جسد الأُنثى: من يملكه؟!

شارك هذا المقال:

بقلم: هيڤي قجو

تمهيد

“تقول الكنيسة: الجسد خطيئة، يقول العلم: الجسد آلة،

      تقول الإعلانات: الجسد مشروع تجاري، يقول الجسد: أنا مهرجان”

                                   إدواردو غاليانو

يمكن النظر للجسد إلى أنه مكان/ حيز خاص يحتوي الإنسان أو الذات، بمعنى آخر هو المكان الذي تجد الذات نفسها فيه. لكنه غير منفصل عن الأجساد أو الذوات الأخرى وهذا يعني أن الجسد قائم على التعالق مع الأجساد الأخرى. ما يوجهنا نحو ما قيل عنه أن: “الجسم هو أحد المعطيات التكوينية والجلية للوجود الإنساني” أن الجسد موضوع مثير للجدل فهو الذي يحدد كيفية وماهية الوجود الإنساني؛ لأنه والروح أو النفس المعضلة التي استحوذت على اهتمام الفلاسفة وعلماء النفس منذ الأزل. ويرى سقراط من يضع يده على الجسد يسلب الروح أيضاً!! هذا يؤكد إلى أن الجسد والروح يكملان بعضهما البعض.

الجسد في الثقافة الشرقية

كل ثقافة تنظر الى الجسد بنظرة مختلفة وبالتالي الأجساد صناعة ثقافية بامتياز، فمنذ الشهقة الأولى للإنسان حين قدومه من العالم الداخلي ” الرحم ” إلى العالم الخارجي يبدأ القائمون على الاهتمام به بنسج ثقافة خاصة به تميّزه عن غيره. ويتجلى هذا الأمر واضحاً بين الذكور والإناث بمعنى عند تسمية الطفلـ/ة تنشأ ثقافة جسدية خاصة به وحده، مع مرور الزمن سيكتشف هذا الطفل أن لجسده ثقافته التي تميزه عن الأجساد الأخرى وستنشأ تابوهات ستكون مباحة لطرف على حساب الطرف الآخر الممنوع عنه. هنا فالذكور بوسعهم القيام بأمور شتى أما الإناث فسيسرن على طريق أمهاتهن اللواتي سرن قبلهن على طريق أمهاتهن وجداتهن.

يُقمع الجسد الأنثوي من قبل المجتمع ويفرض عليه عادات وتقاليدَ تمنعه ليعيش كما الجسد الذكري، بدأً من اللباس وانتهاءً بالليلة الأولى مع الرجل الذي سيمتلك هذا الجسد. من البديهي أن نستنتج أن المالك الأول بشكل مباشر كان الأب أو الأخ أو العائلة ثم الحي والمجتمع كمالكين غير مباشرين له. إنَّ نمط حياة مجتمعية تخيم بظلاله على المرأة، حين تُقَدَّمُ هدية للرجل يوم الزواج وتظل معه تحت سقف واحد، أقصد مالكها الجديد والذي ستبدأ معه تساؤلاتها وخوفها من المجهول. لكن ثمة نساء يرفضن هذا الواقع ويتمردن عليه لكن لا يحصلن في النهاية إلا على الطلاق أو الانفصال وهذا يؤدي إلى التنمُّر عليهن وتعرضهن للقيل والقال.

“تذكروا أننا لا نعتبركن مخلوقات إنسانية مطلقاً يقول الإباحيون بل كحيوانات نقوم بإطعامها مقابل الخدمة التي نأمل الحصول عليها ونقوم بإشباعها ضرباً إذا رفضت تقديم هذه الخدمة.” كما ذهب” الماركيز دي ساد” في جملةٍ من أقواله. ثم أن هناك قضية جوهرية مرتبطة بالمرأة هي قضية الشرف وارتباطها “بغشاء البكارة”؛ ففي الليلة الأولى تقع في شَرَكِ الخوف “المنديل الأبيض” هل سيتغير لون المنديل الأبيض أم لا؟  والسؤال الذي سيربك ليلتها، ويجعلها رهينة الخوف والتفكير في المجهول القادم. ستبقى وحدها مع المالك الجديد تحت سقف واحد، ثم سيطلب منها أن تتعرَّى أو سيقوم هو بتعريتها، سيقترب منها ليثبت فحولته، وبحكم العُرف، لن ينتظرَها لتأذن له بذلك أو يمهلها بعض الوقت أو لتتفاعل معه على الأقل. عليه أن يثبت رجولته اليوم وفي هذه اللحظة ذاتها… إنها قيمة الذكورة التي منحها له المجتمع، سَيَفِضُّ بكارةَ دميته وربّما ينتشي غير آبه بآلامها ثم سيأخذ المنديل إلى والدته إثباتاً لفحولته وعذرية العروس، يالسُخرية القدر! بضع قطرات دم كفيلة لتثبت أنها شريفة..! ماذا لو أنها لجأت إلى طبيب لترقيع ما تبقى من هذا “الغشاء” قبل زواجها منه؟ ماذا لو لم تنزل تلك القطرات؟ ماذا إن لم يكن هناك غشاء بكارة أصلاً؟ “هل سيقتنع الرجل أنها فتاة شريفة؟ هل سيتجاوز هذا المأزق؟ أم أنه سينتقم لرجولته التي لا تشبع إلا بفض البكارات!!! الغريب أنه حتى هذه اللحظة تُقتل نساء ظلماً والسبب أنهن لا يملكن غشاء بكارة أو أنَّ الغشاء مختلفٌ عن الأغشية الأخرى وكأن الشرف مرهون بتلك البقعة القابعة بين فخذي المرأة.

 من المتعارف عليه بين العشائر والقبائل والعائلات في مشرقنا اللجوء إلى الشتائم والمسبات التي تستهدف الأعضاء التناسلية للمرأة كانتقام من شرف الشخص الموجه إليه الشتيمة. لا أرى هنا أي رابط بين شرف الرجل والعضو التناسلي للمرأة، لكن يظل المجتمع ينتج عاهات تستمر وتواصل السير على هذا الطريق الخاطئ. والأمر المثير للجدل أننا في القرن الواحد والعشرين “قرن الديمقراطيات” على غفلة من هذا القرن عَاصَرْنَا “سبيَّ النساء” من خلال داعش التي أعادت تدوير الأعراف والتقاليد التي كانت موجودة في العصر الإسلامي سابقاً وفرضها على المجتمع مجدداً، من خلال الاستحواذ على النساء الإيزيديات وربطهن بسلاسل مع بعضهن البعض وعرضهن في أسواق النخاسة وبيعهن كسلعة لمن يدفع الأكثر ليضمها الشاري إلى نسائه القابعات في أرض داره.

المسكوت عنه

تقول سيمون دي بفوار: “المرأة كما الرجل هي جسمها، بيد أنَّ جسمها هو شيء آخر غيرها” بمعنى أن هناك فجوة بين ما تطلبه النفس وما يفعله الجسد. فهي لا تستطيع التعبير دوماً عما ينتابها من مشاعر وأحاسيس لأنها رهينة مالكها الذي يفرض عليها إرادته ورغباته، كما أنها بحكم العادات والتقاليد تُقمع منذ إدراكها بأنها أنثى وأنها تختلف عن الذكر أي قبيل دخولها سن المراهقة, فيوضع لها ضوابط وأحكام عليها مراعاتها قدر الإمكان ليرضى عنها مالكها “والدها، أخاها، أو زوجها”. وفي هذا السياق يُعَدُّ التحدث عن أمور الجسد من الممنوعات والتطرق أو معرفة الثقافة الجنسية ليس من حقها إلا قبيل ليلة الدخلة، حيث تتلخص المعرفة هنا في إخضاعها لمالكها الجديد الذي من حقه أن يفعل بها ما يشاء، أن تراعيه وتكون مطيعة له، ألا تعارضه في شيء ولا تقول له كلمة “لا ” أبداً فهو أدرى منها. تقع المرأة في تناقض كبير في هذه الليلة التي تجد فيه نفسها مع مالك جديد مُباحة، له أن يعريها، أن يتمتع برؤية جسدها، يقبلها ويستولي على عذريتها. هذا الجسد الذي تعلّمت حتى قبل هذه اللحظة أن تخفيه وتحافظ عليه وتستره.

المرأة في الفضاء الإسلامي

مع الفلسفات الدينية تم خلق الذات من خلال تقسيمات العمل. وتجسد ذلك من خلال قوامة الرجال على النساء وتفضيلهم عليهن، بذلك أزيحت المرأة من الشمس إلى العتمة وهمشت رويداً رويداً حتى غدت أداة متعة للرجل ووسيلة لإنجاب الأطفال وخادمة تقوم بأعمال المنزل فحسب. إنه منطق السلطة الذكورية الذي انطلق من ثقافة المجتمع وأهوائه هكذا يجري فرض الصمت على المرأة وذلك لتمضي إلى العبودية والعتمة، هكذا يجري تعطيل نصف المجتمع بسبب تأويلات منحازة للذكورة ضد المرأة ذاتها. لم يقتصر الأمر على ذلك فقط وإنما فُرض عليها ارتداء الحجاب وتغطية الشعر الذي بدوره فسح المجال لتغطية العقل أيضاً. هذه الفلسفة التي جرى تصديرها لاحقاً إلى الأصقاع التي آمنت بالدين الإسلامي. وهنا يحضرني قول الماركيز دي ساد “ليست النساء إلا ديكوراً وليس لحمهن إلا نسيجاً وليس شخصهن إلا أداة موضوعة لخدمة المتعة”.

هل تملك الأنثى جسدها؟

منطقياً من السهولة القول إنّ المرأة تملك جسدها لكن الأمر ليس كما نراه بالشكل الظاهري فهي لا تملك جسدها بحقِّ فمن خلال قراءة المصنفات الإسلامية وثقافة الشرق نستشف أن مبدأ القوامة الذي تم ذكره في أدبيات الإسلام من حيث إنَّ المرأة لا تملك جسدها، فهو ملك لمالكين كثر بدءاً من الأسرة وانتهاءً بالمجتمع.  تقول سيمون دي بفوار: “إن جسد المرأة يمكن أن يتحول إلى شرك كذلك يمكن أن يصبح وسيلتها للعبور نحو حريتها”. حيث ترى دي بوفوار أن ليس الجسد بمفهومه البيولوجي هو الذي يشكل وعي المرأة به سلبياً أو إيجابياً، بمعنى كمنطلق للحرية أو للحياة المقيدة، بل كيفية استجابة المرأة له من خلال تفاعلها الاجتماعي. ولكن لن تطول العبودية! لن يطول الخنوع، إن منطق الحرية يستدعي الكلام، يستدعي التعبير عن حرية الكينونة والوجود…

شارك هذا المقال: