هذا الجهد الجماعي للسوريين الموجودين في أمريكا أنجز ما عجزت عن تحقيقه كل هياكل المعارضة السياسية المعتلة بمختلف مسمياتها من هيئات أو قوى أو تيارات.
بدأت القصة بفعل فردي لذلك المجند السوري الذي كان يعتقد بأنه يؤدي خدمة العلم في صفوف الجيش السوري ضمن منظومة قيم ( وطن ، شرف ، إخلاص ) وعندما أدرك من خلال مشاهدته الحية والمباشرة لجرائم التعذيب والتجويع والقتل لآلاف السوريين على أيدي قوات أمن النظام ،وخلال عام ونصف العام فقط من الاحتجاجات السلمية ، بأنه في منظومة لا تؤمن بوطن و لا تعرف الشرف وإخلاصها للمستبد فقط أخذ قراره بخدمة هؤلاء المقهورين والمقتولين ، فهرب ومعه حوالي 55 ألف صورة وفي كل صورة حكاية عذاب وقهر وفقدان وموت.
لم يكتف هذا الجندي بالتنديد والشجب والنحيب كما فعلت غالبية منصات المعارضة، بل قاد زمام مبادرته ووصل إلى فرنسا حاملاً بقلبه وفي حقيبته آلام ملايين السوريين، تواصل مع عدد من الناشطين في أمريكا وتمكن من الوصول إلى الكونغرس الأمريكي في شهر تموز من عام 2014 ليقدم شهادته وأدلته الدامغة على إجرام القوى الأمنية بحق المواطنين الأبرياء، ويعرض عينة من الصور التي أثارت ضجة كبيرة جداً، مما خلق بوادر أمل بتبني هذه الأدلة والخروج بفعل دولي مؤثر ومنصف.
بدأ الجهد الفردي يتطور عبر الناشطين الثوريين والسوريين المتواجدين في أمريكا، و تم تبني مشروع قرار يحمل الاسم المستعار لهذا الجندي الشجاع (قيصر) ، ودخل المشروع ضمن آليات وقنوات إصداره كقرار ولم يكتب له النجاح في المحاولة الأولى ، فقد كان هناك جهود مضادة وموازية لجهود السوريين تحاول إيقاف وتجميد هذا الجهد و ذلك خشية من آثاره التي ليست بقليلة فيما لو صدر. وبالمثابرة وتفعيل الجهود الجماعية والاستشارات المختلفة تم الوصول الذكي إلى ربط قانون (قيصر) ضمن حزمة قوانين ميزانية الدفاع الأمريكية والتي تضمن بدرجة كبيرة مرور هذا القانون وبالفعل لقد تم إقرار القانون وتوقيعه تحت اسم (قيصر لحماية المدنيين السوريين).
لو حاولنا أن نقارن بين تكاليف صدور هذا القانون من جهد ومال ووقت في الفترة بين 2014 حتى نهاية 2019 وحجم الإنجاز بصدوره من جهة ومن جهة ثانية بين ما أنفقته هيئات المعارضة من مال وجهد ووقت وما الذي أنجزته خلال ذات الفترة للقضية السورية سوى المزيد من التشتت و الاستقطاب وتبديد الأموال و تصدير الخيبة تلو الخيبة للشعب السوري ؟
المأمول من مفاعيل هذا القانون بالدرجة الأولى هو إشارة جامعة وواضحة لجميع السوريين بأن هذا النظام وسلوكه العدواني تجاه سورية وشعبها ،لم يعد يمتلك حلول حتى لنفسه ولمجموعته الضيقة من حوله، والتي طالما استثمرت في آمال وآلام الشعب السوري، فهل يطيق السوريون صبراً لعشر سنوات أخرى رهائن للفقر والذل والنهب ؟ وأن استمرار هذا النظام و إعادة تأهيله لن يجلب إلا المزيد من الويلات والحصار.
حيث يتضمن نص القانون السماح بفرض عقوبات على كل من تورط بجرائم حرب ضد الشعب السوري، وكل من يزود شركات الطيران التابعة للنظام السوري بالطائرات التجارية أو قطع التبديل، أو يتعامل مع قطاعي النقل والاتصالات، وكذلك يفرض. القانون عقوبات على من يبيعون أو يقدمون الخدمات أو التكنولوجيا أو المعلومات المهمة التي تسهل أو توسع الإنتاج النفطي المحلي للنظام السوري، أو الخدمات ذات الصلة التي تستخدمها القوات العسكرية التابعة للنظام، ويعاقب أيضاً من يقدمون “الخدمات الإنشائية أو الهندسية للحكومة السورية”، والخدمات المتعلقة بالإعمار. وينص القانون على فرض عقوبات أيضاً على الأشخاص الذين يقدمون دعماً أو يشاركون في صفقات مع النظام السوري والقوات العسكرية التابعة له، أو المقاولين الذين يتصرفون بالنيابة عن سوريا أو روسيا أو إيران، كما يتيح القانون للرئيس الأمريكي المجال لفرض العقوبات على من يريده في النظام السوري ومؤسساته، ابتداءً من رئيسه وانتهاءً برؤساء الأفرع الأمنية، مروراً بقادة الفرق العسكرية.
والمأمول بالدرجة الثانية هو إدراك السوريين بعجز هياكل المعارضة السياسية والإيمان بالجهود الجماعية للسوريين خارج الأجندات الدولية والإقليمية ، وبالتركيز على الكفاءات المهاجرة في دول الاتحاد الأوربي و أمريكا من ناشطين و باحثين و اقتصاديين و قانونيين و أكاديميين ورجال أعمال ، يتواصلون مع دوائر صنع القرار بشكل صحيح للوصول إلى منتجات فاعلة لخدمة السوريين ، بعيداً عن شعارات فتح فيينا وتحرير روما ومنتديات الحوار العلماني – الإسلامي والصالونات الصفراء التي تنتج التخمة و تنمي الكروش للقائمين عليها وتستقطب معارضة سياسية لا لون لها ولا طعم ولا رائحة ، ولا يملكون خارطة واحدة لمخيمات النزوح و اللجوء للسوريين الذين يتكسبون من آلامهم.
- الدكتور عبد الناصر الجاسم: أكاديمي سوري