أتيه بك: نمطية الكتابة الشعرية

شارك هذا المقال:

مدخل:

عوالم الكتابة من (شعر، سرد ورواية) مرايا تعكس الكينونة والأحلام البشرية وتعبّر عما يدور في هذه الكينونة من مشاعر وأحاسيس، إذ تُترجم وتُصاغ إلى كلمات تصف تلك الكينونة والأحلام. وهنا تكمن أهمية الكلمة ووقعها على من يقرؤها، فبإمكان المرء أن يتيه مع الكاتب/ة في عالمه ويعود بجرعة تفاؤل، تحثّه على المضي قدماً في تلك القراءة أو أن يرمي الكتاب جانباً؛ لأنه لم يجد ما يتوافق مع ذهنه.

إن الشعر بالكاد يجد له حيزاً في هذا الفضاء المزدحم بالرواية والصورة، كما أن الرواية قد طغت على فضاء الأدب، وأشدّد على الرواية التي أخذت حصة الأسد واستحوذت على اهتمام القراء. لذا حين نلاحظ الاهتمام بالشعر قد قلَّ في التلقي فذلك يرجع إلى أسباب كثيرة. وهنا يتجه اختياري إلى ديوان الشاعرة هيفين حسو (أتيه بك) الصادر عن دار آفا للنشر، الطبعة الأولى، (2021) وهو الديوان الأول للشاعرة باللغة العربية إضافةً إلى ديوان آخر باللغة الكردية. الديوان يتألف من (66) قصيدة تتفاوت بين الومضة والقصيدة المتوسطة.

1ـ تفسير العنوان:

إنَّ الشاعرة “هيفين حسو” فضلت أخْذَ عنوان قصيدة من الكتاب وعنونت به ديوانها. والعنوان يخبرنا بطريقة ما عن الحب المجنون بين حبيبين ومدى التعلق بينهما لدرجة أن العاشقة تحب هذا التيه الذي يلائم رغبتها. إذا قمنا بتحليل العنوان فهو ينطوي على معنيين، المنظور الأول هو التيه مع الحبيب، أي الضياع معه في عالم لازوردي إذ يتماهان معاً في عشق أسطوري. أما إذا قرأنا العنوان من منظور آخر (أتيه بك) فيُترجم بما معناه: أتيه في عالمك، في تضاريسك وفي أدق تفاصيلك وأعشقها. من وجهة نظري أرى العنوان مناسباً جداً للقصيدة، لأنها وأعني هنا أن القصيدة مهمة وعنوانها ملائم لكي تعنون الشاعرة بها ديوانها، فالعنوان يعكس المناخ العام للنصوص وهو مغر، يدفع القارئ إلى الرغبة في قراءة الديوان وتفجير الكثير من الأسئلة حوله.

أتيه بك

أتيه بك

وبأحرفي الحارقة

أبعثر ولوج اشتياقي بينها

أخيط أحلامنا قطبة قطبة بين جبالك…(34).

أما بالنسبة لعناوين القصائد عموماً فأعتقد أن الشاعرة لم تجهد نفسها في اختيار عنوان عميق لغالبية النصوص، فعناوين النصوص مستلّةٌ من بداية القصيدة أو من السطر الأول للنص من دون جهد في البحث عن عنوان شامل للنص بوصفه وحدة نصية متماسكة؟ والسؤال الذي يطرح نفسه ههنا. العنوان عادة يأتي بشكل عام ليشمل محتوى القصيدة ويعمل على الإحاطة بها من كل الجوانب وليس سطراً من القصيدة وكأن الشاعرة كانت على عُجالة من أمرها الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على العناوين التي جاءت غير مميزة أو بعيدة عن الغرائبية. على سبيل المثال العناوين التالية: (حين أتمرد، الساعة العالقة على الحائط، يدور بي، إن أردت… إلخ).

2 ـ الصورة الشعرية:

تشكّل الصور الشعرية بالنسبة للقصيدة منزلة النجوم التي تزين فضاء السماء، فدونها لا يمكن أن نحكم على النص بأنه قصيدة شعرية لأن ثراء النص وشعريته مرهونان بالصور الشعرية ذاتها حيث إنّ وجود الاستعارات والانزياحات في النّص إضافة إلى وجود المفاجآت التركيبية والخطاب المبهم المنحاز إلى الغموض والبعيد عن توقعات المتلقي، كل ذلك يشكل تضاريس الصورة الشعرية ويبعث اللذة في كيانه ويجعله يحلق في فضاء النص. وخلاف ذلك حين يقرأ المرء نصوص الشاعرة هيفين حسو يشعر بلغة اعتيادية ليست بعيدة عن لغة التداول اليومي؛ فهي لم تبتعد عن اللغة اليومية التي يستخدمها القارئ في حياته. وهنا لا بد من الاستشهاد بنص من نصوص الديوان:

الملل
يغريني الملل الرتيب

فأمضي خلفه بفضول

نمضي بعيداً كقراصنة مغامرين

علنا نعثر على عالم لم يكتشف بعد(36)

وبقراءة النص نرى أنه لم تستطع الشاعرة الإتيان بلغة شعرية مدهشة تستميل القارئ إلى النصوص، فمنطق الشعر لا يشبه المنطق المعتاد، هذا المنطق يستهدف اللغة الاعتيادية ويسحقها ليأتي بخطاب متناقض بعيد عن المنطق المتعارف عليه؛ لأن الشعر قائم على سمة جوهرية وهي اللامعقول والمدهش. ويبدو أن الشاعرة لم تخرج عن المألوف من خلال نصوصها ولم تخلق صوراً جديدةً بل كانت الصور تكراراً لما عهدناه من الصور النمطية في الذاكرة الثقافية.

3 ـ رؤى مختلفة:

الشاعرة ابنة بيئتها فمن خلال قراءتي للنصوص بين دفتي الكتاب لاحظت أن المجموعة تتميز بغزارة المواضيع حيث تناولت الشاعرة الواقع المعاش بمجمله وحولته إلى نصوص شعرية، هذا الواقع الذي أثّر في شخصية كل فرد من الشعب الكردي الذي عانى من التهجير والقتل والتشرذم وقد انعكس هذا الواقع مؤخراً في عفرين مدينة الشاعرة التي لم توفر جهداً لتترجم كل أحاسيسها نصوصاً تناجي بها مدينتها المحتلة والمستباحة من قبل الجماعات الدينية المتشددة. إضافة إلى مواضيع شتى من الحياة كالحب، الحرب، الحزن، القهر، الأحلام والأماكن. الشاعرة طرقت أبواب المواضيع كافة؛ لكنها لم تستطع الإتيان بتلك اللغة الشعرية التي تميز النص الشعري إلا ما ندر، فلم يكن بمقدورها، كما تكشف النصوص، الخروج عن المألوف فالصورة النمطية كانت حاضرة دوماً.

سؤال أخضر

يحدق ابني كوفند في عينيّ.. ويسألني

أمي. لماذا تزداد عيناك اخضراراً؟

أعجز عن الإجابة..

لم أنتبه لاخضرار عينيّ

كنت أعلم فقط أنني أزداد ألماً..

فيسألني مرة أخرى.. أو يجيب عني!!

أهذا من أجل عفرين؟؟؟(76)

كما نرى فالنص هنا له دلالة أحادية لا يعكس تعدد الرؤى و يميل إلى المباشرة ولا يمنح اللغة تلك الخصوصية المتعارف عليها في الشعر حيث الغموض. وهي أقرب إلى الكتابة السائدة التي عهدناها مؤخراً في صفحات الميديا.

4ـ خاتمة النصوص

الشعر قائم على اللامعقول والمدهش وحين يتوفر في القصيدة هذان العنصران يمضي الشاعر بسلاسة نحو خاتمة صادمة التي من شأنها أن تدهش المتلقي وتجعله تحت سطوتها وهنا في نصوص الشاعرة هيفين حسو لم ألمس خواتيمَ تبقيني تحت تأثيرها برهة من الزمن لأن النصوص خالية من الفجاءة والدهشة ما يدفعني للقول: أن النيات الحسنة لا تصنع شعراً…

الزيتون
سأتجرد من البشر

وأحيا في أرض خام

أنا وأنين جذوري

الزيتون. (57)

شارك هذا المقال: