إسماعيل آغا سمكو أمير الحرب الكردي على الحدود التركية -الفارسية في بداية القرن العشرين (2)
مارتن فان برونسن
ترجمة عن الإنكليزيّة: راج آل محمد
خلال الحرب الكبرى والسنوات القليلة التي أعقبتها، كانت الشخصية الأبرز على الحدود التركية-الفارسية هي زعيم قبيلة شكاك الكبيرة إسماعيل آغا سمكو، المعروف باسم سمكو. مستغلاً بذكاء الامكانيات التي وفرها التاريخ المضطرب للمنطقة في الربع الأول من القرن العشرين، وموازناً بين الترك والروس والفرس وفيما بعد بين البريطانيين في العراق الذين كان على اتصال بهم جميعاً، لم يستطع سمكو أن يحتفظ فقط بسلطته ونفوذه في المنطقة بل زادهما. ففي أعقاب الحرب أعلن نفسه حاكماً محلياً مستقلاً بالتعاون مع عدد من القوميين الكرد البارزين متحدياً بذلك الحكومة المركزية. وحتى بعد قمع “ثورته” من قبل الجيش الفارسي العصري في آب/اغسطس 1922وفراره من الأراضي الفارسية، فإنه بقي لاعباً فعّالاً في وسط كردستان وسعت كل من تركيا وبريطانيا استغلاله لمصلحتها في صراعهما على ولاية الموصل.
سيرة سمكو ليست بالحالة الغريبة بالنسبة لزعيم قبلي كردي. إذ أن معظم الزعماء القبليين الكرد قاموا بتعزيز مواقعهم داخل قبائلهم بأشكال شتى من الارتباط بالقوى الخارجية أي عموماً مع الدولتين العثمانية والفارسية ولكن بدءاً من أواخر القرن التاسع عشر مع القوى الأوربية الكبرى (ومؤخراً أيضاً مع الولايات المتحدة الأمريكية). ولكن ما يميّز سمكو هو الزمان والمكان اللذين عمل فيهما. أراضي قبيلة شكاك، الواقعة في الجبال غربي بحيرة أورمية، تقع داخل أراضي فارس ولكنها أيضاً قريبة من الحدود التي ،حتى في أيام السلم، يمتد تأثيرها إلى داخل أراضي الدولة العثمانية أي أنها تقع على المحيط الخارجي لكلتا الدولتين. حتى فترة متقدمة من القرن العشرين لم يكن للحدود أهمية فعلية بالنسبة للقبائل الكردية التي كان للكثير منها مراعٍ على طرفي الحدود. كما لم تكن الحدود تمثل حداً ثابتاً يتمد إليه السيطرة العثمانية أو الفارسية حيث كانت السلطة في المناطق الحدودية في تبدل متواصل.
في عام 1906غزت القوات العثمانية أذربيجان الفارسية واحتلت قسماً مهماً من المناطق التي تسكنها غالبية كردية من ذلك الإقليم. وقد ظلت هناك، وإن لم يكن على شكل سيطرة تامة، حتى عام 1911 حين طردهم الروس الذين غزو الإقليم في عام 1909 واحتلوا تبريز التي كانت في ذلك الوقت مع راشت Rasht آخر معقل لحركة دستور فارس. قام الروس بإقامة مركز لجنود المشاة والقوزاق في تبريز وخوي وديلمان وأورمية. مع اندلاع الحرب الكبرى استطاع [الروس] أن يبقوا الكرد تحت السيطرة ولكن دون احتلال مناطقهم فعلياً. أُمِرت القوات الروسية بالانسحاب في وقت حملة أنور باشا القوقازية في كانون الأول 1914، وفي أوائل كانون الثاني 1915 تمكنت القوات العثمانية مدعومة بقوات كردية غير نظامية من احتلال أذربيجان لوقت قصير. عادت القوات الروسية بعد عام تقريباً وبقيت في المنطقة حتى انسحبت روسيا كلية من الحرب في أعقاب ثورتها. في عام 1918 تمكنت القوات التركية مدعومة من الكرد لآخر مرة ولفترة قصيرة من السيطرة مرة أخرى على أجزاء من أذربيجان.
يشكل حضور قوة لا يستهان بها من المسيحيين النسطوريين في منطقة أورمية مشكلة معقدة. فعندما اندلعت الحرب شعر نسطوريو هكاري، الذين كانوا قبل الحرب على اتصال بالروس والبعثات الأمريكية في أورمية، بأنهم مهددون ففرّوا من الأراضي العثمانية إلى أورمية وسلماس طالبين الحماية الروسية. قام الكثير منهم بتقديم المساعدة للروس كفرق استطلاع عندما غزا هؤلاء وسط كردستان وغالباً ما قاموا بالانتقام من السكان المسلمين. تدهورت علاقات المسلمين والمسيحيين، التي كانت نسبياً جيدة قبل الحرب، إلى أبعد حد أثناء الحرب. لدى مغادرة القوات الروسية في عام 1917 تُرِك النسطوريون بدون حماية أجنبية ولكن تمت مساندتهم فيما بعد بعدد من اللاجئين الأرمن ذوي التدريب والأسلحة الجيدة التي تركها الروس خلفهم. في هذا الموقف المتوتر ارتكب سمكو عمله السيء الصيت. فقد قام بدعوة زعيم النسطوريين وبطريركهم مار شمعون لإجراء المفاوضات ومن ثم أمر بقتله مع كل مرافقيه فأدى ذلك إلى سلسلة من المجازر المتبادلة بين المسيحيين والمسلمين. في هذه الأثناء حاول البريطانيون أن يقيموا علاقات مع النسطوريين في أورمية وتنظيم جنودهم غير النظاميين كقوة مقاتلة لوقف الهجوم التركي على تبريز.باءت تلك المحاولة بالفشل حيث هجر معظم النسطوريين منطقة أورمية وفرّوا جنوباً، في المنطقة التي سيطر عليها البريطانيون. فيما بعد أعاد البريطانيون توطينهم في ولاية الموصل حيث استُخدِموا كحائط صد ضد الأتراك[1].
الظروف التي استطاع سمكو أن يبرز من خلالها كأحد أمراء الحرب الثلاث على المحيط الخارجي لإيران والذين استطاعوا أن يهددوا بشكل خطير وحدة أراضي الدولة تعتبر فريدة، ولكن في كثير من الجوانب تجسد سيرته العلاقات بين القبائل الكردية والدول التي يعيشون في محيطها الخارجي. البنية الداخلية لتلك القبائل وطبيعة سلطة زعماء القبائل على أتباعهم هي، إلى حد بعيد،نتاج علاقاتهم مع الدولة. القسم الأول من هذا المقال سيستعرض العلاقات المتغيرة بين القبائل الكردية والدول ذات الصلة، وفي القسم الثاني سندرس انتفاضة سمكو ونتائجها بشيء من التفصيل.
القبائل الكردية بين الدول القوية
كردستان،ومنذ آلاف السنين، لا تشكل فقط منطقة حدودية بل منطقة فاصلة بين امبراطوريتين أو أكثر. ولكن خلافاً لأفغانستان، فإنها لم تكن متميزة سياسياً بل مقسمة بين الإمبراطوريتين الإيرانية والتركية لخمسة قرون تقريباً. مع ذلك، فإن الظروف الطبيعية منعت هؤلاء، مثلما منعت الغزاة السابقين، من إقامة سيادة كاملة على كردستان. إذ نادراً ما تم الاحتفاظ بالحكم المباشر بها وساد هناك نوع من الحكم غير المباشر عن طريق زعماء القبائل المحليين كما هو الحال في بعض الأنحاء حتى يومنا هذا. ذاك الاحتكاك مع الدول المتقدمة على مدى عدة قرون لم يترك سوى تأثيرات عميقة على التنظيم الاجتماعي للمجتمع الكردي. فعندما ضم العثمانيون معظم كردستان (في 1515 تقريباً) كانت هناك عدة إمارات، أو كيانات شبيهة بالدولة ذات أحجام وتعقيد تنظيمي مختلف، ادّعت بعضها أصولاً عريقة، ونظامها السياسي كان تقريباً مشابهاً لتنظيم تركمان قره قوينله وآق قوينله الذين كانت تربطها بهم علاقات قائمة على التحالف و/أو تبعية إقطاعية. لم يسفر الفتح العثماني عن تقويض مكانة الحاكم (أمير أو مير) بل حافظت على الإمارة ومكانته داخل كل إمارة. وحتى 1800 كانت بعض تلك الإمارات لا تزال موجودة. التنظيم الداخلي حينئذ بدا متأثراً بالدولة العثمانية[2]. إمارتا أردلان وكوران في كردستان إيران التي يتوفر عنهما بعض المعلومات تبدوان مختلفتين إلى حد كبير عن تلك الإمارات الموجودة في ظل سيادة الدولة العثمانية فالطبقة الحاكمة في كلتا الإمارتين غير قبلية إلى حد كبير. قد يكون من المغري أن نعزو ذلك إلى إختلافات في تنظيم وسياسات الدولتين العثمانية والإيرانية؛ ولكن ثمة عوامل أخرى ربما تكون بذات الأهمية وهي الظروف الطبيعية والكثافة السكانية ونسبة السكان البدو والحضر…الخ.
وكان لوجود أكثر من دولة قوية في الجوار تأثيرات خاصة أيضاً على العمليات السياسية في كردستان. فعلى سبيل المثال منح ذلك الزعماء القبليين المحليين مزيداً من القوة في التعامل مع الدولة المهيمنة: حيث كان بإمكانهم التهديد بسحب الولاءات (أو عملوا ذلك فعلياً). علاوة على ذلك، لم يكن الزعماء القبليون المحليين المنافسين يعتمدون على الدعم الشعبي إذا ما أرادوا استبدالهم بل كان بإمكانهم طلب المساعدة من دولة منافسة. لذلك انقسمت عدد من الأسر الحاكمة إلى فروع “تابعة للأتراك” أو “تابعة للإيرانيين”[3] في أكثر من إمارة . لقد شهد القرن العشرين، لأسباب واضحة، بروز تيارات مؤيدة للبريطانيين وأخرى مؤيدة للروس في الأوساط الحاكمة في كردستان. ففي النصف الثاني من القرن أصبحت روسيا وبريطانيا القوتان الأبرز في المنطقة. وتأثرت أفعال القياديين الكرد بشدة بإدراكهم بأن تلك الدولتين أقوى من العثمانيين والإيرانيين وأنهما تودان السيطرة على كردستان. إضافة إلى ذلك، تلقت القومية الكردية دفعاً من التطورات العسكرية والسياسية التي حققتها تلك الدولتين وبالطبع من أخبار استقلال دول البلقان واليونان بسبب دعم تلك الدولتين. معظم القوميين الكرد في الفترة الممتدة بين 1880-1930 تخيلوا دولة مستقلة تحت الحماية البريطانية و/أو الروسية. وحتى يومنا هذا فإن طبيعة الحركة القومية الكردية متأثرة بشدة بحضور خلفاء تلك القوى المنافسة أي الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي-حتى زواله- وعموماً بالحاجة الملموسة لاستخدام دعمهم.[4]
إمارة، قبيلة، تحالف
حدثت تغيرات كبيرة على التنظيم السياسي والاجتماعي لكردستان خلال القرنين التاسع عشر والعشرين بشكل خاص حيث باتت السيطرة المركزية للدولتين العثمانية والإيرانية فعّالة بشكل متزايد. فقد أدى التطوير والتحسين على الشبكات الإدارية للدول المحيطة إلى أن تفسح الأشكال المحلية الشديدة التعقيد للتنظيم السياسي (الإمارات) المجال لأشكال أخرى أكثر بساطة.
لقد كان الشكل التنظيمي الأساسي للإمارات [الكردية] شبيها بتلك الموجودة في الكثير من الدول الشرق أوسطية، وربما نظيرها الأكثر وضوحاً هو الولايات-الكونفدرالية التركمانية. فالحاكم ينتمي إلى نسل عائلة كبيرة تزعم عادة انتماءها إلى سلالة ذات مكانة رفيعة مختلفة عن بقية القبائل القوية في الإمارة. لم تكن هناك قواعد ثابتة للخلافة بل فقط بعض شروط الحد الأدنى كالانحدار من(سلالة حاكمة) والذكاء والشجاعة..الخ. كان الاختيار الفعلي ينطوي عادة على منافسة شديدة ضمن السلالة الحاكمة نفسها والكثير من المكائد من قبل القوى الداخلية والخارجية ذات المصلحة. كان الحاكم محاطاً بمجلس مؤلف من كبار العسكريين (زعماء قبليين) وموظفين مدنيين ومثقفين. كان هناك جيشاً دائماً أو حاشية مسلحة مختارة من قبائل مختلفة في الإمارة ومن خارجها أيضاً. ولاء الحاشية كان بشكل مثالي للحاكم وحده ولكنها تشكل فقط نسبة صغيرة من القوة العسكرية الكلية للإمارة. حيث أن غالبية الجيش كانت تتألف من رجال القبيلة الذين يقودهم زعماؤهم القبليون الذين كانوا يستطيعون أن يجندوهم وقت الحاجة. رجال القبيلة، وهم بالعادة من الرحل وأنصاف الرحل، شكّلوا في الواقع طبقة عسكرية سيطرت على الطبقة الدنيا من الفلاحين والحرفيين والأكراد غير القبليين والمسيحيين واليهود. لم تكن كل القبائل مرتبطة بالإمارة بالقدر نفسه. فالنواة الصلبة تتألف من عدد من الاتحادات [القبلية]- نموذجياً اتحادين قبليين- كل واحد منها خاضعة لزعيم من السلالة ذاتها في المقام الأول وغير مرتبطة بالقبائل المكونة [للاتحاد]. في بعض الحالات التي قمت بدراستها عن كثب أستطعت أن أتاكد فيما إذا كانت تلك الاتحادات موجودة قبل الإمارة أم لا. الاسطورة تؤكد ذلك بالنسبة لبعضها[5] ولكن يبدو لي أنه، على الأقل في بعض الحالات، فإن الإمارة ذاتها كانت سبب وجود تلك الاتحادات.
كان تنظيم القبائل في اتحادات توازن بعضها بعضاً تقريباً وهي التي جعلت سياسة المير ( فرّق تسد) ممكنة. زعماء تلك الاتحادات كانوا مستشاري المير ومرشدوه وفي الكثير من الحالات صنّاع السياسة الحقيقيين. كان لكل قبيلة مكونة [للإتحاد] رجالها أيضاً ولكن يبدو أن هؤلاء كانوا من فئة أول النظراء[6] ونادراً ما لعبوا أي دور سياسي هام.
في الإمارات التي لها أكثر من مركز حضري، كان المير يتخذ من أهم المدن عاصمة ومكاناً لإقامته ويعيّن حكاماً على البلدات والمقاطعات الأخرى المحيطة بها من بين أقرب أقربائه. هؤلاء الحكام كان ينظرون في الأمور العسكرية والمالية وأهم القضايا القضائية ويتركون بقية الأمور لزعماء القبائل والقبائل الفرعية. لغاية الآن لم أجد سوى القليل من المعلومات عن تقسيم العائدات بين الزعماء القبليين والحكام والمير والحكومة المركزية. ولكن من المرجح أن ذلك شهد تأرجحات كبيرة حيث أن توازن القوة الفعلي تغير كثيراً بين تلك السلطات.
لم تكن كل القبائل تنتمي إلى إمارة واحدة. وربما دوماً (وعلى نحو مؤكد في حوالي 1800) كانت ثمة جماعات تستطيع أن تحتفظ بنوع من الاستقلالية الهشة من خلال إقامة توازن بين الإمارات وخاصة القبائل البدوية التي كانت طرق ترحالها تمر في أكثر من إمارة والقبائل شبه الرحل (التي تتنقل موسمياً) في محيط الإمارات. تلك القبائل كانت تنتمي، إذا جاز التعبير، إلى حدود الإمارات. العمليات السياسية هناك كررت على مستوى أدنى وأقل تعقيداً سياسات الأمبراطورية الحدودية أي في وبين الإمارات.
الفرق المرسوم هنا بين التحالف القبلي والقبيلة تخص الدرجة وليس النوع. إذ أن طريقة إستعمال الكرد لهما لا تعطي الفرق ذاته حيث يكمن أن يُطلق على كليهما اسم عشيرة ashiret أو طائفة taifeh بل إن كلا المصطلحين يمكن أن يُطلقا على تفرعات القبيلة. القبائل الكردية وحدات سياسية تتألف من أرومة واحدة على الأقل (ولكن عادة من عدة أرومات) مع عدد من الناس الذين ربطوا أنفسهم بها. ولكن يمكن أن تظهر درجات مختلفة من التعقيد وقد ظهرت بالفعل في كردستان حيث هناك قبائل مؤلفة من أرومتين، وقبائل مؤلفة من اتحاد عدد من الأرومات (المعروفة) وقبائل مؤلفة من اتحاد اتحادات من الأرومات…الخ. حجم ودرجة التعقيد تشكل متسلسلة وهي على الأغلب مسألة اختيار متى يجد المرء استعمال “الاتحاد” مناسباً أكثر من “القبيلة”. التحالف [القبلي]، كما استعمله هنا، هو اتحاد على نطاق واسع أقل اندماجاً من القبيلة وذات حدود غير واضحة المعالم تماماً. إنه تحالف سياسي للقبائل التي كانت في الماضي ذات وجود مستقل وتحتفظ بهوية مستقلة. ويُعرف الأفراد بأسماء قبائلهم أكثر مما يُعرفون باسم تحالفهم القبلي. وعندما تكون هناك رغبة في تحديد سلف مشترك فإن ذلك يوحي بمزيدٍ من التماسك وبالتالي أستخدم كلمة تحالف بدلاً من كلمة القبيلة.
في التحالفات والقبائل ثمة زعماء قبليين على مستويات مختلفة من التقسيم: مستوى القبيلة والعشيرة والحمولة والعائلة الموسعة والأسرة وقد يكون هناك مستويات متوسطة بين القبيلة والحمولة العليا وحينها نتحدث عن قبائل فرعية. في التحالفات والقبائل الكبيرة، ينتمي الزعماء القبليون عموماً إلى أرومة مختلفة غير مرتبطة عن قرب بالعامة ولديهم حاشية مسلحة لتعزيز حكمهم؛ بينما في القبائل الصغيرة فإن الزعيم كان (ويكون) مرتبطاً بالعامة ويحكم بإجماع الآراء وليس بالقوة. في فترات تاريخية مختلفة الزعماء القبليون من مختلف المستويات هم من لعبوا أدواراً سياسية بارزة. في الأزمنة الحديثة، مثلاً، استمرت عدة تحالفات سابقة وإن كان اسمياً فقط. الزعيم القبلي الأعلى يحظى بالاحترام ولكن لم يعد له أدواراً سياسية. القوة السياسية الحقيقية تكون في أيدي زعماء القبيلة أو في أيدي زعماء القبائل الفرعية الذين كانوا يحظون بأهمية أقل في القرنين الماضيين. هذا التغير مرتبط بالتغيرات السياسية أكثر منه بالتغيرات الاقتصادية أي بالحكومة المركزية كما سنناقش فيما يلي.
القبائل الكردية والدولة العثمانية
في النصف الأول من القرن التاسع عشر قامت الحكومتان العثمانية الإيرانية، في سعيهما لإحداث إصلاحات إدارية، بإلغاء الإمارات الكردية المتبقية.تلك الإصلاحات كانت نتيجة الضغط الأوربي كما أدرك الكرد جيداً. فالقضاء على بوطان، آخر إمارة كبيرة، وأسر حاكمها بدرخان بك في 1847 جاء كنتيجة مباشرة للتدخل البريطاني في الباب العالي. كان بدرخان بك مسؤولاً عن المذبحة التي طالت آخر رعاياه من النسطوريين وطالب البريطانيون بمعاقبته[7].
نجمَ عن القضاء على الإمارات حالة من الفوضى وانعدام القانون. فالنزاعات القبلية التي لم يعد الأمير يضبطها انتشرت بكثرة. لم يكن هذا حال الإمارات فقط بل انهارت أيضاً التحالفات القبلية؛ حيث حاول الزعماء القبليون الطموحين أن ينتزعوا أكبر قدر ممكن من السلطة التي كانت في السابق بيد المير (الأمير) مما جلب معه الكثير من الغارات والعداوة والخلافات. كان على الكثير من القادة من فئة “الزعماء القبليين” أن يتنازلوا عن مكانتهم لقطاع الطرق.[8] كل التقارير المعاصرة تؤكد على انعدام الأمن الحقيقي فقد كانت الدولة بعدُ ضعيفة في فرض النظام والقانون. كل ما كان حكام المقاطعات يستطيعون فعله هو إرسال غارات تأديبية أو دعم زعيم ضد زعيم آخر والتفاوض أو فرض حل في النزاعات القبلية الكثيرة.
في ذلك الوضع الفوضوي بقيت هناك فقط نوعاً واحداً من السلطة التقليدية استطاعت أن تعيد نوعاً من النظام وتمثلت تلك السلطة بالشيوخ. الشيوخ رجال دين مرتبطون عادة بالطريقة الصوفية أو الدراوشة. ويتسم الكثير منهم بالتقوى والحكمة والكرامات التي اكسبتهم الاحترام على نطاق واسع. كان (و لا يزال) لدى الكثير من الناس علاقة خاصة مع شيخ معين يقومون بزيارته بشكل دوري وفي بعض الأحيان تكون الزيارة من باب المجاملة. ولكن غالباً بقصد الحصول على تميمة واقية [من الحسد] أو للشفاء من العقم أو المرض أو من أجل الحصول على نصيحة في أمور روحية أو دنيوية أو للتوسط في نزاع. لا يرتبط الشيوخ عموماً بأي قبيلة (رغم أن القبيلة بالكامل قد تعتبر نفسها تابعة للشيخ ذاته)، لذلك فإنهم ليسوا طرفاً في أي نزاع بين القبائل. ولهذا السبب ونظرا للاحترام الكبير الذي يحظون به جعلت البعض منهم الأشخاص الوحيدين القادرين على حل مثل تلك النزاعات باعتبارهم وسطاء ومستشارين وشفعاء وكتاب عدل وضامنين للاتفاقات التي تم التوصل إليها. نجاحهم في حل الخلافات القبلية بدوره زاد من مكانتهم وتأثيرهم السياسي. حيث أخذ بعض الشيوخ تدريجياً الدور السابق الذي كان الأمراء يلعبونه. بعد عدة عقود من الفوضى وانعدام الأمن، ابتداءً من 1860 تقريباً، نجد الشيوخ أكثر القادة السياسيين تأثيراً في كل كردستان. وليس من باب المصادفة بالتالي أن نجد أن معظم الثورات القومية الكردية الأولى (حتى الثلاثينات من القرن الماضي) كانت بقيادة الشيوخ الذين كانوا القادة الوحيدين القادرين عملياً أن يجعلوا عدة قبائل كردية تعمل باتفاق فيما بينها. عامل آخر ساهم في تعزيز التأثير السياسي لهؤلاء القادة الدينيين بالدرجة الأولى هو النشاط التبشيري الأوربي الذي أسفر عن شعور مناهض للمسيحيين والتشديد على الهوية الإسلامية للكرد. لم يحل الشيوخ الخلافات فقط لأن سلطتهم السياسية بالتحديد استُمِدت من قدرتهم على فعل ذلك، بل كانوا أيضاً يحتاجون إلى تلك الخلافات إن هم رغبوا في زيادة سلطتهم. لذلك قام بعض الشيوخ الطموحين بإذكاء الخلافات بين الزعماء القبليين المتنافسين لكي يفرضوا سلطاتهم[9].
تدريجياً، وبدون أية انعكاسات، نجحت الدولة العثمانية وخلفاؤها في القرن العشرين في وضع كردستان تحت سيطرة السلطة المركزية وحدّت من قوة الشيوخ والزعماء القبليين الكبار. كانت النتيجة ليس انحلال كلياً للقبائل بل تغيراً في شخصيتها. تمكنت السلطة المركزية الناجحة من تفتيت البنى الكبيرة وبذلك حرّرت أجزاء من تلك البنى للعمل بشكل مستقل. كلما كان توغل الدولة وأجهزتها الإدارية عميقاً في المجتمع الكردي، كلما كانت الكيانات القبلية التي تتفاعل معها أصغر. حتى بداية القرن التاسع عشر كان الحكام العثمانيون والفرس يتعاملون مع الكرد من خلال أمراء يتمتعون إلى حد كبير بالحكم الذاتي ويحكمون تكتلات قبلية كبيرة التي نادراً ما كانوا يتدخلون في شؤونها الداخلية، غير أن الإصلاحات الإدارية الكبيرة استبدلت الأمراء بحكام مقاطعات معيّنين مركزياً كانوا يديرون السكان القبليين من خلال زعماء القبائل الكبيرة أو الاتحادات القبلية أو من خلال شيخ طارئ. أدى المزيد من تمدد الدولة إلى تفتيت القبائل الكبيرة والاتحادات القبلية وجعل زعماء قبليين صغار وسطاء بين الدولة والمجتمع. وبذلك أصبحت الوحدات القبلية أصغر من أي وقت مضى من إمارة إلى اتحاد قبلي ثم إلى قبائل كبيرة ومن ثم إلى قبائل صغيرة. مع كل خطوة باتت القبائل أشبه ما تكون بالنموذج المثالي للقبيلة باعتبارها مجموعة كبيرة من الناس تنحدر من السلالة ذاتها. القرابة، التي لطالما كانت تحتل مركز الصدارة في الإيديولوجيا القبلية، باتت أكثر أهمية من الانتماء السياسي في الوظيفة العملية للقبيلة. بدلاً من المرور بمرحلة التجرد من القبيلة، أصبح المجتمع الكردي بمعنى ما أكثر قبليةً. مع ذهاب البنى الاتحادية الأكثر أهمية، باتت الولاءات القبلية الضيقة أكثر وضوحا وزادت العدوات القبلية[10].
كان هذا الميل العام نحو “انتقال سلطة” القبائل يُعكس لبعض الوقت، وإن يكن قصيراً، وذلك عندما تضعف الحكومة المركزية أو عندما تجد الحكومة لسبب ما أن وجود قبائل قوية يكون لمصلحتها. كان ذلك هو الحال مثلاً عندما جنّد السلطان عبدالحميد الثاني كتائب من الفرسان، الحميدية، من بين رجال القبائل الكرد. كانت كل كتيبة تتألف من 500 إلى 1500 رجل من القبيلة ذاتها بقيادة زعيمهم القبلي. كانت المهمة الظاهرية للحميدية حراسة الحدود من غارات الأجانب (أي الروس) والإبقاء على السكان الأرمن في الأقاليم الشرقية من الإمبراطورية تحت السيطرة. اعتبر السلطان [الكتائب الحميدية] نظاماً موازياً [رديفاً] للسيطرة على الشرق ومستقلاً عن بيروقراطية الجنود النظاميين والجيش الذي لم يكن يثق به تماماً. كانت الحميدية تتمتع بالكثير من الحصانة القانونية- لا الإدارة المدنية ولا التراتبية العسكرية لهما أية سلطة عليها ولم تكن أية محكمة لديها الصلاحية لتقاضي الجرائم المرتكبة من قبل أفراد الكتائب الحميدية- وتحولت الكتائب عملياً إلى زعامات مستقلة. لم يكن قادتها قادرون فقط على تعزيز سيطرتهم على قبائلهم فقط بل أيضاً قادرين على توسيع سيطرتهم على حساب القبائل المجاورة التي لم تكن منضوية تحت لواء الفرق الحميدية. لم ينجم عن تشكيل الحميدية قبائل جديدة فحسب بل أيضاً عزّزت من قوة بعض القبائل الموجودة اقتصادياً وسياسياً على حساب جيرانها مما جعلها داخلياً ذات ترتيب هرمي أكثر من ذي قبل[11].
كانت الحميدية مكروهة من قبل الأتراك الإصلاحيين باعتبارها تمثل أسوء جوانب الرجعية للسلطان عبدالحميد، وبعد انقلاب تركيا الفتاة في 1908 تم حلّها. ولكن بعد عدة سنين تم استرجاعها تحت اسم جديد ولم تلعب دوراً كبيراً في الحرب الكبرى، أو على الأقل ليس كجزء من القوات العثمانية[12]. خلال سنين الحرب والسنوات التي أعقبتها بات من الممكن في ظل الحكومة تراخي السيطرة المركزية أن تظهر الاتحادات القبلية من جديد بزعامة بعض الزعماء القبليين الأقوياء. فقد استعادوا وحدتهم السابقة بل جرّوا بعض القبائل المجاورة إلى فلكهم. وتمكنت بعضاً من تلك الاتحادات المنبعثة من جديد أن تجد طريقها إلى الصحافة في العشرينيات [من القرن الماضي] تحديداً بحكم ارتباطها بالقومية الكردية ولا سيما اتحادات هفيركان (شرقي ماردين في تركيا) و جلالي ( حوالي جبل آرارات) وبزدار (شرقي قلعه دزه، العراق) وشكاك التي هي موضوع بحثنا.
في هذه المرحلة تحديداً من التنظيم اختلفت اتحادات هفيركان وشكاك، وربما جلالي، في بعض النقاط عن النموذج “المثالي”. لقد زودنا فريدريك بارث بوصف مثالي إلى حد ما عن اتحاد (جاف)[13] القبلي. بحسب ذلك الوصف فإن اتحاد جاف يتألف من عدد من الأرومات، بعضها جاف حقيقيين، والبعض الآخر هامشية أكثر ولكنها جميعاً خاضعة لنفس السلالة الحاكمة، سلالة بكزاده. اتحاد هفيركان وشكاك كانا مختلفين عن ذلك النموذج من حيث أنها لم تكن تنتمي إلى سلسلة نسبية واحدة بل إلى عدة أرومات متنافسة وكل واحدة منها كانت مرتبطة بمكوّن قبلي من الاتحاد. يبدو لي هذا مؤشراً على (إعادة) تكوين الاتحادات القبلية. أدى نمو الاتحادات القبلية وتضامنها إلى انتصار إحدى الأرومات المشيخية.
احتفظت القبائل المكوّنة [للاتحاد القبلي] بهويتها الخاصة حيث تسكن كل واحدة منها في منطقة محددة بشكل جيد ولها حقوقها في مراعي محددة بشكل جيد أيضاً. الزعامة في تلك القبائل تكون أكثر ديمومة من الاتحادات القبلية. تلك الاتحادات ربما تكون غير متجانسة تماماً، كما هو الحال في اتحاد هفيركان المؤلف من المسلمين واليزيديين وحتى بعض الجماعات المسيحية التي اعتُبِرت جزءاً من الاتحاد. لم يكن لكل تلك القبائل مكانة سياسية متساوية داخل الاتحاد حيث كانت هناك قبائل “مركزية” تسيطر على الاتحاد سياسياً وعسكرياً وبعضها الآخر “تابعة” هامشية أو قبائل “مقطعية”[14] والتي كانت قد انضمت إلى الاتحاد بسبب نجاحاتها أو كانت قد أُخضِعت لها بالقوة. وكان النموذج الأخير أول من انشق عنها في أوقات المحنة. [15] .
في أوقات الهدوء النسبي كان من المستحيل عملياً للزعماء الطَموحين أن ينجحوا في الحفاظ على منصب مهم كقيادة اتحادات كبيرة كهذه بدون مساندة من حكومة مركزية قوية. ربما يكون النسب الرفيع وكرم الضيافة المفرطة والاستعداد لمساعدة رعاياه (وهي ميزات “زعيم” من نمط الزعيم القبلي) ضرورية لكي تجعل الزعيم محترماً ولكنها نادراً ما تكون كافية لضمان الاعتراف به بشكل عام كقائد أعلى. في تلك الفترات كان هناك عدة منافسين على القيادة العليا للاتحاد ويكون كل واحد من المنافسين معترفاً به فقط من قبل بعض زعماء القبائل. ضمن القبائل المشكّلة [للاتحاد] كان هناك عدة زعماء قبليين طموحين. نجم عن ذلك نظام تحزبي من نوعية “رقعة الشطرنج” حيث الكيانات المعنية عبارة عن أجزاء من القبائل المكونة للاتحاد القبلي.
ولكن عندما كانت الحكومة ضعيفة، مثل الفترة الممتدة من 1915 إلى 1930 فإن الزعماء القبليين المتنافسين ينخرطون في نوع من النشاطات العسكرية التي زادت من فترة احتفاظهم بمنصب زعيم القبيلة-جانب اللصوصية للزعماء القبليين. واشتمل ذلك على القيام بحملات نهب على القوافل أو المدن أو قرى القبائل المجاورة-وهي وسيلة ممتازة لتعزيز وحدة قبيلة المرء-ولكن من الواضح أن حملات النهب على قرى ومخيمات القبيلة ذاتها بذات الأهمية. تلك الحملات استهدفت بالدرجة الأولى الرعايا “غير القبليين” للزعيم القبلي المنافس والتابع للقبائل (الفرعية) التي كانت تقرّ بسلطته. لم يكن هناك الكثير من القتل والتدمير في حملات النهب تلك حيث كان يتم الاستيلاء على الحيوانات والممتلكات المتنقلة ويمكن إعادة جزء من كلتيهما فيما بعد. تلك الحملات كانت تُنّفذ من قبل حاشية الزعيم القبلي وهم مقاتلون أقوياء من أصول مختلفة ( تضم أحياناً غير الكرد) الذين قطعوا من قبل كل صلاتهم القبلية (كانوا مستعدين لقتل والديهم إذا ما أمرهم الزعيم القبلي بذلك كما قال لي أحد مصادري)؛ كانوا يعيشون مع وعلى حساب الزعيم القبلي الذي كانوا مخلصين له وحده. في أوقات السلم، كان هؤلاء الأتباع يجمعون ضريبة العشر للزعيم وفرض السخرة على الأتباع غير القبليين. إذا ما نجحت عدة حملات من النهب فإن القرى وأجزاء من القبيلة تنقل ولاءها إلى الزعيم القبلي الغازي خوفاً من جهة ولأن الزعيم الشجاع والداهية هو الأفضل من ناحية أخرى[16].
“الزعيم القبلي” و”قاطع الطريق” ليسا بالضرورة نوعين مختلفين من الزعماء القبليين، بل هما جانبان مكملان للزعيم القبلي المثالي. سليلو أسر قديمة ومعترف بها قانونياً قد يتصرفون كقطاع طرق أو محدثي نعمة لمن يتحداهم. يلعب العامل الخارجي في أغلب الأحيان أياً من النموذجين يكون الغالب. ولكن ينبغي التأكيد بأن أنجح “قطاع الطرق” من الزعماء القبليين لم يصعد إلى السلطة بالوسائل المذكورة آنفاً فقط. فقد أضافوا إليها الطريقة التي استخدمها كل الزعماء القبليون من كل الأصناف وفي كل الأوقات أي بالتحالفات السياسية مع القوى الخارجية. والقوى الخارجية قد تكون قبائل أخرى أو اتحادات قبلية أخرى (إنه أمر ذو مغزى أن الزعماء القبليين الكبار لـ (شكاك) وهفيركان استحوذوا على أتباع من بين القبائل الأخرى قبل أن يسيطروا تماماً على القبائل “المركزية” للمتحالفين معهم) أو التجار المدنيون ولكن أهم القوى كانت بالطبع هي الدول. وحتى عندما لم تكن الدولة تملك سيطرة فعلية، فإن الزعيم القبلي قد يستمد الكثير من قوته منها- طالما أنها ليست غائبة تماماً كلياً وبإمكانها أن تطبق أقصى درجات العنف. يمكن للدولة أن تعترف بزعيم قبلي بصفته القائد الأعلى الوحيد لقبيلته أو الاتحاد القبلي مقابل وعود بـ”الولاء”. فإذا ما اعترف السلطان العثماني (المقبول على نطاق واسع بصفته خليفة ) بزعيم قبلي فإن ذلك يكون نافذ المفعول. لكن اعتراف الدولة غالباً ما يتعزز بالهدايا المميزة وبالقوى المفروضة من قبل الزعيم القبلي المعترف به.
اعتباراً من العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر فصاعداً، اعتقد الكثير من الزعماء القبليين بأنه من المفيد إجراء اتصالات مع روسيا و/أو بريطانيا بالإضافة إلى دول المنطقة. كان يُنظر إلى تلك القوى، رغم أنها محتَقرة [من قبل الزعماء القبليين]، على أنها أقوى (وبالتالي حلفاء مفيدين أكثر) من السلطان أو الشاه. يبدو أن البريطانيين لم يبدو استعدادهم حتى بداية الحرب الكبرى ولكن الروس قاموا بدعوة أكراد بارزين للقيام بجولات في القوقاس وجورجيا وقطعت لهم وعوداً ووزعت الكثير من المال والهدايا على الزعماء القبليين[17] مما عزز مكانتهم.
السكان القبليون وغير القبليين
لا ينبغي الافتراض أنه في فترة ما من الماضي كان كل الكرد “قبليين”. لطالما كان هناك أعدادا كبيرة من الفلاحين الكرد غير القبليين يطلق عليهم غالباً اسم (كرمانج، كوران، رايات [رعية]، مسكين miskên) دون تنظيم اجتماعي مستقل غير الانتماء الأسري السطحي. الرجال القبليون الذين سيطروا عليهم واستغلوهم فرضوا عليهم بنيتهم التنظيمية الخاصة. وهكذا فإن “كرمانجياً” يعيش على أرض يسيطر عليه اتحاد قبيلة شكاك ربما يعّرف عن هويته بالانتماء إلى قبيلة معينة أو قبيلة ثانوية من ذلك الاتحاد القبلي، وربما يشعر بالعداوة تجاه “كرمانجي” آخر يعيش منافسين لـ”شكاك”. وربما يلعبون دوراً (رغم أنه دور الضحية على الأغلب) في العداوات بين القبائل الثانوية، ولكن لا أحد يعتبرهم شكاكيين أقحاح. رجال القبائل نخبة عسكرية وهم عادة (ولكن ليس بالضرورة) من البدو أو شبه البدوية التي تنتقل سنويا بحثاً عن المرعى. إن مصطلح عشير ashir أو عشيرت ashirat لا يستخدم غالباً للإشارة إلى أية عشيرة معينة ولكن إلى رجال القبيلة بصفتهم طبقة عسكرية. لقد لاحظ العديد من رحالة القرن السابع عشر لاحظوا أن المصطلحين ashiret و sipahi –تشير الأخيرة إلى الطبقة العسكرية العثمانية والفرسان الإقطاعيين- كانا يستخدمان بشكل متبادل في كردستان[18].
بما أن الكثير من رجال القبائل البدو استقروا وبدأوا بالزراعة، فإن الفرق بين الكرد القبليين وغير القبليين بات أقل وضوحاً. ولكنه معروف بين الكرد أنفسهم وكثيراً ما يظهر عند السيطرة على الأرض. رجال القبائل عموماً يملكون بعض الأراضي، وزعمت مصادر معلوماتي من عدة قبائل كردية مختلفة في إيران أنهم لا يعرفون أي من رجال القبائل ممن ليسوا ملاكي أراضي صغار (khurdeh-malik). من ناحية أخرى الكرد اللاقبليون عادة ما يكونون مستأجرين أو محاصصين أو عمال زراعيون بدون أرض. ورغم أن الرعية Rayats الذين امتلكوا سندات تمليك الأراضي في ظل قانون الإصلاح الإيراني، فإنهم مع ذلك لم يُقبلوا كأنداد لرجال القبائل على الرغم من أنهم يختلفون قليلاً جداً عن القبليين الحضر (غير المرتحلة).
على الرغم من أنه داخل القبيلة ذاتها ثمة تقسيم صارم لما يشبه التقسيم الطبقي بين رجال القبيلة وبين الرعايا اللاقبليين، فإنه ثمة أوقات يكون فيها انتقال ذو مغزى بين الطبقتين. والنمو السريع لبعض القبائل في أوقات الازدهار (زيادات بنحو 200% خلال خمس إلى عشر سنين لم تكن حالات نادرة) كان ممكناً فقط من خلال انضمام عناصر من اللاقبليين من أماكن أخرى. وكان من الممكن أن تحدث العملية المعاكسة، أي التجرد القبلي، نتيجة الفتح من قبل قبيلة أخرى أو نتيجة الإفقار التالية للتوطين.
مسلمون ومسيحيون:
حتى وقت متأخر لم يكن الكرد القبليون وغير القبليين السكان الوحيدين للحدود التركية-الفارسية، بل اشتركوا في ذلك الموطن مع مجموعات اثنية أخرى أبرزها المسيحيون (الأرمن والآشوريين) واليهود. معظم الحرفيين والكثير من تجار المدينة كانوا من تلك المجموعات الإثنية. لكن معظم المسيحيين كانوا من الفلاحين الذين غالباً ما كانوا أكثر ثراء من الكرد غير القبليين بحكم امتلاكهم لتكنولوجيا أكثر تطوراً. في معظم الأماكن كان يهيمن عليهم ويستغلهم الكرد القبليون، ولكن لم يكن هذا هو الحال في كل الأماكن. فحتى اندلاع الحرب الكبرى كان هناك في مقاطعة (وان) عدد كبير من السكان الأرمن الريفيين والمدنيين غير التابعين لأية قبيلة ( رغم أنهم لم يكونوا بمنأى عن حملات النهب التي قام بها القبليين الكرد، وخاصة بعد تأسيس [الفرق] الحميدية[19]. أهم السكان المسيحيين في السياق الحالي كانت الجالية النسطورية (الآشورية) في هكاري[20]. تواجد بين الكرد رعايا من النسطوريين القبليين واللاقبليين. وكان لكل مجتمع قبلي قادتها العسكريين والسياسيين ((Malik ولكن الجميع يعترفون بالبطريرك النسطوري (وهو منصب متوارث في أسرة مار شمعون) باعتباره سلطتهم العليا. لطالما تميزت العلاقات بين القبائل الكردية والنسطورية بالمساواة حيث كان البطريرك يتوسط في الخلافات الكردية وغالباً ما كان النسطوريون يستعينون بشيخ كردي[21].
شهدت العلاقات بين المسلمين والمسيحيين أثناء القرن التاسع عشر تدهوراً ملحوظاً عندما زادت القوى الأوربية من جهودها التبشيرية بين مسيحيي كردستان. أدرك المسيحيون والأكراد أن نشاطات البعثات التبشيرية تحضير لمزيد من التدخل من قبل تلك القوى. المسيحيون الذين شعروا أنه بات لديهم حماة أقوياء بدأوا بالوقوف في وجه الاستغلال والظلم الذي مارسه الزعماء الكرد. شعر الكثير من الكرد، لأسباب مفهومة، أنهم مهددون بالسيطرة المتزايدة للقوى الأوربية على الحكومتين العثمانية والفارسية، وبالنشاط المتزايد للبعثات التبشيرية في كردستان وبالروح القتالية لدى المسيحيين الناتجة عن ذلك، فقاموا بتوجيه جام غضبهم على المسيحيين المحليين. هذه العداوة المتزايدة جعلت الكرد منفتحين على دعاية الوحدة الإسلامية التي روّج لها السلطان عبدالحميد الثاني (1876-1908) والتي أدت إلى سلسلة من المجازر بحق المسيحيين[22].
الوحدة الإسلامية والقومية الكردية
ولاءات القبليين الكرد قائمة على نظام التحالف والمعارضة الانشطاري. ولكن في الفترة التي نحن بصددها، كانت هناك ايدولوجيتان جذبتا أكبر قدر من الولاءات من الولاء القبلي وهما الوحدة الإسلامية والقومية الكردية. ثمة تشابه ما بين الوحدة الإسلامية وبين الحركات القومية الكردية من ناحية وبينها وبين الدول من ناحية أخرى من حيث علاقتها مع القبائل الكردية وزعمائها. بالنسبة للزعماء القبليين قدمت تلك الحركات نفس المصادر المادية والايدولوجية لسلطتهم كالتي قدمتها لهم الدولة. والحركات القومية الكردية من ناحية كانت بحاجة إلى القبائل من أجل الحصول على القوة العسكرية ولكنها وجدت في القبائل أساساً متداعياً كما وجدته الدولة. هذا الأمر صحيح بشكل خاص فيما يخص الحركة القومية حيث الانقسام القبلي شكل على ضعفاً رئيسياً لها.
لطالما كانت حركة الوحدة الإسلامية مرتبطة بقوة بالدولة العثمانية أو بشكل أدق بالسلطان والخليفة. وقد أصبحت فعالة في كردستان لثلاثة أسباب على الأقل: الأول هو القوى الأوربية ودعمها الملحوظ للمسيحيين في كردستان مما أثار قلق الكرد ومخاوفهم. “التهديد المسيحي” جعل التضامن الإسلامي يبدو ضرورياً لأسباب دفاعية. علاوة على ذلك، كانت الوحدة الإسلامية ستعطي القبليين الكرد الرخصة لنهب ممتلكات المسيحيين. ثانياً من مصلحة الشيوخ، وهم أكثر القادة فعالية في كردستان، ان تتعزز العاطفة الإسلامية التي كانوا أكثر مروجيها حماسة. ثالثاً، كان يُنظر إلى السلطان عبدالحميد الثاني، المبادر الرئيس لحركة الوحدة الإسلامية ومؤسس وراعي الحميدية، على أنه الحامي من بيروقراطية الحكومة ذات العقلية الإصلاحية التي رغبت في القضاء على سلطتهم. وورث من جاء بعده [السلطان عبدالحميد] تلك الولاءات.
بحسب بعض المراقبين كانت الدعاية للوحدة الإسلامية قوية في 1914-1915 لدرجة أن كل الكرد تقريباً (بما فيهم أكراد إيران) استجابوا لدعوة الجهاد، ولكن آخرين تنافسوا جدياً [لإظهار] التزامهم بالقضية العثمانية-الإسلامية. يدعي باسيل نيكيتين، قنصل روسيا في أورمية، أن كل الزعماء القبليين الكرد-بما فيهم أولئك الذين تجاوبوا بشكل إيجابي مع العروض الروسية وقبلوا المال الروسي- امتثلوا للحرب المقدسة[23]. مصادر أخرى تؤكد على البراغماتية أو الانتهازية لدى الزعماء القبليين الكرد أثناء الحرب. فقد اشتركوا فيها عندما كانت المكاسب السريعة والنهب ممكناً ولكن تجنبوا الاشتباكات الخطيرة. فقد فرّ المجندون الكرد بشكل بشكل كبير ووقف زعماء عشائر ذوي نفوذ، بما فيهم بعض قادة الحميدية، مع الروس[24].
تطورت القومية الكردية جزئياً كرد فعل على ومحاكاة للقومية الأرمنية و(فيما بعد) لحركة تركية الفتاة. البريطانيون والروس على حد سواء شجعا هذه القومية، التي أرادوا أن يستعملوها ضد الدولة العثمانية. ما يشبه أول محاولة خطيرة لإقامة دولة كردية مستقلة جرت في عام 1880 من قبل الشيخ عبيدالله ذو النفوذ القوي في المناطق الواقعة جنوب-شرق بحيرة وان. على رأس جيش مؤلف من قبائل مختلفة واقعة تحت نفوذه، هاجم أذربيجان الإيرانية حيث انضمت إليه الكثير من القبائل المحلية[25]. أخذ الشيخ الموافقة الضمنية من السلطان عبدالحميد الثاني الذي قبِل فكرة دولة كردية تابعة على الحدود الإيرانية السابقة والذي كان ينوي أن يستخدم الشيخ ضد الثورات الأرمنية. معتبراً دعم السلطان غير كاف، كتب عبيدالله رسائل أيضاً إلى الحكومة البريطانية ليخبرها بنواياه[26]. لقد أخفق الشيخ، ولكن فكرة الدولة الكردية المستقلة بقيت التي تبناها الكثير من الزعماء القبليين، وإن كان بسبب ما بدا أنها ستعطيهم المزيد من الحرية والسلطة.
تطورت القومية الكردية في أوساطا محدودة من المثقفين الكرد الذين كانوا يعيشون في استانبول والمدن الرئيسية الأخرى. الدور المركزي فيه لعبه أفراد من عائلة بدرخان الكبيرة، آخر حكام إمارة بوطان. قاد أمين عالي بدرخان الجناح ” الانفصالي” من الحركة القومية الكردية التي ظهرت في استانبول بعد 1908، في حين مثّل ابن الشيخ عبيدالله، عبدالقادر، الذي كان يتمتع بمزيد من النفوذ بين عامة الشعب، الجناح ” المتنور” المعتدل للحركة[27]. اختلف عبدالرزاق بدرخان مع السلطان وأُرسِل إلى المنفى في روسيا. بحلول 1912 كان قد استقر في أذربيجان الغربية حيث أصبح النصير الرئيسي للقومية الكردية. بحسب بعض المصادر، قام عبدالرزاق بنشر جريدة كردستان من أورمية باللغتين الكردية والتركية[28] . في عام 1913 وبتشجيع روسي قام بتأسيس جمعية ثقافية كردية في بلدة خوي والتي افتتحت بعد عام أول مدرسة كردية[29].
خلال الحرب العالمية الأولى اثبت الشعور الإسلامي عموماً أنه أقوى من الشعور القومي الكردي، ولم تكن هناك محاولات جادة لفصل كردستان عن الإمبراطورية العثمانية[30]. شارك عبدالرزاق بدرخان في العمليات مع الروس ضد العثمانيين بقوة كردية مؤلفة من 500 رجل، ولكن يبدو أن جهوده بقيت دون المستوى ولم تحفّز على القيام بانتفاضة كردية كبيرة التي حلم بها ربما والتي بالغ الأتراك، مع ذلك، من اهميتها[31]. لم تجد القبائل أي انجذاب نحو فكر ة القومية الأمة الكردية.
ولكن بعد هزيمة العثمانيين انتشرت القومية بسرعة في كردستان. فقد كان هناك إدراك عام بمبادئ الرئيس ويلسون الأربعة عشر (والتي تضمنت مبدأ حق تقرير المصير[32] ) والخطط البريطانية في إقامة دولة كردية عازلة بين تركيا وبلاد الرافدين. عندما باتت الدولة الكردية المستقلة شيئاً معقولاً، تحوّل الكثير من الشيوخ والزعماء القبليين فجأة إلى قوميين وانتفضوا. لم يكن الفرق بين الثورات القومية و التمردات التقليدية للزعماء القبليين yaghigiri حاداً كما هو الحال في ثورة سمكو، الأهم من نوعها في كردستان إيران.
سمكو والاتحاد الشكاكي
تسنم سمكو القيادة العليا لشكاك، ثاني أكبر اتحاد قبلي كردي في إيران. حيث أن كلهور، في غربي كرمنشاه، يفوقهم عدداً. سكنت قبيلة شكاك (ولا تزال) المناطق الجبلية في سومي وبرادوست، غربي سلماس وأورمية. في حوالي 1920 بلغ تعدادها نحو 2000 أسرة ما عدا الرعايا غير القبليين.
ما من إحصائيات عن القبائل المجاورة في تلك الفترة، لكن أرقام من أواخر الستينات تعطي مؤشراً عن القوات النسبية للقبائل مثلما كانت ربما في أيام سمكو[33]
شكاك | 4400أسرة | مامش | 950 |
ملان | 2030 | زازا | 750 |
مانكور | 1500 | بيران | 650 |
هركي | 1350 | بكزاده | 500 |
جلالي | 1135 | حيدران | 300 |
ولكن لا بد من الملاحظة أن معظم تلك القبائل لديها فروع تعيش على الجانب الآخر للحدود، والتي لم تدخل ضمن هذه الاحصائيات. قبائل هركي وحيدران بشكل خاص هما أقوى مما توحي هذه الأرقام.
بحلول 1920 ما تبقى من قبيلة شكاك على شكل بدو كانوا أقلية حيث كانوا يستخدمون khaliseh (الريع الملكي) كمراعي صيفية في مقاطعات تيركيفار Tergevar ودشتي بيل Dasht-i Bil ويقضون الشتاء في سهول سلماس وأورمية. كان معظم القبيلة من الذين ينتقلون فصلياً مع مواشيهم ويقضون الشتاء في القرى الجبلية. كانت قبيلة شكاك تسيطر على مجموعة من الكرمانج (الفلاحين الكرد غير القبليين) الذين كانوا أكبر بثلاث مرات من أفراد شكاك أنفسهم وكانت علاقتهم طفيلية/تكافلية مع المسيحيين بين ظهرانيهم. كان الكثير من المسيحيين أغنياء جداً؛ حيث لم يكونوا فقط مزارعين وحرفيين بل أيضاً أصحاب مراعي والبعض منهم امتلك نحو 1000 رأس غنم و40 حصاناً. في الصيف كانت حيواناتهم مع القطعان التابعة لشكاك إلى yaylaq برفقة واحد أو أكثر من أفراد العائلة بينما يبقى بقية أفراد العائلة في القرى للفلاحة.[34]
دخل إضافي للقبيلة كان يأتي من النهب: حيث كانت شكاك تملك أسوء سمعة كلصوص ومغيرين (وفي الوقت الحاضر يشتهرون بكونهم مهربين) حتى أن بعض المؤلفين زعموا أن تلك وليس تربية الحيوانات هي مهنتهم الرئيسية. ويبدو أن غاراتهم من أجل النهب لم تستهدف القوافل التجارية قدر ما كانت تستهدف السكان المتوطين في السهول والوديان وبخاصة الأشوريين المسيحيين (النسطوريين أو المعتنقين لعقائد الكنائس الأوربية والأمريكية) والآذريين الشيعة. كان يقومون بالنهب من دون تمييز، ولكن، كما لاحظ نيكيتين، فإن سكان الوديان الفقراء كان لديهم رأياً إيجابياً نوعاً ما عن جعفر آغا (شقيق سمكو الأكبر، المسؤول عن الكثير من السمعة السيئة التي لحقت بقبيلته) “لأنه كان يوزع في كثير من الأحيان جزءاً من الغنائم التي يسلبها من أحد الأثرياء على الفقراء المحتاجين”. [35]
تتألف اتحاد شكاك القبلي من عدة قبائل ذات أحجام ومكانة مختلفة تماماً: القائمة التي وجدتها أنا وصلت إلى حد 25 قبيلة يتكرر فيها اسم تسع قبائل في معظمها[36]. ثلاثة منها تُذكر على أنها مركزية وقبائل مسيطرة : آفدوفي، مامدي (أو مامدوي Mamdoi)) وكاردار. القبائل الأخرى تبدو هامشية أكثر وتنضم إلى القبائل الثلاث المذكورة عندما يقودها زعيم قبلي عظيم ولكنها تبقى بعيدة عن الأضواء فيما عدا ذلك. وهكذا فإن غيلان Ghilan يصف قبيلة هيناريه Henareh القوية التابعة بما يلي:
“القبيلة…في نوع من التبعية لـ(شكاك) إذ كان على زعيمهم أن يحظى بموافقة آغا شكاك..لم يكونوا من دعاة الحرب، وإينما كانو من التجار ومربي المواشي. لكن شكاك كانوا يزجونهم في حروبهم ويعرّضونهم لهجمات انتقامية من قبل القبائل التي أضرّوا بها.”[37]
عندما زار بلو Blau المنطقة في عام 1857 فإن هيناريه كانت لا تزال تعتبر قبيلة منفصلة تماماً وجارة لشكاك، وفي القوائم الحديثة أكثر فإنها تُذكر كجزء من قبيلة شكاك دون أن يكون واضحا أنها ذات مكانة أدنى. على نحو مماثل فإن مامدي، التي كانت قبيلة رئيسية في اتحاد شكاك في منقلب القرن، كانت قبيلة بدوية مستقلة[38]. هذا يعني أن شكاك كبرت إلى اتحاد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، في الفترة التي كانت فيها الكثير من الاتحادات الأخرى في مرحلة الاضمحلال.
إحدى العوامل التي جعلت ذلك النمو ممكناً وساهم في بروز زعماء قبليين أقوياء يتبين بشكل واضح من خلال دراسة التاريخ المحلي: الصراع الحدودي. فمنطقة سومي كانت تُدار من قبل أسرة كردية حاكمة لصالح العثمانيين، وكانت الحكومة الإيرانية هي التي شجعت شكاك (التي كانت تعيش في ذلك الوقت بعيداً إلى الجنوب) لإخضاع تلك المناطق والتي استغرفت معها الفترة الممتدة من 1841 إلى 1893. كمكافأة لها قامت الحكومة الإيرانية بتعيين زعماء شكاك القبليين حكاماً على المناطق الحدودية وعبثاً حاولت الحكومة الإيرانية لاحقاً أن تكبح الشكاكيين من الإغارة على الأراضي الإيرانية.
هناك فخذان رئيسيان (يطلق عليهما pisaqa ) ضمن شكاك ويرتبطان بقبائل ـ(آفدوفي) و(كاردار) على التوالي. الأولى تدعي أنها تنحدر من الزعماء الكرد الذين اشتركوا في حملات صلاح الدين العسكرية.[39] بين هاتين العائلتين هناك دوماً منافسة على قيادة الاتحاد القبلي. وفي معظم الأحيان سيطر كل واحدة منهما على جزء من شكاك.
في منقلب القرن تقريباً كان هناك على الأقل ثلاثة زعماء قبليين يتنافسون على القيادة العليا لشكاك. ربما كان أقواهم علي آغا من فخذ آفدوفي وأبناؤه جعفر آغا وإسماعيل آغا، الملقب بسمكو اللذين خلقا لنفسيهما سمعة بكونهما مقاتلين جسورين. الزعيم القبلي الثاني كان عمر آغا، الذي كان يتزعم قبيلة مامدي (بحسب بعض المصادر كان عما لسمكو، ولكن هناك الكثير من التخبط [في هذه المصادر]) والثالث هو مصطفى آغا (الذي خلفه أخاه إسماعيل) من فخذ كاردار الذي كانت بعض القبائل تخضع لسيطرته. كان انقلاباً كبيراً للزعماء القبليين خلال تلك السنوات. فخذ آخر من آفدوفي، بقيادة يوسف شقيق علي آغا، الذي يعيش جنوباً، والذي تفرقت قواته بعد أن تسنم علي السلطة على حسابه، وكثيراً ما قُتلوا على يد منافسيهم من قبيلة كارارد. عمر آغا من فخذ مامدي قُتل على يد الضباط الإيرانيين في 1902 ومصطفى آغا في عام 1906 على يد منافسه من آفدوفي. في الوقت ذاته تقريباً دُعي جعفر آغا، الذي كان يحمل ألقاباً رسمية ولكن استمر في ازعاج حكومة اذربيجان من خلال شن الغارات على أورمية وسلماس وخوي، إلى تبريز من قبل حاكمها والوريث المحتمل لبلاد فارس، ناظم السلطنة، وتم قتله بغدر[40].
ربما يكون الاختفاء السريع للزعماء القبليين المخضمرين هو الذي جعل صعود سمكو السريع ممكناً. ولكنه كان سياسياً ذكياً وانتهازياً ويعرف مع من يتحالف ومتى. عندما كان شاباً ساعد أخاه جعفر في الغزو واستمر يغزو خلال مجرى حياته مما جذب بعض القساة إلى حاشيته. في الثورة الدستورية انقلب سمكو ضد الدستوريين (الآذريون الحضر) ومن دون أن تتم دعوته أخذ 300 فارسا لينضم إلى قوات إقبال السلطنة، حاكم ماكو، ضد مجلس anjuman خوي. مكافأةً له عُيّن سمكو نائباً لحاكم إقليم قتور رغم استمراره في القيام بعمليات غزو ونهب، قامت الحكومة بتثبيت تعيينه[41].
لا الروس ولا الأتراك كانوا قد احتلوا أراضي شكاك قبل الحرب الكبرى؛ ولذلك فإن اتصالات سمكو معهما كانت غير مباشرة. يبدو أنه قبل 1913 تعاون مع الأذربيجانيين المؤيدين للأتراك والمناوئين للروس، ولكن في عام 1913 فإنه قام بتسليم أحد هؤلاء الذي كان قد التجأ إليه إلى الروس في محاولة لكسب ودهم[42]. ويبدو أنه نجح في ذلك حيث لاحظ مراقب روسي أن زعيمين قبليين اللذين كانا تابعين سابقين لإسماعيل آغا زعيم فخذ كاردار (منافس سمكو الرئيسي) قد أقسما، تحت ضغط روسي، على تقديم الولاء لسمكو[43]. في ذلك الوقت كان سمكو على اتصال دائم مع القوميين الكرد ويبدو أنه تبنى بعضاً من خطابهم رغم أنه من الصعب أن نقول كم كانت تعني له.
تزوج سمكو من اخت الشيخ سيد طه، حفيد وخليفة الشيخ الشهير عبيدالله [النهري][44]. كان ذلك زواج موفقاً لأن السيد كان أكثر شخص ذو نفوذ على الجانب الآخر من الحدود بالإضافة إلى كونه قائداً قومياً. سمكو وسيد طه كانا سيتعاونان كثيراً في العقد التالي. اتصال آخر لسمكو كان مع عبدالرزاق بدرخان سليل العائلة الوطنية المشهورة لأمراء بوطان. كان سيد طه وعبدالرزاق وشقيق سمكو جعفر قد دُعيوا من قبل إلى روسيا حيث عادوا “بهدايا سخية ورسائل تشجيع ألهبت خيالهم وطموحاتهم”[45] . بدأ عبدالرزاق بدرخان بنشر صحيفة شهرية كردية في أورمية في عام 1912. ولكن بعد فترة من الزمن، قام الروس بطرده من أورمية وبحسب أحد المؤرخين فإن سمكو هو من تولى مسؤولية الصحيفة حتى وقوفها عن الصدور في 1914[46].
خلال الحرب نأى سمكو بنفسه عن القتال الحقيقي محاولاً أن يُبقي كافة الأبواب مفتوحة بينما هو يحاول أن يوّسع سيطرته من المناطق الحدودية. اعتقله الروس ذات مرة وأرسلته إلى السجن في تفليس ولكنهم توقعوا أن الترغيب سيكون مثمراً أكثر من الترهيب، لذلك سمحوا له بالعودة إلى أذربيجان بشرط أن يعيش في مدينة خوي وأن يبقى “مخلصاً”.[47] عندما استُدعيت القوات الروسية للجنرال باراتوف من وسط كردستان بعد الثورة، استطاع سمكو أن يستولي على الكثير من أسلحتها بما فيها مدافع الميدان. من أجزاء كردستان الأخرى أيضاً بدأت الأسلحة تتدفق على سمكو الذي كان قد حاز على سمعة واسعة باعتباره قائداً قومياً. تلك الأسلحة إما كان الروس قد تركوها خلفهم أو أنها كانت تخلص المليشيات الكردية التي حاربت مع الجانب التركي.
لكن سمكو لم يكن الوحيد الذي سلّح نفسه. النسطوريون الأشوريون (المحليون ولكن بشكل خاص اللاجئون من هكاري الذين كانوا محاربين أكثر) كانوا مسلحين بشكل جيد أيضاً وقد تم مؤازرتهم أيضاً من قبل أرمن الأناضول المسلحين بشكل جيد. لم يعد الروس المغادرين قادرين على توفير الحماية للأرمن فتركوا الأسلحة خلفهم وحثّوهم على تنظيم صفوفهم في وحدات مقاتلة. وبحسب حسن آرفا فإن بعثة فرنسية عسكرية جلبت السلاح أيضاً للآشوريين ليدافعوا عن أنفسهم ضد الأتراك. كان لدى الآشوريين رغبة مماثلة لرغبة سمكو أي إقامة دولة مستقلة في أورمية وسلماس. المسلمون المحليون (الآذريون في السهول والكرد في الجبال) كانوا بالكاد يشعرون بالرضى عن ذلك إما الحكومة الإيرانية فكانت أقل رضى من ذلك. أدت المجاعة والتهجير المتبادل، التي كان للروس المغادرين دور غير قليل، إلى مزيد من المرارة بين المسيحيين والمسلمين. كان الآذريون والكرد غير القبليين بشكل خاص هم أكثر من عانوا لأن المسيحيين كانوا أفضل تسليحاً. أثناء أعمال الشغب التي اندلعت في أورمية (شباط/فبراير 1918) كانت للمسيحيين اليد الطولى واستولوا على كامل البلدة. لم تكن الحكومة الإيرانية قادرة على إعادة الأمن. عندئذ لجأ حاكم تبريز ، موختي شمس Mukht-i Shams، إلى سمكو. وبتحريض منه قام سمكو بدعوة المار شمعون، الزعيم الديني والدنيوي للنسطوريين، من أجل إجراء المفاوضات حول تحالف مقترح، وأمر باغتياله بغدر في آذار/مارس 1918[48].
لكن رجال سمكو لم يقوموا بأي دور في القتال اللاحق بين الجيوش التركية الغازية والأرمن والنسطوريين، الذين حاول البريطانيون أن يشكلوا منهم قوة قادرة على الوقوف في وجه تقدم الأتراك. فقط عندما فرّ معظم النسطوريين- الذين كانوا يفتقرون إلى قيادة قوية بعد موت زعيمهم- في حالة هلع إلى أورمية، انضم رجال سمكو إلى الجنود الأتراك والفرق غير النظامية في مطاردة الآشوريين وقتلوا الكثيرين منهم في (حزيران/يونيو أو تموز/يوليو 1918). دخلت القوات التركية والفرق غير النظامية الكردية (التي أرسلها سمكو وسيد طه، كما يزعم البعض) ونهبت ما تبقى منها[49].
وضعت الهدنة نهاية للوجود التركي في أذربيجان ولم تبق هناك حكومة قوية، فعيّنت الحكومة الإيرانية حكاماً جدد على تبريز وأورمية ولكنهم لم ينجحوا في توطيد السيطرة الحكومية على أذربيجان الغربية. السلطة الوحيدة ذات القاعدة القوية تمثلت في سمكو الذي كانت حاشيته الخاصة قد تعززت بعدة مئات من الجنود العثمانيين، الكثير منهم أكراد، إما لأنهم ببساطة هربوا من الجندية أو أشخاص ذوي دوافع قومية، وآخرين من المرتزقة الذين جذبتهم الرواتب العالية (!) وحقيقة أن سمكو منحهم زوجات. بامتلاكهم لمدافع الميدان (التي اُخذت بعضها من الروس) والبنادق الآلية أثبت رجال سمكو أنهم لا يُقارنون بجنود الحكومة في أذربيجان سيئي التدريب.
لم تجد الحكومة بداً من الخضوع لسمكو الذي استمر بشجاعة أكثر من ذي قبل في الإغارة على السهول. قام حاكم أورمية سردار فتح Sardar-i Fath بزيارة سمكو في معقله في شهريق Chahriq (جنوب-غرب ديلمان) وحاول أن يقنعه بالوسائل السلمية، لكن سمكو رأى في ذلك، على ما يبدو، دليلاً آخر على الضعف وقام حتى بتوسيع مناطقه التي يأخذ منها الإتاوة (“النهب”حسب الفهم الإيراني و”الضرائب” حسب مفهوم سمكو نفسه) الضرورية للحفاظ على جيشه. في وقت لاحق لجأ حاكم تبريز ، مكرم الملك، إلى التكنولوجيا الحديثة فأرسل لسمكو طرداً ملغماً على شكل علبة حلوى. قتلت المتفجرات التي فيها شقيقاً سمكو الصغير وعدداً من أتباعه ولكنها أخطأت الشخص المستهدف[50].
تمرد سمكو على الحكومة المركزية
في هذه الأثناء كان سمكو منشغلاً في إعلان الاستقلال. في شباط/فبراير 1919 كان هناك اجتماعاً لأهم الزعماء القبليين في كردستان إيران الذي تمت فيه مناقشة الدعوة إلى عصيان مسلح ضد الحكومة الإيرانية . وقد تقرر أن يتم تأجيل الانتفاضة حتى يتضح كيف ستكون مواقف القوى[51] سيد طه، الذي انضم إلى سمكو وتعاون معه عن كثب (لكن دون أن ننسى مصالحه الشخصية) زار بغداد في أيار/مايو 1919 لكي يحصل على الدعم البريطاني لدولة كردية مستقلة. وكان سمكو نفسه قد خاطب المفوض المدني أ. ت. ويلسون برسالة ذات مطالبة مشابهة. ولكن كليهما لم يتلقيا أي التزام. بحسب المصادر الأرمنية[52] فإن سمكو وسيد طه كانا في نفس الوقت على اتصال مع القوميين الأتراك في وان، الذي كانوا يرغبون في استغلالهما لمقاومة الانتقام المقترح للأرمن في شرقي الأناضول ولذلك وعدهما الأتراك بالمساعدة. وفي السنوات التالية بقي الزعيمان الكرديان على اتصال مع البريطانيين والقوميين الأتراك.
دون ان ينتظر بقية الزعماء ليعلنوا عن أنفسهم في حرب تمرد مفتوح، استولى سمكو على بلدة ديلمان ونهب خوي وحاصر أورمية كما ارتكب مجزرة بحق بعض السكان (الآذريين) في منطقة لاكستان (شمال-غرب ديلمان) الذين رفضوا الاعتراف بسلطته ودفع الضرائب له. وتم مطاردة الناجين حتى شرفخانه Sharafkhaneh على الساحل الشمالي لبحيرة أورمية. خلال خريف 1919 وضع أكراد سمكو تلك المناطق الواقعة إلى شمالي بحيرة أوريمة تحت الاحتلال[53]. ولكن كان في تبريز حاكما جديداً اسمه انتصار والذي تعاون مع وجنّد بفعالية كل القوات التي استطاع ايجادها (الجندرمة والقوزاق والفرسان الآذريين غير النظاميين). تحت قيادة فليبوف، وهو قوزاق روسي وصل للتو من طهران، استطاعت تلك القوات أن تصدّ أكراد سمكو Simko’s Kurds وأن تلحق بها خسائر فادحة. أُجبِر سمكو على أن يلجأ إلى معقله الجبلي في شيراق حيث الكثير من مواليه تخلوا عنه (بما فيهم العديد من الجنود العثمانيين السابقين). ولكن، لأسباب غير مفهومة، وبدلاً من متابعة نجاحهم الأولي بإجبار سمكو على الاستسلام غير المشروط، دخل فليبوف وانتصار في مفاوضات مع سمكو. نتيجة المفاوضات وعد سمكو بإعادة كل ما نهبه من لاكستان وأن يطرد الجنود الأتراك وأن يسلّم كل اسلحته إلى الدولة.
لم تنّفذ أي من تلك الوعود بشكل تام وعزّزت المسألة برمتها من موقع سمكو بين الكرد وأنه يستطيع بشكل علني أن يعمل ضد الدولة بنوع من الحصانة. خلال العام 1920 أعاد سيطرته على سهول أورمية وسلماس والقسم الجنوبي من منطقة خوي. وقام باختيار رجال من أورمية وعيّنهم كحكام لها فعين أولا أرشاد الملك Arshad Al-Mulk وهو من سكان أورمية ومن ثم تيمور آغا وهو زعيم قبلي كردي من كونيهشاهر Kuhnehshahr وقام رجاله بالإغارة على منطقة شاسعة بشكل رئيسي من أجل الاستيلاء على الأسلحة النارية وتمويل أعماله البطولية في المستقبل. في أحد الأيام قام بأخذ الآلاف من سكان أورمية، من كل الفعاليات الاقتصادية، واحتجزهم كرهائن في حديقة بالقرب من المدينة وطلب كفدية 40000 بندقية وكمية مشابهة من الليرات الذهبية مقابل إطلاق سراحهم[54]. كما تم فرض الضريبة على القرويين. هُزِمت قوات الجندرمة التي أُرسِلت من تبريز لتحرير المنطقة على يد الكرد وتم دفعهم إلى ما وراء شرفخانه (آذار/مارس 1921). أثبت سمكو مرة أخرى أنه الأقوى وبذلك جذب إليه مزيداً من الأتباع.
انتصارات أخرى على القوات الحكومية خلال تلك السنة أسفرت عن المزيد من الأتباع. في آذار/مارس 1921 كانت قواته لا تزال تُوصف بـ” 1000 خيال و500 مشاة”رافعين العلم تركي، وفي حملة صيفية كان هناك ما يُقدر بنحو 4000 مقاتل وفي خريف 1921 نحو 7000 بينما في آخر حملة قام بها، في صيف 1922، قيل أنه شارك فيها 10000 مقاتل[55] . كل هذه التقديرات تقريبية و، باستثناء الأخير، فإنها تتضمن فقط جزءاً مما كان سمكو قادراً على تجنيده. ومع ذلك فإن الزيادة واضحة وسلطة سمكو كانت تلقى اعترافاً من عدد متزايد من القبائل.
في بداية العام 1920 كانت هناك عدة لقاءات لـ”مجلس الزعماء القبليين الكرد” التي ترأسه سمكو وحضرها ليس فقط زعماء أكبر القبائل في أذربيجان (هركي وبكزاده وحيدران وشكاك) بل أيضاً زعماء بعض القبائل من اتحاد اتروشي القبلي وقبائل أخرى من هكاري. ويُقال أن سمكو عيّن شخصاً يدعى أحمد خان كزعيم أعلى لقبيلة هركي وأنه تم قبول ذلك بشكل عام من قبل هذه القبيلة القوية[56].
في أواسط 1921 كانت المنطقة الواقعة تحت سلطة سمكو تشمل كل الأراضي الإيرانية الواقعة غربي بحيرة أورمية ومن هناك جنوباً حتى بانه وسردشت بالإضافة إلى المناطق الشمالية-الغربية للعراق حيث كان البريطانيون والكماليون لا يزالون يتنافسون للسيطرة عليها. بالإضافة إلى كامل اتحاد شكاك وقبيلة هركي وأيضاً مامش ومنكور وديبوركي وبيران وزارا وكويرك وفيض الله بكي وبزدار انضمت بعض القبائل الثانوية إلى سمكو[57]. في عام 1921 دخلت قوات سمكو بلدة صاوجبلاق (مهاباد) التي كانت حتى ذلك الوقت تحت سيطرة القوات الحكومية. قُتِل 200 عنصر من الجندرمة وأُصيب 150 آخر. قد يكون دافع وموقف الكثير من رجال سمكو موضحاً في نهبهم للبلدة عند سيطرتهم عليها –على الرغم من أن سكان صاوجبلاق، خلافاً لأورمية وديلمان، أكراد بالدرجة الأولى.
انتقد القوميون الكرد الآخرون بشدة سمكو على السلب والنهب الذي قام به. لماذا زرع [سمكو] بذور الخلاف بين الكرد وبذلك خدم أعدائهم؟ جواباً على اتهامات من هذا القبيل من كردي نبيل من السليمانية، يجيب سمكو أنه أولا الجندرمة أجبرته على تكون المعركة في داخل البلدة، وبعد ذلك لم يكن قادراً على يمنع رجاله المعتادين على يستتبعوا المعركة بالنهب، وثانياً أنه كانت لديه شكوك حول موقف قبائل ديبوركي ومانكور اللتان كانتا تعيشان حول صاوجبلاق مباشرة[58].
اصبحت صاوجبلاق عاصمة ولكن سمكو لم يتخذها مكان إقامة له بل عيّن زعيماً قبلياً مخلصاً له وهو حمزة آغا من قبيلة مامش كحاكم لها. فقامت البلدات الآذرية مياندواب وماراكه وبيناب رسائل الخضوع لصاوجبلاق[59].
المزيد من النجاحات العسكرية ضد الحكومة عززت موقف سمكو بين الكرد وزادت من عدد أتباعه. بحلول تموز/يوليو وصلت المنطقة التي يسيطر عليها إلى أوسع مدى حيث تمددت شرقا وجنوباً إلى سين قله Sain Qaleh (شاهين دزه) وساقز . علاوة على ذلك، كان سمكو على اتصال مع القبائل في الجنوب ووصل نفوذه إلى مريوان وأورمان وحتى القبائل في جنوبي لورستان ساندت ثورته[60]. على نحو مماثل، أقام الكثير من الزعماء القبليين الكرد في تركيا والعراق علاقات ودية مع سمكو. ورغم أنه لم تكن هناك خطط ملموسة للقيام بعمل موّحد، فإن إقامة علاقات مع شخص طموح مثل سمكو لن تضر أبداً. وسرت شائعات بأن الحكومة الإيرانية كانت تنوي منح الكرد حكماً ذاتياً لأنها لم تكن قادرة على إخضاعهم[61].
لكن تبين أن تلك الشائعات لا أساس لها. فمنذ انقلاب شباط/فبراير 1921 كان رضا خان قد كرّس كل جهوده لبناء جيش وطني حديث ومنضبط ومتماسك. وقد أثمرت جهوده في الحال. فخلال العام 1921 وحتى بداية 1922 استطاع سمكو إلحاق هزائم متكررة بقوات موتلي (وهم جنود غير نظاميون وقوزاق وجندرمة) التي أُرسِلت ضده مستولياً على الكثير من أسلحتها. ولكن في آب /اغسطس 1922استطاعت حملة حسنة التنظيم لجيش أُعيد تنظيمه أن تخضعه للسيطرة[62]. تشتت أتباعه وتركوه بدون شيء سوى بعض الرجال المخلصين فكان عليه أن يهرب إلى تركيا ومن هناك إلى العراق. أدموندز، الذي قابله عند وصوله إلى العراق، لاحظ أنه ناقم على الأتراك والبريطانيين بشكل خاص. فالأتراك وعدوه دوماً بالمساعدة ولكنهم الآن وجهوا أسلحتهم إليه، والبريطانيين لأنهم وقفوا بسلبية عند سحقه على الرغم من فائدته لهم[63].
لم يبق سمكو هامداً وهو لاجئ في العراق بل بدأ في الحال يحاول تقوية علاقاته القديمة ويقيم علاقات جديدة مع الزعماء القبليين الكرد هناك تمهيداً لرجوعه إلى إيران. فتقرب من حليفه السابق سيد طه (الذي كانت بريطانيا تستغله الآن في طرد الأتراك من راوندوز وفقَدَ أي اهتمام في مزيد من المغامرات في إيران) ومع الشيخ محمود [الحفيد] من السليمانية (وهم أكثر قائد قومي تأثيراً في كردستان الجنوبية والذي لم يبدِ اهتماماً أيضاً بمشاكل سمكو) وكثيرين غيرهم. بل حاول أن يطيب من خاطر اللاجئين الآشوريين الذين كانت بريطانيا قد جلبتهم إلى العراق والذين لا يزالون يفكرون بالعودة إلى أورمية وسلماس. علامات الاحترام كانت ترافقه أينما حلّ ولكن لم يكن أحداً مستعداً لمساعدته. في عام 1923 ذهب إلى تركيا لكي يستجدي دعماً تركياً ولكن عبثاً. في عام 1924 عفى عنه رضا خان وعاد إلى إيران. في عام 1926 قام بآخر محاولة فاشلة للحصول على الاستقلال الفعلي الذي كان قد حصل عليه في السابق، فحاصر بلدة ديلمان بمساعدة من فروع من قبائل بكزاده وهركي. مرة أخرى كان عليه أن يفرّ إلى العراق. في عام 1929 دعته الحكومة الإيرانية مرة أخرى وعرضت عليه محافظة أوشنويه. بعد عدة أيام من عودته، قُتل في كمين نُصِب له من قبل الحكومة ذاتها[64].
تنظيم قوات سمكو
أهم نقطة ضعف خطيرة في حركة سمكو كانت غياب أي نوع من التنظيم الرسمي. فقط كانت هناك شبكة من علاقات سمكو الخاصة، دون أي حزب أو طرف يقوم بتنظيم أتباعه ودون حكومة رسمية أو مجلس حرب. كانت المدن الرئيسية مثل أورمية وصاوجبلاق [مهاباد] تُدار من قبل حكام قام سمكو بتعيينهم وهم زعماء قبليون لا تربطهم أية صله مع السكان المحليين وشغلوا ببساطة مكاتب الحكام السابقين المعيّنين من قبل تبريز. كما لم يكن هناك نظام ضريبي عادل ومنصف. خزانة سمكو امتلأت بالنهب الذي لم يميز أحداً، رغم أن هذا الجانب ربما يكون مبالغاً به في المصادر، التي في معظمها معادية له.
كان حجم الجيش متذبذباً، كما هو الحال مع الجيوش القبلية. لقد كانت النواة الدائمة إلى حد ما مؤلفة من حاشية الزعماء القبليين أكثر ما تكون حاشية سمكو و عمر خان، زعيم فخذ كاردار من شكاك. في 1918 تضمنت حاشية سمكو نحو عدة مئات من الجنود السابقين للإمبراطورية العثمانية الجيدي التسليح والمدرَبين من قبل مدرِبين ألمان. في 1921-1922 يُقال أنه كان لدى سمكو فرقة عسكرية التي، كما شك البريطانيون والإيرانيون، وُضعت تحت تصرفه من قبل حكومة أنقرة[65] رغم أنه لم يُعثر على دليل واحد على تلك الشكوك. وعلى الأغلب كان من بين حاشيته قوميون كرد من كردستان تركيا فخلال أبحاثي التي قمت بها في السبعينات سمعت الكثير من القصص من رجال محليين كانوا قد ذهبوا شرقاً لينضموا إلى سمكو. ولكن حتى هذه النواة الأساسية لم تكن في الواقع ثابتة حيث استسلم الكثير من الجنود العثمانيون عندما وُعدوا بمنحهم عفوا خلال حملة 1919 بقيادة انتصار وفليبوف. كما إن الأتباع كانوا يأتون ويذهبون بحسب ثروة سمكو ويغريهم الدفع والغنائم أكثر من الشعور القومي أو الولاء الشخصي: ففي تموز/يوليو 1922 وبعد النجاحات المستمرة تضاعفت قواته حتى وصلت نحو 10,000، وبعد الهزائم الأولى انخفضت خلال أيام ولم يبق معه سوى ألف مقاتل مخلص[66].
إن الحاشية القوية تبدو شرطاً ضرورياً لأي زعيم قبلي يباشر بأي نشاط سياسي توسعي. وعندما تُدرك قوته، قد ينضم إليه الكثيرين ولكنهم لم ولن يصبحوا تابعين أوفياء. إنهم لا يتلقون الأجر من الزعيم القبلي وبالتالي فإنه من المحتوم أنهم سيعوضون أنفسهم بالنهب لقاء خدماتهم العسكرية. وهذا لا يعني أن الأتباع الحقيقيين لا يقومون بالسلب والنهب بل يعني أن لدى الزعيم القبلي رجال ممن هم أقل خضوعاً للسيطرة.
في غزوات سمكو ومعاركه ضد القوات الحكومية لم يشترك فقط أتباعه بل الكثير من رجال القبائل أيضاً وهؤلاء كانوا بشكل رئيسي من شكاك ولا سيما من فخذها الآفدوفي، ماميدي وكاردار؛ وفي أيام العز كان زعماء قبليون آخرون ينضمون إليه أيضاً مع حاشيتهم ورجال القبائل العاديين. لقد قدمت قبيلة هركي الكثير من الرجال وأثبتت مع قبيلة مامش أنهما أكثر حلفاء سمكو إخلاصاً. قبائل أخرى انضمت لاحقاً وتخلت عنه مبكراً. لقد تخلى عنه أقرب حلفائه في أيام المحنة. وهكذا فإن عمر خان، زعيم فخذ كاردار ومنافس سمكو الرئيسي بين قبيلة شكاك، والذي تصرف في عدة مناسبات كمندوب مفوّض لسمكو، حاول أن يتخلى عنه في عام 1922. فقد اتصل بالحكومة من خلال شيخ محلي كوسيط وطالب الحكومة بالعفو عنه مقابل وعد بالطاعة للحكومة وإبداء الرغبة في القتال ضد سمكو[67].
على الرغم من سمكو فقد قوته الفعلية بعد هزيمته، وفقد القدرة على تحشيد أعداد كبيرة من الرجال، فإنه بقيّ يستمتع باحترام كبير بين القبائل. فبعد عودته الأخيرة لإيران مباشرة، جاء الكثير من الزعماء القبليين في اتحاد شكاك وهركي وسورجي وقبائل أخرى وبرفقة حاشبة كبيرة لإظهار احترامهم له.
لم يحاول سمكو الحصول على الدعم من القبائل فقط، بل حاول أيضاً أن يتحالف مع القوى الأجنبية. فقد حاول مراراً أن ينتزع الدعم البريطاني، عادة من خلال بعض الزعماء القبليين الذين كانت لديهم علاقات أفضل مع البريطانيين أكثر منه مثل سيد طه أو بكر آغا من قبيلة بزدار.[68] وفي هذا المجال لم ينل الكثير من النجاح، إن هناك نجاح أصلاً. في الوقت ذاته كان على اتصال مع السلطات السوفيتية في القوقاز ومع الكماليين في وان. من الواضح أن بعضاً من رسائله إلى السوفييت قد صُدِرت[69] حيث أن السلطات البريطانية والإيرانية كانت مقتنعة من أن الكماليين سوف يضعون القوات تحت تصرفه، كما ذكرنا أعلاه. ولم تأتِ أي من القوى الخارجية لمساعدته عندما كان في أمس الحاجة إليها. ولكن في المراحل الأولى من حياته فإن ارتباطه مع سلطات الدولة (الإيرانيين الذين عيّنوه حاكماً على قتور والروس والعثمانيون الذين اعترفوا به أثناء الاحتلال) عزّزت مكانته بين الكرد. لطالما كانت علاقات من هذا القبيل-كما سبقت الإشارة- موجودة في السياسة في كردستان واستمرت بالتأثير على القومية الكردية في مراحلها المتأخرة أيضاً. ويمكن اعتبارها جزءاً لا يتجزأ من السياسة القبلية الكردية.
التحالف الكبير للقبائل التي كانت جوهر حركة سمكو استمرت بالوجود طالما استمرت القبائل بالتعبئة. إحدى العوامل التي ساهمت في تعبئتها هو القومية. ولكن السرعة التي تناقص فيها دعم سمكو في أوقات الشدة تشير إلى أن القومية لدى أغلبية أتباعه كانت في أحسن الأحوال دافعاً إضافياً. وكما هي العادة بين القبائل، فإن التعبئة ينبغي أن تكون لهدف ملموس ومباشراً وينبغي أن تكون هناك فرصاً للكسب سواءً أكان ذلك نصراً عسكريا (على قبيلة منافسة أو القوات الحكومية) أو النهب والسلب فقط. والغارات التي لطالما اقترنت بثورة سمكو، والتي أشهرها ضده الكثير من القوميين المعاصرين و اللاحقين، لم تكن من باب المصادفة، بل ربما كانت شرطا ضرورياً للحفاظ على القبائل معبأة وبالتالي متماسكة مع بعضها. وعندما انتهت حالة التعبئة- في هذه الحالة لأن رجال القبائل قد قدّروا أن فرص المزيد من النجاح باتت ضئيلة ولذلك تخلوا عنها- سرعان ما انهارت الوحدة.
[1] A.C. Wratislaw, A Consul in the East (Blackwoods, Edinburgh and London, 1924), pp.213-214, 229-32. W.E.D. Allen and P. Mouratoff, Caucasian Battlefields: A History of the Wars and the Turco-Caucasian Border 1818-1921(Cambridge University Press, 1953. A. Kasravi, Tarikh-i hijdah saleh-yi Azarbayjan (Amir Kabir, Tehran, 4th impression, 1346-1968)
[2] إماراتان كرديتان تحت الحكم العثماني بتليس (حوالي 1650 ميلادي) وبابان (اعتبارا من 1820) موصوفتان بالتفصيل والتحليل في كتابي: الآغا والشيخ والدولة البنى السياسية والاجتماعية لكردستان (زيد بوكس، لندن، 1992) ص161-73.
[3] في حالة إمارة بابان هذا مشروح بشكل جيد في C.J. Rich’s diary, Narrative of a Residence in Koordistan (Duncan, London,, 1992) Vo.I, Passim. بعد زيارة ريتش في 1820 ببعض الوقت الحاكم غيّر مير محمد باشا، تابع كاره لبغداد، من ولاءه وعرضها على الوريث الإيراني المنتظر عباس ميرزا وبذلك عجّل وقوع الحرب بين الإمبراطوريتين.
[4] الملا مصطفى البرزاني ،الذي يعتبر من أحدث القادة الكرد الممثلين للوسط القبلي، كان على اتصال مع كلتا القوتين منذ 1946. قضى 11 عاماً (1947-1958) في المنفى بالاتحاد السوفييتي، وفي الحرب الكردية في العراق ورغم كل التقلبات بقي على تواصل مع ممثلي السوفييت وتلقى دعماً سوفييتياً حتى 1972 حين تلقى وعوداً قاطعة بتلقي دعم كبير من أمريكا. قبل ذلك التاريخ حاول البرزاني الحصول على دعم الأمريكان بل أبدى رغبته في الانضمام إلى الولايات المتحدة كالولاية الأمريكية رقم 51. منذ 1991 الحزبان الكرديان الرئيسيان في العراق يعتمدان بشكل كبير على الحماية الأمريكية من صدام حسين. أما حزب العمال الكردستاني PKK فقد اعتمد على الرعاية السورية له وتسابق – دون نجاح غالباً- للحصول على الدعم السوفييتي والروسي فيما بعد.
[5] على سبيل المثال اتحاد البلباسي في إمارة بدليس جاءت من مقاطعة هكاري قبل تأسيس الإمارة كما تقول شرفنامه. الأمير شرفخان البدليسي، شرفنامه، Tarirkh-i Mufassal-i Kurdistan, ed M. Abbasi (Ilmi, Tehran, 1343/1965)
[6] حاشية المترجم: أول النظراء primus inter pares مصطلح مأخوذ من اللاتينية ويعني الأول بين الأنداد. وهو لقب شرفي يستخدم لهؤلاء الذين رسمياً هم على نفس درجة الأعضاء الآخرين من المجموعة التي ينتمون إليها.
[7] لمزيد من الأحداث والموقف في بوطان بعد انهيار الإمارة، انظر فان برونسين: الآغا والشيخ والدولة ص177-182.النشاط التبشيري في وسط كردستان موصوف بشكل ممتاز في جوزيف النسطوريون وبشكل موسع أكثر في Hans-Lukas Kieser, Der verpasste Friede: Mission, Ethnie und Staat in den Osta=provinzen der Turkei 1839/1938 (Chronos, Zurich, 2000)
[8] Richard Tapper, “Introduction” in R. Tapper, ed. The Conflict of Tribe and State in Iran and Afghanistan (Croom Helm, London, 1983)
[9] يورد باسيل نيكيتين واستاذه الكردي محمد صديق، السكرتير السابق للشيخ المعني وصفاً مسل جداً، ولكنه صحيح، كيف أن شيخاً داهية استغل الخلاف بين زعيمين قبليين متنافسين وبذلك استولى على قسم من سلطتهما وممتلكاتهما. انظر باسيل نيكيتين و ي. ب. صون “حكاية سوتو وتاتو. النص الكردي مع الترجمة والملاحظات في نشرة المدرسة الشرقية للدراسات 3، 1 (1923) ص. 69-106 لمناقشة مستفيضة عن الدور السياسي للشيوخ في كردستان راجع فان برونسين الآغا… ص192-195 وأيضا م. فان برونسين Les Kurdes, Etats et tribus, Etudes Kurdes 1 (Paris, 2000) 9-31, esp.11-4
[10] انظر لمزيد من التحليل فان برونسين الآغا..ص192-5 وأيضاً M. van Bruinessen “Les Kurdes, Etats et tribus, Etudes Kurdes 1 (Paris, 2000), 9-31 esp.11-4
[11] B. Kodaman, Sultan II Abdulhamit devri Dogu Anadolu Politikasi (Ankara, Turk Kulturunu Arastirma Enstitutsu, 1987 pp 21-65; S. Duguid, ” The Politics of unityL Hamidian Policy in Eastern Anatolia” Middle Eastern Studies 9 (1973), 139-156; van Bruinessen Agha, pp.185-9
[12] بحسب آلان موراتوف Alan Muratoff في مؤلفه Caucasian Battlefields ص 296 فإن الكرد العثمانيين خلال السنة الأولى من الحرب كانوا منظمين في أربع فرق عسكرية من الفرسان وقد أثبتت عدم فعاليتها فتم تسريح اثنتين منها.
[13] F. Barth, the Principles of Social Organization in Southern Kurdistan (Jorgensen, Oslom 1953)
[14] حاشية المترجم: المَقْطَع وهو شخص يُقطعه السيد الإقطاعي أرضاً لقاء تعهده بتقديم المساعدة العسكريّة إليه
[15] عن هفيركان: مارتن فان برونسين، الآغا… ص. 101-105 Asiretler Raporu (Kaynak Yayinlari, Istanbul, 1998) pp.234-5
[16] أحد الزعماء القبليين الذين طبقوا هذه الأساليب بنجاح كبير هو حاجو زعيم الاتحاد الهفيركي (1920- 1930 تقريباً) موصوف ببعض التفصيل في فان برونسين الآغا..ص 101-105.
[17] B. Nikitine, Irani ki man shinakhtam (Ma’rifat, Tehran, 1329/1951), p. 229; W. Eagleton, Jr, The Kurdish Republic of Mahabad of 1946 (Oxford University Press, 1963) نيكيتين كان القنصل الروسي في أورمية في ذلك الوقت، ولذلك فإن مذكراته مصدر رئيسي.
[18] E.g. Rich, Narrative p.88. C. Sandreezki Reise narch mosul und durch Kurdistan nach Urmia (Steinkopf, Stuttgart, 1857) vo.2, p.263
[19] G. Wiessner, Hayoths Dzor-Xavason. Ethnische, okonomische und kulturelle Transformation eines landlichen Siedlungsgebiets der oslichen Turkei seit dem 19. Janhundert (Reichert, Wiesbaden, 1997) . هذا الكتاب عبارة عن تاريخ مصغر رائع عن “وادي الأرمن” (وادي خوشاب، جنوبي وان). الاحتلال المبكر للوادي من قبل القوات الروسية أنقذ الكثير من السكان في ذلك الوادي من التهجير والمجازر التي ارتكبت في 1915. فرّ الكثير أثناء الحرب، أما من تبقى فقد أُجبروا على الرحيل من قبل القبائل الكردي بعد انسحاب القوات الروسية في 1917 وفرّوا عبر حدود الدولة الفارسية.
[20] اسم “نسطوري” الذي يشير إلى الانتماء الديني كان ، في ذلك الوقت، الأكثر شيوعاً. أما أفراد الجالية أنفسهم فكانوا يفضلون اسم “آشوري” الذي يتضمن أيضاً الكلدان (السريان الشرقيون يعترفون بسلطة كنيسة روما) و، بالنسبة للقوميين من بينهم، السريان الغربيون (اليعاقبة) أيضاً. قارن Joseph, Nestorians. Pp.3-21
[21] Joseph, Nestorians pp. 33-37; M. Chevalier, Les montagnards chretiens du Hakkari et du Kurdistan septentrional (Department de Geographie de l’Universite de Paris-Sorbonne, 1985) pp 90-7,206-20
[22] في 1843 و1846 بحق نسطوريي وسط كردستان وفي 1894-6 بحق الأرمن وفي 1915 بحق الأرمن ومن ثم كافة الجماعات المسيحية.
[23] Nakitine, Irani, pp229-36:id, Les Kurdes , Étude Sociologique et Historique (K;omcksieck, Paris, 1956)pp.216-23.
[24] كمال مظهر أحمد، كردستان أثناء الحرب العالمية الأولى (الساقي، لندن، 1994) ص 90، 91، 92، 130 معتمداً على مصادر روسية متعددة.
[25] Joseph, Nestorians pp 107-13, وديع جويده الحركة الثومية الكردية: جذورها وتطورها، أطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة سيراكوس، 1960 ص212-39، فان برونسين الآغا، ص 328-9.
[26] Joseph, Nestorians, P.109 f.
[27] Malmisanij, Cezira Botanli Bedirhailer ve Bedirhani Ailesi Dernegi’nin Tutanaklari (Apec, Stockholm, 1994) Van Bruinessen Ahga, pp.275-9
[28] Khaznadar, Ruzameh-nigari dar Kurdistan (مترجم عن الكردية) إصدار خاص في مهاباد ص. 1357-1978). لم يتم تأكيد ذلك من قبل جليلي جليل أو أية مصادر أخرى.
[29] مغامرات عبدالرزاق مفصّلة في كتاب جليلي جليل الحياة السياسية والثقافية في كردستان Jina Nû, Uppsala, 1985 . يضيف كمال مظهر أحمد أن “تسع وعشرون تلميذا سجلوا في الصف الأول حيث تلقوا تعليماً باللغة الكردية باستخدام الأبجدية السيريلية [الروسية] في الكتابة، ودرسوا أيضا اللغة الروسية والأدب. وكان هناك أيضاً مستشفى صغير ملحق بالمدرسة. (أحمد، كردستان ص61.)
[30] هناك فقرة معبرة في مذكرات االقوميّ الكردي زنار سلوبي (وهو اسم مستعار لجميل باشا زادة قدري جميل) تتعلق بإخفاقه في إيجاد آذان صاغية لدعايته بين الضباط الكرد بسبب سيادة شعور الوحدة الإسلامية. زنار سلوبي، Doza Kurdistan (Stewr, Beyrouth, 1969) p38-39.
[31] Celil, Jiyana Rewsenbirî, pp. 150-1; J. McCarthy, Death and Exile: the Ethnic Cleansing of Ottoman Muslims, 1821-1922 (The Darwin Press, Princeton, 1995), p.184.
[32] كانت أفكار ويلسون عن حق تقرير بشكل خاص تاثير على الكرد. أفكار لينين وستالين عن نفس الموضوع لم تكن قد أصبحت مؤثرة بعد وباتت جزءا من الخطاب السياسي الكردي فقط في الخمسينيات والستينيات.
[33] Hasan Arfa, An Historical and Political Study (Oxford University Press, 1966) p.48
[34] Ghilan, “Les Kurdes persans et l’invasion ottomane” Revue du Monde Musulman ,5 (1908)pp7,10
[35] Nikitine, Les Kurdes p. 79.
[36] Ghilan, Le Kurdes, passin; Mashkur, Nazari p190, Dihaqan, Sarzamin. P.60, V. Minorsky, “Shikak El. St ed.4,1,p290; Central Asian Review 7 (1959)
[37] Ghilan, Les Kurdes p.14.
[38] O. Blau “Die Stamme des nordostlichen Kurdistan, Zeitschrift de Deutschen Morgenlandischen Gesellschort 12 (1858) p. 593.
[39] Sharifi, Ashayir-i Shikak va Sharh-i Zindigî-yi anha bi rahbari-yi Ismail Agha Simko (Sayyidyan, Mahabad, 1347/1970)pp.10-11.
[40] تشير بعض المصادر أن جعفر واسماعيل أولاد علي آغا في حين تشير مصادر أخرى إلا أنهما حفيداه وأن اسم والدهما هو محمد.
[41] Ghilan, “Les Kurdes pp.7-9n, M. Aghasi, Tarikhi Khoy (Faculty of Aras, Tabriz, 1350/1971 pp312-3 سبب محتمل لمهاجمة سمكو للدستوريين طوعاً هو أنهم رأو أن الغز و التركي لعام 1906، الذي شارك فيه الكثير من الكرد، موجه ضدهم ودعم للشاه. لذلك ساد شعور مناوئ للكرد وكانت هناك أعمال شغب بين الطائفة السنية. راجع R. Cottam, Nationalism in Iran (University of Pitttsburgh Press, 1964) pp68-9
[42] Kasravî, Tarikh, pp454-5.
[43] الزعيمان القبليان هما تيمور جنك ومحمد شريف آغا من قرية سومي. راجع L. W. Adamee (comp)¸ Historical Gazetteer of Iran Part 1 Tehran and Northwestern Iran Akademishce Druck-und Vertaganstalt Graz, 1976.
[44] عن سيد طه والخلفاء الآخرين للشيخ عبيدالله المذكورين في هذه المقالة، راجع مارتن فان برونسين “The Sadate Nehri or Gilanizade of Central Kurdistan; Journal of the History of Sufism 1-2 (2000) 79-91 reprinted in Mullas, Sufis and Heretics: the Role of Religion in Kurdish Society (the Isis Press, Istanbul, 2000).
[45] Eagleton, Republic, P7.
[46] J. Khanadar, Rûznameh-nigari dar Kurdistan مترجم عن الكردية من قبل أ. شريفي (إصدار خاص، مهاباد، 1357/1978) ص5. لم تكن هذه المرة الأولى التي ينشغل فيه سمكو بالنشر باللغة الكردية. ففي مرحلة لاحقة من حياته، في عام 1921، كانت له جريدة ثنائية اللغة ذات طابع قومي كردي تصدر في أورمية وسُميت Kurd dar sal-i 1340 ويحررها الملا محمد تارجاني من مهاباد. انظر M. Tamaddun, Tarikh-i Riza’iyeh (Islamiyeh, Tehran, 1350/1971) ص371. مقتبس في Sharifi, Shurishha-yi Kurdan-i Mukri dar douran-i saltanat-i dûdman-i Pahlavi (Shafa, Tabriz, 1357/1978) ص6. Oriente Moderno, 1.9 (15 شباط/فبراير 1922) ص548 يذكر صحيفة أخرى كانت تُنشر في صاوجبلاغ (مهاباد) ربما الصحيفة ذاتها.
[47] Kasravî, Tarikh p.829; Aghasî,Tarikh pp.352-3; Sharifi, Ashayir. Pp18-19.
[48] Kasravî, Tarîkh. P734-50, 829, Arfa, Kurds, pp.50-54; Joseph, Nestorians, pp.138-44; Aghasi, Tarikh,pp384-8; F. G. Coan, Yesterdays in Persia and Kurdistan (Saunders, Claremont. Col., 1939) pp 264-70.
حاشية المترجم:
عندما يسأل مصطفى باشا يامولكي-أحد قادة الحركة الكردية من السليمانية في مقابلة فريدة مع سمكو- لماذا قتلت الآثوريين وخاصة المار شمعون السلمي والموالي للأكراد؟ يرد سمكو بقوله: ” إن المار شمعون كان ينوي استغلالنا لتصفية بقايا القوات الإيرانية في آذربيجان الغربية ليعلن دولة آثورية ثم ليلتفت إلى الكرد ويتخلص منهم… وهو كان مدعوماً في مسعاه هذا من قبل بعض الضباط الروس، وبعض المسؤولين الأوربيين وكلنا واثقون من ذلك.” هارفي موريس وجون بلوج، لا أصدقاء سوى الجبال، ترجمة راج آل محمد ط1 1996، ص185
[49] السابق ص 270-2.
[50] Kasravi, Tarikh, pp, 830-2; Sharifi, Ashayir, pp. 19-20,30-6; M. Bamdad, Sharh-i rijal-i Iran (Zawar, Tehran, 1347/1986) vol.1 p136, Jwaideh, Nationalist Movement, pp, 401-2.
[51] Precis of Affairs in Southern Kurdistan during the Great War (Government Press, Baghdad, 1919) p.14; Jwaideh, Nationalist Movement, p.304.
[52] وزارة الخارجية [البريطانية] الوثيقة 371/1919 والرقم 58/89585/512. فيما بعد إنكار من قبل سمكو نفسه (في رسالة إلى القنصل البريطاني العام في تبريز ) مرفقة مع 371/1919 W 34/88614/7972. عن الشائعات المتعلقة بتحضيرات النطسوريين وتأثيرها انظر وديع جويدة الحركة القومية ص.413-15.
[53] Kasravi, Tarikh, pp 839-41; Arfa, Kurds, p.57
[54] راجع شرح خسروي غير المقنع (السياسة الفاسدة والبالية التي مارسها حاكم أذربيجان عين الدولة Eyn Douleh كما جاء في Tarikh, pp 854- وفي Aghasi (يوّرِط فيها رئيس الوزراء وثوق الدولة Vusuq Al-Douleh ص440-4 وإيحاء الشريفي بضغط بريطاني في Ashayir ص47-8.
[55] هذه تقديرات وزارة الخارجية [البريطانية] 371/1921 و6185/100/93، 371/1921، 13470/1920، 15670/11/44 على التوالي و Arfa, Shahs p. 136
[56] وزارة الخارجية الوثيقة 371/1920 E 15670/44ك 1921؛ E 13470/100/93
[57] Arfa, Kurds, p59.
[58] وزارة الخارجية 371/1922 E 2402/96/65
[59] وزارة الخارجية 371/1921 E 13470/100/93
[60] FO 371/1922: E 8437/6/34; A.J. Toynbee, Survey of International Affairs 1925, Part 1, the Islamic World since the Peace Settlement (Oxford University Press, 1927) p.539; Jwaideh, Nationalist Movement, p410.
[61] Toynbee, Survey pp538-9.
[62] الحملات العسكرية لعام 1921 و 1922 موصوفة بالتفصيل في حسن آرفا Shahs. ص118-41 وباختصار في Kurds ص58-63 وDihaqan, Sarzamîn ص 585-94 وفي تقرير الملحق العسكري البريطاني في طهران مرفق في وزارة الخارجية رقم 371/1922: E 12242/34.
[63] C.J. Edmonds, Kurds, Turks and Arabs; Politics, Travel and Research in North-Eastern Iraq 1919, 1925 (Oxford University Press, 1957) pp, 305-7.
[64] عن سنوات سمكو الأخيرة انظر جويدة الحركة القومية ص410-13Hamilton, Road Through Kurdistan (Faber & Faber, London, 19637)pp.162-4; Sharifi Ashyir, pp46-71 Arfa, Kurds p.63, A.M.
[65] وزارة الخارجية الوثيقة 371/1922 E 8437/6/34
[66] Arfa, Shahs. P141
[67] Aghasi, Tarikh pp, 457-8 لكن سمكو أُبلِغ بالخبر ووضع عمر خان تحت المراقبة في شهريق. بعد هزيمة سمكو، اعتقلت الحكومة عمر خان ووضعته في السجن لعدة سنوات.
[68] ما يأتي هو مقطع من رسالة أرسلها سمكو إلى بكر آغا، يطالبه فيها أن يطلب المساعدة البريطانية باسمه “أنا مدرك بأنني معروف بالخيانة والخداع في التعامل مع الحكومات، بما أنك تلقى استحساناً دائماً لدى الحكومة البريطانية، فإنني أخاطبك حول المسألة التالية: أن أعمالي الأخيرة وكل أعمالي لم تكن بقصد العداء للحكومة البريطانية. على العكس من ذلك، فإن لديّ رغبة صادقة بأن أكون على علاقة ودية مع تلك الحكومة بهدف ترتيب نوع من التفاهم المشترك. (مرفق في وزارة الخارجية الوثيقة 371/1921: E 11773/43/93