الأدب الكردي المكتوب – الجزء الثاني

شارك هذا المقال:

الأدب الكردي المكتوب-الجزء الثاني

جويس بلو

3-الأدب الكردي بعد الحرب العالمية الأولى

في أرمينيا 19211989-

استطاعت المجتمعات الكردية في أرمينيا السوفيتية، بالرغم من عددها القليل،أن تحتاز مكاناً هاماً في حياة الشعب الكردي. اعتُبِر هذا المجتمع، منذ عشرينات القرن العشرين،”قومية”، مع كامل الاعتراف بلغته. فقد كان يتمتع بدعم الدولة وكانت له مدارسه وصحافته ودور نشره ومحطاته الإذاعية. كان على الكرد أن يطوروا أبجدية خاصة بهم وبالفعل أجروا تغييرات على الأبجدية الأرمينية وتم تبنيها للاستخدام في المدارس الكردية في أرمينيا وجورجيا ابتداء من عام 1922 و ما بعدها. وفي 1928-1929 تم تقديم أبجدية رومانية (لاتينية)كان قد طورها كلٌّ من الآشوري ي. ماراغلوف (I. Maragulov) والكردي عربِ شمو (Erebê Şemo)، بشكل رسمي (Rondot 1933). تم التغلب على الأمية بين الكرد، ومعظمهم من الإيزيديين، وبدأت نخبة من المثقفين بالظهور. وبفضل فعالية أكاديميين من أمثال فريجمان (Frejman) و ي. أ. أوربلي (I. A. Orbeli)، الذي كان أستاذ الدراسات الكردية في لينين غراد (1914-1935) تطورت الدراسات الكردية هناك وأيضا في موسكو ويريفان وباكو ( Bennigsen 1960; Mokri 1963).

تأثر الشعراء وكتّاب النثر الكرد، وهم بمعظمهم تلقوا تعليمهم ذاتيا، بالأدب الأرميني والروسي وكانت أعمالهم ملتزمة سياسيا. هناك أمين عفدال (Emînê Evdal, 1964-1906) الذي كان عتّالاً وأصبح فيما بعد معلِّماً؛ وحجي جندي (Heciyê Cindî, 1990-1909)؛ والشاعر جاسم جليل (Casimê Celîl, 1998-1908) وقام هؤلاء بنشر أعمالهم في المجلة الدورية Riya Taze  (الطريق الجديدة) التي كانت تصدر في يريفان مرتين في الأسبوع اعتبارا من عام 1930 وكذلك في عدد من الكراسات (الكتيبات). اشتُهِر هؤلاء الكتاب لأن أعمالهم وأسماءهم نُشِرت في “Almanac of Kurdish Soviet Writers” بالإضافة إلى أنطولوجيات أخرى.كتب حجي جندي، الذي كرّس جزءاً كبيرا من حياته لجمع ونشر نصوص من التراث الكردي، أول مسرحية بعنوان “علبة الأدوية” ( 1932Qitiya du dermana). وفي عام 1935 كتب الشاعر وزير نادر (Wezirê Nadir, 1911-1947) مسرحية بعنوان “خطف الزوجة” (Reva Jin).وكذلك كتب قصيدة ملحمية طويلة بعنوان Nado û Gulizer يحتفي فيها بالمغامرات البطولية لشاب كردي وحبيبته خلال الحرب. نشر عرب شمو (Erebê Şemo, 1897-1979)، أحد أغزر الروائيين الكرد إنتاجا، “الراعي الكردي” باللغة الروسية عام 1931 وكذلك رواية سيرة ذاتية بالكردية بعنوان   Şivana Kurmancaفي يريفان سنة 1935. أخذ الكاتب العمل نفسه وأضاف إليه وأعاد نشره عام 1958 بعنوان “الفجر” (Berbang).فقد وصف بأسلوب شاعري وفني تفاصيل الحياة اليومية لطفولته كراع وحياة البداوة. وكذلك يسرد ، بعد أن أصبح شيوعيا، كيف رأى الحرب خلال الثورة السوفيتية سنة 1917.

غداة الحرب العالمية الثانية أسفرت جهود السلطات السوفيتية لتوحيد الاتحاد السوفيتي والترويج للشعور القومي لتبنّي الأبجدية السيريلية (Cyrillic) بدلا من عدد من الأبجديات التي اختُرِعت حديثاً ومن ضمنها الأبجدية الكردية  المستندة إلى الأبجدية اللاتينية. بدأت الصحافة ودور النشر والمدارس الكردية باستخدام الأبجدية السيريلية منذ ذلك الوقت.

تحتفي رواية Dimdim التي كتبها عرب شمو (Erebê Semo) في يريفان سنة 1966 والمبنية على القصيدة الملحمية الشهيرة، بالدفاع البطولي في أوائل القرن السابع عشر عن قلعة دمدم الذي قاده أمير برادوست، “الخان ذو الذراع الذهبية” ضد المعتدين الصفويين. نُشِرت رواية “الحياة السعيدة” (Jiyiana Bextewar, 1959) وكذلك تتمتها رواية Hopo. تصف كلتا الروايتين حياة الكرد في ظل النظام السوفيتي وأُعيد نشرهما في  Berevok (المجموعة) في يريفان سنة 1969. كما نشر سَمندِ سيابندوف (Semandê Siyabendov 1909-1998) ملحمته الرومانسية الشعبية الرائعة “سيابند وخجى” (Siyabend û Xecê) 1959. نُشِرت “مذكراتي” (Bîranînêd min) للروائي أحمد ميرازي (Amedê Mirazî, 1899-1961) بعد وفاته في يريفان سنة 1966. نُشِرت رواية “النداء” (Hawarî) للكاتب حجي جندي عام 1967 وكذلك نُشِرت روايتا “قرية الشجعان” (Gundê Mêrxasa) و “الحرب في الجبال(Şer Ciyada) لعلي عبد الرحمن في عامي 1968 و1989 على التوالي. نُشِرت مجموعة الأشعار المعنونة “قوس وقزح” (Keskesor)للكاتب يوسف بكو (Usivê Beko, 1909-1969) عام 1961. وفي عمل باللغة الأرمنية تُمكِن ترجمته بالعنوان التالي “عادات الأكراد في ترانسكوكاسيا” (Yerivan, 1975) يقارن أمين عفدال موقع الكرد قبل وبعد النظام السوفيتي. نشر إسماعيل دوكو (المولود عام 1930) كتابه “زواج بدون حب” (Zewacê bê dil). وفي قصائده المعنونة “شعر” (Şiyer) يعبر عتار شيرو (Etarê Şero, 1901-1970) عن أفكاره حول وضع الكرد تحت حكم العثمانيين بقصائد قصيرة.

قامت Behara Tazeالربيع الجديد” (وهي منشورة أدبية سنوية صدرت في يريفان بين عامي 1980-1990( بنشر القصائد والقصص القصيرة وحتى الروايات لكتّاب الجيل الثاني: أَمَرِيكى سَردار (Emerîkê Serdarالمولود عام 1933) وهو محرر المجلة؛ وزير أشو (Wezîrê EŞo, المولود عام 1933)؛ عزيز كردن زياري ( Ezîzê Gerdenzyiari, المولود عام 1945) وهو كاتب نثر وكاتب مسرحي. كذلك شاركت النساء في النشاطات الأدبية. فقد نشرت سيما سمند ( Sima Semend المولودة عام 1935) “غزال” (Xezal) سنة 1961 وكذلك “خبران ساران” (Do Şayî) عام 1967 وكذلك ظهرت أعمال الشاعرة هنارا تاجين (Hinara Tajin) في العدد الرابع من مجلة “الربيع الجديد”. نشر توسِنِ رشيد (Tosinê Reşit المولود عام 1941) وعسكر بوييك (Eskerê Boyik المولود عام 1941) مسرحياتهم المعنونة Siyabend û Xecê وMem û Zîn مع دار Roja Nû(اليوم الجديد) للنشر في ستوكهولم بين عامي 1988 و1989 تباعا. كذلك نشر عرب شمو (Erebê Şemo ) رواياته المعنونة Dimdim (ستوكهولم، 1983)؛ “الحياة السعيدة” (Jiyana Bextewar, Stockholm 1990)؛ Hopo (ستوكهولم)؛ و “الفجر” (Berbang, Stockholm, 1988) في الخارج متبعا أبجدية مجلة هاوار (Hawar). قام شكور مصطفى بترجمة رواية عرب شمو المعنونة  Dimdim إلى السورانية ونُشِرت في بغداد سنة 1975.

 

في تركيا 1923-1957

اتبعت الجمهورية التركية سياسة الانصهار تجاه مواطنيها من الكرد. إذ طمست الحكومة، باسم الوحدة الوطنية، هوية الملايين من الكرد وأمرت استئصال لغتهم واصفة إياها بالبالية. مُنِعَت المدارس والمطبوعات الكردية. كما اعتبر استخدام كلمات مثل “كردي” و”كردستان” جريمة قانونية وتم استبدال هاتين الكلمتين رسميا بعبارات مثل “أتراك الجبل” و”شرق الأناضول” أو”الشرق”. ظلت كردستان تركيا منطقة محظورة حتى ستينات القرن العشرين. عاش المثقفون الكرد في المنفى وكان في سوريا، التي كانت تحت الانتداب الفرنسي آنذاك، أن انتعش الأدب الكردي الكرمانجي. تجمع المثقفون الكرد في بيروت ودمشق حول الأخوين جلادت (1967-1893) وكاميران (1978-1895) بدرخان اللذين أصبحا مهندسي النهضة الثقافية الكردية الكرمانجية. تبنى هؤلاء الأبجدية اللاتينية للغة الكردية، مثل ما تم فعله في اللغة التركية، وقدّموا هذا النظام الكتابي الجديد في فصليات مثل “النداء (Hawar) و”النور” (Ronahî) و”اليوم الجديد” (Roja Nû) و”النجمة” (Stêr). قام الأخوان بدرخان ببحث أدبي مستكشفين إمكانات اللهجة الكرمانجية كلغة أدبية معاصرة. من بين زملائهم الذين كانوا يعملون في هذه الفصليات شيخموس حسن (1946-1903) المعروف باسم جكرخوين التي تعبر أشعاره، الكلاسيكية الشكل والسياسية الهوى، عن حبه لوطنه المدَمَّر. ألّف جكرخوين، مستخدما التقليد الغني للفلكلور الكردي، حكايات رمزية تدعو للوحدة الكردية. نشر ديوانيه الأولين “ديوان جكرخوين” (Diwana Cegirxwîn, 1945) و”ثورة الحرية” (Sewra Azadî, 1954) في سوريا لكن كان عليه الانتظار حتى سبعينات القرن العشرين لينشر آخر مجموعاته. يتوجب هنا ذكر أوصمان صبري (1993-1941) أيضا الذي كان قاصاً بالولادة ورشيد كرد (1968-1910) ونور الدين زازا (1988-1919). لكن عندما أصبحت سوريا دولة مستقلة عقب الحرب العالمية الثانية فقد الكرد حريتهم وذهب الكتّاب إلى المنفى من جديد.

في العراق 1919-1957

بعد الحرب العالمية الأولى عندما قررت بريطانيا إلحاق ولاية الموصل الكردية بالدولة العراقية العربية الجديدة أوّل ما قاموا به هو أنهم أقالوا الموظفين الأتراك واستبدلوهم بأكراد “يساعدهم” مستشارون بريطانيون. حلت اللغة الكردية محل التركية في القضايا الرسمية بينما أصبحت اللغة الفارسية لغة المراسلات الشخصية. تأسست أول صحافة كردية مطبوعة عام 1919 في السليمانية من قبل الميجور ايلي ب. سون (Major Ely B. Soane). أدى تطور الطباعة الكردية إلى ترقية اللهجة السورانية التي جددها الكتّاب وصقّلوها. وبذلك أظهرت هذه اللهجة إمكانية أن تصبح لغة أدبية حديثة.

لأن الكرد أصبحوا مواطنين في دولة عربية كان عليهم تبني الأبجدية العربية بالرغم من أن هذا النظام الكتابي لم يكن مناسبا لتدوين اللغة الكردية بشكل تقني. تطور النتاج الأدبي في أواخر عام 1920 في السليمانية وأربيل وبغداد. ساهم الاتصال مع الغرب من خلال ترجمة أعمال كتّاب من أمثال بايرون وشيلي ولامارتين وموباسان وشيلر وغوته وبوشكين في إخراج الكرد من عزلتهم وغيّرت بشكل كبير شخصية شعرهم. ساهم التعرض للحداثة في إبعاد الشعر عن طرقه التقليدية. بالرغم من أن القصائد حافظت على شكلها بشكل مبدئي فإن محتواها أبدى عناصر إبداعية مثل تعابير الحب واليأس والغضب. كما تم إغناء الشعر التقليدي من خلال إدراج إشارات إلى العالم الداخلي للشاعر. من بين الأمثلة على هذا التوجه الجديد هناك قصيدة “أنا والنجوم” (Min û Estêrkan) لبيرَميرد (Piramêrd) الاسم الفني لحاجي توفيق (1867-1950). لكن ظلت الثيمات الواقعية والوطنية والاجتماعية مسيطرة وعكست الأحداث الراهنة. غنّى الشاعر عن حبِّ وطنه وأمجاد الحرية. ومثال نموذجي عن هذا التوجه الجديد كان شعر أحمد مختار جاف (1935-1897) الذي تذبذب نتاجه الشعري بين الرومانسي والثيمات الاجتماعية. وهناك أيضا حمدي فتاح بيك ساحبقيران (1878-1936) الذي دافع عن النضال المشترك للشعبين الكردي والعربي كما فعل عبد الوحيد نوري (1903-1946) والبارع زيوار ( عبد الله محمد، 1875-1948).ينسب الفضل في “تكريد” اللغة وذلك بتنقيحها من الكلمات والأشكال المستعارة من اللغات المسيطرة (العربية، والفارسية، والتركية) إلى كتّاب تلك الفترة.

لاحقا، بينما تم تبني أجناس أدبية عدة مثل الدراما الشعرية الأسطورية التي أتاحت تقديم النضال الكردي بطريقة أكثر درامية وقوة، تهدّمت بنية الشعر التقليدي. شهدت أواخر 1930 ظهور شعر مقطعي، قريب من التقليد الشفاهي، وكذلك القصيدة النثرية والشعر الحر. كان شيخ نوري شيخ صالح (1897-1958) أول من تخلى عن التقليدي. تبعه مباشرة الشاعر العظيم كوران (عبد الله سليمان، 1904-1962) الذي تخلى عن أوزان العروض العربية والفارسية التي تمتاز بأوزانها الشعرية الكمية (المقدارية) وقوافيها المفردة (الواحدة) لصالح أوزان شعرية مقطعية وقوافٍ متعددة قريبة من الشعر والأغاني الفلكلورية. أعطاه ترحاله المتكرر معرفة معمقة بالمجتمع الكردي وهذا يثار في شعره من خلال صور أدبية أصلية. فقد تم تحويل معظم قصائده، التي تبدو مثل أناشيد ثورية، إلى أغان موسيقية مغنّاة. أدت أفكاره السياسية إلى الحكم عليه بالسجن عدة مرات وهو ما أدى إلى تدهور صحته بشكل دائم. أصبحت قصيدة “أيها العدو” (Ey Reqîb) لدلدار (يونس ملا رؤوف، 1918-1948) النشيد الوطني لجمهورية كردستان المستقلة (1946) وكذلك تبناه لاحقا جميع القوميين الأكراد.

استمر الشعر بالازدهار في كردستان العراق. تتضمن قائمة الشعراء المعاصرين أسماء أخرى من أمثال أحمد هردي (المولود.1922) حيث يطغى على شعره الحزن وسليم (شيخ سليم شيخ أحمد ازيباني، 1892-1959) ودلزار (أحمد مصطفى حمي آغا حوزي. المولود.1920) الذي كتب أجمل قصائده في السجن وكذلك بيكس (فائق عبد الله، 1905-1948) الذي أصبح ابنه شيركو رائدا للجيل الجديد من الشعراء وكاميران موكري (1929-1989) وكاكَي فلَاح (المولود. 1928) وأخيرا محمد حسين برزنجي الذي كتب باسم ع.ه.ب.

 

الأدب النثري/ السرديات

ازدهر النثر مع تطور الصحف والمجلات. فكانت هناك “التقدم” (Pêskewtin السليمانية1919-1922) و”الحياة” ( Jiyânالسليمانية، 1926-1938) و”النور” (Ronakî أربيل 1949-1935) وكلاويج ( Gelawêj بغداد1939-1949) و”الأمل” (Hîwa بغداد 1959-1963). أدانت إحدى القصص القصيرة لجميل صائب (1887-1950) المسماة “في حلمي” والتي ظهرت كسلسلة في مجلة “البعث” (سليمانية) الاحتلال البريطاني. وهناك أيضا ورقة ساخرة لأحمد مختار جاف بعنوان “مسألة ضمير” تنتقد الفساد، كتبها عام 1926 إلا أنهالم تنشر حتى عام 1970. برزت الثيمات الاجتماعية بشكل أكثر مع حسين حزني موكرياني (1893-1947) حيث خضع عمله الأدبي المعنون “رجل في مجتمع إقطاعي” لرقابة الدولة فور صدورها عام 1945 كما لاقت المصير ذاته رواية “مصاعب الشعب” (Janî gel) لإبراهيم أحمد (المولود عام 1914) وهي أول رواية باللهجة السورانية ولم تنشر إلا عام 1973. أنشأ شاكر فتاح (1914-1988) القصة القصيرة الكردية ونشر قصص الأطفال مثل “أصدقاء الأطفال” (بغداد 1948) و”شعاع الشمس” (بغداد 1947) التي شجبت الفقر والاضطهاد. أما في عمله الأدبي “المرأة الكردية” (بغداد 1958) فقد دعا إلى تحرير المرأة الكردية. كذلك نشر الكاتب الموهوب محرم محمد أمين (1980-1921) “العم عمر” (أربيل 1954) و”طريق الحرية” (سليمانية 1959).

في إيران 1912-1977

اتبعت الحكومة الإيرانية سياسة الانصهار تجاه السكان من الكرد. أوجد عبد الرزاق بدرخان (وفيما بعد إسماعيل آغا سمكو) فصلية “كردستان” في أورمية عام 1912. الفترة الأدبية الوحيدة في هذه المنطقة كانت جمهورية كردستان المستقلة (يناير-ديسمبر1946) التي، رغم قصرها، شهدت ازدهار الأدب الكردي. تمت ترقية كل من الشاعرين هيمن (محمد أمين شيخ الإسلام1921-1986) وهجار (عبدالحمن شَرَفْكَنْدي 1920-1991) إلى مرتبة “شعراء الأمة”. نُشِرت العديد من المطبوعات كلها في مطبعة واحدة جلبت من الاتحاد السوفيتي: فكانت هناك جريدة “كردستان” (أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني في مهاباد، 113 عددا) و”ثرثرات الأطفال الكرد” (1946) و”هلالا” (جريدة اتحاد النساء الكرديات 1946). وكذلك نُظِمَت مسرحية “الوطن الأم” (كان موضوعها كالتالي: “الوطن الأم في خطر، إنه مكبل بالسلاسل وأنقذه أبناؤه أخيرا”) التي لاقت نجاحا كبيرا. أصبحت اللغة الكردية اللغة الرسمية للإدارة والصحافة والمدارس. إلا أنه تم قمع كل هذه الجهود لتطوير اللغة والأدب الكرديين بوحشية في المرحلة التي تلت الإطاحة بالجمهورية في ديسمبر 1946. فقد أُعدِم القادة  في آذار ونُفِيَ المثقفون.

في العراق وتركيا 1958-1990

عقب الانقلاب العسكري في تموز عام 1958 في العراق تم تبني دستور مؤقت حيث أشارت المادة الثالثة فيه للمرة الأولى بشكل رسمي إلى أن العرب والكرد شركاء في الأمة العراقية. فقد تمتعت الصحافة الكردية بحرية لم تختبرها من قبل قط. نشرت فصلية “اليوم الجديد” (سليمانية 1960) قصص محمد مصطفى كردي القصيرة وكذلك نشر رحيم قاضي عمله المعنون “بيشمركة” (بغداد 1961) الذي سرد ولادة ونهاية جمهورية كردستان 1945. وبعد فترة مبدئية من الوحدة تنكرت الحكومة العراقية لحقوق الكرد. ففي عام 1961 مُنِعت خمس صحف كردية وسُجِن محرروها. وفي شهر أيلول من العام ذاته أرسل الرئيس قاسم فرقتين عسكريتين لمواجهة كردستان وبذلك استمر الصراع بين القوميين الكرد والحكومة العراقية بعد فترات من الهدن ووقف إطلاق النار حتى عام 1975.

ساهم التمرد الطويل الأمد لأكراد العراق في تقوية القومية الكردية في تركيا وإيران اللتين أصبحتا قوتين كبيرتين في المنطقة فيما بعد. نُشِرت صحيفة “الوطن أمامنا” بالكردية والتركية في دياربكر لمدة عامين (1958-1959). وفي شهر أيلول من عام 1962 ظهرت العديد من المجلات ثنائية اللغة: “دجلة-فرات” (ثماني أعداد 1962-1962) و”اليوم الجديد” (وهي مجلة أدبية شهرية باللغات الكردية والتركية والزازائية) و”الصوت” (1963) و”الصوت الجديد” (أربع أعداد 1966). مُنِعَت هذه المجلات بسرعة واعتُقِل محرروها وحُكِم عليهم بالسجن لفترات طويلة. فقد قضى موسى عنتر (المولود 1918) الذي نشر مسرحية “الجرح المتقيح” (1965 باللغتين الكردية والتركية) سنوات عديدة في السجن قبل اغتياله في دياربكر عام 1992. كذلك اغتيل الشاعر بوشاك عام 1966. أدى نشر أمين بوز ارسلان (المولود 1934) لكتب أطفال وطبعة ثنائية اللغة من الملحمة الرومانسية “مم وزين”  إلى سجنه. نُشِرت المجلات التالية: “طريق الحرية” (مجلة شهرية باللغات الكردية والزازائية والتركية. تحرير فاروق عباس، أنقرة 1975) “التحرير” (شهرية ثقافية سياسية بالكردية والتركية. تحرير روشن أرسلان، أنقرة وإسطنبول 1976) و”شمس الوطن” (صدرت مرتين في الأسبوع بالكردية والزازائية والتركية. تحرير مصطفى آيدين، أنقرة 1977). مُنِعَت هذه المجلات وسُجِن محرروها. أدت ملاحقة المثقفين إلى لجوئهم إلى المنفى من جديد. استقر العديد من هؤلاء المنفيين في السويد حيث شكلوا مصدرا للنهضة في الأدب الكردي لا سيما المكتوب باللهجة الكرمانجية.

في نفس الفترة من عام 1959 حتى 1963 نُشِرت جريدة “كردستان” الأسبوعية برعاية الحكومة الإيرانية ونشر منها 205 عددا وهذا يعتبر عددا قياسياً بالقياس إلى المجلات الكردية الأخرى التي مُنِعَت بعد عدة أشهر من صدورها. تجمع العديد من المفكرين البارعين حول الجريدة ومن وجهة نظر أدبية حققت الجريدة نجاحاً بالرغم من أنها كانت تنشر خارج إيران وليس داخلها. سنحت الهدنة بين الحكومة العراقية والكرد (1970-74) فرصة لازدهار أدب كردي مهم في العراق. وفيما يلي اختيار موجز للعديد من الأعمال التي ظهرت في تلك الفترة.

بعد تجوال كثير وجد الشاعران هجار وهيمن ملاذا في العراق حيث استطاعا أخيراً نشر أعمالهما. وذات الشيء ينطبق على حسين قزاشس (1914-1985) وهو روائي موهوب يمتلك حس ملاحظة دقيق. نشر الشعراء والروائيون أعمالهم في 29 مجلة ودورية صدرت في هذه الفترة (2 في كركوك 6 في أربيل و4 في السليمانية). وأصبحت بغداد أهم مركز ثقافي كردي. أُنشِئت الأكاديمية الكردية للعلوم سنة 1970 وصدر أول عدد ل “مجلة الأكاديمية الكردية للعلوم” عام 1973. وبرزت ظاهرة جديدة، ستكرر في ظروف أخرى، وهي أن الكثير من المفكرين الذين كانوا قد اندمجوا لدرجة ما في الحياة الثقافية العربية توجهوا بشكل أكثر نحو الثقافة الكردية. بدأ الصحفيون والمؤرخون واللغويون والعلماء والمهندسون بالكتابة باللغة الكردية.

عانى النتاج الأدبي المنبثق من تداعيات فشل المفاوضات بين الكرد وصدام حسين،الذي كان على رأس السلطة آنذاك، وكذلك من حربي الخليج. فلم تكن هناك الكثير من الفرص لدى الكتاب والشعراء لكي ينشروا أعمالهم من خلال المطابع النقالة الصغيرة للمقاتلين الكرد. إلا أنه بالرغم من هذه الظروف تمكن كلٌّ من محمد موكري (المولود 1952)، وهو أحد أفضل الروائيين الكرد، نشر روايته الشعرية الجذابة “الانهيار” (1985) و”الانتقام” (1985) وشيركو بيكس (المولود 1945)[1] الذي قام بنشر مجموعته الشعرية، المكونة من ثلاث أجزاء، المعنونة“النسر” عام (1986).

في المهجر

وجد العديد من الكتّاب الكرد اللجوء في أوربا، حيث انضموا إلى مئات الألوف من العمال الكرد المهاجرين. فبلد مثل السويد، التي شجعت اندماج المهاجرين وساندت تطوير هويتهم الثقافية، شهدت اللهجة الكرمانجية، التي كانت تختفي في كل من سوريا والعراق في ظل انعدام الحرية، نهضة ملحوظة. بدأ المثقفون الشباب، الذين كانوا منفيين في أرض بعيدة عن الوطن والذين كانوا قد كتبوا باللغة التركية فقط حتى تلك اللحظة، بتكريد كتاباتهم بشجاعة كبيرة ومثابرة فائقة. نشر الشعراء والكتّاب أعمالهم في دوريات عدة: “الهدف” (Armanc في السويد وظهرت لأول مرة في شهر أيار، عام  1979)؛ “الفجر” (“الفجر” (Berbang في ستوكهولم ونُشِرت لأول مرة قي شهر يوليو 1982)؛ “اليوم الجديد” (Roja Nû  في ستوكهولم 1983)؛ بالإضافة إلى مجلات دورية أخرى كثيرة. قامت دور نشر مثل “الحياة الجديدة” (Jîna Nû )؛ “اليوم الجديد” ( Roja Nû)؛ “الوطن” (Welat)؛ “مكتبة سارا” (Kitêbxana SaraApec ، بالإضافة إلى العديد من دور النشر الأخرى التي قامت بنشر أعمال الكتّاب والشعراء. فنشرت القصائد المجمعة للعشراء التالية أسماؤهم: Gundî  و Rojên Barnas و Firat Cewerî  و Seydayê Keleş و Kemal Burkay. كان محمود باكسي (Mahmut Baksî، 1944- 2001)أول عضو أجنبي انتُخب في اللجنة التوجيهية لاتحاد الكتاب السويديين. وحل محله منذ ذلك الحين محمد أوزون ( Mehmed Uzun المولود عام 1953) الكاتب الموهوب، مؤلف عدد من الكتب التي حققت أفضل مبيعات والتي تُرجِمت إلى العديد من اللغات.[2] نشر Bavê Nazê روايتين وكذلك نشر كلٌّ من Nûrî Şemdîn وAhmet Cantekin و Şahîn B. Soreklî وIhsan Aksoy روايات وقصصاً قصيرة.

أصدر الناشرون المتخصصون باللهجة السورانية مجلات مثل “المعلم الكردي” (Mamostay Kurd تحرير فرهاد شاكلي، صدرت لأول مرة عام 1988 في Uppsala)؛ “العَلَم” (Ala،نُشِرت لأول مرة عام 1988 في Uppsala )؛ “النهضة” (Rabûn،صدرت في ستوكهولم عام 1992) حيث نشر أنور قادر محمد وجمشيد حيدري وحمي سيد حسن ورزكار عبد الله ورفيق صابر وكتّاب آخرون كثيرون من كردستان إيران والعراق القصائد والقصص القصيرة.

يعدُّ الكاتب والشاعر واللغوي Malmîsanij (Mehmet Tayfûn المولود عام 1952) ناشطا في تطوير (ميدان) الثقافة باللهجة الزازائية (Zaza). لديه الكثير من الطلاب الذين ينشرون في مجلات “الطاحونة” (Ayre في ستوكهولم وصدرت لأول مرة عام 1986)؛ “معاً” (Piya صدرت لأول مرة في أبريل 1988)؛ “المخيم” (Wareوهي دورية ثقافية بلهجة زازا صدرت في المانيا 1992)؛ “الكلمة، مجلة ثقافية” (Vate, Kovara Kulturî من تحرير Malmîsanij صدرت لأول مرة 1997). وفي عام 1993 نشر فاروق ايرمت مجموعة قصائد باللهجتين الكرمانجية والديملية (Dimilî) معنونة “نور عيونك” (Rondikê Çavên tî) مع دور النشر APEC في السويد وكذلك نشر الروائي منزور جم (Munzur Çem المولود بالقرب من ديرسم حوالي عام 1934) روايته المعنونة “سبعون عاما ليوسف قورزكزي” (Hotay Serra Usifê Qurzkizî) في ستوكهولم سنة 1992

في ألمانيا أصدر كل من Balî Xan و Rohat أنطولوجيا للشعر الكردي عام 1982 وكذلك نشر الروائي الشاب Brîndar  (المولود عام 1963) روايتين. نشر درويش فرحو قصائده في بلجيكا.

وفي فرنسا أوجد المثقفون الكرد المعهد الكردي في باريس عام 1983. يهدف المعهد، الذي يديره عالم الفيزياء الكردي كندال نزان، إلى تشجيع الثقافة والأدب واللغة الكردية وذلك بنشر مجلة “الأمل” (Hêvî/Hîwa)  النصف سنوية باللهجات الكرمانجية والسورانية والزازائية في باريس (بدءا من سبتمبر عام 1983) ومجلة “الدراسات الكردية” (Etudes Kurdes) النصف سنوية والتي نُشِرت لأول مرة عام 2000.

ظهر العديد من المراكز الثقافية الكردية، وإن لم يدم بعضها لفترة طويلة، في العديد من المدن في أوروبا وأمريكا الشمالية.

في إيران منذ عام 1979

لم تستجب الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي تأسست عام 1979، لتطلعات الشعب الكردي الذي تمثل بفتح مدارس اللغة الكردية ودور النشر في الأقاليم الكردية. في سنة 1986 عُقِدَ في مدينة مهاباد مجلس المثقفين الكرد من 25 إلى 27 سبتمبر ونشر أحمد قاضي (المولود عام 1935)،[3] بالرغم من الرقابة الشديدة في الجمهورية الإسلامية، مجموعة قصص قصيرة ساخرة بعنوان”الوثاق” (Baqabên 1984). كذلك نشر هاوار (Eli    Heseniyani المولود عام 1939)”المدينة المدمرة” (Şarî Wêran أورمية، 1984) التي تتعامل مع المشاكل الاجتماعية.اختار الشاعر فاتح شيخ الإسلام (المولود عام 1936) المنفى في السويد. نشر مركز صلاح الدين الأيوبي للمنشورات، الممولة من السلطات المحلية، مجلة “همس النسيم اللطيف” الشهرية (Sirwe أسسها الشاعر Hemîn ونُشِرت لأول مرة في أورمية سنة 1984 ). كانت هذه المجلة فصلية لكنها أصبحت شهرية عام 1984ونشرت أعمال إبراهيم يونسي (المولود حوالي 1920)[4]؛ فتّاح اميري (المولود عام 1946)؛ علي حسنياني (المولود عام 1939)؛ جلال مالك شاه (المولود 1955)؛ فاطمة حسين-بناهي؛ جيله حسيني (1964-1996)؛ ونجيب أحمد، الروائي والمترجم. لعبت مجلة Sirwe التي كان يحررها  أحمد قاضي دورا بارزا في تطوير الأدب واللغة الكردية في إيران، حيث لا يُشَجَع تدريس اللغة الكردية إلى وقتنا الحاضر. كانت هناك دوريات أخرى مثل “المرآة” (Awêne حررها سيد محمد موسوي في طهران ونُشِرت لأول مرة عام 1986)؛ مجلة Awiyer/Adîder(اسم جبل،حررها بهرم ولد بكي في سَنه/سنندج ونُشِرت لأول مرة عام 1996)؛ مجلة Sirwan (اسم نهر) باللغتين الكردية والفارسية وكذلك دورية “شعاع الشمس” (şk نُشِرت في العراق من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني/ كردستان إيران). مُنِعت هذه المجلات وأودِعَ محرروها السجون أو وجِهت إليهم اتهامات.

في تركيا منذ عام 1991

في تركيا، في ربيع عام 1991، اعترفت الحكومة الائتلافية للرئيس توركوت أوزال بوجود اللغة الكردية بعد نصف قرن من إنكار الهوية الكردية. أدى هذا الإجراء إلى ازدهار الأدب الكردي. متحدين الصعوبات (الحرب الأهلية في كردستان تركيا والتهديدات التي نُفِذت أحيانا في أي مكان في تركيا- لاحظ أكثر من 4500 مفكر ومثقف كردي كانوا ضحايا الإعدامات خارج نطاق القضاء) نشر الشعراء والكتّاب أعمالهم في مجلات ومراجعات بالكردية أو بالكردية والتركية والتي نشرها دور نشر في إسطنبول وأنقرة ودياربكر. وكان بإمكان الأعمال الكردية التي نُشِرت في المهجر أن تظهر الآن في تركيا وكذلك نُشِرت الترجمات الكردية والتركية للأعمال الأوربية فيما يتعلق بالدراسات الكردية. وسُمِح في عام 1991، ولأول مرة، نشر المجلة الكردية “المجلة” (Rojname في إسطنبول). نشرها أحمد أوكجوغلو بالكردية والتركية ونشرت حوالي 45000 نسخة في تركيا. صدرت في إسطنبول المجلات التالية: “الصوت” (Deng حررها حكمت جتنو 1989)؛ “اليوم الجديد” (Newroz بالتركية والكردية والزازائية، قام بنشرها حسين الاتاش، 1991)؛ “البدايات” (Nûbihar مجلة ثقافية ذات ميول إسلامية حررها سليمان جفيك، 1992)؛ ومجلة “المخيم” (War وهي مجلة فصلية تعنى باللغة والثقافة الكردية، حررها كامبر سوياك، 1997).وفي دياربكر ظهرت مجلة “الرقص” (Govend التي حررها مظهر كارا، 1991). مُنِعت المطبوعات أحيانا واعتُقِل محرروها لتظهر فيما بعد باسم جديد ومحرر جديد. ظهرت جريدة “الحرية” الأسبوعية (Azadî، حررها حكمت جتين)التابعة للحزب الاشتراكي في إسطنبول في 27 من شهر مايو 1992 ومنِعَت في 13 مايو 1994 واعتُقِل محررها أو وُجِهت إليه التهم.عاودت المجلة الظهور تحت اسم “صوت الحرية” (Dengê Azadî)في 20 مايو 1994 حيث قام بتحريرها بهرم آلابي وفوزي بريشان. ثم مُنعت في 11 من شهر آذار 1995 لتعيد الظهور باسم “النور” (Ronahî) هذه المرة في 21 مايو 1995 وحررها شمس الدين جليك، برهان اردم وإحسان توركمن. مُنِعت مرة أخرى في 10 اكتوبر 1996 وأدى ذلك إلى تغيير جديد للاسم ، وصدرت هذه المرة باسم “الأمل” (Hêvî) ومن ثم من 1يوليو 1999 باسم “اليوم الجديد” (Roja Taze).

في العراق منذ عام 1991

ازدهر الأدب الكردي في المنطقة الآمنة التي أنشاها الأمريكيون عام 1992 في أعقاب حرب الخليج الأولى لحماية الأقاليم الكردية الثلاثة ولتضمن السيطرة عليها من قبل منظمات كردية. تمتع الكتّاب والشعراء بحرية لم تكن موجودة من قبل، متكيفين مع الديمقراطية وأحزاب سياسية معترف بها قانونيا. شارك المثقفون في المنظمات والأحزاب السياسية السبعة عشر المنبثقة وكذلك طبعوا ونشروا الجرائد والمجلات وأنشؤوا محطات الراديو والتلفاز. ثم عكس الأدب مشهد الأحزاب السياسية التي انتمى إليها هؤلاء المؤلفون. ففي عام 1991 كان يُصَدر 71 جريدة ومجلة (34 في أربيل؛ 23 في السليمانية؛ 11 في دهوك؛ و3 في كركوك) وفي 1992 كان هناك 77 (38 في أربيل؛ 25 في السليمانية؛ 12 في دهوك؛ 1 في كركوك. انظر Pirbal، 2000). إلا أنه بالرغم من الانتخابات الحرة نسبيا في شهر مايو من عام 1992 لم تكن هناك سلطة مستقرة في كردستان العراق: كان الحزب الديمقراطي الكردستاني يحكم الجزء الغربي من المنطقة بينما كان الاتحاد الوطني الكردستاني يحكم الجزء الشرقي. أدى ذلك إلى تضاؤل عدد المطبوعات. بحلول عام 1993 كان هناك فقط 48. بقيت بعض المجلات الأدبية والثقافية: فكان هناك Alternatîv في السليمانية؛”الكلمة” (Peyv) و”النهضة” (Serhildan) في دهوك؛ “الصباح” (Sibêy) في أربيل. وفي نفس العام نُشِرت الأعمال الكاملة لمعروف برزنجي (Me’rûf Berzencî، 1921-1963)  في مطابع حديثة في مدينة أربيل. كذلك نشر  الروائي الموهوب محمد موكري، أو أعاد نشر رواياته: “الثأر” (Tole، الطبعة الثالثة)؛ “الانهيار” (Heres، الطبعة الثالثة)؛ “التنين” (Ejdîha)عام 1998.

في شهر مايو من عام 1994 نشب قتال بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني ما أدى إلى تقسيم هذا الجزء من كردستان. أدرك الكتّاب، المنقسمون بين الطرفين المتخاصمين، أن فجيعتهم لم تكن من إنتاج خارجي بل كانت بشكل جزئي من خلق الكرد أنفسهم. في هذا المناخ لم يكن هناك فضاء لأدب مستقل وبالتالي انضم الكتّاب والشعراء المحبطون جرّاء الوضع إلى القافلة الطويلة للمثقفين الكرد الذين غادروا إلى المنفى في أوربا والولايات المتحدة.

في 1996 نتجت الوساطة الأمريكية عن هدنة بين الطرفين المتنافسين وتشكيل منطقتين كرديتين بدءا بالتنافس فيما بينهما. فتحت جامعات السلمانية وأربيل ودهوك أبوابها لبضعة ألوف من الطلاب وظهرت حوالي مئة مجلة وجريدة مختصة في كردستان العراق: فكان هناك Hezarmêrd (اسم منطقة في السليمانية)؛ Şanedar (اسم منطقة في أربيل) وهما دوريتان مخصصتان لعلم الآثار؛ Şakar(السليمانية) و”الفن” (Huner، في دهوك) اللتين ركّزتا على الفنون الجميلة. تلقت الأعمال الهامة في الآداب الإنكليزية والفرنسية والسويدية اهتماما خاصا وذلك من خلال ترجمتها. توفر دوريات “الترجمة” (Wergêran، أربيل)؛ “العصر” (Serdem، السليمانية من تحرير شيركو بيكس) ترجمة عالية الجودة إلى اللهجة السورانية. كذلك كانت هناك مجلة تعنى بالسينما والمسرح (Sînema W Şano) وكذلك مجلات مختصة بأدب الأطفال ومجلات ساخرة مثل Sîrxurme (في السليمانية) و”الملا المشهور” (Melay Meşhûrفي أربيل). علينا هنا أن نذكر أيضا المجلات الأكاديمية: “جامعة دهوك (ZankoyDuhok)؛ جامعة صلاح الدين (Zankoy Selahdîn، أربيل)؛ و”المجلة الوطنية” (GovarîDewlî) التابعة لمركز الدراسات الاستراتيجية في السليمانية.

اعتُبِر الحظر الاقتصادي (والثقافي) المفروض من قبل المجتمع الدولي[5] ومن قبل بغداد وانقسام المنطقة الكردية إلى منطقتين، اعتُبِر كارثيا من قبل الشعراء والكتاب الكرد. تمرد جيل شاب غاضب على السلطات التي انتقدوها لعدم قدرتها على حل مشاكل الكرد السياسية والاجتماعية.تجمع هؤلاء في اتحادات ولجان الكتّاب الشباب. ففي دهوك، تجمع كلٌّ منMuhsin Quçan و Selman Kuvlî و Hizirvan و Isma’il Badi و Fazil Amir  و Şukrî Şebaz حول مجلة “الحداثيون” (Nûxwaz، ثلاثة أعداد). في عقرى، دعم الكاتبان آزاد دارتاش و أمير فندي بدعم هذه المجموعة الآنفة الذكر. وفي السليمانية، جمَّع “نادي كتاب القصة القصيرة” فاروق هومر وعطا محمد (Ita Mihemmed) ووتاكو كريم، بالإضافة إلى آخرين كانوا يتطلعون إلى تجديد القصة القصيرة الكردية. وفي نفس المدينة عبّر جيل جديد من الكتاب عن آرائهم في مجلة “الكلام” (Gutar، من تحرير أحمد ورايمار محمود). كذلك نشطت الاتحادات والجماعات التالية: “جمعية نقابة الكتّاب” (Komeley Hawarêyanî Şêwkarî) و”اتحاد الثماني” (Komeley Heşt) و”المجموعة الضبابية” (DesteyTem) حيث كانت كلها منغمسة في تجديد الفنون البصرية.

في أربيل نجح اتحاد الكتّاب، الذي كان قد نشر بياناً ثقافياً مهما في مجلة “الدمار” (Wêran) في ربيع عام 1994، في خلق جو مليء بالحيوية حيث تمكن فنانون من أمثال حمدي حسن وجيلو طاهر (Cilo Tahêr) ونهاد جامي (Nîhad Camî) وصادق محمد وآخرين من تنظيم مسرحيات أصلية.

كذلك برزت كاتبات: نشرت كلٌّ من Kecal Ehmed، Shirin K.، Kazîwe Salih، Erxewan، Maria Ehmed، Sara Efrasiyab، Behre Muftî و Elham Mensûr قصصاً قصيرة وقصائد. هنا يتوجب علينا ذكر كلٍّ من الكتّاب التالية أسماؤهم الذين يعيشون في الخارج بينما طُبِعت أعمالهم في كردستان العراق: Necîbe Ehmed Hekim، Mehabad Qeredaghi، Rewas Caf و Nezend Begikhani.

ما يثير الانتباه هو التوجه الجديد لاستخدام الأبجدية اللاتينية بدلا من العربية كما يحدث الآن في أربيل ودهوك وزاخو وعقرى في قضاء بهدينان. في أربيل، تُصدر مجلات “دجلة” (Dicle) وGolanî Latînî بالأحرف (الأبجدية) الكردية-اللاتينية التي تُعرف بشكل عام بأبجدية Hawar.[6] تستخدم بضع مجلات وجرائد تصدر باللهجة البادينانية الأبجدية اللاتينية بشكل جزئي: “الكلمة” (Peyv) “لالش” (اسم منطقة) و”دهوك” (اسم مدينة).كان لهذه “الثورة الثقافية” في كردستان العراق هدف مزدوج: إقامة علاقات أوثق مع كرد تركيا وسوريا والمهجر وكذلك تشجيع التواصل بين الكتّاب والشعراء الكرد في البلدان المتعددة من خلال استخدام أبجدية مشتركة. تعدُّ هذه خطوة مهمة في طريق توحيد كردستان واللغة الكردية.

كذلك اتُخِذت مقاربات مماثلة تجاه العالم العربي: نُشِرت المجلتان “الحوار” (Peyivîn/al-Hîwar) “والربيع” (Golân) باللغة العربية. تأسس تبادل ثقافي مهم بين المثقفين الكرد في العراق وإيران وعُقِدت اجتماعات دورية بين الاثنتين والتي برهنت على منفعتها المتبادلة.

في أرمينيا المستقلة

في أرمينيا، حيث يعيش معظم كرد الاتحاد السوفياتي السابق، غير النظام القومي الذي يقوده حزب الطاشناق حياة الكرد بشكل كلي. أدت انتصارات الأرمنيين في كاراباغ واحتلال الأراضي الأذربيجانية والحرب اللاحقة بين الدولتين إلى ترحيل المسلمين الأرمينيين، من ضمنهم 20000 كردي الذين كانوا يعيشون حتى ذلك الوقت بسلام وانسجام مع جيرانهم. لجأ هؤلاء الأكراد إلى مدن روسية مثل كراسندور وستافروبول. فقط بقي الكرد الأزيديون في أرمينيا وعومِلوا بتسامح. وبدأ الأدب الكردي في أرمينيا، الذي تمتع بظروف جيدة منذ 1930، بالاضمحلال. فبدأت مجلة “الطريق الجديدة” (Riya Taze) التي كانت تُنشر مرتين في الأسبوع بالظهور بشكل متقطع وذلك لأن هناك فقط ثلاث أشخاص يعملون كمحررين ويطبعونها على نفقتهم الخاصة. أوجد شاكرو مكوي (Şakiro Mgoi) المركز الثقافي الكردي في موسكو (Kurdskiî Nauchno-Prosvetitel’ski Tsentr) حيث نشر أعمال المختصين من الكرد والروس بالدراسات الكردية من أمثال م. س. لازاريف (M. S. Lazarev) وم. أ. حسرتيان (M. A. Hasratian) و وي. جيكالينا (O. I. Gigalina) ا. ه. باركيروف (A. H. Bargirov) ي. ا. سميرنوفا (I. A. Smirnova) و ك. ر. أيوبي (K. R. Ayubi). نُشِرت “مذكراتي” (Bîranînêd Min) لأحمد ميرازي في مجلة  Hawar.

يشير ازدهار الشعراء والكتّاب والمفكرين الكرد بداية في العراق والاتحاد السوفياتي سابقا ثم في إيران واليوم في تركيا إلى أن التطورات القومية والثقافية تسير بشكل متواز، جنبا إلى جنب.

 

[1]توفي شيركو بيكس عام 2013(ملاحظة المترجم)

[2]توفي محمد أوزون عام 2007 (ملاحظة المترجم)

[3]توفي أحمد قاضي في 7 حزيران 2015(ملاحظة المترجم)

[4]توفي إبراهيم يونس في 8 شباط 2012 (ملاحظة المترجم)

[5]كان الكرد يعانون من حظر ثلاثي- من الأمم المتحدة بعد حرب الخليج عام 1991 ومن قبل بغداد ومن قبل جيران العراق الذين كانوا قلقين من أن أي حكومة كردية ناجحة في العراق ستحرّض الكرد في الدول المجاورة للعراق.

[6]نسبة إلى مجلة هاوار التي كانت تستخدم هذه الأبجدية (المترجم).

شارك هذا المقال: