لم تكن هناك صناعات بمعنى الصناعة، أي ما يمكن أن تسميه بالصناعة في بداية القرن العشرين وحتى خلال فترة الانتداب الفرنسي في المناطق الكردية في سوريا، إنما كانت هناك بعض الحرف والمهن اليدوية التي توارثها الكرد عن آبائهم وأجدادهم، أو التي تعلموها من اليهود والأرمن وفيما بعد من السريان.
كان غالبية الكرد يعيشون في المناطق الريفية ويعتمدون في معيشتهم على نمط الإنتاج الريفي الكلاسيكي، ونظراً لانعدام المصانع والآلات الصناعية وحتى أية فكرة عن الإنتاج الصناعي واستخدامات الآلات الميكانيكية في معظم المجالات حتى في مجال الزراعة بشكل شبه كلي في المجتمع الكردي، لذك ضعف الاهتمام بالصناعة الحديثة، التي تطورت بشكل كبير في تلك الفترة في الدول الغربية، وانتقلت إلى مدن سورية الرئيسية خاصة حلب ودمشق.
إلا أن ذلك لا يعني أن الكرد كانوا متخلفين ومعزولين عن العالم، فقد ساهمت زياراتهم المتكررة إلى حلب ودمشق وغيرهما من المدن السورية، أو إلى العراق ولبنان وتركيا في التعرف على التطور التقني الكبير في مجال الصناعة والزراعة، وقد دفع ذلك البعض ولا سيما الأغنياء والميسورين منهم إلى إرسال أولادهم إلى دمشق وحلب للدراسة، لاكتساب العلم والمعرفة، والاستفادة من خبراتهم فيما بعد، وخلال الانتداب الفرنسي على سوريا، وبعد الاطلاع على النهضة الفرنسية والأوربية، ومن خلال التواصل مع الحرفيين والمهنيين الأرمن واليهود والسريان، احترف قسم كبير من الكرد بعض الحرف والمهن وأصبحوا حاذقين فيها. في الجزيرة وكوباني وعفرين، وغيرها من المناطق التي استقر فيها الكرد، كدمشق وحلب وغيرهما من المناطق السورية التي استقر فيها الكرد.
تنوعت الحرف والمهن اليدوية لدى الكرد حسب طبيعة عملهم وعلاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية مع محيطهم، ومن أهم هذه الحرف:
1- حرفة النجارة:
مورست في معظم المناطق لارتباطها بالعديد من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، لصنع الأبواب والنوافذ الخشبية بأحجامها وأشكالها المتنوعة، والصناديق والكراسي والأدوات الخشبية المنزلية كالملاعق والأمشاط الخشبية …، وبعض الآلات الزراعية كالمحاريث الخشبية “Halet”، والمذاري “Melhêb”، والسلال والأقفاص إما من الخشب أو القصب وأحياناً من جريد النخل ومن تقليم الاشجار التي كان يتم تشذيبها وتهيئتها، لتغطية وحفظ الحليب واللبن، أو لحفظ الخبز وبعض الأطعمة.
2- الحدادة:
انتشرت حرفة الحدادة البسيطة لصنع السكاكين والخناجر والسيوف وبعض الأدوات المنزلية والزراعية البسيطة، التي اعتمدت على موقد النار “الكير- Kor” والفحم وبعض الأدوات اللازمة لصناعة المنتجات الحديدية، كالفؤوس، والمناجل، والقدور، وبعض المنتجات الحديدية المستخدمة للأغراض المنزلية أو الزراعية، بإعداد وقطع الحديد ومن ثم طرقه بشكل متواصل وعنيف، وبعد ذلك وضعه في الكور لحرقه، وإعادة طرقه، ومن ثم تسنين وتنعيم وصقل السكاكين أو الخناجر أو السيوف، ليتم تركيب المقابض اللازمة لها فيما بعد.
ونظراً لأن غالبية القدور والأباريق ودلات القهوة كانت تصنع من النحاس، ولأن النحاس “يتأكسد” أي يشكل مادة “الزنك النحاسي”، السامّة نتيجة الاستعمال المتكرر التي تؤذي وتضر المستخدم لهذه الأواني، لذلك كان يتم تنظيفها وتبييضها بين الحين والآخر، عن طريق الصفار الذي كان يقوم بعمله في أحد الدكاكين في المدن، أو يتجول في القرى ليبيض الأواني، وكان يخصص يوما محدد أو أكثر لكل قرية، حيث يتجمع حوله الأهالي مجهزين معهم أوانيهم النحاسية التي تحتاج للتبيض، وكان الصفار يختار ركنا منعزلاً في القرية للقيام بعمله، الذي يبدأ بحفر حفرة خاصة به، يشعل فيها النار للبدء في عملية التبييض. فيؤتى بالوعاء النحاسي ويسخّنه على النار مباشرة، ثم يدهن الوعاء بماء التوتياء بواسطة سيخ حديدي طويل، في طرفه قطعة قماش مثبتة. بعد ذلك يبدأ بفرك الوعاء من الداخل إلى الخارج بالرمل ثم بمادة القصدير المبيضّة، وبعد ذلك يغسل القدر جيداً بالماء وأحيانا بالماء والصابون ويتم تلميعه جيداً فيعود جديداً يلمع كما كان من قبل.
3- الصناعات الجلدية:
لم تكن هناك صناعة جلدية بالمعنى العلمي لهذه الصناعة، إنما بعض الحرف البدائية كصناعة الأحذية “جاروخ Carox” من جلود الأبقار التي يرتدونها في الأعمال الزراعية، وأحياناً كانت تستخدم كحذاء خاص. وكان وما العرف والمتعارف عليه ألا يبيع أصحاب الأبقار جلود الأبقار أو الثيران التي يذبحونها، وكانوا بعد الانتهاء من عملية الذبح يقسمون الجلد إلى أقسام متساوية تكفي لصناعة حذائين تسمى طرح “Terih”،ويتركونها في البيت، ليعطوها لطالبي هذه الجلود من أهل القرية أو العابرين لصنع الأحذية منها.
أما من جلود الخرفان فكانوا يصنعون منها الفروات “Kurik”، بإزالة جميع طبقات اللحم والدم والدهون الملتصقة بجلد الخروف المسلوخ عن الجسم، وتنظيفه تنظيفاً جيّداً من جميع البقايا. وغسل الصوف الخروف بالماء جيداً، وإزالة ما يعلق به من دم، وبعد تعريضه للشمس والهواء كي يجف تماماً يتم وضع كمية من الملح على القسم اللحمي من الجلد، ويتم كشط الجانب اللحمي من جلد الخروف باستخدام سكينٍ حاد. وبعد ذلك إعادة رش الملح عليه، وبعد أن يجف تماما يتم خياطة الجلود مع بعضها البعض بشكل دقيق ومتناسق، وبعد الانتهاء منها يلبسونها بنوع خاص من القماش الأسود السميك للتجول إلى فروة تستخدم في أيام البرد، وكان البعض يرتدونها طوال العام. ومن أكثر المهن والحرف التي تصنع من جلد الخرف صناعة القُرب “Meşik” التي برع فيها الكرد لتخزين السمنة والزبدة والجبنة، أو لخض اللبن والحليب.
4- صناعة الفخار:
تعتمد صناعة الفخار على أنواع من التراب والطين الذي يتم تنقيتها من الشوائب ثم خلطها بالماء وشعر الماعز الناعم لمدة معينة ثم تصنيعها أما على العجلة أو الدولاب باستخدام الأرجل في الحركة، أو باستخدام اليدين في تشكيلات المنتجات الفخارية كالأباريق بأحجام مختلفة لتخزين وتبريد الماء، أو السمنة أو الزبدة أو بعض الأطعمة. بالإضافة إلى صناعة تنانير الخبز التي كانت تقوم بها النساء سواء في القرى أو في ضواحي البلدات والمن.
5- الغزل والنسيج:
كان جز وقص صوف الأغنام وشعر الماعز، بمثابة عمل وحرفة يقوم بها إما الراعي أو صاحب القطيع، وكانت عملية الجز تتم بمهنية للاستفادة من الصوف وشعر الماعز، وبعد الجز يتم غسل وتجفيف الصوف*، وبعد ذلك يتم ندف الصوف بشكل يدوي، ومن ثم يتم غزل الصوف على مغزل خشبي”Teşî”، على شكل خيوط متماسكة، تلف على المغزل بشكل كروي، على شكل كرات متساوية تسمى “Gulok”، وبعد غزل وبرم الخيوط الصوفية بشكل جيد، يتم استخدامها في صناعة والبسط والسجاد على أنوال خشبية كانت تنتشر في غالبية البيوت والمنازل وخيم الـ كوجر.
وتُعتبر حياكة الصوف من أهمِ المهن والحرف اليدوية التي كانت نساء الكرد يحترفنها قديما، وقد أشاد معظم المستشرقين والباحثين والرحالة الذين التقوا بالكرد أو مروا في مناطقهم بجمال وجودة الأعمال اليدوية للنسوة الكرد خاصة صناعة السجاد.
أما أكراد دمشق فقد اشتهروا بالحياكة وصناعة البروكار* على مستوى منطقة دمشق وسورية وحتى العالم، وكان حي الأكراد مليئاً بالأنوال اليدوية، حيث كان في الحي حارة تسمى بحارة النوالة، من كثرة أعداد أنوال الحرير المنتشرة فيها، فيها فكان فيها ما بين 200 إلى 300 ورشة خاصة بإنتاج الأقمشة الحريرية.
واشتهر الكرد في حي الأكراد منذ أواخر القرن التاسع عشر بصناعة الحرير وخاصةً البروكار، وكان حيهم وحي القيمرية الدمشقي الذي كان معروفاً أيضاً بحي الأكراد، الذي كان غالبية سكانه من الكرد، وكان التجار يسمون ” القيمرية ” بالهند الصغرى نظراً لانتشار ورش ومحلات غزل وصناعة النسيج فيه، وكان الحرفيون الكرد يصدرون إنتاجهم إلى مصر وتركيا وفلسطين وإيران و الدول الأوروبية، حتى أن أحد أثواب زفاف الملكة إليزابيث الثانية كان مصنوعاً من بروكار معامل النعسان في دمشق وأنتج صانعوه فيما بعد قماشاً خاصاً سموه “اليزابيث”.
6- الألبان والأجبان:
اشتهر الكرد في المناطق الكردية في كوباني والجزيرة وعفري، بصناعة الألبان والأجبان في كافة أرجاء سوريا، وكان تجار المناطق الداخلية من حلب وحماة وحمص يقصدون هذه المناطق لشراء الحليب والجبن والزبدة والسمن، فكانت أسواق كوباني والجزيرة تشهد زيارات منتظمة ودورية للتجار لشراء الألبان والأجبان الكردية خاصة في بداية فصل الربيع، وجاءت مهارة الكرد في هذه الحرفة التي توارثوها، نظراً لأن اللبن والجبن كان الغذاء الأساسي والرئيسي للسكان.
كانت ولا زالت طريقة إعداد وصناعة والأسماء التي تطلق على هذه مشتقات الحليب واحدة أو متقاربة جداً في كافة المناطق الكردية في سوريا، وقد اشتهر الـ “كوجر” بصناعة الأجبان والسمن وحتى الآن يضرب المثل بالجبن الـ كوجري. وتمر صناعة الجبن بمراحل عديدة، يبدأ بحلب الحليب في أوعية كبيرة، وبعد تركه لبرهة من الزمن يتم إضافة مادة التخمير إليه ويكون جزء من مشيمة الخروف أو النعجة*، بعد ذلك يتم تغطية القدر لبضع ساعات حيث يصل إلى مرحلة التجبن ويسمى “Gevî”، وبعد ذلك يتم إضافة بعض الأعشاب المنكهة إليه حسب الرغبة مثل ( الخبيزة، والحرشف)، وبعد ذلك يوضع على شكل كرات في أكياس كتانية توضع فوق بعضها البعض، مع وضع الحجارة فوقها لاستخلاص الماء منها، وبعد ذلك يتم تقطيع الجبن إلى قطع متساوية. فإذا كان معداً للبيع لا يضيفون إليه الملح، أما إذا كان للاستهلاك المنزلي فيضيفون إليه الملح حسب الرغبة.
اشتهر الـ “كوجر ميران” في منطقة الجزيرة السوريةوخاصة عشيرة كجان”Kiçan”، بصناعة نوع من الجبنة تسمى”Sîrik”، أي الجبنة بمذاق الثوم، فبعد الانتهاء من إعداد الجبنة البيضاء، يتم تقطيع الجبنة إلى قطع متوسطة متساوية، ومن ثم يتم تقطيع وفرم الثوم* البري، ويخلط مع الجبن مع إضافة الملح* إليه، وبعد ذلك يوضع في قربة نظيفة، او في دن من الفخار يسمى “Kupik”، وتوضع القربة أو الدن في زوايا الكهوف المظلمة لأنها باردة، والبعض كان يضعها تحت الأرض لفترة من الزمن. ومن ثم تستخرج وتقدم في الفطور ولها مذاق جميل.
وهناك نوع من الجبنة الخالية من الدسم يصنعه الـ كوجر يسمى “Şijik”، يصنع من الماء المصفى من الجبن، الذي يتم وضعه في قدر كبير ويضاف إليه بعض الشنينة “Dew” ، ويترك الخليط إلى اليوم التالي، بعد ذلك يتم إضافة بعض الأعشاب المنكهة البرية إليه حسب الرغبة، ومن ثم يتم غليه بشكل جيد حتى ينفصل البياض المتكون من ماء الجبن والشنينة عنه، بعدها يتم فصل البياض بمعالق كبيرة عن الماء، ويوضع في قدر حتى يبرد، وبعد أن يبرد يوضع في أكياس من الكتان أو الشاش حتى يتم تصفية الماء عنه، ويقدم كفطور، وكان البعض يقلونه مع البيض.
أما الزبدة الكردية “Nîvişik”، فكانت تصنع طوال العام، حيث يغلى الحليب في قدر كبير ومن ثم يترك ليبرد قليلا، ومن ثم يضاف إليه قليلا من اللبن الرائب ليتخثر ليصبح لبنا، ثم يجمع اللبن ويوضع في “القربة، Meşik-” مع إضافة كمية مناسبة من الماء البارد إليه، وتعلق القربة على ثلاثة أعمدة صغيرة بشكل مثلث تسمى “Sêpî”، وللقربة قبضتان تدعى “اللوالب” تمسك بهما المرأة أثناء “الخض”، ويستمر الخض حوالي الساعة، حتى تطفو الزبدة إلى الأعلى، وبعد استخراج الزبدة من القربة توضع في وعاء من الماء البارد مرة ثانية حتى تتجمد. ومن ثم تجمع لتوضع في أوعية كبيرة، وكان التجار من حلب وحماة يتجولون في المنطقة لشراء هذه الزبدة ليصنعوا منها السمن.
بعد استخراج الزبدة من اللبن يجمع هذا اللبن المتبقي الخالي من الدسم، ويسمى “عيران، شنينة – Dew” الذي يؤكل ويشرب مباشرة أو يصنع منه اللبنية”Meyir”، أو يتم إعادة تسخينه مرة أخرى حتى يتفتت ليصبح “Lorik”، الذي يوضع بعد أن يبرد في أكياس من الكتان لتصفيته من الماء وبعد أن يتكاثف ويتماسك مثل اللبنة يتم إضافة الملح إليه، ويترك معرضا للشمس حتى يجف، ويسمى “الهكط- Cortan”، ويخزن لفصل الشتاء على شكل أقراص صغيرة صلبة، ويتم تذويبه بإضافة الماء إليه ليصبح على شكل” عيران، Dew “، ويؤكل أو يشرب على الفطور، وتصنع منه اللبنية “Meyir”.
أما السمن البلدي فيستخرج من “الزبدة” التي تجمع في قدور كبيرة، التي توضع فوق النار، وبعد أن تسخن وقبل درجة الغليان يتم إضافة قليل من الطحين أو البرغل إليه، ويحرك جيدا حتى يمتص هذا الطحين أو البرغل المياه الباقية بالزبدة، ثم ترفع القدور عن النار، ووترك حتى تبرد، ليتم تصفية السمن من الطحين أو البرغل ، وبعد أن يبرد ويتم تصفيته تماماً يوضع في القُرب “Meşik”، وعادة كان تطرى القُربة بقليل من الدبس من الداخل وحى لا يتسرب السمن من القربة. وتعلق القربة في مكان مرتفع في البيت أو الخيمة، أو تحفظ جيداً في مكان آمن بعيدا عن الحيوانات المنزلية، زكان هناك إقبال كبير من تجار المناطق الداخلية في سورية على شراء السمن البلدي ” الكردي”.
7- زيت الزيتون:
بعد قطف وجمع وتنظيف الزيتون من الأغصان والتراب والحصى، من خلال تذريته في الهواء، يتم جمعه في أكياس من الخيش، ويفرز حسب استخدامه إما للأكل بعد كبسه وتحليته بطرق مختلفة، أو عصره في معاصر خاصة، انتشرت بكثرة في منطقة كرداغ ” عفرين”.
تتكون المعصرة من رحى حجرية وزن الحجر بين 1500 – 3000 كغ تبعا لعدد الاحجار في المدرس الذي يتراوح بين 2 – 4، وتصنع الحجارة من الغرانيت الصلب، ويجب أن لا يكون سطح حجر الرحى أملسا لتحاشي إنتاج جزيئات ناعمة من عجينة الزيتون تعيق عملية فرز الزيت في المكبس، ويجب أن لا تتجاوز مدة طحن ثمار الزيتون عن حوالي نصف ساعة، أي بين20 – 30 دقيقة، وخاصة إذا كانت الأحجار ثقيلة لأن العجينة الناعمة لا تسمح بتشكل فراغات فيها أثناء الضغط مما يقلل من جريان الزيت وبالتالي نقص الإنتاج.
يعصر الزيتون على ثلاث مراحل، فبعد قطف الثمار وتنظيفها، وتنقية الزيتون من التراب والحصى والأوراق العالقة به، يوضع في منطقة مخصصة في المعصرة، وهي عبارة عن جرن كبير مملوء بالماء يسمى ” الجرن”، ليتم غسل الثمار جيداً، ويُنقل إلى القسم الآخر، وهو “الكسارة” ليتم طحن الحب، و”الكسارة” عبارة عن حجر كبيرة تشبه “الرحى” مثقوبة بالوسط يصب الزيتون بهذا الثقب، ولها من أحد أطرافها ثقب آخر، تُعلق به عصا كبيرة تربط إلى ظهر أحدى حيوانات الجر ليقوم بتحريكها من خلال الدوران بهذه “الرحى” الكبيرة، وخلال عملية الدوران يتم طحن الحب بشكل كامل ليصبح جاهز للعصر. يتم نقل المعجون ويوضع على قطع كبيرة من القماش القاسي تسمى “العلائق”، ليوضع الزيتون المطحون بداخلها، ويتم ربطها بإحكام، وتوضع فوق بعضها البعض، وبعد ذلك توضع بآلة العصر ويتم ضغطها بـ”الكباس”، وهو قطعة دائرية من المعدن تركب على مجرى فيه شرار من الأعلى، ويعتمد على طريقة التدوير، ويحتاج إلى قوة عضلية كبيرة، حتى يتم ضغط “العلائق” بقوة ليعصر الزيتون الموجود بداخلها ويخرج الزيت، وبعد أن توضع “العلائق” بآلة العصر يُسكب عليها ماء ساخن لكي يساعد على الضغط بشكل أفضل، ويسيل الزيت والماء العالق به إلى “الجرن”، وهو جب محفور بالصخر تحت آلة العصر، وبعد أن يمتلأ هذا الجب يترك برهة من الوقت حتى يطفو الزيت على سطحه، وينزل “الزبار – العفارة” إلى الأسفل، و”الزبار” هو الماء والشوائب الأخرى التي بقيت معه، فيأتي عامل مختص ويقوم بتعبئة الزيت في أوعية خاصة، ويبقى “الزبار” بأسفل الجب الذي يوجد ثقب بأسفله يُفتح فيخرج “الزبار” عبر ساقية محفورة بالصخر إلى خارج المعصرة، وأما ما يبقى داخل “العلائق” فيسمى “البيرين”، يعبأ بأكياس الخيش ليتم بيعه في مراكز المدن. أما الزبار فيتم جمعه في أوعية نحاسية خاصة، ويتم معالجته بطريقة معينة، ليصنع منه الصابون، ويطلق على النساء اللواتي يأخذن “الزبار” ويصنعن منه الصابون اسم “البلادات”.
تحتاج المعصرة إلى معلم ومشرف على المعصرة وعدد من العمال لا يقلون عن عشرة عمال وحرفيين حتى يستطيعوا تشغيلها بشكل جيد، عاملان يقومان بغسل الزيتون وتنظيم الدور، وعاملان آخران للعمل على الكسارة ومراقبتها، وعامل على النار لتسخين الماء وسكبه على “العلائق”، و”تربجيان”،و”التربجي” هو العامل الذي يقوم بتعبئة “العلائق” بالزيتون المطحون، و”المعلم” وهو الذي يعمل على آلة العصر ويضع “العلائق” في مكانها على “المكبس” ويساعده عاملان في عملية ضغط “المكبس”، إضافة إلى عدد من النسوة لنقل الماء إلى المعصرة.
كانت في منطقة كرداغ 12 معصرة للزيتون، قبيل الاحتلال الفرنسي، ونتيجة التوسع في زراعة الزيتون ازدادت عدد المعاصر في أربعينيات القرن الماضي إلى حوالي مائة معصرة، انتشرت هذه المعاصر القديمة في كافة المدن والبلدات وأغلبية القرى في عفرين. ونتيجة رواج تجارة وبيع الزيت والصابون تم تحويل هذه المعاصر بشكل تدريجي إلى معاصر آلية أكثر إنتاجا، وأقل كلفة.
صناعة صابون بعد جمع الزبار من المعصرة يوضع في قدور نحاسية كبيرة خاصة، ثم تضاف إليها ماءات الصوديوم، بعدها توضع هذ القدور على نار حتى تغلى بشكل جيد، تقترب حرارتها من مئتي درجة مئوية، حيث يتم تقليب الخليط وهو على النار وذلك حتى تحدث عملية التصبين أي تحرير الجليسيرين من الخليط، ثم وبعد ذلك تتم إزالة القدور من فوق النار ويصب الخليط في قوالب خشبية او حجرية ويترك حتى يبرد ويتماسك لعدة أيام متتالية، ثم يقطع إلى قطع مربعة متساوية او مستطيلة، لتباع في الأسواق.
* – كان البعض يقومون بغسل الأغنام أو الخرفان جيدا قبل الجز.
* – البروكار: هو الاسم الذي يطلق على النسيج الدمشقي الفاخر المنسوج من خيوط الحرير الطبيعي والمطعم بخيوط الذهب والفضة. لصنع الملابس الحريرية الفاخرة.
* – كانت عشيرة كوجر ميران تفضل مشيمة النعجة الصغيرة وكانوا يعصرون المشيمة مع المعدة، وبعد ذلك يستخرجونها ويغسلونها لتستخدم اكثر من مرة. اما في بقية المناطق فكانوا يملئون المشيمة بالحليب وبعد تجفيفها كانوا يقطعون جزء منذ هذه المشيمة ويضيفونها إلى الحليب ليتخمر “يتجبن”.
* – الثوم البري، بصله وأوراقه بنفس طعم الثوم المزروع تماماً، غير أن بصلته بفص وحيد .
* – في المناطق الباردة أي في الجبال ” زوزان” كانت كمية الملح قليلة، أما في المناطق الحارة فكانوا يزيدون كمية الملح المضافة للجبنة.