حوار مع الغاليريست والرسامة الكردية آريا عطي

شارك هذا المقال:

آريا عطي غاليريست ورسامة كردية من كوباني، درست الفن في كلية الفنون قسم الرسم والتصوير في حلب. هاجرت منذ عدة

أعوام بسبب ظروف الحرب القاسية من سوريا إلى المانيا. وهي تقيم حالياً في مدينة كاسل حيث أسست غاليري فيوليت في وسط

المدينة.

شاركت في أكثر من أربعين معرض فني في أوربا والشرق الأوسط  كما شاركت في Documenta fifteen وهي الفعالية

العالمية الشهيرة التي تقام في مدينتها كاسل.شاركت أيضاً بلوحات عدة في المتحف القومي للحضارة المصرية.

تتمحور أعمال آريا عطي حول قضايا المرأة وحقوقها، وتنعكس في لوحاتها موضوع الحرب على داعش حيث عاشت الفنانة عطي

فصولها المؤلمة أثناء وجودها في كوباني.

وبمناسبة معرضها القادم في صالة غاليري ميديا في أربيل خلال شهر أيلول وأثناء مشاركتها نشاطات مهرجان الفن والثقافة الكردية

في برلين 2023 أجرينا معها هذا الحوار.

جان دوست

1 – لفت نظري في أحد حواراتك أنك قلت: وصلت إلى أوربا حافية القدمين. لنبدأ من هذه النقطة. ما هو دافعك إلى الهجرة أو النزوح من بلادك؟ نعرف ظروف الحرب لكن أسباب هجرة الفنان تختلف بطبيعة الحال عن أسباب هجرة الإنسان العادي. هل أنت نادمة لأنك هاجرت؟

–  دافعي للهجرة بالدرجة الأولى كان البحث عن الأمان حيث انقطعت بنا أسباب العيش في سوريا بسبب ظروف الحرب. لم يلعب الفن أي دور في قراري بالهجرة ولست نادمة على اتخاذ هذا القرار بل أشعر أنه قدري وأنني ولدت في المكان الخطأ حيث لاشيء في بلادي يشبهني ولم يستطع مجتمعي تقبلي كرسامة أنثى.

2 – في المانيا، بلاد اللجوء، اندمجتِ بسرعة. ما سبب ذلك؟ هل ساعدك الفن على سرعة الاندماج؟ أم أن الدور الأكبر كان لمؤسسات الدولة الألمانية؟  لو لم تكوني رسامة مبدعة هل كنت ستندمجين في المجتمع الألماني بهذه السرعة؟

– لدي عدة لوحات رسمت فيها نفسي وعلى ملامحي توجد تلك الصدمة الثقافية التي أصابتني هنا في ألمانيا على الرغم من كوني إنسانة منفتحة على الآخرين وفي قلبي متسع لمحبة الناس باختلافاتهم. وجدت أن الإختلاف كبير وليس فقط من ناحية اللغة والطعام وبقية العادات بل حتى طريقة  تعبير الإنسان عن مشاعره وتقربه من الآخر مختلفة هنا.  أذهلتني كل هذه العيون الزرقاء الفضولية من حولي. كانت تحدق في عيني  بكل تركيز أثناء كل حديث. أحياناً كنت أشعر أنهم يحبونني وأحيانا كنت أشعر انهم لا يعرفونني أصلاً. كان الأمر مربكاً جدا لي لأنني و بحسب تكويني النفسي أحتاج للآخر بشدة لأرى نفسي. الفن الواقعي الكلاسيكي الذي تعلمته في كلية الفنون بجامعة حلب لم أجده هنا في ألمانيا كانت هناك لحظة أيقنت فيها أن كل ما تعلمته ورسمته سابقا ليس له مكان في هذه البلاد. لم أبحث عن الاندماج كإنسان بقدر ما حاولت جاهدة الوصول إلى الاندماج الفني أو إيجاد لغة مشتركة بيني وبين محيطي الجديد. لذلك أنا أقوم الآن بمشروع وهو مساعدة الفنانين اللاجئين على إيجاد هوية خاصة بهم هنا وتقديم منصة لهم للتعرف على مقتني اللوحات والمهتمين بالرسم وأقدم لهم المعلومات القانونية والإرشادية المطلوبة. كما أقوم بتقديمهم للصحافة لتلقي عليهم الضوء. أما بالنسبة لمؤسسات الدولة الألمانية فأستطيع القول إن هناك بالفعل عدة جهات لدعم الفن والفنانين بشكل جزئي ولكن يجب الغرق في بحر من الأوراق والبيروقراطية لتسجيل المشاريع الفنية المستقبلية وأجد بالفعل صعوبة كبيرة بإتمامها. انا فقط أرسم بدون توقف ولدي جمهور له الدور الأكبر في اندماجي ونجاحي إيضا وأنا أصف هذا الجمهور الفني بالجيش. إنهم جيشي وقوتي وسندي الأكبر. منذ السنة الأولى لي هنا إلى الآن أجد اشخاصاً كثيرين يحيطون بي كالملائكة. هم يمنحونني الأمان النفسي المطلوب لكي أنبت وأزدهر.

3 – هل تعانين من القلق في مشروعك الإبداعي؟ أقصد هل ما زلت تبحثين عن آريا عطي الفنانة في لوحاتك؟ لاحظت أن كثيراً من لوحاتك المعروضة تحمل بورتريهات تجسدك. هل نقول إن الإيغو (الأنا) لديك في أعلى مستوياتها؟

– عملية إنتاج اللوحة هي عبارة عن بحث عن الذات. لدي قلق وجودي والرسم يعطيني اليقين وأحيانا يوجهني إلى مكان أستطيع الانطلاق منه نحو عوالم أرحب. أنا أوثق وأعبر عما أمر به من مشاعر كإنسان وبسبب تجاربي الحياتية من لجوء وحرب ونضال ومواجهة العنصرية وتجربة الزواج والأمومة ثم الطلاق أصبحت هذه اللوحات توثق وتمثل حالة الكثير من النساء التي مرت مثلي بهذه التجارب. في أوربا ألقى تفاعلاً كبيرا من النساء الأوربيات مع لوحاتي. أحاول دائماً الخروج من دائرتي النفسية العاطفية لأصنع مشاريع جانبية كجمع الأساطير الكردية أو توثيق ألعاب الأطفال الجماعية في القرى. ولكن دائما أعود بعدها لعوالمي الخاصة وكأني وحدي في هذا العالم. أما بالنسبة للإيغو فأستطيع القول إن لدي شخصية مضطربة وليست لدي القدرة على تقديرالذات. أشعر بوجودي فقط عندما يحبني الآخر أو عندما أرسم أو عندما يبتسم من يشاهد لوحاتي حتى أدمنت هذه اللحظة أي لحظة إلتقاء المتلقي بعملي الفني. لا أنتظر تعليق الناس وإطراءاتهم لكن اندهاش المتلقين يخلق لدي متعة خاصة. البحث عن الهوية لاتعني ان نكون أنانيين وندور حول ذواتنا فقط. الأنا هي مرحلة من مراحل الإبداع وأنا لازلت أبحث عن ذاتي وكل عمل فني هو عبارة عن ساحة للإكتشاف. هناك لوحات لم أكتشف فيها شيئا لا تقنياً ولا عن نفسي. هذه اللوحات لا تعني لي شيئاً وغالبا لن ترى الضوء.  بينما هناك لوحات أعلقها في الصدر وأضع لها أسعاراً خيالية حتى لا تباع بسرعة وتبقى بقربي أكبر مدة ممكنة من الزمن.

4 – ما هو مدى تأثرك بالفنانة العالمية فريدا كاهلو؟ وكيف تقيمين مدرستها الخاصة في الرسم؟

– لم يكن هناك لدينا كوادر تعليمية جيدة ولا موديلات في كلية الفنون في جامعة حلب وبمجرد أن تذهب يوميا للرسم لمدة اربع سنين ستتعلم الرسم بكل الاحوال . لم تكن لدي أية معلومات فنية كافية او انترنت وتكاثرت الأسئلة الفنية في رأسي ولم أجد لها أجوبة مناسبة. في إحدى المرات وجدت كتاباً عن لوحات غوستاف كليمت وفان كوخ وفريدا كالو في مكتبة الكلية . اعتبرت ذلك حدثاً عظيماً. مثل انفجار عظيم حصل في خيالي. ووجدت الأجوبة التي بحثت عنها طويلاً فقط بتأملي لوحات أولئك الأساتذة الكبار. صرت أرسم لوحاتهم في خيالي وتأثرت بهم بشدة. يمكن القول إن ألوان لوحاتي  تحمل إنطباع وتحليل فان كوخ للدائرة اللونية وفي أشكال التكاوين في لوحتي تجد شخصيات غوستاف كليمت أما بالنسبة لطريقة طرح المواضيع فيمكن أن نتحدث عن التأثر فريدا كاهلو التي عاشت أيضاً ظروفاً مشابهة لي. هؤلاء هم المعلمون الذين أثروا في فني وأنا أجري بيني وبينهم حوارات خيالية تستمر طويلاً .

5 – الرجل. أين هو في لوحاتك؟ لماذا تبعدينه عن عوالمك الفنية؟ هل تنتقمين من الرجل بلوحاتك؟

– عندي تجربتان رسمت في إحداها رجلاً بدون ملامح وفي الأخرى غطيت تكوين الرجل كله باللون الفضي . يمكنني القول إنني صرت أشك بإمكانياتي في ا الرسم  لأنني لا أعرف أن أرسم رجلاً كما يجب . نعم هناك غضب بداخلي على الرجال. لم أشاهد منهم غير الخذلان ولكني أسعى جاهدة مع نفسي لحل هذه الأزمة!

6 – من أين جاءتك فكرة استعمال القماش الكردي في لوحاتك؟ ما هو انطباع الجمهور الألماني وهو يشاهد هذه اللوحات التي تمتزج فيها المهارة الفنية العالية باللون الكردي الخاص؟

– كنت في كامب اللاجئين ولم تكن لدي الأدوات والألوان الكافية للرسم فاستخدمت الشراشف والستائر وجميع الأقمشة المتاحة للرسم عليها واستخدامها ككولاج لتوفير اللون. كانت الأقمشة  الكردية المزركشة دائما تجذبني بشدة حتى قررت استخدامها في لوحاتي  وتطوير هذه التقنية بأسلوب فني معاصر يقترب للبوب آرت والفن التجريدي.  نحن الكرد لدينا هوية ملونة وغنية وهذا يغني تجربتي ويعطيها هوية خاصة. لقد فصلتنا الحرب عن بلدنا وعن بعضنا البعض. لكن ثقافتنا وموسيقانا وطعامنا وقصصنا تجمعنا مرة أخرى. نريد أن نشارك هذا الاختلاف إيجابياً مع الثقافات الأخرى. الاختلاف أمر إيجابي ونستطيع استغلاله لبناء الجسور وتبادل الأفكار وليس للحرب وسفك الدماء. الثقافة والفن هي أدواتنا ضد الحرب.

7 – شاركت مع فنانين كرد معرضاً عالمياً في بولندا. ما هو مدى اطلاعك على ما وصل إليه الفن الكردي في كردستان؟

– نعم تشرفت بلقاء مجموعة كبيرة من الفنانين الكُرد من القامات الفنية الكردية في متحف مدينة بيدغوشتش Bydgoszcz في بولندا وكان هناك إقبال كبير من الاوربيين. واضح أن الفن الكردي يحمل في طياته قضية عادلة وثورة ورسالة وغضب وحزن. أحيانا أشعر أنه فن قاسٍ على الأوربيين نوعا ما. ولو قارننا بين الفن الكردي والاوربي لوجدنا الأوربيين يتجهون بالفن إتجاها يخفف عنهم قسوة الحياة. فمثلاً تجد فناناً يقيم معرضاً عن علاقته بدراجته الهوائية أو أفكاراً مجردة او حتى معرضا فنيا تفاعلياً.

الفن التشكيلي الكردي فن جاد وحافل بالألوان توارثناه جيلاً بعد جيل منذ آلاف السنين وهو يتطور من تلقاء نفسه بسبب شخصية الإنسان الكردي الثائر النزق دائما وأيضا بسبب هجرة فناني كردستان إلى كثير من دول العالم. ومن خلال التأثير والتأثر تجد لدينا تنوعاً هائلاً في الهويات الفنية ولكن دائما كانت القضية الوجودية والرسالة السياسية تثقل كاهل هذه الهويات. وهكذا يتم تأطيرها وتحجيمها وتعليبها. برأيي يجب تحرير الفن من الأثقال وإطلاق العنان لخيال الفنان حتى يبدع مفاهيم جمالية إنسانية خاصة.

———–

من حوار منشور في العدد السادس من مجلة Kurdistan Chronicle

شارك هذا المقال: