مركز ”كُردستان“ للوثائق والمخطوطات الكُردية
ياسين طه
يمتلك الكُرد كغيره من الأمم ثروة من التراث الثقافي والتاريخي المدون والشفاهي على حد سواء، إلا أن النكبات التي تعرض لها هذا الشعب، ومحاولات الإبادة المستمرة على مر التاريخ و والمشكلات الأخرى ، لم تساعد نخبه الثقافية في الاعتناء بهذا التراث المبعثر في مكتبات ومتاحف معظم دول العالم الحي.
ويتفق الباحثون والمختصون أن أساس الازدهار الثقافي الكُردي مرتهن بالكشف عن نفائس الماضي، وجمعها وأرشفتها وفهرستها في باديء الأمر، لكي يتسنى العمل على تحقيقها ونشرها للجمهور في الخطوات والمراحل اللاحقة، لاسيما التراث والتاريخ الشفاهي الذي يندثر ويدخل طي النسيان بموت أبطاله أو الشهود على حدوثه، بعكس الكتب والمخطوطات والتي مرت عليها التي مرت عليها عقود من الأزمنة.
تولى أمر جمع وشرح وفهرسة التراث الكردي مراكز أهلية وشخصيات علمية بجهود ذاتية وفي اطار ضيق بمختلف المدن والمناطق الكردية وفي أكثر من دولة، لكن وزارة التعليم العالي في اقليم كردستان قررت مؤخرا فتح مركز متخصص في هذا المجال باسم ”مركز كُردستان للوثائق والدراسات الأكاديمية“. يتبع هذا المركز رئاسة جامعة السليمانية التي تُعد عاصمة للثقافة الكُردية، إلا أن طموحاته لا تعرف الحدود بين المناطق الكُردية في دول الجوار، واستهل أول نشاطاته بإقامة دورة للمختص الكردي في الوثائق بمدينة مهاباد الإيرانية ”د. محمد عبدول“ لباحثي المركز وعدد من المشاركين الجامعيين بشأن كيفية فهرسة المخطوطات الكُردية أو الوثائق المتعلقة بقضاياه على أسس علمية.
محاضر الدورة ”محمد عبدول“ يشرف على مجلة مختصة بنشر الوثائق والنسخ الخطية في المناطق الكُردية في إيران تحمل اسم ”كشكول“، وتصدر باللغتين الكُردية والفارسية في مدينة مهاباد التي كانت عاصمة لجمهورية كردية فتية دامت نحو عام في منتصف أربعينيات القرن الماضي (العشرين).
محمد عبدول
وتعد الدورة باكورة تعاون طويل الأمد بين المجلة التراثية الصادرة في مهاباد وفق مذكرة تعاون ابرمت بينهما، وهنالك مخططات ومراسلات لتوسيع افاق التعاون مع مراكز توثيقية أخرى تمتلك ثروة من التراث والأرشيف الكردي“.
تشمل مهام هذا المركز التوثيقي الذي يتخذ من أحد المباني التاريخية في قلب السليمانية مقراً له جمع و توثيق وأرشفة الوثائق الداخلية والخارجية الكردية أو المتعلقة بجوانب حياته السياسية أو الاجتماعية والثقافية، وكذلك جمع وتدوين التاريخ الشفاهي من أجل حفظ وصيانة التاريخ المعاصر غير المكتوب للشعب الكُردي. والأهم من هاتين الخطوتين المذكورتين يسعى المركز لجمع المخطوطات الكُردية أو صورها الرقمية بجودة عالية وحفظها من الضياع وثم محاولة تحقيقها أو عرضها لمحبي الغوص في نفائس التراث. كما يطمح المركز في بناء مكتبة رقمية للمستويات الثلاثة المذكورة.
وتنبع رؤية ”مركز كُردستان“ وفق نظامه الداخلي من ضرورة التخلص من الهيمنة التامة للروايات والتحليلات الاستشراقية ولدول الجوار أو البلدان التي تم تقسيم الكُرد عليها بشأن تاريخ هذا الشعب دون وجود تمحيص وتدقيق لها، والعمل بجانب هذا الشك الموضوعي العلمي على صياغة رؤية وطنية كردستانية للتاريخ الكردي من أجل أن يساهم في بناء هوية وطنية جامعة لمكوناته.
وتتلخص رؤية المركز في أن الكُرد هم أحسن الناس في التعبير عن أنفسم بدل الاعتماد على تحليلات وتصورات الآخرين، لأن الكرد أدرى الناس بشعاب كردستان وأنهم ذاقوا المرارة بأنفسهم، لذا فهم أنسب الناس وأكثرهم ثقة في التعبير عن تلك المآسي ضمن ضوابط وأسس ”عدالة السرد والرواية“ ويمكن اطلاق مصطلح ”الرؤية الوطنية الكردية“ على هذا السرد للتاريخ الكُردي عبر الاعتماد على الأسس والآليات والضوابط الأكاديمية المشتركة المتعددة الأبعاد، وفق ما جاء في لوائح المركز.
وبما أن التاريخ الشفهي يحتل مكانة بارزة في الحقول التاريخية، فيأخذ ”مركز كُردستان“ بنظر الاعتبار اهمية تدوين هذا التاريخ أو استحداث آليات وتصورات عن كيفية توثيقه وصيانته من الاندثار خاصة في هذا العصر المزدحم السريع الذي وضع شهود التاريخ في حيرة بسبب سباق الأحداث وتزاحم مسبباتها ونتائجها.
ونظراً لأهمية الأرشفة والتواصل الرقمي في هذا العصر دشن ”مركز كردستان للوثائق والدراسات الأكاديمية“ برنامجاً رقمياً داخلياً لأرشفة الوثائق على أسس دقيقة وعلمية، على أمل ربط ذلك الأرشيف الرقمي مستقبلاً بالجامعات ومراكز البحث والشبكة العنكبوتية العالمية ”الانترنت“ من اجل اتاحة الفرصة للقراء والباحثين والمهتمين بالكرد الاطلاع على التراث الكردي بينهم قراء هذا الموقع الغراء ”مدارات كُرد“ الذي يعتبر نافذة الكترونية رائعة للتعريف بالكرد وتراثه للناطقين باللغة العربية ومن المهجر.