كيف للأدب أن يكون ممكناً؟

شارك هذا المقال:

موريس بلانشو

ترجمة خالد حسين

 I: إضاءة              

موريس بلانشو (1907ــ 2003)، مؤلّف كتب خطيرة مثل: الفضاء الأدبي، كتابة الكارثة [أو الفاجعة في الترجمة العربية الرسمية]، الكتاب القادم، عمل النار، الصّداقة،  لحظة موتي، صوت من مكان آخر وغيرها من الكتب] ليس بالكاتب الطارئ بل في الحقيقة يُعَدُّ واحداً من أعمق الكتّاب في الثقافة الأوروبية إذ يتميز خطابه بقوة العمق والتأمّل النظري البعيد المدى حيث يمتزج فيه الفكر الفلسفي المطعون بدمغة الاختلاف مع المنعطفات اللغوية المباغتة، هذا ما يمكن للمرء أن يتماسّ معه في كتابيه “الفضاء الأدبي وكتابة الفاجعة”، فثمة ليل في انتظار القارىء، ليل ضارب في إغلاق ممراته ودهاليزه. في هذا المقال الإجرائي [مستل من الترجمة الإنكليزية لكتاب Faux Pas 2001]  يحاول موريس بلانشو فيه أن يتوغل في تضاريس كتاب جان بولهان، الناقد الفرنسي المعروف، [أزهار تارب، أو الإرهاب في الأدب، 1941]، مناقشاً بعمقٍ واستفاضةٍ الأفكار المطروحة في الكتاب مع تقديم استبصارات مثيرة حول اللغة في الأدب تمهيداً لمواجهة السؤال المركزي: كيف يمكن للأدب أن يوجد؟ بل كيف للأدب أن يكون ممكناً في اللغة؟    

***

II: المقال

 ثمّة مسلكان لقراءة كتاب جان بولهان Les Fleurs de Tarbes [أزهار تارب]([1]). فإذا اكتفى المرء ذاته بقبول النّص، وذلك بتعقّب إشاراته، كونه مستمتعاً بالفكرة الأولى التي ينقلها [النص]، فإنَّه سوف يُكافأ بقراءةٍ أكثر قبولاً وأكثر إثارةً على المستوى الذهني؛ فليس هناك ما هو أكثر حذقاً أو أكثر إرضاءً على الفور من تقلّبات الحكم [النقدي] وتحولاته في مواجهةِ مفهومٍ أدبيٍّ معينٍ يلاحظُه، ويُبهره، ويُبطله في الوقت ذاته؛ فيخرجُ المرءُ من هذا العرض المثير مبتهجاً وبرضىً تامٍّ. ولكن سرعان ما تنبثقُ الشُّكوك. وينبغي علينا أن نتأمّل؛ فالتلميحات ــ المخفية بسبب وضوحها، والحالات المختلفة في الشّكل، والنهاية الغامضة ـــ تدفعنا رويداً رويداً إلى التفكير.  فهل الكتاب الذي قد قاربناه للتوّ يمثّلُ العملَ الحقيقيَّ الذي ينبعي أن يُقرأ أم أنّهُ مجرّدُ مظهرٍ لذلك؟ هل بالإمكان أن يكون هناك من باب السُّخرية فقط لإخفاء محاولةٍ أُخرى، أكثر صعوبةً وأشد خطورةً، التي نستشفُّ ظلالها ومطامحها؟ وهذا هو الوقت الملائم لاستئناف القراءة، ولكن من العَبث الظنّ أنَّ جان بولهان سيتخلى عن أسراره يوماً ما. فعن طريق عدم الارتياح والقلق فحسب يشعرُ المرءُ أنه يتاح له الانخراط في حوار مع المشكلات الكبرى التي يدرسها والتي يوافق على إظهار غيابها فقط.

إنّ الكتاب الأول، وهو الكتاب الظّاهر، مخصّصٌ لمساءلةِ نظريةٍ نقديةٍ حيث ينبغي أن تدعى [بنظرية] “الإرهابي”terrorist. وتبعاً لهذه النّظرية، التي قد هيمنت على الأدب لمدة 150 عاماً، فإنّ مهمة الأدب هي الدّفاع عن نفسه في مواجهة العبارات المبتذلة ومواجهة المجالات الأوسع للقواعد، والقوانين، والرُّموز، والترابطات. إنَّ أي كاتب يستسلم للعبارات المبتذلة clichés والأعراف سرعان ما يتخلّى عن تحقيق العدالة لفكره، بل وأكثر من ذلك، يبحث عن علاقات عذراء(عفيفة)، حيث نضارة العالم التي تمثّل غايةَ كل فن؛ ليغدو ضحيةً للكلمات، وروحَ الخمول والهمود، وفريسة للصيغ الجاهزة التي تفرضُ قوتها المخزية على تفكيره. وهذا برمته أمرٌ واضحٌ. فالعبارات المبتذلة تكشف عن ذكاء متبلّد وخاضع في الوقت ذاته، خامل ومحمول، محكوم عليه بلغةٍ لا ترشده. فما التوبيخات التي نوجّهها لمن يستخدم كلمات الحرية والديمقراطية والنظام دون احتراس؟ لاريب أنّنا نتهمه بالإطناب. وهذا هو الكاتب الذي يدع نفسه تنجرف وراء العبارات المبتذلة. فهو أسير الكلمات التي لم يعد يشير إلى معانيها. حيث يسيطر عليه سقمٌ لغويُّ سريٌّ لا يمكنه أن يفعل شيئاً إزاءه سوى الاستسلام له.

 إن هذا المفهوم النقدي ــ الذي يُوجز باختصار في بلاغة فيكتور هوغو الرافضة، وفصاحة ڤيرلين المندِّدة، وانفصال رامبو عن الشعرية المنمَّطة ــ يصالح بشكل يثير الفضول بين سانت پوف([2])، تين([3]) من جهة، والسريالية من جهة أخرى عن طريق الإهانة التي يُنزلها بالكلمات والمكانة المتميزة التي يمنحها لطريقة تفكير سليمة. [هذا المفهوم] درسه جان بولهان بدقةٍ متناهيةٍ حيث يندهشُ المرء كيف سيكون من الممكن له أن يهزّه بعد أَنْ أُعْطِيَ مثل هذه الأسس المتينة. لكن الأمر لا يحتاج إلى شيءٍ أكثر من بضع ملاحظات وكذلك إلى اكتشافٍ حيويّ إذ يمكن إدراك أهميته بعد قليل، وهو أمرٌ صائب.

إن الملاحظةَ الأبسط تثبتُ خطأ الإرهاب. إنه ليس بالأمر الصّائب أنَّ استعمال الكليشيهات يُعَدُّ علامةً على الخمول، ناهيك عن الإطناب. أليس ثمة كتّاب يبتكرون الكليشيهات، لا يستسلمون لها، بل يكتشفونها ويعبّرون بوساطتها عن أكثر جوانب الإحساس رقةً، وأكثر جوانب الخيال تلقائيةً؟ أليس ثمة كتّاب آخرون يستعملون العبارات الشائعة، إذ إنّهم بوعي يستعملونها بعيداً عن الاعتقاد لكنهم يفقدون روح خطاباتهم جرّاءها، ويستخدمون هذه اللغة فحسب لأنها تُحاول، أيضاً، بمشقةٍ أن تجذب الانتباه إلى أنفسهم، ومن ثمَّ لإعاقة المعنى الذي ينبغي أنْ تُترجمه؟ إنَّ الكليشيهات محكوم عليها أن تمرَّ دون إدراك من أحدٍ. فلم تَعُدِ الصُّور والكلمات ذات أهمية، إذ إنّ اللغة تصمّم فيهما جسداً غائباً وغيرَ مرئيّ. وفي واقع الأمر، فإنَّ اتهام الإرهاب برمته يستند إلى وهمٍ بصريّ فريدٍ. من الصّائب بالفعل أنَّ العبارات الشّائعة لديها الإمكانية على تطويق روح الكلمات، لفرض فائضٍ من العنايةِ والصّوت عليها. لكن هذا الاعتلال لا يُصيب الكاتب، بل يُصيب القارئ، الذي ينبغي أن يسأل ذاته إزاء كل تعبير مبتذل: هل يحتفظ هذا التعبير بقوته الفطرية، وحيويته الأصلية أم أنه مجرّد تعبير مبتذل أو عبارة خيالية؟  في الواقع يغدو القارىء مثقلاً بأسئلة حول اللغة، محاصَراً في شبكة من الكلمات التي لم تعد تسمح له الانغماس في الفكر، وإنما [الاستغراق] في [عملية] إسهاب كامل. ولكنْ أيمكن للإرهاب أن يستنتج، كما يحدث عادةً، أن الخلل ينبثقُ من النزعة المزعجة للكاتب للتخلي عن الكلمات؟ بل هو في الحقيقة بخلاف ذلك تماماً. فلو كان المؤلّف شديدَ الحرص على اللّغة، لكان القارئ أقل اهتماماً بها. ومَنْ يكتب دون الانتباه لمصير الكلمات؛ فإنّهُ يحكم على القارئ أن يهتمّ بالكلمات فقط.

وبمجرد أنّ هذا الوهم قد جرى اُكتشافه، يمكن لجان بولهان ببساطةٍ إعادة الإرهاب Terror إلى مكانه عن طريق إظهار قصوره وتصحيح تجاوزاته بوساطة الكمال الذي يعزوه إليه. لماذا يمكننا أن نلوم العبارات الشّائعة؟ إن كون [الأمر الشائع] خارج الإدراك، نظراً لأنه مبهمٌ، ذو معنى مزدوج، غيرُ ثابت بعدُ، وباختصار ــ غير مفهوم بشكل عام، لأنّهُ ليس شيئاً شائعاً. هذا هو الخلل برمته. وهذا أمرٌ خطيرٌ، لأنَّ هذه المجالات الواسعة للغاية تعرض نفسها بوصفها وسائلَ مثالية للتبادل، ولكنها في الحقيقة أدوات لإحداث القلاقل ووحوش للغموض. لكن الإصلاح موجود كذلك. لأنّ الكليشيهات (العبارات المبتذلة) لن تفتقرَ إلى أيِّ شيءٍ إذا ظهرت باستمرار على أنَّها كليشيهات. إنه من أمر كافٍ، إذن، أن نجعل العبارات المبتذلة شائعة وأن نعيد إلى استعمالها الفعلي القواعدَ والرُّموزَ والأعرافَ الأخرى برمتها، التي تؤدي الوظيفة ذاتها. وإذا كان الكاتب يستعملُ الصُّور والوحدات والقافية بشكلٍ مناسبٍ، بمعنى كل أساليب البلاغة المتجدّدة، فيمكنه إعادة اكتشاف اللغة غير الشخصية والبريئة التي يسعى إليها، وهي اللغة الوحيدة التي تتيحُ له أن يكونَ على ما هو عليه وأنْ يكون على تواصلٍ مع الحداثة العذراء للأشياء.

وهذا، على وجه التقريب، يمثّل استشفاف جان بولهان. ولكن بعد التوصل إلى هذه النتيجة، يغدو لدى القارئ الاختيار بين بديلين محتملين. إذ يمكنه أن يقتصر على هذا النص الذي أدركه، حيث تكفي أهميتُهُ لإشغاله. أليس كلُّ شيء واضحاً الآن؟ أو ثمة شكٌ لايزال قائمًاً ولم يجر توضيحه؟ فماذا يمكن للمرء أن يطلبَ من كاتبٍ أن يتنبأ بكلّ شيء، حتى لو لم يُطلبِ منه المزيد؟ ولأنه متردّدٌ، فإن هذا القارئ ذاته سوف يعثر كذلك، في خاتمة العمل، في اللحظة حينما يشعر فيها بالرضا التام، بضعَ كلماتِ للانسحابِ التي تًقْلِقُهُ وتُلْزِمُهُ على التّراجع عن خطواته. لذلك، يعيد القراءة، ورويداً رويداً، يغدو مقتنعاً أن وراء المزاعم الأولى التي اكتفى بها ثمة سرٌّ لا بدَّ من إدراكه، وهو يحاول المضيَّ قدماً أكثر، في مسعى للبحث عن التركيب الذي يفتقرُ إليه لفتح الكتاب الفعلي الذي عُرضَ عليه. فهو يفكّر أولاً في بناء بعض الاعتراضات لكي يهاجم، وإن أمكن تبديد النص الظاهري الذي يستحوذ على اهتمامه أكثر مما ينبغي.  وثمة اعتراضٌ واحدٌ مفاده أنه يستطيع تجربته دون مزالق كبيرة. ما هذا الإرهاب [التخريب] في الأصل؟ كيف يُمكن له أن يجمع معاً كل هذه العقول المختلفة والمتعارضة أحياناً في كل شيء تقريباً؟ وللوهلة الأولى، يُميز المرء فئتين من الكُتّاب وسط “الإرهابيين” يبدو أنهما بعيدتان كل البعد عن الاتفاق بخصوص اللغة. يرى بعض منهم أن رسالة اللغة هي التعبير عن الفكر بشكلٍ صحيحٍ، وأن تجعل من ذاتها مُفسّراً مخلصاً للفكر، والخضوع له كما لو كان خاضعاً لسيادة تقرُّ بها. لكن بالنسبة لآخرين منهم، فالتعبير ليس سوى المصير المبتذل للغة اليومية؛ فالوظيفةُ الحقيقية للغة ليس التعبير، بل التواصل، وليس الترجمة، بل أن تُوْجَد؛ ومن الابتذال أن نعدّها مجرّدَ وسيطٍ، أو أداة تعيسة؛ فهي تمتلك قوةً فريدةً، ومن واجب الكاتب على وجه التحديد اكتشافها أو استعادتها. وهكذا، على ما يبدو، ثمة أسرتان فكريتان، كل منهما غريبة عن الأخرى تماماً. فما الذي يمكن أن يكون مشتركاً بينهما؟

لاريبَ أن هذا أكثر بكثير مما قد يفكّر فيه المرء للوهلة الأولى. دعونا نعود إلى الصنف التقليدي من الكُتّاب. إذ بالنسبة إليهم، تُعَدُّ الكتابة تعبيراً عن الفكر بوساطة خطاب حيث لا ينبغي له الاستئثار بالانتباه، بل ينبغي له في الحقيقة أن يتلاشى في اللحظة التي يظهر فيها، كما لا ينبغي له بأيّ حال أنْ يلقي بظلاله على الحياة العميقة التي يكشفها. ومن ثمّ، فإنَّ الغاية الوحيدة للفن تتمثّلُ بتسليط الضوء على العالم الداخلي عن طريق إبقائه في مأمن من الأوهام الفظّة والعامة، حيث من شأنها أن تحجبه بها لغةٌ ناقصة. ولكن ما الذي يبتغيه الآخرون، الذين يرفضون مطالبة اللغة الأدبية بالخدمات ذاتها التي تعرضها اللغة العملية، وهل يريدونها بوسائل أخرى؟ وكذلك وَفْقاً لهم، فالكتابة تشكّل ذلك التعبير عن الفكر السّري، والعميق وطرد كلَّ ما يمكن أن يجعلها مماثلة للغة العادية من [نطاق] اللغة، بمعنى التعبير عن ذواتهم [أي الكُتّاب] بلغة ليستْ بأداةِ تعبيرٍ، إذ لا يمكن للكلمات عن طريقها نقلُ الغموض المتهالك للحياة المبتذلة. إنَّ وظيفة الكاتب، في كلتا الحالتين، هي، من ثمَّ، ابتكار فكر ــ الحقيقة الأصيل thought-truth authentic أو السّرــ المعروف secret-known، الفكرة التي مفادها أنَّ الإسراف في الاهتمام بالكلمات، ولاسيّما الكلمات المستعلمة بصورةٍ يوميةٍ، لا يمكن أَنْ يؤدّي إلّا إلى تعريضها للخطر.

وما يؤكّد القرابةَ بين هذا المسلكين في التفكير يتمثّلُ بهويةِ غايتهما. فكلاهما، مدفوعان بحركة مطلبهما، ينتهي بهما الأمر إلى القيام بعملية اللغة، في حدّ ذاتها، والأدبِ، في حدّ ذاته، وسوف ينهاكان في صمتٍ إذا لم يجر إنقاذهما بخيال مستمر. وقد أظهر جان بولهان بوضوح مصير الصنف التقليدي من الكتّاب.  وسعياً نحو جعل اللغة المكان الأمثل للإدراك والوضوح، فهؤلاء الكتاب اضطّروا إلى سحبِ العبارات المبتذلة من اللغة، التي تقلق فهمَ الأفكار، ونبذِ الكلمات المألوفة، وأخيراً نفي الكلماتِ ذاتها، وتعقّبِ الوضوح بعبثٍ في لغة ينبغي أن تقول كلَّ شيء دون أن تكون أيَّ شيء، فهؤلاء الكتّاب يموتون دون أَنْ يصلوا إلى شيء. وبإيجاز، ينتهي الأمر بهؤلاء إلى كبح اللغة على أنّها وسيلة للتعبير على وجه التحديد؛ كونهم طالبوا ألا تكون اللغة سوى مجرد وسيلة للتعبير. أما بالنسبة إلى الفئة الثانية، فيصل الأمرُ إلى العداوة ذاتها، لأنها أدركت في البداية أنّ الكلمات عديمة الفائدة في قدراتها على التعبير، ولكنها ذات قيمة إلى أبعد في طاقاتها على التواصل. وبذلك فإنهم يطهّرون اللغة من الكلمات والرموز وتحولات العبارة التي تجعلها أشبه بوسيلة للتبادل أو نظاماً دقيقاً للاستبدال.  لكن هذا المطلب لا يمكن أن يكون إلا مستهلكاً برمته.  وإذا أتاح [هذا الأمر] لمالارميه استعادة قيمة الحدث لمفاهيم محددة، وإذا منحه الوسائل لاستكشاف فضاءاتها الداخلية إلى درجة يبدو فيه كما لو أنه يبتكرها أو يكتشفها بالفعل، فقد أجبر أولئك الذين أتوا إثرَهُ على رَفْضِ هذه المفاهيم ذاتها باعتبارها فاسدةً بالفعل بسبب الاستخدام، وطَرْحِ هذا الاكتشاف جانباً بوصفه مبتذلاً عن طريق التقاليد وإعادته إلى البذاءة الشائعة.

من الواضح على وجه التحديد أنه في هذا البحث المخفّف عن قوّةٍ [سلطةٍ] يفسدها استعمال واحد، وفي هذا الجهد المبذول المؤدّي إلى تلاشي إبهام الكلمات أو تفاهتها، تتعرّض اللغة بالضبط للتقويض.  ويمكن للمرء أن يقول الشيءَ ذاتَهُ عن الأدب بصورةٍ عامةٍ. إن العبارات (الأشياء) المبتذلة، موضوع النبذ دون رحمة، تشكّل الأعراف الأدبية ذاتها، التي تتبدّى قواعدَ تُستعمَل على نطاق واسع، هذه القواعد ذاتها هي نتيجة لتجارب سابقة، ومن ثمَّ تظلُّ غريبةً بالضرورة عن السّر الشخصيّ، إذ يفترضُ بها أن تسعفَ في الكشف عنه. لذلك، فعلى الكاتب واجبُ نسفِ هذه الأعراف، بوصفها لغةً جاهزةً أكثر تلوّثاً من غيرها. إنْ استطاعَ الكاتبُ ذلكَ، فينبغي عليه أن يتحرّرَ من كل الوسائل the intermediaries التي قد شكلها العرفُ، ويُبهجَ القارئ، بوضعه في علاقةٍ مباشرةٍ مع العَالم المحجوب الذي يرغبُ في اكتشافه، رفقةَ السّر الميتافيزيقي، والدّين النقي، الذي سعيُهُ إليه يمثّلُ مصيرَهُ الحقيقيُّ. وفي هذه المرحلة من الامتحان، حيث يقودنا جان بولهان بيدٍ تكادُ تكونُ مرئيةً لكنها حازمةٌ جداً، يُمكننا تقديم ملاحظتين هامتين: الأولى مفادها أنّ المفهوم الذي قد تعلّمنا إدراكه للتّو تحت اسم “الإرهاب” Terror ليس مفهوماً جمالياً أو نقدياً بصورةٍ مطلقةٍ؛ فهو يُغطّي مجال الخطابات letters برمته؛ إنّهُ الأدب، أو على الأقل روحه. والنتيجة المترتّبة عن هذا الأمر أنّنا عندما ندفع الإرهاب إلى موضع التساؤل من أجل تفنيده أو لإظهار عواقب منطقه، فإننا نرتابُ في الأدب نفسه وذلك بدفعه نحو العدم. وبالإضافة إلى ذلك، ننجرُّ إلى التصريح أنه بصرف النّظر عن بعض الاستثناءات الشهيرة والقليلة، فإنّ كُتّاباً من هذا الصنف أو ذاك، بل أشدّهم صرامةً، وأكثرهم تمسُّكاً بطموحهم، لم يتنازلوا عن اللغة أو عن شكل فنهم. وفي قلبِ كلّ كاتبٍ ثمة شيطان يدفعه إلى توجيه ضربةٍ مميتةٍ إلى الأشكال الأدبية كلها، وإلى إدراك كرامته على أنه كاتبٌ بقدر ما ينفصل عن اللغة والأدب؛ ويإيجاز، أنْ يضعَ فيما هو عليه وماذا يفعلُ موضعَ التساؤل بطريقةٍ لا يمكن التعبيرَ عنها. وهنا؛ كيف يمكنُ للأدب في هذه الظّروف أن يوجد؟ كيف يمكن للكاتب، الذي يميّزُ ذاته عن غيره من الناس بوساطة حقيقة واحدة، مفادها أنه   يشكك في شرعية اللغة، الكاتب الذي ينبغي لعمله أن يكبحَ تكوين عمل مكتوب، أن يخلصَ به الأمر إلى إبداع عمل أدبي؟ فكيف للأدب أن يكونَ ممكناً؟

وللإجابة على هذا السؤال، بمعنى أن نرى كيف يجيب عليه جان بولهان، فلا بدَّ من اقتفاء الحركة التي يمكن أن تقودَ إلى تفنيد الإرهاب. وقد رأينا أن بعض الكتّاب كافحوا ضد اللغة لأنهم رأوا فيها وسيلة ناقصة للتعبير، ولأنهم تمنّوا للغة كمال الوضوح intelligibility الكامل. [وبناءً على ذلك] إلى ماذا يقود هذا الطموح؟ إلى ابتكار لغة بلا عباراتٍ شائعة، لغة بلا إبهام ظاهر، بمعنى لغة لم تَعُدْ تقدّم معياراً عامّاً وأن تُزَاح تماماً من نطاق الفهم. وقد رأينا كذلك أنَّ آخرين واجهوا اللغة التي كانت تُعَدُّ وسيلةَ تعبيرٍ كاملةً ــ للغاية أو مفرطة في كمالها، ومن ثمَّ لغة غير أدبية، وأنَّ هؤلاء، عن طريق مطلبهم المجحف، واهتمامهم بنقاء يتعذّر الحصول عليه، انتهى بهم الأمر إلى تصيّد الأعراف والقواعد والأجناس، وصولاً إلى الحظر الكامل للأدب، وذلك بصورةٍ مرضية إذا تمكنّوا من جعل سرّهم محسوساً خارج أيّ شكلٍ أدبي. بيد أنه ينبغي أن يُضاف الآن إلى هاتين العاقبتين ــ رفض اللغة ورفض الأدب ــ أنهما ليستا العاقبتين الوحيدتين التي خضع لها الفريقان. فمن الضروري كذلك أن يكون مشروعهم بمواجهة الكلمات، ورغبتهم بعدم أخذها في الحسبان لكي يدع الفكر إمبراطوريته كاملة، وخوفهم الملحّ من اللامبالاة، كل ذلك يحثُّ على اهتمامٍ شديدٍ باللغة تتمثّلُ عاقبته بالنزعة اللفظية. وهذا قدرٌ خطير، بائسٌ ومحظوظٌ في الوقت نفسه. وعلى أية حال فهذه حقيقة. مَنْ يرغب أن يكون غائباً عن الكلمات في كلّ لحظة أو أن يكون حاضراً فحسب لتلك التي يقوم بإعادة ابتكارها فهو ينشغل بها إلى ما لا نهاية بحيث، من بين كلّ الآخرين، أن الذين يسعون بلهفةٍ لتفادي توبيخ النزعة اللفظية يشكلون كذلك الأكثر استهدافاً لهذا اللوم.  اهربْ من اللغة، فهي ستلاحقُك، هكذا يقول بولهان.  تعقّبِ اللغةَ، سوف تفرُّ منك. دعونا، هنا، نتأمّل فيكتور هوغو، الكاتب الأشدّ افتراساً للكلمات، الذي فعل كلَّ شيء بالتحديد لقهر البلاغة، وقال: “على الشاعر ألّا يكتب بما قد كتب بالفعل (أي بالكلمات)، بل يكتب بروحه وقلبه”.

إن الأمر ذاته يسري على أولئك الذين، عن طريق عجائب التنسُّك، كان لديهم الوهم بإبعاد أنفسهم عن الأدب برمته. وكونهم أرادوا أن يخلّصوا أنفسهم من الأعراف والأشكال، من أجل الإمساك بالعالم السّري والميتافيزيقا العميقة، حيث كانوا يتقصّدون الكشف عنهما بصورةٍ مباشرةٍ، فقد اكتفوا في خاتمة المطاف باستخدام هذا العالم، هذا السّر، وهذه الميتافيزيقيا كما يفعلون مع الأعراف والأشكال التي عرضوها بعين الرضا، التي شكّلت في آن واحد الإطار المرئيّ والأساس لأعمالهم. ويصرّح جان بولهان بملاحظات قاطعة حول هذه [المسألة]. (فعلى سبيل المثال) “القلاع في السّحاب، الأضواء في الليل، والأشباح والأحلام هي… أعراف خالصة، مثل القافية والوحدات الثلاث، لكنها أعراف لا يمكن للمرء أن يتفادى أخذها بالحسبان على أنّها أحلامٌ وقلاعٌ في سياق حيث لا أحد قد سمع بالوحدات الثلاث.” وبكلماتٍ أُخَر، وفقاً لهذا الصنف من الكتّاب، تحلُّ الميتافيزيقا والدين والمشاعر محلَّ التقنية واللغة. وهي تشكّلُ نظاماً للتعبيرـ أو جنساً أدبياً ــ وبإيجاز أدباً. وبمقدورنا الآن الإجابة على السُّؤال: كيف للأدب أن يكون ممكناً؟ في الحقيقة [يمكن ذلك] عن طريق فضيلة وهمٍ مزدوج ـــ وهمِ بعض الذين يواجهون العبارات المألوفة واللغة بالوسائل ذاتها التي تولّد اللغة والعبارات المألوفة؛ وكذلك وهم الآخرين الذين يتخلون عن الأعراف الأدبية، أو الأدب، كما نقول، فهم يتسبّبون في إحيائه من جديد وذلك في شكل ليس خاصاَ به (ميتافيزيقا، دين، إلخ). وانطلاقاً من هذا الوهم ومن إدراكه فجان بولهان، بوساطة ثورة يمكن تسميتها كوبرنيكية، أو على غرار ثورة كانط، يقترحُ رسم العهد الأدبيّ الأشدّ دقةً وصرامةً. دعونا نرى الآن مدى جسارة هذه الثورة للوهلة الأولى، لأنّها في خاتمة المطاف تمثّل قضية وضعِ نهايةٍ للوهم الجوهريّ الذي يسمح بالأدب. إنها قضية الكشف للكاتب من حيث إنه لا يولّدُ الفنَّ إلا عن طريق صراع أعمى وعبثي ضدّهُ، فهذا العمل الذي ظنَّ أنه انتزعه من اللغة الشائعة والسُّوقية يوجد بفضل ابتذال اللغة العذراء، بوساطة فائض من التلوّث والانحطاط. وفي هذا الاكتشاف ما يكفي ليؤدّي إلى انهيار صمتِ آرثر رامبو([4]) على الجميع. ولكن كما هي الحال بالنسبة إلى المرء فإنَّ حقيقةَ معرفةِ أنَّ العالم إسقاط لعقله لا تنسفَ العالم، بل بخلاف ذلك تضمنُ معرفته، وتمثّل حدوده وتوضّح معناه، كذلك الأمر يفعلُ الكاتبُ، إذا كان يدرك أنه كلما واجهَ العبارات المألوفة زاد ارتباطه بها، أو إذا عَلِمَ أنه لا يكتب إلا بمساعدةِ ما يَمْقتُهُ، فهو يملك المجال ليرى مدى قوته ووسائل سلطته بصورةٍ أكثر شفافيةً. وعلى أية حال، عوضاً عن أن يُحكمَ بالكلمات دون درايةٍ أو يُحكم بالقواعد بشكل مباشر (لأن إنكاره للقواعد يجعله أن يستند إليها)، فإنه سوف يسعى إلى الهيمنة عليها. وبدلاً من الخضوع للعبارات المألوفة، سيكون بمقدوره بناءها؛ وبإدراكٍ منه فهو لا يستطيع مقاومة الأدب، وأنه لا يستطيع تجاوز التقاليد إلا الامتثال لإكراهاتها، لذلك سيتقبّل القواعد، لا كونها توجيهات مصطنعة تُشير إلى الطريق الذي ينبغي اتباعه والعالم الذي يجب اكتشافه، بل بوصفها وسيلةً لاكتشافه وقانون توغّله في العتمة حيث لا مسلك ولا تخوم.

وينبغي علينا الآن محاولة اتخاذ خطوةٍ أخيرة ٍدون التفكير في المضيّ بعيداً جداً.  فقد بيّن جان بولهان أن الكاتب، الذي يهتمُّ بصورة فريدة بالفكر الذي ينوي التعبير عنه أو توصيله، ولهذا السّبب، فهو على خصامٍ مع الكليشيهات والأعراف، فإما يحكم على نفسه بالصّمت أو يهربُ منها بوساطة وَهمٍ دائمٍ فحسب. لذلك يدعو [بولهان] الكاتب إلى منح أولوية معينة، في مفهوم العمل، لنظام التعبير اللفظي وإدراك الشكل. وهكذا يمكن للمرء أن يقول إن ثورته الكوبرنيكية تقوم على جعل اللغة لم تعد تدور حول الفكر، بل بالأحرى تتخيل آليةً أخرى دقيقة ومعقدة للغاية، حيث يدور فيها الفكر حول اللغة من أجل إعادة اكتشاف طبيعته الأصيلة. دعونا نتوقّف عند هذه الملاحظة ونرى إنْ كان بإمكاننا التعبير عنها بطريقة أخرى. ففي غضون المراحل المختلفة من دراسته، امتثل بولهان – بخضوع مطمئنٍ للحسّ السليم الذي يخفي بشكل واضح كميناً ــ أي التمييز التقليدي بين العلامة والشيء، الكلمة والفكرة. وفي الحقيقة، بولهان، الذي يُدرك تماماً تعسفية التعارض بين المحتوى والشكل وأنه، تبعاً لݕول فاليري Paul Valéry، فما ندعوه “محتوى” ليس سوى شكل ملوّث، يسمحُ لهذا الغموض بأن يُؤخذ في حساباته ولا يُحاول تبديده. إذا قام بتبديده، فسيرى المرء بوضوح أنه عن طريق “الفكر” لا يدرك فكراً محضاً a pure thought (فأي فكر متصوّر ليس إلا لغة أولى) ولكنه فوضى في كلمات معزولة، وشذرات من جمل، وتعبير أول عرضي – أما عن طريق “اللغة” [فهناك] تعبير منظم، نظام محكوم بالأعراف والعبارات الشائعة. إن هذه الملاحظة، من ثمّ، تسمح لنا بالقول إنه وفقاً لبولهان ــ على الأقل في هذا الكتاب السرّي الذي ننسبه إليه ــ إذا كان للفكر أن يعود إلى منبعه، أيْ أن يتخلى عن أول غطاء رثٍ يغطيه، فإنه لابدَّ أن ينحني أمام الكليشيهات، والأعراف، وقواعد اللغة.

 في سياقٍ مقالٍ [بعنوان] La Demoiselle aux miroirs [الآنسة رفقة المرايا، Young lady with mirrors] لم يدرجه بولهان في كتابه، بيد أنه يواصل مشروعه، إذ يشير إلى أنَّ دراسةً ملائمةً للترجمة من شأنها أن تكشف عن منهج للوصول إلى الفكر الأصيلauthentic thought. لأنَّ هذه الترجمة ستكشف ما التغيير المناسب للغة الذي يجلبه التعبير إلى الفكر؛ وسوف يكفي حساب نوع التحويل الذي يفرضه المترجم بالضرورة على النص الأصلي من التعديلات المماثلة من أجل العودة بشكل مثالي إلى فكر مجرّد من اللغة وخالٍ من التأمُّل. ورغم ذلك، وتبعاً للكثير من المناقشات الشائعة، يظهر أنّ النتيجة التي لا مفرَّ منها لأيةِ ترجمةٍ تتمثّلُ بمنح انطباعٍ مفاده أنَّ النص المترجَم translared text أكثر تصويراً وتجسيداً من اللغة التي تُرجم منها. يقوم المترجم بفصل الصُّور النمطية للنص، ويؤوّلها بوصفها استعارات تعبيرية، ومن أجل ألا يستبدلها بكلماتٍ مجردة بسيطة (وهو ما سوف يكون تشويهاً آخر)، يترجمها على أنها صور ملموسةٌ وخلابةٌ. وهكذا أيضاً فأيُّ تأمّل يشوّه الفكر الأصلي المراوغ.  إن الفكر المباشر (الذي قد أدركه الوعي من أجلنا بنظرةٍ مفحّصة) مُجرّد مما يُمكن تسميته بأنماطه التقليدية، ومُقدّماته، وإيقاعه. إنه خادع واعتباطي، ملوّث ومألوف، فنحن ندرك رؤيتنا فيه فحسب. ومن جهة أخرى، إذا أخضعناه لقواعد البلاغة، وإذا باغتنا الانتباه عن طريق الإيقاع والقافية وترتيب العدد، فيمكننا أن نأمل لرؤية العقل يعود إلى صوره النمطية ومقدماته، متحداً ثانيةً مع الروح التي انفصل عنها. إنَّ الفكر سيعود إلى كونه اتصالاً نقياً، بكراً وبريئاً، ليس على الإطلاق بمعزلٍ عن الكلمات، وإنما في حميمية الكلام، وعن طريق استخدام العبارات المألوفة، التي وحدها تكون قادرة على إنقاذه من تشوهات التأمل الانعكاسي.

ونستطيع أنْ نحلم بهذا الفكر الذي يكشف عن ذاته في الأعراف وينقذ ذاته عن طريق القيود(الإكراهات). لكن هذا يشكّل سرَّ اللغة، وسرَّ جان بولهان كذلك. ويكفي أن نفكر في أن العبارات المألوفة الحقيقية هي كلمات مزّقتها الصاعقة، وأن صرامة القوانين تكوّنُ الأرضية لعالم التعبير المطلق، إذ تغدو الصُّدفة خارجه مجرّد حلم يقظة.


 ([1]) ـــ جان بولهانJean Paulhan (1884 ـــ1968) كاتب وناقد أدبي وناشر فرنسي، ومدير المجلة الأدبية “نوفيل ريفو فرانسيز” Nouvelle Revue Française (NRF) من عام 1925 إلى عام 1940، ثم من عام 1946 إلى عام 1986. كان عضواً في الأكاديمية الفرنسية.

يُعَدُّ كتابه قيد القراءة هنا [أزهار تارب، أو الإرهاب في الأدب، 1941] أحد أشهر أعماله في النقد الأدبي، والكتاب يقوم على دراسة طبيعة اللغة في الخيال. وقد كتب بولهان العديد من كتب النقد والقصص القصيرة، السيرة الذاتية.  تُرجم له إلى العربية كتاب: مفتاح الشعر، بترجمة محمد العرجوني، المملكة المغربية: منشورات مقاربات، 2017. أثار بولهان الجدل بمعارضته لاستقلال الجزائر ودعمه للجيش الفرنسي خلال الحرب الجزائرية؛ مما أدّى إلى خلاف بينه وصديقه موريس بلانشو.

ـ تارب Tarbesبلدية تقع في إقليم البيرينيه ضمن جنوب غرب فرنسا. كانت بلدية منذ عام 1790. كانت تُعرف باسم توربا أو تاربا في العصر الروماني. تارب جزء من منطقة غاسكونيا التاريخية.

[موقع ويكيبديا بتصرف].

([2]) ـ شارل أوغستان سانت ـ بيڤ (Charles Augustin Sainte-Beuve) كاتب وناقد فرنسي (1804ــ 1869)، درس البلاغة والفلسفة، ارتبط بصداقة مع فيكتور هوجو، ثم انضم إلى مجموعة سيناكل، التي كانت مهد الحركة الإبداعية الفرنسية. كتب العديد من الدراسات التي كان لها تأثير مهم في تاريخ النقد الأدبي ونشر العديد من النصوص النقدية. في عام 1828، قام بنشر كتابه الأول اللوحة التاريخية والنقدية للشعر والمسرح الفرنسي في القرن السادس عشر، اتبع سانت ـ بوف المنهج الوصفي التحليلي الذي كان يهدف إلى الفهم العميق للكاتب وحقبته، وقد نجح بدوره في التأريخ للمؤسسات الأدبية، ولدور الأجيال الفنية، وكيفية تشكيل صورة الكاتب في علم اجتماع الأدب. تميز أسلوبه بالدقة، وكان نقده يعرف بالنقد البنّاء وكان مبنياً على التاريخ الطبيعي للفكر. وقد صنف الباحث الفرنسي جان ـ بيير ريشار منهج سانت ــ بوف النقدي إلى ثلاثة مستويات وهي: الأنا المبدعة (الشخص)، والإبداع (العمل الأدبي)، والسيرة الذاتية (البعد التاريخي للأنا والعمل الأدبي).[عن ويكيبديا بتصرف].

([3])ـــ إيبوليت أدولف تينHippolyte Taine ((1828 – 1893فيلسوف ومؤرخ وناقد أدبي وفني فرنسي.

([4]) ـــ الكاتب يشير إلى توقف الشاعر الفرنسي الشهير آرثر رامبو (1854 ــ 1891] عن كتابة الشعر بعد كتابيه [فصل في الجحيم وإشراقات] ثم الدخول في حالة “صمت” مريعة لنضوب الإبداع وفقدان الرغبة بالأدب. وهي حالة استرعت الكثير من الاهتمام النقدي.

شارك هذا المقال: