فاهيه طاشجيان*
ترجمها عن الفرنسية: يونس أسعد
إن التغيرات الجيوسياسية الكبرى التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى أدت إلى ترسيم حدود جديدة لبعض الدول التي نشأت فيها دول قومية جديدة مثل تركيا، وسوريا والعراق العربيتين ، ودول أخرى. وفي إطار فسيفساء الامم والأديان التي شكّلتها المنطقة، كان هناك بالتأكيد بعض الذين تم اهمالهم. و هم كانوا أقليات قومية أصبحت، وقت الترسيم الجديد لخريطة الشرق الادنى، على الفور، شعوبا، بحكم الواقع، بدون دولة أو حتى بدون اقليم .
غير أن هذه الأقليات تمثل رهاناً هاماً في سياق إقليمي يتسم بالصراعات الإقليمية والعداوات السياسية المتعددة بين الدول المعنية. يقع العديد منها على جانبي حدود الدولة، ونتيجة لموقعها الجغرافي الخاص، لم يكن في الإمكان الهروب من الآثار المباشرة للصراعات فيما بين الدول. و تجدر الإشارة أيضا إلى أن وجودها في الدول القومية الناشئة في منطقة الشرق الأدنى يشكل عقبة كبرى أمام الأنظمة الحاكمة التي تسعى إلى جعل بلدها متجانساً واستبعاد ظهور أية هويات قومية أخرى من فضائها السياسي. ولكن رغم ذلك، حاولت بعض الدول عند الحدود المجاورة استغلال الطابع“ العابر للحدود” للأقليات التي تعيش في بلادها واستخدامها كثِقَل مضاد للدولة المجاورة المتخاصمة معها،و التي بدورها في حالة صراع داخل حدودها مع الأقلية ذاتها . وهذه الحالة تتفق تماماً مع تعريف بوزأرسلان الذي” يؤكد أن الدول نفسها يمكن أن تستخدم ديناميات الأقليات في الصراع من أجل الخروج من إطارها الضيق و توسيع فضائها“.(1 )
وإذا كان هذا التعريف يتعلق بالفترة المعاصرة من تاريخ الشرق الأوسط، فإنه ينطبق بالضرورة على سنوات ما بعد الحرب العالمية الأولى، والتي حكمت خلالها قوتان استعماريتان، هما فرنسا وبريطانيا، جزءاً من المنطقة. والواقع أن باريس ولندن، من دون أن تكونا من مؤيدي تشكيل دولة كردية مستقلة، استخدمتا تواجد هذه الأقلية داخل الدول المنتدَبة– سوريا والعراق–كوسيلة للضغط على تركيا أو كثِقَل مضاد لحركات الاستقلال السورية والعراقية.
إن المشكلة الأمنية المرتبطة بالطابع “العابر للحدود” للأكراد كانت مصدر قلق رئيسي لتركيا، البلد الذي يعيش فيه أكبر عدد من الأكراد. و الواقع أن أنقرة كانت تخشى منذ أوائل عشرينيات القرن العشرين من قيام البريطانيين بإنشاء وطن قومي مخصص للأكراد العراقيين في منطقة الموصل، والذي كان من شأنه ليحدث التأثير المباشرا على أكراد تركيا ويتطوّر في إطاره مطالب قومية مماثلة.
و حسب رأي روبرت أولسون، فإن الاهتمام أساساً بالقضاء على التهديد بتشكيل دولة كردية مستقلة بجوار الحدود التركية، هو الذي دفع حكومة أنقرة، اكثر من عامل النفط، إلى الاستعداد لغزو الموصل.(2)
وقد أخذ ديفيد ماكدويل هذه الفرضية ايضا، و كتب أن أنقرة كانت مستعدة في آذار 1925 لقبول حقوق حصرية في استثمار نفط الموصل لصالح بريطانيا العظمى، شريطة التنازل عن هذه المنطقة لتركيا(3). ولذلك يبدو أن النظام التركي، الذي كان يحاول بناء دولة قومية، فضّل ضمّ منطقة الموصل إلى تركيا، باستخدام القوة إذا لزم الأمر، على الرغم من أن العناصر التي تعيش هناك غير تركية.
أو بعبارة أخرى، كانت تركيا تخشى أن يتحول الحكم الذاتي الكردي القريب من حدودها إلى تهديد خطير لسياسة التتريك التي اتبعتها بالفعل في الأقاليم التي يقطنها عدد كبير من السكان الأكراد في تركيا. وبمجرد إلحاق منطقة الموصل بتركيا، كان يجب أن تصبح، في أذهانهم، هدفاً لسياسة التتريك.
إن توقيع الاتفاق الثلاثي بشأن الموصل بين تركيا والعراق وبريطانيا العظمى في 5 حزيران 1926 وضع حدا رسميا للنزاع الاقليمي الذي أدى إلى تفاقم الحالة في المنطقة. لكن انتهاء صراع الموصل وانسحاب القوات التركية من المنطقة الحدودية لم يشجعا أنقرة على تقديم تنازلات إقليمية في منطقة الجزيرة السورية العليا حيث كان هناك خلاف أقل شأنا فيما يتعلق بترسيم الحدود يجعل تركيا متخاصمة مع فرنسا الدولة المنتدِبة في سوريا.
وفي ظل هذه الخلفية من الصراع الإقليمي مع أنقرة، بدأ الممثلون الفرنسيون انطلاقا من عام 1926 بوضع سياسة كردية حقيقية، من خلال الدخول في تحالف ضمني مع زعماء القبائل الكردية الأقوياء في الأراضي السورية و الذين كانوا في صراع مع أنقرة. و في وقت لاحق، و مع ولادة حركة قومية كردية قوية في تركيا، والوصول الجماعي للاجئين السياسيين الأكراد الى الشمال السوري، تحوّل العامل الكردي نفسه إلى أداة ضغط قوية تحت تصرف المفوضية السامية الفرنسية التي كانت تتخذ من بيروت مقرا لها و مكلّفة بانتداب سوريا ولبنان، وأثبت هذا العامل فائدته البالغة في تسوية النزاع الحدودي في الجزيرة السورية العليا مع تركيا. وهكذا تم نقل الطابع “العابر للحدود” للأقلية الكردية إلى شمال سوريا.
الغرض من هذا البحث هو دراسة وتحليل بعض جوانب أنشطة الحركة الوطنية الكردية، في الأراضي السورية، والتقارب الذي حدث في نهاية العشرينيات بين تنظيمين سياسيين كبيرين، كردي وأرمني، على التوالي، خويبون و الطاشناق. وستركز هذه الدراسة، التي تستند أساساً على محفوظات فرنسية رسمية خاصة بإدارة الانتداب الفرنسي في سوريا ولبنان، خصوصا، على منطقة الجزيرة السورية العليا التي كانت مسرحا كبيرا لتطوير العلاقات بين هذين التنظيمين. وسوف تشمل هذه الدراسة الفترة الممتدة من تأسيس خويبون و حتى سنوات 1932-1933، عندما حدثت مرونة في موقف فرنسا بخصوص التعامل مع دعاة الاستقلال السوريين، الذين كانوا معادين لبقاء الانتداب الفرنسي في البلاد. ومنذ تلك السنوات، بدأت خويبون، التي كان سبب وجودها هو الكفاح ضد تركيا وإنشاء كيان دولة كردية في الأناضول، تضعف و تفقد تدريجياً نفوذها على أكراد سوريا. بدأت الجمعية تتفكك لأن العديد من قادتها انخرطوا مباشرة في الشؤون السياسية الداخلية السورية.
الانتداب الفرنسي في سوريا و مسألة النزاع الحدودي مع تركيا
في أعقاب الحرب العالمية الأولى، و وفق خطة أولية لتقسيم الأراضي، كان من المفترض أن تسيطر القوتان العظميان المنتصرتان في الحرب، فرنسا وبريطانيا العظمى، على الأقاليم العربية، بالإضافة الى كيليكيا، و التي كانت حتى ذلك الوقت جزءا من الإمبراطورية العثمانية المنهارة. ووفقا لخطة التقسيم هذه، كانت منطقة النفوذ الفرنسي تشمل سوريا ولبنان و كيليكيا، حيث تم نشر قوات و إدارة فرنسية على الفور. لكن احتلال فرنسا لكيليكيا لم يدم طويلا. فقد دفعت الاعتبارات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، على خلفية الحرب التركية الفرنسية، الحكومة الفرنسية إلى الرضوخ لمطالب الأتراك والتنازل، وفقا لاتفاق اكتوبر 1921، عن كيليكيا للدولة التركية الجديدة برئاسة مصطفى كمال.
وفي السياق السياسي الاستراتيجي للشرق الأوسط، قررت فرنسا أن تركز معظم قوتها العاملة وطاقتها في سوريا ولبنان، اللتين كانتا دائماً حكراً على التدخل الفرنسي الثقافي والاقتصادي والسياسي في بلاد الشام. ولهذا السبب، سعت فرنسا، بتنازلها عن كيليكيا وتوقيعها، في أيار 1926، بالنيابة عن سوريا المنتدبة، على معاهدة السلام وحسن الجوار مع تركيا، إلى تثبيت استقرار الحدود الشمالية السورية بصورة دائمة ضد أي تهديد تركي، ومن ثم الاستعداد لاحتلال طويل الأجل في البلدان الخاضعة للانتداب .
اتفق الفرنسيون والأتراك على رسم الحدود بين سوريا وتركيا. بيد أنه كان لا يزال يتعين تسوية نقطة خلاف رئيسية و التي كانت ترسيم الحدود التركية السورية في منطقة الجزيرة السورية العليا. وهكذا ظلت المواقع التركية متمركزة في منطقة ضيقة في شمال شرق سوريا والتي كانت وفق المفوضية السامية في بيروت جزءا لا يتجزأ من سوريا.
كانت هذه المنطقة الجغرافية تبدأ من جنوب مدينة نصيبين التركية، وتمتد شرقا باتجاه جزيرة ابن عمر في تركية، و تصل إلى الحدود العراقية، في نقطة تفضي الى نهر دجلة والتي كانت تمثل المدخل السوري الوحيد إلى هذا النهر. وبسبب شكلها، اطلق الفرنسيون على هذه المنطقة الضيقة تسمية منقار البط.
ومن المهم أن نشير إلى أن الجزيرة السورية العليا شكلت الجزء غير المستثمر من الأراضي السورية حيث كانت المفوضية السامية الفرنسية تعتزم منذ أوائل العشرينات تنفيذ مشروع استعمار كبير بهدف تطوير الإمكانات الزراعية والتعدينية في المنطقة. و كانت سلطات الانتداب تخطط لإنشاء حقول ضخمة للحبوب والقطن، الأمر الذي كان من شأنه أن يجعل من شمال شرق سوريا واحدة من أكثر المناطق خصوبة في سوريا بالكامل.
ولهذا السبب، شجعت هذه الآفاق الاقتصادية العظيمة المفوضية السامية على الاسراع في السيطرة على الجزيرة السورية العليا، ودحضت فكرة تقديم تنازلات إقليمية جديدة– بعد تنازلات كيليكيا– لتركيا. و كانت السلطات الفرنسية تعلّق أهمية خاصة على حل النزاع الحدودي مع أنقرة، لأنه ما دام عدم الاستقرار السياسي يسود على حدود هذا الجزء من سوريا، فإن مشاريع الاستعمار والتنمية الاقتصادية الواسعة النطاق في منطقة الجزيرة السورية العليا لم تكن لتتوج بالنجاح حقا.
يشار إلى أن البريطانيين كانوا يمارسون ضغوط مستمرة على السلطات الفرنسية لمنعها من تقديم تنازلات بشأن النزاع الحدودي مع تركيا. صحيح أنه خلال النصف الأول من العشرينيات، لم تكن تركيا تخفي أطماعها الإقليمية في منطقة الموصل، التي كانت جزءا من الدولة العراقية.
والحالة هذه، فإن بريطانيا العظمى التي كانت الدولة المنتدبة في العراق، كانت تخشى من أن يستخدم الجيش التركي، في حالة نشوب حرب محتملة مع تركيا، منطقة منقار البط، التي تشكل نافذة مفتوحة على منطقة الموصل، كجبهة عسكرية ثانية.
في العشرينات، كان ثمة أمر و اقع قد بدأ يتشكل في الجزيرة العليا. و هكذا، لم تتمكن القوات الفرنسية من احتلال منطقة منقار البط، بينما لم ترغب المفوضية الفرنسية السامية، في الوقت الذي كانت تحتفظ فيه بموقف توفيقي فيما يتعلق بجارتها في الشمال، في إضفاء الطابع الرسمي على استسلام منطقة النزاع. أما بالنسبة لانقرة، فقد ظل موقفها عنيداً متصلبا. و على الرغم من تسوية النزاع التركي البريطاني حول منطقة الموصل، فإن تركيا لم تنوي الانسحاب من منطقة منقار البط و دون شك كانت تريد إطالة احتلال هذه المنطقة. و علاوة على ذلك، أوضحت أنقرة للسلطات الفرنسية أنه في حال محاولة سلطات الانتداب السيطرة على منطقة منقار البط، فإنها قادرة على تحريك القبائل المحلية، العربية و الكردية، ضدالقوات الفرنسية دعما لعملها على الأرض. و لكن سرعان ما أتاحت الاضطرابات الإقليمية للمفوضية السامية الفرنسية وسيلة فعّالة للعمل على مواجهة الأطماع الإقليمية التركية في شمال شرق سوريا.
من نشاط الزعيم الكردي حاجو آغا في الجزيرة العليا و حتى ولادة جمعية خويبون
في عام 1925، وبعد تحشيد كبير من الجيش التركي، نجح النظام التركي في إلحاق الهزيمة بالثورة الكردية التي قادها الشيخ سعيد. و على الفور، أدت التدابير القمعية، و أعمال العنف النادرة، التي طبقتها سلطات أنقرة ضد السكان الأكراد في تركيا، إلى لجوء العديد من الأكراد خلال السنوات 1925-1926، الى البلدان المجاورة الواقعة إلى الجنوب من الأراضي التركية، وخاصة في العراق وسوريا.
في الشمال السوري كان هناك سابقا مناطق واسعة يقطنها السكان الكرد. و لكن كانت الجزيرة العليا بشكل خاص هي التي اختارها اللاجئون الأكراد كملاذ في الأراضي السورية. و الواقع أن شمال شرق سوريا يقع على حدود مناطق تركية يقطنها عدد كبير من السكان الأكراد، و قد خضعوا فيها لتدابير قمعية. و كان حاجو آغا، زعيم قبيلة هفيركان الكردية، من بين أوائل اللاجئين السياسيين الكبار الذين استقروا في الجزيرة العليا السورية. و كان استقرار حاجو في الأراضي السورية مجرد مقدمة لوصول العديد من زعماء القبائل الأخرى والقوميين الأكراد البارزين إلى سوريا، والذين استقرّ أغلبهم في منطقة الجزيرة العليا. (4 )
وفي الأشهر الأولى التي أعقبت وصول اللاجئين السياسيين الكرد بأعداد كبيرة، كانت المفوضية الفرنسية السامية في سوريا ولبنان لا تزال بعيدة عن فكرة استغلال العامل الكردي لأغراض استراتيجية. وعلاوة على ذلك، سعت سلطات الانتداب، حرصاً منها للحفاظ على العلاقات الطيبة التي ظلت قائمة مع أنقرة، أولا إلى منع تجمّع زعماء القبائل والقوميين الأكراد المعادين لتركيا في منطقة الجزيرة العليا. و لهذا السبب نميل إلى الاعتقاد بأن إعداد الخط السياسي الكردي كان ثمرة لتطور معين داخل المفوضية السامية الفرنسية.
وبحلول نهاية عام 1926، كان من الواضح بالفعل أن الضباط الفرنسيين المسؤولين عن إدارة الجزيرة العليا قد مارسوا بعض التأثير على اللاجئين السياسيين الأكراد المقيمين في المنطقة. إنّ العامل الكردي الذي استغلته السلطات التركية حتى ذلك الوقت لوقف تقدم القوات الفرنسية في الجزيرة العليا تحول منذ ذلك الوقت إلى أداة ضغط قوية تحت تصرف المفوضية الفرنسية السامية. و بالتالي تم تشكيل تحالف ضمني بين القادة العسكريين الفرنسيين المحليين من جهة، وبين حاجو آغا، زعيم قبيلة هفيركان، وأنصاره من اللاجئين في الجزيرة العليامن جهة أخرى.
و أكد استمرار الأحداث أن الضباط الفرنسيين استخدموا حاجو كوسيلة للضغط على أنقرة، مما شجعه على شن هجمات مباغتة على المواقع العسكرية التركية الواقعة في منطقة الجزيرة العليا المتنازع عليها، و استمر ذلك الوضع حتى عام 1928.
من جهة أخرى حصل حدث مهم في تاريخ الحركة القومية الكردية في ربيع عام 1927 في الدول الخاضعة للانتداب الفرنسي: تأسيس المنظمة الكردية خويبون في بيروت. و كانت ولادة المنظمة السياسية الكردية نقطة البداية للتقارب الكردي الأرمني الذي امتد على الفور إلى مناطق الجزيرة العليا حيث أدت سياسة الاستيطان التي بدأتها السلطات الفرنسية إلى إيجاد حيز جديد للتعايش بين عدة تجمعات عرقية تواجه نفس الصعوبات السياسية و المتعلّقة بالهويّة.
في الواقع، بعد أيام قليلة من انتهاء المؤتمر التأسيسي، في 29 أكتوبر 1927، وقعت لجنة خويبون في بيروت، مع حزب الطاشناق السياسي الأرمني (5) ، «معاهدة سياسية وعسكرية“. و هكذا بدأ رسميا التعاون بين حزبين سياسيين كردي و أرمني، و ستكون الجزيرة السورية العليا ميدان عملهما المشترك الرئيسي.
وهكذا تحولت سوريا إلى ملاذ للاجئين السياسيين الكرد. وعلاوة على ذلك، تعتقد فوكارو أنه بالنسبة للعديد من الزعماء الكرد كانت الجزيرة السورية العليا تشكل وطناً جديداً للأكراد(6). و ما كان لوجود هؤلاء القادة التاريخيين، الذين أصبحوا معادين بشدة للنظام التركي، أنّ يظلّ دون تأثير على السكان الأكراد في الأراضي السورية. خاصة و أنهم كانوا يعملون على جمع القوات المتفرقة للأكراد السوريين حول خويبون التي ادعت أنها أصبحت منظمة سياسية متجانسة ومتماسكة. كما أن الأنباء المقلقة التي وردت من تركيا عن مصير الأكراد كانت بمثابة عامل تحفيز وشجعت الجهود الرامية إلى التقريب بين مختلف القبائل.
لكن لا يمكن اعتبار الحركة القومية الكردية في سوريا نتاج عوامل من أصل تركي حصراً. ويتعين علينا أيضاً أن نضع في الحسبان القضايا السياسة الداخلية في سوريا، والتي أسهمت في تنمية القومية الكردية. إن إنشاء لبنان، وتشكيل مناطق الحكم الذاتي في سوريا من أجل العلويين والدروز، فضلاً عن سياسة الاستعمار التي بدأت في منطقة الجزيرة العليا، كل ذلك دفع الزعماء الأكراد إلى صياغة مطالب قومية للسكان الأكراد في شمال سوريا. و حسب التقديرات في ذلك الوقت، كان عدد الأكراد يبلغ نحو
000 100 نسمة في الاراضي السورية.( 7)
————————————————————————————————
( 1 ) بوزارسلان ، حميد ، المسألة الكردية : الدول و الأقليات في الشرق الاوسط ، باريس ، 1997 ، ص 296 .
–BOZARSLAN, Hamit, La question kurde: États et minorités au MoyenOrient, Paris, 1997, p.296.
( 2 ) اولسون ، روبرت ، ظهور القومية الكردية و ثورة الشيخ سعيد ، 1880 – 1925 ، اوستن ، 1989 ، الولايات المتحدة الامريكية ، ص 125
-OLSON, Robert,The Emergence of Kurdish Nationalism and the Sheikh Said Rebellion, 1880-1925, Austin, 1989, USA, p.125.
( 3 ) ماكدويل ، ديفيد ، تاريخ الاكراد الحديث ، لندن / نيويورك ، 1997 ، ص 146 .
-McDOWALL, David, A Modern History of the Kurds, Londres/NewYork, 1997, p.146.
( 4 ) من بين زعماء القبائل أو السياسيين الأكراد الآخرين على الأراضى السورية، كانت توجد بشكل خاص الأسماء التالية: رؤساء قبيلة الملّية (أبناء الراحل ابراهيم باشا)، و أمين آغا بَريخان (زعيم قبيلة رمّان), وأفراد أسرة الشيخ سعيد، وسامى بك الملية، وقدور بك. و شخصيات كردية أخرى كانت موجودة سابقا منذ تواريخ طويلة في الأراضي السورية. . ومن بينهم رؤساء قبيلة علاء الدين ( عليدين – مدارات كرد ) (أبناء شاهين بك) والشيخ محمد بصراوى (زعيم قبيلة كيتكان ) . وفي أواخر العشرينات، وصل زعماء أكراد آخرون إلى سوريا ولبنان. و من بينهم على وجه الخصوص الإخوة بدرخان ( جلادت و كاميران و ثريا )، وممدوح سليم، وأبناء المرحوم جميل باشا ( كردي قوي ذو شأن من منطقة ديار بكر )، وكور حسين باشا (زعيم قبيلة حيدران ) و حاجي موسى بك . بخصوص حاجو آغا انظر أيضا بروينيسن، مارتن فان ؛ الآغا، و الشيخ والدولة (الهياكل الاجتماعية والسياسية في كردستان)، لندن/نيو جيرسي، 1992.
BRUINESSEN, Martin van, Agha, Shaikh and State (the social and political structures of Kurdistan), Londres/New Jersey, 1992.
( 5 ) الاتحاد الثوري الأرمني، المعروف أيضا باسم طاشناغتسيتيون/ طاشناق، هو حزب سياسي تأسس في عام 1890 في تيفليس. وكان من أصل الجمهورية الأرمينية الأولى (1918-1920 ).
( 6 ) فوكارو ، نيليدا ، الاكراد الاخرين ، لندن ، 1999 ، ص 128 .
– FUCCARO, Nelida, The Other Kurds, Londres/N.Y., 1999, p.128.
فاهيه طاشجيان مؤرخ أرمني مولود في لبنان، وحاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ والحضارة من مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية (EHESS) في باريس. تغطي أبحاثه فترة الاحتلال الفرنسي لكيليكيا وسوريا ولبنان بين الحربين العالميتين و الأرمن في الإمبراطورية العثمانية ومشاكل اللاجئين في الشرق الأوسط والعلاقات الكردية الأرمينية.
يتبع ….