في أواخر التسعينات من القرن الماضي، صدر كتاب بعنوان لا أصدقاء سوى الجبال: التاريخ المأساوي للأكراد من تأليف الصحفيين البريطانيين هارفي موريس وجون بلوج وترجمة راج آل محمد. ورغم إنه تم توزيع الكتاب باليد من قبل المترجم وأصدقاءه، فقد تم بيع 4000 نسخة منه، وهو رقم كبير قياساً بمبيعات الكتب التي توزع يدوياً. حيث لاقى الكتاب رواجاً كبيراً رغم الظروف الاستثنائية التي تعيشها الثقافة الكردية وكل ما يمت بالشأن الكردي بصلة وقد ساهمت عدة عوامل في انتشار الكتاب ورواجه:
أولاً العنوان الملفت للنظر والذي بات الكل تقريبا يقتبسه عندما يجد الكردي نفسه وحيداً وقد تخلى عنه أصدقاؤه ولم يتبق لديهم سوى الجبال،
ثانياً المقدمة التي كتبها المفكر العراقي هادي العلوي
ثالثاً: طبيعة الأحداث التي تطرق إليها المؤلفان وهي مواضيع كانت ساخنة في حينه (حلبجة، الانتفاضة واغتيال الشهيد قاسملو). وسوف نتطرق إلى فصول الكتاب تباعاً فيما يأتي.
رابعاً: صورة الغلاف بعدسة ريكس فيتشرز التي كانت معبرة عن الحالة الكردية ومضمون الكتاب.
عن أجواء ما قبل طباعة الكتاب قال لي المترجم أنه عندما اتصل بالمفكر العراقي الراحل هادي العلوي وطلب منه أن يكتب المقدمة لكتاب عن التاريخ الكردي من قبل صحفيين غربيين، رد الأستاذ هادي العلوي: “أنا لا أقدم لكتب كتبها الغربيون عنا” ومع ذلك، وبعد إصرار المترجم على أن الكتاب موضوعي ويتسم بالحياد، قبل المفكر العراقي ذلك شريطة أن يدوّن ملاحظاته. ووعد أن يُنهي المقدمة بعد أسبوع، ولكنه اتصل مع المترجم بعد يومين قائلاً إنه أحب الكتاب والمقدمة جاهزة. وكتب قائلاً
” [كتاب لا أصدقاء سوى الجبال] عندي من الكتب المميزة في قياس ما كتبه الغربيون عن كردستان، ومع أن مؤلفي الكتاب يعملان في نطاق إمبراطورية الإعلام الأور-أمريكية، فإن القارئ يلمس في مجمل فصول كتابهما تعاطف صادق مع قضية شعب مظلوم. […] يحتوي هذا الكتاب على تفاصيل متورخة شديدة الضبط والدقة عن القضية الكردية. ويبدو المؤلفان على دراية كافية بأسرار القضية وملابساتها وتعقيداتها. وقد أظهرا أيضاً معرفة جيدة بتاريخ الأكراد وأصلهم واستعرضا الروايات المتعلقة بذلك بمنهج نقدي محايد يتجاوز المألوف الخرافي والأخطاء الشائعة لحساب ونتائج مَرْضية في حدود المصادر المتوفرة. وهما كصحفيين في الأصل قد لا يكون لهما من الخبرة في نقد التاريخ ما للمؤرخ المتخصص، ولكن هذا لم ينال من قدرتهما على معالجة أمور تدخل في صميم عمل المؤرخ المحترف. والنتيجة التي استقر عليها الكاتبان من تلخيصهما التئريخي هي النتيجة التي ينطلق منها كاتب هذه السطور في دعوته لإقامة دولة كردستان المستقلة: فهنا في هذا الجزء من العالم الشرقي المسمى كردستان تعيش أمة عريقة سبقت معظم شعوب المنطقة إلى الاستقرار فيها فهي واحدة من أقدم أمم الشرق وعلاقتها باقليمها أوثق وألصق من علاقة معظم الشعوب المعاصرة ببلدانها المنسوبة إليها. ومما يفضح إنسانوية الغربيين إجماعهم على إقامة دولة لشذاذ من المهاجرين على حساب شعب مطرود خارج حدوده مع استنفارهم لحماية هذه الدولة المهاجرة بكل ما عندهم من قدرات من السياسة والاقتصاد والحرب، وإجماعهم في المقابل على رفض إقامة دولة في كردستان لشعب عريق. وقد تضمن كتاب “لا أصدقاء سوى الجبال” من فضائح السياسة الغربية في هذه المسألة ما لو كتبه كردي لاتهم بالمبالغة والتعصب! […] في الختام أقول إن كتاب “لا أصدقاء سوى الجبال” يتمتع بقيمته الخاصة به كمرجع جديد وطازج في الكرديات وهو كتاب يتسم بالنزاهة والمحبة مع المصارحة والمكاشفة بعيداً عن الدبلوماسية أو المجاملات. ولا يملك محب الأكراد إلا أن يحب مؤلفيه مهما اختلف معهما.”
الجدير بالذكر أن الكتاب إصدار خاص طُبع في بيروت دون ذكر التاريخ ودار النشر ويقع في 222 صفحة من القطع الكبير إضافة إلى مقدمة المفكر العراقي المرحوم هادي العلوي وكلمة شكر من المؤلفين والمترجم.
يقع الكتاب في عشرة فصول هي
الفصل الأول الانتفاضة: وفيه يتناول المؤلفان ظروف انطلاق شرارة الانتفاضة الكردية في الشمال بعد هزيمة صدام حسين في حرب الكويت. وقد وصل المؤلفان إلى كردستان بعد الانتفاضة مباشرة ويرصدان مراحل صعودها وانكسارها. يقول المؤلفان “كانت انتفاضة 1991 لحظة نادرة في تاريخ القومية الكردية فلأول مرة كان المجتمع الدولي بأسره معارضاً لنظام بغداد، إضافة إلى أن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة يدعو وبقوة إلى إسقاطه. وبانتهاء الحرب الباردة وضعف نفوذ السوفييت، لم ير الغرب أي عائق في اتباع النصر في الكويت بدعم للأكراد ولجميع قوى المعارضة التي تحارب من أجل الخلاص من نير صدام. صدّق الأكراد ما سمعوه، لقد أغرتهم الثقة بالوعود الإيجابية للعواصم الغربية، فشرعوا بثورة اعتقدوا إنها ستستحوذ على دعم الغرب. ولكن هيهات، فالدعم الذي كانوا بحاجة إليه لم يأتِ قط. ومرة أخرى أُجبِروا على العودة إلى سياسة الحوار مع عدوهم الأكبر.”
يعرض المؤلفان خلفيات الانتفاضة من خلال استعراض الاضطهاد الذي تعرض له الأكراد من حملات الأنفال وتدمير القرى وصب الينابيع.
في ذروة الانتفاضة كان كافياً أن تكون من الغرب حتى “تربطك بطريقة أو بأخرى ببطل كردستان الجديد، الرئيس جورج بوش الذي سموه الحاج بوش، مستخدمين التعبير الذي يدل على الاحترام المقتصر على أولئك الذين يزورون مكة للحج. وقد قيل إن الأولياء سموا المواليد الجدد باسمه لانتصاره على الطاغية صدام.” ص23
لكن وعود الحاج بوش لم تتحقق واضطر الكرد إلى الهجرة المليونية التي رافقها المؤلفان خطوة خطوة.
في الفصل الثاني: الملاذ الآمن يستعرض المؤلفان الظروف التي أدت إلى خلق “الملاذ الآمن” ” في أوائل نيسان كان هناك نصف مليون كردي على الحدود التركية، وسبعمائة ألف في طريقهم إلى إيران” في أوربا- وفي بريطانيا بشكل خاص- تصاعد الغضب الشعبي مما دفع رئيس الوزراء جون ميجور بالإعلان عن مساعدة قدرها 20 مليون جنية إسترليني بالإضافة إلى شحنة من البطانيات والخيم. لكنه من ناحية أخرى تنصل من أية مسؤولية في الأزمة عندما سئل خارج مسكنة في داوننغ ستريت عما إذا كان الأكراد قد تلقوا أي تشجيع من الغرب للتمرد، فكان جوابه: ” لا أتذكر أنني طلبت مهم البدء بعصيان مسلح من هذا النوع”ص28 الرأي العام في بريطانيا وفرنسا وبدرجة أقل في ألمانيا وعدة دول أخرى، إضافة إلى نشاطات الكرد في الغرب ومن ثم عمليات الإنزال الجوي للمؤن التي وصفها عمال متمرسون في الإغاثة أنها أسوأ الحلول الممكنة في تضاريس كهذه، اقترح الرئيس أوزال على الأمم المتحدة في حديث مع التلفزيون الأمريكي إقامة ملاذ آمن للأكراد في المنطقة الشمالية من العراق وقال أنه مستعد لأن يضع الجنود الأتراك تحت تصرف أية قوة للأمم المتحدة. اقتراح أوزال هذا وُلد ميتاً لأنه أثار مخاوف الأكراد أكثر من أن تبعث الطمأنينة في نفوسهم مثلما أثار مخاوف الدول الإقليمية التي تخوفت من مطامع تركية. لكن إشارة الرئيس أوزال إلى “الملاذ” بقيت عالقة في ذهن جون ميجور الذي قال في لوكسمبورغ “لا نستطيع أن نحدّ من جهودنا في التخفيف من وطأة المأساة. لا نستطيع أن نكتفي فقط بتضميد جراح الشعب الكردي. يجب أن نحاول وضع حد لإراقة الدماء بسبب صدام حسين. وإذا لم يكن بمقدورنا التخلص منه، فإننا نستطيع على الأقل توفير نوع من الحماية لأولئك الأكثر عرضة للهجوم من الشعب العراقي” لاقت الخطة ترحيباً حاراً من الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران. وفي السادس عشر من نيسان أمر جورج بوش قواته بالتحرك إلى شمالي العراق متبنياً خطة الملاذات الآمنة لـ(جون ميجور)
الفصل الثالث: أصل الكرد ومنشؤهم
ينتقل الكاتبان بسلاسة إلى هذا الفصل بقولهما ” كان التمرد ضد صدام حسين في ربيع 1991 قد وصل إلى أوجه في نوروز، السنة الكردية الجديدة” ويتخذانه مدخلاً لاستعراض تاريخ الكرد القديم بعرض اسطورة ضحاك والمرور على ما ذكره المؤرخون والرحالة عن كردستان. كما يتطرقان إلى موضوع اللغة الكردية وتقاطعها مع اللغة الفارسية واستعراض الإمارات الكردية في العهد الإسلامي وشخصية صلاح الدين
الفصل الرابع: الخديعة الكبرى
وفيه يتناول المؤلفان الثورات الكردية بدءاً من ثورة الشيخ عبيدالله 1880 الذي يكتب إلى القنصل البريطاني في باشكال طالباً مساندته وموجزاً فيها أسباب ثورته. ثم ينتقلان إلى بنية المجتمع الكردي التقليدي، ثم يتحدثان عن رابطة الدم التي تربط أفراد القبيلة ببعضهم. كذلك يتحدثان عن ثورة المير محمد الراوندوزي وثورة البدرخانيين وثورة الشيخ محمود الحفيد وثورة البرزانيين. كما يتناولان معاهدة سيفر ولوزان.
الفصل الخامس: جمهورية مهاباد
يتناول المؤلفان في هذا الفصل ظروف إقامة وانهيار جمهورية مهاباد. ويسلطان الضوء على شخصية القاضي محمد والملا مصطفى البارزاني وعلى تنظيم كومله وعلى نهاية جمهورية مهاباد التي انتهت بإعدام قائدها في ساحة جوار جرا وهي ذات الساحة التي شهدت إعلان الجمهورية.
الفصل السادس: النضال من أجل الحكم الذاتي:
في هذا الفصل يلقي المؤلفان الضوء على الظروف التي مرت بها القضية الكردية في العراق منذ أن أُلحِقت بالجمهورية العراقية ولغاية التوصل إلى اتفاقية 11 آذار التي كانت نقطة مفصلية في النضال الكردي في كردستان العراق. وينهيان الفصل بالخيانة التي ارتكبها هنري كيسنجر مع الملا مصطفى البارزاني الذي “بقي في إيران حتى عام 1977 ثم ذهب ليمضي السنوات الأخيرة من عمره على أرض الدولة الأخرى التي تخلت عنه بحقارة والتي وضعت ببساطة مصالحها السياسية الكبرى أمام حياة الإنسان. توفي البرزاني في مكلين بولاية فيرجينا في آذار 1979” ص131
الفصل السابع: حلبجة
“بعد السادس عشر من آذار 1988 كانت كلمة واحدة تكفي كي ترمز إلى مأساة الأكراد: حلبجة” ص133 هكذا يبدأ المؤلفان الفصل السابع من كتابهما. ويقولان إن الأكراد يطلقون على حلبجة اسم أوشفيتس الكردية لا لأن حجم المجزرة يقارن بالمجزرة النازية في معسكر الموت ذاك بل لأنه تم اختيار الضحايا فقط لكونهم أكراداً. ويستعرضان الهجمات الكيميائية السابقة التي تعرض لها الكرد حيث أنها لم تكن المرة الأولى أن تلجأ الحكومة العراقية إلى استخدام الأسلحة غير التقليدية. ففي عام 1963 تقدم الملا مصطفى بشكوى إلى الأمم المتحدة لاستخدام تلك الأسلحة”ص134. ويقول المؤلفان أن حلبجة سرعان ما وجدت طريقها إلى الأسطورة الكردية حتى إنها أصبحت موضوعاً لإحدى أغنيات رائد الأغنية الشعبية الكردية شفان برور.
الفصل الثامن: أتراك الجبال
كما يتبين من العنوان هذا الفصل مخصص للحديث عن كردستان تركيا. يتحدثان عن معاناة الكرد والانفراج النسبي الذي أطلقه أوزال بدعوة ممثلين عن الأكراد للاجتماع به في أنقرة والإعلان عن رفع الحظر عن اللغة الكردية حيث بات الكردي لأول مرة منذ عام 1924 أن يتحدث بالكردية علانية وفي معاملاتهم مع السلطة. ويسهبان في الحديث عن ب ك ك وزعيمه أوجلان الذي “مثل كل “المناضلين” يعمد إلى المبالغة فيصرّح أنه قائد لعشرين مليون كردي في تركيا، رغم أن العدد الإجمالي للأكراد هناك لا يتجاوز الإثني عشر مليوناً كأقصى حد والأغلبية تعارض خطه الشيوعي المتشدد […] ومثل معظم الشيوعيين، يعتقد أوج آلان بأنه هو وحزبه فقط يمتلكان الحقيقة، فبالنسبة له البرزاني عميلٌ تركي، والطالباني أداةٌ بيد العراق”
الفصل التاسع: جريمة في فيينا
في القسم الأول من هذا الفصل يتحدث المؤلفان عن جريمة اغتيال الشهيد عبدالرحمن قاسملو ورفاقه في فيينا. عن ملابسات الجريمة وعن وضع كردستان في ذلك الوقت. وفي القسم الثاني يسهبان في الحديث عن زعيم كردي آخر من كردستان إيران ألا وهو سمكو آغا الشكاكي وفي القسم الأخير من هذا الفصل يتحدث المؤلفان في عجالة عن وضع الكرد في سوريا وسياسات البعث ومشروع محمد طلب هلال العنصري السيء الصيت. ولكنهما يقولان إنه ” رغم كل الإجراءات تبقى الجزيرة وعاصمتها القامشلي كردية الصفات وبشكل جلي.”ص197 وعن مظاهرة نوروز أمام القصر الجمهوري 1986 التي استشهد فيها الشهيد محمد أمين آدي وعن رعاية النظام السوري لحزب العمال الكردستاني وفي أقل من صفحة يتحدثان عن وضع الكرد في الاتحاد السوفيتي السابق.
الفصل العاشر: الأمة والقبيلة
نقرأ في بداية الفصل العاشر ما يلي: إن الأكراد شعب مولع بالجدل والخصام. ويشير تاريخهم القديم والحديث إلى حقيقة مفادها أن الاتحاد قوة ويعبّر عن ذلك المثل الكردي القائل “يد واحدة تغسل الأخرى، والاثنتان تغسلان الوجه”، وأن الانقسام يحطم التطلعات القومية”ص201
يتحدثان بالتفصيل عن الأنفال وعن طبيعة كردستان القارية وعن الصراعات الداخلية التي شهدتها الأحزاب الكردستانية ثم ينتقلان إلى الحديث عن جريدة كردستان التي صدرت لأول مرة في القاهرة في عام 1898 والتركيبة الدينية للأكراد ثم يتحدثان عن أزمة القيادة لدى الأكراد ولئن كان ” الملا مصطفى بطلاً كردياً اسطورياً، لكنه لم يكن دبلوماسياً ولا حتى سياساً جيداً […] لقد فهم ملا مصطفى الأساليب السياسية القبلية، ولكن ليس التفاعل بين الشخصيات ومصالحها والتي هيمنت على سير الأمور في بغداد، ولم يحاول تأليب جماعة ضد أخرى وذلك بالتودد إلى الجيش أو استغلال ضعف حزب البعث. لقد كان قائداً ذو أساليب بالية، وكان [شعاره] كل شيء أو لا شيء على الاطلاق فانتهى دون أن يحقق شيئاً.” ص 215-2016
ويختتمان الكتاب بالفقرة التالية:
بعد أيام من موت ستالين، سافر المنفي ملا مصطفى-الذي عمل خلال فترة منفاه في مزرعة للفواكه- إلى موسكو فذهب إلى مكتب استعلامات الكرملين، وطرق بشدة على الباب وعندما سأله أحد الحراس عم يريد؟
أجاب البرزاني:
“لست أنا من يطرق، إنها الثورة الكردية تطرق على باب الكرملين”
لا يزال الأكراد يطرقون على الباب، ولكن طرقهم الآن أقوى وأعلى.
مناسبة هذا العرض المتأخر للكتاب هو أن طبعة ثانية جديدة ومنقحة صدرت عن دار آداب تركيا قياس 16×24 وتقع في 393 صفحة وستشارك به في معرض الكتاب في دبي.