أحمد قطو
تعريف بكتاب: حريق سينما عامودا
لكتاب من إصدارات زينا نو” JînaNû”، أبسالا، السويد.
عدد الصفحات: 82 ص، من القطع المتوسط.
الطبعة الأولى: أيلول 1987م
باللغة الكردية – الأحرف اللاتينية.
يبدأ الكتاب بسيرة ذاتية قصيرة للملا نامي( 1906-1975) كتبها الأديب و الروائي الكردي المعروف ” بافي نازي”، حيث يذكر اسم الملا الحقيقي و هو ” أحمد محمود عبدالله” من مواليد قرية ” عربه ته” القريبة من مدينة ” نصيبين” توفي والده و هو ما يزال طفلاً صغيراً و توفيت والدته و كان في العاشرة من عمره و عاش في رعاية عمته، حيث درس في قرية “تل شعير” في الجزيرة السورية عند الشيخ ” ابراهيم”، بعد ذلك أكمل دراسته عند الشيخ “أحمد الخزنوي” و أصبح ملا في قرية ” تل شعير” و تزوج من إحدى بناتها، و يذكر الكاتب الكثير من المحطات الهامة في حياة ملا نامي حيث كان على علاقة وثيقة بأعضاء من جمعية “خويبون” و صديقاً حميماً للشاعر جكرخوين و الأمير جلادت بدرخان و كان يكتب في مجلتي:” هاوار” و “روناهي” الكرديتين.
الكتاب موزّع على أقسام و فصول قصيرة لا يتجاوز الواحد منها الصفحتين و هذه الأقسام بالتسلسل:
– مقدمة القصة- أساس الحادثة-مذكرات المدير” مدير الناحية”- اليتيمان- دار السينما.
– عودة التلاميذ من منازلهم- جرس السينما- بداية الفيلم- الصراخ و العويل- محمد دقوري- وصول الإطفائية.- أصوات التكبير و قرع أجراس الكنائس- انتشال الجثث من بين أنقاض السينما.
-الذهاب نحو المقبرة- شكل القبور- من مات و من بقي حياً- تقديم العزاء لأسر الشهداء.
– زيارة المسؤولين لتعزية أهل عامودا.- محاكمة المتهمين: صاحب و عمال دار السينما.
– من هم المجرمون و المذنبون- قول الحقيقة- زيارة مسؤول كبير- توزيع المساعدات.
– حديقة الشهداء و النصب التذكاري- لقاء اليوم الأول.
و الكتاب أشبه بتقرير صحفي حول الحادثة الأليمة التي حلّت بمدينة عامودا في: 13-11-1960 و الكاتب يحاول تقصي الحقيقة فيما حدث في ذاك اليوم بكل الوسائل و السبل من خلال أحاديث الناس و تحليل كلامهم و كلام مدير الناحية أو المعلمين أو المسؤولين في تلك الأيام العصيبة، و في بداية الكتاب يوضّح الكاتب ما دفعه لتأليف هذا الكتاب و لعلّ أولى هذه الدوافع على حد قوله خوفه من ضياع هذه الحادثة بسبب تقادمها و ثانيها هي طلب أحد شباب المدينة منه تدوين هذه الحادثة و قال له من المعيب تجاهل هذه الحادثة و إهمالها.
و تبدأ قصة حريق سينما عامودا من الثورة الجزائرية عام 1954م التي أشعلها الشعب الجزائري ضد المحتل الفرنسي و التي ألهبت حماس الدول العربية التواقة إلى الحريّة، و حاولت هذه الدول مدّ يد العون لها و لا سيّما سوريا التي كانت تعيش وقتها عهد الوحدة مع مصر، و في العام 1960م و خلال حملة المساعدات التي شملت معظم المدن و القرى في سوريا، حاول الوجهاء و المثقفون في هذه المدينة القيام بهذا الواجب، و شكلوا لهذا الغرض لجنة خاصة، و في اجتماع جماهيري كبير في المدينة يقول مدير الناحية لديّ اقتراح و هو كالتالي: أن نقوم باستئجار دار سينما “شهرزاد” في أحد الأيام، و نرسل الطلاب لحضور الفيلم و المردود الذي سنحصل عليه نضيفه إلى حصيلة مساعدات أبناء المدينة، و يكلّف معلمي المدارس بأن يلزم كل واحد منهم طلابه بشراء بطاقة الدخول بمبلغ خمسة و عشرين قرشاً و كل من لا يشتري البطاقة يفصل من المدرسة، و في ظهيرة يوم الأحد المشؤوم: 13-11-1960م اجتمع مدير مدرسة “الغزالي” بطلاب مدرسته إضافة إلى طلاب مدرسة “المتنبي” و حضهم على شراء بطاقة الدخول للسينما بالمبلغ المذكور آنفاً، و دار السينما أشبه بإصطبل للحيوانات- كما يذكر المؤلف- فجدرانها من اللّبن و ملبّسة بالقماش و سقفها من القش و الخشب، و في الساعة السادسة و النصف مساءً غصّت السينما بحوالي خمسمئة طالب و عنوان الفيلم المشؤوم” جريمة منتصف الليل” و لدار السينما باب واحد و صغير حيث دخل منه الجميع و في تمام السابعة بدأ عرض الفيلم و فور ذلك صرخ أحدهم: اهربوا أيّها الأطفال، لقد شبّ الحريق في دار السينما،فانقطع عرض لقطات الفيلم و بدأت ألسنة اللهب تمتدّ إلى كل الأماكن و صرخات الاستغاثة تعلو و هرع الجميع نحو الباب الوحيد للنجاة من الموت المحتم و كان أوائل من خرج هم معلمو المدارس و عمال البلدية و أبناء مدير الناحية و من كان مقعده على مقربة من الباب استطاع الفرار و الخلاص من ألسنة النيران التي التهمت كلّ شيء، و منهم من قفز إلى النافذة العاليّة و لكن الموت كان يتربص بهم أيضاً لأن ثمة بئر غير مغطاة تقبع أسفل النافذة كمصيدة لهؤلاء الصغار، و صوت انفجار مدويّ هزّ المكان و جعل مبنى الدار يحترق بكامله- يعتقد الكاتب أنّ مرد ذلك انفجار قنبلة- و هكذا ارتفعت صرخات الاستغاثة و عويل النساء و ألسنة اللهب إلى أن احترقت الدار بكاملها و لم يتبقى منها سوى أنقاض ركام و جثث متفحمة لأجساد غضة و لا بدّ هنا أن نشير إلى العمل البطولي الذي قام به “محمد بن سعيد آغا الدقوري” الذي لم يأبه بألسنة النيران محاولاً انقاذ الطلاب و أنقذ اثني عشر طفلاً و لقى حتفه داخل السينما بسبب النيران و انهيار المبنى عليه أثناء محاولته إنقاذ ما تبقى من الطلاب داخل السينما، و هكذا تعالت أصوات التكبير من المساجد مختلطة بأصوات قرع النواقيس من الكنائس، و في صباح: 14-11-1960م، تمّ انتشال بقية الجثث من تحت الأنقاض، و رائحة شواء الأجساد الآدمية كانت تزكم الأنوف و الكثير من ذوي الضحايا لم يتعرفوا على جثث أولادهم بسبب تفحم الجثث و تقطعها و تشوهها، و توجه الجميع قبل الظهيرة نحو مقبرة المدينة ليدفنوا تلك الجثث المتفحمة في قبور فردية و أخرى جماعية.
و قد بلغ ضحايا هذا الحريق “280” شهيداً إضافة إلى الجرحى و المحترقين الذين غصت بهم مشفى مدينة القامشلي.
و خلال سرده لهذه الأحداث يورد الكثير من الأبيات الشعريّة لأحمدى خاني و ملاي جزيري و غيرهم التي تلائم كل حادثة يرويها.
و خلال تقصيه عن المسبب لهذه الحادثة الأليمة يرى بأنّ المسؤولية تقع على عاتق مدير الناحية باعتباره أكبر مسؤول في المدينة و الآمر الناهي في جميع المجالات، و قد حاول صاحب و عمال السينما بوساطة أحد الأشخاص أن يترجوه لإيقاف عرض الفيلم و متابعة عرضه في اليوم التالي بسبب سخونة و إجهاد المولد الكهربائي لكنّه لم يستجب و أصرّ على عرض الفيلم عرضاً بعد آخر و هذا ما تسبب بحريق السينما. و في هذه العجالة لم أتمكن من نقل جميع المشاهد المأساوية التي وردت في الكتاب و التي تدمي العين و القلب معاً، لذلك أدعوكم إلى قراءته لمعرفة المزيد حول هذه الفاجعة الإنسانية.