التعريف بكتاب ” الفتح الإسلامي لكردستان”
للدكتور: فرست مرعي
إعداد : صدر الدين كنو
يتناول الكتاب فترة تاريخية مهمة ومفصلية في تاريخ الكرد, الفترة التي شهدت تغيرات على كافة الأصعدة, ولا تزال تفتقر إلى مزيد من الأبحاث والدراسات بغية معرفة التحولات السياسية والحضارية والاجتماعية التي رافقت دخول الإسلام إلى منطقة حكمت عليها الجغرافيا أن تكون بؤرة للصراعات ابتداء من الصراعات بين الممالك القديمة التي توالت على حكمها, وانتهاء بالصراعات التي تحدث حالياً.
اعتمد الكاتب لدراسة تلك الحقبة على عدة مصادر والتي تأتي في مقدمتها, مصادر التاريخ الإسلامي العام, مثل فتوح البلدان للبلاذري وأخبار الطوال للدينوري ومروج الذهب للمسعودي والتاريخ لابن الأثير … الخ. بالإضافة إلى مصنفات الجغرافيين لتحديد المدن والقرى والقلاع التي كان الكرد يتواجدون فيها مثل المسالك والممالك لابن خرداذبة, معجم البلدان لياقوت الحموي, البلدان لليعقوبي…الخ كما اعتمد على بعض المصادر السريانية المترجمة, مثل تاريخ “إيليا برشينايا” النصيبيني. وكذلك اعتمد على كتب التراجم التي لها دور كبير في التعريف بحياة الصحابة الذين شاركوا في فتح المناطق الكردية. هذا ما عدا عدد من المراجع العربية والكردية المعربة والأجنبية وبعض الدوريات التي تلقي بعض الضوء على التاريخ الإسلامي الكردي في حدود فترة البحث.
الكتاب مقسم إلى أربعة فصول ويندرج ضمن كل فصل عدد من الأبواب, وكما هو شائع في الكتب التي تتناول تاريخ الكرد فقد استهل الكاتب الفصل الأول للحديث عن تاريخ الكرد القديم أو ما قبل الإسلام. وتطرق إلى أهم النظريات الباحثة عن أصول الكرد مثل نظرية فلاديمير مينورسكي حول علاقة الكرد بالميديين كما يورد عدداً من المصادر التي يمكن الاعتماد عليها في هذا المضمار مثل المكتشفات الأثرية والمصادر الدينية, خاصة الكتاب المقدس والمصادر اليونانية والرومانية والمسيحية (يسميها الكاتب النصرانية), السريانية منها والأرمنية؛ وأخيراً المصادر الفارسية التي يعتبرها من أهمها بحكم العلاقات التاريخية والجغرافية والدينية بين الشعبين الكردي والفارسي التي ساهمت إلى حد بعيد في صياغة تاريخ مشترك قبل مجيء الإسلام.
في الفصل الثاني تحدث الكاتب عن مصادر تاريخ الكرد في الإسلام وهي المصادر الرئيسية المعتمدة لديه ويمكن من خلالها إلقاء الضوء على أهم فترة تاريخية للكرد. وعدا المصادر التي ذكرناها سابقاً فإن الكاتب يبحث عن التاريخ الإسلامي الكردي في الكتب الفقهية والقانونية والطبقات وكتب الأدب واللغة والمدن. ويشير تنوع مصادره إلى عمق اطلاعه ومعرفته الموسوعية بالتاريخ الإسلامي والذي حاول أن يستخلص منه تاريخاً للكرد أقرب للحقيقة.
في الفصل الثالث والذي استوحي منه اسم الكتاب “الفتح الإسلامي لكردستان” يسرد الدكتور فرست مرعي مراحل دخول الفاتحين الجدد إلى كردستان, التي تبدأ بمعركة “جلولاء”. من الملاحظ أن الكاتب يتناول الموضوع من منطلق إيمانه واعتقاده الديني, حين ينعت جيوش المسلمين بالفاتحين ويسمي توسع الدولة الإسلامية وتمددها بالفتح, ودون أن يدخل في الجدل الدائر حول إشكالية تلك القضية أو البحث في سؤال ما زال مُثاراً: هل هو فتح أم غزو؟ ويبدو أن الكاتب قد حسمها بالحديث عن الثمرات الحضارية والروحية التي جناها الكرد إثر دخول الإسلام إلى أراضيهم بعد أن أقبلوا عليه طواعية بشكل منقطع النظير.
في الفصل الرابع يكمل الكاتب الحديث عن المرحلة الثانية من الفتوحات في مناطق الكرد, إضافة إلى الفتوحات في عصر ثالث الخلفاء الراشدين, عثمان بن عفان, كما يتحدث في هذا الفصل عن علاقة الكرد ببعض الحركات المناوئة للأمويين والتي لم يفصِّل فيها. وينفي في تناوله لهذا الموضوع أي دور للكرد في الحركات الخارجة على الدولة مثل الخوارج والشيعة.
بنظرة عامة يحاول الكاتب من منطلق اعتقاده الراسخ بالإسلام – التأكيد على أن الجيوش الإسلامية لم يكونوا غزاة طامعين, بل جاؤوا محررين حاملين معهم الهدايةة لتلك الشعوب, كما يحاول جاهداً دحض التهم التي ألصقت بالفاتحين الجدد حول معاملتهم السيئة للكرد, وأنهم أُجبروا على اعتناق هذا الدين الجديد. وهنا موقفه أشبه بموقف رجل دين يدافع عن عقيدته بكل ما أوتي من براهين وحجج. لكن على الرغم من ذلك فالموضوعية لها حضورها الواضح بين ثنايا الكتاب وروح الباحث الفاحص تتجلى عنده في غربلة الآراء وعدم الاقتصار على واحد منها. واستطاع بنجاح أن يجمع بين شخصيتين قد تبدوان متناقضتين عند البعض: شخصية المدافع عن عقيدته وشخصية الباحث الموضوعي عن الحقيقة.