الرد على مقال: [التَحيُّز وهَتْكُ الأمانةِ العلمية في كتاب “أكراد سوريا، التاريخ، الديموغرافية، السياسة”]

شارك هذا المقال:

مهند الكاطع

نشر موقع مدارات كرد بتاريخ 21-6-2022 مادة تحمل هذا العنوان الجريء للكاتب محسن سيدا يقدم من خلالها نقداً لما جاء في كتابنا الموسوم ( أكراد سورية: التاريخ، الديموغرافية، السياسة)، والواقع أن إطلاق تهمة “التحيّز” يمكن فهمه وتبريره في إطار مواقف سياسية أو إيديولوجية للناقد، وهي على أية حال ليست بتلك الخطورة التي تحتاج التوقف عندها لتأكيدها أو نفيها دوماً، كما أننا يجب أن نعترف بأنَّ الحياد المطلق مسألة غير واقعيّة، خاصة اتجاه قضايا حسَّاسة لها أبعاد سياسية ووطنية واجتماعية وتعنينا بشكل مباشر أو غير مباشر، لكنَّ النقد حتى يصيب حظه من المصداقيَّة ومن النجاح، فإنَّه يتوجَّبُ على الناقد أن يُقيَّد نفسه بمنقوده ويحذوه بما يكاد يشبه حذو النعل بالنعل.

لقد حمل العنوان الذي اختاره سيدا لنقده، “هتك الأمانة العلمية” مدلولات خطيرة جداً ومثيرة للانتباه، الأمر الذي اضطرني إلى المراجعة الدقيقة والتزام مبدأ “حذو النعل بالنعل” والالتصاق بحضيض النص ومفرداته، لإتاحة المجال للقارئ للحكم على مدى صدقية ومطابقة ما جاء في متن المادة وعنوانها مع الحقائق التاريخية، لذلك استميح القارئ عذراً وأدعوه لأن يتحملني كما تحمَّل الناقد في عرضه للاقتباسات الطويلة وتأويلاتها وتفسيراتها وما اعتراها من إشكاليات في الشكل والمضمون، علماً أنني تناولت المدخل التاريخي لكتابي بصورة “مكثفة” جداً، وذلك  لتجنيب إغراق القارئ بالاقتباسات المملة والتفاصيل البعيدة عن جوهر وموضوع الكتاب، لذلك كانت الفكرة بالاكتفاء بإيجاز السياق التاريخي بما ينسجم مع المحاور الرئيسية للكتاب.

والواقع لا أملك إلا أن أشكر السيد محسن سيدا الذي لا تربطني به سابق معرفة، على محاولته الجادة للنقد، والجهد الواضح الذي بذله في مراجعة الكتاب، وهو جهد يستحق الثناء، بالرغم من كل المغالطات الجسيمة التي وقع بها، و سأحاول من خلال هذا الرد توضيح مواضع القصور المنهجي والمعرفي في دراسته النقدية، ناهيك عن تناوله لأدوات خاطئة لا تصلح للنقد أو الاستدلال، كل ذلك في سبيل إثبات ما توهّم بأنني تعمدت نفيه أو إخفاءه. وهذا ما يفسر إصرار الكاتب على تغليب حدس ظنية الشك لديه بنوايا الكاتب ومن ثم إصداره أحكاماً قطعية وجعلها مبرراً لسيل من الاتهامات الشخصية من قبيل (التحيّز، تعمّد اخفاء الحقائق، تحوير النصوص،  والانتقائية ..الخ).

وليسمح لي الأستاذ محسن قبل البدء بتناول ما جاء في مادته، الإشارة بإنّ الأمانة العلمية تقتضي منه الاقتباس السليم على الأقل لعنوان الكتاب الذي يقوم بنقده، فعنوان كتابي (أكراد سورية) وليس (أكراد سوريا)، واسم العائلة للمؤلف يكتب بأل التعريف هكذا (الكاطع) وليس (كاطع) كذلك دار النشر هي (دار قناديل) وليس (دار القناديل)، كلها أخطاء أعلم أنها طفيفة، لكن سياق نقدك يستوجب الإشارة إلى ذلك.

  1. مغالطات المقدمة

تعمّد السيد محسن التشكيك بنوايا الكاتب واتهامه بجملة من الاتهامات، وحرص على إيهام القارئ بأنه يقتبس من كتابي، والاقتباس هنا على طريقة الصمت بعد قوله تعالى: (ويلٌ للمصلين). وعلى هذا النحو جاء اتهامه مثلاً بأنَّ الكاتب يتهم الكرد “بترويج الأكاذيب”، وهذا قطعاً تشويه صريح ومتعمّد لمراد الكاتب، يتضح لكل من يطلع على الكتاب من الوهلة الأولى، حيث تحدثت في مقدمة كتابي عن مغالطات في الخطاب السياسي الكردي مبنية على أكاذيب يتم الترويج لها في الوسط الكردي، حتى باتت الأجيال الجديدة تصدق مثل هذه الأكاذيب، فالفرق شاسع بين مزاعم سيدا بأنني أتهم الأكراد على وجه التعميم بترويح الأكاذيب، وبين حديثي عن فئة محددة لها مصالح ودوافع معينة ببناء إيديولوجية استناداً لأكاذيب، وترويجها لينخدع فيها باقي الأكراد. وعلى هذا النحو زعم سيدا بأنَّ الكاتب ينفي وجود الشعب الكردي في سورية ويعتبره “أكذوبة”،

وليتني أعلم كيف تجرأ  سيدا على الزعم بأنني أنفي الوجود الكردي في سورية واعتبره “أكذوبة”، فعنوان الكتاب نفسه ينطق بما فيه (أكراد سورية)، والفصل الخامس في الكتاب كاملاً تناول جغرافية وديموغرافية ووجود الأكراد في سورية، فكيف يستقيم هذا مع اتهام سيدا “الغير مسند” بأنَّ المؤلف ينفي وجود الأكراد في سورية ويعتبره أكذوبة؟ أما السياق الذي تحدث به الكاتب، فقد جاء ضمن الأمثلة على المغالطات التي تتبناها الإيديولوجية القومية الكردية في الترويج لمصطلح “شعب كردي في سورية” إزاء “شعب سوري”، وهذا ما يعتبره الكاتب أكذوبة ويتناولها بالشرح والتعليل في فصل كامل عن عدم صحة تقسيم الشعب الواحد في الدولة، إلى عدة شعوب واستخدام ذلك في أدوات الطرح السياسي. أنظر: أكراد سورية (الفصل الثالث، الفصل الرابع) (الصفحات من 139-241).

  • المغالطات حول نصوص أرشاك بولاديان:

يزعم سيدا بأنَّ: الكاتب تعمد إغفال ما أورده بولاديان عن مكان إقامة الكرد، وذكر نصوص أخرى لتوظيفها في تمرير فكرته بعد إخضاع النص لعمليات الحذف والإضافة، ويتلخص لاحقاً اعتراض سيدا في نقطتين رئيسيتين:

  • الأولى: أنَّ بولاديان لم يذكر في نصوصه عبارة “إقليم الجبال” إنما جاءت إضافة من الكاتب لتعزيز وجهة نظره بأن أصل الأكراد هم من الجبال.
  • الثانية: أن الكاتب “أغفل ما أورده بولاديان من شواهد وأدلة عن إقامة الكرد في الجبال والجزء الشمالي من ولاية الموصل وفي أقاليم إيرانية”

والرد على ذلك يحتاج توضيح في البدء مسألتين:

  • الكاتب لم يستخدم في إشارته لبولاديان أدوات الاقتباس المباشر، وفي المنهج العلمي الذي لا يخفى على سيدا الحائز على إجازة في التاريخ، أن الاقتباس المباشر يُلزم الكاتب بالتقيد بحرفيّة النص ويدلّل على ذلك بوضعه بين مزدوجي الاقتباس ” “  وعادة يستخدم هذا النهج في نص لا يتجاوز 40 كلمة، وهنا لا يسمح للباحث إعادة صياغة النص أو إضافات أو تغيير تركيبة النص، أما في الاقتباس الغير مباشر (والذي اعتمد عليه الكاتب) فالكاتب يصيغ و”يكثّف” النص بما يخدم توضيح المعنى دون إسهاب أو استرسال خاصة في نصوص مصادر القرون الوسطى، وبالتالي لا وجه علمي للنقد الذي وجهه سيدا للكاتب في زيادة توضيحية للنص، ما دامت الزيادة لها أصل في مضمون المرجع نفسه -بولاديان-  كما سنوضح لاحقاً.
  • الإشارة إلى أن “الجبال” الموطن التاريخي للأكراد، ليست بدعة اختلقها الكاتب، بل قدّم على ذلك عشرات الأدلة التاريخية، لا يقتصر ذلك فقط على مصادر القرون الوسطى، بل حتى دراسات الباحثين الغربيين والشرقيين الذين اختصوا بدراسة تاريخ الأكراد. بل ذهب بعض المختصين إلى أبعد من ذلك، فهذا الكردولوجي المشهور باسيل نيكيتين Basil Nikitin   يشدّد أن الأقاليم والولايات التي باتت تحمل لاحقاً اسم (كردستان) سواء أكانت في إيران أم في تركيا، لا تمثل مطلقاً المنطقة التي يعيش فيها الشعب الكردي، مضيفاً: إذا أردنا التعرّف إلى البلاد التي يعيش فيها الكرد فلا يصح الاستناد على الاسم الذي يحمل مصطلح (كردستان)؛ لأنه اصطلاح يختلف مدلوله من حيث الزمان والشمول، بل يجب البحث عن محدد آخر، ولا يمكننا إيجاده إلا بالرجوع إلى دراسة الجغرافيا الطبيعية لآسيا القديمة، مع الأخذ بالحسبان المبدأ الثابت القائل: “إن الكرد قوم جبليون بجبلتهم”. أنظر: الكورد دراسة سوسيولوجية وتاريخية ص71.
  • ت‌- مسألة تناول بولاديان لمناطق انتشار الأكراد في مراحل مختلفة من العصر الوسيط في مختلف المناطق الجبلية، سواء إقليم الجبال، أو المنطقة الجبلية شمالي ولاية الموصل، أو خوزستان، أو حتى خارج مناطقهم التقليدية، يأتي في سياق طبيعي لتنقلات تلك القبائل بعد الإسلام، واشرنا في أكثر من موضع إلى هذا الانتشار وصولاً للجزيرة الفراتية في الحقبة العباسية، أو الشام ومصر.
  • ث‌- الحديث عن وجود الأكراد شمالي الموصل، يحدده بولاديان في أكثر من 10 مواضع في الكتاب، كلها مرتبطة بالمنطقة الجبلية شمال العراق وفي إيران الحالية، ولا يوجد إشارة واحدة عند بولاديان تشير إلى وجودهم في جغرافية الجزيرة الفراتية الحالية (موضع البحث)، يقول بولاديان (ص25): “نستطيع الافتراض بأنه في السنوات الثلاثين من بداية القرن السابع، أي في فترة ما قبل الفتوحات العربية، كانت القبائل الكردية تعيش في المنطقة التي نسميها اليوم (كردستان العراق وكردستان إيران) وبعض المناطق الإيرانية” انتهى.
  • ج‌-   كذلك الموصل نفسها التي بات الأكراد ينزلون في بعض نواحيها في دولة الخلافة، لم تكن جزء من الجزيرة، هذا ما يؤكده ابن شداد في كتابه (الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة) ص 112 ” ونختم بذكر الموصل وإن لم تكن من الجزيرة، وإنما ساقنا إلى ذكرها المجاورة والمصاقبة” انتهى.
  • المغالطات حول ما نصوص ابن حوقل:

في كتابي أوردتُ معلومتين مختصرتين استندت فيهما إلى ابن حوقل، الأولى بأن ابن حوقل حدد في كتابه مصايف ومشاتي الأكراد ضمن إقليم الجبال، والثانية بأن ابن حوقل ذكّر الجبال التي كانت مسكونة بالقبائل الكردية مثل الحميدية واللرية والهدبانية فضلاً عن أكراد شهرزور وسهروارد.

بناء على ماورد، اتهمنا سيدا بجملة من التهم: (التعامل بانتقائية، تجاهل ما ذكره ابن حوقل عن وجود الكرد في إقليم الجزيرة وضمنه الموصل، النقل عن ابن حوقل بطريقة تخل بسياق النص ..الخ) ، كذلك زعم سيدا أن ما ذكره ابن حوقل حتى لو جاء في فصل إقليم الجبال، إلا أن حديثه لا يشمل إقليم الجبال بالمعنى الإداري، وأن كلمة “إقليم” إضافة من الكاتب، ولا أدري على ماذا استند سيدا في ذلك؟.

الرد والتعقيب:

  1. ابن حوقل فعلاً حدد مصايف ومشاتي الأكراد في إقليم الجبال، هذا مذكور ومرسوم في خارطة إقليم الجبال في كتابه، وهذا ما يؤكده بولاديان في حديثه عن الأكراد ص151، وساقتبس:” لقد كانوا يملكون، بحسب تعبير المؤلفين العرب مشاتي ومصايف، وفي الخارطة التي رسمها ابن حوقل لمنطقة الجبال، فإنه يضع هذه المشاتي والمصايف في الجزء المركزي من المنطقة”.
  2. استشهادي بنص ابن حوقل هو في معرض الحديث عن علاقة الأكراد في الجبال، وليس في تحديد كل مواقع الأكراد، لكن ابن حوقل النصيبي الموصلي (منسوب لنصيبين والموصل) لم يكن ليكتم وجود الأكراد في الجزيرة وهو ابن نصيبين والموصل.
  3. حديثنا أن ابن حوقل كتبَ مُذكِّراً “بأنّ الأكراد يسكنون الجبال مثل الحميدية ..الخ” فهذا لا يتضمن أي خروج أو تحوير في النص وسياقه، أما تحديد مواقع تلك الجبال فهذا شأن آخر، وتحديده واقتباس نص طويل مؤلف من عدة صفحات، لا يضيف قيمة لسياق النص الذي تمت معالجته الكرد بوصفهم “قوم جبليون ومرتبطون بالجبال” بغض النظر عن موضعها الذي لم يكن على أي حال ذو صلة بمناطق الجزيرة الفراتية الحالية كما سيتضح.
  4. ادعاء محسن سيدا “أن ماذكره ابن حوقل عن الأكراد في فصل إقليم الجبال، فإنه لا يشمل إقليم الجبال بالمعنى الإداري وأن كلمة إقليم جاءت إضافة من الكاتب” هو ادعاء غريب متناقض لا يفهم القصد منه، بل يفنده ابن حوقل نفسه الذي ذكر في بداية مؤلفه منهجه ص6 ” قد فصلت بلاد الإسلام إقليما إقليما وصقعا صقعا وكورة كورة” ثم يستعرض الخرائط التي قدمها ويسمها (صورة) إلى أن يصل إلى تقديم  كاملة عن إقليم الجبال وحدوده وسكانه ص315 من القسم الثاني – الجبال فيقول: “والغالب على هذه المدن المذكورة والنواحي الموصوفة الجبال الشاهقة العاليّة والأوعار الصعبة المنيعة، ..، والذي يحيط بالجبال الصعبة من حد شهرزور إلى آمد فيما بين حدود أذربيجان والجزيرة ونواحي الموصل وهو من طولها، …،  فلا يُرى فيها مرحلة واحدة في سهل! وهذه الجبال مسكونة مأهولة بالأكراد الحميدية واللارية والهذبانية وغيرهم من أكراد شهرزور وسهرورد إلى حلوان والصيمرة والسيروان واللون وأصبهان وحد فارس راجعاً إلى قاسان إلى همذان راجعاً حتى ينتهي إلى قزوين ونواحي الديلم وتمتد الجبال في أذربيجان بين وعر وسهل وجبل إلى جبل القبق على جبال الخُرمية، وأسافل هذه الجبال من نواحي شهرزور إلى نواحي قاسان وحدود خوزستان تعرف بالماهين: ماه الكوفة وماه البصرة” انتهى

إذن النص كله هو عن إقليم الجبال، المحاط بسلاسل جبلية شاهقة مأهولة بالأكراد، وإحدى هذه السلاسل هي الممتدة من شهرزور إلى آمد (فيما بين حدود أذربيجان والجزيرة ونواحي الموصل) فالحديث هنا عن الجبال و لا علاقة له بإقليم الجزيرة، ولا الوجود الكردي خارج الجبال كما حاول سيدا أن يمرّر، ولمعرفة تلك السلاسل راجع توضيح خارطة صورة الجبال لابن حوقل الملحق (2).  

  • 5-   يزعم سيدا بأنني تعمدت عدم ذكر انتشار الأكراد في الفصل المخصص للجزيرة في كتاب ابن حوقل في معرض حديثه عن الموصل، لكن ماذا قال ابن حوقل عن الموصل؟ وأسأل: لماذا لم يذكر سيدا ما تعمدنا إغفاله؟

ذكر ابن حوقل الموصل وأهلها وساقتبس: “وهي مدينة أبنيتها بالجص والحجارة،..، وأهلها عرب ولهم بها خطط ،….، ولها بوادٍ وأحياء كثيرة تصيّف في مصائفها وتشتو في مشايتها، من أحياء العرب وقبائل ربيعة ومضر واليمن، وأحياء الأكراد كالهذبانية والحميدية واللارية” انتهى.  فالحديث هنا عن الموصل وسكانها هم من المقيمين العرب الذين يملكون خطط، وفي بواديها ينزل العرب والأكراد الرحل، للرعي أو الميرة، ويشير إلى هذا المعنى ابن حوقل في ص196 عن نواحي الموصل: “وفيه مدينة تعرف بكفر عزى يسكنها قوم من الشهارجة نصارى ذوو يسار،…، ومنها يمتار الأعراب وينزلُ في نواحيها الأكراد” انتهى، أما المرة الثالثة والأخيرة، في ذكر الأكراد في فصل الجزيرة فهو في ذكرهم مع عرب بني شيبان في موضع مابين الزابين (شرق دجلة)  التي باتت قفاراً من السكان على حد تعبيره ص205 : “وهي مشاتي للأكراد الهذبانية ومصائف لبني شيبان”.

الواقع ابن حوقل هو بالأصل من الجزيرة، وعندما تناول إقليم الجزيرة و بلداتها، لا يذكر شيء عن إقامة للأكراد فيها في غير المواضع التي ذكرناها آنفاً، وباقي المدن والمناطق في الجزيرة لا يذكر فيها إلا العرب،  فهو يتحدث ص191 عن نصيبين وسكانها من بنو حبيب، ثم يذكر في ص194 قلعة حمدان ابن الحسن على جبل طور عابدين بالقرب من نصيبين، وفي حديثه عن سنجار ونواحيها القريبة يقول: “وبقرب سنجار بين شمالها وغربها الحيال، وهو وادٍ من أودية ديار ربيعة، …،  يسكنه قوم من العرب قاطنين فيه مخفرين من بني قشير ونمير وعقيل وكلاب” ثم يتحدث عن برقعيد بين بلد ونصيبين وهي تقريباً في منطقة رميلان الحالية فيقول: “برقيعد فمدينة كثيرة الزرع من الحنطة والشعير ويسكنها بنو حبيب قوم من تغلب”، وفي حديثه عن سكان رأس العين ص200 يقول: “وكان يسكنها العرب وبها لهم خطط”. وفي حديثه عن براري الجزيرة ص205، يقول ابن حوقل: “وبالجزيرة براري ومفارز وسباخ بعيدة الأقطار…، وكان يسكنها قبائل من ربيعة ومضر، .. ، وأكثرهم متصلون بالقرى وبأهلها فهم بادية حاضرة، فدخل عليهم في هذا الوقت من بطون قيس عيلان الكثير من بين قشير وعقيل وبني نمير وبني كلاب فأزاحوهم عن بعض ديارهم بل جلها، وملكوا غير بلد وإقليم منها كحرّان وجسر منبج والخابور والخانوقة وعربان وقرقيسيا والرحبة” انتهى.

وهنا أرغب بأن أسأل سيدا مرة أخرى وأخيرة، أين ذكر ابن حوقل الأكراد في الجزيرة ما بين دجلة والفرات وأخفيناه؟ ولماذا لم تذكره أنت إذا كان إدعاءك صحيحاً؟

  • مغالطات ما ذكره سيدا عن ابن الفقيه

سيدا يستمر في المغالطات لإيهام القارئ بأن الأكراد لهم وجود تاريخي في الجزيرة وأننا تعمدنا اخفاءه، ولإثبات ذلك يقول وسأقتبس: “لقد ذكر الجغرافي ابن الفقيه (توفي بعد سنة 903م) في معرض تعريفه لحدود الجزيرة، أن القائد عتبة بن فرقد السلمي نجح عام 20 للهجرة في ”فتح المرج وقراه وأرض بانهدرا وداسن وجميع معاقل الأكراد،” (كتاب البلدان ص177)”

وسياق النص كما يظهر هو الحديث عن فتوحات عتبة بعد الموصل باتجاه الشمال في المرج وقراه وأرض بانهدرا وكذلك داسن (الجبل العظيم) وجميع معاقل الأكراد.

ولفهم سياق النص الذي ورد مبتوراً في اقتباس سيدا، نقتبس مجدداً: “ثم فتح المرج وقُراه وأرضُ بانهدرا وداسن وجميع معاقِل الأكراد، و أوّل من اختطّ الموصل و أسكنها العرب، ،….، و كان بها الحصن و بيع النصارى و منازلهم و محلّة اليهود، فمصّرها هرثمة،…، ثم بنى بعدها الحديثة، و كانت قرية قديمة فيها بيعتان، فمصّرها، وأسكنها قوما من العرب،..، و افتتح عتبة بن فرقد الطيرهان و تكريت،…، و سار في كورة باجرمق حتى صار إلى شهرزور” ، إذن حديث ابن الفقيه عن نواحي الموصل جعله يسهب في الحديث عن نشأة الموصل واسكانها بالعرب وكانت قبل ذلك مسكونة بالنصارى واليهود، ثم اتجاه الفتح للمناطق شمال الموصل حتى الوصول إلى جبل داسن ومعاقل الأكراد حتى صار إلى شهرزور، أي أنه يتحدث هنا عن مناطق خارج الموصل وخارج الجزيرة الفراتية في عرف البلدانيين العرب. والمدن المذكورة مثل المرج بالرغم هي أول المدن المحاذية لإقليم الجبال من جهة العراق، ومع ذلك يتضح من نص الأدريسي- من كبار الجغرافيين في القرن الثاني عشر- في كتابه (نزعة المشتاق في اختراق الآفاق) أنها لم تكن من معاقل الأكراد ومناطق أقامتهم، أنظر الجزء السادس، ص659: “رستاق المرج وهو أيضا كبير فيه مدينة تعرف بسوق الأحد فيها سوق مشهودة تحضرها الأكراد لمواعيد معروفة وهي مدينة حصينة تحاذي الجبل وعلى القرب منها مدينة كفر عزى يسكنها نصارى” انتهى.

  • مغالطات سيدا حول ما جاء في نص الهمداني

يزعم سيدا، وبحرارة، أنني اقترفت “هتك الأمانة العلمية” في إيراد معلومة في كتابنا بالاستناد إلى الهمداني في ضوء الحديث عن تحالفات ومناطق عيش مشترك جمعت العرب والاكراد، عن مناطق بني شيبان في طور عابدين والتي لا يخالطهم فيها إلى خرسان (جاءت في كتابنا “إلى أذربيجان”) سوى الأكراد، وسيدا بعد أن اقتبس جزء من نص الهمداني، يصل إلى تأويل غريب بأنّ انتشار الكرد كان من طور عابدين باتجاه الجنوب في العراق وليس باتجاه أذربيجان. وأن المقصود بخرسان هي إيران وليس أذربيجان مستنداً بحسب قوله إلى تعريف ياقوت الحموي، وأن هدف مهند الكاطع هو ابعاد الكرد باتجاه المناطق الشرقية بتدبيل خرسان بأذربيجان بدلاً من إيران.

الرد والتعليق:

  1. المسألة لا تستحق برمتها الاستعراض الذي جاء به سيدا، ولا الاتهام بـ “هتك الأمانة العلمية”، فما دمت أحلت النص بشكل صحيح للمرجع الصحيح (الهمداني) في هامش الصفحة باعتراف سيدا نفسه، والخطأ اقتصر على ذكر اسم العمري سهواً في المتن عوضاً عن الهمداني، وبالتالي هذا التصيّد الذي قام به سيدا لا يخوله اطلاق مثل هذه التهمة، التي لا قيمة علمية صريحة لها، بل تعكس العجز عن إثبات التهمة التي عنوّن بها سيدا مقاله النقدي.
  2. أما الحديث عن أن (خرسان) لا تقابل أذربيحان فهذه وجهة نظر معقولة، وعدم دقة بل وخطأ أعترف به، لكن على أي حال لا يبرر فداحة خطأ سيدا بأنه اعتبر خرسان هي إيران، كما لا يبرر اتهامه لي بأنني تعمدت وضع أذربيجان بدلاً من إيران لإبعاد الأكراد عن الجزيرة!! فهذا كما لو أنه يقول: إيران جزء من الجزيرة! على الأقل أذربيجان هي أقرب بكثير للجزيرة من خرسان التاريخية (أنظر الخارطة بالملحق 1)
  3. 3-   أما حديث سيدا بأنّ خرسان هي جنوب طور عابدين باتجاه العراق كما يفهم من تعريف ياقوت الحموي فهذا لا يصح بالمطلق، ففي (معجم البلدان، المجلد الثاني، ص350)  يقول الحموي:” خاراسان بلاد واسعة، أول حدودها مما يلي العراق أزاذوار قصبة جوين وبيهق، وآخر حدودها مما يلي الهند طخارستان وغزنة وسجستان وكرمان، …،  وتشتمل على أمهات من البلاد منها نيسابور وهراة ومرو،..، وبلخ وطالقان ونسا وأبيورد وسرخس وما يتخلل ذلك من المدن التي دون نهر جيحون” انتهى.

إذن ولاية خراسان الإسلامية بهذا المعنى تشمل جغرافيتها اليوم عدة دول، فهي تحتل منطقة واسعة من جمهورية تركمانستان تعادل أكثر من نصف مساحة الجمهورية، كما تحتل شمال غرب أفغانستان وأجزاء ليست بالقليلة من جمهورية قرغيزيا، بينما تشمل كل مساحة جمهورية طاجكستان الحالية إلى حدود الصين وأكثر من نصف مساحة أوزبكستان إضافة إلى أجزاء من شمال شرق إيران. [أنظر الخارطة ملحق(1)]

  • مغالطات سيدا حول نصوص فضل الله العمري

ذكرت في مقدمة هذه المادة، أن النقد حتى يصيب حظه من المصداقية ومن النجاح، فأنه يتوجب على الناقد أن يقيّد نفسه بمنقوده، وهذا ما لم يتقيد به سيدا، فهو في الوقت الذي اتهمني نتيجة خطأ مطبعي بأنني قولت العمري ما لم يقله، نجده تجنّى على العمري، ونسج من بنيّات أفكاره تأويلات ونسبها لنص العمري، يقول سيدا: “أن مملكة الجبال اتسعت في عهد العمري وضمت مناطق إلى مملكة الجبال وقد كانت من أقاليم أخرى في أزمنة سابقة”:! ثم زعم أيضاً: “أن العمري تحدث بشكل جليّ عن أكراد السهل في الجزيرة وقرى ماردين”.

الرد والتعليق:

  1. كل ما ذكره ابن فضل الله العمري عن الأكراد في الجبال وخارجها جاء في (الباب الرابع مملكة الجبال) والذي يتضمن أربع فصول تمثل سكان مملكة الجبال وهم: (الفصل الأول عن الأكراد، الثاني عن اللر، الثالث عن الشوال، الرابع عن شنكاره) ويبدأ العمري مقدمة الفصل الأول للتعريف بالأكراد في زمانه (القرن الرابع عشر) فيقول: “أن الأكراد، وإن دخل في نوعهم كل جنس أتى ذكره في هذه الفصول، فإنهم جنس خاص من نوع عام وهم ما قارب العراق وبلاد العرب دون من توغل في بلاد العجم، ومنهم طوائف بالشام واليمن، ومنهم فرق مفترقة في الأقطار، وحول العراق وديار العرب جمهرتهم، وغلب في زماننابما يقارب ماردين، منهم إبراهيم بن علي المسمى بالعزيز مالو” انتهى

من هذه المقدمة نستشف أن الأكراد دخل فيهم كل اجناس مملكة الجبال، (اللر، الشوال، شنكارة)، ويذكرهم بالفصل الأول لسكان الجبال، ويذكر أن جمهرتهم أقرب للعراق وبلاد العرب، و يذكر وصول الأكراد في زمانه حدود ماردين (وغلب في زماننا ما يقارب ماردين).

  • هناك نصّين في سياقين مختلفين للعمري دمج الكاتب بينهما ليزعم أنه توصل لنتائج ينسبها للعمري عن اتساع مملكة الجبال بما يتوافق مع انتشار الاكراد في زمن ابن العمري، أحدهما: نص تحدث فيه العمري عن الجبال الفاصلة بين العرب والعجم ساقتبس: “أن المراد بالجبال على المصطلح هي الجبال الحاجزة بين ديار العرب وديار العجم، وابتداؤها جبال همذان وشهرزور، وانتهاؤها صياصي الكفرة من بلاد التكفور” انتهى ، وهذه تقابل سلسلة سلسلة زاغروس. والنص الثاني: يتحدث فيه عن انتشار الأكراد في عصره الذي يبدأ كذلك “بجبال همذان وشهرزو وإربل وينتهي عند دجلة الجزيرة من كوار الموصل” ودجلة الجزيرة المقصود بها جزيرة ابن عمر.

يقول العمري عن مناطق انتشار الأكراد ما نصه: ““ لم أذكر من عشائرهم إلا من كنت به خبيرا، ولم اسم فيها منهم إلا بيت ملك أو إمارة، تبدأ بجبال همذان وشهرزور وإربل وتنتهي إلى دجلة الجزيرة من كوار إلى الموصل، ونترك ما وراء نهر دجلة إلى نهر الفرات لقلة الاحتفال به على أن الذي ذكرته هو خلاصة المقصود، إذ لم يبق إلا أكراد الجزيرة – يقصد العمري جزيرة ابن عمر- وقرى ماردين وهم لكل من جاورهم من الأعداء الماردين، مع أن أماكنهم ليست منيعة ومساكنهم للعصيان غير مستطيعة….” انتهى الاقتباس

نصوص العمري واضحة لا تحتمل التأويل، فالنص الأول حديثه عن الجبال الفاصلة بين العرب والعجم التي تصل إلى بلاد تكفور، والنص الثاني عن انتشار الأكراد في عصره، في منطقة تبدأ بجبال همذان وتنتهي إلى دجلة جزيرة (ابن عمر) من كوار الموصل، وهو ما يصفه “خلاصة المقصود” ويسقط ابن العمري ذكر الأكراد بين دجلة والفرات لقلة الاحتفال به، بما في ذلك ما قارب في زمانه منهم ماردين أو الشام أو مصر!

  • مغالطات نص ابن الجبير

يتهمني سيدا مجدداً باستخدام نصوص تاريخية لا يمكن تفنيدها، لكن يقول بأنني أحاول توظيفها لمقولاتي المنافية للحقيقية التاريخية. ويعترض مجدداً على تركيزي على ارتباط الأكراد بالجبال، حتى في المناطق التي وصلوا إليها في الجزيرة والموصل، ومنها ما ذكره الرحالة الاندلسي ابن جبير، في القرن الثاني عشر ميلادي، ويتساءل مستغرباً ومستهجناً فيقول وسأقتبس كلام سيدا: ” لست أدري كيف استنتج الكاتب من نص ابن جبير تغلغل الأكراد في الموصل والجزيرة؟ ثم من أين أتى هؤلاء الكرد المتغلغلون؟ طبعاً الجواب هو: أنهم أتوا من الجبال، وأين تقع هذه الجبال، أليست في الجزيرة ؟ أليس المقصود هنا هو جبل طور عابدين ؟” انتهى الاقتباس.

ويختم سيدا كلامه بالقول وساقتبس: “يتضح من نصّ ابن جبير تحصّن الكرد في جبال طور عابدين وقد سبقه كل من المسعودي والهمداني في القرن العاشر الميلادي في الإشارة إلى الكرد في منطقة طور عابدين الواقعة بين جزيرة ابن عمر ونصيبين وآمد” انتهى الاقتباس

الرد والتعليق:

  1. نص ابن الجبير الذي يعتمد عليه سيدا في نتائجه هو الآتي:“.…….. فتمادى سيرنا إلى أول الظهر، ونحن على أهبة وحذر من إغارة الأكراد الذين هم آفة هذه الجهات من الموصل إلى نصيبين إلى دنيصر يقطعون السبيل ويسعون فساداً في الأرض، وسكناهم في جبال منيعة على قرب من هذه البلاد المذكورة، ولم يعن الله سلاطينها على قمعهم وكفَ عاديتهم، منهم ربما وصلوا في بعض الأحيان إلى باب نصيبين، ولا دافع لهم ولا مانع إلا الله، عز وجلَ. “ (رحلة ابن جبير، ص215)
  2. لقد ذكرتُ أن الأكراد يسكنون في الجبال حتى في المناطق التي تغلغلوا إليها في الجزيرة والموصل، واستشهدت على ذلك من ابن الجبير، ولا أدري ما الذي يجعل سيدا يعترض على نص يقتبسه بنفسه؟
  3. ابن الجبير يتحدث عن “جبال منيعة” قريبة من نواحي الموصل ونصيبين ودنيصر، وهذا الوصف ينطبق على جبال هكاري الشاهقة، ولا ينطبق بالمطلق على جبل “طور عابدين” كما استنتج سيدا، والدليل على ذلك من ابن الجبير نفسه الذي يقول: “وربما وصلوا في بعض الأحيان إلى باب نصيبين” ونصيبين كما يعلم الجميع هي أسفل طور عابدين مباشرة وجزء منه، ولو أن الأكراد يتحصنون في “جبل طور عابدين” لكانوا يصلون كل ساعة إلى باب نصيبين وليس في بعض الأحيان.
  4. الدليل الآخر نجده أيضاً عند العمري الذي جاء بعد ابن جبير بقرنين من الزمان، وتحدث عن آخر منطقة رئيسية للأكراد في منطقة جزيرة دجلة من كور الموصل، ولا يذكر شيء عن وجودهم في طور عابدين بالرغم من تأكيده أنه في زمانه بانوا بما يقارب ماردين.
  5. لم يتحدث المسعودي كما زعم سيدا، عن استقرار الكرد في منطقة طور عابدين، بل ادعاء سيدا لا يستند لأي دليل، فهذا المسعودي على سبيل المثال، تناول في التنبيه والإشراف ص49 من السفر الأول سكان جبل طور عابدين بوضوح فقال: “جبل طور عبدين وهو جبل فيه بقايا الارمان من السريانيين”، فاين ذكر المسعودي الأكراد في جبل الطور؟!
  6. أما الهمداني فلم يذكر الأكراد إلا مرتين في صفحة واحدة في كل كتابه، في موضع خلف جبل الجودي قبل ديار الأرمن والآخر في خرسان، ولم يأتي على ذكرهم في أي مدينة في الجزيرة، ونص الهمداني لا يذكر فيه إلا سكان الجزيرة العرب وسأقتبس: “ديار ربيعة وما خلفها: أولها وآخر ديار مضر رأس العين، ثم كفرتوثا …، ثم نصيبين .. وهي دار آل حمدان ابن حمدون موالى تغلب، فمن نصيبين إلى أذرمة والسّميعية مسيرة يوم، وعن أيمن ذاك جبل سنجار جبل شراة بني تغلبوالشّراة منها بنو زهير وبنو عمرو ثم من أيمن ذلك دهنا إلى رحبة مالك ابن طوق وقرقيسياء، ثم ترجع إلى أذرمة إلى برقعيد وهي ديار بني عبد من تغلب ، ….، ثم منها إلى بلد وفيها شراة وغير ذلك،…، وإن أردت بعد أرض الموصل مررت بتكريت وكان الثرثار عن يمينك وأكثرها أهل الموصل مذحج وهي ربيعة فإن تياسرت منها وقعت إلى الجبل المسمى بالجودي يسكنه ربيعة وخلفه الأكراد وخلف الأكراد الأرمن، وإن تيامنت من الموصل تريد بغداد لقيتك الحديثة وجبل بارمّا يسمى اليوم حمرين ويقال إنه جبل لا يخلو يوماً من قتيل، ثم السّنّ والبوازيج بلاد الشّراة من ربيعة ثم يقع في جبل الطور البّريّ وهو أول حدود ديار بكر لبني شيبان وذويها ولا يخالطهم إلى ناحية خراسان إلا الأكراد” انتهى
  7. مغالطات حول انتشار الكرد في العصر العباسي

يتابع سيدا الحديث بمزاعم وتفسيرات لنص أرشاك بولاديان عندما تحدث عن أن انتشار الكرد في الجزيرة وانحاء الموصل جرى في العصر العباسي فيقول وساقتبس: “وينبغى الإشارة هنا إلى أن الحديث يجري عن انتشار الأكراد في التاريخ الذي ذكره بولاديان وليس عن الوجود الكردي في الجزيرة، إذ سبق لبولاديان أن عزاه الى أيام الفتوحات” انتهى.

التعليق والرد:

  1. المراد بالتوثيق المكثف هو الاختزال وليس الإسهاب وربما ردي هنا على مغالطات سيدا، أخذ مساحة هي ضعف ما ورد في المقدمة التاريخية التي وضعتها للكتاب.
  2. 2-   لا أدري ماذا يقصد سيدا بأن بولاديان يقصد في حديثه عن انتشار الأكراد في حقبة الخلافة العباسية المقصود به هو انتشار الأكراد في التاريخ ؟ ماذا يعني ذلك؟ ولماذا لم يقتبس سيدا دليل على زعمه بأن بولاديان سبق وعزى وجود الأكراد في الجزيرة إلى أيام الفتوحات الإسلامية؟

هذا الادعاء المنسوب لبولاديان هو باطل ويناقض ما ذكره بولاديان حول حقبة الفتوحات وماقبلها بوضوح، إذ يعترف بولاديان من خلال دراسته الدقيقة والواسعة لمصادر القرون الوسطى، بأنه لا يستطيع تقديم أدلة ومصادر تتحدث عن الأكراد قبل الفتوحات الإسلامية، لكنه يقدم “فرضيات فقط”، (ص25) وساقتبس: “نستطيع الافتراض بأنه في السنوات الثلاثين من بداية القرن السابع، أي في فترة ما قبل الفتوحات العربية، كانت القبائل الكردية تعيش في المنطقة التي نسميها اليوم (كردستان العراق وكردستان إيران) وبعض المناطق الإيرانية” انتهى.  بولاديان كذلك وفي معرض حديثه عن فترة الفتوحات الإسلامية لفارس والمناطق التي يقطنها أكراد، يفترض مجدداً افتراضاً أن أول لقاء كان بين المسلمين والأكراد كان في حلوان وهو اسم لمدينة قديمة في منطقة جبال زاغروس وهي اليوم بغرب إيران قريبا من كرمنشاه ونهر ديالى، فيقول بولاديان ص31-32 (يورد اليعقوبي أن أهالي حلوان في القرن التاسع كانوا من العرب والفرس والأكراد، ويمكن الافتراض أن أول صدام بين العرب والأكراد قد حصل في حلوان، لقد كانت حلوان منطقة متنازعاً عليها على الحدود بين بابل وميديا، أي بين السواد والجبال وفق المصادر العربية” انتهى الاقتباس

  1. المغالطات حول نص ابن شداد

في حديثه عن ابن شداد، يتهمنا سيدا مجدداً بأننا أخفينا وتجاهلنا ما أورده ابن شدّاد عن الكرد في الجزيرة، ويستشهد باقتباس يتيم لابن شداد يرد فيه اسم الجزيرة والأكراد في السياق التالي: “… وعدَ ابن واضح في كور ديار ربيعة جزيرة الأكراد، واظنها هذه الجزيرة، وأنها كانت تعرف بذلك قبل أن يختطها ابن عمر التي نسبت إليه” ” انتهى.

التعليق والرد:

  1. ما استشهد به سيدا من كتاب ابن شداد عن الأكراد، كان في معرض حديث ابن شداد عن ديار ربيعة في كتب مصنفي المسالك والممالك، يقول ابن شداد: في كتابه الأعلاق الخطيرة ص 112: “وأما من تقدم من مصنفي المسالك والممالك كابن خرداذبه وابن واضح فإنهم لم يفصلوها هذا التفصيل؛ بل جعلوها سقعا واحدا سموه: ديار ربيعة؛ إلا أن ابن واضح عد في كورها كورة “بلد” وبازبدي، وجزيرة الأكراد وأظنها– والله أعلم – جزيرة ابن عمر،  لأن الأكراد كثيرا ماينتابونها، وينتجعونها لقضاء أوطارهم، وكورة باعر بابا وكورة سنجار وكورة كفر توثا” انتهى الاقتباس.

هذا كل ما ذكره ابن شداد عن الأكراد واتهمنا سيدا بإخفائه، ويتضح من هذا النص أن ابن شداد نفسه الذي كان من أبناء المنطقة، خمّن تخميناً دون جزم، أنه قد يكون المقصود من كلام ابن واضح في حديثه عن جزيرة الأكراد هي جزيرة ابن عمر، وربط ذلك التخمين ربطه بسبب انتجاع القبائل الكردية للجزيرة لقضاء أوطارهم (فصل من السنة)، فحتى في زمن ابن شدّاد في القرن الثاني عشر وهو ابن الجزيرة، لم يكن الأكراد يقيمون في جزيرة ابن عمر، بل يأتونها في فصول من السنة للنجعة و حاجتهم من الرعي.

سيدا طبعاً لا يذكر لنا أين ذكر ابن شداد الأكراد في سفره العظيم “الاعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة”، لأنه في كل كتابه لا شيء يذكر عن الأكراد في الجزيرة، ما خلى عبارة “حصن الأكراد” ومسجد في حارة الأكراد في حلب، وذكر بعض الحوادث لجنود السلاطين وغارة للأكراد على ماردين.

ختاماً: يبقى أن أقول إنه رغم كل التحفظات على مادة سيدا، وما ورد فيها من مغالطات جسيمة واتهامات،  فإنّ نقده فتح الباب لإغناء الموضوع، لكن سيدا لم يوفّق باختيار العنوان ولا تقديم شواهد صريحة عليه في النص، كذلك اتضح بعد قراءة كامل المادة، بأن الأستاذ سيدا لا يميز بين أنماط الاقتباس والاستنباط في المنهج العلمي، وكثيراً ما كان يلجأ لاستخدم استدلالات مبتورة بما تحمله من مغالطات منطقية لنقد الكاتب، في الوقت الذي نجده يعتمد على التأويل والتخمين والتفسير المناقض للنص اعتماداً على مفردة وردت ضمن سياق مختلف، فقط لتعزيز فكرة مسبقة لديه وخاصة فيما يتعلق بتاريخ الأكراد في الجزيرة.

المصادر:

  1. مدارات كرد، محسن سيدا، التَحيُّز وهَتْكُ الأمانةِ العلمية في كتاب “أكراد سوريا، التاريخ، الديموغرافية، السياسة”،21-6-2022 ، https://www.medaratkurd.com/
  2. الكاطع، مهند، أكراد سورية: التاريخ – الديمغرافية – السياسة، بغداد: دار قناديل، 2020م.
  3. ابن الفقيه، البلدان، المحقق: يوسف الهادي، بيروت: عالم الكتب، 1996م
  4. ابن حوقل، صورة الأرض، بيروت: دار صادر، 1938.
  5. ابن شداد،الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة، تحقيق دومينيك سيرديل، دمشق: المعهد الفرنسي للدراسات العربية، 1953. تحقيق سامي الدهان، دمشق المعهد الفرنسي للدراسات العربية 1956، طبعة جديدة دمشق: منشورات وزارة الثقافة، 1991
  6. الأندلسي، رحلة ابن جبير، ط1،  بيروت: دار بيروت للطباعة والنشر، 1964
  7. الشريف الإدريسي، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق،بيروت: عالم الكتب، 1409 هـ.
  8. العمري، أحمد بن فضل الله، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، أبو ظبي: المجمع الثقافي، الأولى، 1423 هـ.
  9. بولاديان، أرشاك. الأكراد من القرن السابع إلى القرن العاشر الميلادي، نقله إلى العربية مجموعة من المترجمين، بيروت: دار الفارابي، 2013.
  10. المسعودي، الإشراف والتنبيه، تحقيق: عبد الله الصاوي، القاهرة: دار الصاوي، 1939.
  11. الهمداني، صفة جزيرة العرب، ليدن: مطبعة بريل، 1884.
  12. نيكيتين،باسيليب، الكورد دراسة سوسيولوجية وتاريخية، نقله من الفرنسية نوري طالباني، ط 3، سليمانية: مؤسسة حمدي للطباعة والنشر، 2007
شارك هذا المقال: