عندما تجعل “الآخر” ملكًا لك.. تحدي الأدب الكردي الحديث فيما يتعلق بالأصوات الكردية الناطقة بالتركية (2-3)

شارك هذا المقال:

سعاد باران وعمر فاروق يكديش
ترجمة: مصطفى محمد

الترجمة كأجندة أدبية سياسية

في حالة الأكراد وأدبهم، من الواضح أن الفضاء الجمالي مدمج بالضرورة في إطار سياسي كحقيقة فرضتها الظروف التاريخية. وبعبارة أخرى ، فإن المسألة ليست مرتبطة فقط بدور الأيديولوجيا ، كمصطلح ماركسي بانٍ للجماليات ، ولكن أيضا باستغلال الأدب كأداة من أجل السياسة ، وتقييم الأدب كحقيقة سياسية بعيدة عن الجماليات. فيما يتعلق بالكتاب الكرد في تركيا، لا يمكن مناقشة “الانقسام بين الكبير والصغير” (إشارة إلى ظاهرة موسيقية تقول بأن المفتاح الكبير يميل إلى السعادة أما الصغير فيميل إلى الحزن – المحرر) بوصفه مجرد مذهب جمالي. في مجال الأدب الكردي على وجه الخصوص، فإن المسألة تثير نقاشا لا مفر منه في سياق الأدب الوطني. لذلك، وكما شاهدنا في النقاش بين رمضان آلان وإلهامي سيدار، فالمشكلة تشير إلى مسألة الأدب الذي ينتمون إليه أو يريدون الانتماء إليه.

في رأينا، هناك العديد من المعايير التي تعمل على تحديد الطبيعة التأليفية الكردية. المعيار الأساسي هو عدم وجود دولة للأكراد وحقيقة أنهم يعيشون تحت سيادة دول قومية مختلفة. وقد أدى ذلك إلى استخدام لهجات عامية وأبجديات متباينة. وبناء على ذلك، يتبع الأكراد العديد من التقاليد الأدبية المجزأة مع وجود تواصل محدود فيما بينهم. جعلت هذه الظروف من المستحيل تقريبا تعريف الأدب الكردي في إطار دولة قومية أو ربطه بمنطقة جغرافية. وبالتالي، فإن اللغة، كمعيار آخر، تأتي لتمثل المؤشر الأساسي للأدب الكردي وتسلط الضوء على الخط الفاصل الذي يشكل أطر الأدب القومي الكردي.

لا يمكن دائما اعتبار الكتاب الذين ينتجون بلغات أخرى غير اللغة الرسمية جزءا من “أدب ثانوي” بل من أدب تنتجه أقلية بلغة الأغلبية، كما أكد دولوز وغواتاري. ومع ذلك، فإن الكتاب الأكراد، على سبيل المثال، لم ينتجوا نصوصا أدبية باللغة التركية فحسب، بل أيضا بلغات الدول الأخرى التي يسكنونها. وهذا يعني أن الكرد أنتجوا العديد من الآداب الثانوية بلغات عدة ، مثل التركية والعربية والفارسية والأرمنية والروسية. وبالتالي، فإن الكتاب الذين لا يكتبون باللغة الكردية يتم التعبير عنهم داخل تلك الدول القومية ذات السيادة باستخدام اللغة الأدبية التي اكتسبوها. ومع ذلك، ومع الأخذ في الحسبان  القراء الذين يخاطبونهم والتقاليد الأدبية التي يتواصلون من خلالها، فإن القراء الأكراد أيضا متعددو اللغات وعلى اتصال مع الفضاء الأدبي الكردي كما هو حال الكتاب الكرد . للتوضيح، عندما يتعلق الأمر بالكتاب الذين ينتجون باللغة التركية، يمكن ملاحظتهم وهم يتحركون بين المساحات الأدبية الكردية والتركية. من الناحية النظرية ، فإن التمييز بين الأدب “الكبير” و “الصغير” كما يرد في كتاب باسكال كازانوفا “الجمهورية العالمية للآداب” أمر بالغ الأهمية في جعل الموضوع أكثر واقعية وشفافية. من خلال تحديد فضاء الأدب العالمي ولفت الانتباه إلى الصدام بين “المساحات الأدبية القومية الكبيرة” الأقدم والأسعد حظاً، و “المساحات الأدبية الصغيرة” الفقيرة التي ظهرت مؤخرا، تصرح كازانوفا أن المواقع التي يتخذها الأدب العظيم تملك إمتياز تحديد القيم الجمالية. ووفقا لها، هناك نهجان رئيسيان في الصراع بين هذه المساحات الأدبية: الأول هو الصهر، أي “الاندماج مع الفضاء الأدبي المهيمن من خلال تخفيف أو محو الاختلافات الأصلية”، والآخر هو التمايز، “أي تأكيد الاختلاف، عادة على أساس المطالبة بالهوية القومية”. وبالحديث في السياق التركي، وبالنظر إلى التراكم التاريخي والفرص التي توفرها الدولة القومية، يتضح أن الفضاء الأدبي التركي هو فضاء أدبي كبير مقارنة بالفضاء الكردي. وبعبارة أخرى، يشير التفضيل اللغوي للكتاب الكرد في تركيا إلى اختيارهم بين مساحة أدبية كبيرة ومساحة صغيرة. ومع ذلك ، في حالة تركيا ، لا تكفي مصطلحات كازانوفا الثنائية لتحديد الفضاء. ذلك لأن الكتاب الكرد الذين يكتبون باللغة التركية لم يتم صهرهم بشكل كامل في الأدب التركي، وعلى النقيض من ذلك، لقد طور هؤلاء الاتصال بين كلا الفضاءين الأدبيين من خلال تحديد هويتهم القومية بقوة. إن العامل الأكثر أهمية الذي يجعل أرضية الاتصال هذه ممكنة هو حقيقة أن القراء الكرد  كانوا يقرأونهم في المقام الأول باللغة التركية وذلك بسبب الحظر الصارم على التعليم الحكومي بلغات الأقليات في تركيا. علاوة على ذلك، هذه أيضا قضية تتعلق بإمكانية وصول القراء الكرد إلى نص أدبي تم كتابته  باللغة التركية. مثل هذه النصوص تجلب الاعتراف بالكتاب الموجودين على هامش الأدب الكردي. بعبارة أخرى، تصبح أعمال الكُتاب المشار إليهم ذات مغزى عندما يتم الترويج لها وبيعها في المكتبات الكردية على الإنترنت أو في أماكن تعرف باسم المكتبات الكردية في المدن التركية الكبرى.

العامل الثاني الذي يوفر أرضية التواصل بين مساحتين أو فضاءين هو موضوع هذا الفصل، ألا وهو: الترجمات من التركية إلى الكردية. لهذا النوع من الترجمة ثلاث وظائف مهمة. الأول هو أن ممارسة الترجمة تحمل أولئك الذين يعتبرون ضمن سياق ثانوي داخل الأدب التركي إلى المساحة الرئيسية للأدب الكردي. لذا فإن ممارسة الترجمة من التركية إلى الكردية تهدف إلى اعتبار هؤلاء الكتاب جزءا من الأدب الكردي. لذلك، فإن هذه الممارسة، من خلال الدلالات العرقية والثقافية لهؤلاء الكتاب، تهدف إلى إعادة دمج الكتاب الأكراد الذين تم ضمهم وصهرهم بواسطة أدوات الدولة القومية. النقطة الثانية هي أن ممارسة الترجمة تخلق انتقالا بين مساحتين أو فضاءين. الأول هو الفضاء الأدبي الكبير بكل الأدوات التي يوفرها له جهاز الدولة، والمعترف بها قانونيا داخل حدود دولة ذات لغة رسمية ومؤسسات أدبية قائمة على الحس الوطني المشترك ويزعم أنها مملوكة للدولة. والآخر هو الأدب الكردي، وهو الفضاء الأدبي الصغير الموجود على نطاق المقاومة وهو ذو فرص محدودة نتيجة للتدابير المانعة المستمرة التي تتخذها الدولة. بممارسة الترجمة داخل الفضاء الأدبي الكبير يتم دمج الكُتاب، الذين قام كبار الناشرين بنشر كتبهم ومنحوا الجوائز الأدبية المرموقة في هذا الفضاء الأكبر، يتم دمجهم في الفضاء الأدبي الصغير، مما يؤدي إلى توسعة نطاقه. الوظيفة الأخيرة والثالثة هي التسويق. مع أخذ قدرة التسويق الأدبي الكردي في الاعتبار، يمكن لأولئك الذين يكتبون بلغات أخرى غير الكردية أن يساعدوا في جذب المزيد من الاهتمام من القراء لملاحظة كيف أن الأدب الكردي غني من جهة التقاليد ومتنوع ومنتشر في جميع أنحاء العالم، على الرغم من أن بعض تلك الأعمال المترجمة لم يتم إنتاجها في الأصل باللغة الكردية. لذلك، من خلال إعطاء الأولوية لسوق النشر الكردي والكشف عن الصعوبات التي عانى منها الأدب الكردي، تخلق الترجمة إحساسا بالعودة إلى الوطن ليس فقط لدى الكتاب ولكن أيضا لدى القراء، الذين لم يروا حتى تلك اللحظة سوى أعمال هؤلاء الكتاب التي نشرت باللغة التركية. وكما سنرى مع تجميع الأعمال المترجمة إلى اللغة الكردية، فإن المخاوف التسويقية يمكن أن تصبح إلى حد ما أعلى من الشعور بالهوية عندما تكون المواد شبه النصية (أي أغلفة الكتب ذات الصلة) قيد التدقيق والفحص.

يتبع ..

شارك هذا المقال: