كيفورك خاتون وانيس
في الذكرى المئوية لمجازر 1915 التي دارت رحاها في الاناضول وأودت بحياة مئات الآلاف من الأرمن وتهجير الناجين من موطنهم التاريخي الذي عاشوا فيه لأكثر من ثلاثة آلاف عام، يقرر الصحفي سنان (الهولندي – التركي) المختص بالتحقيقات أن يصطحب الفنان المسرحي آرا ( الهولندي – الأرمني)، في رحلة بحث ميدانية إلى كل القرى والبلدات والجبال والوديان التي شهدت تلك الاحداث المأسوية التي لاتزال تلقي بظلالها القاتمة والثقيلة على العلاقات الأرمنية – التركية حتى يومنا هذا.
بالإضافة إلى هذا الدافع الإنساني المشترك الذي يهدف في النهاية إلى إعادة لم شمل هذين الشعبين اللذين عاشا معاَ لأكثر من سبعة قرون على نفس الجغرافيا، ثمة دافع نبيل آخر يخص كل منهما على حدا؛ يريد سنان من خلال هذا البحث أن يتأكد من عدم تلطخ أيادي أجداده بدم أولئك الضحايا، إذ أنه سيرث عن جده الأكبر أراضِ زراعية في قرى كانت أرمنية قبل وقوع تلك المذابح. ويسعى آرا إلى اكتشاف جذور عائلته وكيف نجا البعض منهم، والأهم من ذلك تقديم الشكر والامتنان لأحفاد هؤلاء النبلاء الأتراك الذين خاطروا بحياتهم وحياة عائلاتهم في سبيل انقاذ الكثير من المستضعفين في أحلك لحظات التاريخ وأشدها قسوة!
خلال هذه الرحلة يستكشفان قصة محمد الولد التركي أبن الثانية عشرة الذي خاطر بحياته خلال المجازر ووقف بوجه أخويه اللذان كانا يضمران الشر للولد الأرمني اليتيم الذي تربى معهم.
يتعرفان على بطولة جلال باي وإنسانيته المتجسدة في احتضان الطفل الأرمني الذي فقد كل أهله في مأساة 1915، حيث اعتنى به كما يعتني بأولاده الحقيقين حوالى 8 سنوات ( حتى تاريخ وفاة جلال باي ومرض زوجته ).
كما يلتقيان بأحفاد حسين باي الذي أنقذ جدة آرا الكبرى (بعد مقتل زوجها ) وأطفالها من قوافل الموت المحقق، حيث احضرهم إلى منزله ليعيشوا مع عائلته معززين أمنين؛ فاتحّدت شجاعته مع انسانيته في تحدِ بطولي لفرمان قائد الجيش العثماني الثالث محمود كامل باشا:” المسلم الذي يحمي أرمنياً سوف يقُتل أمام منزله ويُحرق بيته”
لا يحاول هذا الكتاب أو الرحلة تبسيط التاريخ أو إنكار حقيقة كونه مليء بالمظالم والفواجع والمآسي، إنما يقدمه عبر عدسة الأعمال الإنسانية وتضحيات الخيّرين في زمن الشرور الكبرى، بهدف التغلب على عجزنا بتغييره، وتفويت فرصة استغلال العواطف من قبل الآخرين لخدمة أجنداتهم السياسية التي لا تقود إلا إلى زرع الأحقاد والكراهية بدل تقديم الحلول والعلاجات والضمادات.
يريد سنان وآرا من خلال هذا الكتاب تقديم قراءة مختلفة لأن فيها إنصافٌ للخيرين والصالحين الذين بأعمالهم الإنسانية والبطولية يطهرون أرواحنا من الكراهية والانتقام، كما تجنبنا هذه القراءة الدقيقة خطر الانزلاق إلى حكم عام ومطلق لا يصب إلا في مصلحة المذنبين؛ ففي التعميم تبرئة للمذنب الحقيقي!
إنها رحلة إلى الروح كما يحبذا الاثنان تسميتها. رحلة بعيدة عن السياسة وألاعيبها واجنداتها!
إنه كتاب زاخر بقصص مؤلمة، مفعمة بالمحبة والتضحية، باعثة على الأمل. لكنها قبل كل شيء رحلة عن الإنسانية والمصالحة.
صدر الكتاب عن دار الفارابي في بيروت 2025