تركيا تستخدم المساجد والأئمة العاملين في الدولة للتأثير على ملايين الأشخاص  في الخارج

شارك هذا المقال:

رئيس مديرية الشؤون الدينية (ديانت ) التركية ، علي أرباش، ملوحا بسيفه أثناء تأديته للصلاة في آيا صوفيا في 30 أكتوبر 2023، منددًا بإسرائيل ومعربًا عن دعمه لحركة حماس. “

 حكومة أردوغان تضع استراتيجية هدفها وصول إلى ما يقرب من 12 مليون شخص في أوروبا وأمريكا الشمالية

بقلم : عبدالله بوزكورت*

ترجمة : صادق عمر  

رئيس مديرية الشؤون الدينية (ديانت ) التركية  ، علي أرباش، ملوحا بسيفه أثناء تأديته للصلاة في آيا صوفيا في 30 أكتوبر 2023، منددًا بإسرائيل ومعربًا عن دعمه لحركة حماس. “

حددت حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان الإسلامية، من خلال أذرعها الدينية، هدفًا للوصول إلى ما يقرب من 12 مليون شخص في الخارج كجزء من عمليات التأثير، وذلك باستخدام المساجد الخاضعة لسيطرة تركيا في أوروبا وأمريكا الشمالية لتوسيع نطاق نفوذها الأيديولوجي والسياسي.

 الهدف حددته الخطة الإستراتيجية لمديرية الشؤون الدينية (ديانت) للأعوام 2024 إلى 2028، والتي تتضمن أهدافا محددة ,وتكتيكات موصى بها إضافة إلى الحلول المقترحة لمعالجة أوجه القصور في عمل هذه المؤسسة في الخارج .

و بحسب نسخة من الخطة حصل عليها  موقع ” Nordic Monitor “، فقد وصلت “ديانت” إلى 1.9 مليون شخص بحلول نهاية الفترة الاستراتيجية السابقة (2020-2024)، وتهدف إلى توسيع هذا الرقم إلى 11.9 مليون بحلول نهاية عام 2028.

و وفقا للنسخة ، فإن المنصة الأساسية لهذه الأنشطة التوعوية  هي المساجد، على الرغم من أن الحكومة التركية تستخدم أيضًا أماكن خاصة تقدم فيها دورات دينية. و يتم تشغيل هذه المنابر من قبل أئمة أتراك توزعوا في الخارج من قبل ( ديانت ) و يكون تمويلهم من أموال دافعي الضرائب.

تخضع العمليات الخارجية لـ ( ديانت ) لإشراف محلي  من قبل الملحق الديني والمستشارين العاملين في السفارات التركية الذين يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية أثناء تأديتهم لأعمالهم  في الخارج. ويقوم هؤلاء المسؤولين برفع تقاريرهم مباشرة إلى المديرية العامة للشؤون الخارجية ( Dış İlişkiler Genel Müdürlüğü )،  التي هي أحد الفروع الثلاثة الرئيسية لديانت، وتعمل تحت الإشراف المباشر لرئيس المؤسسة.

توصي الخطة بزيادة رواتب موظفي مديرية الشؤون الدينية  ( ديانت )الذين يعملون على أساس عقود، مشيرة إلى أن التعويضات الحالية غير كافية للاحتفاظ بالموظفين الذين هم إما مواطنون في البلدان المضيفة أو لديهم إقامة دائمة هناك. وتنص على أن زيادة الرواتب في أكتوبر 2022 لم تكن كافية، مما أدى إلى استقالة أكثر من 100 موظف.

وحثت الخطة على تعديل القانون رقم 633، الذي يحكم مؤسسة ديانت، لتمكين حزم تعويضات أفضل للموظفين المتعاقدين .

هذا العام، وجه مكتب الرئيس أردوغان مديرية الشؤون الدينية للتعاون مع المنظمات غير الحكومية التي أنشأتها تركيا في الخارج كجزء من خطة شاملة لتعزيز قدراتها. والهدف هو استخدام الدوافع الدينية لدفع هذه المنظمات غير الحكومية نحو تعزيز الأهداف السياسية لحكومة أردوغان في البلدان الأجنبية.

كما طلب المكتب الرئاسي من ديانت تعيين المزيد من الموظفين المؤهلين للبعثات الخارجية التركية، وتعزيز قدراتهم الإدارية والفنية وتخصيص موارد مالية إضافية للمنظمات العاملة فيما تسمى “الدبلوماسية الثقافية”.

و في بداية هذا العام، أفادت “ديانت” أن لديها 586 موظفًا يعملون في الخارج، بما في ذلك مستشارو السفارات والملاحق التابعة لها، ومعظم هؤلاء يعملون على أساس العقود. ومع ذلك، يشير التقرير الداخلي لوزارة الخارجية لعام 2024 إلى إجمالي 1497 موظفًا، بما في ذلك الأئمة المكلفون بالعمل في المساجد والمؤسسات الدينية الأخرى في هذا المجال.

و يرجع التناقض في الأعداد إلى  الموظفين المخصصين لعمل مؤقت قصير الأجل، فضلا عن برنامج سري تديره وكالة الاستخبارات التركية (ملي استخبارات تيشكيلاتي، Milli İstihbarat Teşkilatı, MIT)، التي توظف رجال الدين كغطاء لنشر عملائها في البلدان الأجنبية.

وبما أن الأئمة الأتراك يمكنهم العمل بسهولة داخل مجتمعات المهاجرين ولديهم إمكانية الوصول المباشر إلى المنظمات و البلديات المحلية ، فإن هذا الوضع يمثل فرصة رئيسية للاستخبارات التركية ليس فقط لجمع المعلومات ولكن أيضًا لتحديد المجندين المحتملين داخل هذه المجتمعات.

إن المعلومات التي يتم جمعها من قبل هذه الكيانات والأفراد، تمكن المخابرات التركية من تحديد نقاط الضعف داخل المجتمعات المحلية والتي يمكن استغلالها للتأثير على السياسة الوطنية لصالح الحكومة التركية. بالإضافة إلى ذلك، فإنها تنشئ شبكة من الاتصالات التي يمكن تعبئتها عند الضرورة لإطلاق الاحتجاجات والمسيرات في البلدان الأجنبية

إن تفويض المديرية العامة للشؤون الخارجية في ديانت يؤكد صراحة على أهمية تنسيق أنشطتها مع وكالات الحكومية التركية الأخرى، بما في ذلك الاستخبارات، في اختيار وتدريب وإعداد الأفراد المكلفين للخدمة في الخارج.

وفي تفويض شامل وواسع النطاق، ينص التعميم على أن المديرية “مطلوبة لتنفيذ أي مهمة توكل إليها”، والتي قد تشمل التجسس على أراض أجنبية نيابة عن الاستخبارات التركية.

و بناء عليه فإن حكومة أردوغان وعلى مدى العقد الماضي، كثفت بشكل كبير عمليات التجسس في الخارج، حيث قامت وكالات حكومية متعددة بتجنيد العملاء والأصول والمخبرين، من المواطنين مزدوجي الجنسية إلى الرعايا الأجانب، لجمع المعلومات الاستخبارية والبيانات .

أدى رئيس الشؤون الدينية التركية الصلاة أثناء افتتاح المقر الجديد لوكالة الاستخبارات التركية في أنقرة في يناير 2020 . Nordic Monitor

والهدف وراء ذلك، هو توفير النفوذ لحكومة أردوغان في المناقشات مع نظرائها، والتأثير على سياسات الحكومات المضيفة، وإنشاء وكلاء للتعبئة لتحقيق أهداف سياسية وقمع جماعات المعارضة داخل مجتمعات المغتربين الأتراك.

وفي السنوات الأخيرة، خضع الأئمة والمساجد التركية في أوروبا للتحقيق بسبب عمليات تجسس استهدفت منتقدي ومعارضي حكومة أردوغان. وقد نفذت العديد من دول أوروبا الغربية، وخاصة ألمانيا وفرنسا والنمسا، تدابير للحد من التدخل الأجنبي من تركيا عبر ديانت والمساجد التركية.

و لأجل تذليل العقبات و التغلب عليها في البلدان الأجنبية، توصي الخطة الاستراتيجية بأن توقع تركيا بروتوكولات تعاون مع الدول المضيفة لحماية الأئمة بشكل أفضل عند المساءلة و التدقيق. وتشمل الإجراءات المقترحة لمعالجة التحديات التي يواجهها الأئمة الأتراك إطلاق حملات تحت ذريعة حرية أديان في تلك البلدان ، والتعاون مع منظمات حقوق الإنسان الدولية لحشد الحلفاء ومتابعة الجهود الدبلوماسية.

وتحث الخطة أيضًا على تجنيد الأتراك الذين هم بالفعل مواطنون في هذه البلدان، كما وتوصي الخطة بتدريبهم في تركيا قبل تعيينهم كأئمة. ولدعم هذه المبادرة، خصصت مديرية الشؤون الدينية 608 ملايين ليرة تركية للبرنامج. تم تعليم وتدريب أكثر من ألف طالب من أوروبا وأمريكا الشمالية في تركيا، والعديد منهم يشغلون بالفعل مناصب داخل ديانت.

تمتلك مديرية الشؤون الدينية القوة البشرية والموارد المالية اللازمة لتحقيق الأجندة الطموحة لحكومة أردوغان. اعتبارًا من هذا العام، لديها 140.185 موظفًا على كشوف رواتبها ، معظمهم من الرجال، ولا يشمل ذلك أولئك المعينين في مناصب المبتدئين. وتشرف المنظمة على ما يقرب من 90 ألف مسجد، وتبلغ ميزانيتها لعام 2024 91.8 مليار ليرة تركية، مما يعكس زيادة مذهلة بنسبة 151 بالمئة مقارنة بميزانية العام السابق البالغة 36.5 مليار ليرة.

وشهد مقترح الميزانية الجديدة لعام 2025، الذي قدمته حكومة أردوغان في سبتمبر، زيادة أخرى إلى 130.1 مليار ليرة تركية.

==========================

  • الوثائق المشار إليها في هذه المقالة متوفرة في النسخة الأصلية في Nordic Monitor .
  • عبد الله بوزكورت هو صحفي استقصائي ومحلل مقيم في السويد، ويدير شبكة الأبحاث والرصد في بلدان الشمال الأوروبي. وهو أيضًا عضو في المجلس الاستشاري لمجلة التحقيقات ورئيسًا لمركز ستوكهولم للحرية. بوزكورت هو مؤلف كتاب “مقاطعة تركيا: خروج الديمقراطية عن مسارها” (2015). عمل سابقًا كصحفي في نيويورك وواشنطن واسطنبول وأنقرة.
  • المقالة منشورة في موقع ( منتدى شرق الأوسط  Middle East Forum ) بتاريخ 17/10/2024
شارك هذا المقال: