الدراسة غير منشورة وهي عبارة عن أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الفلسفة من قسم دراسات الشرق الأدنى في جامعة أريزونا في الولايات المتحدة، في عام 2016، موجودة على الرابط: http://hdl.handle.net/10150/623166
العنوان الأصلي للدراسة:
(In the Shadow of Secularism: Kurdish Ulema and Religious Nationalism from Sheikh Said to Hizbullah)
الباحث: غولسوم كوجوكساري (Gülsüm Küçüksarı)
عرض وترجمة: محمد شمدين، مترجم وباحث، طالب ماجستير في العلاقات الدولية
تبحث هذه الدراسة في تلك الروايات الأولية التي لم تسلط الدراسات الضوء عليها وكذلك الروايات التي مازالت تخضع للدراسة عن علماء الدين الكرد في تركيا، منذ بداية الفترة الجمهورية إلى أواخرها. تهدف الدراسة إلى تسليط الضوء على المفاهيم والدوافع المتنافسة للهوية الكردية. أي كيف عكست ذوات الأكراد الإسلاميين رؤاهم للقومية، ونضالهم ضد الوضع السياسي والاجتماعي القائم في الدفاع عن الحقوق الكردية. كما تقوم الدراسة في توضيح كيف طور العلماء (عولمه/ ulema) الكرد في ظل سياسات الدولة القمعية أشكالا مختلفة من القومية الدينية. وكيف قاموا بتعريف الأمة الكردية باسم الدين، وقدموا الاستعارات والرموز الدينية المركزية لتمثيل الأمة الكردية، بل وأنتجوا بديلا للقومية العلمانية من خلال تقاسم القواعد الأساسية للقومية الحديثة.
تستند هذه الدراسة على روايات العلماء الكرد حول القومية الكردية، حيث تم طمس مثل هذه الروايات عن القومية الدينية إلى حد كبير في كتابة التاريخ الكردي الحديث تحت التأثيرات الماركسية، التي تمثل اكراد معينين على أنهم “أكثر مساواة” من الآخرين. فمنذ أربعينيات القرن الماضي، تم تهميش روايات العلماء الاكراد بشكل متكرر، من خلال فصلهم عن النضال القومي الكردي.
تبرز الدراسة الانتقاد الذي تعرض العلماء الكرد من المحافظين الكرد منذ العقد الأول من القرن العشرين إلى الثمانينيات من القرن الماضي (1910s- 1980s). حيث شارك هؤلاء المحافظون مخاوف وغضب الانتقادات الماركسية تجاه الظلم الاجتماعي الذي يسببه العلماء، وهو أمر لا يمكن أن تصادفه بسهولة عند قراءة التاريخ الكردي المعروف. لكن الملفت في هذه الانتقادات كان معاداتها لطريقة الماركسية وكانت مناصرة لجوهر القومية الكردية، حيث سبب هذا بعض الارباك في الفهم، لأنه عادة يتم الفصل بين الدين والقومية كما انهما متناقضتان وخصوصا في السياق الكردي، لذلك كان البحث حول لماذا المحافظون عموما وحتى بعض الملالي يدينون المشايخ الفاسدين ويعملون لخدمة الأمة الكردية؟ وفي هذا الصدد، يذكر الباحث ان ما توصل إليه من خلال هذه الروايات، كان نقدا للسياسات القومية والعلمانية للدولة التركية وتكريسها للوضع الاجتماعي الكردي القائم من خلال خطاب الأخوة الكردية- التركية. وضمن هذه الفرضية ركز البحث على روايات تلك الشخصيات الدينية التي كانت ضد الشيوخ الدينيين الفاسدين، وكذلك أولئك الذين كتبوا انتقادات ضد الدولة التركية.
تبحث الدراسة في تحليل رؤى العلماء الكرد للقومية، ومعارضتهم لبعض سياسات الدولة التركية وانتقادهم للمشايخ الفاسدين كمشكلة اجتماعية (ليس كجزء من تحليل طبقي ماركسي)، استخلصت الدراسة إلى ثلاث استنتاجات رئيسية. أولاً، أنتج القادة الدينيون الأكراد بالفعل أدبا يُظهر أنهم جمعوا بين هويتهم الإسلامية وإحساس قوي بالوعي القومي الكردي. وهذا يثير التساؤل حول مقاربة مفهوم القومية الكردية كشيء موحد وعلماني. بناءً على رؤى جانيت كلاين، فقد افترض الباحث أن الأكراد استمروا في إعطاء المفهوم معاني مختلفة خلال عقود من الفترة الجمهورية أيضا، حيث يجد أنه كان هناك قوميين أكراد، في تركيا الجمهورية كانوا ملتزمين تماما بدعم المصالح القومية الكردية بينما كانوا يتصورون أن مصيرهم متشابك مع مصير الأتراك. يطعن هذا التحليل كذلك بأن الانقسام في التاريخ القومي الكردي يقتصر بين الهوية الكردية والهوية الإسلامية فقط بل يتجاوزه إلى انقسام بين الهوية الكردية الإسلامية نفسها، فعلى سبيل المثال، تشير بعض الادبيات الواسعة الانتشار والتي انتجها القادة الدينيون الكرد ضد الشيوخ الفاسدين، ليست فقط لفسادهم، ولكنها باعتبارها جانبا مهما من جوانب الدفاع عن المصالح القومية الكردية. يؤكد الباحث انه توصل إلى أن عددا كبيرا من العلماء الكرد تحدثوا بشدة ضد استغلال الشيوخ للمشاعر الدينية والموارد الاقتصادية للناس قبل فترة طويلة من ظهور القومية الكردية العلمانية.
ثانياً، لا يمكن تصنيف العلماء الأكراد كفئة واحدة متجانسة. بل عبروا عن قلقهم من مشاكل الأمة الكردية بطرق مختلفة وأحياناً متناقضة تماماً. تصور البعض تحرير الأمة الكردية في التعليم، والبعض الآخر في الانضمام إلى الحركات القومية العلمانية، والبعض الآخر بالتوافق مع الأخوة التركية الكردية والبعض الآخر في المقاومة الإسلامية السياسية. أخيرًا، الأكراد، سواء أكانوا علمانيين أم متدينين، شكلوا جبهة موحدة ضد التخلف الإقليمي الكردي وسياسات الدولة الاقصائية والشيوخ الاستغلاليين حتى أواخر الستينيات. كان هناك تداخل بين الجماعات الكردية المتعارضة ولم يكن الانقسام بينهم أساسياً. ومع ذلك، فإن هذه المخاوف المتشابهة في البداية تم تشكيلها وتمييزها تدريجياً من خلال الأيديولوجيات الشعبية في عصرها: القومية، والماركسية، والإسلاموية في تركيا وحول العالم.
أشكال القومية الدينية الكردية
يجادل العديد من الباحثين بأن التحيز العلماني في دراسة القومية قد حجب لفترة طويلة العلاقة المعقدة بين الدين والقومية. أهمل بعض أبرز مفكري القومية مثل إرنست جيلنر وبنديكت أندرسون وإريك هوبسباوم العوامل الدينية إلى حد كبير في مناقشاتهم، وكان الاتفاق الواسع بينهم على أن القومية الحديثة كانت بطبيعتها ظاهرة علمانية. يدرك كبار المفكرين في هذا المجال الآن أن القومية، في كثير من الأحيان، تشكلت مع الدين، وتأثرت به أو اقترضت من الخطاب الديني. قد تتشكل القومية على أسس دينية عندما يتم تعريف الأمة باسم الدين، عندما تتطابق الحدود الدينية والوطنية، عندما يتم تصور الأمة على أنها مكونة من الجميع وفقط أولئك الذين ينتمون إلى دين معين، عندما يتم استخدام الدين باعتباره العنصر الأساسي. علامة التشكيل لتحديد العرق، وعندما يوفر الدين الاستعارات والرموز الأساسية لتمثيل الأمة الكردية بالنسبة لهم.
تجد الدراسة ان هناك تطوراً مماثلاً في الدراسات حول القومية الكردية. بينما تناولت الأدبيات العلمية ظهور القومية العلمانية الكردية وتطورها تم تناولها بشكل أكبر في الأدبيات العلمية، فقد اعترفت أيضا بأن القومية الكردية لم تكن موحدة وأن هناك علاقة بين الدين والقومية. في هذه الدراسات، كانت فترة أواخر القرن التاسع عشر مصدرا خصبا لتوفير أشكال مختلفة من القومية الكردية فقد كانت هناك مجموعات تضم بين النخبة التقليدية والمتغربة، كذلك مجموعات تضم القوميين الكرد- والعثمانيين، او التي تضم منشقين أكراد.
تضيف هذه الدراسة إلى الجهود الأكاديمية لكشف الطبيعة المتنوعة للقومية الكردية من خلال تحليل خطابات العلماء الكرد المستمرة خلال الفترة من أوائل فترة الجمهورية إلى أواخر القرن العشرين. وكيف عرّف بعض القادة الدينيون الكرد ،الأمة الكردية باسم الدين، ومن خلال القيام بذلك، اتبعوا مسارات مختلفة. في حين أن أعمال بعض العلماء ساهمت بشكل مباشر في الخطاب القومي الكردي، كان هناك من أيّد فكرة الأخوة الدينية التركية الكردية (الأمة) في وقت كانوا من القوميين الكرد، وهي مفارقة كاملة من وجهة نظر القومية العلمانية. على هذا المستوى من المناقشة، أعتمد على مناقشات جانيت كلاين وميروسلاف هروش حول قوميات الأقلية. يجادل هروش بأن القومية ليست سوى واحدة من العديد من أشكال الوعي القومي، مثل أن خطابات العلماء الأكراد الداعمة للأخوة التركية الكردية كشفت عن شكل صالح من الوعي القومي. استمر العلماء الأكراد في عمليات الاستيعاب والاندماج بطرق متنوعة، لكنهم أكدوا أيضا دعمهم للوحدة التركية الكردية. لقد ألهمتني حجة كلاين القائلة بأن “الحركات الوطنية بين المجموعات غير المهيمنة في الدول متعددة الأعراق يمكن أن تلتزم التزاما كاملاً بحركتها الخاصة بينما تستمر في تصور مصائرها على أنها متشابكة مع المجموعات الأخرى، وحتى المهيمنة”. هذا النوع من الوعي القومي لا يتوافق مع مفهوم القومية بالمعنى الدقيق للكلمة، ويحمل في طياته أخطار التشويش في المفردات، مما قد يستلزم إيجاد مفردات جديدة في الحديث عن القومية الكردية.
تم إنتاج النصوص موضع التركيز بالتوازي مع التطورات التاريخية في تاريخ تركيا وتطور الوعي القومي الكردي. إنها تعكس السياسات التمييزية للدولة التركية العرقية والعلمانية، والانفتاح الديني الذي جاء في الخمسينيات مع سياسة التعددية الحزبية، وصعود الماركسية، وموقف الدولة ضد الشيوعية، ونجاح القومية الكردية بقيادة بارزاني (1961- 1975)، تأثير الفكر الإسلامي السياسي بعد الثورة الإيرانية (1979) وهيمنة أيديولوجية حزب العمال الكردستاني على القومية الكردية منذ أواخر السبعينيات.
على سبيل المثال، كنتيجة لفترة ما بعد الكمالية القومية، قام عبد الرحيم رحمي هكاري (Evdirehîm Rehmî Hekarî) من خلال أهل السنة (1947-1954) بتمجيد الإسلام التركي، والذي يبدو متناقضا تماما مع كتاباته السرية وهويته القومية الكردية المتحمسة في مجلة زين (Jîn journal). خلال الخمسينيات من القرن الماضي، أدخل الكتاب المحافظون في تركيا مفهوما دينيا في الخطاب القومي التركي لمحاربة الطبيعة العلمانية الصارمة للدولة الكمالية. أنتجت هذه الحركة الثقافية “التركيبة التركية الإسلامية”، التي شارك فيها هكاري أيضا، كجزء من استراتيجيته لمحاربة السياسات القمعية للدولة.
بصرف النظر عن ذلك، فإن كتابات الملا عمادالدين يتيز (Mullah Amadettin Yetiz) (مواليد 1937) والملا حسن صوفيا (Mullah Hasan Sofya) (مواليد 1943) تعكس تأثير الخطاب والقيادة الماركسيين على المجتمع الديني الكردي منذ الخمسينيات فصاعدا. اتُهم كل منهما بالكفر والشيوعية بسبب دعمهما للقوميين الكرد، فهي معلومات حول الصراعات داخل الطبقة الدينية الكردية منذ الخمسينيات وكذلك موقف الدولة ضد الشيوعية. تعرض كلا الشخصين بخيبة أمل تامة من الخطاب التركي حول الأخوة الدينية الكردية التركية، والذي تبين انها كانت وهمية وبراغماتية من الجانب التركي، حتى بعد الانفتاح الديني في عام 1950.
كذلك هناك كتابات لبعض العلماء الأكراد ضد القومية الكردية بعد أواخر الأربعينيات، مثل خليفة يوسف (Khalifa Yusuf) (1885-1965)، والملا علي زيلي (Mullah Ali Zile) (1923-1995)، والملا ياسين (Mullah Yasin) (1906-1995) في هذا الاطار. الا انه يجب أن تقرأ في سياق التأثير الماركسي المستمر على الهوية القومية الكردية، والذي نشأ خلاله رد فعل من بين الأكراد المتدينين. فقد أدى صعود الماركسية بين الأكراد منذ أواخر الأربعينيات من القرن الماضي إلى زيادة تدريجية لدور النخبة العلمانية الجديدة في القيادة القومية الكردية في تركيا على عكس دور الشيوخ الذي تراجع وقد أدى ذلك إلى زيادة تدريجية في الخطاب التاريخي الكردي في قصص الشيوخ الفاسدين. تضاعف ذلك مع علمانية الدولة في استخدام القومية الماركسية/ العلمانية، وكلاهما يتعارض مع الإسلام الشعبي الكردي. بعد الثورة الإيرانية عام 1979، التي ولدت الأمل في العالم الإسلامي بعودة إسلامية بشكل عام، دعم الملا زيلي النهضة الإسلامية التي يقودها المسلمون الأكراد في تركيا كبديل للقومية العلمانية.
العلماء الأكراد كمصادر لدراسة القومية وليس الصور النمطية
استخدم التاريخ الكردي ثلاث حجج رئيسية ضد الطبقة الدينية الكردية في وضعها خارج النضال القومي الكردي. لسوء الحظ، أدرجت الروايات التي تتناول الشيوخ الفاسدين القصة بأكملها تقريبا عن الطبقة الدينية الكردية وتم تمثيلهم كمجموعة متجانسة نتيجة لذلك. أولاً، تم تمثيل الطبقة الدينية على أنها تم استقطابها من قبل الدولة مما أضر بالوعي القومي الكردي. ثانيا، تم تصويرهم على أنهم رجعيون وفاسدون ومستغلون للموارد الكردية، مما يستلزم قيادة ماركسية جديدة للقومية الكردية. ثالثا، كان يُنظر إلى المُثُل القومية والإسلامية على أنها متعارضة، لأن نشر الإسلام والأخوة الإسلامية لم يعمل إلا على إخماد الوعي القومي الكردي لعدة قرون. أدت هذه الاتهامات تلقائيا إلى استبعاد العلماء من الحسابات السياسية والتاريخية والقومية وتجريدهم من الشرعية لأنها كلها مصبوغة بهويتهم الإسلامية.
أدى تركيز التاريخ الماركسي على كيفية استخدام القادة الدينيين الأكراد للدين لاستغلال الموارد المالية والعاطفية والبشرية للأمة الكردية إلى حجب ظهور النقد الذاتي بين الطبقة الدينية نفسها ضد استغلال الدين من قبل بعض الأفراد المتدينين الأكراد. ما لا يلاحظه كثير من التأريخ الماركسي الكردي هو أنه كان هناك عدد من العلماء الكرد ينتقدون الوضع الاجتماعي الراهن واستغلال الجماهير الكردية. على سبيل المثال، قبل وقت طويل من ظهور التحليل الماركسي واتهامهم للشيوخ بالعمل مع الدولة التركية، أثار العديد من العلماء الكرد انتقادات كبيرة ضد فساد النخبة التقليدية والشيوخ والأغوات. فقد أشار هؤلاء المحافظون في كتاباتهم إلى العدد المتزايد من الشيوخ الأثرياء الذين اعتادت الجماهير الكردية الفقيرة العمل لديهم بدون أجر ودعم.
بالإضافة إلى ذلك، أغفل التأريخ الماركسي الكردي الاضطهاد الديني الذي واجهه الأكراد على يد النظام الكمالي ولم يعتبر الأدب الكردي الإسلامي الذي أنتجه الأكراد في ذلك الوقت أمثلة لا تُنسى للنضال من أجل الأمة الكردية. فقد أنتج العلماء الكرد عدد لا يحصى من الاعمال المنشورة وغير المنشورة، في ظل الجمهورية التركية، معظمها حول القضايا الدينية. جادل من أجريت معهم المقابلات بأن العلماء الأكراد أعطوا الأولوية لبقاء دينهم على بقاء أمتهم في ظل الإصلاحات العلمانية الثورية للدولة التركية. وذلك لأن الكردية بدون الإسلام ستفقد معناها بالنسبة لهم. ولهذا السبب، ادّعوا أنهم لم ينتجوا عددا كبيرا من الكتابات حول القضية الكردية كما فعلوا عن الإسلام.
من خلال إضفاء “الآخر” على الشيوخ ودينهم، أقام التاريخ الماركسي جدارا بين القومية الكردية والولاء الإسلامي. ووفقا للمؤلفين الماركسيين الأكراد، فإن الولاء للمثل الإسلامية عمل ضد المصالح القومية الكردية بينما أفاد الدول الاستبدادية بشكل كبير. فقد برعت الدولة الاستبدادية في دعم المفاهيم الإسلامية مثل الإخوان المسلمين من أجل تهدئة أي تنافر بين الأقليات، مثل الكرد، في حين أن نشر المثل الإسلامية كان مكلفا للغاية بالنسبة للأكراد. استخدمت الدول الإمبراطورية الأيديولوجية الإسلامية ومفهوم الأخوة الإسلامية لفرملة الوعي القومي الكردي؛ لذلك، فإن دعم التصورات الإسلامية يخدم المصالح القومية التركية فقط.
إلى جانب هذا التهميش التاريخي، لم تخلق خطابات الكردية الإسلامية وتطورها مع الوقت اهتماما كبيرا في الأوساط الأكاديمية، كما فعلت جذور وتطورات القومية العلمانية الكردية. ومع ذلك، هناك تاريخ طويل من الكردية الإسلامية ينبع من تاريخ قوي للشبكات الصوفية وعلماء الدين الذين يعودون لأجيال قبل أن تسيطر القومية العلمانية أو اليسارية على المجال السياسي.
تبرز مجموعة الكتابات التي كرّسها التأريخ الكردي لتمثيل الطبقة الدينية الكردية من الأربعينيات وما بعدها في سياق تركيا، لا سيما لأن التأريخ التركي منذ تأسيسه في عام 1923 كان على الأقل مهتما بنفس القدر – إن لم يكن أكثر – بالجانب الديني واثبات تخلف الطبقة الدينية المزعوم. فقد صاغت الدولة الكمالية، كجزء من سياستها في بناء الدولة، المفاهيم الكردية التقليدية للهوية والثقافة على أنها “رجعية” و “قبلية” ونتيجة “تخلف” الإقليم هناك، لقد عانى الأكراد المحافظون بالفعل من عواقب الخطاب (الرجعي) و (الرجعي) للدولة، لقد انزعجوا من نفس الخطاب الذي استخدمه القوميون العلمانيون الأكراد، اعتبر العديد من المحافظين الكرد أن الحركة القومية الكردية، التي تهيمن عليها أيديولوجية علمانية، كارثية على الهوية الدينية الكردية. اعتبرت الأوساط الإسلامية الكردية أن القومية التي يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني مشروع لفك روابط الشعب الكردي بالإسلام، تماما كما كان إصلاح اللغة التركية يعمل مع الكماليين خلال سنوات تكوين الجمهورية التركية. تمت الإشارة إلى زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، باسم “أتاكورد” على غرار (اتاتورك) بين الأوساط الدينية للإشارة إلى الطابع المناهض للدين للحركة وعدم موافقتهم على ذلك. ونتيجة لذلك، كان الأكراد المحافظون في صراع مع الحركة القومية الصاعدة تحت القيادة الماركسية منذ الخمسينيات فصاعدا، وشدد الكثيرون على هويتهم العرقية كرد فعل.
تكمن أهمية هذه الدراسة في تسليط الضوء على قصة غير معروفة نسبيًا عن رؤى علماء الأكراد ضمن قصة تطور القومية الكردية.