لـ نظيف تيليك Nazif Telek
ترجمة عن الألمانية: عبد الحميد محمد
“هناك، توجد قرية
بعيدةٌ جدّا عن ههنا
تنتمي القرية إلينا
حتى ولو لم نذهب هناك
ولم ننحدر منها
ومع ذلك، فالقرية لنا“
هذه القصيدة تُعدُّ مثالا على الكيفيّة التي يتمُّ بها الادّعاء في الأدب التركي بحقّ الملكيّة التركية لمنطقة الكرد، دون أن تتمّ حتى تسمية هذا الشعب باسمه. قليلون فقط، انتقدوا هذا الموقف بهدف تحقيق العدالة. قام عمر بولات Omer Polat ([1]) بإعادة صياغة هذه القصيدة:
“هناك في تلك الأقاصي، الأكراد
هم أيضا إخوتنا في البشرية
حتى ولو كنّا لا نعرفهم
ولا نعرف عنهم شيئا،
فإنّهم أيضا إخوتنا في البشرية“
دأب الأدب التركي الحديث، باستمرار، على إنكار الوجود الكردي أو الحطّ من شأن هذا الشعب. إذا ما وُجد ذكرٌ للأكراد فيه، فهذا يكون دون معرفةٍ بهم أو فهمٍ لهم.
بعد اتّفاقية لوزان Lausanner-Abkommen بين فرنسا وإنكلترا وتركيا (تحت حكم أتاتورك Atatürk) تمّ تقسيم كردستان Kurdistan للمرّة الأولى بين أربع دول، ليتمّ منحها وضع مستعمرةٍ دوليّة، ولتبدأ بعدها سياسة الإبادة التركية ضدّ الكرد.
قاوم الكرد ذلك القمع، عبر انتفاضاتٍ عديدة حتّى بداية العام 1940، دون تحقيق أيّ نجاح. بعد ذلك بدأت الجمهورية الجديدة سياسة الدمج ضدّ الأكراد، مع استخدام جميع الوسائل المتاحة لها. وفقا للأيديولوجيا الكمالية، لم يعد هناك من أكرادٍ بعد، وكان هذا النوع من القمع أكثر وحشية من اضطّهاد العثمانيين، حيث كان الأكراد يمتّعون ببعض الحقوق.
لم يتخلّف الأدب التركي عن هذا الموقف أبدا، وبهذا الشكل تمّ إنكار وجود الشعب الكردي، طوال سبعين عاما، مع وجود بعض الاستثناءات القليلة. “إنّ أهمّ شرطٍ مسبق للازدهار الحرّ للإنسان، هو قدرته على اختياره لهويّته الوطنية والفرديّة بحرّية. الكرديّ لا يُصبح تركيّا بإجباره على تبنّي التاريخ التركي” (عزيز نيسين Aziz Nesin).
فيما يلي بعض الأمثلة من الحياة اليومية التركيّة والأدب التركي، توضّح إهانة الأكراد. الكثير من الكرد من مربّي الماشية، والتحيّز الأكثر شيوعا في الأدب التركي يزعم أنّ: “الأكراد لهم ذيل“، وبهذه الطريقة وُصف الأكراد بأنّهم قذرون ووُضعوا على قدم المساواة مع الحيوانات. “للتثبُّت من أنّ للأكراد ذيولا حقّا، تمّ تجريد طفلٍ من ثيابه” (سيّد ألب Seyit Alp، أغنية المتجوّل Welat-Bir Iskancinin Türküsü، أنقرة، 1977، صفحة 19).
تظهر الأمثال الشعبية الموجهة ضد الكرد مرارا وتكرارا في الأدب التركي، أي إنّها ليست بالأمر النادر غير الشائع. على هذا، فإنّ الأمثال التالية تُعبّر عن سذاجة الكرد: “تعرّض محمّد Mehmet للخداع، وبالتالي فإنّ الكرديّ تمّ تكليفه بالحراسة“. لقد عاش الشعبان الكردي والتركي مئات السنين معا، وبدون مساعدة الكرد، لم يكن بمقدور أبي الأتراك لينجح في طرد القوى المحتلّة، فرنسا، إنكلترا واليونان. أرسل أتاتورك Atatürk الأكراد إلى الحرب كعلفٍ للمدافع، قبل أن يقوم بإبادة آلاف الكرد بنفسه. على الرغم من كلّ شيء، فإنّ العديد من الأتراك لا يثقون بالكرد: “لا تسمح حتى لقدّيس كردي بالدخول، لأنّه بكل تأكيد سوف يسرق شيئا ما“. “لا يمكنك أخذ فروة من دبّ، ولا يمكنك تسمية كردي بصديقك“. “الكردي الغريب ليس واحدا منّا“. “الغجريّ يلعب، والكرديّ يرقص“، ما يعني أنّ أيّا منهما لا يستطيع فعل شيءٍ آخر.
تمّ إظهار الكرد على أنّهم لئيمون، أغبياء، متخلّفون، وجاهلون، وسواء في العبارات الاصطلاحية الخاصّة او الأمثال، فغالبا ما تمّت مقارنة الكرد بالحيوانات وإظهارها ككائنات بلا قيمة. يتمُّ نسج النكات عن الكرد، بينما في ألمانيا تتمّ السخرية من النكات التركية.
بدأ التوكيد القوي على “القومية التركية”، كأيديولوجية تركية بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، حتى ولو كان ذلك سيعني الموت لـ “الأتراك الجدد”، فهم لا يريدون، ولا بأيّ حالٍ من الأحوال، ترك الأناضول لشعوبها الأصليّة، الكرد والأرمن والآشوريون، وهكذا بدأ عصر الاضطهاد لهذه الشعوب. وبالطبع، لم تجد المقاومة العادلة لهم أيّ تعاطف في الروايات التركيّة، بل على العكس من ذلك تمّ اعتبارها ورما وجب استئصاله وتدميره، فالإبادة الجماعية للأرمن لم تحدث بعد في الروايات التركية.
تمّ النظر إلى الانتفاضات الكردية على أنّها لعبة إمبريالية تُدار من الخارج. هكذا يقيّم كمال طاهر Kamal Tahir انتفاضة الشيخ سعيد Seyh Sait-Aufstand في روايته Namuscular_ حماة الشرف ([2]).
كانت هذه الانتفاضة موجّهة ضد نظام الحزب الواحد والسياسة العنصرية لكمال أتاتورك، وطالبت بالحكم الذاتي لكردستان Autonomie Kurdistans. يتّخذ حسن عزّ الدين دينامو Hasan Izzetin Dinamo ([3]) في روايته “السلام المقدّس Heiliger Frieden” وجهة مضادّة ضدّ الانتفاضات الكرديّة.
في العديد من الروايات تتمّ إهانة النساء الكرديّات، بوصفهنّ كائناتٍ وأدواتٍ جنسية للأبطال الأتراك الذين يقفون في مواجهة المتمرّدين الكرد. يدّعي مصطفى بسيلوفا Mustafa Yesilova ([4]) في روايته “ Kopo” أنّ الكرد ينحدرون في نسلهم من التركمان، وحين انتقد أوصمان شاهين Osman Sahin حُكم عليه بالسجن 15 شهرا.
وجد الكتّاب الأتراك، في ستّينيّات القرن العشرين، موضوعا ومصدرا جديدا للأدب التركي، حيث كان الأكراد أناسا من كوكبٍ آخر بالنسبة لهم. عاش الشاعر متين ألتيوك Metin Altiok لسنواتٍ طويلة في مدينة بينغول Bingöl الكردية، وكتب:
“تُعدُّ بينغول كجحيم في حياتي، جحيما لم أعرفه ولم أستطبه، جحيما لم أعرف عن وجوده شيئا، لكنّني الآن أعرف، لقد استيقظتُ. لقد رأيتُ أنّ حياة الإنسان ليست لها قيمة هنا. الدماء على قصائدي، أقول إنّه حقّا دم” (2000 أجل، فاضل ساي Fazıl Say، 2، 1992 2000 Dogru Say, 2. 1992). تمّ خرق الصمت حول الشعب الكردي، لأوّل مرّة، في عام 1996 مع رواية “جمو Cemo”([5]). كتب الكاتب كمال بلباشار Kemal Bilbasar باستفاضة كبيرة عن انتفاضة الشيخ سعيد عام 1925، وبعد ذلك كُتبت بعض الروايات التي انفتحت على مشاكل الكرد.
اتّخذ ناظم حكمت Nazim Hikmet أيضا موقفا واضحا جدا إلى جانب هذا الشعب، فقد رفض بحزم إنكار الهويّة القومية للكرد. كتب في رسالة إلى العالم المتخصّص بالدراسات الكردية Kurdologie كاميران بدرخان Kamuran Bediran ([6]):
“بعد تأسيس الجمهورية التركية، نكث الحكّام والمسؤولون الأتراك بوعودهم للأكراد، بل إنّهم حتّى أنكروا الوجود الكردي“. مع ذلك، لم يظهر في عمله “حرب الاستقلال Kuveyi Milliye” ذكرٌ لمصطلح “الأكراد Kurde”، ذلك أنّ ذكر هذه الكلمة كان ممنوعا آنذاك. لا يزال هناك الكثير مما يتوجّب القيام به في الأدب المتعلّق بالشعب الكردي وبقيّة الأقلّيات في تركيا وشمال كردستان.
عن الكاتب:
وُلد نظيف تيليك Nazif Telek في مدينة بتليس Bitlis الكردية في عام 1957. قام بدراسة هندسة الإنشاءات، وبعد انتقاله إلى ألمانيا الغربية في عام 1980 عمل في مراكز الرعاية النهارية للأطفال. بدأت محاولاته الأدبية الأولى في عام 1972، بما في ذلك قصص ثنائية اللغة للأطفال.
من كتبه المنشورة:
“نوروز لنا جميعا Newroz für uns alle” باللغتين التركية والألمانية، عام 1989 عن دار نشر الطريق الجديد Neuer Weg، بمدينة أيسن Essen.
“روجدا والنحل Rojda und die Bienen” باللغتين الكردية والألمانية، عام 1992 عن دار نشر الطريق الجديد Neuer Weg، بمدينة أيسن Essen.
“صديقي كردي Mein Freund ist Kurde” في تقويم السلام لعام 1994، عن دار نشر هارمز Harms-Verlag، بمدينة كيل Kiel الألمانية.
هوامش وإحالات المترجم
[1] . عمر بولات Omer Polat هو كاتب تركي مولود بتركيا عام 1945 ومعروف باسم “ديلان Dilan”. له عدّة روايات.
[2] . مدح الكاتب والفيلسوف التركي الراحل صلاح الدين هيلاف Selahattin Hilav هذه الرواية ولغتها وأسلوبها كثيرا. تم استخدام اللهجات المحلية بكثرة في هذه الرواية. تدور الرواية حول سجناء بسبب قضية الشرف، والكاتب كتبها في السجن.
[3] . لم أقرأ الرواية التي يُشير إليها المقال، لكن من المعروف أن الكاتب الكردي المشهور يشار كمال Yaşar Kemal مدح الكاتب المذكور هنا حسن عزّ الدين دينامو Hasan Izzetin Dinamo بقوله عنه: “لقد كان قدّيسا، بطلا، بسذاجة طفل، عاش ومات ابتسامة حزينة على شفتيه. كان حسن عزّ الدين دينامو بطلا ثوريا لا يضعف وأحد أعظم الأساتذة في أدبنا”. حسن عزّ الدين دينامو كان من التيّار الاشتراكي ونفس الوجهة السياسية لناظم حكمت، وقد نال عن الرواية التي يُشير إليها هذا المقال ” Kutsal Barış” جائزة أورهان كمال.
[4] . مصطفى بسيلوفا Mustafa Yesilova هو كاتب تركي مولود بالأصل في أذربيجان ثم تابع دراسته الثانوية في مدينة استنبول وتخرّج من معهد الشرطة هناك، أي عمل لاحقا كمعلّم ثم ككبير مفوّضي الشرطة في مدينة بودروم Bodrum ولذلك كان يُعرف بلقب “شريف بودروم”. الرواية التي يُشير إليها المقال ” Kopo” هي رواية حازت في عام 1977 على جائزة منشورات صحيفة ملييت المعروفة Milliyet Yayınları. نشرت هذه الدار روايته في العام التالي 1978، وهي رواية وثائقية تتحدّث عن انتفاضة ديرسم Dersim الكردية المعروفة بين عامي 1937 و1939 والتي قادها سيد رضا. للكاتب رواية أخرى نُشرت في عام 1981 تحمل عنوان “كاراسو Karasu” وتتحدّث عن ترحيل الأرمن ومذابحهم عام 1914 وفقا لرؤيته.
[5] . تدور هذه الرواية حول النظام الربوبي والعادات القبلية وأنماط الحياة الواقعية، وجمو هي امرأة شجاعة تحمي شعبها وحياتها بأسنانها وأظافرها، وحياتها أشبه بالحكايات الخرافية في شرقي الأناضول وأسطورة في تلك الجغرافيا القاسية. حصلت هذه الرواية على جائزة الأدب التركي لعام 1967. توجد لهذ الرواية التي كتبها الكاتب كمال بلباشار Kemal Bilbasar جزء ثان حمل عنوان “ممو Memo”. تمّ إدراج رواية “جمو Cemo” وأيضا روايته “فتاة البرسيم Yonca Kız” من قبل وزارة التربية والتعليم التركية ذمن أفضل 100 عمل أدبي موصى بها لطلّاب المدارس الابتدائية والثانوية. يندرج أدب الكاتب ضمن الأدب القروي والواقعية الاجتماعية النقدية، وهو يُدرج اللغات المحلية في معظم أدبه. وُلد الكاتب في عام 1910 وتوفي في استنبول عام 1983.
[6] . ورد الاسم في المقال هكذا Kamuran Bediran، بينما يُكتب الاسم في الكردية Kâmuran Ali Bedirxan وهو محامٍ وكاتب وسياسي كردي.