا الفصل. من وجهة النظر الحالية، فإن مسألة المقاومة المسلحة ضد فرنسا في كرداغ خلال العشرينات ولغاية الأربعينيات [من القرن الماضي] تبدو أكثر إثارةً للجدل، مسيّسة أكثر من أي وقت مضى. منذ آذار/مارس 2018 ومنطقة القضاء السابق كرداغ محتلةٌ من قبل ميليشيات معارضة لنظام الأسد، تدّعي أنها تعمل باسم الإسلام، بدعمٍ وإشرافٍ من الحكومة التركية. لقد تم تهجير عددٍ متزايدٍ من سكان المنطقة قسراً لدرجة أنه ليس فقط المستقبل السياسي، بل أيضا المستقبل السكاني [الديموغرافي] للمنطقة، أصبح سؤالاً مفتوحاً.

    على خلفية ذلك، تكتسي الجهود المختلفة لاستعادة ماضي المنطقة أهميةً جديدةً. فالتأويلات المتضاربة للدوافع التي قادت الرجال الذين تناولهم هذا الفصل، تشكل بحد ذاتها قضية خلافية. من الجدير بالذكر أنه ليس فقط أحداث عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي في كرداغ، بل كذلك الاحتفاء بها، قد تأثرت بالحدود الناشئة آنذاك، والتي تم تثبيتها لاحقاً. بقدر ما استُذكرت تلك الأحداث، فقد نُظر إليها من زاوية سياقات قومية وعرقية متعددة – تركية و سورية، عربية وكردية ضمناً – التي ترتبط بها المنطقة الآن، والتي كانت محل نزاع بينها.

    لا يستطيع هذا الفصل أن يقدم مناقشة مستفيضة عن تأريخ الأحداث التي تم تناولها ههنا. حسبنا أن نقول هنا أنه في سياق سوريا المستقلة، تم، وإلى حد كبير، نسيان أعمال الثورة في كرداغ بين 1919و1921،  وحتى ثورة المريدين في الثلاثينات. إن تم في أي حال من الأحوال التطرق لهذه الأحداث علناً، فقد تم سردها كجزءٍ من نضالٍ سوري أعم ضد الهيمنة الاستعمارية – وهي رؤية تظهر في إحياء أدهم الجندي لذكرى محو إيبشاشي المذكور في بداية هذا الفصل، أو كما في اعتراف حافظ الأسد الرسمي برشيد إيبو باعتباره من قدامى المحاربين في نضال سوريا ضد الاستعمار (منح لقب مجاهد)، إضافةً إلى منحه وظيفة في رابطة المجاهدين وراتباً تقاعدياً هزيلاً حتى وفاة إيبو عن عمر ناهز 102 عاماً، وذلك في سنة 2004.[98] خلال حقبة حزب البعث، كانت النظرة الوطنية السورية هي السائدة (و، في الواقع، الوحيدة التي يُسمح بها) لإحياء ذكرى حركات كهذه.[99] وقد تم إبراز وجهة نظر إضافية هي الصراع الطبقي ضد “الإقطاع” في عام 1984 في مقال لمحام محلي وممثل الحزب الشيوعي في البرلمان هو عصمت عمر.

    العلاقة التفاعلية المعقدة لوجهات النظر التركية عن الأحداث التي تمت مناقشتها في هذا الفصل تستحق تحليلاً مستقلاً لا يقوَ النص الحالي على تقديمه.[100] بيد إنه من الأهمية بمكان أن نلاحظ هنا أنه، إضافة إلى وجهات نظرٍ أخرى، ثمة اتجاهٌ لوضع أحداث العشرينات والثلاثينات [من القرن الماضي] ضمن إطار الوطنية التركية.  فيتم الاحتفاء بأعمال أحمدي روتي، على سبيل المثال، في مدينة كلس على أنها جزء من حرب الاستقلال التركية.[101] حفيد الشيخ إبراهيم، فهمي سوغوك أوغلو، ناقش حركة المريدين في سياق النضال الوطني التركي، مشيراً إلى استمراريةٍ بين تواجد [مصطفى] كمال في كرداغ في أعقاب الحرب العالمية الأولى، والعمل المسلح ضد فرنسا في بداية العشرينات وأحداث أواخر الثلاثينات.[102] في عام 1995 استعرض المؤرخ مصطفى أوزتورك حركة المريدين كحركةٍ “تركمانية” وتجنب أي ذكرٍ للكرد أو اسم “كرداغ” حتى كمصطلح إداري.[103] مؤخراً جداً، وفي أعقاب احتلال عفرين في 2018 بقيادة تركيا، نشرت وسائل الإعلام التركية تقارير تحتفي بإقامة أتاتورك في المنطقة قبل قرن من الزمان،[104] وترافق ذلك مع “اكتشاف مقر قيادة أتاتورك السابق” وسط دعواتٍ لترميمه وتحويله إلى متحف.[105] تبنِّي هذا النهج الخطابي مرتبطٌ بالمحاولات السياسية للزعم بقرب المنطقة التاريخي، إن لم نقل مركزيتها، في التاريخ التركي الوطني (القومي) الحديث، وربما ضمناً، من تركيا ذاتها – وهو زعمٌ قد يجده معظم سكان اليوم (ولا سيما أولئك الذين تم طردهم نتيجة الهجوم العسكري بقيادة تركيا في ربيع 2018) إشكالياً، على أقل تقدير.

    بالنظر إلى الماضي، تم الإدعاء بأن ثوار كرداغ هم جزءٌ من النضالات التحررية لسوريا وتركيا على حد سواء كدول وطنية ناشئة. لقد أسقطت هاتان السرديتان إيلاء أي اهتمام للخصوصيات المحلية للمنطقة، التي ترتبط بالخصوصيات السكانية والطبوغرافية لها. غير إنه من الواضح أن التطبيق الرجعي للمنطق الوطني، وِفْق أوزتان، لا يمكن أن يُنصف الدوافع المختلطة والانتماءات والاصطفافات السياسية في هذه المنطقة الحدودية في أعقاب الحرب العالمية الأولى.[106]

    برزت تأويلاتٌ بديلة تُلقي الضوء على أهمية السياق المحلي وخصوصياته، منذ بداية الألفية الثانية، في التأريخ المحلي، ومؤخراً على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يعكس تجدد الاهتمام بالتاريخ المحلي في سوريا بشكلٍ عام، إضافة إلى تزايد بروز وجهات النظر الكردية في الساحة السورية العامة.[107] تعمد [وجهات النظر هذه] إلى مقاربة كرداغ (السورية) باعتبارها كياناً جغرافياً وثقافياً واجتماعياً متمايزاً إلى حدٍ ما. انطلاقاً من وجهة نظر كهذه، يبدو أن رجالاً من أمثال أحمدي روتي، وحاج حنان أو رشيد إيبو قد قاتلوا بشكل رئيسي من أجل منع الحكم الأجنبي على أراضي وطنهم. مثل النظرتين السابقتين، قد يبدو الرأي القائل أن الثوار قاتلوا من أجل شكلٍ من أشكال الحكم الذاتي المحلي (إن لم نقل الكردي) يدمج أيضاً التأويل الاسترجاعي مع تجارب وأجندات سياسية حديثة. غير إنها، ومن منظورٍ مهمٍ، تلفت الانتباه إلى جانب يستحق دراسة أوفى: وهو مسألةُ المكانة التي يمكن أن يحظى بها سكان الجيب الكردي بين دولتين وطنيتين ناشئتين، تشوبهما القومية التركية والعربية على التوالي، في النظام ما بعد العثماني. في الواقع، تَعتبر هذه النظرة (التي تُستمدّ بوضوح من التاريخ السياسي الحديث للمنطقة) أن أعمال المقاتلين الثائرين هي محاولاتٌ فعالة للتدخل في تشكيل المسار السياسي لمنطقتهم. فمن خلال محاولتهم الاستفادة من الموقع المتداخل لهذه المنطقة الحدودية الناشئة، ومن الحدود نفسها، باعتبارها أصولاً تمكّنهم من القيام بأعمال عسكرية وسياسية معينة، فإنهم انخرطوا في نوعٍ خاص بهم من “رسم الحدود من الأسفل” ‘border-making from below’.[108]


[1] كُتِب هذا الفصل في ربيع 2020 وتم تنقيحه في كانون الثاني/يناير 2021 ونظراً لإغلاق المكاتب العامة واستحالة السفر من أجل أغراض بحثية في ظل انتشار وباء كوفيد؛ إضافة إلى الوضع الحالي في عفرين الذي حال دون القيام بزيارة ميدانية، كلها عوامل ساهمت في صياغة الشكل النهائي لهذا الفصل وقيّدت بصراحة حجم البحث الذي يمكن إنجازه. لقد تم القيام بمعظم البحث عن طريق الانترنيت أو وسائل التواصل الاجتماعي. ولولا المساعدة والدعم المقدمان من قبل فخري عبدو، الذي تكرّم بتقديم شبكة علاقاته وملاحظاته القيمة، لكان ذلك مستحيلاً- أنا مدينةً له بالشكر الجزيل. وأنا ممتنةٌ جداً لكل من مصطفى حمو، ومحمد بركات، ووداد شيخ إسماعيل زاده، وسربست شيخ إسماعيل زاده على مشاطرتهم لي بذكرياتهم وأفكارهم. فضلاً عن ذلك، أنا ممتنةٌ لفؤاد دوندار الذي ترجم لي التأريخ التركي عن القضايا التي تمت مناقشتها في هذا الفصل وجوردي تيجيل ورمضان حقي أوزتان على التعليقات والاقتراحات التي قدموها على النسخة السابقة لهذا الفصل. كُتِب هذا الفصل بدعم من Leibniz-Zentrum Moderner Orient ووزارة التعليم والبحث في ألمانيا الاتحادية من خلال مشروعها الموسوم: “الأوضاع الطبيعية والأزمة: ذكريات الحياة اليومية في سوريا (رمز التمويل 01UG1840X). تقع المسؤولية الكاملة عن محتوى الفصل على عاتق المؤلفة.

[2] كاتارينا لانجه PD Dr. Katharina Lange هي عالمة أنثروبولوجيا اجتماعية، أجرت أبحاثاً ميدانية في كلٍ من سوريا وإقليم كردستان العراق. تهتم بتاريخ المجتمعات الريفية لمنطقة شمال سوريا و سردياتها الشفهية. تعمل في مركز لايبنتس للشرق الحديث ببرلين (ZMO)، ولها عدة أبحاث منشورة باللغة الإنكليزية.

تثمّن المؤلفة عالياً أية اقتراحاتٍ أو إضافاتٍ تغني موضوع البحث وترفده، أو تصوّب الأخطاء فيه (إن وُجدت). كما أنها ستكون ممتنة جداً لكل من لديه الاستعداد لمشاركتها السرديات و المرويات الشفهية المتعلقة بتاريخ تلك الفترة، و بتاريخ المنطقة عموماً.

للتواصل عبر الإيميل: langekatharina@web.de

[3] أدهم الجندي، تاريخ الثورات السورية في عهد الانتداب الفرنسي، (دمشق، مطبعة الاتحاد، 1960).

[4] حول الخصائص البنيوية والأهمية الاجتماعية لـلعصابة في الثورة ضد فرنسا في سوريا، انظر:

Nadine Méouchy, ‘Le mouvement des ‘isabat en Syrie du Nord à travers le témoignage du chaykh Youssef Saadoun (1919–1921)’ in Nadine Méouchy and Peter Sluglett (eds), The British and French Mandates in Comparative Perspectives (Leiden: Brill, 2004), and Nadine Méouchy, ‘From the Great War to the Syrian Armed Resistance Movement (1919–1921): The Military and the Mujahidin in Action’, in Heike Liebau et al. (eds), The World in World Wars (Leiden: Brill, 2010), esp. pp. 503–7.

[5] انظر:

Nadine Méouchy, ‘Les temps et les territoires de la révolte du Nord (1919–1921)’, in Jean-Claude David and Thierry Boissière (eds), Alep et ses territoires (Beirut: IFPO, 2014), p. 92.

حاشية المترجم: بخصوص مذكرات السعدون، في الواقع نُشر الكتاب حديثاً تحت عنوان “مذكراتي عن الثورة والقتال” تحرير وتحقيق وتقديم د. فاروق اسليم، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2021.

[6] Mihemed Ebdo Elî, Çiyayê Kurmênc (Efrîn) (No place [Berlin]: Sersera, 2018), p. 230;

محمد عبدو علي، جبل الكرد (عفرين)، (عفرين، بدون ناشر، [2003])، ص 583؛ شيخو علي، جبل الكرد إبان الانتداب الفرنسي (بدون ناشر، بدون مكان النشر، 2003)، ص 32.

[7] م. علي، جبل الكرد، ص 584.

[8] الجندي، تاريخ الثورات، ص 12.

[9] م. علي، جبل الكرد، ص 584-86.

[10] تأمل في قاطع الطريق الشهير عتوني Etûnê (عبدالله عتون) من قرية جعنكا Ca’nika القريبة من راجو الذي ترك انطباعاً كروبن هود وشُنِق في عام 1908؛ خير الدين الأسدي موسوعة حلب المقارنة (حلب، معهد التراث العلمي العربي،1981-1988) وانظر أيضاً:

Elî, Çiyayê Kurmênc, p. 230.

عن تصنيف قطع الطرق وأعمال اللصوصية في هذا السياق، راجع:

Jean-David Mizrahi, Genèse de l’État mandataire (Paris: Sorbonne, 2002), pp. 165–66.

كما تم تخليد صورة قاطع الطريق/الثائر على الحدود الشمالية الحالية في ثلاثية يشار كمال الأدبية حول محمد الناحل.

[11] راجع:

Soheila Mameli-Ghaderi, ‘Le tracé de la frontiere entre la Syrie et la Turquie (1921–1929)’, Guerres mondiales et conflits contemporains, Vol. 207 (2002), pp. 125–38.

[12] من أجل التمثيل على الخريطة انظر:

Heinrich Kiepert, Prof. C. Haussknecht’s Routen im Orient 1865–1869 nach dessen Reisen im Orient redigiert. I und II. Nord-Syrien, Mesopotamien und Süd-Armenien (Berlin: Reimer, 1882);

كذلك:

Vahé Tachjian, La France en Cilicie et en Haute-Mésopotamie, (Paris: Karthala, 2004), p. 36.

[13] عن التأريخ الإداري للمنطقة خلال القرن الثامن عشر، انظر:

Stefan Winter, ‘Les Kurdes de Syrie dans les archives ottomanes (XVIIIe siècle)’, Études kurdes, Vol. 10 (2010), esp. pp. 135–36.

[14] في السنوات اللاحقة بات يُشار للـ قضاء بترجمته العربية “جبل الكرد”، وفيما بعد باسم “عفرين” نسبة إلى عاصمته الجديدة التي سُميت باسم النهر الذي يمر فيها.  في التأريخ الكردي الناشئ يُشار إليه باسم Çiyayê Kurmênc چيايي كرمنيج.

[15] Roger Lescot, ‘Le Kurd Dagh et le mouvement mouroud’, Studia Kurdica, Vol. 1, No. 5 (1988), pp. 101–16, 4.

عن وجهات نظر المتصرفين راجع الأمر ذي الرقم 4276 المعدّل لحدود قضاء كرداغ بتاريخ 26 آب/أغسطس 1922،

(Arrêté 4276 Modifi ant les limites du Caza de Kurd Dagh of 26 August 1922)

الموقع من قبل الحاكم العام لولاية حلب، محمد كامل القدسي والمصدّق من قِبل المفوض السامي هنري غورو، و المنشور في:

Bulletin Hebdomadaire des Actes administratifs du Haut-Commissariat, No. 41, 8 October 1922, p. 266; BNF https://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k6486997n

(تم الاطلاع عليه في 31 آذار/مارس 2020).

حاشية المترجم: نُشر بحث ليسكو عن كرداغ وحركة المريدين بترجمة ب. إيفا [حسين عمر] في مجلة الحوار، العددان: 11-12، (ربيع وصيف 1996).

[16] Pierre Rondot, Letter to Le Temps, 77: 27556 (16 February 1937, 2) BNF, (https://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k263122d/f2.image

(تم الاطلاع عليه في 5 نيسان/أبريل 2020).

[17] قارن:

Jordi Tejel, Syria’s Kurds (London: Routledge, 2009).

حاشية المترجم: صدر الكتاب أعلاه  باللغة العربية عن دار الزمان، ط1، دهوك (2021) ترجمة محمد شمدين.

[18] Martin van Bruinessen, Agha, Shaikh and State (London: Zed Books, 1992).

حاشية المترجم: صدر كتاب مارتن فان برونسين: الآغا والشيخ والدولة، عن معهد الدراسات الاستراتيجية بترجمة أمجد حسين، ط1 بغداد-أربيل-بيروت 2007.

[19] عن تحولات مماثلة بين العشائر العربية السورية راجع:

Dawn Chatty, ‘Leaders, Land, and Limousines: Emir Versus Sheikh’, Ethnology, Vol. 16, No. 4 (1977), pp. 385–97;

انظر كذلك:

Katharina Lange, ‘Heroic Faces, Disruptive Deeds: Remembering the Tribal Sheikh on the Syrian Euphrates’, in Dawn Chatty (ed.), Nomadic Societies in the Middle East and North Africa (Leiden: Brill, 2006).

[20] حول المسلمين السنة في أواخر القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، انظر:

Paulo Pinto, ‘Kurdish Sufi Spaces of Rural-Urban Connection in Northern Syria’, Études rurales, Vol. 186 (2010), pp. 149–67.

وحول الجماعات الإيزيدية، انظر:

Sebastian Maisel, ‘Syria’s Yezidis in the Kūrd Dāgh and the Jazīra: Building Identities in a Heterodox Community’, The Muslim World, Vol. 103, No. 1 (2013), pp. 24–40.

[21] في عام 1915 هُجّر عشرات آلاف الأرمن من الأناضول وأقاموا في مخيمات في راجو وقطمة في ظروف قاسية؛ انظر:

Raymond Kevorkian, The Armenian Genocide (London: I. B. Tauris, 2011).

بعد عدة سنوات تسبب الانسحاب الفرنسي من كليكيا بتدفق لاجئين أرمن

(Tachjian, La France en Cilicie, pp. 223, 358),

اختار الكثير منهم عفرين ملاذاً لهم. في الفترة الواقعة بين الأربعينات والستينات [من القرن الماضي] تشتت تلك الجالية في أرمينيا السوفيتية (انظر: جمعة عبد القادر، عفرين أواخر الأربعينات .. أوائل الخمسينات في القرن العشرين، [حلب، دار النون 2008]، ص 73-75) وفي حلب والولايات المتحدة ولبنان.

(Thomas Schmidinger, Kampf um den Berg der Kurden [Vienna: Bahoe books, 2018], pp. 28–29).

[22] راجع:

Falih Rıfkı Atay and Mahmut Soydan (eds), Atatürk’ün Anıları (Ankara: Olgac Matbaası, 1983), p. 82;

كذلك:

Mustafa Şahin and Cemile Şahin, ‘Suriye’nin son Osmanlı Talisi Tahsin (Uzer) Bey’in Suriye Valiliği ve Mustafa Kemal Paşa ile Buradaki Calışmaları’, Sosyal Bilimler Dergisi, Vol. 1, No. 2 (2011), pp. 1–27, 19–20.

يتخذ ماكميكين وجهة نظر متشككة بشأن هذا الادعاء. انظر:

Sean McMeekin, The Ottoman Endgame. War, Revolution and the Making of the Modern Middle East, 1908–1923 (London: Penguin Books, 2015), p. 404.

[23] تُعرف هذه البلدة محلياً باسم Qitmê، وتُكتب Katma في المصادر التركية والفرنسية، و”قطمة” بالعربية. تختلف أسماء الأماكن وتهجئتها في هذه المنطقة الحدودية حسب اللغة والنظام المرجعي السياسي المستخدم. في هذا الفصل اعتمدتُ أسماء الأماكن المحلية الكردية وفق تهجئتها الكردية، مع إضافة صيغ أخرى كما وردت في المصادر الفرنسية والعربية التركية.

[24] من حوار مع فخري عبدو (كوكان، 2010) الذي شاركني بسخاءٍ ملاحظاته وتسجيلاته. تمت مشاركة معظم المرويات عن إقامة اتاتورك في المنطقة على وسائل التواصل الاجتماعي.

[25] كامل الغزي، نهر الذهب في تاريخ حلب، الطبعة الثانية (حلب: دار القلم العربي، 1999 [1929]) ص 502؛ محمد فؤاد عنتابي/نجوى عثمان، حلب في مئة عام، من 1850-1950، 2؛ 1901-1920 (حلب، معهد التراث العلمي العربي، 1993)، ص 168-69.

[26] Pierre Redan, La Cilicie et le problème Ottoman. (Paris: Gauthier-Villars, 1921), p. 77.

[27] انظر  الخارطة في:

Redan, La Cilicie, p. 144bis.

[28] Roger Lescot, ‘Le Kurd Dagh’, p. 103.

[29] على، جبل الكرد، ص 20.

[30] راجع جميل كنه البحري: نبذة عن المظالم الافرنسية بالجزيرة والفرات والمدنية الافرنسية بسجن المنفرد العسكري بقاطمة وخان استانبول (حلب، مطبعة الوطن العربي، بدون تاريخ [1967]).

[31] ‘La vérité sur les derniers incidents militaires’, Correspondance d’Orient 14 / No. 253, 15 January 1921, pp. 26–27; BNF (https://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k5803675n.

(تم الاطلاع عليه في 27 كانون الثاني/يناير 2021).

[32] Rapport Hebdomadaire, Période du 11 au 18 décembre [1919] SHD/GR 4 H 58/1, 10.

[33] Letter Henri Gouraud to Colonel Cousse at Damascus, Beirut 24 January 1920; CADLC 399 PAAP / 180.

[34] Report on events between 1 February and 15 April, Kilis, 18 April 1920, CADLC 399 PAAP / 184.

[35] Rapport hebdomadaire, semaine du 1–7 Septembre 1920. Aley, 14 septembre 1920, CADLC 399 PAAP / 186.

[36] Rapport hebdomadaire, semaine du 1–6 septembre 1920. Aley, 7 septembre 1920, CADLC 399 PAAP / 186.

[37] L’Áéronautique No. 23, April 1921, p. 174. BNF (https://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k6555730w)

(تم الاطلاع عليه في 10 أيار/مايو 2020).

يوثّق مزراحي (Mizrahi, Genèse, pp. 170–71) أعمال قطع الطرق ذات الطابع السياسي في صيفَي 1922 و1923، خاصةً في المناطق المجاورة، ولكنه يشهد على الدور النشط الذي لعبته “عصابات گاور داغ Giaour Dagh”، وتحديداً في مناطقها الشرقية.

[38] Dominique Fradet, Le montagne kurde (Clamecy: Impr. Laballery, 2018).

[39] Michael Provence, The Last Ottoman Generation and the Making of the Modern Middle East (Cambridge: Cambridge University Press, 2017).

[40] Michael Provence, ‘Ottoman Modernity, Colonialism, and Insurgency in the Interwar Arab East’, International Journal of Middle East Studies, Vol. 43 (2011), pp. 205–25, 207.

[41] مقابلة عبر الانترنيت مع حفيده مصطفى حمو، في 17 أيار/مايو 2020. قُتِل شقيق عفدي خجي، الذي كان قد جُنّد من قبل، في بلاد ما بين النهرين تاركاً أم عفدي دون أي معيل أو حتى معرفة بمصير ابنها. كان القلق عليها، كما أكد حفيده، هو الدافع الرئيسي لانشقاقه. وقد توفيت لسوء الحظ، قبل أن يصل عفدي إلى البيت.

[42] Eli, Çiyayê Kurmênc, XX; Pîr Rustum, Al-mudawwana al-‘arabiyya (2015), https://pirkurdi.wordpress.com/2015/11/02/%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87%D8%B9%D8%AA%D9%88%D9%86%D9%88/?fbclid=IwAR2odaa5taOqRm4UkLdJqG-2ntyvzsmg_909Gp5ZxGma-dmFE2P6aP3X1Zo

(تم الاطلاع عليه في 15 أيار/مايو 2020)؛ وبطاقة هوية المحارب القديم عمر عتوني موضحة في:

https://www.tirejafrin.com/index.php?page=det_gallary&gallery_id=25&category_id=0&prod_id=19&lang=ar&fbclid=IwAR1ypSCX00WjfAXxJiq-eMfOe7EP7-8gB5dHmpC4FlpDeulbzbrHeZrUyNs

(تم الاطلاع عليه في 15 أيار/مايو 2020).

[43] مصطفى النجار: “أحد قادة الثورة في حلب يتحدث عن المعارك والبطولات التي سطّرها المقاتلون ضد المستعمر الأجنبي، تشرين 18 نيسان/أبريل، 1986، ص 4.

[44] Rapport hebdomadaire, semaine du 10–24 aout 1920. Aley, 24 August 1920, CADLC 399 PAAP / 186.

لسوء الحظ لم تنتبه المؤلفة إلى مصدرٍ إضافي إلا بعد كتابة هذا الفصل، ولم يكن بالتالي ممكناً إدراجه في هذا التحليل، وهو عبارة عن كراسة مؤلفة من 15 صفحة عن “مطالب سكان كرداغ”، وقد تم طبعها لتقديمها إلى مجلس النواب القومي التركي في أنقرة في 1922. ربما كُتبت الكراسة بقلم حاج حنان أو أحد المقربين منه. وتطالب بمراجعة الحدود المقترحة لضم مزيدٍ من قرى كرداغ إلى الأراضي التركية. الوثيقة متاحة عبر الرابط:

http://isamveri.org/pdfrisaleosm/R165845.pdf

[45] Eli, Çiyayê Kurmênc, p. 233.

[46] للحصول على وجهة نظر نقدية حول هذا الموضوع، انظر:

Keith David Watenpaugh, Being Modern in the Middle East (Princeton and Oxford: Princeton University Press, 2006), p. 174.

[47] على سبيل المثال:

James Gelvin: Divided Loyalties (Berkeley: University of California Press, 1998), pp. 133–34, Philip S. Khoury, Syria and the French Mandate, 1920–1945 (Princeton: Princeton University Press, 1987), pp. 105–8.

[48] Fred Lawson, The Northern Syrian Revolts of 1919-1921 and the Sharifian Regime: Congruence of Conflict of Interests and Ideologies, in Thomas Philipp and Christoph Schumann (eds), From the Syrian Land to the States of Syria and Lebanon (Beirut: Orient Institute, 2004), p.258.

[49] Watenpaugh, Being Modern, also Provence, The Last Ottoman Generation.

[50] البحري، نبذة، ص 4-5.

[51] القرار رقم 1443/647 المؤرخ في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 1921 والقرار رقم 4276 المعدل بشأن حدود قضاء كرداغ (Modifiant les limits du Caza de Kurd Dagh) المؤرخ في 26 آب/أغسطس 1922، الموقعان من قبل الحاكم العام لولاية حلب، محمد كامل القدسي، ومصدّق من المفوض السامي هنري غورو. أُشير إليه ونُشِر على التوالي في:

Bulletin Hebdomadaire des Actes administratifs du Haut-Commissariat No. 41, 8 October 1922, p. 266; BNF; https://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k6486997n

(تم الاطلاع عليه في 31 آذار/مارس 2020). انظر أيضاً البحري، نبذة، ص 5؛ و:

Stephen Longrigg, Syria and Lebanon under the French Mandate, (London: Oxford University Press, 1958), pp. 370–71;

وكذلك: محمد علي، جبل الكرد، ص 123-25.

[52] قرار رقم 4275 بنقل رئيس قضاء كرداغ إلى معبطلي [وردت M’Abadei] (Transferant le Chef du Caza de Kurd Dagh a M’Abadei) بتاريخ 26 آب/أغسطس 1922، ووقعه الحاكم العام لولاية حلب، محمد كامل القدسي، ومصدّقٌ من قِبل المندوب السامي، هنري غورو؛ نشر في:

Bulletin Hebdomadaire des Actes administratifs du Haut-Commissariat No. 41, 8 October 1922, p. 266; BNF; https://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k6486997n

(تم الاطلاع عليه في 31 آذار/مارس 2020). أنظر أيضاً: علي، نفس المصدر: ص 124.

[53] قرار رقم 4276 بإجراء تعديل على حدود قضاء كرداغ بتاريخ 26 آب/أغسطس 1922، موقعٌ من قبل الحاكم العام لولاية حلب، محمد كامل القدسي، ومصدّقٌ من قِبل المندوب السامي، هنري غورو؛ نشر في:

Bulletin Hebdomadaire des Actes administratifs du Haut-Commissariat No. 41, 8 October 1922, p. 266; BNF; https://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k6486997n

(تم الاطلاع عليه في 31 آذار/مارس 2020).

[54] Compte rendu de la visite des ponts de la route de Radjou et du poste de Radjou, 23 September 1923;

وكذلك

Rapport du Général Gracy, Cdt. de la 4° Brigade à la suite de son inspection des postes de El-Hammam, Kirik-Khan, Hadjilar et Radjou.

كلاهما:

SHD-GR 4 H 147.

[55] Rapport du Général Gracy, Cdt. de la 4° Brigade à la suite de son inspection des postes de El-Hammam, Kirik-Khan, Hadjilar et Radjou. SHD-GR 4 H 147.

[56] انظر: حصاف، إسماعيل محمد، تاريخ كردستان سوريا المعاصر، 1916-1946، المجلد الأول (أربيل: جامعة صلاح الدين، 2017)، ص 284-85.

[57] وهكذا، زارت لجنة حدودية، مؤلفة من موظفين أتراك وفرنسيين (وليس سوريين)، كرداغ في كانون الثاني/ يناير ١٩٣٩؛

Correspondence d’Orient 32e annee, no 493, p. 34; BNF; https://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k5804814z/f36.image

(تم الاطلاع عليه في 31 آذار/مارس 2020).

[58] Le Délégué Adjoint du Haut Commissaire pour le Mohafazat d‘Alep [Philippe David] à Monsieur le Général Commandant les troupes des territoires Nord Syrie. Aleppo, 2 March 1939. CADN-BEY/CP/507.

[59] Ramazan Hakkı Öztan, ‘The Great Depression and the Making of Turkish–Syrian Border, 1921–1939’, International Journal of Middle East Studies, Vol. 52, No. 2 (2020), pp. 311–26.

[60] Jordi Tejel, ‘Des femmes contre des moutons: franchissements féminins de la frontière turcosyrienne (1929–1944)’, 20 & 21. Revue d’histoire, Vol. 145 (2020), pp. 35–47.

حاشية المترجم: ربما تقصد أن المرأة الكردية كانت تهرب أحياناً مع حبيبها أو من يود الزواج بها ويرفضه أهل العروس.

[61] قدّر مسؤولون فرنسيون في عام 1924 أن القرى التي في سوريا الآن ساهمت بنحو 75% من محاصيل القضاء (Mizrahi, Genèse, p. 166, fn 9).

[62] Hatice Pinar Şenoğuz, Community, Change, and Border Towns (London: Routledge, 2018), p. 41.

[63] Benjamin Thomas White, The Emergence of Minorities in the Middle East (Edinburgh: Edinburgh University Press, 2011), pp. 104–5.

[64] في 1929 هاجم جولاق ورجاله قرية كفرصفرة الكبيرة والغنية، وقتلوا ونهبوا الجندرمة وجباة الضرائب، بزعم معارضتهم لممارسات جباة الضرائب الفرنسيين. انظر علي، جبل الكرد، ص 595 وما بعدها؛ حول جولاق، انظر أيضاً:

L’Armee d’Afrique 6e annee, numero 56, June 1929, p. 200, BNF; https://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k5474491b/f30.image

(تم الاطلاع عليه في 1 نيسان/أبريل 2020).

[65] White, The Emergence of Minorities, pp. 104–5.

[66] دلالةٌ على أتباع سلطة دينية، غالباً ما يكون شيخاً صوفياً.

[67] تشير المصادر الفرنسية، والذاكرة المحلية أيضاً، أنه في حين انضم الكثير من الناس إلى المريدين انطلاقاً من قناعات شخصية، فإن البعض كان خائفاً أيضاً من أعمال انتقامية في حالة الرفض.

Notice sur la confrerie des Muruds du Kurd Dagh. Le capitaine Girbau (?), Inspecteur des Services Speciaux due Vilayet d’Alep, 2 January 1939. CADN – BEY/CP/507.

[68] بغية الحصول على معلومات تخص السيرة الذاتية، بحثت في:

Fehmi Soğukoğlu, ‘İbrahim Halil Efendi ve Mürit Hareketi’nin Millî Mücadele’ye Katkısı’, Millî Mücadele’de Güney Bölgesi Sempozyumu (Ankara: Atatürk Araştırma Merkezi, 2015) pp. 237–65;

يعكس حفيد الشيخ إبراهيم و ليسكو الفهم الفرنسي المعاصر عن الشيخ. بينما تختلف مصادر أخرى (على سبيل المثال، عصمت عمر، حركة المريدين في جبل الأكراد، 1930-1945)، دراسات اشتراكية، المجلد 5 (1984).

[69] وردت هذه الذكرى في سرديات ذلك الوقت المحلية بشكل متكرر، انظر أيضاً:

Roger Lescot, ‘Le Kurd Dagh’, p. 108.

[70] أنا ممتنة لجوردي تيجيل الذي أشار إلى أن هذه العادة يتردد صداها في الممارسات المتبعة في مناطق أخرى في كردستان ذات الإرث النقشبندي المتجذر، من مثل المناطق المحيطة ببدليس ووان وكذلك على الحدود التركية-الإيرانية.

[71] Notice sur la confrérie des Muruds du Kurd Dagh. Le capitaine Girbau (?), Inspecteur des Services Spéciaux due Vilayet d’Alep, 2 January 1939, CADN, BEY/CP/507, 11.

يُشار إلى هذا الضابط أحياناً باسم حسن صدقي أو “حسن شاويش”، أو بكر فهمي، مما يشير إلى إلى احتمال وجود أكثر من ضابط. تشير المصادر الفرنسية إليه أيضاً باسم “بكر صدقي”، ربما خلطاً بينه وبين “بكر صدقي” الضابط الكردي-العثماني الشهير الذي خدم الملك فيصل في سوريا والعراق.

[72] Notice sur la confrérie des Muruds du Kurd Dagh. Le capitaine Girbau (?), Inspecteur des Services Spéciaux due Vilayet d’Alep, 2 January 1939, CADN, BEY/CP/507, 4.

[73] من بين الذين انضموا للحركة وهم يحملون الجنسية التركية محمد ورشيد، من أبناء عبدالله عتوني، وأشقاء عمر المذكور آنفاً، الذي حارب الفرنسيين في 1920؛

Sujets turcs se trouvant avec les Muruds, Aleppo, 28 January 1939 (Haut Commissariat de la République Française en Syrie et au Liban; Délégation d’Alep; No 391/S.P.); CADN, BEY/CP/507.

[74] Commander of the Sector Kurd Dagh, Mercuit: ‘Extrait d’un rapport de Commandant du secteur du Kurd Dagh sur la situation dans le Kurd Dagh à la date du 24 April 1939’, 2. CADN, BEY/CP/507.

[75] Roger Lescot, ‘Le Kurd Dagh’, p. 110.

[76] راجع: عمر، حركة المريدين، ص 158-71.

[77] تُشير عدة مراسلات من السفير البريطاني في أنقرة، فيسكونت هاليفاكس Viscount Halifax، والقنصل البريطاني في حلب، ديفيس Davis، ودمشق، ماكيريث Mackereth، في آذار/مارس 1939، إلى الاهتمام الذي أولته بريطانيا للوضع على الحدود التركية – السورية في ضوء الطموحات التركية المشبوهة لإعادة النظر في ترتيبات ما بعد الحرب عشية الحرب العالمية الثانية، جميعها محفوظة في:

TNA-FO 371/23276.

[78] Fradet, Le montagne;

انظر أيضاً مقطع فيديو لمؤرخ هاوٍ محلي عن حركات قطاع الطرق (الچته) والمريدين على الرابط:

https://www.facebook.com/tirej.raman/videos/2943383019087946

(تم الاطلاع عليه في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2020).

[79] Roger Lescot, ‘Le Kurd Dagh’, pp. 111–13.

انظر كذلك:

Sever Işık, ‘Ne Yakın ne Uzak bir Trihsel Hadise: İbrahim Halil Soğukoğlu ve Kurtdağı Murid Hareketi’, e-Şarkiyat İlmi Araştırmalar Dergisi/Journal of Oriental Scientific Research, Vol. 10, No. 3/21 (2018): pp. 1078–1109.

وكذلك:

‘Syrie: La pacification du Kurd Dagh est terminee’, Les Annales coloniales: organe de la ‘France coloniale moderne’, 18 April 1939, annee 39, numero 16, section Echos d’Outre-Mer et des terres etrangeres. BNF,

تمت مراجعته في 31 آذار/مارس 2020 على الإنترنت على العنوان:

https://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k6272132j/f4.image

انظر أيضاً:

Fradet, Le montagne.

[80] أفادت الدوريات الفرنسية بالعثور على ذخيرة مصدرها الحكومة التركية بحوزة المتمردين، ومقاتلاً يرتدي زياً تركياً، ومؤشرات أخرى تدعم هذا الاعتقاد. مقتطف من تقرير قائد قطاع كرداغ حول الوضع في كرداغ بتاريخ 24 نيسان/أبريل 1939.

Extrait d’un rapport de Commandant du secteur du Kurd Dagh sur la situation dans le Kurd Dagh a la date du 24 April 1939. Commander of the Sector Kurd Dagh, Mercuit. CADN, BEY/CP/507.

انظر أيضاً برقيتين (E 1753-266 و267) من ديفيس، القنصل البريطاني في حلب، إلى وزارة الخارجية البريطانية، بتاريخ 9 آذار/مارس 1939؛

TNA، FO 371/23276.

[81] قام المندوب الفرنسي في حلب بإرسال ترجمة عن الوثائق إلى المفوض السامي الفرنسي في بيروت في التاسع من آذار/مارس 1939؛

CADN, BEY/CP/507.

[82] Sever Işık, ‘Ne Yakın ne Uzak’.

[83] Roger Lescot, ‘Le Kurd Dagh’, p. 109.

[84] رسالة من كورشيد إلى المندوب الفرنسي في حلب، فيليب ديفيد، في 4 كانون الثاني/ يناير 1939؛

CADN, BEY/CP/507.

[85] على سبيل المثال:

Information N° 97 from Lt.-Col. Bertschy, commander of the gendarmerie in North Syria, Aleppo, 20 January 1939; Le Délégué-Adjoint du Haut-Commissaire pour le Mohafazat d’Alep à Monsieur le Haut-Commissaire de la République Française à Beyrouth, A/s de la situation au Djébel Akrad (Kurd-Dagh). N° 277/S.P., 21 January 1939; all CADN, BEY/CP/507.

[86] رسالة من كورشيد إلى المندوب الفرنسي في حلب، فيليب ديفيد، في 4 كانون الثاني/ يناير 1939؛

CADN, BEY/CP/507.

[87] Le Délégué-Adjoint du Haut-Commissaire pour le Mohafazat d’Alep à Monsieur le Haut-Commissaire de la République Française à Beyrouth, Incident de Bey-Obaci (Kurd-Dagh), N° 277/S.P. Aleppo 23 January 1939;

وكذلك:

CADN, BEY/CP/507.

[88] Notice sur la confrérie des Muruds du Kurd Dagh. Le capitaine Girbau (?), Inspecteur des Services Spéciaux due Vilayet d’Alep, 2 January 1939, p. 9. CADN, BEY/CP/507.

[89] مصطفى الشهابي، محافظ حلب، إلى المندوب الفرنسي في حلب، فيليب دافيد، في 5 كانون الثاني/يناير 1939؛

No 97/26-D. CADN, BEY/CP/507.

[90] تقرير ديفيس، القنصل البريطاني في حلب’ ديفز، إلى وزارة الخارجية، في 17 آذار/مارس 1939،

TNA, FO 371/23276.

[91] ‘Syrie: La pacifi cation du Kurd Dagh est terminee’, Les Annales coloniales: organe de la ‘France coloniale moderne’, Vol. 39, No. 16 (18 April 1939). BNF; https://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k6272132j/f4.image,

(تم الاطلاع عليه في 31 آذار/مارس 2020).

[92] La Charente: organe républicain quotidien, 68 (26 October 1939). BNF; https://galica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k4665211x/f2.image,

(تم الاطلاع عليه في 31 آذار/مارس 2020). وكذلك:

Le Petit Marocain, 23 October 1939, p. 2. BNF; https://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k4691773b

(تم الاطلاع عليه في 5 نيسان/أبريل 2020).

[93] ‘Rapport au Président de la République Française’, 6 December 1939; and ‘Décret accordant le bénéfice de la campagne double aux militaires ayant pris part aux combats due Kurd Dagh (Levant)’ 6 December 1939, both in Journal Officiel de la République Française. Lois et décrets, Vol. 71, No. 105 (9 December 1939), 13816. BNF, https://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k57143393/f8.image

(تم الاطلاع عليه في 31 آذار/مارس 2020).

[94] تقرير ديفيس، القنصل البريطاني في حلب، إلى وزارة الخارجية، في 17 آذار/مارس 1939،

TNA, FO 371/23276.

[95] النجار، أحد قادة.

[96] ‘Extrait d’un rapport de Commandant du secteur du Kurd Dagh sur la situation dans le Kurd Dagh à la date du 24 April 1939.’ CADN, BEY/CP/507.

 انظر أيضاً ناصر، حسن تحسين، حكايات مجاهد من وطني: في حوار ابن المجاهد رشيد ايبو، الجماهير 11655 (1 أيلول/سبتمبر 2004).

[97] عن الوضع في كرداغ بين 1941 و1946، يُنظر:

Katharina Lange, ‘Peripheral Experiences: Everyday life in the Kurd Dagh (Northern Syria) during the Allied occupation in the Second World War’, in Liebau et al., World in World Wars, pp. 401–28.

[98] ناصر، حسن تحسين، حكايات مجاهد من وطني: في حوار ابن المجاهد رشيد ايبو، الجماهير 11655 (1 أيلول/سبتمبر 2004). انظر كذلك: النجار، “أحد قادة”، ص 4.

[99] حتى رشيد حمو كان حذراً في إرفاق روايته في ثورة جبل الأكراد-حركة المريدين (دون مكان النشر ولا ناشر، 2001)، التي تعكس خلاف ذلك وجهة نظر قوميةٍ كرديةٍ، بمقدمةٍ تعكس السرد البعثي.

[100] انظر على سبيل المثال:

Sever Işık, ‘Ne Yakın ne Uzak’, p. 1093.

[101] ‘Kilis’in Batı Cephesi’ndeki Faaliyetler’, http://www.kilis.gov.tr/tarihce,

(تم الاطلاع عليه في 1 أيلول/سبتمبر 2019).

[102] Soğukoğlu, ‘Ibrahim Khalil’, p. 259.

[103] Mustafa Öztürk, 1938 Suriye Olayları ve İbrahim Halil Efendi’nin Faaliyetleri (Ankar: Türk Tarih Kurumu Yayınları, 1995).

[104] على سبيل المثال:

Sinan Meydan, 9 July 2018, ‘AFRİN’DEKİ ATATÜRK! Unutulan Qitmê Zaferi’, https://www.sozcu.com.tr/2018/yazarlar/sinan-meydan/afrindeki-ataturk-unutulan-Qitmê-zaferi-2509788/

(تم الاطلاع عليه في 26 أيلول/سبتمبر 2019).

[105] على سبيل المثال:

‘Military HQ used by Atatürk in WWI discovered in Afrin’; Daily Sabah, 2 July 2018; https://www.dailysabah.com/history/2018/07/02/military-hq-used-by-ataturk-in-wwidiscovered-in-afrin;

(تم الاطلاع عليه في 23 أيلول/سبتمبر 2019). أو:

‘Military base of modern Turkey’s founder found located in Syria’s Afrin’, Yeni Şafak, 2 July 2018,

https://www.yenisafak.com/en/world/military-base-of-modern-turkeys-founder-found-located-in-syrias-afrin-3425321,

(تم الاطلاع عليه في 23 أيلول/سبتمبر 2019).

[106] Ramazan Hakkı Öztan, ‘Nationalism in Function: “Rebellions” in the Ottoman Empire and Narratives in its Absence’, in M. Hakan Yavuz and Feroz Ahmad (eds), War and Collapse. World War One and the Ottoman State (Salt Lake City: University of Utah Press, 2016), pp. 161–63.

[107] على سبيل المثال: حمو، ثورة جبل الأكراد؛ م. علي، جبل الكرد؛الذي تم الاستشهاد به في مراجعات أحدث مثل حصاف، تاريخ وآخرون.

[108] Jordi Tejel, ‘Making Borders from Below: The Emergence of the Turkish–Iraqi Frontier, 1918–1925’, Middle Eastern Studies, Vol. 54, No. 5 (2018), pp. 811–26.

شارك هذا المقال: