الحرب الباردة….العربية!

شارك هذا المقال:

كيفورك خاتون وانيس

«مطلوب: شاب، عمره ما بين 22 و28 سنة، حاصل على شهادة الثانوية العامة أو دبلوم جامعي، للعمل في دولة شرقية براتب جيد، على أن يكون لائق بدنياً ولديه إطلاع واسع؛ الأفضلية لصاحب الكفاءة في التحدث بأكثر من لغة. للراغبين يرجى ارسال التفاصيل إلى صندوق بريد س.501، التايمز، إيه سي 4. »

شكّل هذا الإعلان، الذي تكفّلت بنشره صحيفة التايمز البريطانية بتاريخ  7آب / أغسطس 1925، بوابة دخول البحرين إلى التاريخ كدولة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.

فبعد اجتيازه المقابلات والاختبارات، حصل الشاب البريطاني تشارلز بلغريف في عام 1926 على منصب مستشار حاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة ومن بعده الشيخ سلمان الذي أصبح حاكماً للبحرين بعد وفاة والده في 1942.

عديدة  وقيّمة جداً الإنجازات والنجاحات التي حققها بلغريف في البحرين، فمن إنشاء نظام المحاكم المدنية والجنائية وتأسيس الشرطة وإتاحة التعليم النظامي العام للجميع على نطاق واسع وسلطات بلدية ودعم سياسي للتنقيب عن النفط. فقد كان للجهد الكبير الذي بذله بلغريف في البحث عن النفط هو الذي جعل البحرين هي أول دولة في الخليج العربي تكتشف النفط في عام 1932.

وعلى الصعيد التجاري، كان بلغريف وراء مشروع إنشاء باب البحرين الحيوي  لربط السوق المجاورة  بمرفأ المراكب الشراعية.

أما تأسيس مدارس نظامية للبنات الذي كان له أثر كبير على المدى الطويل للبلاد فقد تم على يد زوجته مارغوري. هذا القرار الذي تم الاعتراض عليه بشدة من قبل بعض المحافظين.

لم تتوقف مشاريع وانجازات المستشار(اللقب الذي عُرف به بين البحرينيين) على مدى ثلاثة عقود من تواجده في البحرين، حيث استمر في تسخير كل ما أمكن في عملية تحديث الدولة حتى تاريخ وصول موجة المد القومي إلى البحرين في أعقاب استيلاء تنظيم الضباط الأحرار على السلطة في مصر!

على الرغم من اعتراف بلغريف والحكومة البحرينية بهيئة الاتحاد الوطني (المعارضة في الخمسينيات) كصوت يمثل تطلعات الشعب البحريني وينقل مطالبه، والذي ورد في الإعلان الصادر في آذار/ مارس 1956، الذي يضمن حرية تشكيل منظمات المجتمع المدني والهيئات السياسية الممثلة للشعب، إلا أن نشاط هذه الهيئة تركّز على جانبين فقط: أولاً  الوقوف في وجه كل خطوة اصلاحية ( بغض النظر عن مدى ضرورتها أو صحتها) فقط لأنها صادرة عن مكتب المستشار!، ثانياً: الانسياق وراء الشعارات التي بدأ تنظيم الضابط الأحرار بإطلاقها لدغدغة المشاعر القومية، الأمر الذي كان له الأثر الكبير (كما حدث في الكثير من الدول العربية إلى درجة التشبه بحركة الضباط الاحرار) على تغيير بوصلة الهيئة من الاتجاه الوطني( الواقعي)  إلى  الاتجاه القومي ( المتخيل) والذي لم يتمثل فقط في العمل على التخلص من بلغريف ودفعه إلى مغادرة البحرين في 1957 بل في محاولة تغيير نظام الحكم إلى شاكلة ما حدث في اليمن بعد خمس سنوات!

إذا كانت حصار برلين 1948 – 1949 هو التطبيق العملي للحرب الباردة العالمية، فأنه يمكن اعتبار الصراع الذي وقع في البحرين في الخمسينيات، هو بداية حقبة جديدة  في المنطقة العربية كان البروفيسور مالكوم كير (رئيس جامعة بيروت الأميركية، الذي ولد في بيروت وعاش في لبنان واغتيل فيها 1984) هو أول   من اطلق عليها: الحرب الباردة العربية!

وهو مصطلح يصف  حالة التوتر العسكري والصراع السياسي التي  دامت قرابة ثلاثة عقود بين الجمهوريات القومية الثورية والملكيات ، والخليجية على وجه الخصوص ، والتي لم تنته  فقط بفشل مشروع الطرف الأول اقليمياً، لا بل ومحلياً أيضا”؛ ، فقد دفعت شعوب هذه الدول فاتورة باهظة  جداً ( وخاصة من عاش في ظل تلك الجمهوريات) سواء على مستوى الخسائر البشرية (كما حدث في اليمن 1962) أو على مستوى التنمية الاقتصادية !

يبدوا أنه بقدر اختلاف الأحزاب العقائدية الثورية فيما بينها على صعيد المنطلقات النظرية قبل وصولها إلى السلطة، بقدر تشابهها في أساليب ممارسة السلطة على الصعيدين المحلي والاقليمي !

فحال وصول هذه  الأحزاب إلى السلطة، سواء عن طريق الانقلاب أو الثورة، تباشر باتباع سياسات ارتجالية : داخلياً، التأميم الاقتصادي والإصلاح الزراعي (دونما دراسة أو تخطيط، والتي غالباً ما أدت إلى نتائج كارثية)  من أجل كسب الشرعية الشعبية، والثانية احتكار السلطة وذلك بالتخلص من رفاق الدرب وحلفاء الامس (الذين ساعدوهم في اسقاط النظام السابق) عبر اتهامهم بالتآمر للقيام بثورة المضادة.

أما على صعيد السياسة الخارجية، فأنهم يباشرون بتصدير الثورة أو على الاصح تصدير المشاكل وإثارة القلاقل في دول مجاورة وأخرى بعيدة لهدف واحد فقط وهو توسيع مناطق نفوذ “طليعة الحزب وقائده ” لا أكثر ولا أقل! مستغلين مشاكل داخلية معينة في هذا البلد أو ذاك!

شارك هذا المقال: