31 آذار مارس هي ذكرى إعدام سيد الشهداء قاضي محمد .
أبحث في دفاتر التاريخ ووثائق التراث لأحلل أسباب انهيار الجمهورية التي أنشأها قاضي محمد في مهاباد وكالعادة أبدو جاهزا لجلد الذات الكردية وتحميل الكرد كامل المسؤولية عن فشل تلك الجمهورية لكنني أتفاجأ بحقائق أخرى .
أتفاجأ بحجم التنظيم الذي أسسه الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني وقتها وقد استنتجت بعد بحث طويل أن ذلك التنظيم هو ما أسست عليه الحركات الكردية فيما بعد منظومتها النفسية وشكلها التنظيمي بما فيها الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي وحزب العمال الكردستاني والتفرعات الأخرى للأحزاب الكردية و بالمختصر فإن شكل ذلك التنظيم كان يعتمد على ما يلي :
الإهتمام بالمرأة
أولت الجمهورية اهتماما كبيرا بالمرأة وأشركتها في جميع تشكيلات الدولة بما فيها التشكيلات الأمنية و العسكرية وكانت تلك خطوة رائدة في شرق أوسط منغلق وقتها فيما يتعلق بالمرأة خاصة لدى المجتمع الكردي نفسه وكان ذلك ثورة في عالم حقوق المرأة و منطلقا لدخول النساء إلى قوات البيشمركة والكريلا فيما بعد .
الإهتمام بالفنون والثقافات الحديثة
تم إنشاء أول مسرح كردي في عهد تلك الجمهورية و تطور المسرح الكردي بشكل مذهل وتم جلب آلة سينمائية متنقلة بين المدن والقرى لتعريف الناس بالحقوق الكردية وأهمية التعليم وتطوير وتحديث المجتمع من جميع النواحي وتم اعتماد أول نشيد كردي ما زال نشيدا لجميع الأطراف الكردية حتى الآن ولا نستغرب ذلك من مثقف مثل قاضي محمد كان يتقن الكردية والعربية والتركية والفارسية والفرنسية والإنجليزية والروسية ما جعله مطلعا على جميع ثقافات العالم .
الإهتمام الشديد بالتعليم
كانت لدى قاضي محمد قناعة راسخة بأن المجتمع الكردي لن يتطور ما لم يتعلم وما لم تتواجد فيه أجيال تتقن جميع الإختصاصات التعليمية لتطوير المجتمع ودفع عجلته إلى الأمام وبعد انهيار الجمهورية سار الملا مصطفى البرزاني على نفس النهج وبدأ بإرسال الشباب إلى الخارج ليدرسوا مختلف الإختصاصات ويكملوا تعليمهم حتى مستوى الدراسات العليا وقد تخرجت على إثر ذلك نخبة من المتعلمين والأكاديميين والدكاترة كانوا دعامة لتطوير إقليم كردستان بعد حصوله على الحكم الذاتي فيما بعد وهنا ننوه بالفاجعة التي تحدث حاليا في روجآفا من تضييق على طبقة المتعلمين أو تهجيرهم واعتماد الإدارة الذاتية على النخب الجاهلة داخل المجتمع وهو ما ينذر بكارثة على المدى البعيد .
الشكل المدني للحكم
استفادت جمهورية مهاباد من تجارب الثورات الكردية السابقة ورغم وجود نخب من رجال الدين والبرجوازية الكردية داخل نظام الحكم إلا أن الحكم كان مدنيا اشتراكيا وهو ما جعل الإقطاعيين الكرد يتخوفون من تبديد ثرواتهم وتوزيع أراضيهم على الفقراء والفلاحين وهو ما لم يكتمل نظرا لقصر عمر الجمهورية ( 11 شهرا ) وعلى العموم فقد كان شكل الحكم مدنيا يعتمد أفضل القوانين الحديثة ويحكم بالعدل والقانون خاصة إذا علمنا أن رأس الجمهورية نفسه كان قاضيا وحقوقيا في إيران قبل القيام بثورته .
الواقعية في الطرح حول دولة كردستان
حقيقة وخلافا لما يعتقده الكثيرون فإن مطالب قاضي محمد وطرحه لم يكن الإستقلال بكردستان بل كان يطرح نموذجا للحكم الذاتي داخل إيران خاصا بالمناطق الكردية ومنفصلة عن جمهورية أذربيجان التي أنشأت بالتزامن مع جمهورية مهاباد وفشلت المحاولة في كلا التجربتين ما يدل أن الطرح كان واقعيا يتماشى مع ظرف المرحلة ولا يعتمد أساليب الطرح العنيدة التي اعتمدتها الثورات السابقة بدءا بثورة عبيد الله النهري وانتهاءا بثورة الشيخ سعيد بيران .
الإنتاج الذاتي
كان لدى قاضي محمد قناعة تامة أن المجتمع الذي لا يأكل من عمل يده ليس مجتمعا حرا ولذلك اهتم بتطوير الزراعة والصناعة وتم اعتماد علم للجمهورية عليه صورة شمس في قلبه كرمز للنور والعطاء وصورة سنبلة قمح وقلم في تمازج جميل بين ثنائية التعليم والإنتاج الذاتي . في المحصلة يجب أن نعلم أن أسباب الإستمرارية كلها كانت موجودة لتلك الجمهورية الوليدة لولا تدخل القوى الإستعمارية وقتها فسوى بعض الأسباب البسيطة التي تشكو منها كل المجتمعات لم تكن هناك أسباب ذاتية لانهيار تلك الجمهورية و إلا فإن وضع الجمهورية كان أفضل من كل مجتمعات الشرق الأوسط في ذلك الوقت وعلى العموم فإن الدول الإستعمارية لم تكن تبني وتهدم الدول على أساس قوتها الذاتية من عدمها وإلا لما أنشأت دولا مثل الصومال وموريتانيا تشكو المجاعة منذ ولادتها وحتى الآن ولما أنشأت حديثا دولة مثل جنوب السودان ليست فيها أية مقومات للدولة ولا تقارن بوضع كردستان لا قديما ولا حديثا .
الدولة انهارت بسبب العامل الخارجي حيث كانت إيران محتلة في بعض أجزائها من بريطانيا والإتحاد السوفيتي ولأن جمهورية مهاباد كانت مدعومة من الإتحاد السوفيتي فقد تقرب ساسة إيران من بريطانيا التي ضغطت بدورها على روسيا لإنهاء هذه الجمهورية وعلى العموم فإن كل الداء الكردي تحمل بريطانيا جزءا من أسبابه منذ الثورات الأولى التي ساعدت بريطانيا أتاتورك في قمعها ومن ثم أتت تقسيمات سايكس بيكو التي لم تعط للكرد حتى اعترافا بوجودهم كبشر وبالمقابل دعمت بريطانيا كل التشكيلات الدينية المتطرفة في المنطقة منذ العشرينات حتى أصبحت اليوم غولا تلتهم الشعوب وتدوس على الناس بالشاحنات على مفارق الطرقات . أعدمت إيران قاضي محمد في ساحة جارجرا وهي نفس الساحة التي أعلن منها قاضي محمد جمهوريته ومنذ ذلك الوقت وتنتهج جمهورية المشانق ثقافة الإعدامات بحق الشباب الكرد وشاباتهم لكن الجذور التي ثبتتها مهاباد ترعرعت في الوجدان الكردي وأينعت فمهاباد أول جمهورية وأول علم وأول نشيد .