‹العنصرية› ضد اللاجئين السوريين في تركيا: مفاهيم خاطئة ومغالطات وخلافات سياسية

شارك هذا المقال:

محمد علي أحمد

منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، فرّ ملايين السوريين من بلادهم بحثاً عن الأمان في دول مجاورة، وأخرى بعيدة. وكانت تركيا أحد أبرز الدول المستضيفة لللاجئين السوريين، حيث يقيم حالياً نحو 3.7 مليون سوري تحت صفة «الحماية المؤقتة».

ورغم الجهود التي بذلتها الحكومة التركية لتوفير الخدمات الأساسية للسوريين، إلا أنهم يواجهون تحديات كبيرة في التكيف والاندماج في المجتمع التركي. وقد تصاعدت حدة العنصرية ضد السوريين في السنوات الأخيرة، خاصة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية في تركيا وتأثير جائحة كورونا والزلزال الأخير على حياة الناس.

وقد استغلت بعض الأحزاب والجماعات المعارضة قضية اللاجئين لإثارة المشاعر القومية والشعبوية لدى قاعدتهم الانتخابية، محمّلة السوريين مسؤولية مشاكل البطالة والجريمة والفقر في البلاد. وقد أدى هذا إلى تزايد حالات الاعتداءات والتهديدات والتمييز ضد السوريين في مختلف المجالات.

واحدة من أهم الأسباب التي أدت إلى تنامي العنصرية ضد السوريين في تركيا، هي الخوف من المنافسة على فرص العمل والموارد. فقد أثرت الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تركيا منذ عام 2018 على مستوى المعيشة والدخل للمواطنين الترك، مما زاد من معدلات البطالة والفقر. وقد رأى بعض الأتراك في السوريين منافسين غير عادلين على فرص العمل، خاصة في القطاعات غير الرسمية أو المهن المنخفضة المؤهلات، حيث يقبل السوريون على العمل بأجور أقل وظروف أسوأ من الأتراك.

وقد استغلت بعض الأحزاب المعارضة هذه المشاعر لتحميل الحكومة مسؤولية تفشي البطالة والفقر بسبب سياستها تجاه اللاجئين، وطالبت بإعادة السوريين إلى بلادهم أو إلى مناطق آمنة في شمال سوريا.

وقد أظهرت دراسات، أن هذه المطالبات لا تستند إلى حقائق موضوعية، بل إلى افتراضات خاطئة ومغالطات. فقد أشارت دراسة أجرتها منظمة ‹الإغاثة الإسلامية İHH› عام 2020 إلى أن نسبة السوريين المشاركين في سوق العمل في تركيا لا تتجاوز 25%، وأن معظمهم يعملون في قطاعات لا يفضلها أو لا يستطيع الأتراك العمل فيها، مثل الزراعة والبناء والخدمات.

كما أشارت دراسة أخرى أجراها البنك الدولي عام 2019 إلى أن وجود اللاجئين في تركيا له آثار اقتصادية إيجابية على المدى الطويل، حيث يزيدون من الإنفاق والإنتاج والابتكار والتجارة.

وأيضاً من الأسباب التي تؤجج العنصرية ضد السوريين في تركيا، هي الخلافات السياسية والإيديولوجية بين الحكومة والمعارضة.

فقد كانت تركيا من أوائل الدول التي دعمت الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، واستضافت قوى المعارضة السورية والجيش الوطني السوري، وفتحت حدودها لاستقبال ملايين اللاجئين. وقد اعتبرت هذه السياسة من قبل بعض الأحزاب والجماعات المعارضة في تركيا بأنها خطأ استراتيجي وتدخل في شؤون دولة مجاورة، وأنها أضعفت موقف تركيا في المنطقة وزادت من التوترات مع روسيا وإيران والنظام السوري. كما انتقدت هذه الأطراف سياسة الحكومة تجاه اللاجئين، مطالبة بإغلاق الحدود وإعادة السوريين إلى بلادهم أو إلى مناطق آمنة في شمال سوريا.

وقد استخدمت هذه الأطراف خطابات عنصرية وشعبوية للتأثير على المشاعر القومية والدينية لدى قاعدتهم الانتخابية، محمّلة السوريين مسؤولية المشاكل التي تعاني منها تركيا على المستوى الأمني والاجتماعي والثقافي.

وقد أظهرت دراسات أن هذه الخطابات لا تستند إلى حقائق موضوعية، بل إلى افتراضات سلبية ومغالطات. فقد أشارت دراسة أجرتها منظمة ‹الإغاثة الإسلامية İHH› عام 2020 إلى أن نسبة مشاركة السوريين في الجرائم بتركيا لا تزيد عن 1.32%، وأن معظم هذه الجرائم تتعلق بالخلافات بين السوريين أنفسهم، وليس مع المجتمع التركي.

كما أشارت دراسة أخرى أجرتها ‹المؤسسة التركية للبحوث› عام 2019 إلى أن نسبة التفاعل بين السوريين والأتراك في المجالات التعليمية والثقافية والدينية تزداد بشكل مستمر، وأن هذا يسهم في تحسين التفاهم المتبادل والاندماج المجتمعي.

وبالتالي، فإن محاربة العنصرية ضد السوريين في تركيا يتطلب تصحيح هذه المفاهيم الخاطئة وزيادة التوعية بالحقائق والأرقام الموثوقة.

مما سبق، يظهر جلياً أن مشكلة العنصرية ضد اللاجئين السوريين في تركيا ناتجة عن عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية، وأنها تستند إلى افتراضات خاطئة ومغالطات عن دور السوريين في سوق العمل والمجتمع التركي. كما يتبين أيضاً أن هذه الظاهرة تهدد الأمن والسلام في تركيا، وتعرقل جهود التكيف والاندماج للسوريين، وتخالف المبادئ الإنسانية والقانونية التي تحكم معاملة اللاجئين.

ويقدم مختصون بعض التوصيات للحد من هذه الظاهرة وتعزيز التضامن والتفاهم بين الشعبين، مثل:

– تحسين ظروف العمل والحماية الاجتماعية للسوريين في تركيا، وضمان حقوقهم في الحصول على أجور عادلة وبيئة آمنة.

– تشجيع المشاركة المدنية والثقافية للسوريين في المجتمع التركي، ودعم مبادرات التواصل والحوار بين الجماعات المختلفة.

– محاربة الخطابات العنصرية والشعبوية التي تستغل قضية اللاجئين لأغراض سياسية، وزيادة التوعية بالحقائق والأرقام الموثوقة عن دور السوريين في التنمية الاقتصادية والابتكار.

– دعم جهود إعادة الإعمار في سوريا، وإيجاد حل سياسي شامل لإنهاء الصراع، وضمان عودة آمنة وطوعية لللاجئين إلى بلادهم.

ولعل الاتجاه الذي ستسير نحوه هذه الظاهرة المقيتة في قادم الأيام، يضع على المحك قدرة السوريين والأتراك على الاستفادة من تجاربهم وثقافاتهم المختلفة لبناء مستقبل أفضل.

شارك هذا المقال: