هل سوريا آمنة لعودة اللاجئين؟ ما البدائل؟

شارك هذا المقال:

محمد علي أحمد

بعد أكثر من عقد من الصراع، يمكن وصف حالة سوريا الآن بأنها مأساوية، فيما لا تزال تشهد انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان من قبل جميع الأطراف المتحاربة.

ووفق إحصاءات أممية، فإن أكثر من 14.6 مليون شخص في سوريا بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، وأكثر من 12 مليون شخص نزحوا داخليا أو خارجيا. أما الوضع الاقتصادي في سوريا فقد انهار بسبب جائحة كوفيد-19، وانخفاض قيمة الليرة السورية، وارتفاع التضخم، وزيادة أسعار الوقود، وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر، والعقوبات.

كثير من الناس في هذا البلد فقدوا مصادر رزقهم أو لم يعودوا قادرين على إعالة عائلاتهم، ولأول مرة، يعاني السوريون في كل منطقة من البلاد من بعض درجات الضغط الإنساني. ويعد المهجرون داخليا، الذين نزح كثير منهم عدة مرات، الأكثر تضرراً، مع انهيار الخدمات الأساسية والبنية التحتية الحيوية.

العودة

 وفقا لآخر استطلاع لنوايا العودة للاجئين السوريين، الذي أجري في يناير وفبراير 2023، فإن 90% من اللاجئين السوريين غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية في بلد الاستضافة و58% يأملون في العودة إلى سوريا يوما ما (مقابل 70% في 2021)، ولكن فقط 1.7% يخططون للقيام بذلك خلال الأشهر الاثني عشر التالية (مقابل 2.4% في 2021).

ويحول بين السوريين وتحقيق «رغبتهم» هذه، حقيقة أن سوريا بلد غير آمن لعودة اللاجئين، وفق تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة. فهناك مخاوف كبيرة من التعرض للاعتقال التعسفي، والتعذيب، والخطف، والقتل خارج نطاق القضاء، والإخفاء القسري، والعنف الجنسي من قبل قوات الحكومة السورية والميليشيات الموالية لها.

فقد وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقريرها الصادر بتاريخ 20 أكتوبر 2021، 21 حالة من الاعتقال والاحتجاز التعسفي، و13 حالة من التعذيب، و3 حالات من الخطف، و5 حالات من القتل خارج نطاق القضاء، و17 حالة من الإخفاء القسري، وحالة واحدة من العنف الجنسي المزعوم. بصفوف اللاجئين السوريين العائدين من الأردن ولبنان.

كما أن هناك صعوبات كبيرة في استرداد الممتلكات أو تأمين المأوى في سوريا بسبب تدمير المنازل والبنية التحتية وسرقة الممتلكات، إلى جانب أن هناك نقص حاد في الموارد والخدمات الأساسية مثل الماء والغذاء والصحة والتعليم في سوريا، ناهيك عن وجود احتمال عودة الصراع في بعض المناطق مثل إدلب والحسكة والرقة.

الهجرة غير الشرعية

وعلى الرغم من العوامل «المنفرة» في بلدان اللجوء، إلا أن نسبة كبيرة من السوريين في الداخل يبحثون عن قشة تخلصهم مما هم فيه من البؤس، ويسلكون لتحقيق هذه الغاية سبلاً في غاية الخطورة عبر الهجرة غير الشرعية و«التهريب».

ولا يرى مختصون في هذا النوع من «الهجرة» خياراً مقبولاً بالنسبة للسوريين، فهو يحمل مخاطر كبيرة وعواقب وخيمة للسوريين ولبلدان المقصد، منها:

الموت أو الإصابة أثناء الرحلة: هناك من السوريين من يضطر إلى استخدام طرق خطرة وغير آمنة للوصول إلى بلدان المقصد، مثل القوارب المكتظة أو الشاحنات المغلقة أو العبور غير الشرعي للحدود. هذه الطرق قد تؤدي إلى الموت بسبب الغرق أو الاختناق أو الإصابة أو التعرض للحرارة أو البرد أو العنف.

مخاطر الاتجار بالبشر أو التهريب: الكثير من السوريين يعتمدون على المهربين أو المتاجرين بالبشر لمساعدتهم في الهجرة غير الشرعية، مما يجعلهم عرضة للاستغلال والابتزاز والإجبار على العمل أو التسول أو الدعارة.

الانتهاكات القانونية والإدارية: يفقد الكثير من السوريين وثائقهم أو يستخدمون وثائق مزورة أو مزودة بمعلومات خاطئة للهجرة غير الشرعية، مما يجعلهم مخالفين لقوانين بلدان المقصد ويحرمهم من حقوقهم وحمايتهم، وقد يتعرضون للاحتجاز أو الترحيل أو الملاحقة القضائية.

صعوبات في التكيف والاندماج: يجد الكثير من السوريين صعوبات في التكيف والاندماج في بلدان المقصد بسبب عدم وجود تصاريح قانونية أو اعتراف رسمي بصفتهم كلاجئين، وقد يواجهون تمييزا أو عزلة أو فقرا أو اكتئابا، كما أنهم قد يفتقرون إلى فرص التعليم أو التأهيل أو التشغيل.

ما البديل؟

البدائل المتاحة للاجئين السوريين هي قنوات هجرة ليست مصممة بالضرورة للاجئين، ولكن يمكن استخدامها من قبل اللاجئين، من أجل تجنب استخدام طرق مكلفة وخطرة عبر قنوات اللجوء. وهي تكمل برامج إعادة التوطين القياسية.

هذه القنوات تشمل الهجرة العمالية، والدراسة الدولية، والهجرة الأسرية، بالإضافة إلى التأشيرات الإنسانية وبرامج الكفالة الخاصة.

– فرص العمل:

هذه البرامج تسمح للاجئين بالحصول على تصاريح عمل أو تأشيرات عمالية للعمل في بلد المقصد، ومن بين البلدان التي تطبق هذه البرامج هي أستراليا، وكندا، والولايات المتحدة.

وقد استفاد حوالي 18,200 عامل سوري من هذه البرامج في بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي في السنوات الخمس الماضية، معظمهم في أستراليا وكندا.

ويتطلب استخدام قنوات الهجرة العمالية العامة للاجئين أدوات سياسية وحوافز لأصحاب العمل لتمكين اللاجئين من المنافسة مع باقي العمال المهاجرين. يجب أن تكون الحوافز متوافقة مع المعايير العمالية العامة للعمال المحليين، لتجنب زعزعة الدعم العام والجهود المبذولة لإدماج اللاجئين الموجودين بالفعل في البلد.

وتبدو معظم بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي عن طريق الهجرة العمالية «مقصرة» في استجابتها للأزمة السورية، فقد منحت حوالي 18,200 تصريح عمل للعمال السوريين في السنوات الخمس الماضية، على الرغم من أن ما يقرب من مليوني سوري تتراوح أعمارهم بين 18 و 59 عاما نزحوا إلى بلدان مجاورة لوطنهم.

– فرص التعليم:

هذه البرامج تسمح للاجئين الحصول على منح دراسية أو تأشيرات طلابية للدراسة في بلد المقصد، ومن بين البلدان التي تطبق هذه البرامج فرنسا، وألمانيا، والولايات المتحدة.

وقد استفاد حوالي 15,300 طالب سوري من هذه البرامج في بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي في السنوات الخمس الماضية، معظمهم في فرنسا وألمانيا.

ومن بين جميع قنوات الهجرة البديلة للاجئين، تحظى البرامج الطلابية بأكبر دعم عام في بلدان المقصد، خاصة في المجتمع الأكاديمي. ومع ذلك، يجب على هذه البرامج أن تواجه عددا من التحديات، مثل التحقق من مستوى التعليم للمرشحين، وتوفير خدمات مناسبة لاحتياجات المستفدين، لكنها تضطلع بدور قيِّم في بناء قوى عاملة مؤهلة تأهيلا عاليا.

– الهجرة الأسرية:

هذه البرامج تسمح للاجئين بالانضمام إلى أفراد من عائلاتهم الموجودين في بلد المقصد، ومن البلدان التي تطبق هذه البرامج فرنسا، وألمانيا، والولايات المتحدة.

وقد استفاد حوالي 100,000 لاجئ سوري من هذه البرامج منذ عام 2013، معظمهم في ألمانيا والولايات المتحدة.

وتعد الهجرة الأسرية وسيلة أخرى لتوفير ممرات آمنة للاجئين، خاصة إذا كان لديهم أقارب في بلدان المقصد. ومع ذلك، فإن هذه القناة تواجه عقبات قانونية وإدارية، مثل تحديد الأسرة والتحقق من الهوية والحصول على الوثائق اللازمة. كما أن هناك حدودا لعدد الأشخاص الذين يمكن إعادة توطينهم من خلال هذه القناة، حيث يتوقف ذلك على وجود أفراد من الأسرة في بلدان المقصد.

– التأشيرات الإنسانية وبرامج القبول الإنساني:

التأشيرات الإنسانية هي تأشيرات مؤقتة تمنح للأشخاص الذين يواجهون خطرا شديدا في بلدهم أو في بلد ثالث، وتسمح لهم بالسفر إلى بلد المقصد وطلب اللجوء هناك، ومن البلدان التي تطبق هذه البرامج البرازيل، وفرنسا، وإيطاليا، والسويد.

وقد استفاد حوالي 30,000 لاجئ سوري من هذه البرامج منذ عام 2013، معظمهم في البرازيل وفرنسا.

هذه البرامج تزيد من عدد المقاعد المتاحة لإعادة التوطين، وتخفف من العبء على الحكومات، وتزيد من التضامن مع اللاجئين.

– الكفالة الخاصة أو المجتمعية:

هذه البرامج تسمح للأفراد أو المجموعات أو المنظمات في بلد المقصد بتقديم المساعدة المالية أو المادية أو الاجتماعية للاجئين، وتسهيل إعادة توطينهم، ومن البلدان التي تطبق هذه البرامج كندا، وأستراليا، وألمانيا، والولايات المتحدة.

وقد استفاد حوالي 70,000 لاجئ سوري من هذه البرامج منذ عام 2013، معظمهم في كندا وألمانيا.

هذه هي بعض من البدائل المتاحة للاجئين السوريين، ولكن كل منها يحتاج إلى التخطيط والتنسيق والتمويل والإشراف من قبل الحكومات والمنظمات المعنية. كما أن كل منها يحتوي على مزايا وعيوب، ولا يضمن نجاح أو سلامة أو إدماج جميع اللاجئين. في نهاية المطاف، فإن الحل يكمن في إنهاء الأزمة السورية عبر التوصل لحل سياسي دائم وشامل يضع حداً للصراع ويحترم حقوق جميع السوريين.

شارك هذا المقال: