نضال محمود حاج درويش
أسفرت التنقيبات الأثرية التي تمت في مناطق كردستان إيران وجوارها عن كشف الكثير من الحصون والأبنية العائدة إلى الفترة الميدية ،أهمها ما تم اكتشافها في مواقع كودين تبه Godin Tepe وتبه نوشي جان Nuš-i Ğan وبابا جان تبه Bāba Ğan Tepe وكونيسبان Gūnespān (شرقي كردستان) وتبه اوزبكي Ozbaki (75 شمال-غرب طهران) وتل كوبا Guba (منطقة حمرين)، واولوك تبه Ulug Depe (جنوب تركمانستان) هذه المواقع وغيرها هيأت لعلماء الآثار مادة غزيرة لدراسة خصائص العمارة الميدية، إلا أن الحظ لم يحالف المنقبين حتى الآن في العثور على نصوص كتابية تلقي الضوء على تاريخ الميديين ودورهم السياسي والحضاري.
خلال القرن الثامن والسابع ق.م كانت الأبجدية الآرامية منتشرة في الشرق الأوسط ومنها ايران الحالية،[1] وقد كتبت معظم نصوص تلك الأبجدية على مواد قابلة للتلف بعكس الكتابات المسمارية التي دوّنت على مواد صلبة قارعت ظروف الطقس كالألواح الطينية أو الأحجار، ربما استخدم الميديون أيضاً اللغة الآرامية في سجلاتهم الإدارية، فلا يعقل وجود مدن محصنة قوية مذكورة في النصوص الآشورية[2] دون وجود إدارة مركزية وما يتعلق بها من نشاطات اقتصادية وإدارية تتطلب استخدام الكتابة.
يظهر عمق المشكلة التي تصادف الباحثين من خلال التنقيبات الأثرية التي أجريت حتى الآن في همدان/اكباتانا (عاصمة الميديين)، إذ لم تسفر تلك التنقيبات عن الكشف عن أية طبقات أثرية من الفترة الميدية، وما عثر عليه حتى الآن يعود بشكل أساسي إلى الفترات التي أعقبت العصر الأخميني (العصر السلوقي والبارثي والساساني).[3]
لهذا فأن الباحثين المهتمين بتاريخ الميديين يعتمدون بشكل أساسي على ما ذكره المؤرخ اليوناني المعروف هيرودوت وكذلك سجلات ملوك بابل وآشور وبشكل أقل على علم الآثار. وبسبب التناقض في المعلومات الواردة في تلك الكتابات وكذلك صعوبة التعرف وبشكل مؤكد على الآثار الميدية خارج مناطق ميديا المركزية فأن النقاش ما زال جارياً بين الباحثين بخصوص بداية ظهور الميديين في التاريخ واصولهم ودورهم السياسي والحضاري. فظهر فريقان من الباحثين، فريق يؤمن بما ذكره المؤرخ هيرودوت الذي أشار إلى وجود امبراطورية ميدية قوية امتدت من مناطق زاغروس في الشرق إلى نهر هاليس (حالياً قيزل ارماق في وسط الاناضول) في الغرب. أما الفريق الآخر فيشك في سرد ما ذكره هيرودوت وبالتالي يشك بوجود امبراطورية ميدية في التاريخ، في هذا المقال سأتجنب الكثير من التفاصيل المذكورة في الأبحاث السابقة وسأعرض وبشكل موجز تاريخ الميديين وسأناقش بشكل أساسي آراء الفريقين بخصوص وجود أو عدم وجود الإمبراطورية الميدية ودور الميديين في سقوط آشور.
لا نستطيع تحديد الموطن الأصلي للميديين بدقة قبل هجرتهم إلى مناطق شمال غرب إيران، لكن أغلب الدراسات الحديثة ترجح هجرتهم مع اقربائهم الفرس من مناطق اسيا الوسطى في النصف الثاني من الألف الثاني ق.م، ربما حوالي 1200 ق.م.[4]
وقد جلب هؤلاء المهاجرون معهم تغييرات كثيرة يمكن تتبعها من خلال السجلات الأثرية التي تتعلق بنوع الفخار واستخدام البرونز في صنع الاسلحة والأدوات الأخرى، مع الاعتماد بشكل أقل على الحديد، مع أن البداية المحتملة لوصول الميديين إلى المنطقة تزامن مع عصر الحديد، إضافة إلى ذلك دفن المهاجرون الجدد موتاهم في مقابر خاصة، بعكس الفترة التي سبقت ظهورهم والتي تميزت بدفن الموتى تحت أرضية البيوت. استقر الميديون بشكل رئيسي في ماهي دشت وإلى الشرق منها في سهول همدان. واستقر بينهم بعض القبائل الفارسية (الحكم من خلال المصادر الآشورية). ولكن الغالبية العظمى من الفرس انتقلوا نحو الجنوب إلى مناطق العيلاميين (مملكة انشان). عاش الميديون والفرس حياة شبه بدوية حتى فترة متأخرة من القرن الخامس. حيث يذكر هيرودوت بأن أربعة قبائل رئيسية من الفرس تمارس البداوة.[5] ولكن ولسوء الحظ لم يعثر حتى الآن على نصوص كتابية تلقي الضوء على تاريخ الميديين في تلك الفترة.
مع صعود دور الآشوريين في الألف الأول ق.م لازلنا نسمع أخبار أكثر عن الشعوب المجاورة والبعيدة ومن بينها شعوب زاغروس. كانت مناطق زاغروس تتمتع بأهمية كبيرة للآشوريين من الناحية الاقتصادية، حيث كانوا بحاجة ماسة إلى الخيول والمواشي والبرونز واللازورد وغيرها من الأحجار والمعادن الثمينة من مناطق زاغروس. هذا الأمر دفع الآشوريين منذ القرن التاسع ق.م للقيام بحملات منتظمة إلى مناطق زاغروس، وخاصة في الفترات التي رفض فيها الحكام المحليون دفع الضرائب للآشوريين أو أثناء مزاحمة مملكة اورارتو للآشوريين في السيطرة على مناطق كردستان إيران[6]،واستمرت تلك الحملات إلى الربع الأخير من القرن السابع عشر ق.م. ومع ذلك لم تصبح ميديا أبدا جزءا من إمبراطوريتهم،[7] فقط خلال حكم تيغلات بلاصر الثالث (744-727 ق.م) وسرجون الثاني/شروكين (721-705 ق.م) حاول الآشوريون فرض سيطرتهم المباشرة على ميديا وذلك من خلال تأسيس مدن جديدة غرب زاغروس[8] , وإعطاء أسماء آشورية لبعض المدن، وحولوا بعض المدن الميدية إلى مراكز آشورية وأضافوا إلى اسمائها لقب كار والتي تعني مركز تجاري،[9] على غرار مراكزهم التجارية القديمة في الأناضول خلال بداية الألف الثاني ق.م (مثل كاروم كانيش)، هذا الأمر يشير إلى وجود تجار ومراكز تجارية آشورية في مناطق زاغروس.
أقدم الكتابات التي تذكر الميديين تعود إلى عصر الملك الآشوري شلمنصر الثالث عند سرد أخبار الحملة التي قادها سنة 836 ق.م، والذي خلدها على ما يعرف بالمسلة السوداء والموجودة حالياً في المتحف البريطاني. حيث يذكر في اخبار هذه الحملة انه احتل ارزياش وكرخر , ومدن اخرى في بلاد الميديين وقتل الجنود ونهب الممتلكات وحرق ودمّر المدن.[10] من خلال المصادر الآشورية يبدو واضحاً أن بلاد ميديا خلال تاريخها المبكر كانت مقسمة إلى عدة دويلات ضعيفة يحكمها زعماء اطلق عليهم الآشوريون اسم بيل آلاني أي حاكم المدينة ،[11] على سبيل المثال يذكر شلمنصر الثالث (سنة 834 ق.م) تلقيه الجزية من 27 حاكم ميديا، في حين أن سرجون الثاني تلقى الجزية من 28 حاكم ميديا.[12] وآخر مرة يرد فيها ذكر بيل آلاني يعود إلى سنة 656 ق.م، حيث قام الملك آشور بانيبال بحملة ضد حاكمين ميديين تمردا ضد الآشوريين، وانتهت الحملة بالقبض عليهما ومن ثم جلبهما إلى نينوى.[13]
إلى جانب حكام المدن كانت توجد قبائل ميدية تعيش البداوة، حيث يشير الآشوريون إلى هؤلاء على أنهم “عرب شروق الشمس”، [14] وهي تسمية كان يطلقها الآشوريون على من كان يمارس نمط الحياة البدوية. وتشير النصوص الآشورية إلى أن منطقة ميديا كانت متميزة بكثافة الاستقرار سواء في القرى أو المدن، وكدليل على ذلك ما ورد في سجلات الملك الآشوري شمشي أدد الخامس (823-811 ق.م) بخصوص احدى حملاته على بلاد ميديا: ” صرت إلى أرض الميديين (كور ماتا) الذين أصيبوا بالذعر من أسلحة الإله آشور، وتخلوا عن مدنهم، وصعدوا إلى جبل وعر وطاردتهم. لقد ذبحت 2300 جندي من جنود الملك الميدي خاناسيروكا وأخذت منه 140 من سلاح الفرسان، واستوليت على كميات لا حصر لها من ممتلكاته، وهدمت ودمرت وأحرقت ساغبيتا Sagbita، مدينته الملكية ، مع 1200 مدينة اخرى من مدنه”.[15] بالتأكيد هذا النص لا يخلو من المبالغة على غرار نصوص الملوك الآشوريين الآخرين ولكنه بالرغم من ذلك يظهر طبيعة الاستيطان والاستقرار في القرى والمدن المنتشرة في المنطقة.
الأمر المثير للاهتمام هو أن النصوص الآشورية وصفت الميديين في بعض الأحيان ب “الميديين البعيدين” وكذلك “الميديين الأقوياء”، وهذا الأمر يثير الدهشة، وذلك لأن الآشوريين في العادة حاولوا تشويه سمعة أعدائهم وليس تعظيمهم.[16]
كانت تعيش في منطقة جبال زاغروس شعوب وكيانات سياسية متنوعة (انظر الشكل 1). فالإضافة إلى الميديين كانت المنطقة مأهولة أيضاً من قبل المانيين والكاشيين واللولوبيين ، وقد شكلوا دويلات منفصلة ، تقع بين آشور واورارتو. كانت تلك الشعوب، من ناحية ، تقاوم دائماً الغزوات الآشورية، ولكن من ناحية أخرى ، كانت تطلب أيضاً مساعدة الآشوريين في تسوية نزاعاتهم المحلية.[17]
الشكل 1: التوزع التقريبي للمجموعات العرقية في بداية الألف الأول
Dandamaev/Lukonin 1989, Map 3
ومع ذلك لم تتمكن تلك الشعوب ولفترة طويلة من تشكيل كيان سياسي مستقل يكون قادراً على موازنة القوة الآشورية. لكن التدخل الآشوري المتزايد والذي رافقته عمليات تدمير للمناطق الميدية وترحيل السكان والضرائب الهائلة المفروضة على السكان دفعهم إلى الوحدة السياسية لمواجهة الخطر الآشوري. ومع ذلك ، فإن تفاصيل هذه العملية لا تزال غير معروفة وذلك بسبب نقص المصادر المكتوبة.[18] ولكن يبدو من سجل الملك الآشوري اسرحدون بأن الميديين استطاعوا تنظيم أنفسهم خلال القرن السابع ق.م، حيث قام عدة زعماء ميديين بالثورة ضد الآشوريين، وكان أكثر الزعماء أهمية هو كاشتاريتي (خشاتريتا/خواخشترا) حاكم كاركاشي، حيث استطاع هذا الزعيم توحيد القبائل الميدية حوالي سنة 672 ق.م. وشكل خطرا على الآشوريين، وترد أخبار هذه الثورة في 23 نص من نصوص الفأل الآشورية.[19] استطاع كاشتاريتي تحرير القسم الأعظم من مناطق ميديا من الآشوريين.[20] وقد ساعده في ذلك المانيين والكيميريين[21] والسكيثيين.[22] خلال تلك الحروب استطاع اسرحدون تحييد بعض القبائل الميدية، ونجح في ضم السكيثيين إلى جانب آشور.[23] لكن الميديين ظلوا محتفظين باستقلالهم، حيث يرد ذكر اسم ميديا كمملكة مستقلة في الأرشيف الآشوري بعد ذلك الحدث بثلاث سنوات (669 ق.م.) ولكن امتداد المملكة لم يكن معلوماً خلال ذلك الوقت.[24] في سنة 653 ق.م قاد كاشتاريتي حملة جديدة ضد الآشوريين، لكن السكيثيين هاجموه من الخلف، وانتهت الثورة بمقتل كاشتاريتي واحتلال ميديا من قبل الاسكيثيين ولمدة 29 عاماً (653-625 ق.م).[25]
كاشتاريتي أو خشاتريتا كان على الأرجح لقباً للحاكم الميدي فرااورتيس ابن دايوكو الذي ذكره هيرودوت، حيث يظهر من خلال نقش الملك داريوس الأول/دارا في بيهستون/بيسوتون بأن هذا اللقب كان لقباً تشريفياً بعد اعتلاء العرش. حيث يذكر داريوس قيام الزعيم الميدي فرافارتيش Fravartiš (فرااورتيس في الكتابات اليونانية) بالثورة ضد داريوس سنة 522-521 ق.م وادعى هذا الزعيم بانه خشاتريتا من عائلة الملك الميدي كياكساريس.[26] يذكر هيرودوت قيام فرااورتيس بالسيطرة على بلاد فارس ومن ثم قيادته لثورة ضد الآشوريين الذين دحروه وقضوا عليه بعد فترة حكم استمرت 22 سنة. ويظهر من خلال هيرودوت بأن خشاتريتا كان لقباً للملك الميدي كياكساريس أيضاً.[27]
بعد وفاة آشور بانيبال (669-626 ق.م) ، الذي أوصل آشور خلال حكمه إلى ذروة قوتها ، اجتاحت أزمة خطيرة الإمبراطورية بأكملها. ارتبطت زعزعة الاستقرار في البلاد بقضية خلافة العرش ، فضلاً عن الوضع الاقتصادي السيئ الذي أدى إلى الفوضى.[28] هذا الأمر أتاح الفرصة للميديين وغيرهم من الشعوب للتحرر من سيطرة الآشوريين وحلفائهم،[29] وفي فترة لاحقة تمكن التحالف الميدي-الكلداني من القضاء بشكل نهائي على الإمبراطورية الآشورية، ونظرا للخلاف بين الباحثين حول دور كل من القوتين في سير الأحداث فسأورد هنا مجريات الأحداث بشيء من التفصيل: حوالي 625 ق.م ، استطاع الملك الميدي كياكساريس[30] توحيد القبائل الميدية وإعادة تنظيم الجيش الميدي على غرار القوات النظامية[31] وتمكن بذلك من تحرير ميديا من حكم السكيثيين، حلفاء الآشوريين.[32] وبعدها تمكن من اخضاع الفرس والمانيين والاورارتيين.[33]
في جنوب بلاد الرافدين استغل حاكم بابل الكلداني – نابوبولاصر هذا الوضع وتمرد في عام 627/626 ق.م. ضد الملك الآشوري سين-شر-إشكون. من أجل تعزيز موقعه ، أعلن نابوبولاصر نفسه ملكا. استغل نابوبولاصر ضعف الآشوريين وتوجه نحو الشمال لتحرير بابل من قبضة الآشوريين.[34] شاركت دول أخرى من المنطقة في هذا الصراع الدائر، حيث انضمت مصر إلى جانب الآشوريين[35] وكذلك المانيون ، حلفاء نينوى جنوب بحيرة اورميا، الذين تعرضوا للهزيمة من قبل البابليين. [36] في عام 616 استطاع الكلدانيين تحرير بابل من حكم الآشوريين وانتصروا عليهم بالقرب من كركوك ومن ثم حاولوا احتلال نينوى، لكن الآشوريين استطاعوا صدهم.[37] وفي 615 ق.م فشل البابليون في الهجوم على آشور وتعرضوا لهجمات معاكسة ارغمتهم على التراجع نحو الجنوب.
تغير الوضع في خريف عام 615 ق.م، وذلك بعد ظهور الميديين على الحدود الآشورية، حيث كان الميديون في وضع يسمح لهم بالهجوم على كركوك واحتلالها، ومن ثم سيطروا على تاربيصو وآشور. بعد هذا الانتصار عقد ملكهم كياكساريس تحالفاً مع نابوبولاصر ملك بابل[38] توج بزواج نبوخذ نصر ، ابن نابوبولاصر ، من أميتيس Amytis ، ابنة كياكساريس.[39]
لقد غير مجيئ الميديين نتيجة هذه الحملة تماماً، ففي عام 614 ق.م ، حاول الميديون حصار نينوى من جديد، لكن الدفاع الشرس والتحصينات القوية للآشوريين دفعتهم للانسحاب من أسوار المدينة. كان هدفهم التالي هو مدينة آشور، العاصمة القديمة للآشوريين. تمكن (الميديون) من الاستيلاء على المدينة وتدميرها. في عام 612 ق.م. حاصر الميديون مدينة نينوى ومن ثم تمكنوا من السيطرة عليها وقتل الملك الآشوري سين-شر-إشكون.[40] لم تنته الحرب بالاستيلاء على المدن الآشورية الرئيسية وتدميرها. لم يكن النصر كاملا ، والأكثر من ذلك ، كان الجيش الآشوري لا يزال قوياً. بعد سقوط نينوى انسحب الميديون إلى بلادهم وتوقفت الأنشطة العسكرية لمدة عامين الأمر الذي أفسح المجال للآشوريين بتنظيم صفوفهم من جديد. [41]
استؤنف القتال عام 610 ق.م.، وهذه المرة كان الآشوريون تحت إمرة آشور أُبَلط الثاني (612-608) الذي أخذ زمام المبادرة وهزم البابليين في حران. لكن هذا الانتصار لم يغير من نتيجة الحرب. بعد معركة حران بوقت قصير ، هزم الميديون آشور أُبَلط الثاني في نفس المكان.[42]
انتهى الفصل الختامي من هذه الحرب بسلسلة من المعارك بين الميديين والاورارتيين – أعداء آشور القدامى ، حيث أراد الاورارتيون الاستفادة من الوضع واستعادة قوتهم السابقة، لكن الميديين استطاعوا الانتصار عليهم مرة أخرى.[43]
منذ 607 ق.م.، حدثت العديد من المعارك بين بابل ومصر وكان ختامها معركة كركميش (605 ق.م.) التي انتهت بهزيمة المصريين مع بقايا القوات الآشورية التي كانت تحارب إلى جانبهم.[44]ختم هذا الانتصار البابلي ميزان القوى الجديد في المنطقة ، وتم تقسيم الأراضي الآشورية بين المنتصرين.[45] ولكن المصادر لا تشير بشكل واضح إلى البلاد التي خضعت للحكم الميدي المباشر[46]، ولكن يبدو من الكتابات الكلاسيكية ومجرى الأحداث بأن الميديين حكموا مناطق إيران وأرمينيا والجزء الشرقي من الأناضول وشمال بلاد الرافدين، وفي الشرق امتدت حدود ميديا إلى باكتريا (حاليا بلخ) والهند، أما البابليون فقد حكموا مناطق جنوب بلاد الرافدين وسوريا وفلسطين.[47]
تشير النظرة العامة للانهيار الآشوري إلى أن الميديين كانوا القوة الرئيسية في الصراع وأن البابليين لم يكونوا بذلك المستوى من القوة ليفرضوا سيطرتهم على المناطق الشمالية أيضاً. لكن هذه الحقيقة تبدو متناقضة مع سجل الملك نابوبولاصر الذي يميل إلى تقليص الدور الميدي ووصف الكلدان بأنهم القوة الرئيسية في التحالف البابلي- الميدي،[48] حيث يشير السجل إلى انسحاب الميديين إلى بلادهم بعد سقوط نينوى سنة 612 ق.م، بينما استمر الكلدانيون بالهجوم، حيث توجهوا نحو الشمال سنة 611 ق.م. واحتلوا نصيبين وروصابو Rusapu، ثم توجهوا بعد ذلك نحو سوريا وأعالي نهر الفرات. يبدأ ظهور الميديين من جديد عند ذكر أحداث 610 ق.م. حيث-وبحسب السجل- اتحد الجيشان الميدي والكلداني سوية وهاجموا مدينة حران حيث كان الملك الآشوري آشور أُبَلط الثاني متحصناً فيها ويدعمه المصريون، يذكر السجل توجه الجيشين معاً نحو الغرب ولكنه لا يشير إلى الميديين عند ذكر احتلال مدينة حران بعد أن تركها الملك الآشوري آشور أُبَلط، ولكن يظهر في نهاية السجل بأن الميديين كانوا مشاركين في احتلال المدينة عندما يتم ذكر انسحاب الجيشين وعودتهم إلى بلادهم. بخصوص أحداث السنة اللاحقة لا يشير السجل إطلاقاً إلى الميديين وإنما يذكر بأن آشور أُبَلط قد هاجم حران واستطاع في البداية دحر البابليين خارج المدينة ولكنه لم يستطع السيطرة على المدينة.، ثم يستمر السجل بذكر توجه نابوبولاصر – بغرض إراحة الجند-نحو الشرق، لم يتوجه نابوبولاصر نحو حران مباشرة وأنما توجه نحو الشمال ضد إزاللا وابعد من ذلك نحو اورارتو. إضافة إلى ذلك يشير نابوبولاصر في أحداث سنة 608 إلى أنه غزا المناطق الجنوبية من اورارتو.[49]
إضافة إلى السجل البابلي فأن النصوص البابلية -بحسب الباحث كورتيس- تشيرإلى أن آرابخا كانت-على الأقل منذ عهد نبوخذ نصر-تحت سيطرة بابل، وإلى أن الملك البابلي نيرجلسر Neriglissar (560-556 ق.م) أعاد تمثال إله إلى ارابخا. ويشير كورتيس كذلك الأمر إلى أربعة نصوص مسمارية تم اكتشافها في “المنزل الأحمر” في تل شيخ حمد ، كتبت تلك النصوص باللغة والكتابة الآشورية، لكنها تعود إلى السنة الثانية والخامسة من عصر نبوخذ نصر (603، 600 ق.م)، وهي تتعلق ببيع الأرض. [50] وقد عثر على ألواح مشابهة في تل حلف أيضاً، لكن الباحث يضيف أنه ليس من الضروري أن تكون المدينة تحت سيطرة البابليين،[51] ويرى الباحث باكَر أنه في ظل غياب أي أثر يشير إلى وجود بنية تحتية من العصر البابلي في كل من تل شيخ حمد وتل حلف، فأن وجود تلك الألواح لا يشير إلى الوجود البابلي في المنطقة، فربما وصلت تلك الألواح إلى الموقعين من الخارج أو ربما كتبت تحت تأثيرات شخصية لمهاجرين بابليين أو زوار خلال العقود الأخيرة من عمر الامبراطورية الآشورية،[52] ويبدو هذا الرأي معقولاً من خلال استخدام اللغة والكتابة الآشورية في كتابة تلك الألواح.
إضافة إلى ما تم ذكره وكذلك عدم التعرف على آثار ميدية في شمال بلاد الرافدين وابعد منها في الغرب دفع بعض الباحثين للتشكيك بالدور الميدي في احتلال حران وكذلك التشكيك بوجود الامبراطورية الميدية،[53] مدعين بأن الأمر لا يتعدى تشكيل كونفدرالية من الكيانات السياسية في منطقة زاغروس، تشكلت لمحاربة الإمبراطورية الآشورية ومن ثم انفرطت عقدها بعد هزيمة الآشوريين.[54]
مقابل هذا الرأي، سأورد هنا بعض الدلائل التي تشير إلى أن ما تم ذكره من قبل هيرودوت بخصوص الميديين هو الأقرب للحقيقة وأن نابوبولاصر في سجله بالغ في إبراز الدور البابلي في سقوط الإمبراطورية الآشورية على حساب الميديين.
1– أظهرت احداث الحرب في الفترة بين 615-608 ق.م أن الكلدانيين كانوا ضعفاء مقارنة بالقوة الميدية الضاربة، حيث استطاع البابليون الحفاظ على وجودهم بفضل الدعم الميدي، فعندما اندلعت ثورة ضد الملك البابلي في ربيع عام 613 ، في سوهو-وهي منطقة تقع على نهر الفرات الأوسط -امتدت لاحقاً إلى وسط وجنوب بابل، كان نابوبولاصر على وشك أن يفقد قوته لصالح الآشوريين، لكن الميديين أنقذوهم من هذا الخطر.[55] إضافة إلى ذلك يظهر من أحداث سنة 611 ق.م بأن البابليين لم يكن باستطاعتهم قيادة المعركة لوحدهم ضد الآشوريين، وأن التدخل الميدي هو الذي حسم المعركة.[56] في عام 610 ق.م.، خلال المرحلة الثانية من الحرب ، قاتلت قوات آشور الضعيفة من أجل البقاء، ولكنهم مع ذلك كانوا أقوياء بما يكفي لضرب البابليين في حران.[57] هذه المعركة أظهرت بوضوح نقاط الضعف البابلية مقابل التفوق العسكري للميديين، سواء في المناطق البعيدة عن حدودهم أو في تأمين قلب البلاد (بما في ذلك الحدود الشرقية)، الأمر الذي يشير بوضوح إلى أن الميديين كانوا منظمين ضمن إدارة مركزية قادرة على فرض سيطرتها على مناطق واسعة، وربما بشكل مشابه لوضع الأخمينيين في الشرق، خاصة وأن الأخمينيين تبنوا الكثير من مظاهر الحضارة الميدية من عمارة وملابس وتقاليد إدارية تظهر آثارها في المصطلحات الإدارية التي تم استخدامها من قبل الأخمينيين.
2-بعد الحرب على آشور ، أصبح الميديون أقوى أمة في المنطقة. وكان البابليون يدركون جيداً هذه الحقيقة، لهذا فأنهم كانوا دائماً يخشون أن يقوم الميديين بغزو بلادهم، فبادروا بإنشاء خط من التحصينات بالقرب من حدود ميديا ، يسمى ب “السور الميدي”،والذي تم ذكره بالاسم في كتابات المؤرخين الكلاسيكيين، وقد سمي بهذا الاسم لأن نبوخذ نصر بناه -على الأرجح بنهاية فترة حكمه (605-562 ق.م)- تحسباً لهجمات الميديين،[58] ولكن الميديين لم يقوموا بمهاجمة بابل أبداً ، لأنهم كانوا مهتمين أكثر بأراضي آسيا الصغرى.[59]
3- ففي “نص حلم نابوئيد”،[60] الذي يعود إلى السنة الأولى (556 ق.م.) من حكم نابوئيد- آخر ملك بابلي- يشير الملك إلى تدمير معبد إله القمر سين في مدينة حران قبل 54 عاماً من ذلك التاريخ من قبل الميديين وإلى أن الميديين كانوا يسيطرون على مدينة حران في الفترة بين 607-553 ق.م،[61] حيث يقول الملك: في السنة الأولى من حكمي الأبدي: “وقف مردوخ ، الرب العظيم ، وسين، منير السماء والأرض (هناك) ؛قال لي مردوخ: نابونيدوس ، ملك بابل ، احضر اللبن على عربتك الحربية (التي يجرها فرسك) ، (أعد) بناء إخلخل (معبد الإله سين) ودع سين ، الرب العظيم ، يأخذ مسكنه هناك ! قلت ل أنليل الآلهة مردوخ: “إن أومان ماندا (هنا: الميديون)[62] يحيطون بالمعبد الذي أمرتني (أنا) ببنائه وقوتهم المسلحة عظيمة جداً! ” لكن مردوخ قال لي: “أومان ماندا الذين تحدثت عنهم ، هم وبلدهم و (جميع) الملوك وحلفاؤهم ، سيختفون من الوجود!” (وبالفعل) عندما جاءت السنة الثالثة ، دفع (مردوخ وسين) ضدهم كورش ، ملك أنشان (المقصود هنا كورش الأخميني)، خادمه الشاب ، وقام (كورش) بتشتيت العديد من أومان ماندا بجيشه الصغير وأسر أستياجس Astyages ملك أومان ماندا وجلبه مقيداً إلى أرضه (كورش). كان هذا من فعل السيد العظيم مردوخ الذي لا يمكن تغيير أمره.[63]
بعد قراءة هذا النص هل يبدو أمراً معقولاً أن نتخيل بأن نابوئيد يمكن أن يجبر سكان بابل على التخيل بأن الميديين هم من يحتلون حران وليس البابليين؟ ما هو غرض نابوئيد في انكار حقيقة الوجود البابلي في حران؟ خاصة وأن ملوك الشرق تباهوا وبالغوا بشكل كبير في ابراز قوتهم.
4 – يذكر الملك الأخميني داريوس الأول في نقشه في بيهستون/بيسوتون بأن الساكارتيين Sagartian- وهي قبيلة ميدية- قد قاموا بثورة ضده بقيادة قائدهم ايسانتخما/ Issantaxma، الذي تم إعدامه في أربيل، وقد اعتبر هذا الأمر بالنسبة للباحث دياكونوف وغيره من الباحثين دليلاً على الوجود الميدي في أربيل والتي كانت قبل ذلك أحد المراكز الرئيسية للآشوريين ومركزاً لعبادة الإلهة عشتار.[64] إضافة إلى ذلك يشير نقش بيسوتون إلى أن اورارتو-بخلاف ما جاء في سجل نابوبولاصر- كانت خاضعة للميديين حتى سقوط المملكة الميدية على يد الأخمينيين سنة 550 ق.م، حيث يشير داريوس إلى مناطق شرق الأناضول، شمال بحيرة اورميا، أثناء الحديث عن الثورات فيها، تحت عنوان قمع التمردات في مناطق ميديا.[65] ويؤكد هذه الحقيقة أيضاً ما جاء في احاديث النبي ارميا، حيث يصف ارميا أحداث تعود إلى سنة 593 ق.م ،ويظهر من خلالها بأن اورارتو كان تابعة للميديين.[66]
5- يذكر هيرودوت (1، 74) بأن الميديين وبعد سقوط آشور بحوالي 20 سنة قد خاضوا حرباً استمرت خمس سنوات (590-585 ق.م.) ضد مملكة ليديا غربي آسيا الصغرى، وقد توقفت الحرب بين المملكتبن نتيجة حدوث كسوف الشمس الأمر الذي أحدث رعباً بين المتخاصمين، حيث اوعزوا هذا الأمر إلى غضب الآلهة، وقد توسط الملك البابلي بين المتخاصمين، وأصبح نهر هاليس (قيزيل ارماك في وسط تركيا الحالية) حداً يفصل بين المملكتين،أي أن ساحة المعارك كانت في المناطق الشمالية وأن أغلبية المناطق الواقعة شرقي تركيا الحالية كانت تحت سيطرة الميديين،[67] أضف إلى ذلك أن هذا الحدث يشير إلى عدم صحة الرأي القائل بأن التحالف الميدي قد ظهر نتيجة ظرف معين وهو محاربة آشور ومن ثم انفرط عقد هذا التحالف بعد أداء المهمة، لأننا إذا حسبنا الفترة بين سقوط آشور وانتهاء الحرب الميدية-الليدية يكون قد مضى حوالي 25 عاماً.
6- تشير المصادر الأغريقية والمصرية وكذلك التوارة إلى الأخمينيين على أنهم ميديين[68] حيث تطلق تلك المصادر على داريوس الأول لقب الملك الميدي ، وإلى الحروب بين الأخمينيين والإغريق باسم الحروب الميدية،[69] الأمر الذي يشير إلى أنه تم النظر إلى الأخمينيين على أنهم استمرار للحكم الميدي.
7- في القرن الخامس ق.م وما بعده ، كان يُنظر إلى قلب مناطق الآشوريين في الذاكرة الشعبية على أنها أرض ميدية، حيث يظهر هذا الأمر بشكل خاص من خلال كتاب زينوفون (اناباسيس) الذي يذكر خلال حديثه عن انسحاب المرتزقة اليونانيين بأنهم مروا ولمدة ستة أيام عبر الصحراء داخل ميديا.[70] وأثناء سيرهم نحو الشمال وصلوا إلى لاريس (نمرود) والتي يصفها زينوفون بأنها
مهجورة وأنها كانت فيما مضى مسكونة من قبل الميديين إلى أن تم احتلالها من قبل الفرس، ثم يضيف بأنهم وصلوا بعدها إلى ميسبلا Mespila (نينوى) التي كانت أيضاً فيما مضى مسكونة من قبل الميديين.[71] ومن خلال قراءة أبحاث كل من لاكارد ونولدكة واولسهاوزن نصل إلى حقيقة الوجود الميدي في المنطقة واستمراره إلى أن شكل الميديون مع شعوب كردستان القديمة الشعب الكردي، ومن ثم أصبح المصطلح يستخدم بالمعنى الجغرافي. حيث يؤكد نولدكه بأن أسم ميديا استمر في الاستخدام حتى نهاية العصر الساساني ،[72] ومن ثم اطلق العرب المسلمون مصطلح ماه للإشارة إلى المنطقة الغربية من ميديا، أي أن ماه هو نفس الاسم القديم ماد. [73]
أما اولسهاوزن فأنه يذكر في بحثه عدة أمثلة صريحة على هذا الأمر، سأذكر هنا فقط ما اقتبسه الباحث من كتاب العالم المسلم البيروني (توفي سنة 1048 للميلاد): سيطر الاشكانييون على العراق وعلى بلاد ماه وهي الجبال، ويقصد هنا المرتفعات الميدية.
ثم يضيف اولسهاوزن: “في الواقع أصبح استخدام مصطلح الجبال وبلد الجبل ومن ثم أيضاً عراق العجم -التسمية التي كانت تطلق على المرتفعات- تسمية شائعة ، إذا جاز التعبير ، بين العرب لوصف بلاد ميديا.” ولكن التسمية لم تكن محصورة بمنطقة المرتفعات وأنما كانت تطلق على مناطق أوسع، على سبيل المثال يذكر أبو الفداء المصطلح لوصف ميديا وكذلك أصفهان في الجنوب والراج في الشمال الشرقي. [74]
أما بخصوص الحجة المتعلقة بعدم وجود آثار للميديين خارج المناطق المركزية للميديين فيمكننا ايراد الآتي:
خلال تنقيبات السنوات الأخيرة في بعض المواقع الاورارتية مثل ايريبوني في جنوب غرب أرمينيا تم العثور على صالة ذات أعمدة تعود على الأرجح إلى نهاية القرن السابع، أي في الفترة التي قضى فيه الميديون على الإمبراطورية الآشورية وامتدادهم نحو الشمال حسب ما ذكره هيرودوت، وقد تم العثور على عمارة مشابهة في موقع آلتين تبه بالقرب من أرزنجان في كردستان تركيا وهي ربما تعود إلى نفس الفترة [75]وهي شبيهة بتلك التي تم العثور عليها في كودين تبة Godin وتبه نوشي جان (60 كم جنوب همدان) وكونيسبان Gūnespān وبابا جان (لورستان) في منطقة همدان. أضف إلى ذلك فقد تم العثور على الفخار الميدي في بعض المواقع الاورارتية مثل بستام (شمال بحيرة اورميا) وهوروم (في أرمينيا) وفي منطقة وان.[76] وفي اوزبكي تبه Ozbaki (75 شمال-غرب طهران) واولوك تبه Ulug Depe جنوب تركمانستان أيضاً تم العثور على أبينة من الفترة الميدية.[77] وباتجاه الغرب في كردستان العراق تم الكشف عن بناء من الفترة الميدية في تل كوبا Gubba في منطقة حمرين.[78] وعلى بعد حوالي 50 كم غرب مدينة السليمانية توجد مدفنان ميديان، وهما مدفن قزقابان وومدفن كور وكج (گور وكةچ) وقد قام الباحث الألماني هوبيرتوس فون كال بدراسة مفصلة للمقبرتين وأرخهما بالاستناد إلى المقارنات الفنية بنهاية الفترة الأخمينية أو ربما الفترة السلوقية.[79]
وعثرت البعثة الأثرية البولندية في تل عربيد في منطقة الخابور السورية على آثار بناء يعود إلى الفترة التي تلت العصر الآشوري مباشرة، وذلك في المجال A (التل الصغير غرب التل الرئيسي)،وقد عثر ضمن إحدى غرف البناء على قاعدة عمود، يرجح المنقب بأنه جزء من عمارة صالة الاستقبال ضمن البناء، ويعتبر هذا الأمر نادر في بلاد الرافدين وهو تقليد إيراني له مثيل في العمارة الميدية في كودين تبه ونوشي جان وبابا جان وحسانلو. ربما يشير هذا العمود بحسب المنقب على الحضور الميدي في شمال بلاد الرافدين والتأثيرات الميدية.[80]
وفي موقع تيلة هويوك Tille Höyük (100 كم شمال حران) عثر على بناء وبضمنه أعمدة على غرار الأبنية الميدية، ربما يعود ذلك البناء أيضاً إلى الميديين، لكن الباحث ستروناك في بحث عن العمارة الميدية يرفض تلك الفكرة.[81]
بقي أن نضيف بأن مسألة عدم التعرف على آثار ميدية في مناطق أبعد نحو الغرب أو في شمال بلاد الرافدين لا يشكل دليلاً على عدم وجود تلك الآثار أو عدم الحضور الميدي هناك، ولفهم الأمر بشكل أوضح سأجري هنا مقارنة بين الفترة الميدية والأخمينية في بلاد الرافدين.
إذا قسنا الفترة الزمنية التي حكم فيها كل من الميديين والأخمينيين على حدة فأن الفارق كبير جداً، حيث حكم الميديون حوال 60 عاماً في الفترة بين صعود ميديا كإمبراطورية سنة 612/608 ق.م وبين نهايتها على يد الأخمينيين سنة 550 ق.م.
بالمقابل حكم الأخمينيون حوالي 220 سنة خلال الفترة بين القضاء على الإمبراطورية الميدية سنة 550 ق.م وسقوط الإمبراطورية الأخمينية سنة 330 ق.م على يد الأسكندر الكبير. لقد ترك الفرس آثار هائلة في مدنهم الرئيسية في فارس (سوسا، برسيبوليس، وباسارجاديه) وفي اكباتانا عاصمة الميديين. أما آثار الأخمينيين خارج مدنهم الرئيسية فهي تعتبر شبه معدومة. ولعل من المفيد هنا أن استشهد بما ذكره الباحث سويني بخصوص آثار الأخمينيين والميديين في بلاد الرافدين:
إن عدم العثور على طبقة أثرية من الفترة الميدية في آشور يعود على الأرجح إلى أن آشور كانت أرضاً قاحلة خلال الحقبة الميدية، حيث أن الميديين قاموا بحرق المدن ونهبها وقتلوا السكان، أما بخصوص الفرس فيؤكد الباحث بأنه “لا يوجد بناء رئيسي واحد في كل بلاد آشور يمكن بشكل قاطع تحديده على أنه فارسي. وحتى القطع الأثرية الصغيرة ، مثل الألواح المسمارية والأختام الأسطوانية ، غير شائعة للغاية ، إن لم تكن غير موجودة. “لسوء الحظ ، لا توجد ألواح مسمارية من قلب الأراضي الآشورية مؤرخة بشكل آمن إلى العصر الأخميني. … نحن لسنا واثقين من قدرتنا على تحديد الفخار الأخميني. … في الوقت نفسه ، لا يوجد دليل على المراكز الحضرية الكبرى ، مع استثناء محتمل في أربيل ، ومن المشكوك فيه أن تكون موجودة. في حين أن هيرودت يخبرنا بأن آشور من أغنى المناطق الأخمينية وتساهم بشكل كبير في دفع الضرائب للملك. كذلك بالنسبة لبابل: يلاحظ كوهرت ، وهو أحد أكثر علماء الآثار خبرة في هذا المجال ، أن “المواد الأثرية من بابل للفترة [الفارسية] ككل ولمرحلتها الباكرة على وجه الخصوص ليست مكثفة للأسف”. ومع ذلك ، فإن فعل الاختفاء الفارسي في بابل هو لغز كامل ، لأنه لا يوجد أي مبرر على الإطلاق في رؤيتها على أنها أرض قاحلة خلال العصر المعني. على العكس من ذلك ، أصر الكتاب القدامى ، مطولاً وفي مناسبات عديدة ، على أن بابل كانت مركزاً رئيسياً ، وربما المركز الرئيسي ، للملكية الأخمينية ، خلال فترة الإمبراطورية بأكملها”.[82]
الباحث كورتيس في مقال له عن “الآثار الأخمينية في شمال العراق” يؤكد ما ذهب إليه الباحث سويني ولكنه يؤكد بأن هناك دلائل أثرية تشير إلى عدم انقطاع الاستقرار (ولو بشكل محدود) في المدن الآشورية الرئيسية نمرود ونينوى وآشور وخورسباد، ولكنه يشك بوجود دائم للميديين ومن بعدهم الأخمينيين في المنطقة. ويضيف بأن كتابات داريوس الأول لا تشير إلى جلب المواد الخام أو استخدام العمال من آشور أثناء الحديث عن أعمال البناء في سوسا، ولكن يتم الحديث عن مساهمة الآشوريين في نقل خشب الأرز من لبنان إلى بابل. ثم يذكر بأن البعثة الإيطالية قد عثرت في نيمرود/كلخو أواخر الثمانينات على آثار تعود إلى العصر الميدي-الأخميني، ولكن لم يتم نشر نتائج تلك التنقيبات.[83] طالما أنه لم يتم التثبت حتى الآن من وجود الميديين ومن بعدهم الأخمينيين في المدن الآشورية فأنه ربما استطاع قسم من الآشوريين العودة إلى مدنهم والاستقرار فيها، لكنهم كانوا تابعين إدارياً لساتراب ميديا ولا يستبعد وجود حاميات عسكرية ميدية وأخمينية في المنطقة، وإلا كيف يمكن لسترابون الغريب عن المنطقة من التعرف على اسم المدينة وتاريخها الذي كان مازال محفوراً في ذاكرة أبناء المنطقة.
بقي أن نضيف بأن التنقيبات المستقبلية سواء في مناطق ميديا المركزية أو جوارها كفيلة بإزالة الكثير من الغموض حول الميديين وتاريخهم ودورهم الحضاري، خاصة وأن السنوات الأخيرة شهدت اكتشاف المزيد من الحصون الميدية في المناطق المحيطة بهمدان/اكباتان عاصمة الميديين.
نشر البحث في العدد 12 من مجلة زين ، الصادرة عن مؤسسة زين في إقليم كردستان العراق – السليمانية .
المصادر
Almasi, Tayyebeh/Motarjem, Abbas/Mollazadeh, Kazem (2017). Tepe Yalfan: A Newly-Found Iron Age III site on the Hamedan Plain. In International Journal of the Society of Iranian Archaeologists vol. 3, No 6. 61-71.
Baker Heather D. (2012). The Neo – Babylonian Empire. In D.T. Potts (Edit.), A Companion to the Archaeology of the Ancient Near East, First Edition. Edited by Blackwell Publishing Ltd.
Boucharlat, Rémy (2020). The Citadel of Ulug Depe and the “Median Forts” in Western Iran. In Niknami, Kamal-Aldin, Hojabri, Ali (Eds.), Archaeology of Iran in the Historical Period. 403-418.
Boyce, M., A History of Zoroastrianism, Vol. II (Leiden/Köln 1982 )6-7.
Brown, St.C. (1987-1990). In Reallexikon der Assyriologie und Vorderasiatischen Archäologie 619-623.
Curtis, J. (2003). The Assyrian Heartland in the period 612-539 BC. In Lanfranchi, Giovani B./Roaf, Michael / Rollinger, Robert (Edit.). Continuity of Empire (?) Assyria, Media, Persia. (Padova) 157-167.
Curtis, J. (2005a). The Achaemenid period in Northern Iraq. In P. Briant and R. Boucharlat (eds), L’archeologie de l’empire achemenide: nouvelles recherches. Persika 6 (2005), 175-195.
Curtis, J. (2005b). Iron Age Iran and the Transition to the Achaemenid Period. In Vesta Sarkhosh Curtis and Sarah Stewart, Birth of the Persian Empire Volume I. London 112-132.
Dandamayev M. A./ Lukonin V. G. 1989. The Culture and Social Institution of Ancient Iran (Cambridge), tr. Philip L. Kohl and D. J. Dadson, Cambridge.
Dandamayev, M. and Medvedskaya, I. (2006). Media. In Encyclopaedya Iranica. (MEDIA – Encyclopaedia Iranica (iranicaonline.org).
Da Riva, Rocio (2010).Just Another Brick in the Median Wall. In ARAMAZD, Armenian Journal on Near Eastern Studies.
Degen, Julian/Rollinger, Robert (2019). How Greek the Medes were? Herodotus’ medikos logos, Athens and the transformation
of empire from symmachia to arche. In Badalkhan, Sabir, Gian Pietro Basello and Matteo de Chiara (eds.). 2019. Iranian studies in honour of Adriano V. Rossi. Napoli. 273-289.
Diakonoff, I.M. (1985). Media. In Ilya Gershevitch, the Median and Achaemenian Periods. he Cambridge History of Iran, Vol. 2,(London-New York-New Rochelle-Melbourne-Sydney).
Edzard, D. O. (2004). Gechichte Mesopotamies. Von der Sumeren bis zu Alexander dem Großen (Munich).
Frye, R. N. )1984(. The History of Ancient Iran (Munich).
Gopnik, H. (2017). The Median Confederacy. In Touraj Daryaee ed. King of the seven Climes, A History of the Ancient Iranian World (3000 BCE – 651 CE).
Herzfeld, Ernst (1968). The Persian Empire: Studies in Geography and Ethnography of the Ancient Near East, ed. Gerald Walser, Wiesbaden, 1968.
Ivantchik, Askold (2018). Scythians. In Encyclopaedia Iranica.
Klengel, H. (edit)(1989). Kulturgeschichte des Altenvorderasien. (Veröffentlichungen des Zentralinstituts für Alte Geschichte).
Koch, Heidemarie (2004). Medes and Persians. In Stöllner, Thomas / Slotta, Rainer / Vatandoust, Abdolrasool (Hg.). Persiens antike Pracht : Bergbau, Handwerk, Archäologie : Katalog der Ausstellung des Deutschen Bergbau-Museums Bochum vom 28. November 2004 bis 29.372-381.
Kolonski, Rafal / Reiche, Andrzej (2008). After the Fall of Assyria. In Dominik Bonatz, Rainer M. Czichon und F. Janoscha Kreppner (Edit.), Fundstellen Gesammelte Schriften zur Archäologie und Geschichte Altvorderasiens ad honorem Hartmut Kühne. Wiesbaden, 51-59.
Kroll, Stephan (2003). “Medes and Persians in Transcaucasia: archaeological horizons in northwestern-Iran and Transcaucasia”, in: G.B. Lanfranchi, M. Roaf, R. Rollinger, Continuity of Empire (?). Assyria, Media, Persia, (Padova 2003) 282-288.
Lanfranchi, Giovani B./Roaf, Michael / Rollinger, Robert (Edit.)(2003). Continuity of Empire (?) Assyria, Media, Persia. (Padova).
Liverani, M. 2003: ‘The rise and fall of Media’, in Lanfranchi et al. 2003, 1-12 Piotrowicz, L. 1928: Upadek Asyrji w swietle nowo odkrytej kroniki babilonskiej (Krakow) Radner, K. 2003: ‘An Assyrian view on the Medes’, in Lanfranchi et al. 2003, 37-64 Rollinger, R. 2003 : ‘The western expansion of The Median „empire”; a Re-Examination’, in Lanfranchi et al, 2003, 289-320.
Medvedskaya, I (2006). Media. In Encyclopaedia Iranica.
Naseri Reza/ Malekzadeh, Mehrdad/ Naseri, Ali (2016). Gūnespān: A Late Iron Age Site in the Median Heartland. In IranicaAntiqua, vol. LI. 103-139.
Nöldeke, Th. )1879. Geschichte des Artachsir i Papakan aus dem Pehlewi üebersetzt.
Olshausen, J.(1876). Parthava und Palilav, Mādā und Māh. Berlin.
Oppenheim, L. (1956). The Interpretation of Dreams in the Ancient Near East. With a Translation of an Assyrian Dream-Book. Transactions of the American Philosophical Society, New Series, Vol. 46, No. 3.
Radner, K. (2013). Assyria and the Medes. In D.T. Potts (ed.), The Oxford Handbook of Ancient Iran. Oxford. 442-456.
Radner, K. (2003). A Median Sanctuary at Bīt-Ištar. In In Lanfranchi, Giovani B./Roaf, Michael / Rollinger, Robert (Edit.). Continuity of Empire (?) Assyria, Media, Persia. (Padova) 119-130.
Roaf, M. (1990). Cultural atlas of Mesopotamia and the Ancient Near East. Oxford.
Robert Rollinger (2004), The Median “Empire”, the End of Urartu and Cyrus’ the Great Campaign in 547 B.C. (Nabonidus Chronicle II 16) To be published in: Proceedings of the 1st International Conference on Ancient Cultural Relations Between Iran and West Asia, Tehran.
Rollinger, R. (2003). The Western Expansion of the Median Empire: A Re-examination. In Lanfranchi, Giovani B./Roaf, Michael / Rollinger, Robert (Edit.). Continuity of Empire (?) Assyria, Media, Persia. (Padova) 289-319.
Stronach, D. )2012).“The Territorial Limits of Ancient Media: an Architectural Perspective”. In H. Baker, K. Kaniuth und A. Otto (edit.), Stories of long ago. Festschrift für Michael D. Roaf . Munich, 667-684.
Summers, G.D. (2000) .‘The Median Empire reconsidered: a view from Kerkenes Dag’. AnSt 50, 55–73.
Tulpin, C. (2004). Medes in Media, Mesopotamia, and Anatolia:
Empire, Hegemony, Domination or Illusion?. In Ancient West & East 3, 223-251.
Hubertus von Gall, Das Felsrelief von Qiyqapan. Ein Denkmal aus dem umfeld der achämenidischen Königsstraße. In: Baghdader Mitteilungen 19 (1988) 557-582.
Waters, M. (2011). Notes on the Medes and Their ‘Empire’ from Jer. 25.25 to Hdt. 1.134. In A Common Cultural Heritage: Studies on Mesopotamia and the Biblical World in Honor of Barry L. Eichler, ed. G Frame et al. (CDL Press, 2011). 243-253.
Witzel, M. (2013). Iranian Migration. InDaniel Potts (ed.) The Oxford Handbook of Ancient Iran. 422-441.
Wiseman, D.J. (1956). Chronicles of the Chaldaean kings (626-556 B.C.) in the British Museum. London.
Wójcikowski, Robert S. (2008).The Median Empire in Iran and the fall of Assyria. In Payam-e Bastanshenas (Journal of Archaeology of the Islamic Azad University of Abhar) IV/8, pp. 3-8.
- زينوفون . حملة العشرة آلاف، الحملة على فارس، ترجمها عن الإنكليزية يعقوب افرام منصور. بغداد (1965).
- تاريخ هيرودوت، ترجمة عبد الإله الملاح، مراجعة أحمد السقاف وحمد بن صراي. أبو ظبي (2001).
- كانجيك-كيرشباوم، إيفا، تاريخ الآشوريين القديم. ترجمة د. فاروق إسماعيل (2008).
[1] على سبيل المثال عثر في حيدر خان/Qalaichi (8 كم شرق مدينة بوكان بكردستان إيران) على مسلة عليها نص آرامي من 13 أسطر، يعود إلى القرن الثامن ق.م، ولكن ولسوء الحظ فان أجزاء من النص والمسلة مفقودة ، لكن القسم الباقي يحتوي على لعنات موجهة ضد أي شخص يقوم بإزالة المسلة أو العبث بها، انظر:
Curtis 2005b, 116.
[2] من بين المدن الميدية المذكورة في النصوص الآشورية مدينتا تيكراتا و كشسيم Kišessim اللتين خلد الملك الآشوري شروكين الثاني ذكرى احتلالهما على ألواح تم اكتشافها في الغرفة الثانية من قصره بخورسباد (دور-شروكين)، وقد تم التعرف على موقع كشسيم بفضل احدى مسلات الملك شروكين المكتشفة في قرية نجف آباد في قلب بلاد ميديا والتي تشير إلى الاسم القديم للموقع، ولكن لم يتم التنقيب في الموقع بعد. انظر في:
Gopnik 2017, 43; Radner 2003, 119; Radner 2013, 443.
كان حاكم كشسيم يدعى بيل شَرٌو اوصر. انظر في:
Radner 2003, 119.
[3] Stronach/Roaf 1978; Genito 2005, 329; Young/Levine 1974; Boucharlat 2020; Naseri/Malekzadeh/Naseri 2016 , 103.
[4] Dandamayev/Lukonion 1989, 45; Gopnik 2017, 40; Koch 2004, 372-373.
[5] Boyce 1982, 5.
Brown 1987-1990, 619-623; Frye 1984, 69; Tulpin 2004, 236.
[7] Diakonov 1985, 77-79; Dandamayev/Lukonin, 1989, 45; Dandamayev/Medvedskaya 2006; Wójcikowski 2008, 3-4.
[8] على سبيل المثال غير آشور ناصربال الثالث (883-859 ق.م) اسم مدينة اتليلا (حالياً تل بكراوة قرب حلبجة في كردستان العراق) إلى دور آشور، وغير سرجون الثاني وابنه سنحاريب أسماء عدة مدن من بينها مدينة كشيشلو Kišešlu إلى كار- نابو، وكشسيم إلى كار- نركال وخرخر إلى كار شروكين ووقنداو إلى كار-سين وانزاريا إلى كار أدد وبيت باكايا إلى كار ايسار ووالنزاش إلى كار سنحاريب، أما تيغلات بلاصر فقد بنى مدينة بارسو Parsua عند منباع ديالى (نهر سيروان) الشمالية الشرقية، في منطقة سنندج في أقليم كردستان الحالية في إيران ولكن لم يتم التعرف على موقع المدينة بعد، أما بيت همبان Bit-Hamban فكان يقع جنوب أقليم بارسوا. انظر في:
Radner 2013, 450-443
[9] Gopnik 2017, 43; Radner 2013, 443.
[10] Brown 1987-1990, 620; Frye 1984, 65; Boyce 1982, 6-7; Stronach 2010, 667; Gopnik 2017, 43; Witzel 2013, 234; Tulpin 2004, 232.
[11] Frye 1984, 67; Lanfranchi 2003, 92; Radner, 2003, 9; Stronach 2010, 667; Curtis 2005b,
[12] Koch 2004, 373; Gopnik 2017, 44; Witzel 2013, 234; Tulpin 2004, 232.
[13] Gopnik 2017, 53.
[14] Tulpin 2004, 232.
[15] انظر على سبيل المثال في:
Gopnik 2017, 43.
[16] على سبيل المثال شبه سرجون الثاني المانيين بالأشرار وشعوب سوريا بالكلاب وشبه روزا ملك اورارتو بإمرأة في المخاض وطائر هارب وخنزير.. وهكذا، انظر في:
Gopnik 2017, 45.
[17] Diakonov 1985, 36; Dandamayev/Lukonin 1989, 46-47,49; Radner 2003, 59-60; Dandamayev/ Medvedskaya 2006; Wójcikowski 2008, 3.
على سبيل المثال، قاد الملك اسرحدون في السنة الخامسة من حكمه (676 ق.م) حملة باتجاه مناطق ميديا استجابة لنداء ثلاثة من حكام المدن الميدية طلبت منه التدخل لحل الصراع الداخلي بين بعض الكيانات الميدية (Brown 1987-1990, 621.)، وفي نص آخر من نفس الفترة يرد ذكر قدوم حاكم ميدي (راماتايا من اوراكازابارنا) إلى نينوى وجلبه للضرائب التي شملت الخيول واللازورد وذلك سعياً منه في الحصول على دعم الآشوريين ضد زعيم ميدي آخر.انظر في:
Gopnik 2017, 48
[18] Radner 2003, 39, 62; Wójcikowski 2008.
[19] في احدى تلك النصوص يستفسر الملك اسرحدون من الإله شمش: “شمش ، أيها السيد العظيم ، أعطني إجابة حسنة صارمة على ما أطلبه منك! كاشتاريتي ، زعيم مدينة كاركاشي ، الذي كتب إلى ماميتارشو Mamitiaršu، سيد مدينة الميديين ، على النحو التالي: “دعونا نعمل معاً وننفصل عن أشور”. فهل سيستمع ماميتارشو إليه؟ هل سيمتثل؟ هل سيكون مسرورا؟ هل سيعادي اسرحدون ملك أشور هذه السنة؟”. انظر في:
Gopnik 2017, 47.
[20] Dandamayev/Medvedskaya 2006; Diakonoff 1985, 110; Dandamaev/Lukonin 1989, 52; Frey 1984, 71.
[21] Wójcikowski 2008; Koch 2004, 374; Frye 1984, 71.
الكيمريون قبائل بدوية ذات أصول هندو-اوربية، كانت تعيش شمال جبال القفقاس، في جنوب روسيا ومن ثم انتقت إلى جنوب تلك الجبال، واضطرت تحت ضغط الأسكيثيين للنزوح نحو آسيا الصغرى ، توجه الكيمريين نحو الغرب وقضوا على مملكة الفريكيين Phirigien في وسط تركيا الحالية. أول ذكر للكيمريين يعود إلى سنة 714 ق.م حيث ساعدوا الملك الآشوري سرجون الثاني في حربه ضد مملكة اورارتو. في فترة لاحقة هاجم الكيمريين المستعمرات الآشورية في كيليكيا وغيرها من المواقع فحاربهم الآشوريين وانتصروا عليهم في عهد كل من الملكين اسرحدون وآشور بانيبال. انظر في:
Frye 1984, 70.
[22] Dandamayev/Medvedskaya 2006; Brown 1987-1990 ,619-623; Dandamaev/Lukonin 1989, 52
الاسكيثيون قبائل بدوية ذات أصول إيرانية، ازدهروا في الفترة بين القرنين السابع والرابع ق.م في المناطق الواقعة شمال البحر الأسود. أقدم الدلائل على وجود الاسكيثيين تعود إلى عصر الملك الآشوري اسرحدون، (بين 679 و 677) ، الذي هزم “المانيين وحلفائهم السكيثيين بقيادة إيشباكايا ، وفي فترة لاحقة (672 ق.م.) تزوج الملك السكيثي من أبنة أسرحدون ودخل الطرفان في علاقة تحالف ضد الميديين واستطاع السكيثيين احتلال مناطق كردستان إيران إلى أن تمكن كياكساريس من طردهم سنة 625 ق.م بعد احتلال دام 28 سنة، وفي أواخر القرن السابع وصل السكيثيون في غزواتهم إلى حدود مصر ونهبوا عدة مدن في فلسطين ودحروا الكيميريين .انظر بالتفصيل في:
Ivantchik 2018; Frye 1984, 70-71.
[23] Ivantchik 2018; Koch 2004,374; Diakonov 1961, 50; Frye 1984, 71.
[24] Dandamayev/Medvedskaya 2006; Diakonoff 1985, 110; Dandamaev/Lukonin 1989, 52; Wójcikowski 2008,3.
[25] Koch 2004, 374; Dandamaev/Lukonin 1989, 52.
[26] Dandamayev/Medvedskaya 2006; Diakonoff 1985, 110.
[27] هيرودوت ص 80.
[28] Zawadzki 1996, 11; Johannes 2007, 32-33.
كانجيك-كيرشباوم 2008، 97-100.
[29] Zawadzki 1996, 11.
[30] يرد ذكره في السجل البابلي بصيغة اوماكيشتار. انظر في:
Gopking 2017, 48.
[31] يذكر هيرودوت بأن كياكساريس قام بتنظيم الجيش وفقاً لنوع الأسلحة التي يستخدمها الجنود ، وبالتالي تشكيل مجموعات من الرماة والنبالة والفرسان ، وكان لكل من هذه المجموعات مكانها المنفصل في تسيير المعركة. قبل حكمه كان الجميع يقاتلون معاً كمجموعة واحدة. انظر في: هيرودوت ص 80.
[32]Dandamaev/Lukonin 1989,55; Koch 2004, 374.
ظلت المملكة الاسكيثية محتفظة باستقلالها في أذربيجان إلى أن تم القضاء عليها من قبل كياكساريس سنة 590 ق.م. انظر في:
Diakonoff 1985, 125.
[33] Koch 2004, 374.
[34] Pietraszewski 1924, 42; Diakonov 1961, 54; Godard 1962, 103-104; Frye 1984, 75; Zawadzki 1996, 11; Joannes 2007, 33, 85.
[35] Zawadzki 1996,23-25.
[36] Dandamaev/Lukonin 1989, 54.
[37] Dandamaev/Lukonin 1989, 54; Roaf 1990, 198.
[38] Dandamayev/Medvedskaya 2006; Brown 1987-1990, 620-623; Wiseman 1956, 15-20; Roaf 1990, 198; Frye 1984, 75-76.
[39] Frye 1984, 81; Dandamayev/Lukonin 1989, 55; Dandamayev/Medvedskaya 2006;
[40] Diakonofff 1985, 122-123; Dandamayev/Lukonion 1989, 57; Dandamayev/Medvedskaya 2006; Wójcikowski 2008, 4-6; Koch 2004, 374; Roaf 1990, 198; Frye 1984, 76.
كانجيك-كيرشباوم 2008، 98.
[41] Dandamayev/Luknion 1989, 57; Liverani 2003, 12; Raede 2003, 151-152; Rollinger 2003, 291-292; Dandamayev/Medvedskaya 2006.
[42] Frye 1965, 73; Frye 1984, 73; Dandamayev/Luknion 1989, 57; Liverani 2003, 12; Raede 2003, 151-152; Rollinger 2003, 291-292; Dandamayev/Medvedskaya 2006; Joannes 2007, 33-34, 85.
[43] شكل الاورارتيون خطراً حقيقياً على الميديين في النصف الأول من القرن السابع واستمرو في النشاطات العسكرية في المناطق الشرقية واختراق المناطق الإيرانية. وفي منتصف القرن نفسه ، تم تدمير جميع القلاع في الأطراف الشرقية من سيطرة اورارتو بالنيران أو تم التخلي عنها. وفي نهاية حكم الملك الاورارتي روسا الثاني (685-645/639 ق.م) تعرضت مدينة بَسطام المدينة التي بناها الملك شمال بحيرة اورمية إلى النهب والتدمير، هذا الأمر ربما يعود إلى صعود الميديين لأنهم كانوا القوة الوحيدة التي كانت قادرة على هزيمة اوراراتو في المنطقة في ذلك الوقت (Dandamayev/Medvedskaya 2006)، ربما سيطر الميديون في ذلك الوقت على جزء من ممتلكات اورارتو، حيث يعتقد دياكونوف بأن اورارتو خضعت للميددين حوالي سنة 609 ق.م، بينما يشير باحثين آخرين إلى أن نهاية مملكة اورارتو كانت حوالي 590 ق.م وذلك خلال حروب الملك الميدي كياكساريس ضد ليديا. انظر في:
Roaf 1990, 202; Frye 1984, 72.
[44] Dandamayev/Lukonin 1989, 59; Roaf 1990, 198; Frye 1984, 76.
[45] Diakonov 1961, 55; Frye 1984, 76; Dandamayev/Lukonin 1989, 58.
[46] Tuplin 2004, 234.
[47] انظر على سبيل المثال في:
Klengel 1989, 349; Herzfeld 1968
[48] Wójcikowsk 2008, 5-6.
[49] Wiseman 1956.
[50] Curtis 2005a, 1: Curtis 2003, 163.
[51] Curtis 2005a, 1: Curtis 2003, 163.
[52] Baker 2012, 928.
[53] انظر في الكتاب المشترك الذي نشره
Lanfranchi, Giovani B./Roaf, Michael/Rollinger, Robert (Edit.) 2003.
[54] Degen/Rollinger 2019, 273.
[55] Dandamayev/Medvedskaya 2006; Dandamaev/Lukonin 1989, 55.
[56] Wiseman 1956, 18.
[57] Wójcikowski 2008, 6-5.
[58] Diakonow 1961, 56-57; Frye 1965, 73; Collins 1974, 20; Diakonov 1985, 126; Frye 1988, 82; Liverani 2003, 7-8; Rollinger 2003, 305-316; Dandamayev/Medvedskaya 2006; Roaf 1990, 198.
تم بناء السور الميدي شمال مدينة بابل القديمة، وذلك خلال الجزء الأخير من عهد نبوخذ نصر الثاني (605-562 ق.م)، ذكر هذا السور من قبل عدة مؤرخين رومان وأغريق مثل هيرودوت وسترابون واريان وبليني واميانوس مارسيلينيوس وغيرهم. يذكر اكسينيفون/زينوفون في كتابه أناباسيس أن الجدار كان موجوداً في عام 401 ق.م ، وكان مبنياً من الآجر والقار وبحسب وصفه بلغ عرض السور حوالي 6.1 متراً وارتفاعه 30 متراً وطوله حوالي 110 كيلومترات. وقد ورد أخبار بناء سور دفاعي لحماية بابل في كتابات نبوخذ نصر أيضاً، ولو أنه لم يذكر الميديين بالاسم. في الثمانينيات من القرن الماضي ، بدأ فريق من علماء الآثار البريطانيين والبلجيكيين حفر خندق يبلغ طوله حوالي 15 كيلومتراً يتوافق مع بقايا جدار قديم في منطقة تبعد حوالي 30 كيلومتراً جنوب-جنوب غربي بغداد. ويعتقد الكثيرون أنها تتوافق مع الجدار الميدي الذي بناه نبوخذ نصر. بالنسبة إلى القرويين المحليين على طرفي الجدار ، يُعرف اليوم باسم حبل السهر (“سلسلة الحجارة”) ، انظر بالتفصيل في:
Da Riva 2010,17.
زينفون، 110.
[59] Wójcikowski 2008, 7
[60] كتب النص على اسطوانة من الطين، عثر عليها في مدينة سيبار (حالياً أبو حبة، 60 كم شمال بابل).
Pietraszewski 1924, 53-55; Diakonow 1961, 55; Frye 1965, 69; Zawadzki 1988, 66-67; Dandamayev/ Lukonin 1989, 55-56; Dandamayev/Grantovskif; Dandamayev/Medvedskaya 2006.
[61] Diakonoff 1985, 125.
[62] كان مصطلح أومان ماندا مصطلحاً ازدرائياً، استخدم لوصف شعوب مختلفة أقل تحضراً كالكيمريين والسكيثيين والميديين وغيرهم. ليس هناك شك في أن المصطلح في هذين النصين استخدم للإشارة إلى الميديين. استخدم هذا الوصف نوعا ما لغاية الدعاية ، حيث وصف حلفاء البابليين على أنهم قبائل بربرية، انظر في:
Dandamayev/Lukonin 1989, 55-56; Dandamayev/Medvedskaya 2006. Wójcikowski 2008, 5; Frye 1984, 70.
[63] انظر في:
Oppenheim 1956, 250; Rollinger 2003, 297-300.
يشير الملك الأخميني كورش في نصه الموجود على ما يعرف ب “اسطوانة كورش” إلى أن مردوخ أخضع له الميديين وبلاد الكوتيين، أحد أقدم شعوب كردستان القديمة، وقد ساهم أحد الحكام الكوتيين واسمه Ugbaru في حملة كورش على مدينة بابل سنة 539 ق.م. انظر، على سبيل المثال في:
Tulpin 2004, 235.
[64] Diakonoff 1985, 125; Curtis 2005a, 1.
[65] انظر على سبيل المثال في:
Rollinger 2004, 14
[66] Diakonof 1985, 125.
[67] Curtis 2003, 166; Roaf 1990, 198.
[68] Dandamayev/Medvedskaya 2006.
[69] Tuplin 2004, 231.
[70] Dandamayev/Medvedskaya 2006; Dandamaev/Lukonin 1989, 58;
زينوفون، 113.
[71] زينوفون، 155.
Curtis 2005a, 10.
[72] هذا الرأي أورده نولدكه في دراسته لما يعرف ب كارنامه كي ئةرتةخشيري بابه كان Kār-Nāmag Ī Artachšīr ī Pāpakān التي كتبت باللغة البهلوية، وهي تبحث في سيرة الملك الساساني أردشير الأول (180-242 للميلاد)، وفيها يظهر أيضاً وبشكل صريح الصلة التي تربط الكرد بالميديين والتي أكد عليها المستشرق الروسي مينورسكي في أكثر من بحث، منها كتابه دراسات في تاريخ القفقاس (Studies in Caucasian History) الذي صدر سنة 1953 (الصفحات 125-126).
في سيرة أردشير يرد ما يلي:
جمع أردشير جيش ضخم وتوجه لقتال الملك الكردي الميدي ماديك، وحدثت معركة حامية الوطيس وسالت الكثير من الدماء وانهزم اردشير. ثم جمع أردشير 4000 فارس وباغث الميديين في الليل وقتل ألف من الكرد، وجرح وأسر الآخرين، وبعثهم إلى فارس من بينهم أبناء الملك وأخوانه وأحفاده. انظر:
Nöldeke 1879, 48-49, 6 والهامش رقم.
[74] Olshausen 1876, 46-47.
[75] Kroll 2003, 283, 286, Fig.1.
[76] Kroll 2003, 283, 286, Fig.1.
[77] Almasi/Motarjem/Mallazadeh 2017; Gopnik 2017, 52.
[78] Roaf 1990, 203.
[79] نشر الباحث دراسة مفصلة عن المقبرتين باللغة الألمانية سنة 1988 تحت عنوان “قبر قزقابان الصخري. نصب من محيط الطريق الملكي الأخميني”، وقد تم نشر ترجمتي للمقال باللغة العربية مع إضافة تعليقات في كتابي “دراسات في آثار ميديا وبلاد الرافدين العليا” الذي صدر عن دار الزمان سنة 2020.
[80] Kolonski/Reiche 2008, 5152.
[81] Stronach 2012
[82] Sweeney 2008, 172-173.
[83] Curtis 2005a, 5-6.