بعد قيام القيادة الكوردستانية في إقليم كوردستان/العراق بإجراء استفتاء شعبي بمشاركة الكورد والعرب والمسيحيين وباقي المكونات ارتفعت أصوات شوفينية تلقي باتهامات باطلة لا أساس لها, إحدى هذه الأباطيل تقول بأن كوردستان ستكون إسرائيل ثانية, وهي من جملة الأكاذيب التي يتفوه بها من لا يجد للحق طريقاً وللعدالة سبيلاً, الذين يريدون أن يبقى الكورد وغيرهم عبيد لهم ولسادتهم يستعبدونهم ويقمعونهم ويظلمونهم متى شاؤو وكيفما شاؤو دون رقيب ولا حسيب, كسادة الجاهلية من أبي جهل وأبي لهب وغيرهم, فهذه العقلية لا تختلف عن تلك العقلية إلا اللهم إن سادة الجاهلية كانت فيهم نخوة نصرة المظلوم مهما كان ولكن هؤلاء حتى هذه النخوة يفتقدونها للأسف, ولو كانوا يمتلكون ذرة منها لنصروا إخوانهم الكورد ومعهم باقي المكونات في كوردستان بدل شتمهم وتشويه صورتهم وقضيتهم.
ومما ينطبق على أمثال هؤلاء: قول النبي عليه الصلاة والسلام: إذا لم تستح, فاصنع ما شئت.
قبل البدء بالرد يجب أن نذكر أن الرد هنا على الشوفينيين والعنصريين والقومجيين, وليس على الأحرار من الترك والعرب وغيرهم, فهناك كثيرون وقفوا مع الكورد وساندوهم وعلى سبيل الذكر لا الحصر , التيار السني في العراق وعلى رأسهم الشيخ الدكتور طه الدليمي المحترم, والشيخ أحمد الكبيسي والبروفيسور التركي إسماعيل بيشكجي, الرجل الذي حُكم عليه بالسجن 76 عاماً لأجل دفاعه عن حقوق الكورد, وكثير من العشائر العربية في سهل نينوى وغيرهم, واليوم 28/9/2017 أعلنت العشائر العربية السنية في الموصل في مؤتمر صحفي وقوفها إلى جانب كوردستان وكررت طلبها الانضمام إلى كوردستان وشكرت كوردستان على حسن معاملتها للعرب السنة وعلى دفاع البيشمركة عنهم وحماية مناطقهم, فلهم كل الشكر والحب والمودة مرة أخرى.
وأبدأ الآن بدحض التهمة الباطلة الموجهة للكورد وكوردستان بنقاط:
- لو تصفحنا صفحات كتب التاريخ سنجد أن أول دولة كوردية أقيمت على وجه الأرض كانت مملكة اللولو أو لولي في القرن الخامس والعشرين قبل الميلاد حسب المؤرخين, تلتها حكومة الكوتي 2282 قبل الميلاد, أما دولة إسرائيل فقد أعلن ديفد بن غوريون عن قيامها بتاريخ 14 أيار/مايو عام 1948 بنفس اليوم الذي خرجت فيه بريطانيا من فلسطين, وبحسابات الرياضيات فإن الفارق الزمني بين قيام أول دولة كوردية وإسرائيل ما يقارب 45 قرناً من الزمن, فهل كانت مملكة اللولو مشروع صهيوني إسرائيلي؟! ليتكم تعقلون؟
- وإذا تصفحنا تاريخ الكورد الحديث سنجد أن القضية الكوردية بدأت من معركة جالديران عام 1514 حينما تم تقسيم كوردستان بين العثمانيين والصفويين, وبعدها أيضاً جاء المتصوف والشاعر والمفكر الكوردي أحمدي خاني صاحب رائعة “ممو زين” وطالب بإقامة دولة كوردية تحفظ للكورد حقوقهم وتصون حريتهم وكرامتهم بحوالي عام 1690, وبحساب الرياضيات فإن الفارق الزمني بين هذه المطالب وقيام إسرائيل وسطياً أكثر من 400 عام, فهل إسرائيل هي من طلبت من العثمانيين والصفويين تقسيم كوردستان ليطالب الكورد بدولة لهم, أم أن إسرائيل هي التي طلبت من أحمدي خاني أن يطالب بحق تقرير المصير قبل أكثر من 400 عام, ولم تكن إسرائيل موجودة على وجه الأرض حينها؟
- القضية الكوردية وحق الشعوب في تقرير المصير حق مطلق, بمعنى انه كيفما كانت قياداتهم ومهما كانت فإن حقهم لا يتأثر ولا يُلغى ولا يُعارض, وهل تُلغى عدالة القضية الفلسطينية بمجرد وجود قيادات أو أحزاب تناصر وتؤيد إسرائيل مثلاً؟ (هذا إذا افترضنا أن هناك علاقات بين كوردستان وإسرائيل)
- بأي حق تشبهون أحفاد صلاح الدين وبديع الزمان وابن خالكان والدينوري ويوسف العظمة بالصهاينة وتدّعون أن دولتهم ستكون إسرائيل ثانية, يا سادة لو لم يكن للكورد فضل على العرب والمسلمين سوى إنهم انجبوا للمسلمين صلاح الدين لكفاهم أن يكون مساندة ودعم المسلمين لهم في نيل حقوقهم فرضاً وواجباً, وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان يا اخوتنا في الدين؟
- في استطلاع للرأي أُجري في كوردستان قبل فترة ونشرته الجزيرة القطرية, اختار أكثر من 80% من الكورد خيار تطبيق الشريعة الإسلامية في كوردستان (شريعة التسامح والسلام والخير والعدل والإنصاف والاعتراف بحق الآخرين في الحرية والحياة الكريمة وتقرير المصير ورفض الاستعباد), وهنا نتسائل في أي دولة عربية إذا أجريت استطلاعاً مثل هذا ستحصل على مثل هذه النتيحة؟
فبأي حق تشبهون هذا الشعب العظيم بالصهاينة؟
- الكورد يعيشون على أرضهم التاريخية وقد كانوا هنا قبل الاخوة العرب والترك وغيرهم, وتصفحوا كتب التاريخ المحققة إن أردتم التأكد, ولهم كامل الحقوق في هذه الأرض مثلهم مثل غيرهم ولم يأتوا من وراء البحار ولا من المريخ لاحتلال أراض الآخرين, فإذا أردتم الحق والعدل, فمن هو الغريب هنا ومن هو صاحب الأرض والدار وله الحق في إقامة دولته؟
- جمهورية مهاباد عام 1946 التي أقيمت في كوردستان الشرقية/كوردستان إيران, على يد الشيخ الشهيد قاضي محمد والملا (الشيخ) مصطفى بارزاني رحمهم الله, هل حينها أيضا كانت مطلب إسرائيلي, ولم تكن إسرائيل موجودة أصلاً؟
- في اتفاقية سايكس بيكو التي تقدسونها طالب الكورد بدولة وتم الإقرار بذلك في معاهدة سيفر عام 1920 ولكن فيما بعض تم هضم حقوق الكورد بسبب صفقات سياسية بين تركيا الكمالية والقوى الكبرى, فهل كانت إسرائيل حينها هي التي تدفع بالكورد لهذا وهي لم تكن أصلا موجودة؟
- إن لجوء شعب ما كالشعب الكوردي أو غيره إلى الاستقلال بطرق شرعية وقانونية وسلمية وحضارية وديمقراطية, مع مطالبته بجيرة طيبة وعلاقات طيبة والتعاون على أساس المحبة والخير والسلام هو الحق والعدل والخير, وعليه يجب الوقوف مع هذا الأمر لا ضده, وحتى لو كان وراءه من كان, فما يهمنا هي سياسة هذه الدولة وهل هي تضر بنا أم تنفع, والواضح والصريح والواقع أن كوردستان مفيدة للجميع وغير ضارة بأحد.
- إن كان البعض يتحجج برفع بعض الشبان الكورد لعلم إسرائيل فردنا عليه هو:
أولاً. صرح رئيس حكومة كوردستان أنهم ليسوا مع هذا الأمر, وأن هذه التصرفات تصرفات فردية, وبذلك يكون مثل هذا الأمر لا يمت بالصلة بالشعب الكوردي ولا الحكومة الكوردية.
ثانياً. إن كان رفع علم إسرائيل في أي بقعة أو من أي طرف يلغي عدالة قضيتهم فهناك الكثير من الفلسطينيين الذين يعترفون بإسرائيل ويرفعون علمها, فهل هذا يلغي عدالة قضيتهم؟
ثالثاً. إن كانت العلاقة مع إسرائيل تُلغي عدالة قضية أي شعب أو أمة, فهناك سفارات وقنصليات إسرائيلية في تركيا والكثير من الدول العربية, والعلم الإسرائيلي يرفرف في سماء تلك العواصم, وهناك علاقات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل, فهل هذا يلغي حقهم في العيش أحراراً وإقامة دولهم ُيبطل كل حقوقهم ويجعل كل ما يتعلق بهم باطلاً وحراماً؟
رابعاً. كثيرون يجهلون تاريخ الكورد وقضيتهم ولا يعرفون عن الكورد شيء ومن ثم يرمون الكورد بجهلهم, أتمنى أن تقرأو تاريخهم وتاريخ قضيتهم وحقهم وتتعرفوا عليهم وتعرفوا عنهم وماذا يريدون ومنهم ومن أين جاءو وبعدها احكموا عليهم, ويكون خيراً وأفضل إن سمعتم منهم لا عنهم.
لا تعتمدوا على الإعلام المسيس في الحكم على الكورد وقضيتهم, فكثيرون ينشرون الفساد ويفتننون بين الناس لسب الزيت على النار وإشعال نار الفتن بينهم, فلا تستمعوا منهم بل استمعوا للكورد واسمعوا منهم.
- حق تقرير المصير مكفول بكل القوانين الدولية والشرائع السماوية, وما دخل إسرائيل وغيرها إن أراد شعب أن يقرر مصيره؟
وكما قال أبو القاسم الشابي:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة, فلا بد أن يستجيب القدر, والكورد اليوم يريدون الحيارة والحرية والاستقلال, ويمارسون حقهم ويطبقون العدالة من دون أي تعدي على حقوق الآخرين, فهنيئاً لهم, وعلى كل حر الوقوف معهم.
- كوردستان ليست أرض عربية مع حبي واحترامي وتقديري لكل احرار وشرفاء العرب, والشعب العراقي ليس واحداً ولم يكن واحداً أبداً من بدايات تشكيل العراق وحتى الآن, وقد قرأت عن الملك فيصل الأول رحمه الله أنه قال:
“أقول وقلبي ملآن أسى, أنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد, بل توجد تكتلات بشرية خيالية خالية من أي فكرة وطنية, لا تجمع بينهم جامعة”
وقد تم الحاق كوردستان بالعراق المصطنع عنوة من قبل بريطانيا من أجل آبار النفط, ذُكر في كتاب “المفكرة الخفية لحرب الخليج” للكاتبين إريك لوران وبيار سالنجر ما يلي:
“كان العراق كياناً مصطنعاً ومن صنع وزير المستعمرات البريطانية آنذاك (تشرشل) الذي خطرت له فكرة الجمع بين حقلي نفط متباعدين بدمج فئات مختلفة من الأديان والأعراق والطوائف”
فلم تستطع الشعوب العراقية بأن تكون واحد كل هذه السنين, وقد فشلت الشراكة, ولا أمل في المستقبل في ظل حكومة طائفية تتحكم بالبلاد والعباد, وتفرق بين الناس على الهوية, وتفسد في تلك الأرض, وتظلم الكورد والعرب وقطعت أرزاق شعب كوردستان, فلم يعد بالإمكان البقاء والعيش مع حكام وسادة بغداد, فلا العقل ولا المنطق ولا الواقع يقبل بذلك!
13.العرب السنة في العراق أعربوا عن تأييدهم لاستقلال كوردستان بل وطالبوا بضم مناطقهم وانضماهم إلى كوردستان عبر وثائق ورسائل وتصريحات ومؤتمرات صحفية علنية موجودة في المواقع الإخبارية وقنوات اليوتيوب, طبعا نقصد هنا الشعب العربي السني في العراق وليس القيادات الفاسدة التي تسمى في العراق (بسنة المالكي التابع لجهة معروفة)
وكما يقال أهل مكة أدرى بشعابها: فلو رأى العرب السنة من ساكني كوردستان ومن النازحين ومن العشائر العربية في الموصل ظلماً أو فساداً من كوردستان لما صرحوا بذلك, وهذا دليل على عدالة الكورد وطيبتهم وحسن معاملتهم وصدق نواياهم في طلب السلام والخير والتعاون على البر والتقوى.
سُئل مسعود بارزاني عن هذا الأمر (أي أن إسرائيل تقف وراء حلم وحق الكورد في إقامة دولتهم) فقال: “هذا كلام سخيف وبلا معنى”
بالفعل من يحكم بالمنطق ويستند إلى الواقع والحكمة ويقرأ عن قضية الكورد وتاريخهم ويحكم على الموضوع بإنصاف وعدل وعم انحياز وبفكر مجرد من القومجية والعنصرية والشوفينية سيرى أن مثل هذه الاتهامات شيء سخيف وغير واقعي وبعيد عن العقلانية وباطلة.
بقي أن أقول: بقراءة تاريخ الكورد ستجدون أن الكورد من أطيب شعوب المنطقة وقد ضحوا بالكثير في سبيل الاخوة الكوردية العربية التركية وحتى الفارسية, وقضيتهم عادلة وحقهم (الذي لا يتعارض مع القوانين الدنيوية والشرائع السماوية) أن يكون لهم دولة أسوة بكل قوميات وشعوب المنطقة, طالما تتوفر لديهم مقومات الدولة, كونوا مع الكورد, اكسبوهم, فهم العمق الاستراتيجي للعرب وتركيا, وهم السند الحقيقي للترك والعرب في الملمات, وما فعلوه مع العرب السنة في العراق خير دليل على ذلك, التاريخ يشهد ويسجل والأيام دول, وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل, اعدلوا هو أقرب للتقوى, ولا تظلموا, والله لا يحب الظالمين.