في لقاء قصير مع العم حسن حمي موسي من قرية تعلك عام 2016، كان يبلغ من العمر حينذاك حوالي 98 عاماً وكان يتمتع بذاكرة قوية جداً. بعد تلك المقابلة بسنة تقريباً وافته المنية.
كان قد أفادني بمعلومات في غاية الأهمية عن تاريخ المنطقة وعن بعض الأحداث التي عاصرها، ودار جزء من الحديث عن عائلة جميل باشا الدياربكرية التي لعبت دوراً بارزاً في ميادين النضال الوطني و القومي الكوردستاني على مختلف الأصعدة السياسية و الثقافية و الاجتماعية وبالأخص “أكرم بك” و “قدري بك”. فبعد ثورة الشيخ سعيد 1925 ونتيجة للضغوط السياسية انتقلت العائلة إلى منطقة الدرباسية، وهناك قاموا بشراء عشرات القرى، وكانت عاصمة آل جميل باشا بين مجموعة هذه القرى في منطقة الدرباسية هي قرية “تعلك” التي تقع على جانب الطريق الذي يربط بين بلدتي الدرباسية ورأس العين، وتبعد حوالي 15 كم غربي بلدة الدرباسية. كانت تعلك الشرقية تسمى “تل بشو”، وتعود إلى الكرد الإيزيديين، ولكن أكرم بك اشترى منهم القرية. أما تعلك الغربية فكان يسكن فيها قدري بك. إضافة إلى تعلك كانت ملكية القرى الآتية عائدة أيضاً إلى العائلة: معياش (ويسكن فيها بدري بك)، تربة، شفقت، سفر، صفيرة، شويخ، برج، تبش، دةدة عفدال، أم غدير، خربة شعير، مصعدة (غربي قرية تبش/ لمحمد بك)، طالعة، وقرية هاجوغلي التي كانت عائدة لأكرم بك وهي تقع بين تربة وتعلك وكانت بالأصل من قرى الإيزيديين، وهي الآن من ممتلكات “العرب الغمر” من سكان “قيروان” التي تم بناؤها سنة 1973. في تلك الأوقات، قام أكرم بك بزراعة حوالي 20 دونماً من أراضي تعلك بالأشجار المثمرة وبنى طاحونة في القرية. بلغت مساحة الأراضي التي كانت تملكها العائلة في تعلك وشفقت ونصف قرية صفيرة وطالعة وحدها 24 ألف دونم. وكان محمد بك يمتلك ستة قرى جنوب الخابور، إلا أن العم حسن لم يكن يعرف أسماءها .
كان يسكن في تعلك حوالي 700 عائلة قبل ما يعرف بطوشة عامودا (سنة 1937). لم يكن الإيزيديون وحدهم يسكنون تعلك وهاجوغلي وإنما سكن معهم الكرد المسلمون والمسيحيون، حيث كانت تسكن حوالي 20 عائلة مسيحية في قرية تعلك الغربية وكان يرأسهم شخص يدعى “ايغو”. وكان يسكن في تعلك ايضاً بعض الكرد الملٌية من عشيرة دوتكان والكرد الكيكية من خلجان وآزيزان.
-عند قيام “الوحدة المصرية السورية” صدر قانون الاصلاح الزراعي في 27 أيلول سنة 1958 والذي تضمن خمس نقاط هي: تحديد سقف الملكية، المصادرة والتمليك، التعويض، إعادة توزيع الملكية الزراعية، والتنظيم التعاوني. بموجب هذا القانون فقدت هذه العائلة جميع أملاكها، باستثناء محمد بك الذي احتفظ بجزء من ممتلكاته في قرية دةدة عفدال. أي أن حكومة الوحدة عمدت وبشكل مقصود إلى حرمان تلك العائلة من ممتلكاتها بدون حصولهم على أية تعويضات ولم يستفيدوا من قانون تحديد سقف الملكية. وهذا الأمر يعود بقناعتي إلى نزعة الانتقام من العائلة لما كانت تتمتع به من ثقل كبير في صفوف الحركة الوطنية الكردية ودورهم في جمعية خويبون. ويظهر حسهم القومي من خلال ما ذكره لي العم حسن بأن أكرم بك أراد الالتحاق بثورة البارزاني وطلب منه الإشراف على ممتلكاته في تعلك ومن ثم إرسال ثمن المحصول إليه ليضعه في خدمة الثورة في كردستان.
قامت الحكومة بالاستيلاء على المزرعة والطاحونة، وقد تم إهداء المزرعة إلى الفلاحين العرب: كان أول من استلم المزرعة شخص يدعى “يوسف” ويشتهر بلقب “الحارس” وكان من عشيرة “بني سبع”، ومن بعده استلم خليل بكرو من قرية عرادة أمر الإشراف على الكرمة، ومن ثم صوفي عبد الله دِمٌلي. أما الطاحونة فقد استأجرها المدعو “إبراهيم علي محمد عرباني” من الحكومة. بعد أن تم جلب المغمورين إلى المنطقة سنة 1973, استولى الغمر على الكرمة وأقدموا على قطع أشجارها.
تم توزيع أراضي عائلة أكرم جميل باشا على المغمورين وعشيرة بني سبع وهم فخذ من عشيرة طي وكذلك عشيرة الغراجنة والتي صارت قرية “تبش” من نصيبهم، فضلاً عن عرب المنطقة من الحرب. أقدمت حكومة الانفصال على تعريب اسم تعلك إلى دحيلة، وعربته لاحقاً إلى جبل الشيخ.
بعد أن فقدت عائلة جميل باشا جميع ممتلكاتها، انتقلوا إلى مدينة دمشق.