حسين الحج ( ممو سيدا )
في الربع الأخير من عام 2020، اطلعت على مجموعة من المصادر التي تناولت الموسيقى العثمانية خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. وقد خلصت معظم هذه المصادر إلى أن القرن السابع عشر شهد تحولًا كبيرًا في المناخ الثقافي، وخاصة في الفن والعمارة (آيانگيل ، 2002) ، وهو تحول كانت ملامحه قد بدأت في القرن الذي سبقه، مع توسع الجغرافيا العثمانية. كما أكدت هذه الدراسات أن الموسيقى في تلك الفترة بدأت تكتسب هويتها العثمانية المميزة من خلال تطور المصطلحات والقوالب والأساليب، فضلاً عن تقنيات الأداء (فيلدمان، 1996).
للتحقق من الاستنتاج الذي توصل إليه الباحثون بشأن الموسيقى العثمانية، سنقوم بالتركيز على النص الكردي في السياق العثماني، لنستكشف مدى انسجامه مع هذا الاستنتاج. وأقصد هنا بـ “النص” ليس فقط النص اللغوي المكتوب، بل أيضًا “الفعل الثقافي”، الذي يمكن قراءته وتفسيره كما يُقرأ النص، وفقًا للتفسيرية الثقافية التي قدمها كليفورد گيرتز (تايتون ، 2008; ستون، 2008). وبالحديث عن “الفعل الثقافي”، يمكن القول إن النص الكردي شهد ازدهارًا وإثمارًا في تلك الحقبة الزمنية (بيليجي ، 2021; بروينسن ، 2024). ويمكننا ربط هذا الازدهار بثلاثة نصوص محورية في تاريخ الأدب الكردي المكتوب، وهي: إمارة بدليس و”شرفنامة” (1597) لـ شرف خان البدليسي (1543– 1603) ، و”ديوان” الملا الجزبري (1570–1640) ، و”مم وزين” (1692) لـ أحمدى خاني (1650–1707)
إذا أخذنا التحليل الفرويدي للهوية، الذي يرى أن “الذات” تُعرف من خلال علاقتها بـ “الآخر،” يمكننا القول إن “النصوص” الكردية ظهرت كرد فعل على الهوية العثمانية الجديدة، في محاولة لإعادة تعريف الهوية الكردية في سياق التغيرات الكبرى. وفقًا لمفهوم ستوارت هول، الهوية ليست ثابتة، بل تتغير وتُعاد صياغتها تبعًا للسياق والظروف والمستجدات. على هذا الأساس، نرى أن الهوية الكردية تأثرت بتغير السياق العثماني وحاولت إعادة صياغتها.
بالإضافة إلى ذلك، يحدد تيموثي رايس مصدر الهوية في موقعين: “جوهري” و”بِنَائي”. فالموقع البنائي يرى أن الهويات تُبنى من المصادر الثقافية المتاحة، بينما يعبر الجوهري عن سياسات الهوية القومية للطبقات والإثنيات والأعراق والأقليات التابعة أو المحكومة في معارضة الكيان الحاكم المهيمن أو التميّز عنه. ويعتمد “الجوهري” على “الصفات والخصائص الدائمة للمجموعة،” والتي تربط وجودها بزمن بعيد وجذور عميقة. من هذا المنطلق، يمكن القول بأن التزامن بين الهويتين: “النص” الكردي و “السياق” العثماني ينبع من موقعي “البناء” و “الجوهر”. بعبارة أخرى، إن الهوية الكردية، كما تجلت في نصوص شرف خان والجزري وخاني، كانت تعكس مزيجًا من البنية والجوهر. ففي الوقت الذي كانت فيه الإمبراطورية العثمانية تبني ركائز وملامح هويتها الثقافية من “المصادر المتوفرة”، كان شرف خان يسعى لتوثيق تاريخ الكرد باعتبارهم قومية عريقة ، لتأكيد وجودهم “منذ زمن بعيد”. بالمثل، كتب الجزري قصائده الصوفية بالكردية للمساهمة في حفظ اللغة ولو من دون نية صريحة، بينما عمل أحمد خاني عن وعي وقصد على توثيق ملحمة “مم وزين” الشفاهية لتصبح جزءًا من الأدب المكتوب، مكرسًا بذلك فكرته الخاصة حول الهوية القومية الكردية.
لكن يبقى السؤال المركزي: أين الموسيقى في “النصوص” الكردية من هذا “السياق” العثماني العام؟ وبالمقارنة مع الازدهار الموسيقي الذي عاشته الإمبراطورية العثمانية في القرنين السادس عشر والسابع عشر، ما هو موقع الموسيقى الكردية؟ بعبارة أخرى، هل كانت هناك موسيقى كردية فنية منسجمة مع السياق، كما كان الحال مع النصوص الأدبية؟
كانت الإمبراطورية العثمانية “تبني” هويتها الموسيقية من خلال دمج ألحان متنوعة مستقاة من الشعوب المختلفة التي عاشت ضمن حدودها، بما في ذلك الألحان الفارسية، العربية، الأرمنية، البلقانية، والبيزنطية، بالإضافة إلى استعانتها بموسيقى وآلات موسيقية تعود إلى تقاليد الشعوب التركية في آسيا الوسطى، وفقًا لآراء بعض الباحثين. ومن الجدير بالذكر أن الجغرافيا العثمانية امتدت عبر مساحات شاسعة من ثلاث قارات في تلك الحقبة، مما جعل هذا التنوع الثقافي الموسيقي يخلق مناخًا موسيقيًا متنوعًا وغنيًا. في ظل هذا السياق الموسيقي المتعدد الأوجه، يمكن التساؤل عما إذا كانت الموسيقى الكردية قد شقت طريقها لتجد مكانًا لها ضمن هذا الفضاء الموسيقي المشترك.
من المعروف أن المجتمعات الكردية كانت تتمتع بتقاليد موسيقية شفاهية قوية، تعتمد على الأغاني الشعبية والألحان التقليدية. ومع ذلك، لم تكن الموسيقى الكردية تحظى بنفس القدر من التدوين والتوثيق الذي حظيت به الموسيقى العثمانية. بناءً على ذلك، قد يكون من الصعب القول بأن هناك هوية موسيقية كردية “جوهرية” مكتملة تم توثيقها في تلك الحقبة على غرار الأدب الكردي. ومع ذلك، من المحتمل أن الألحان الكردية كانت جزءًا من اللوحة الموسيقية المتشابكة التي شكلت الثقافة العثمانية الموسيقية المتنوعة، وربما كانت تؤدي دورها ضمن الفضاء الأوسع الذي جمع ألحان الشعوب المختلفة تحت مظلة واحدة.
بناءً على كل ما سبق، إذا كانت الإمبراطورية العثمانية قد “بنت” هويتها الموسيقية من خلال دمج الألحان المتنوعة للشعوب التي تعيش ضمن حدودها، فهل كانت هناك موسيقى ذات هوية كردية “جوهرية”؟ وهل عزفت النغمة الكردية أيضاً ضمن الفاصل العثماني الجديد المؤلف من نغمات مختلف الشعوب التي عزفت ضمن حدودها؟
الموسيقى الكردية في البلاط العثماني
في ظل “السياق” العثماني، تم “بناء” هوية موسيقية جديدة تتكون من تداخل ثقافات متعددة، مستندة إلى “مصادر متوفرة” متنوعة. فقد اشتملت هذه الهوية على العناصر الموسيقية التركية التقليدية، التي تنتمي إلى الشعوب والقبائل التركية التي كانت موجودة داخل وخارج حدود السلطنة قبل وأثناء وبعد صعود آل عثمان، بالإضافة إلى الموسيقى الأرمنية، البيزنطية، اليهودية (التي سبقتها في هذه الجغرافيا)، ولاحقاً، البلقانية والشرق أوروبية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن أول من استخدم النوتة كما يعرف به التدوين الموسيقي الأوروبي، من أجل كتابة الموسيقى العثمانية في القرن السابع عشر، ومن داخل الباب العالي، كان البولوني الأصل آلبرت بوبوسكي، المعروف بـ “عليّ أفقي بيك” (1610 – 1675)، تلاه الروماني ديميتري كانتمير (1673 – 1723) ، والذي ألّف كتابًا في النظريات الموسيقية يُدرَّس في الجامعات التركية حتى يومنا هذا.
علاوة على ذلك، كان للموسيقيين العرب والفُرس دور بارز، إذ جلبهم السلطان سليم الأول (1470 – 1520) من سوريا ومصر وتبريز، بينما استقدمهم سليمان القانوني (1494 – 1566) من بغداد في عام 1534 (بهار، 2006، ص 393). كما قدم بعض الموسيقيين من شمال إفريقيا والأندلس مع نهاية حكم الأمويين في الأندلس، حوالي بداية القرن السادس عشر.
في مقاله “ما علاقة مقام الكرد بالكرد؟”، يقارب الباحث ديتر كريستنسن بين كلمتي “العجم” كمقام واسم شعب، و”الكرد” أيضًا كمقام واسم شعب. يبدو أن هذه المقاربة جاءت رداً على بعض الفرضيات التي تدعي عدم وجود علاقة بين كلمة “الكرد” كمقام (بالتركية: كردي مقام) وبين الكرد كشعب.
في ضوء ما ناقشناه سابقًا حول قضية الهوية باعتبارها نتاج العلاقة بين “الذات” و”الآخر”، يشير كريستنسن إلى أن تسمية المقام جاءت من “الآخر”، وليس من الكرد أنفسهم. حيث يرى أن تسمية “مقام كردي” نشأت في البلاط العثماني في وقت مبكر من القرن السابع عشر، ويستشهد بدراسة للباحث وولتر فلدمان تشير إلى وجود موسيقيين كرد من ديار بكر وأورفا وبدليس وماردين في البلاط العثماني.
يرجّح كريستنسن أن النغمة المميزة في موسيقى هؤلاء الموسيقيين الكرد في البلاط العثماني قد تكون هي السبب وراء تسمية “مقام الكرد”. ومع ذلك، فيما يتعلق بمقام الكرد/الكردي، وحسب اطلاعي، يبدو أنه كان متداولاً على الأقل قبل القرن الذي يشير إليه كريستنسن. ففي كتابه “الموسيقى التركية” يوثّق الموسيقي والباحث التركي، رؤوف يكتا بيك، قطعة موسيقية في قالب “الپِشْرَڤ” باسم “پِشْرَڤِ كُردي” من تأليف الأمير كوركوت، ابن السلطان بيازيد الثاني، والذي قتل على يد أخيه الأصغر السلطان سليم الأول في عام 1513. يعلق يكتا على مقام الكرد في الحاشية قائلاً: “هذا المقام لا يختلف عن مقام الحسيني بشيء، ولكن لأن الكرد يستخدمونه كثيراً، فقد تم تقليد شكلهم الفريد [الأسلوب الخاص بالكرد] وأطلقوا عليه اسم الكردي”. [1]
ما نفهمه من كريستنسن وفيلدمان ويكتا هو أن النغم و”النص” الكرديين كانا حاضرين في السراي العثماني إلى جانب الأنغام الأخرى التي أشرنا إليها فيما سبق. وإذا كان لنا أن نضيف دليلاً آخر يدعم هذا الاستنتاج، فإن الرحالة العثماني أوليا چلبي (1611–1682) في كتابه “سياحتنامه” يؤكد حضور الموسيقيين الكرد في إسطنبول. يشير چلبي إلى آلة موسيقية تُدعى “سُونْدَر”، كانت تُعزف من قبل الموسيقيين أو المطربين الكرد في إسطنبول، ويذكر أن هذه الآلة كانت خاصة بالكرد وأصلها يعود إلى “كردستان سوران”.
بناءً على كل ما سبق، قد لا يكون من الدقة بمكان الادعاء بأن الموسيقى والموسيقيين الكرد قد ساهموا بشكل فعّال وملحوظ في تشكيل هوية الموسيقى العثمانية بمستوى مساهمة الفرس والأرمن والروم وغيرهم، حتى وإن كان لهم حضور في الموسيقى الفنية في مركز الحكم. ومع ذلك، يؤكد الباحثون في الموسيقى العثمانية، خاصة في هذه الفترة، على وجود علاقة تأثر وتأثير متبادلة بين الموسيقى الشعبية من الولايات النائية وموسيقى السراي الفنية (آيانگيل، 2002). لذلك، يمكننا افتراض أن الموسيقى الكردية أيضاً قد ساهمت، ولو جزئياً، في هذه العلاقة التفاعلية بين المركز والأطراف. وإلا، لَمَا كان هناك تأليف لقطعة موسيقية داخل القصر على مقام يُنسب إلى الكرد لو لم يكن هناك أساس لوجود هكذا علاقة.
وفي الوقت ذاته، حتى وإن وُجد موسيقيون من أصول كردية في السراي العثماني، فإن الحديث عن “كرديتهم” بمعنى تمثيلهم للموسيقى الكردية قد لا يكون دقيقاً. وهذا لا يأتي من باب التشكيك في انتمائهم القومي أو افتراض اندماجهم الكامل في الهوية العثمانية العامة، بل لأن الحكم على سياق تاريخي معين يجب ألا يتم باستخدام معايير الحاضر، الذي تتباين فيه مفاهيم الهوية والانتماء بشكل كبير. وبتعبير آخر، قد لا تمثل الهوية العرقية الهوية الموسيقية على الدوام، والعكس صحيح. ويمكننا الاستشهاد بالحالة الفنية للمغني الراحل آرام تيگران الأرمني عرقاً الكردي موسيقياً.
أود اختصار هذه المسألة في نقطتين: الأولى، كما ناقشنا سابقاً، فإن الهوية والانتماء ليسا ثابتين، بل تتغير “نصوصهما” وفقاً لـ “السياق”. أما بالنسبة للنقطة الثانية، فهي تكمن في حقيقة وجود رجال علم وأدب وفكر وفن يتجاوزون “نصوصهم” الإثنية والقومية. بعبارة أخرى، إذا قبلنا بقول زيگريد هونكه وتوماس بوا ومهرداد إيزادي وآخرين بأن الموسيقي زرياب (789 – 857) ينحدر من أصول كردية، وربطناه بهذه الدائرة الضيقة، فهذا يعد حكماً على الماضي بمقاييس الحاضر. زرياب يمثل كل الشرق والعالم الإسلامي، وحتى الموسيقى العالمية. إنه “سياق” بذاته لا يمكن لأي “نص” إثني أو قومي أن يستوعب إسهامه. عطفاً على ذلك، فإن ظهور وثائق أكثر تفصيلاً عن الإسهام الكردي في الموسيقى العثمانية في المستقبل قد يشكل لدينا صورة أدق له.
في هذه الدراسة، نركز على التنقيب عن الموسيقى في “النصوص” الكردية المتاحة، وفق ترتيب زمني يبدأ من أقدم حدث (1514) وصولاً إلى تاريخ وفاة خاني (1707) ، والتي تعكس الحياة الثقافية في الإمارات الكردية التي كانت تتمتع باستقلال شبه تام، وعلاقتها بـ “السياق” الموسيقي العثماني العام.
- نص إمارة بدليس
في هذا النص، نعتمد في مصادرنا على كتابين بارزين: “شرفنامة” لشرف خان البدليسي (1597) و”سياحتنامه” لأوليا چلبي (1655)، مع الإشارة في بعض المواضع إلى مصادر أخرى تخدم بحثنا بهدف تحقيق الوضوح والدقة التاريخية.
أ. إدريس البدليسي (1452 – 1520)
تكمن أهمية دراسة إدريس البدليسي في بُعدين أساسيين: البُعد السياسي والدبلوماسي، والبُعد الثقافي. ورغم أن دراستنا لا تتعلق بشكل مباشر بالجوانب السياسية، وأن العلاقات السياسية بين الشعوب، لا سيما في الشرق الأوسط، ليست في حالة استقرار دائم، إلا أنه من الضروري الإشارة إلى الدور الدبلوماسي والسياسي البارز الذي لعبه إدريس البدليسي في تقريب العلاقات بين الإمارات الكردية والدولة العثمانية في مطلع القرن السادس عشر. فعند اقتراب معركة چالديران (1514) بين الصفويين والعثمانيين، قام إدريس البدليسي، بتكليف من السلطان سليم الأول، بتوحيد الإمارات الكردية وضمان انضمام جيوشها إلى الجيش العثماني. وبعد الانتصار، وفى سليم الأول بوعده، حيث لم يطالب الإمارات الكردية بضرائب تتجاوز قدرتها، وسمح لها بالاحتفاظ بجيوشها الخاصة. ومنذ ذلك التاريخ، أصبحت الإمارات الكردية دولاً شبه مستقلة ضمن الإمبراطورية العثمانية. ساعد هذا التحالف العثمانيين في تأمين حدودهم مع الصفويين، وساهم في استقرار الحياة بشكل نسبي في الإمارات الكردية، والذي انعكس بدوره على الحياة الثقافية، التي تشكل محور بحثنا. لذلك، عندما نتحدث عن الكرد ضمن الإمبراطورية العثمانية، يجب أن نبدأ بإدريس البدليسي ودوره. (دوست، 2016؛ چلبي، 2010؛ البدليسي، 2006؛ زكي، 2005).
ملا إدريس،[2] وشيخ إدريسى بدليسي، وكوتلو مدرّس،[3] ومولانا إدريسي بدليسي،[4] وقطب العارفين،[5] كلها ألقاب معروفة لإدريس البدليسي. إلى جانب كونه دبلوماسيًا وكبير مستشاري سليم الأول، كان عالم دين، ولغويًا، وناقدًا، ومؤرخًا، ومترجمًا، وشاعرًا، ومؤلفًا. كما كان من أوائل الذين دعوا إلى أن تكون الإمبراطورية العثمانية خلافة إسلامية. يُعد كتاب “هَشْتْ بَهَشْتْ” لإدريس البدليسي، الذي يتناول أول ثمانية سلاطين من آل عثمان، من أهم الكتب الأولى التي تناولت تاريخ الدولة العثمانية. إلى جانب طلاقته في اللغات، تميز بصوت جميل في تلاوة القرآن الكريم، ويُعتبر أحد أوائل من كتب الشعر باللغة التركية في البلاط العثماني (البدليسي، 2006). لدى البدليسي مؤلفات أخرى، إلا أن الكتاب الذي لفت انتباهي هو “رسالة في إباحة الأغاني” وهو فصل من كتاب للبدليسي بعنوان ” قانون نامه سلطاني أو قانوني شهنشاهي ) .
ب. شرف خان بدليسي (1543 – 1603)
وُلد شرف الدين البدليسي في إيران ضمن الإمبراطورية الصفوية، ونشأ في البلاط الصفوي مع أبناء الشاه طهماسب الأول (1514 – 1576) وأقاربه من النبلاء. وقد أتاح له ذلك فرصة الحصول على تعليم رفيع في الفنون والعلوم. وفي سن الخامسة والثلاثين، عينه السلطان مراد الثالث (1546-1595) حاكمًا على بدليس بلقب خان (1578-1600). وقد بنى تحالفًا قويًا مع السلطان مراد الثالث، حيث حاربا ضد الصفويين جنبًا إلى جنب لمدة عشر سنوات. بالإضافة إلى شخصيته السياسية، كان شرف خان يمثل نموذج المثقف المستنير في زمانه. وبفضل كتابه الشهير “شرفنامه” الذي كتبه بالفارسية عام 1597 وأهداه إلى السلطان محمد الثالث (1566-1603)، يمكننا الاطلاع على تفاصيل بشأن تاريخ ونسب عشائر وحكام الكرد في سائر أنحاء كردستان. ويذكر أوليا چلبي في رحلته إلى بدليس كتاب “شرفنامة” وإنجازات شرف خان العظيمة (چلبي، 2010). إلى جانب كونه زعيمًا سياسيًا ومؤرخًا، كان شرف خان متعدد المعارف، ملمًا بمعظم مجالات الفنون والعلوم. ويمكن اعتباره في بعض الجوانب باحثًا موسوعيًا. وعندما نتناول شخصية عبدال خان، أحد أمراء بدليس لاحقًا، كما وصفه أوليا چلبي خلال الأربعة عشر يومًا التي قضاها معه في بدليس، سنرى التأثير الكبير الذي تركه الجد (شرف خان) على حفيده (عبدال خان).
على الرغم من أننا لا نستطيع التحدث عن جميع المجالات التي برع فيها شرف خان، ونظرًا لأننا نركز في هذا البحث على الجانب الثقافي، وخاصة في مجال الفنون، يمكننا تناول جانب واحد قد يُغني عن مناقشة الجوانب الأخرى. تظهر أبرز مهارات شرف خان في المنمنمات التي يتضمنها كتابه “شرفنامة”. يحتوي الكتاب على 20 لوحة مصغرة في 25 صفحة (يوسف، 1991).[6] وتتنوع المناسبات التي تعكسها هذه الرسومات بين الأحداث السياسية والعسكرية والتاريخية، ووصف قصص الحب، والصيد، والتجمعات الاحتفالية، ومجالس النبلاء، والرقص، والموسيقى. بل إنه رسم حلولاً لمشكلة معمارية في إحدى هذه اللوحات، وفي أخرى وضع طريقة لعلاج الأمراض العصبية. باختصار، يمكننا القول إن هذه الرسومات المصغرة تلخص شخصية شرف خان البدليسي متعددة المعارف. وفيما يلي، سنختار ستة من هذه الرسومات (1، 2، 3، 6، 9، و16) من “شرفنامة”، حيث يمكننا رؤية بروز الموسيقى كجزء مهم في حياته، بالإضافة إلى الآلات الموسيقية المرتبطة بها ومناسبات عزفها.
بالإضافة إلى المنمنمات، يذكر شرف خان الموسيقى في أكثر من موضع وسياق في كتابه. ففي الصفحة (383) مثلاً، عندما أقام جده الأمير شرف وليمة ملكية للشاه إسماعيل. وفي هذه الوليمة، “كان المغنون والمطربون يغنون بألحان مؤثرة ورقيقة. وكان الموسيقيون الماهرون يعزفون أنغام مقام عشّاق من الزير والبم [على ديواني القرار والجواب] باللهجات الموسيقية العذبة على العود والتنبور” (بدليسي، 2006). ومثال آخر هو ذكر الغزل في مناسبات عديدة في جميع أنحاء الكتاب، أحيانًا عند الحديث عن الشعر، وأحيانًا أخرى كشكل موسيقي [الاسترسال الارتجالي للغناء كأـسلوب الدنگبيژ أو الحَيران أو اللَّاوُك أو الموال].
“تلك اللواتي كن يقرأن الغزل[11] باللغة العربية كن كالظباء، ينثرن الحلوى بقراءتهن. وتلك اللواتي كن كتماثيل من الورد، يغنين الغزل التركي، بألحانهن الرقيقة، كن يخطفن قلوب الحاضرين، كأوابد فاتنة الوجوه” (شرف خان، 1971، ص 472). في هذا المثال، وعلى عكس الزمن الحالي حيث يُعتبر الغزل (بمفهوم الموسيقى التركية) شكلاً ارتجاليًا غير إيقاعي في الموسيقى العثمانية الكلاسيكية، نرى أنه كان يرتبط بشكل أكبر بجنس الشعر، أي شعر الغزل. وكان بالإمكان غناؤه بالعربية كما بالتركية. وبالتالي، فإن العروض الموسيقية التي يتحدث عنها شرف خان في مواضع مختلفة من كتابه، خاصةً عندما يجتمع الحكام، تتضمن لغات وثقافات الشعوب المختلفة في المنطقة. فقد يحتوي مجلس واحد على الفارسية والعربية والتركية والكردية، مع تنوع في أساليبها الموسيقية وطرقها وأجناسها.
مثال آخر: “بدأ الفنانون المهرة بأصواتهم الجميلة وكلماتهم الدقيقة، والعازفون بأصوات آلاتهم الموسيقية المميزة، يعزفون المقامات والنغمات الحزينة وفقًا للقواعد والقوانين (يوسون) الكردية، والقواعد العربية، والطريقة الفارسية، والأسلوب العجمي. ارتفعت أصوات الفرح والحماس، وكلمات التقدير والإعجاب من الحاضرين إلى السماء، بل حتى وصلت إلى فلك زحل الدائر.(المصدر نفسه، ص 466).[12] بغض النظر عما يقصده شرف خان بالتقاليد أو الأساليب الكردية، فيما إذا كانت آلية أو صوتية، غنائية أو موسيقية، إلا أنه لدى القراءة في المصدر نفسه، نرى بأن شرف خان يصور نوعاً من المغنين الكرد، يتميزون عن غيرهم من المغنين، بأن لديهم سليقة ونَفَس قويين في سرد أغاني البطولات والملاحم، وهم بلا شك الدنگبيژ، وهم نوع المغنين الذين لا يزالون فيمن نعتبرهم إلى الآن ممثلي الذاكرة والذخيرة الكردية الحية في جانبها التاريخي والفني.
بالنظر إلى أن هذا الكتاب/النص يتناول سياق القرن السادس عشر وما قبله، يمكننا أن نستنتج وجود سياق ثقافي متعدد اللغات. ثقافة هجينة وُلدت من تلاقح ثقافات سابقة متنوعة، على اختلاف ألوانها ولغاتها وأشكالها وأساليبها الموسيقية المتنوعة، مما مهد الطريق لظهور سياق فريد ينبثق من موسيقى مختلف الأقوام في القرون التالية، وهي الثقافة الموسيقية العثمانية. وفي الوقت ذاته، نلاحظ وجود نوعين من الموسيقى والغناء لدى الكرد. النوع الأول يمكن وصفه بالعام، أو ربما الأدق أن نطلق عليه “الموسيقى المشتركة”، وكأنه يمثل “اللغة الموسيقية المشتركة” للشرق الإسلامي. هذا النوع يُؤدَّى في القصور والدواوين والمجالس، ويرتبط بالحياة الحضرية بشكل أكبر. أما النوع الآخر، فهو غناء يتميز به الكرد عن غيرهم من الشعوب، مثل الـ “دنگبيژي”، والذي يمكن ربطه أكثر بالحياة الريفية.
ج. عبدال خان (80-1575 – 1667)
يجب تسميته بـ”عبدال خان الثاني”، نظرًا لوجود حاكم آخر لبدليس يحمل اسم عبدال قبله، وذلك وفقًا لما ورد في “شرفنامة” شرف خان. فيما يتعلق بحياته وفترة حكمه، هناك الكثير من التكهنات. وباستثناء بعض المعلومات القليلة والمحدودة حول عبدال خان (أولوگانا، 2015؛ بيازيت، 2011) ، فإن المصدر الوحيد الذي يتحدث عنه بالتفصيل هو الجزء الرابع، الكتاب الأول، من “سياحتنامه” أوليا چلبي (چلبي، 2010). عندما التقى چلبي بعبدال خان للمرة الأولى في عام 1650، ذكر أن عبدال كان يبلغ من العمر 70 عامًا. لاحقًا، في عام 1656، أخبره عبدال خان بنفسه أنه يبلغ من العمر 80 عامًا. وبناءً على ذلك، يمكننا القول إن تاريخ ميلاده يتراوح بين 1575 و1580 (بيازيت، 2011، ص. 75). وفقًا لأولوگانا، فقد توفي في قصر طوب قابي بإسطنبول عام 1667 بعد سنتين من الأسر نتيجة لبعض أعمال التمرد التي وقعت خلال فترة حكمه لبدليس (1618 – 1664) (أولوگانا، 2015، ص. 59).
يقدم كتاب “سياحتنامه” لأوليا چلبي، الرحالة والمؤرخ العثماني، لمحة قيمة عن الحياة الموسيقية في القرن السادس عشر. من بين الشخصيات التي يذكرها چلبي، نجد عبدال خان الذي يظهر اهتمامًا بالغًا بالموسيقى والشعر. يشير چلبي إلى أن الخان المعظم “يغني تخميسةً من تأليفه باللهجة الكردية الروژكية على إيقاع السماعي وعلى مقام السيگاه” (چلبي، 2010، ص. 141). يشير هذا الوصف إلى إتقان عبدال خان للأنماط الموسيقية المحلية، حيث اختار أداء التخميسة، وهي شكل شعري موسيقي، باللغة الكردية باللهجة الروژكية. كما دل اختياره لإيقاع السماعي ومقام السيگاه على معرفته العميقة بالموسيقى الكلاسيكية الفنية. تدل هذه التفاصيل على أن عبدال خان كان شخصية موسيقية بارزة، وأن الموسيقى الكردية، وبخاصة الحضرية، كانت مزدهرة في تلك الفترة وتواكب الأنماط الموسيقية المجاورة.
قد نسأل أنفسنا، كيف لأوليا چلبي أن يعرف الأصول الإيقاعية والمقامات اللحنية؟ علاوة على ذلك، هل كان عبدال خان نفسه يعرف ما كان يؤديه من شعر أو غناء، وهل كان لديه إلمام بقواعد علم الموسيقى؟ بلا شك، كان لأوليا چلبي خلفية موسيقية. بالإضافة إلى أنه أتى من عائلة ثرية زودته بتعليم جيد في جميع المجالات، فقد تعلم الموسيقى في القصر العثماني. فضلاً عن ذلك، في أجزاء كتابه المتعلقة بإسطنبول، يذكر تعليمه الموسيقي وكفاءته ومهاراته (ألتونداغ، 2005). أما فيما يتعلق بعبدال خان، فإن المعلومات التي قدمها چلبي ستقدم الإجابة. في أحد الأمثلة، يظهر عبدال كأستاذ في غناء جميع أنواع الموسيقى وعازف إيقاعي محترف للغاية. يقول چلبي بأن “لا أحد يمكن أن يكون ماهراً مثله في غناء النقش والصوت والزجل والذكر والتصنيفات والقواويل والمربعات والورسقي والشرقي والقياباشي … صوته عالٍ [فورتيسيمو] وفيه بحة… وعندما كان يسترسل في الغناء الارتجالي لأبيات حافظ [الشيرازي]، كان لا يفقد تحكمه في وزن الدورات الإيقاعية وهو ينقرعلى الدفّ بيده. يضرب على الدف بمهارة فائقة متقيدًا بدقة القوانين الإيقاعية الـ 24، ويغني قصيدة أو زجلاً، فإن المستمع لا محالة سينساق وراءه وينبهر به، لدرجة أنه قد يتناسى كل شيء آخر…لديه أمهر عازفي الزورنا والبورازان والقدوم والزيل في مهترخانته الخاصة (الفرقة العسكرية) التي لا يمكنك رؤيتها في أي مكان آخر، ولا حتى في المهتر السلطاني نفسه. حتى أنه ألف عدداً من مقطوعات الپيشرف الخاصة به. إنه فريد عصره في علم الموسيقى.”(محمد زيلي ابن درويش، 1896، ص 102-103-104).
مثال أخير، يتحدث أوليا چلبي عن عبدال خان كموسيقي موهوب للغاية في العزف على الآلات الموسيقية. ليس فقط عازفًا، بل أكثر من ذلك، لديه 160 آلة موسيقية، وهو من يصنعها بيده. من بين الآلات التي يملكها عبدال، يحصي چلبي، “الناي، والموسيقار، والصنج، والسنتور، والتنبور، والششتار، والچارتاي، والعود، والكمان، والقانون، والچنگ، والنفير، والناغراكي، والبالابان، والميزمر” (چلبي، 2010، ص 148-149).
خلال الأربعة عشر يومًا التي قضاها أوليا چلبي في بدليس ضيفًا عند عبدال خان، كتب الكثير عن حياة الخان وشخصيته ومهاراته. يتم سرد جزء الكتاب الذي يركز على بدليس وشخصية عبدال خان بطريقة مفصلة للغاية، حتى إنه يجعلك تشعر أحياناً بمبالغته في الوصف، وكأنك تقرأ “رواية تاريخية” (بيازيت، 2011، ص. 80). يبدو أن چلبي كان منبهرًا بشدة بعبدال خان، حيث وصفه بـ “هزارفن” (أي الذي يتقن ألف فن/علم، أو بمعنى آخر الرجل الموسوعي). فقد عدّد بشكل مستفيض المجالات العلمية والفنية التي يتميز فيها عبدال خان. فإلى جانب كونه سياسيًا وزعيمًا، هو “أحد الشعراء الفصحاء، مؤلف، ملحن، وله دراية بكل علم… هو خيميائي… وماهر في علم الحديث… جرّاح بارع… طبيب عيون… معماري… مترجم… رسام… لغوي… وأستاذ في الموسيقى”، وغيرها. وقد أحصى عشرات المهن والمهارات والفنون والعلوم التي تشغل شخصية عبدال خان الفكرية (چلبي، 2010، ص. 140-148). ومن الواضح، اعتماداً على حقيقة اقتناء عبدال خان لمكتبة ضخمة مليئة بالكتب التي ألفها بنفسه، أنه يُعتبر وريثًا لثقافة جده شرف خان. بمعنى آخر، يُعد عبدال خان مكملاً لمشروع شرف خان الثقافي (بيازيت، 2011، ص. 77).[13]
على الرغم من المبالغة الواضحة في تعابير أوليا چلبي حول مختلف جوانب شخصية عبدال خان، وخاصة الجانب الموسيقي، إلا أنها تمنحنا فكرة واضحة عن اهتمامات عبدال خان المتنوعة ومهاراته. وعلى عكس إدريس بدليسي وشرف خان بدليسي اللذين يبدو أنهما كانا يعرفان فقط الكردية والتركية والفارسية والعربية، فقد كان عبدال يعرف بالإضافة إلى هذه اللغات الأرمينية واليونانية أيضاً. وقد يكون الثلاثة منهم عرفوا لغات أكثر، لكن ليس لدينا أي مصادر حول ذلك.
إذاً، الخان عبدال كان شخصية موسوعية، و مثقفاً متعدد اللغات والمعارف. إذا أخذنا في الاعتبار نقاطًا أخرى مرتبطة ببدليس وعائلة عبدال خان، نجد أنه من الطبيعي أن تكون الحالة الثقافية في أوجها في الحقبة التي يتحدث عنه أوليا چلبي. أولاً، يجب ألا ننسى أن عبدال هو حفيد شرف خان، مؤلف شرفنامة. وإذا أخذنا في الحسبان تاريخ ميلاد عبدال (1575) ، سنرى أنه عاش 28 عامًا مع جده؛ لفترة طويلة من الزمن. لذلك، لا يمكن استبعاد أن شرف خان نفسه خصص حفيده بعناية بالغة بسبب الاهتمام والأمل الذي أبداه. والنقطة الثانية هي التعددية الإثنية اللافتة على طول جغرافية الإمبراطورية العثمانية، وليس فقط في المناطق الكردية. وقد ذكر ذلك شرف خان وأوليا چلبي. حيث يمكنك رؤية العرب والفرس والكرد والتركمان والأرمن وغيرهم يعيشون جنباً إلى جنب في نفس الحيز الجغرافي. وهذا الأمر بدوره يؤدي إلى جو من التنوع الإيجابي الذي يحفز الحركة الثقافية مثل النهر المتدفق والمتجدد بمياه روافده.
أما النقطة الأخيرة والأهم فيما يتعلق ببدليس وشخص عبدال خان نفسه، فهي تنبع من حقيقة أن بدليس تشغل موقعا استراتيجيا على طريق الحرير. ونتيجة لذلك، يمر عبر بدليس أشخاص من مختلف أنحاء العالم، وخاصة التجار القادمين من الغرب إلى الشرق. وبناء عليه، من الواضح أن هذه الحقيقة الخاصة كان لها آثارها الكبيرة على الحياة الثقافية والاقتصادية لبدليس وحاكمها عبدال خان.
وبصرف النظر عن المعلومات التي قدمها چلبي حول بدليس، تذكر إحدى المصادر القليلة جدًا أن “التاجر الفرنسي تافرنير، الذي مر عبر بدليس بعد بضع سنوات، يتحدث عن أمير بدليس المهيب وعن القوة العسكرية والسياسية التي تتمتع بها بدليس” (أولوگانا، 2015، ص. 58).
وختامًا، فإن التحولات الثقافية والسياسية التي بدأت في القرن السادس عشر مع إدماج النصوص الكردية في السياق العثماني كانت لها نتائج إيجابية. بعبارة أخرى، اتسع النطاق الثقافي للقرن السابع عشر مقارنة بالقرن السادس عشر. وعلى الرغم من أن شرفنامة شرف خان هو الكتاب الوحيد الذي وصل إلينا، على عكس أعمال عبدال، إلا أن عبدال خان كتب 76 كتابًا (بيازيت، 2011، ص. 77).
- نص الملّا الجزيري (1570 – 1640)
هو شاعر صوفي كردي عثماني مشهور، عاش في إمارة جزيرة بوطان/جِزْرَه (جزيرة ابن عمر). يُعرف بشكل خاص من خلال ديوانه الشعري. يحتوي الديوان على شعرالغزل والقصيدة والنعت والرباعيات. وتُصنّف هذه القصائد داخل الكتاب حسب القوافي بالترتيب الأبجدي العربي. يستخدم الجزيري في قصائده ثلاثة أسماء وهي “مُلّا”، “أحمد”، و”نيشاني”. الاسم الأخير يعني هدف السهام أو تأثير الشامات على وجه المحبوب، وله إشارات صوفية (دورو، 2010، ص. 85). على الرغم من أن عليّ حريري (1009-1080) كان من بين أول الشعراء المعروفين الذين كتبوا بالكردية، إلا أن الجزيري يُعد الأب المؤسس للشعر الكلاسيكي الكردي.
لعبت ثلاثة عوامل رئيسية دورًا مهمًا في تشكيل شخصيته الأدبية. أولًا، العامل الديني والصوفي. ثانيًا، مخزونه الثقافي الواسع المتأثر بكتابات كبار الشعراء الكلاسيكيين مثل حافظ الشيرازي، سعدي الشيرازي، مولانا جامي (مُلا جامي) وغيرهم (جزيري، 1987، ص. 12). هذا العامل منحه أفقًا فكريًا للتنقل بين اللغات، وكان سمةً مهمة للغاية في الفترتين اللتين تركز عليهما مقالتنا، القرنين السادس عشر والسابع عشر. أما العامل الثالث، فيمكن تلخيصه في البيت التالي من قصيدته “چه حاجت” (ما الحاجة!): “گر لؤلؤى منثور ژ نظمى تو دخوازي، ور شِعرى مَلى بين، ته بشيرازي چه حاجت!” (جزيري، 2004، ص. 60) (إذا كنت تتوق للؤلؤ المنثور الجميل من الشعر المنظوم، فانظر فقط إلى قصائد المُلا، فما حاجتك إلى شيرازي!) (نبز، 2005، ص. 17). نجد في بعض النسخ “شيراز” كإشارة إلى مدينة في إيران، والترجمة تكون هكذا: “ليس عليك الذهاب إلى شيراز لرؤية الجمال، فقصائد الملا أجمل من شيراز.” لكن أعتقد أنه يعني شعر حافظ الشيرازي (1315-1390). على أي حال، في كلا المعنيين، يرسم الجزيري حدًا بينه وبين التأثير الإيراني السياسي والفارسي الثقافي. بالتالي، هو في جو عثماني يسعى إلى خلق ثقافته الخاصة. وهو ثمرة التحالف بين السلطان سليم الأول وإدريس البدليسي في چالديران عام 1514 (حج، 2018، ص. 37، 57). لذا، على الرغم من التأثير الكبير للشعر الفارسي على الجزيري، إلا أن لغة كتابته هي الكردية، على عكس حالة شرف خان البدليسي الذي كتب بالفارسية فقط. نص الجزيري أقرب إلى نص عبدال خان في السياق العثماني. بالإضافة إلى الكردية، يستخدم الفارسية والعربية وحتى كلمات وعبارات تركية أيضًا (الزڤنگي، 1959، ص. ن).
بالإضافة إلى التناغم الشعري الساحر والموسيقى الشعرية (التناغم الإيقاعي وتناغم الأصوات) في قصائد الجزيري (آداك، 2017، ص. 41) ، يمكننا أيضًا العثور على إشارات للمناسبات الموسيقية والآلات والألحان في بعض القصائد. على سبيل المثال، يقول البيت الأول من القصيدة الأولى: “نوایا مطرب و چنگێ، فغان آڤێتە خرچنگێ” (جزيري، 2004، ص. 25) ، أي: “ارتفع صوت المطرب وألحان غنائه مع صوت الچنگ (آلة كالقيثارة) أكثر فأكثر، حتى وصل إلى برج السرطان” (الزڤنگي، 1959، ص. 2). لاحقًا في نفس القصيدة، يذكر الجزيري أداتين موسيقيتين أخريين، هما الرُود والعود،[14] كآلتين يُعزف عليهما معًا في أغاني الحب (المصدر نفسه، 4). لا نجد حاجة لذكر كل الأبيات التي تحتوي على أسماء الآلات الموسيقية، خاصة الأماكن التي تتكرر فيها الأسماء، ولكن إذا أردنا تقديم أمثلة أخرى لأسماء آلات مختلفة: “ساقي بـ ‘چنگ وناي و دف،…ناي وقانون ورباب،…،چينگ چينگ (كاستنيت الراقصة)،…أرغنون” (جزيري، 2004، ص. 30، 44، 50، 144).
على الرغم من أن قصائد الجزيري لا تذكر الموسيقى بمصطلحاتها الخاصة (المقامات، الأنماط، والنغمات) كما يفعل أحمدى خاني، إلا أن هناك بيتًا في إحدى قصائد الجزيري حيث يشعر القارئ بثقافة موسيقية احترافية نوعًا ما. يقول: “وَره بێ پرده ملا، ڤى غزلى بینه مقام. هر دما بینه سما دف بدف و چنگ بچنگ” (الزڤنكي، 1959، ص. 394). رغم أن الزڤنكي يعطي تفسيرًا غامضًا لهذا البيت يحتمل عدة تأويلات، إلا أنني فضّلت ترجمته كما يلي: “تعال يا ملا، غنِّ هذا الغزل على مقام يتجاوز الدساتين/النغمات/النوتات، واجعل كل الأوقات ترقص على إيقاع الدفوف وكاستنيت الراقصين مع القيثارة.”
مثالنا الأخير يتعلق بـ”الرقص والسماع”، اللذان يذكران بشكل متكرر في قصائده. “وفقًا للجزيري، فإن السماع هو رقص الصوفي ودورانه بفعل النشوة التي تحدث نتيجة انعكاس الإيقاعات والألحان الإلهية في قلبه” (دورو، 2017، ص. 17). من المثير للاهتمام أن علاقة الصوفية بالسماع كانت من أكثر المواضيع المذكورة في الأدبيات العثمانية في القرن السابع عشر (دورو، 2017، ص. 23-24). بناءً على ذلك، يُعد هذا عاملًا إضافياً للمقاربة بين هذا النص مع السياق الثقافي العثماني العام، وهو موضوع دراستنا.
- نص أحمدى خاني (1650– 1707)
يركز النص الثالث والأخير في دراستنا على أحمدى خاني (Ehmedê Xanî) وعملِه الشهير “مَمْ وزِين” (Mem û Zîn). كتب خاني هذا العمل عندما كان في الرابعة والأربعين من عمره (1694). ويستند العمل إلى قصة الحب الشعبية الملحمية “ممى آلان”، التي “خلدها خاني في قصة شعرية غنية، كلاسيكية وشعبية إلى حد كبير”. بالإضافة إلى اللغة الكردية، التي تشكل اللغة الرئيسية التي كتب بها هذا العمل، “يحتوي الكتاب أيضًا على مئات الكلمات التركية (لغة البلاط)، الفارسية (موضة ثقافية) والعربية (كونه عالِمًا إسلاميًا). وأحيانًا توجد جمل كاملة بهذه اللغات” (خاني، 2008، ص. 9).
كما أشرنا في النص السابق، نشعر بتحول جديد في الوسط الثقافي فيما يتعلق بالنصوص الكردية العثمانية. بعد الكتابة حصريًا باللغة الفارسية (مثل “شرفنامه” لشرف خان)، بدأ المثقفون الكرد في السياق العثماني بإعادة إدخال اللغة الكردية إلى قاموسهم الثقافي، مُعبرين عن هوية لغوية متجددة (حج، 2018، ص. 38). ولكن فيما يتعلق بهذا النص خصوصاً، قبل وفاة الملا الجزيري بعام وولادة أحمدى خاني بإحدى عشر عاماً، تحديداً في عام 1639، تم عقد معاهدة سلام بين الصفويين والعثمانيين فيما يعرف باتفاق “قصر شيرين” أو معاهدة “زُهاب”، التي أسست لفترة سلام بين الدولتين بعد أن وضعت الكرد في مواجهة مباشرة بين الطرفين لفترة طويلة من الكر والفر (دوست، 2016 ص 20; بيليجي، 2021 ص 1). يشيد أوليا چلبي نفسه في “السياحتنامه” بالدورَ الذي لعبه الكرد، ويقول بما معناه: “أنهم قوم أشداء، ولولا وجودهم كسد منيع على حدود الإمبراطوريتين، لأثار الصفويون القلاقل والاضطرابات وزعزعوا الاستقرار والرخاء.”
بالعودة إلى موضوع دراستنا المتعلق بالهوية الكردية الموسيقية وعلاقتها بالسياق العثماني، وبالنظر إلى الأحوال السياسية، يمكننا القول إن الفترة التي عاش فيها أحمدى خاني كانت أكثر الفترات استقرارًا. ربما ساعد هذا الاستقرار في خلق مناخ أكثر ملاءمة للتأمل في الهوية “الجوهرية”، من خلال البحث عن الهوية الكردية وسط الهويتين المهيمنتين، العثمانية والصفوية. في الوقت نفسه، قد يكون السلم والاستقرار قد أتاحا فرصة أكبر للتميز وساهما في تسهيل الحوار الثقافي.
يبدو هذا جليًا في تناول أحمدى خاني للموسيقى ومناسبات الحديث عنها. حيث أن ذكره للأمور الموسيقية يعكس دراية وإلمامًا أعمق مقارنة بالنصوص الأخرى التي تناولناها سابقًا. فيما يلي، سنقدم بعض الأمثلة من “مَمْ وزِين” حيث يتم ذكر المصطلحات الموسيقية، الآلات والمقامات والنغمات: (من ترجمة جان دوست، 2016. وكتاب موسيقى القصر الكردية، 2007)
“ناولني أيها الساقي خمرتك الوردية، دون قرع دفوف وأنغام قانون”:
الشاعر يطلب من الساقي أن يقدم له “الخمرة الوردية”، التي تعد رمزًا صوفيًا يشير إلى الشراب الروحي أو الحب الإلهي. ويعبر الشاعر عن رغبته في بلوغ حالة من النشوة الروحية دون اللجوء إلى الأصوات الصاخبة الخارجية كالدف والقانون (النغم والضابط الإيقاعي)، مؤكدًا أن الروحانيات والأنغام الداخلية الصادرة من القلب كافية لتحقيق السمو الروحي دون الحاجة إلى استخدام الآلات الموسيقية التقليدية. بعبارة أخرى، يشير الشاعر إلى أنه نفسه أصبح كآلة موسيقية، حيث تحولت جميع جوارحه إلى أنغام ومقامات وآلات تعزف موسيقى الروح.
“…وأصدح كالناي بالأنغام…لتظهر مني الكرامات، ويشهد (الناس) مقاماتي”:
يستخدم الشاعر هنا الناي كرمز للأنين الصوفي. ففي الثقافة الصوفية، يُرمز الناي إلى الروح التي فارقت جسدها (نبات القصب)، ليصبح صوته تعبيرًا عن شوق الروح للوصول إلى الكمال الإلهي. يشبّه الشاعر نفسه بالناي الذي ينفخ فيه الصوفي، لتخرج منه أنغام روحية تعبر عن “الكرامات”، وهي التجليات الصوفية التي تظهر على المتصوف نتيجة ارتباطه العميق بالموسيقى الروحية. ومن جهة أخرى، بعد أن تحوّل خاني نفسه إلى آلة موسيقية، أي إلى ناي، ربما لا يقصد بعبارة “يشهد الناس مقاماتي” المقامات الروحية، بل يقصد بالنغمات والدساتين التي تحدد المسار اللحني. وهذا التفسير يتعزز في البيت الذي يليه، حيث يوضح الفكرة بشكل أدق.
وتنطلق الأنغام من مقام القلب مترافقة مع (مقام) گَوَشْتْ وشَهْناز.
يشير “مقام القلب” إلى المصدر العاطفي والروحي للألحان، وكأن خاني يصور قلبه كنغمة رئيسية تتفرع وتتشعب منها المقامات والنغمات الأخرى. في الموسيقى العثمانية، تعتبر نغمة الراست، التي يقابلها “صول” في الموسيقى الغربية، المقام الرئيسي، كما هو “دو” في الموسيقى الكلاسيكية الغربية، الذي يُعد نقطة الانطلاق للحركات النغمية والمقامات. هذا يذكرنا بما قاله أوليا چلبي عن عبدال خان، إذ وصفه بأنه “ماهر جداً في الغناء، وكأنه يمثل مقام الراست كالأم، ومقام الدوگاه كالأب في علم الموسيقى.”
أما بالنسبة إلى “گوشت” و”شهناز”، فكلاهما من المقامات الموسيقية الشرقية، ولكن يمكن تفسير “گوشت” على أنها علامة موسيقية، تقابلها في الموسيقى الغربية علامة “فا دييز/صول بيمول” على الأوكتاف/الديوان الأوسط، في حين أن “شهناز” تقابلها “صول دييز/لا بيمول” على الأوكتاف/الديوان العالي. بذلك، يعبر الشاعر عن تداخل هذه المقامات مع القلب، في إشارة إلى تجليات الروح العميقة. وفي الوقت نفسه، يكشف عن معرفته الدقيقة بعلم الموسيقى، حيث يصور المدى الواسع الذي يمكنه، مثل الناي، أن يتناغم به، بدءاً من أعمق الأصوات إلى أرفعها، مما يعكس عمق تجربته الروحية والموسيقية.
سأصدر من أعماق القلب ألحاناً خفية وأغني بمئة طريقة مثل آلة الچنگ.
الآلة المذكورة “چنگ” هي آلة موسيقية قديمة تشبه القيثارة، وتنتج أصواتًا متعددة. يعبر الشاعر هنا عن تنوع النغمات والمقامات التي يمكن أن تصدر من القلب نفسه. القلب يُعتبر مصدر الموسيقى، وقادر على إصدار “مئة طريقة”، مما يدل على غنى وتنوع الأحاسيس الروحية. وبالعودة إلى البيت السابق، على الرغم من أن هذه الآلة تحتوي عادةً على ما بين 14 إلى 35 وترًا، إلا أن خاني أراد أن يبالغ في التعبير عن عمق أنينه وشجونه، مبرزاً النطاق الواسع للنغمات.
سأنوح كالربابة دون قوس، وليعلُ صوت طبلي دون مضراب.
لا ينسى خاني هنا دور الإيقاع في ضبط هذه الآلات والأنغام الموسيقية معًا بانسجام. فهو لا يذكر الموسيقى بطريقة عرضية كما فعل شعراء المتصوفة الذين قبله، مثل الجزيري. عند خاني، يتجاوز الأمر مجرد ذكر الموسيقى والآلات بشكل عابر؛ حتى في لحظات سكرته الروحية، يحرص على تحقيق التآلف بين الآلات والإيقاعات والنغمات. وهذا يدل على درايته وعلمه الموسيقي، مثل العلماء الموسوعيين في زمانه. من جهة أخرى، يُظهر ذلك ازدهار الجو الثقافي الموسيقي الذي كانت تنعم به الإمارات الكردية، بالتوافق مع السياق العثماني العام الذي تحدثنا عنه في بداية المقال.
ولتسمع الزُهرة لحن (العشاق)، وترقص الأفلاك التسعة حين تسمع مقام (أَوْج).
“العشاق” و”أوج” هما مقامان موسيقيان. مقام “العشاق” يعبر عن الشوق والعشق، بينما “أوج” هو مقام عالي يرمز إلى السمو والرفعة. يرمز الشاعر إلى تفاعل الكون والطبيعة مع هذه الألحان والمقامات، حيث تستجيب الأفلاك والمجرات لهذه الأصوات، مما يعكس التناغم بين الروح والموسيقى الكونية.
وعندما نتوقف عند “أوج” نغمةً تقابل “فا دييز/صول بيمول” على الأوكتاف الصوتي العالي وربطناها بالنغمة الأولى التي ذكرها في البداية، وهي “گوشت” (فا دييز/صول بيمول على الأوكتاف الأوسط)، سنجد أنه يخلق ديوانًا/أوكتافًا كاملاً. يبدو وكأنه يريد أن يقول إنه أنهى تلحين أغنية “مم وزين”، وخاصة عندما يتبع ذلك بالبيت التالي: ولتكن أغنية القلب كاملةً، تنشد لعشق (مم وزين).”
لا يمكننا التوقف عند جميع المواضع التي تأتي على ذكر المصطلحات والآلات والمقامات والنغمات الموسيقية، لكننا، بالمجمل، نفهم بأن أحمدى خاني كان نموذجاً للكردي العثماني المثقف الذي يمكن اعتباره مرآة للحياة الموسيقية الكردية الحضرية أيضاً. إن ملحمته الشعرية مليئة بالإشارات إلى المقامات والأدوات الموسيقية. كذلك يُظهر الشاعر فهمًا عميقًا للمقامات الشرقية، وكيف يمكن لهذه المقامات أن تعبر عن المشاعر الروحية المختلفة، من الشوق إلى السمو.
كما يبرز فهمه من خلال توظيفه للآلات الموسيقية مثل الربابة والناي والكمنجة والعود والتنبور والدف والچنگ والسنتور وغيرها في إيصال فكرته بطريقة أدبية فنية. ويظهر إدراكه الفرق بين ديوان الأصوات (الأوكتاف)، في هذا البيت المتقن أدبيًا وفنيًا: وإذا كان القلب المكلوم آلة موسيقية تعزف على الزير والبم (القرار والجواب/من أوتار رفيعة وغليظة)، فعازفا العشق هما زين ومم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن فهمه للمقامات والنغمات مثل الأوج، والعراقي، والراست، والرهاوي، والنوى، والعشاق، والحسيني، ومقامات ونغمات أخرى، إلى جانب تفاصيله الدقيقة لفروق أشكال الألحان، مثل الصوت والدَّنگ في التمييز بين التأليف الغنائي والآلي، يعكس أجواءً غنية بالآلات والمقامات والألحان. وهذا يعبرعن بيئة القصر الكردي المدنية والحضارية التي تتناغم مع السياق العام.
في الوقت نفسه، وبالمعنى المجازي والحرفي، يمكننا القول إن “الحدود” التي وضعها الجزيري بين نفسه وشيراز، من جهة، وتداعيات ترسيم الحدود بين العثمانيين والصفويين في معاهدة “قصر شيرين”، من جهة أخرى، جلبت الاستقرار والرخاء للهوية الجوهرية، وساهمت في بناء ثقافة جديدة تجمع بين الموروث والسياق الكلي البنائي للهوية، وهو السياق العثماني.
الخاتمة والاستنتاج
في حقبة النصوص التي تمت معالجتها، نلاحظ تناغمًا مع الفترة التي يعتبرها الباحثون نقطة تحول في تشكيل الثقافة العثمانية. يؤكد الباحث مارتن بروينسن أيضًا على أن هذه الحقبة تمثل “العصر الذهبي” للثقافة الكردية، حيث شهدت الآداب والفنون ازدهارًا ملحوظًا. تمكنت السلالات الحاكمة في الإمارات الكردية من كبح النزاعات القبلية، مما أدى إلى خلق حالة من الاستقرار. على ضوء ذلك، يمكننا القول بأن هذا الاستقرار أسهم في ازدهار الموسيقى، وعمل على التناغم بين “النص” الكردي و”السياق” العثماني.
يتضح لنا أن هناك تزامنًا بين السعي نحو تأسيس ثقافة كردية مستقلة وجوهرية، وبين تطور الثقافة العثمانية كإطار شامل. مع نهاية القرن السابع عشر، بدأ هذا التوازن يظهر بشكل واضح بين “الجوهري” و”البنائي”، حيث انسجم النص مع السياق وتكاملا ثقافيًا.
ومع مرور الوقت، بدأت الدولة العثمانية في فرض سيطرتها المباشرة على الإمارات الكردية، حيث تم استبدال بعض السلالات الحاكمة بحكام معينين من قبل السلطان (المصدر السابق). ومع تعزيز العثمانية لهويتها التركية، اتجهت الثقافة الكردية إلى هويتها الجوهرية، لكن هذا التحول أدى إلى اضطراب في التناغم بين النص والسياق، مما انعكس سلبًا على الاستقرار في الأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية، بما في ذلك الموسيقى.
لا شك أن الصراعات والولاءات السياسية والدينية والمذهبية، وكذلك السلم والاستقرار، لعبوا دورًا محوريًا في تشكيل وتدوين النصوص، وتلوين المشهد الثقافي بمزيج من العناصر القديمة والجديدة. هذه التحولات انعكست على الازدهار الموسيقي الذي شهدناه بشكل خاص عند شخصيات مثل عبدال خان وأحمدى خاني. إذا ما نظرنا إلى معركة چالديران (1514) كمثال، نلاحظ أنها لم تؤسس فقط حدودًا جغرافية وسياسية فاصلة بين الإمبراطوريتين الصفوية والعثمانية، بل أسهمت أيضًا في تشكيل حاجز ثقافي ولغوي بينهما. هذا الحاجز دفع المثقفين والعلماء داخل الحدود العثمانية إلى إعادة التفكير في علاقتهم مع اللغة الفارسية التي كانت لغة العلم والثقافة في المنطقة لعصور. على الرغم من أن هذا التحول قد حدث تدريجيًا، إلا أن تأثيره كان عميقًا، حيث أدى ذلك إلى توجه المثقفين نحو البحث عن هوية ثقافية مغايرة، مرتبطة باللغة الكردية في الحالة الكردية، وذلك كان واضحًا في أعمال خاني، التي تزامنت مع فترة السلم بين القوتين.
هذا التحول لا يعكس فقط موقفًا ثقافيًا متغيرًا تجاه الفارسية، بل يشير أيضًا إلى رغبة في تأسيس هوية ثقافية مستقلة تتماشى مع التغيرات السياسية الكبرى التي شهدتها الإمبراطورية العثمانية آنذاك. في الوقت نفسه، أثار هذا التحول مسألة الهوية الكردية، التي يمكن تتبعها عبر ثلاث مراحل بارزة تجسدت من خلال نصوصنا الثلاثة.
في المرحلة الأولى، نجد أن شرف خان البدليسي قد دوَّن تاريخ الكرد باللغة الفارسية، مما يعكس استمرار هيمنة الفارسية كلغة أدبية في تلك الحقبة. ومع ذلك، عاد شرف خان إلى التركيز على الهوية “الجوهرية” للكرد، مبرزًا ما يميزهم عن الصفويين والعثمانيين. قد يبدو من المبالغة القول بأن أحد دوافع شرف خان في توثيق الوجود الكردي وأصول عشائره وقبائله كان ردًا غير مباشر على ما فعله إدريس البدليسي حين أرّخ لحياة أوائل سلاطين الدولة العثمانية. كما أن تصويره المنمّق لحياة الإمارات الكردية، خاصة ما يتعلق بالمجالس الموسيقية فيها، لم يكن إلا محاولة لإظهار أن الأمير الكردي، عندما تتوفر له مقومات الحكم والاستقرار، يمتلك القدرة على رعاية ثقافة جمالية، وتنميتها، والاستمتاع بها، على غرار شاه الصفويين وسلطان العثمانيين.
على ذات النهج، يبرز عبدال خان بعازفيه وآلاته الموسيقية وإلمامه العميق بعلم الموسيقى كأحد الرواد المؤسسين للموسيقى الكردية الفنية الحضرية، وفقًا لما أشار إليه أوليا چلبي. إن مثال عبدال خان ما هو إلا تأكيد على أن للكرد تراثًا موسيقيًا ثريًا يمكنه النمو والتنوع ليضاهي الفنون الموسيقية التي تزدهر في قصور السلاطين والملوك، وأن هذا الفن قادر على تحقيق الازدهار متى ما توفرت له بيئة من الاستقرار السياسي والرفاهية الاقتصادية.
بعد تلك الفترة، بدأ الملّا الجزيري بالتأسيس لهوية مدرسة الشعر الكردي الصوفي، على غرار صيحة الشعر الصوفي المكتوب بالفارسية والعربية. وإذا ألقينا نظرة على تجليات الثقافة الموسيقية الكردية في عصره من خلال شعره، لوجدنا أن الموسيقى حاضرة في كل بيت نظمه، سواء من خلال تطرقه المباشر للآلات الموسيقية ومناسباتها أو عبر الإيقاع والموسيقية البديعة التي تتسم بها عباراته، حتى تخاله أحد القصيدةبيژ (مغنيي القصائد الكلاسيكية) في المجالس والقصور. ولأن الشاعر مرآة بيئته، فلا يمكننا تجاهل احتمال أنه عاش في وسط مليء بالموسيقى والغناء.
أما مع أحمدى خاني في المرحلة الأخيرة، فقد أصبحت الهوية الكردية “القومية” تهيمن بوضوح على كل من المضمون والشكل في أعماله، رغم أن لغته الأدبية لم تخلُ من تراكيب فارسية وعربية، والنذر اليسير جداً من التركية. ويجدر التنويه إلى أن التنوع اللغوي في “النصوص” كان سمة شائعة في “السياق” آنذاك، من جهة. ومن جهة أخرى، كانت الكتابة بالكردية الخالصة تعد مغامرة جريئة، وهو ما عبر عنه خاني حين شبّه اللغة الكردية بـ”الثفل المتبقي في قعر الكأس”، معتبرًا الكتابة بها كالاشتغال بمعدنٍ بلا قيمة مقارنة باللغات المهيمنة التي كانت تُعدّ كالذهب والفضة في المشهد الثقافي لذلك العصر. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن اللغة التركية نفسها لم تحظَ في البداية بتفضيل كبير لدى النخبة العثمانية، لكن مع حلول منتصف القرن السادس عشر، بدأت تتسلل إلى البلاط العثماني عبر القصائد والأغاني (آيانگيل ، 2002) ، ما يعكس تغيرًا تدريجيًا في القيم الثقافية، وهو ما يتوافق مع النص الكردي أيضاً. من هذا المنطلق، يمكن القول إن بروز الإمبراطورية العثمانية كقوة اجتماعية وثقافية قد دفع “النص” الكردي إلى إعادة التفكير في مسائل الحدود الجغرافية، والإثنية، والقومية، واللغوية، والثقافية عبر مواجهة الذات والآخر.
أما على الصعيد الموسيقي، فيمكننا القول إن خاني كان تجسيدًا لأعلى مراتب الثقافة الكردية الموسيقية الحضرية، حيث أسهب في الحديث عن الموسيقى والنغمات والمقامات، فضلاً عن أساليب العزف والانسجام بين الآلات. هذا يؤكد وصول “النص” الكردي إلى أوج تطوره مع “السياق” العثماني العام، الذي افتتحنا به هذا المقال.
في الختام، يمكننا التساؤل عن سبب عدم وصول موسيقى القصور الفنية تلك إلينا، حيث قد يتساءل البعض: كيف يمكن أن تكون هذه المعلومات ذات قيمة في غياب نصوص ملموسة مقروءة أو مسموعة عن موسيقى القصور الكردية؟ شخصيًا، أملك العديد من الاحتمالات المستندة إلى المعطيات التاريخية، والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية. ومع ذلك، سأحتفظ بهذا البحث لدراسة مستقبلية، وأشير إلى احتمال أن العديد من الأغاني الكردية التي نسمعها اليوم قد تكون قدودًا من فواصل موسيقية قديمة، كما الحال مع الموشحات الأندلسية والقدود، أو من خلال دراسة الفصل بين موسيقى الريف والمدينة.
ويجب أن نأخذ في الاعتبار أن الوضع السياسي والجغرافي للكرد، الذي يقع على حدود صراع الإمبراطوريات، جعله في حالة من الإقبال والإدبار، مما حال دون تحقيق الاستقرار اللازم لتأسيس موسيقى فنية مستدامة، حيث كانت مراكزها في القصور الفخمة، مع رعاية الأمراء والحكام ، واستقرار سياسي، واجتماعي، واقتصادي.
مراجع الكاتب:
ADAK, A. (2017). DENGÊ AHENGÊ DI HELBESTÊN MELAYÊ CIZÎRÎ DE. Mukaddime, Volume 8 Issue 3 – Special Issue, Melaye Ciziri , 41-76. DOI: 10.19059/mukaddime.364775
AKKURT, İbrahim. (2016). Kutlu Müderris İdris-i Bitlisi ve Tepesi. http://www.istanbultarih.com/makale/kutlu-muderris-idris-i-bitlisi-ve-tepesi.html
Retrieved 30 January 2021
ALTUNDAĞ, A. (2005). Evliya Çelebi Seyahatname’sinde Türk Musikisi ile Alakalı Bilgiler, Marmara Üniversitesi Sosyal Bilimler Enstitüsü, İstanbul.
AYANGIL, R. 2002, “XVII. Yüzyılda Türk Musikisi”, Türkler, c.12, s.433-443, Yeni Türkiye Yayınları, Ankara.
BEHAR, Cem. (2006). The Ottoman Musical Tradition. [in] The Cambridge History of Turkey (Cambridge History of Turkey). Faroqhi, S. (Ed.). Cambridge: Cambridge University Press. doi:10.1017/CHOL9780521620956
BEYAZIT, Yasemin. (2011). “Evliya Çelebi’nin Sunduğu Önemli Bir Portre: Bitlis Hanı Abdal Han”, Pamukkale Universitesi Sosyal Bilimler Enstitusu Dergisi Sayı: 10,
(Denizli, 2011), s.67-82.
BIDLISI, Sharafkhan. (2006). Sharafnama in the History of Kurdish Dynasties. Translated from Persian into Arabic by Mohammad Ali Awni. Second edition. The first edition published in (1958). ZAMAN publications: Damascus/Syria.
Bilici, Mucahit. 2021. “Ehmedê Xanî’s Political Philosophy in Mem û Zîn” in Kurds and
Yezidis in the Middle East: Shifting Identities, Borders and the Experience of Minority
Communities, ed. G. M. Tezcur. (IB Tauris, Kurdish Series)
CIZÎRÎ, Melayê. (2004). Dîwana Melayê Cizîrî. (Ed.) Arif Zêrevan. Nefel: Stockholm
CIZİRİ, Melayê. (1987). Diwan. (Ed.) KAYA, Z & NAROZI, M. Weşanên Roja Nû – 20. Cêrga Klasikên Edebiyata Kurdi— 4. Stockholm/SWEDEN.
ÇELEBİ, Evliya. (2010). Seyahatname 4.Cilt – 1. Kitap. Hazırlayan: Seyit Ali Kahraman & Yücel Dağlı. İstanbul Yapı Kredi Yayınları.
DOĞRUSÖZ, N., GARDNER, O.M, TUNÇER, D. 2020. 17. Yüzyıl Osmanlı/Türk Müziği Ali Ufki Araştırma ve İnceleme Yazıları, İTÜ Vakfı Yayınları, İstanbul
DORU, M. (2017). MELAYÊ CIZÎRÎ’NİN DÎVÂN’INDA SEM‘ (MUSİKÎ VE RAKS) . Mukaddime , Volume 8 Issue 3 – Special Issue, Melaye Ciziri , 17-39 . DOI: 10.19059/mukaddime.363358
DORU, Nesim M. (2010). TANITMA Melayê Cizîrî Divanı ve Şerhi. (Abdulbaki Turan. Nûbihar Yayınları, İstanbul, 2010 / 800 sayfa). Şırnak Üniversitesi İlahiyat Fakültesi Dergisi. Cilt: 1. Sayı.1-2. s.185-191
DOST, Jan. (2016). Mem and Zin. A Love Story from Mystic Literature. Maqam Publications – Egypt. [Arabic]
EL-ZIVINGÎ, EI-Mulla Ahmad bin el-Mulla Muhammad eI-Buhti. (1959).EI-‘Iqd el-Jawhari fi Sharh diwan el-Sheikh el-Jazari (‘The Interpretation of the Poetry Book of Jaziri), VoI.2 Kamishli/Syria.
FARMER, Henry George. (2010) A History of Arabian Music Translated into Arabic by Hussein Nassar – Cairo/Egypt
FELDMAN, W. (1996). Music of the Ottoman Court, Verlag für Wissenschaft und Bildung, Berlin, Germany.
HAJJ, Hussain. (2018). Transformations of Kurdish Music in Syria: The Social and Political Factors. Master Thesis. Istanbul Technical University – Institute of Social Sciences. Istanbul/Turkey.
Hall, Stuart. 2011. “Introduction: Who Needs ‘Identity’?” Questions of Cultural Identity. London: SAGE Publications Ltd. pp. 1-18
Hall, Stuart. 1997. “Old and New Identities, Old and New Ethnicites” Culture, Globalization, and the World System: 41-68 University of Minnesota Press
HAN, Şeref (1971). ŞEREFNAME kürt tarihi Farsça yazılışı 1597. Arapça yayını: Kahire 1958-1962. Türkçe ilk yayını: Nisan 1971. Çeviren: MEHMET EMİN BOZARSLAN. ANT Yayınları – İstanbul.
KHANI, Ahmed. (2008). Mem and Zin. Translated by Salah Saadalla. Avesta Publications. Istanbul/Turkey.
Martin van Bruinessen, (2024). “The abolition of the caliphate, secularization, and
Kurdish nationalism” Published in: Elisa Giunchi and Nicola Melis (eds), The Abolition of the Ottoman Caliphate, 1924: Debates and Implications (London: Routledge, 2024),pp. 78-92. DOI: 10.4324/9781032613468-6
MEHMED ZILLÎ İBN DERVİŞ, Evliya Çelebi. (1896). Evliya Çelebi Seyahatnamesi. Dördüncü Cild. İkdam Matbaası 1314 H. İstanbul – DR 432 E8 1896 V. 4. University of Toronto Library.
MEM, H. (2007). Kurdish Palace Music – kom müzik – imaj matbaacılık.
NEBEZ, Jemal. (2005). “The Kurdish Language from Oral Tradition to Written Language” (Lecture been given by Jemal Nebez on 28 November 1993 in Paris) Western Kurdistan Association Publications London.
PEKİN, Ersu. (2009). Evliya Çelebi Müziğin Değişiminin Neresine? – Ayrıbasım – Çağının Sıradışı Yazarı Evliya Çelebi. Hazırlayan: Nurhan Tezcan – Yapı Kredi Yayınları – 3008. 1 Baskı. İstanbul. Kasım, 2009. s. 307 – 345.
QANDIL, A. Isaad. (2004). el-Sema’ ‘ind-el Fors we-l‘Arab. Montada Soor al-Azbakiyya – Cairo/Egypt.
Rice, Timothy.2007. “Reflections on music and identity in ethnomusicology.” Musicology. Pp. 17-37
STONE, Ruth (2008). Theory for Ethnomusicology. New Jersey: Pearson Education
TITON, Jeff T. (2008). Knowing Fieldwork Edited by Gregory F. Barz, Timothy J. Cooley. “Shadows in the Field: New Perspectives for Fieldwork in Ethnomusicology”. Second Edition. Oxford University Press. pp: 25-41
TITON, J.T. (2003). Textual Analysis or Thick Description? In: Clayton, Martin; Middleton, Richard and Herbert, Trevor eds. The cultural study of music. New York, NY, USA: Routledge, pp. 171–180.
ULUGANA, Sedat. (2015). Bitlis Mirliği Tarihinde Abdal Han Dönemi (1618 – 1664) Kürt Tarihi Dergisi – Sayı 20 Eylül – Ekim. Nûbihar: Istanbul. s. 54-59.
YÛSUF, Abdulreqîb. (1991). Hunerê Tabloyên Şerefnamê. [The Art in Sharafnama Tableaus]Wergêr: Elîşêr. JN Weşanên Jîna Nû:24. Beşê Hunerî: 1. Çapa Yekem: Tebax 1991. Bälinge – SWEDEN.
ZAKI, Mohammad Amin. (2005) Khoulasa-t Ta’rikh al-Kurd wa Kurdistan – originally published in (1931). Translated into Arabic by Mohammad Ali Awni – Baghdad (2005).
[1] لمعرفة تفاصيل هذا الموضوع، يمكنكم العودة إلى ترجمتنا و مناقشتنا لموضوع “علاقة الكرد بمقام الكرد” المنشور في موقع مدارات كرد
[2] قالها أوليا چلبي في كتابه “Seyahatname.“
[3] ذكره محمد بيرقدار في عنوان كتابه عن إدريس البدليسي.
[4] كما ذكر شرف خان البدليسي في كتابه “شرفنامة”. وفي مواضع أخرى، يصف شرف خان إدريس بلقب “الحكيم”، لا سيما عند حديثه عن إسهامه في حملة مصر إلى جانب السلطان سليم الأول.
[5] http://www.istanbultarih.com/makale/kutlu-muderris-idris-i-bitlisi-ve-tepesi.html اطلع عليه بتاريخ 30 يناير 2021
[6] في الحقيقة ليس لدي علم فيما إذا كانت المنمنمات موجودة في النسخة الأصلية التي كتبها شرف خان نفسه أم لا، أم أنها أضيفت فيما بعد إلى الكتاب. ولكن استناداً إلى ما كتبه أوليا چلبي عن الخان شرف ببراعته في الرسم والخط، لا نستبعد أن الرسومات عائدة له شخصياً. أو ريما، حسب المعلومة التي تفيد بأن بعض الأقسام أضيفت إليها في عام 1684 من قبل “شمعي” بأمر من أمير بالو عند ترجمتها إلى اللغة التركية العثمانية، ربما أضيفت الرسوم أيضاً آنذاك.
[7] في وصف هذه اللوحة المصغرة، يشير يوسف إلى معلومة مثيرة للاهتمام، وهي أن عازفي الدف (آلة إيقاعية) كانوا يعزفون باليد اليسرى في ذلك الوقت (ص. 74).
[8] يشير المؤلف إلى مصدر آخر يتحدث عن نوع من الطنبور/التنبور، ويذكر أنه قد يكون هذا النوع، أي “طنبور الشيرواني”، دون تأكيد الاسم (ص. 74). ومع ذلك، قد يكون المقصود هو آلة “التار”، وهي آلة موسيقية لا تزال مستخدمة في بعض الدول، لا سيما في إيران وأذربيجان (ح. ح.).
[9] يمكن تطبيق تعليقي السابق حول التنبور/التار على هذا المثال أيضًا.
[10] على الرغم من أنني لم أكن مقتنعًا بالأسماء التي أعطاها الكاتب لبعض الآلات الموسيقية، إلا أنني لم أجد من الصواب تغييرها. ربما لديه اعتبارات تاريخية وسياقية، وقد ذكرها في شرحه أكثر من مرة. علاوة على ذلك، وكما يتغير شكل الآلات الموسيقية مع مرور الوقت، فمن المحتمل أن استخدام أسماء حديثة لهذه الآلات ليس أمرًا دقيقًا.
[11] كلمة “غزل” في اللغة العربية، وفقًا لمعجم المعاني، تأتي من الفعل “غزل” بمعنى “نسج/غزل الخيط”. وقد اكتسبت معنى مجازيًا في الشعر للإشارة إلى القصائد التي تظهر تغزل الرجال بالنساء، والشعر الإيروتيكي وشعر الحب، والكلمات التي تعبر عن الحب.
https://www.almaany.com/ar/dict/ar-en/%D8%BA%D8%B2%D9%84/ (تم الاطلاع عليه بتاريخ 01.02.2021)
[12] “مشاهده افتاد و مغنیان نغمه پرداز و مطربان شیرین زبان خوش آواز ورامشکران دلکش الحان سازنواز بیوسون اکراد و قاعدهء اعراب و طریقه فرس و قانون عجم در مقام خوانندکی و سازندکی در آمده آواز و نشاط و ندای انبساط بدایرهء فلک زحل رسانیدند”The edition by Vladimir Veliaminov-Zernov, published in St. Petersburg in 1860-62 (p. 404) “Hünerli ses sanatçıları, ince sözlü ve güzel sesli çalgıcılar, ilginç müzik aletlerini hazin makam ve nağmelerle ve Kürt’lerin «yoson» tarzında, Arap kuralı, Fars metodu ve Acem usulünde çalmaya başladılar. Hazır bulunanların sevinç ve coşkunluk sesleri, takdir ve hayranlık sözleri göklere, hatta dönen Zuhal feleğine kadar ulaştı.” (M. E. Bozarslan, 1971, p. 466).
عندما يحصي أوليا چلبي هذه المهارات التي يتمتع بها عبد الخان، في نفس الوقت يمكن للقارئ أن يفهم كيف أن أوليا چلبي نفسه رجل مثقف ومتعلم للغاية، لأنه عندما يحصي مهنة أو مهارة، فإنه يعطي مثالاً لاسم مشهور آخر معروف بالمهارة التي يتحدث عنها، مقارنة بمهارة عبدال خان. يوضح هذا الأمر أن أوليا قضى معظم حياته في القراءة والتعلم.
[14] من المعروف أن أسماء مثل البربط، العود، الرود، والمزهر هي أسماء مختلفة لنفس الآلة الموسيقية، وهي العود. لكن في هذا السياق، تم الإشارة إليها على أنها آلتان مختلفتان. ربما كان لكل واحدة منها حجم مختلف في العصور القديمة، مما أدى إلى تمييزها كآلات موسيقية منفصلة على الرغم من تشابهها في الوظيفة والشكل. يمكن أن يكون هذا الاختلاف في الحجم أو الشكل قد أثر على الطريقة التي كانت تُعزف بها أو على النغمات التي كانت تصدرها، مما جعلها تُصنف كآلات مميزة في النصوص الموسيقية القديمة.