قصة كتاب:
تعرفت على بيتر ليرش (بعضهم يكتب ليرخ إلا أن اللفظ الألماني الصحيح للاسم هو ليرش) من خلال ما تمت ترجمته تحت عناوين مختلفة لا أتذكرها كلها الآن لكنني ما زلت أتذكر ترجمة د. عبدي حاجي للكتاب عام 1992 تحت عنوان (دراسات حول الأكراد وأسلافهم الخالديين الشماليين) وقد كان على شكل كتيب صغير الحجم (حوالي مئة صفحة فقط من القطع الصغير)، ويبدو أن المترجم اجتزأ بعض مقاطع الكتاب التي تصب في خانة بناء الشخصية القومية وترجمها وذلك لرواج الفكر القومي لدينا نحن الكرد أكثر من البحوث المحضة التي لا غاية لها سوى الوصول إلى نتائج علمية محددة. (قال المترجم إنه ترجم الجزء الأول، لكن يبدو لي أنه اختار من كل جزء بعضاً من الفقرات التي رآها هو مهمة).
بعد قدومي إلى ألمانيا وترددي على مكتبة قسم الدراسات الشرقية في جامعة بوخوم وقعت عيني على اسم الكتاب بالألمانية وهو (Forschungen über die Kurden und die iranischen Nordchaldäer ) المطبوع سنة 1857 في بطرسبورغ، فتبين لي أولاً أن د. حاجي عبدي ترجم عنوان الكتاب ترجمة خاطئة بل وربما مقصود منها إبراز نظرية لم يتحدث عنها الكاتب أصلاً. فالعنوان بعد الترجمة هو: أبحاث حول الكرد والكلدان الشماليين الإيرانيين وليس هناك أي حديث عن أسلاف الكرد.
هناك أخطاء كثيرة وقع فيها المترجم د. عبدي ويبدو أن له طريقة خاصة في الترجمة حيث أحببت أن أقارن بين ترجمته وبين النص الألماني فلم أفلح لأنه كما يبدو كان يترجم بضعة أسطر ليقفز بعدها إلى صفحات أخرى وإن كان في العمر فرصة وفي الوقت متسع فسأعمد إلى مقارنة الترجمة مع النص الألماني. ونظراً لأهمية هذا الكتاب طفقت أبحث عنه في المكتبات فلم أعثر له على أثر حتى أخبرتني بائعة كتب في مكتبة كبرى أن هذا الكتاب يمكن الحصول عليه بحجز نسخة منه من أمستردام، فوافقت على الفور بالرغم من التكلفة العالية جداً للنسخة (140 يورو أو ما يعادل أكثر من عشرة آلاف ليرة سورية وقتذاك). بعد مدة وصلني الكتاب ففرحت به كما في كل مرة ألمس فيها كتاباً أبحث عنه.( بعد التطور الهائل في حركة التجارة الالكترونية وصل سعر هذا الكتاب وبطباعة أكثر أناقة من نسختي الموحشة إلى 30 يورو أي ما يعادل حالياً 3500 ليرة سورية).
محتويات الكتاب:
يضم هذا الكتاب الذي يبلغ 370 صفحة من القطع المتوسط جزئين أساسيين.
الجزء الأول يتضمن مقدمة الباحث ليرش الطويلة نسبياً والتي تم اختصارها بشكل كبير في الترجمة العربية، ثم يعرج الباحث على مباحث لغوية دقيقة ويعقد في إحدى الفقرات مقارنة سريعة بين الكرمانجية والزازائية (صفحة 25 XXV ) ثم وعبر صفحتين يكتب جملاً بالكرمانجية مع ترجمتها بالزازائية مع ترجمة ألمانية في الهامش. بعد ذلك يثبت الكاتب نصوص سبع حكايات من حكايات جحا (خوجه نصر الدين) باللغة الكردية تتلوها قصص على لسان الحيوانات باللغة الكردية وكالعادة الترجمة الألمانية في الهامش. ثم عدة حكايات عن الأمراء هي أقرب للتاريخ من الحكاية مثل حكاية عبد الله بيك أمير بالو (صفحة 42).
بعد ذلك تأتي نصوص وحكايات باللهجة الزازائية مع ترجماتها الألمانية.
أخيرا ينتهي الجزء الأول بملحق يتضمن نصوصاً كردية منها مثلاً ترجمة كردية لنص فارسي عن خراب مدينة بردعة على يد الاسكندر، ثم ترجمة بعض الأمثال الكردية (بلغ عددها 25 مثل تحت عنوان: ترجما ضرب مثلانه بزمانى كورمانجى) بالتركية العثمانية والألمانية وهي مثبتة بالأبجدية العربية مع نفس النصوص بالأبجدية اللاتينية التي اجترحها لرسم كلمات اللغة الكردية باحثو الأكاديمية الروسية للعلوم في القرن التاسع عشر.
وأخيراً يثبت الباحث مقدمة باللغة الكردية – اللهجة السورانية- لكتاب كلستان للشاعر سعدي شيرازي (يبدو أن كلستان ترجم إلى اللغة الكردية لكن الباحث لا يشير إلى المترجم بل يثبت فقط مقدمة الترجمة، وجدير بالذكر أن الرسم الإملائي لهذه المقدمة ليس بالأحرف السورانية المعتمدة حديثاً بل هي مثل إملاء الكتب الكردية الكلاسيكية مثل ديوان ملاي جزيري و مم و زين أحمد خاني).
الجزء الثاني ويعنونه الكاتب بنفس عنوان الكتاب أي أبحاث حول الكرد والكلدان الشماليين الإيرانيين، ويستهله بمقدمة صغيرة ثم يتحدث بالتفصيل عن الأب غارزوني الإيطالي الذي استوطن بهدينان وكتب عن اللغة الكردية وقواعدها ما يُعتقد أنه أول بحث علمي عن الكرد ولغتهم، ثم يدخل الكاتب في مباحث علم اللغة المقارن وتعقيدات اللغة الكردية وفي هذا الجزء وتحديداً في الصفحات 46 حتى 51 يشير الباحث إلى ملا محمود بايزيدي ناعتاً إياه بالخوجه وكيف أنه ساعد الكسندر جابا في عمله.
بعد ذلك يثبت ليرش نص قصيدة كردية (بالسورانية المختلطة بالكرمانجية!) يقول إنها لرجل يعتقد أنه من أرزروم (!!!) اسمه عبد الله (أستبعد ذلك فالقصيدة ليست باللهجة الكرمانجية إلا إذا كان عبد الله هذا من مناطق السوران مستوطناً ارزروم وجدير بالذكر أن اسم كردستان يرد في أحد أبيات هذه القصيدة).
هناك أيضا تفاصيل عن اللهجات الكردية معتمداً على شرفخان بدليسي
أخيراً يورد الباحث قاموساً لمفردات اللغة الكردية ضم مئات الكلمات حسب الإملاء العربي المعمول به كردياً في العصور السالفة مع ضبطها حسب الأبجدية اللاتينية التي أقرتها الأكاديمية الروسية.
يبقى أن أقول إن هذا الكتاب جدير بأن يترجم بشكل يليق به وبجهد صاحبه ولعل الجيل الحالي يجد في نفسه القدرة على ذلك ويبقى الدعم المؤسساتي المفقود مفتاح كل عمل أكاديمي نحن بحاجة ماسة إليه.