المقال بقلم شيري لايزر.
الترجمة عن الإنكليزية: راج آل محمد.
في كتابي المعنون شهداء، وطنيون وخونة:كردستان ما بعد حرب الخليج بدأت بتتبع الأبعاد الداخلية للمسألة الكردية بالتوازي مع المشاكل الخارجية من حرب واضطهاد. ولكن لدى متابعة التطورات الكثيرة التي حصلت منذ صدور الكتاب في عام 1996 أعتقد أن الأبعاد الداخلية باتت ضاغطة أكثر من ذي قبل.
عندما بدأت بالكتابة في الصحافة العالمية بهدف تحقيق المساواة للكرد والحفاظ على كل السحر والغنى والتنوع في الموسيقى والثقافة الكرديتين، فإنني خاطبت العديد من جماهير القراء سواء بشكل حي ومباشر أو عبر التلفاز للحديث عن الاضطهاد والمعاناة التي يعاني منهما الشعب الكردي المقسَّم وطنه. ولكنني الآن بدأت أرى كيف أن الكرد يضطهدون بعضهم بعضاً بل يضطهدون أنفسهم أكثر بقليل مما يفعله الأعداء.
تم تنشئة أجيال جديدة من الشعب الكردي على شيء من الخوف وعدم الثقة. إن المجتمع المبني على الخوف وعدم الثقة لابد أن يكبت أحاسيس الحب والمشاركة والتشجيع والدعم للحديث بصراحة وإظهار الحب والكياسة. فبدلاً من المديح والتقدير لكل ما هو جيد وصحيح، مثلاً، ثمة نميمة وافتراء وشعور بالضيق من ذلك. وبدلاً من النقد الصريح للإخفاقات الداخلية، ثمة محاولات دائمة لإلقاء اللوم على الآخرين عن كل خطأ يحدث. إن قيادات الأحزاب السياسية الكردية الرئيسية تبدي القليل من الفهم أو القلق على كيفية معالجة [مشاكل] الأمة الكردية وفي تنوير عامة الشعب روحياً ومساعدتهم في الاستقلال داخلياً. وما كان يبدو في يوم ما بطولة كردية في وجه الاضطهاد الهمجي نزلت إلى مستوى الهمجية بحد ذاتها وذلك من خلال سياسات الاستئساد والقمع الداخلي. من الضروري بمكان أن يبدأ المجتمع الكردي بمعالجة نفسه من الكراهية والحط من مكانة النساء والعداوة المتجذرة عميقاً في قلبه.
من الضحية إلى الجلاد
مفهومٌ على نطاق واسع أن المظلوم معرّض دوماً لأن يُصبِح ظالماً إن هو أو هي لم يعرف/تعرف شيئاً سوى الاضطهاد وأساليبه. على القادة أن يبدأوا بالنظر إلى الشعب والاهتمام به وليس فقط استخدامه أرقاماً لتسجيل النقاط في لعبتهم السياسية.
إن التطلع لأن تصبح أمة وتطوّر ثقافتك ليست “قومية بدائية” بل هو رغبة بشرية طبيعية. على الكرد أن يتوقفوا عن إرضاء الأتراك والعرب والأمريكيين وتوسل الأخوة منهم. لماذا هذا الإصرار على الاعتراف بالأخوة؟ هؤلاء الذين يسمون “أخوة” هم الذين ذبحوا آلاف الكرد في القرن الماضي وهو لا يندرج ضمن الميول الأخوية بل تحمل طابع الإبادة الجماعية. لقد ظلم التاريخُ الكردَ ولكن عندما تسنح لهم الفرصة التاريخية الآن لكي يقفزوا إلى الأمام وينتهزوا الفرص المعروضة لكي يُصبحوا كرداً بحق، فإن قادتهم يظلمونهم من خلال سحق ميول عامة الشعب. إن المهمشين والعاجزين يُحرمون من حق احترام الذات والنظر إلى أنفسهم كأمة متمايزة.
نصحني كردي ذات مرة قائلاً ” لا تساعدي الكردي ما لم يطلب هو المساعدة”. لم أفهم في حينه أن سبب ذلك هو أن الشعب الكردي لم يعد غريزياً يمد يد العون لشخص آخر يعاني من الظلم. إن ذلك الميل [في تقديم المساعدة] تحوّل إلى الشك في أن تقديم المساعدة يعني أنك تطلب منه شيئاً. إن السنين الطويلة من سوء المعاملة هي التي قادت إلى إمتهان الميول البشرية الطبيعية.
على الكرد أن يجدوا طريقهم من جديد؛ والطريقة الوحيدة لذلك هي في النظر عميقاً إلى قلوبهم والاعتراف بحاجاتهم وتطلعاتهم وامتلاك الشجاعة والقناعة السياسية والأخلاقية لتحقيق ذلك وإخبار قادتهم بما يريدونه ويتوقعونه. إن الإخفاق في مساعدة القادة من خلال المطالب الصحيحة والنقد البناء إنما يحوّلهم إلى طغاة لأن القادة ليسوا آلهة ولا قديسين. للقادة أخطاءهم وعيوبهم مثل أي شخص عادي. يجب ألا نأله القادة الكرد بحيث يستطيعون أن يمارسوا الطغيان الذاتي مثل الحقبة العثمانية. إن النقد ظاهرة طبيعية وصحية، حتى لأعلى التنظيمات السياسية، لإنجاز الهياكل الديمقراطية.
التعذيب والتصفيات داخل التنظيمات الكردية
إنها لحقيقة مرة، ولكنها موثقة بشكل جيد، أن الأحزاب السياسية الكردية قد قامت بتعذيب وتصفية أعضائها الذين عبّروا عن أرائهم وأظهروا عدم موافقتهم أو معارضتهم للقيادة. لا يمكن تبرير هذا العمل مطلقاً ولا يمكن غفرانه. إن الأعمال الوحشية [كهذه] تحط من قيمة القضية الكردية كما إنها تحط من قدر الإنسانية. يجب السماح للنشطاء الكرد الذين يناضلون من أجل التغيير والإصلاح والمساواة في الحقوق أن ينتقدوا تنظيماتهم وأن يتركوا أحزابهم السياسية إن كانوا غير راضين عنها. ويجب أن يتمتع عامة الكرد كذلك بحقوق متساوية في ممارسة النقد من دون خوف من التهجم عليهم. فاسدون هم الذين يقومون بالافتراء والتعذيب ومهاجمة منتقديهم. ليس بإمكانهم القيادة أكثر. ويجب ألا يمشي الناس خلفهم لأن ذلك الطريق يؤدي إلى لا شيء سوى الخراب والهلاك. الشر يوّلد الشر. لقد حان الوقت لتشغيل العجلة السياسية والعودة إلى المسار الصحيح بعيداً عن العنف الداخلي والإكراه المفرط.
بصفتي صحافية مدافعة عن حقوق الإنسان وكاتبة تؤمن بالالتزام وبالنفس الإنسانية العليا، نزعتي الأولى هي مساعدة المظلوم والمعذّب كائناً من كان، إن كنتُ أستطيع أن أفعل ذلك. لا أعتقد أنه ينبغي أن يُطلب مني ذلك. وهو دافع إنساني محض ينبع من قلب دأبه التعاطف والشفقة.
وبسبب ذلك الدافع تعاطيت مع القضية الكردية لأول مرة فقلتُ لنفسي لماذا يُعامل هؤلاء الفقراء بهذه الطريقة فقط لكونهم أكراداً ولأنهم وُلدوا حيث هم في ظل حكومات معادية؟ وقلتُ أنه ما من فرق بيني وبين هؤلاء الكرد المساكين ولكن أنا لدي صوت ولدي تجربة في الحرية والديمقراطية التي استطيع أن أستخدمها لمصلحتهم بالقول أن هذا الشيء أو ذاك غير صحيح أو غير عادل. لقد مدحتُ حينما وجدت سبباً للمديح وانتقدتُ عندما وجدتُ سبباً للنقد. لكنني وجدتُ أن المديح فقط مسموح لي وأن من يمدحون ويتزلفون قادتهم هم من يرتقون في صفوف الأحزاب السياسية بينما أولئك الذين ينتقدون يتم إقصاءهم وإدانتهم. هذا الشكل من الإدارة والقيادة لا تمت إلى الديمقراطية بصلة.
تشويه سمعة منتقدي الفساد وسوء المعاملة ووصفهم بـ”العاهرات” و”العملاء” و”الخونة”
عندما عملتُ مع المنظمات الكردية كعاملة في جمعية خيرية وحملة جمع الأموال، فإنني انتقدتُ الفساد والعنف الداخلي الذي كنتُ شاهدةً عليه. كان القصد من ذلك هو النقد من أجل البناء؛ فاعتبرني من يقاوم الإصلاح ومن كان متشبثاً بمصالحه الشخصية “عميلة سرية”. بفعلهم هذا كانوا يرفضون مواجهة الحقيقة وإعادة الأمور إلى نصابها في التنظيمات التي أوجدوها هم بأنفسهم. إن التنظيمات موجودة لكي تقوم بخدمة شعوبها وليس العكس. مع ذلك، نجد أن آلاف الناس من عامة الكرد مجبرون على خدمة تنظيمات سياسية كان من المفترض أن تقوم هي بخدمتهم. تبرر تلك التنظيمات ما تقوم به بأنه “خدمة للشعب” و”تمثيل للشعب”، ولكنها في الحقيقة لا تخدمهم على الإطلاق.
وفي أيامنا هذه غالباً ما يتم الاعتداء جسدياً من قبل التنظيمات على الأشخاص الذين يعارضون ما يُفرض عليهم من القيادة. هذه الممارسات لن توصل الأمة الكردية إلى أي مكان لا خارجيا ولا حتى داخلياً. على المجتمع الكردي أن يعتمد على تحسين مكانة الفرد لأن المجتمع هو بالمحصلة مجموعة من الأفراد. إن القيادة تخفي الحقيقة عن الناس وفي سعيها لحجب الحقيقة فإنها تتهم الآخرين بالخيانة والتخريب. إن التخريب الحقيقي هوالعفن الذي في الداخل- المبادئ غير العملية والتفكير البالي والأساليب غير العادلة والافتقار إلى الإحسان وغياب التماهي والتعاطف وإلغاء حب الإنسانية لبعضهم بعضاً.
إن الأمة الكردية تتشظى أمام أعيننا لأن الثقافة الحقيقة القديمة تتلاشى إذ لا يقوم أحد بخدمة التقاليد والأدب والحكمة القديمة ولا يتم الحفاظ عليها. لا يمكن المطالبة بحقوق الإنسان والديمقراطية عندما تنكر هذه الحقوق الأساسية على أفراد حزبك وشعبك وتدين أي منتقد ووصفه بالعميل لهذه الحكومة أو تلك.
إن عقلية التآمر وعقلية فترة الحرب الباردة التي يحملها الكرد يجب التخلص منها وبسرعة قبل أن ينشأ جيل من الأطفال على هذا الإحساس بالظلم والخوف المقيدين للحركة. إن هذا لمرض اجتماعي وعلى درجة عالية من الفنائية.
العنصرية الكردية
إنني أرى اليوم أن الكرد عموماً لا يحبون الشعوب الأخرى لأنهم لا يحبون أنفسهم. يعتقد الكرد عموماً أن على الغربيين من أمثالي أن يساعدوهم بسبب معاناتهم ولكنهم مع ذلك لا يريدونك أن تكون قريباً منهم. ومن خلال تجريبتي الشخصية يبدو أن أقرب توصيف هو “ساعدني، ثم اتركني وشأني لأنك لست كردياً”.
لقد ناضلت وقدمت تضحيات شخصية لحماية مركز الجالية الكردية [في بريطانيا] من الإغلاق بسبب سوء التصرف وبسبب الدعم المالي والسياسي لحزب سياسي معروف وهو ما يشكل انتهاكاً لقانون الجمعية. لقد قمتُ بهذا العمل لأنني كنت قادرة على مقاومة الضغط الذي مارسه أولئك الذين أرادوا أن يحولوا التبرعات الخيرية التي حصلت عليها من أجل منفعة الجالية كلها إلى جهات أخرى. إصراري على ذلك جعلني شخصاً غير مرغوب فيها وإطلاق صفة “العميلة” عليّ. وقد كنت كذلك بحق فأنا عميلة من أجل منفعة الكرد وتحسين التكامل والتضامن الكرديين، ولا شيء سوى ذلك.
لقد كنت شاهد عيان على الاقتتال الكردي حيث الكردي يقتل كردياً آخر باسم هذا الحزب السياسي أو ذاك، ليس من اجل المثل الأعلى القابل للحياة. في الماضي كان الكرد يموتون والحب في قلوبهم بحلم كردستان. لقد أخذت القيادة الكردية ذلك الحلم النبيل وأهملته على أنه “قومية متخلفة”. لماذا كل الشعوب الأخرى لديها دولة والكردي لا؟ وما الخطأ في ذلك؟ الانفصال ليست جريمة ولكنه ميل طبيعي من الناس للتعبير عن هويتهم المستقلة. لدى الويلزيين والاسكوتلنديين دولهم الخاصة ولديهم تراثهم الثقافي واعتزاز بمآثر الماضي، فلماذا لا يكون الكرد الشيء ذاته؟ ومتى آمن الكرد بشكل نهائي أن أعداءهم كانوا محقين دائماً وأن ليس لديهم الحق بالوجود؟
في عام 1996 كنت أقوم بتسجيل فيلم وثائقي لقناة ABC حول الانقسامات الداخلية في كردستان. قبل الدخول إلى كردستان العراق، قابلت ممثلين عن PKK و الاتحاد الوطني الكردستاني (أوك) والحزب الديمقراطي الكردستاني (حدك) في سوريا. ولكن عندما حاولت دخول كردستان العراق، منعني (حدك) من دخول المنطقة التي يسيطر عليها لأنني التقيتُ بممثلي (أوك) وPKK(كان الديمقراطي الكردستاني في حينه يتعاون مع الأتراك والأتراك كانوا يقاتلون الكرد داخل كردستان وفي شوارع أورباً أيضاً من خلال الاغتيالات والقتل العمد).
أخيراً عندما فكرّ أولئك الذين يعرفونني وكيف أنني مشيت معهم في الجبال أثناء الهجرة الجماعية في ربيع عام 1991، سُمِح لي بالدخول. بقية طاقم العمل دخلوا بعدي وبدأنا بالعمل. ولكن منذ تلك اللحظة فصاعداً كنا مراقبين ونُمنع عند حواجز الطرق من المتابعة ونُمنع من التحدث مع من نحتاجهم حتى يكون التقرير عادلاً. بالنسبة لي كانت هذه مأساة شخصية ونهاية ارتداء النظارات الوردية عن “الديمقراطية” الكردية.
زاد الوضع سوءً منذ ذلك الوقت. قابلتُ عبدالله أوجلان في روما في كانون الأول 1998. بصفته إنساناً مثلي، شعرتُ بالأسف على ما كان فيه وعلى ما آل إليه بسبب PKK. أخبرني أنه يقدّر صراحتي وشجاعتي بالتحدث إليه كندّ. لم يكن PKK/KADEK راغباً في تصديق أن أي شخص يمكن أن يكون نداً لـ”شمسهم” ولكن هذا الموقف الشعبي يشكل نقطة ضعف كبيرة في الحزب وهي لن تؤدي إلى الديمقراطية أو الحرية. اصغى أوجلان إلى ما قلته لأنني كنت مخلصة في أمنياتي بالحرية الكردية- الحرية الداخلية والخارجية أيضاً.
منذ اعتقاله وأنا انتقد PKK وتالياً KADEK على إنكار حق الفرد الكردي، الذي يمارسون نفوذا عليه، من فرصة إدراك قدراته/قدراتها الشخصية بشكل ديمقراطي. لا يُعطى أي مكان حقيقي للفرد بسبب بنية وإيديولوجية الحزب. وهذه السياسة لا يمكن أن تكون جيدة. كل شيء يبدأ من تنمية وتثقيف الفرد تماماً مثلما يحصل في تطور الرضيع ليصبح طفلاً. من الخطأ تبرير كل شيء على أنه من أجل “الشعب”. ليس هناك شيء اسمه “شعب”. أروني أين بالضبط يوجد تلاحم بالمجتمع الكردي إذا أردتم أن تبرهنوا على أن هناك “شعب” واحد؛ هذا غير موجود بدلاً من ذلك هناك الملايين من الأفراد المنكوبين وعدة آلاف ممن ناضلوا لكي يصبحوا أحراراً وسالمين معافى ومن يهتمون بما يحصل لبني جلدتهم.
إن المجتمع المتكافل هو المجتمع المبني على الحب والتعاطف وليس على الخوف والهيمنة. فإذا ما انتقد أحدهم سياسات وممارسات KADEK، على سبيل المثال، فإنه يُتهم بـ”العمالة” و”الخائن”. وإذا كان المنتقد إمرأة، فإنها توصف بـ “بالعميلة” و”الفاجرة”. في جنوبي كردستان، وبسبب صعود التطرف الإسلامي فإنها شهدت الكثير من جرائم “الشرف” لنسوة تم جدع أنفوهن ونسوة أضرمن النار بأنفسهن ومن إنكار تام للمساواة [مع الرجل] في الحياة اليومية. يُدان الحب ويُحط من قدره بوصفه “جنساً”. ليس الناس أحراراً في أن يختاروا من يحبون ويرغبون بالزواج والعيش معهم-وهي من حقوق الإنسان الأساسية. ينبغي معالجة هذا الانحطاط الاجتماعي-الثقافي وتقويمه والعمل به يبدأ من الداخل.
سياسة النفعية لن تجلب لا الحرية الداخلية ولا الخارجية
السياسات النفعية سوف لن تُحدِث الإصلاح الملح كما هو مطلوب في الحياة الثقافية للمجتمع الكردي. أتذكر الشعراء الكرد في القرنين السادس عشر والسابع عشر وكيف أنهم فهموا حياة الإنسان. لقد فهموا قلب الإنسان وحاجاته. عندما كتبوا عن الحب، كانوا يعرفون أن الحب لا يعني الجنس فقط. وأدركوا أن الشفقة ليست أنانية مولودة بنيّة سيئة. ولم تكن النساء خائفات ولا يُشتمن بوصفهن بالحقيرات أو الدعرات. كان النقاد قادة ولم يكونوا خونة.
في العقود الأخيرة، وهو ما يدعو للأسى، ، أن الشباب الكرد يُؤمرون من قبل أحزابهم أن يمتنعوا عن الوقوع في الحب وأن يتنكروا لمشاعرهم الإنسانية وأن يمتنعوا عن الزواج وأن تدير الفتيات ظهورهن للأمومة وتربية العائلة لأنهن قد “تزوجن من كردستان”. باعتقال أوجلان وتغيير المطالب، باتت فكرة “الزواج من كردستان” بلا معنى. إن أوجلان في الأسر اليوم. وهو في يد العدو الذي حاربه PKK لمدة تزيد عن عشرين عاماً؛ وهو العدو الذي قطع رؤوس الكرد واغتصب الفتيات القرويات وأحرق النساء والرجال المسنين في بيوتهم بالهجمات الصاروحية ومثّل بجثث الكريلا الأحياء منهم والأموات. لا يمكن القفز من هكذا وضع إلى “الأخوة” في الحال. إن الذين قاموا بتلك الأفعال لم يكونوا أخوة لكم وعندما تقومون بأشياء مشابهة مع الأشخاص داخل منظماتكم فإنكم لستم مختلفين عنهم. إن القضية بحد ذاتها تشوّه. وقد كان قرار جميل بايك صائباً عندما رفض في عام 1999 استقلالية التصريحات التي يطلقها أوجلان من جزيرة إمرالي. وما زال هذا القرار صائباً. فهو غير مستقل عمّ يحيط به.
المطلوب تعزيز وحماية حرية الكلام والتفكير
ينبغي أن يتكلم الكرد فيما بينهم بما يفكرون به دون خوف. عليهم أن يستمعوا إلى بعضهم وإلى الآخرين باحترام مع تشجيع النقاش والانفتاح. ولكن، للأسف، فإن هذا الشيء ممنوع. إن كنت أكتب عما رأيته واختبرته بين الكرد خلال العشرين سنة الماضية هل ينبغي أن تشوّه سمعتي ويُطلق عليّ صفة “العاهرة” و”العميلة” لأن قول الحقيقة مزعج؟ هذا الوضع يفتح مستقبل الكرد على أفق مؤلم جداً. بدون حرية داخلية لن تكون هناك ديمقراطية بل صفوفاً خلف صفوف من الجنود كالدمى.
بالنسبة لي، كصديقة للكرد وعضو فعّال في الحركة الإنسانية المعاصرة،كان كل أملي أن أناضل من أجل الإبداع والحب والتعددية في القرن الواحد والعشرين، لقد وصلت القضية الكردية إلى حد مأساوي خطير وباختصار هذه المأساة الداخلية أصبحت أكبر اليوم وبحاجة ماسة للحل أكثر من المأساة الخارجية.
أناشد كل الأحزاب والتنظيمات الكردية أن تتوقف عن تشويه السمعة والتهديد ومنع حركة وشن الهجمات على منتقديها واغتيالهم وأن تواجه الحقيقة المرة بروح القلق على مستقبل الكرد. سيكون من السهل جداً على أصدقائي الكرد الذين عانوا طويلاً التخلص من الوهم وبصمت.