الغرب لا يريد الديمقراطية للشرق؟!

شارك هذا المقال:

كيفورك خاتون وانيس

إنها واحدة من المقولات التي نرددها كلما فشلنا في حل مشاكلاتنا  الداخلية وهي  من طينة  المقولات الأخرى التي كنا نسمعها بأن الاستعمار(التي لطالما رددتها الأحزاب القومية والدينية)  والامبريالية (التي لطالما رددها اليسار بمختلف مشاربه) هما السبب في عرقلة جهود ترتيب شؤوننا.

وهنا تتوافق  رؤية  اليسار واليمين  والكثير من شعوب  الشرق  بأنه لو كان الغرب يريد حقاً الديمقراطية لشعوب الشرق لأقدم على مساعدتها. لكن الرؤى تختلف في تحديد نوع المساعدة المرجوة أو المتوقعة.

هناك من يريدها (من كلا التيارين) تدخلاً مباشراً للتخلص من الحكم الشمولي كما حدث في العراق وليبيا ولم يحدث في سوريا رغم المطالبة الملحة من قبل طيف واسع من النخب المعارضة. وهنالك من يريدها دعماً مادياً ومناصرة معنوية كما حدث في مصر وتونس.

وهناك نوع ثالث من الدعم الذي تقدمه الكثير من الدول الغربية في ميدان تعزيز الثقافة الديمقراطية في الشرق وهي توفير الدعم المادي وتسخير الخبرات في خدمة نشاط النخب في تشكيل هيئات وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني التي من المفترض أنها تسعى لبناء الديمقراطية في بلدانها! رغم كون هذا النوع من المساعدة هو الأصلح في مسيرة دعم وتأهيل الكوادر المؤمنة بالديمقراطية، ورغم أنها تأتي من هيئات مستقلة لا تفرض أي أجندة خاصة بها  إلا أن النخب قلما تأتي على ذكر هذا الدعم الذي تلقته ولا تزال!

رغم تقديم كل أنواع المساعدة والدعم  وعدم تحقق الهدف المنشود، وهي مسألة هامة  وتحتاج إلى بحث ودراسة مستقلة، إلا أنه ثمة سؤال مركّب يتطلب الإجابة عليه ، والسؤال   : ما   هو حامل هذه النظرية وما الدافع وراء التشبث بها ؟

يُعتبر التاريخ الاستعماري الغربي لمنطقة الشرق الأوسط في النصف الأول من القرن العشرين الحامل الأول لهذه النظرية لدى نخب اليمين واليسار على حد سواء.

كما تُعتبر الانتماءات العقائدية لأصحاب هذه النظرية هي الحامل الثاني؛ وهنا أيضاً تشترك أحزاب اليسار  واليمين كلٍ وفق منظوره الأيديولوجي في التقييم  العام للغرب بما ذلك هذا الحكم.

 لكن ألا يحتاج الحامل الأول (التاريخ الاستعماري) إلى إعادة تقييم من خلال قراءة موضوعية لواقع المنطقة قبل ذلك التاريخ وخلاله وبعد انتفاء وجوده، من أجل الوصول إلى استنتاجات واقعية بدل الاستمرار في تبني أحكام دوغمائية مطلقة ؟

فهل كانت هناك حياة سياسية في معظم بلدان الشرق الأوسط حتى تاريخ مجيء الغرب، هل كانت هناك قوانين مدنية تنظم حياة المجتمع وحرية تشكيل أحزاب وانتخابات وبرلمان وغيرها من مقومات الديمقراطية قبل ذلك التاريخ، هل كان كل ذلك متوفراً وأن الغرب جاء وحظرها أم أن ما حدث هو العكس ؟

طالما أن الجواب على هذا السؤال بسيط ومتيسّر، لماذا إذاً لا تزال معظم شعوب الشرق ونخبها  ترددها حتى يومنا هذا؟ هل هي جزء من ثقافة عدم الاعتراف بالقصور الذاتي والخطأ وبالتالي البحث عن شماعة لها ؟

أما عن الحامل الثاني (الانتماء العقائدي)، فإنه يكفي لمجادلته طرح سؤالين أولهما : هل كانت الأنظمة القمعية الجمهورية في الشرق صديقة الغرب أم دول ما سمي بالمعسكر الشرقي؟ فلماذا لم توجه هذه التهمة إلى هذا المعسكر الذي لم يطرح البتة مسألة الحريات السياسية لا على المستوى الرسمي ولا على مستوى الصحافة ومنظمات المجتمع المدني؟ ألم تقم العديد من دول الغرب بانتقاد تلك الأنظمة الديكتاتورية رسمياً وشعبياً؟! والثاني: ألم يكن الغرب الأوروبي دائماً هو الملجأ الآمن للفارين من عسف الاستبداد والباحثين عن حياة حرة كريمة، بما فيهم نخب اليسار واليمين الذين لم يتوقفوا عن وصف الغرب بأسوأ الأوصاف ؟

إن انعكاسات هذه الرؤية تظهر في ثلاث جوانب هامة: التركيز عليها يقودنا إلى حالة الرؤية النفقية Tunnel Vision  التي تمنعنا من رؤية الصورة الكاملة، ثانياً إضاعة البوصلة في تحديد وجهتنا وبالتالي مواقفنا من هؤلاء  الذين ساهموا بشكل أو بآخر في تطويرنا كمجتمع ودولة، وأولئك الذين لم يكن يهمهم غير التعامل مع أنظمة تشبههم. ثالثاً هو العجز الذي تخلفه هذه الرؤية في القدرة على معرفة مواطن الخلل الذاتية التي تعرقل مسيرة تطورنا!

أخيراً وليس آخراً، ثمة سؤال ربما جوابه أسهل من الأسئلة السابقة: لو كان الغرب يحتكر الديمقراطية ويمنعها عن الآخرين، كيف استطاعت دول كثيرة في العالم من دخول هذا النادي، كالبرازيل وكوريا الجنوبية والهند على سبيل المثال لا الحصر، بالإضافة إلى دول شرق أوروبا التي كانت تناصبها العداء خلال الحرب الباردة؟

في النهاية، أجدني مضطراً لذكر دوافع الكتابة حول هذا الموضوع  ألا وهي الدعوة إلى التفكير بالمفاهيم والأحكام والمواقف المتوارثة، والتي هي في النتيجة ليست دفاعاً عن أحد بقدر كونها طريقة لمعرفة الآخر بشكل موضوعي وبالتالي التعامل معه وأخذ المفيد من تجاربه، وتحصين عقولنا من التلقين العقائدي الذي لا يرى الآخر المختلف عنه إلا خصماً أو عدواً!

شارك هذا المقال: