دور الموسيقى في بناء  الهوية الكردية*

شارك هذا المقال:

الترجمة عن الإنكليزية  : سوزدار تمو


ديتر كريستنسن ( نيويورك الولايات المتحدة الأميركية – برلين ألمانيا)
 مؤتمر الموسيقى في عالم الإسلام. أصيلة، 8-13 آب (اغسطس) 2007

 الكرد، شعبٌ بلا دولة، وهم من المجموعات العرقية الأكثر عدداً في غرب آسيا، حيث يحتلون سكانياً المرتبة الرابعة بعد العرب والترك والفرس. ولديهم جاليات كبيرة في مختلف الدول الأاوروبية وأخرى أصغر حجما في بقية الأماكن أيضا.  إن حدود الدول التي تفصل المنطقة المتلاصقة ، تقريباً،  و الواقعة في منطقة غرب آسيا حيث يعيش الكرد ، وفي الجيوب المتناثرة في دول القفقاس وشرقي إيران و افغانستان  حيث التنوع الديني و هيمنة الثقافات القومية و الضغوطات السياسية الرامية إلى الصهر ، ساهمت جميعا ً في تفكك أن يكون الكرد شعباً . على أية حال، تَنَامَى الوعيُ لدى الكرد ولدى جيرانهم أيضاً تجاه العرق الكردي المختلف عن الشعوب الاخرى التي تعيش في غرب آسيا منذ أواخر القرن التاسع عشر، وخاصة منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية وبدء نشاط القوى الاستعمارية الغربية في المنطقة. لا زالت هذه العملية مستمرة حيث تزداد فيها الأصوات أكثر فأكثر داعية إلى كردستان المستقلة، كدولة خاصة بهم.

تتشابكُ العمليات السياسية بشكل وثيقٍ مع تصورات الأفراد حول علاقتهم بالمجموعات الأكبر، وهويتهم الثقافية، وفي بناء واختيار هويات المجموعات التي يشعر الأفراد أنهم ينتمون إليها، أو التي يصورونها للآخرين. الهوية الثقافية ليست دائماً بديهية للشخص، فغالبًا ما يتمُ تحديدها في السياق وقد تتغير معه، خاصة في حالات النزاع؛ أو قد تكون مخفيةً أو يتمُ التظاهر بها فيما أسميه “الهوية المشفرة”.  بالنسبة للكرد، هذا أمر شائعٌ في كردستان الأم وكذلك في دول الشتات. تعيش أعدادٌ كبيرة من الكرد – الأشخاص الذين يطلقون على أنفسهم كُرد – في العديد من دول غرب آسيا وإيران وأفغانستان والقوقاز وآسيا الوسطى وأوروبا.

لا يسعنا المجال هنا كي نتعقب الصيرورة التاريخية التي أدّت إلى الوضع الراهن لشعب كبير بدون دولة. ويكفي أن نقول أنَّ معظم تاريخ تشتت هذا الشعب وتقسيم وطنه حديث نسبياً، ويدخل ضمن مجريات القرن العشرين. فحوالي عام 1900، كان معظم الكرد يعيشون في منطقةٍ متجاورة تتكون من شمال بلاد ما بين النهرين (ميزوبوتاميا)، والأناضول الشرقية المتاخمة لها، وجبال زاغروس من بحيرة أورميا وباتجاه الجنوب إلى لورستان. المنطقة الداخلية الوحيدة المهمة كانت خراسان في شرق إيران، حيثُ قام الشاه عباس في القرن السابعِ عشر بنقل آلاف الكرد من الحدود الشمالية الغربية لمملكته. شكلت الحدود بين الإمبراطوريتين العثمانية والإيرانية الحدود الدولية الوحيدة التي كانت تعبر خلال أراضي الكرد في ذلك الوقت، وفي الحقيقة كانتِ الحدودُ بكلِ المقاييس مفتوحةً على مصراعيها.

لقد وضعتِ الحربُ العالميةُ الأولى العثمانيين في مواجهةِ القيصر، فبقيَ الكردِ والأرمنِ في الوسط، وبما أن الدين أصبح مشكلةً، فرَّ الكثير من الكرد غير المسلمين إلى الشرق واستقروا في القوقاز الروسي، خاصة فيما أصبحت لاحقاَ جمهورية أرمينيا السوفيتية. وبعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، قَسَّمت  الدول الغربية تركتها بشكل تعسفي دون الأخذ بعين الاعتبار التعقيدات العرقية. فوجد كردُ الإمبراطورية العثمانية السابقة أنفسهم أقلياتً عرقية يقع معظمها في ثلاث دول جديدة: الجمهورية التركية والعراق وسوريا. بدأتْ تركيا وسوريا سياسات الإنصهار التي لم تَعترفْ بالأقليات وحَظَرت استخدام لغاتٍ أخرى غير اللغات الغالبة، التركية والعربية -كل على حدة- في المدارسِ وفي المنشورات وجميع انواع العروض الشعبيّةِ.

في ظل  هذه الظروف، أصبح طرح الأسئلة التالية، “من أكون؟ إلى أي شعب أنتمي؟ كيف أريد أن ينظر إلي الآخرون؟” تكتسب أهمية كبيرة لدى الكثير.

حسناً، ما الذي يجعل الكرديَّ كردياً غيرُ إعلان هويته الثقافية؟

بالطبع، هناك الّلغة “الكردية” التي تختلفُ بوضوحٍ عن اللغة العربية والتركية، على الرغم من الاشتراكِ  في بعض المفردات ، لكن اللهجات الرئيسية – ولا سيما الكرمانجية (“الكردية الشمالية”) والسورانية (“الكردية الجنوبية”)، التي لها لهجاتٌ محلية فرعية عديدة، ليست دائماً مفهومةً بشكلٍ متبادلٍ في الخطابِ الملفوظِ أو المنطوق، بصرفِ النظرِ عن حقيقة أن الخطوط المستخدمة – العربية واللاتينية – تُعقِّد الأمور بالنسبة لأولئك الذين يعرفون القراءةَ والكتابة. ولكن هناك أيضاً لغاتٌ قريبة من اللغة الكُردية لغوياً، لكن التصنيف اللغوي – والإفصاحُ الذاتيُّ للمتحدثين بها – يصبحان قضايا سياسية: هل الهورامية كُردية؟ هل متحدثو الزازكية كُرد؟ هل يعتبر الزازا أنفسهم كرداً؟ البعض يعتبرون أنفسهم كُرداً، لكن البعض لا يعتبرون أنفسهم كذلك.

هناك طرقٌ أخرى ملموسة أكثر للتعبير عن الهوية العرقية، مثل الملابس، حيث لا تكون نشطة عادة في الحالات اليومية في الشتات، بينما تَخضعُ في الوطن للإختلاف الجغرافي. ولكن ماذا عن الموسيقى؟ هل هناك أيةُ جوانبَ مميزة للموسيقى سواءَ كانت صوتيةً أو عبرَ الآلات يقوم الكرد بممارستها في جميع أنحاء كردستان؟

 

الأشكال الموسيقية الكردية

 

هناك عددٌ قليلٌ جدًا من الأنماطِ الموسيقية التي يعتبرها الكرد خاصة بهم والتي يُعرف بوجودها بصفاتٍ متشابهة في جميع أنحاء كردستان.  بعبارةٍ أخرى، هنالك مجموعةٌ كبيرةٌ ومتنوعة من الموسيقى داخل الأقاليم المتجاورة الشاسعة التي يسكنها الكرد، من شمالِ سوريا والأناضول الوسطى في تركيا إلى أرمينيا ومنطقة كرمانشاه في إيران، ومعظمُ هذه الموسيقى سيتعرف عليها الكرد وغير الكرد بنفس الدرجة على أنها “كردية” (انظر كريستنسن 2002 ب)، لكن في الوقتِ نفسهِ، ليس من السهل تحديدُ ما الذي يجعل هذه الموسيقى تبدو للسامع أنها “كرديةً”. ومع ذلك، هنالك أنواعٌ قليلةٌ من الموسيقى التي تُظهِرُ أوجه تشابه كبيرة وواضحة في جميع أنحاء المنطقة الكبيرة. يمكننا أن نسميها “تقليدية” لأنه من الواضحِ أن الكرد قد مارسوها بالطريقةِ نفسها لعدة عقودٍ، وربما قرونٍ، في التقليد الشفهيّ.

 

هذهِ الأنواعُ المميزةُ هي الروايات المُغَنّاة، وهي منتشرةٌ بشكلٍ واسعٍ بفضل مؤدّييها المُتميّزين، المغنين أو المنشدين [Dengbêj – Beytbêj] – أو ما يمكنُ تَسميتهم بالشعراء الملحميين – حيث اعتادوا السفرَ على نطاقٍ واسع؛ و أغاني الرقص التي ربما هي من بين أكثر المظاهرِ العامةِ للسلوكِ التعبيري.

 

الروايات المغناة

 

بالنسبةِ للكرد في المناطق الحضرية والريفية على حد سواء، فالاستماعُ الى سرد الأحداثِ التاريخية يميل إلى أن يكون تجربةً مؤثرة للغاية، وتذكيرٌ بما يعنيه أن تكون كوردياً بين الأقوامِ الاخرى، أو ربما ان تكون عضوا في قبيلةٍ معينة أو من نَسبٍ معينٍ الى حيثما يُرتبط السرد. يتمُ أداءُ السردِ أمام الجمهورِ دائماً، ويَتطلبُ تأديتهُ مهاراتٍ متطورةٍ للغاية، الأهمُ من بين هذه المهاراتِ هي ذاكرة واسعة للأسماء والحلقات والسياقات التاريخية، والقدرةُ على صياغةِ قصةِ خلال سردٍ موسيقيٍ لنثر مُنْشد، والقدرةُ على الحفاظِ على التحكم العالي في أساليب الاصوات، والتشديدُ على المحتوى الدرامي من خلال محاكاةٍ صوتيةٍ وايماءاتٍ جسدية. من الأساسي أيضاً إدراكُ مزاجِ الجمهور وفهم المتطلباتِ الخاصة بمناسبةٍ معينة لاختيار الموضوع والأداءِ المناسب لتلكَ المناسبة. القلةُ الذينَ لديهم هذه الصفات ويمارسون هذه المهارات يحظَونَ باحترامٍ كبيرٍ ومعترفٌ بهم على نطاق واسع.

قد يأخذُ السرد شكلَ حكاية وأغنية (çirok û stran)، حيثُ يمتزجُ سرد القِصصِ المحكيّة بأبياتِ الشِّعر والسرد الغنائي. أما السرد الغنائيُّ البحت فيأتي في ثلاثة أنواعٍ، يتمُ تميزها عن بعض من خلال السمةِ العامةِ لمحتوياتها: الأغاني البطولية التي تتحدثُ عن المعارك بين الرجال والتي، مع إعادة سرد الأحداث التاريخية بشكل أكثر أو أقل، تُمجّد شجاعةَ وجرأةَ الرجالِ وصدقهم، عادة في المواقف المأساوية مع نهايات مفجعة. تتناغمُ هذه الروايات مع اعتقادِ الكثير من الكرد أن هذه قيم كردية للرجال على وجه التحديد.

 

يمكن أن يؤدي غناءُ مثل هذه الأغاني البطولية – في Hakkari والتي تسمى şer, mêrxweş وما إلى ذلك – إلى إعادة التأكيد على هويةِ المجموعة وإبرازها، أو يمكن أن تكون لمجرد التسلية، ولكن في المناطق الريفية وبدرجة أقل أيضاً في الحياة الحضرية، تخدم في كثير من الأحيان أيضاً وظائف اجتماعية متميزة أخرى.

ليس للتقليل من المأساوية في قصصهم، ولكن إشراكُ حبِ المرأة في القصص كعنصر أساسي، هي روايات معروفة في هكاري باسم hajikirinî وevînî إلخ، وهي تختلفُ عن أغاني الحب في أنها تَحكي قصةً حقيقية ذات نهاية غير سعيدة، ويكون مدح جمال الأنثى هامشياً فيها. في النمط والبنية الموسيقية، لا يمكن تمييزها عن الأغاني البطولية. فقط من خلال معرفة النص أو فهمه يمكن الاعتراف بها على أنها “قصص حب”. ويعتمد هذان النوعان من الروايات المنشَدة على التلاوةِ والسردِ الإيقاعي النغمي للنثر، والأداءُ يكون عادة بشكل منفرد غير مرفق بـآلاتٍ موسيقيةٍ. من بين الخصائصِ في الاسلوبِ التشديدُ على النبرةِ او العلامةِ النطقيّة في نهايةِ العباراتِ الطويلة قبل أن يلتقطَ المغني أنفاسَه للعبارةِ التالية.

Audio 1.    Hasanê Erebê Anis “story and song” (excerpt) Singer: Kamil Yalcin, zomayê Nator, Hakkari, July 1, 1965

 

عادة ما يتم تقديم النوعِ الثالث في أبيات مقفاة بمحتوى دينيّ أو خرافي بدلاً من المحتوى التاريخي. تحتوي هذه المجموعة على قصائدَ سردية، غالباً في شكل يُسمى قصيدة (qesîde)، ولكن أيضاً قصائدَ منشَدة من الكردية العلوية والإيزيدية.

Audio 2.  Zembîl firoş. Qesîde.  Singer with frame drum erebane: Seyid Ahmet, from Şirnak. July 6, 1965.

 

رقصات الدبكة

الفئةُ الأخرى الواسعةُ الانتشار والموجودة بين الكرد في كل مكان – كما هو الحال بين الشعوب الأخرى – والتي تَخدم في تقديم هويات المجتمعات هي الرقص. ينطوي الرقصُ كنشاطٍ اجتماعيٍّ دائماً على الصوت و “الموسيقى” ولكن أيضاً أكثر من ذلك بكثير، الحركة النموذجية والمنسَّقة للأشخاص، الإعداد، المناسبة، الّلباس، المحتوى الصريح لنصوصِ الأغنية أو المعاني المرتبطة بألحان الأغاني التي يتم عَزفُها على الآلات، في أي أداء معين، يتخذُ المشاركون خياراتٍ محددةً، أو يتم توجيهها، من خلال الطريقة التي يريدون أن يُنظر إليهم فيها كأفرادٍ أو كمجموعة. هناك ثلاثة أنواع رئيسية من الرقصات من ناحية الحركات وفيما يتعلق بالصوت: تلك التي تتناوبُ فيها مجموعتان من الرجال أو النساء في غناءِ لحنٍ قصيرٍ عادةً يتكررُ مراتٍ عدة. حيث يصطفُ الراقصون جنبًا إلى جنبٍ، ويشكلون خطاً واحداً، يمسك كلٌ منهم الآخر من يده أو من خلال ملامسةِ الكتفين، أما الأقدام فتتحرك بشكل أساسيٍ في مكانها.  ويكون نص الاغنية على شكل أبياتٍ مقفاة، مع تكرار لكل سطر.

Audio 3. Dance song Tîl megan, govendê yamilla ya sevik.  2 and 3 men alternating. Hakkari, July 7, 1965

 

يحتوي النوعُ الثاني على مغنٍ رئيسي حيث يتم الرد على إنْشادِهِ بواسطة جوقة – وغالبًا ما يكون جميعُ الراقصين الآخرين – الذين يشكلون خطاً مشابهاً لذلك الخط في النوعِ الأول.

 

النوع الثالثُ يستلزم قيام العازفينَ بعزفِ الموسيقى لأجل راقصين مصطفين في خطٍ واحدٍ مع التحرك في دائرةٍ مفتوحةٍ واسعة، حيث غالباً ما يكون الراقصِ الرئيسي بيده وشاح صغير يلوح به.

 

عادةً ما تكونُ الآلاتُ عبارةً عن زوجٍ من مزمارٍ وطبلٍ – dehol û zorneh، sez û dehol – أحيانًا طبلان، وعادةً ما تُعزف من قبل موسيقيين محترفين: مطرب (من اللغة العربية. mūtrib) ، ولكن في بعض المناطق ، يمكن استخدام الكلارينيت dûzele مزدوجة بدلاً من المزمار.

 

بالرغمِ من أنه غير معروفٍ عالمياً إلّا أنَّ أداءَ عروض موسيقى الرقص المرفق بالآلات الموسيقية الآنفة الذكر منتشرٌ على نطاقٍ واسعٍ في كردستان وفي المجتمعات الكردية في أماكن اخرى. لكن هذه الممارسة التي ليست حصريا كردية العادة أو الأصل، يتم تقاسمها في منطقة واسعة من الهند إلى آسيا الوسطى إلى جنوب شرق أوروبا إلى شرق أفريقيا.

الممارسات الموسيقية التي وصفتها حتى الآن هي ممارسات الكرد في منتصف القرن العشرين، وأنا أصفها من منظورِ شخصٍ غريبٍ، كعالِمٍ في موسيقى الشعوب. في ذلك الوقت، قبل حوالي 60 عاماً، لم يكن هناك سوى عدد قليل من الكرد مدركين للموسيقى التي قد يمارسها كردٌ آخرون، قد يبعدون عنهم بضعة أميال فقط. لكن الشعراءُ المتنقلون والدراويش والمطربون والموسيقيون المحترفون فقط كانوا قد تجاوزوا الحدود المحلية الضيقة للمعرفة الموسيقية والوعي. لم يكن للموسيقى دور تقريباً في توسيع الهوية الاجتماعية بما يتجاوز المحلية أو على الأكثر الاقليمية، حتى دخلت وسائل الإعلام عالم الموسيقى الكردية.

في الجمهورية التركية، ظلَّ البث باللغة الكردية وإنتاجُ التسجيلات الكردية محظوراً في التسعينيات، ولكن في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين، طورت إذاعة يريفان Yerewan برنامجاً لتسجيل أصوات الفنانين الكرد وتقديمهم في وضع مألوفٍ للمطربين الإذاعيين برفقةِ آلاتٍ موسيقيةٍ، وجوقاتٍ كبيرة تؤدي أغاني الرقص.

 

حذتِ المحطاتُ الإذاعيةُ في إيرانَ وشمالِ العراق حذوها، ولأول مرة، أمكن سماع الموسيقى التي تُعرّف الكرد، وتم قبولها وسُمعت عبر الحدود الإقليمية والسياسية، مما أدى إلى توسيع الوعي الفردي بالكردية.

في عام 1958، في جبال هكاري، وهو جزءٌ معزولٌ إلى حد ما من كردستان بدون كهرباء، كان المغنون قد تعلموا بالفعل أغاني سردية “من الراديو”، سواء أكانت من يريفان أو إيران أو العراق، قِيل إن القصص حدثت في أماكنَ بعيدة، بما يتجاوز تجاربهم الشخصية، ولكن دائماً في الأماكن الكردية التي يمكنهم التعرف عليها الآن. منذ الستينات، ونتيجةً لهجرةِ اليد العاملةَ والاضطهادِ السياسي انتقلت أعدادٌ كبيرةٌ من الكرد إلى المدن الأوروبية. حيث يعيش الآن في عام 2007 حوالي خمسين ألف كرديٍ في برلين، من بينهم كردٌ يخبئون هويتهم الكردية خوفاً من الاضطهاد في تركيا، لكن الغالبيةَ العظمى منهم يُشاركون في المناسباتِ العامةِ التي تجمعُ الكردَ معاً بشكلٍ خاصٍ في الإحتفالُ بعيد النوروز، السنة الكردية/الإيرانية الجديدة في 21 آذار.

 

تُعد الموسيقى والرقص من الأنشطة المجتمعية المركزية في هذه المناسبات، والأشكالُ المحددةُ من الموسيقى والرقص الشائعةُ لدى معظمِ المشاركين هي: غناءُ القصصِ، والرقصُ الجماعي في دائرةٍ على أصواتِ الطبل والمزمار (dehol û zorne)، أما الآن فقد حل محلها آلة المزجِ الموسيقي (الاورغ) في غالب الأحيان. لقد تكيّفت العديدُ من أشكال تأليف الموسيقى الكردية مع وضع الشتات الحضري. وتُستخدَم بنشاط لتوسيع وتشكيل الهوية الكردية العابرة للأقاليم والحفاظ عليها. ومن خلال وسائل الإعلام – تسجيلات الأشرطة والأقراص المدمجة، وزيادة الإذاعة والتلفزيون والإنترنت – تتغذى هذه العملية ومنتجاتها أيضاً من بلاد الشتات إلى كردستان، مما يؤثر على كيفية فهم الكرد لأنفسهم كأفراد وشعب.

والموسيقى التي تم تبنيها حديثاً في نطاق الممارسات الكردية يمكن أن تعمل على تعزيز الروحِ الكردية، أيضًا: في احتفال بعيد النيروز في برلين في الآونةِ الأخيرةِ، قدّمَ شابٌ عملاً بواسطة موسيقى الراب والذي حثَّ فيه جمهورهُ على التحدث باللغة الكردية: وخاطبهم: واحد – اثنان – ثلاثة – أربعة – تحدثْ بالكردية!! وبهذا الشكل، اجْتذبَ بشكلٍ خاصٍ الصغارَ، الذين هم الأكثرُ عرضةً لفقْدِ لُغتهم الأم في الشتاتِ.

 

 

*Music in Kurdish Identity Formations

by Dieter Christensen* (New York, USA & Berlin, Germany)

شارك هذا المقال: