تمهيد
شهدت الأزمة السورية المتفاقمة فشلاً آخر على صعيد مسار الحل السياسي بعد دخولها غرف الجولة الثالثة من مفاوضات جنيف3 في 13 نيسان/ إبريل 2016. ومنذ ذلك الحين لم تهدأ الجهود الظاهرية الحثيثة من الراعيين الأساسيين الأمريكي جون كيري والروسي سيرغي لافروف لتقريب وجهات النظر واطلاق جولة جديدة للمفاوضات في أقرب وقت برعاية الموفد الدولي ستيفان دي مستورا قائد الأوركسترا الظاهري، الذي ينظّم العملية التفاوضية بين وفد المعارضة السورية من جهة ووفد النظام من جهة أخرى بناءً على الأسس والتعليمات التي يتلقاها من وراء الستار من الراعيين الأساسيين، واستناداً إلى بيان جنيف في حزيران/يونيو 2012، وقرار مجلس الأمن 2254 الصادر في كانون الأول/ ديسمبر 2015، لفتح الباب أمام جولة جديدة من المفاوضات لإيجاد حلٍّ سياسي للأزمة السورية للانتقال بسوريا إلى مرحلة جديدة بنظام سياسي جديد علّه يضع حداً للحرب التي دخلت عامها السادس في البلد، ومن ثم يأخذ على عاتقه حلّ جملة من القضايا المتراكمة والمستفحلة فيه منذ الانتداب الفرنسي وحتى الوقت الحاضر، وعلى رأس تلك القضايا قضية الشعب الكردي الذي يعاني أشد حالات الاضطهاد من نكران لوجوده وحقوقه منذ تأسيس الدولة السورية الحديثة في العشرينيات من القرن الماضي.
ترافق البدء بالجولة الثانية لمفاوضات ‹جنيف 3› تصريحات حول الشكل الفيدرالي للنظام السياسي القادم في سوريا والذي فجّر هذه القنبلة كان تصريح الدبلوماسي الروسي سيرغي ريفكوف نائب وزير الخارجية سيرغي لافروف، وقد جاء تصريح المسؤول الروسي متناغماً مع تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عن احتمال تقسيم سوريا عشية البحث عن صيغة لمرحلة انتقالية في مفاوضات ‹جنيف 3›. ومن جهته أوضح دي مستورا، في حديث لقناة الجزيرة يوم الخميس 10/3/2016، إنّ «السوريين كلهم رفضوا تقسيم (سوريا) ويمكن مناقشة مسألة الاتحادية في المفاوضات».
وكان مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، قد دعا الكرد في سوريا قبل ذلك إلى الوحدة والاتفاق وتبني الفيدرالية كنظام حكم، المطلب الذي يتبناه المجلس الوطني الكردي منذ مؤتمره الأول في26/10/ 2011.
وسرعان ما أقدمت ‹الإدارة الذاتية› وحزب الاتحاد الديمقراطي وحركة المجتمع الديمقراطي على حلّ الكانتونات الثلاثة: الجزيرة، وكوباني ، وعفرين، وإعلان الفيدرالية “فيدرالية روج آفا- الشمال السوري” محلها وذلك في 17/3/2016 في مدينة الرميلان.
الفيدرالية وردود الفعل المختلفة
لقد أثارت هذه الخطوة الانفرادية من الاتحاد الديمقراطي حفيظة المعارضة السورية قبل النظام السوري، وجاءت ردود فعل غاضبة من الطرفين، ناهيك عن الموقف المعارض لكل من تركيا وإيران الدولتين الفاعلتين في الأزمة السورية، وأطراف إقليمية ودولية أخرى.
تطابق الموقف السلبي للنظام السوري تطابقاً كاملاً مع موقف المعارضة من الحقوق الكردية المشروعة، مثلما تطابق موقف إيران وتركيا من تلك الحقوق، رغم الفرق الشاسع في رؤيتهما من النظام السوري.
باختصار، اتسم موقف كل من النظام السوري ومعارضته وتركيا وإيران بالرفض المطلق للحديث عن أي مطالب كردية تفوق حقوق المواطنة والهوية السورية.
وهنا لا بد من الوقوف عند هذه النقطة واستعراض المواقف المتباينة المتعلقة بحقيقة الوجود الكردي في سوريا تاريخياً، النقطة التي يستند عليها معظم الفرقاء في نفيها لمطالب الكرد في سوريا. فما هي حقيقة الوجود الكردي في سوريا؟ وهل يشكّل الكرد القومية الثانية في البلاد ولهم وجود جغرافي وتاريخي قديم، أم أنهم مهاجرون في سوريا، وأن نسبتهم هي دون الحدّ للمطالبة بحقوقهم كشعب؟
قبل الإجابة عن هذه الأسئلة، من المفيد استعراض مواقف المعارضة السورية من حقوق الكرد في سوريا من جهة، وموقف النظام من تلك الحقوق من جهة أخرى.
ففي أواخر عام 2011 صرّح العلماني د. برهان غليون، رئيس المجلس الوطني السوري في حينه، في لقاء تلفزيوني مع قناة ‹دوتشه فيلى› ردّاً على سؤال بخصوص ما يطالب به الكرد من تطمينات لعدم اقصائهم في سوريا المستقبل، قال: «إنّ هوية الدولة السورية عربية كون أغلبية السكان من العرب، وأن المكونات القومية الأخرى في سوريا هي جماعات أو تجمعات قومية تشبه وجودها تواجد المسلمين والمهاجرين الآسيويين في فرنسا».
وفي حديث منشور في ‹صوت الكرد› بتاريخ 25/ 11/ 2011 للسيد علي صدر الدين البيانوني القيادي في جماعة الأخوان المسلمين أثناء محاضرة في غرفة صوتية على البالتوك بتاريخ 24/11/2011 أكّد بأنه لن يقبل بحق تقرير المصير للشعب الكردي في سوريا و لن يقبل أيضا بأي مشروع يتبنى لامركزية نظام الحكم (الفيدرالية) في سوريا الجديدة. و كان البيانوني قد قال في حديث سابق لفضائية الجزيرة بأن أكثر من 90% من الشعب السوري هم عرب و مسلمون سنّة، وذلك في إشارة منه إلى أن عدد كل الأقليات القومية والدينية لا يتجاوز الـ 10%.
وفي آب/أغسطس 2012 قال أيضاً في برنامج ‹نقطة نظام› على قناة العربية الفضائية بأن: «الكرد لا يشكّلون أغلبية في المناطق الكردية وخاصة في منطقتي الحسكة والقامشلي».
وفي تصريح للمعارض الحقوقي هيثم المالح على قناة العربية نشره ARA News في 13/8/2013 قال: «إن الكرد هم عرب نسوا انتمائهم القومي، وقال أيضاً: حقوق الكرد غير مشروعة».
أما سمير النشار القومي العلماني، عضو الائتلاف السوري المعارض، يقول في مقابلة أجرتها معه كردووتش في 8 آب/ اغسطس 2011:
(كردووتش: أهم مطالب الكرد هي الاعتراف الدستوري بهم كقومية ثانية في سوريا. هل هذا ممكن؟
سمير النشار: لا يمكنني قول شيء في هذا الخصوص. أنا شخصياً لا أقيم اعتباراً للقوميات في هذا الخصوص. أنا شخصياً لا أقيم اعتباراً للقوميات بما فيها القومية العربية…يتخوف بعض القوميين العرب أن يؤدي الاعتراف الدستوري بالأكراد كقومية ثانية في المستقبل إلى مطالب من قبيل التقسيم أو حق تقرير المصير أو ‹الإدارة الذاتية›. الأكراد هم مواطنون سوريون ككل المواطنين العرب والآشوريين والأرمن والشركس والآخرين).
وعندما كان ضيفاً على برنامج (2 Alî) قبل شهرين في قناة رووداو الكردية مع الدكتور عبدالرزاق جانكو، قال: «بالمعنى السياسي لا يوجد شيء اسمه الشعب الكردي، المكون الكردي في سوريا جزء من الشعب السوري، نعم يوجد الشعب الكردي بالمعنى الثقافي في سوريا وتركيا والعراق وإيران وأذربيجان وفي دول أخرى، وفي أوربا يوجد الكرد، هذا كلّه بالمعنى الثقافي وليس بالمعنى السياسي».
وفي مقال بعنوان (أين أمست القضية الكردية) منشور في موقع “كلنا شركاء” بتاريخ 17/6/ 2015، كتب الليبرالي د. كمال اللبواني: «لن تكون بعد اليوم القضية الكردية قضية حقوق انسان، بل قضية جنايات دولية، وعلى العالم كله أن يتعرّف عليها بوجهها الجديد، الذي لا يقل قباحة عن الوجوه القبيحة التي ظهرت علينا وثـِرْنا عليها وما نزال، وعلى دول المنطقة أن تتعظ مما يجري، وعلى شعوبها أن تحمل السلاح وتقاتل…. نقاتلها من أجل الحضارة التي أصبحت في مكان لا تستطيع القضية الكردية أن تدخله».
أما سفير الائتلاف السوري المعارض في باريس منذر ماخوس، وفي ردّ على سؤال طرحت عليه قناة روداو الكردية حول حقوق الكرد، وإذا ما كان يحق لهم المطالبة بالفيدرالية، قال: «نحن نقول منذ فترة طويلة إن المعايير الجديدة في سوريا هي معايير المواطنة بغض النظر عن الخلفية الأثنية أو الطائفية المذهبية». وعمّا إذا كان طلب الفيدرالية للكرد مشروعاً، قال: «نحن لا نعتقد ذلك، هناك مكونات أخرى ويجب المحافظة على هيكل الدولة، والعمل على كيانات شبه منفصلة ليس لصالح الشعب السوري ولا الكرد». (منشور في أورينت نت في 3/2/2016).
وفي تصريح لوكالة (آكي) الإيطالية في 12 آذار/مارس 2016، حذّر المعارض السوري، ميشيل كيلو العلماني، في لقاء تلفزيوني مع (مدار اليوم) من أن: «السوريين لن يسمحوا بإقامة كيان مشابه لإسرائيل على أرض سوريا، مشيراً إلى مشروع الفيدرالية الذي أعلنت عنه تشكيلات سياسية وعسكرية في شمال شرق سوريا بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) وذراعه العسكري وحدات حماية الشعب. وأكد كيلو أنه لا توجد أرض كردستانية في سوريا، إنّما يوجد مواطنون أكراد لهم كل الحقوق القانونية وحقوق المواطنة، وأن لهم الحق في أن يديروا شؤونهم بأنفسهم ضمن توافق سوري عام على شكل الدولة، لكن لا توجد أي وثيقة دولية تتحدث عن أرض كردستانية في سوريا».
وفي تصريح لرئيس الوفد المعارض في مفاوضات جنيف أسعد الزعبي لراديو أورينت قال: «إنّ الكرد لا يشكلون 1% من عموم الشعب السوري، وإنهم كانوا ينتظرون في عهد حافظ الأسد ورقة تثبت أنهم بشر».
وعن طروحات الفدرلة، شدّد رأس الهرم السياسي في النظام السوري، بشار الأسد، في تصريح لجريدة الأخبار اللبنانية في 8 إبريل/ نيسان 2016 على أن «أي حبة تراب سورية سندافع عنها وهي ملك للشعب السوري. لا بحث ولا امكانية ولا فرصة لتقسيم سوريا. هذا كلام واهم لا قيمة له. أما فيما يتعلق بتطلعات بعض القيادات الكردية، فإما أن هؤلاء واهمون أو أنّهم لا يعرفون حقيقة الوجود الكردي في سوريا تاريخياً»، وأضاف: «بعد هزيمة المؤامرة الخارجية التي استهدفت سوريا، تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها الاستثمار في المسألة الكردية ولن ينجحوا»، لافتاً الى أن المنطقة التي أعلنت فيها الفيدرالية لا يزيد عدد الاكراد السوريين من سكانها على 23 في المئة، «وهذا ما يجعل الفدرلة وهماً».
يمكن الاكتفاء بهذه التصريحات لأنها تعكس، بما فيه الكفاية، الذهنية العامة لدى القادة السياسيين في المعارضة والنظام على حدّ سواء، ورؤيتهم تجاه المسألة الكردية في سوريا.
ومن الواضح أن جملة التصريحات بخصوص الكرد ونسبتهم وبالتالي حقهم في سوريا تتقاطع وتكمل بعضها بعضاً، ينعدم الفرق بين رؤية النظام والمعارضة، فكلا الطرفين يتحاشيان طرح قضية الشعب الكردي في سوريا وحقوقه المشروعة كشعب يعيش على أرضه التاريخية كما يتحاشى القط طبق الحساء الساخن.
إنهما يتسابقان على إلغاء الوجود الكردي مستخدمين المنطق ذاته، والعقلية الاقصائية ذاتها، بل حتى أنّ الليبرالي د. كمال اللبواني راح يحرّض حكومات المنطقة وشعوبها على حمل السلاح لمحاربة الكرد، وحِراسة بوابات الحضارة ومنعهم من الدخول إليها !!.
في المقابل هناك تيار آخر من الكتاب العرب والترك الذين تحرروا من هذه الرؤية العدمية للأمور، وتبنوا رؤية أشمل وأعمق لمجمل القضايا وخاصة تلك التي تمس وجود الشعب الكردي وحقوقه. إنّهم يرصدون واقع هذا الشعب من المنظور التاريخي والإنساني والحقوقي، ويسعون لتأسيس فكر يكون العنصر الأساسي فيه الانفتاح وقبول الآخر المختلف وإقامة علاقات متكافئة معه.
وفي هذا السياق يمكن الاستشهاد بما قاله عالم الاجتماع التركي الشهير إسماعيل بيشيكجي الذي قضى سبعة عشر عاماً وشهرين في السجون التركية بسبب مواقفه المبدئية ودفاعه المستميت عن الشعب الكردي وحقه في تقرير مصيره:
«إنّ الأكراد ليسوا أقلية، فهم يعيشون في وطنهم وعلى أرضهم. وهم السكان الأصليون لهذه البلاد. ولم يأتوا إلى كردستان من إقليم أو منطقة أخرى. وعلى العكس من ذلك، لم يصل الأتراك، على سبيل المثال، إلى الأناضول إلا في القرن الحادي عشر الميلادي. فالأكراد ينتمون، شأن العرب والفرس، إلى السكان الأصليين في الشرق الأدنى. وينفرد الأكراد من بين هذه الشعوب في أنهم قُسّموا وشتتوا ووزعوا بمشيئة سياسة إمبريالية واستعمارية. وقد أدى هذا التقسيم وهذا التوزيع للأراضي الكردية بين مختلف البلدان إلى خفض نسبة السكان الأكراد داخل حدود كل دولة. ويجدر التأكيد على أن من الصعوبة بمكان الحديث عن أقلية يتراوح عددها بحدود 30 مليون نسمة». (كردستان مستعمرة دولية ص26)
وكتب الأستاذ جهاد الخازن، الكاتب والصحفي الفلسطيني اللبناني، في زاوية «عيون وآذان» في جريدة الحياة في ٢٤ آذار/مارس ٢٠١٥ مادة تحت عنوان «لست من هذه الأمة» قال فيها:
«أسجّل هنا على نفسي أنني أؤيد قيام دولة كردية في مناطق الأكراد من تركيا وسوريا والعراق وإيران. هم وحدهم قاوموا الإرهاب والإرهابيين وحموا أنفسهم، وأثبتوا أنهم أكثر استعداداً للحكم وأعبائه من عرب فتحوا الأبواب لعصابات إرهابية تقتل المسلمين والمستأمنين»، ويضيف: «قررت أن أطلّق الأمة العربية طلاقاً بائناً لا عودة عنه. لن أكون من أمّة تقتل أبناءها، تدمّر مستقبلها، تنفّذ ما يريد أعداؤها، ثم تتهم الآخرين ودم الأبرياء على يديها».
في حين يقول الكاتب العراقي هادي العلوي عن الأمة الكردية في معرض وصفه لكتاب «ميديا» -إ.م. دياكونوف، ترجمة وهبية شوكت:
«أعرق أمّة في هذه المنطقة التي يسميها الغربيون (الشرق الأوسط) ولعلهم أسبق وجوداً فيها من أولى الموجات السامية كالأكديين، ومن المؤكد أنهم أقدم من الآراميين والعرب، ولا شك أنهم أقدم من الأتراك الذين لا يزيد عمرهم في آسيا الصغرى على السبعة قرون. ومن المتعارف عليه بين الأثريين والمؤرخين أن دولة ميديا كردية. ولعلها الدولة الكردية الوحيدة التي ظهرت في التاريخ، فقد خضعت كردستان بعدها لإمبراطوريات أجنبية جزأتها أو ألحقتها بها كاملة. واستمرت على هذه الحال حتى اليوم…».
الوجود الكردي التاريخي في سوريا
إنّ الوجود الكردي في سوريا هي حقيقة تاريخية يعود إلى آلاف السنين قبل الميلاد. وتناولَ هذا الوجود مؤرخون وعلماء آثار لا علاقة لهم بالكرد لا من قريب أو من بعيد. بل كل ما فعلوه هو أنهم اتبعوا المنطق العلمي المحض في التعرّف على الأمم الغابرة التي سكنت هذه الأرض وأقامت فيها حضارات قديمة لم تندثر آثارها حتى يومنا هذا.
لقد توصل أغلب المؤرخين والمستشرقين وعلماء الآثار إلى أن الكرد هم عبارة عن مجموعة بشرية تنحدر عن المجموعة الهندو-أوربية وتنتمي إليها عرقياً ولغوياً، وأن موطنهم يقع في مرتفعات آسيا الغربية بين إيران وأرمينية وسوريا وتركيا والعراق. وطالما أن مسألة الوجود الكردي التاريخي في سوريا هي موضوع الحديث، لابدّ من التنويه إلى اتفاقية سايكس –بيكو التي قسّمت المنطقة إلى مناطق نفوذ سرعان ما تبلورت واكتسبت صفة دول حديثة التكوين جغرافياً كسوريا والعراق، ولم يكن آنذاك التقسيم على أساس حقوق الشعوب القاطنة في المنطقة، بل كان تقسيماً استعمارياً على أساس المصالح بالدرجة الأولى. ولابدّ من اللجوء إلى التاريخ والاستناد إلى الأدلة والوقائع التي تثبت الوجود الكردي في سوريا، رغم اليقين بأنّ إنكار الحقوق الكردية في سوريا، كما في الأجزاء الأخرى من كردستان، هو إنكار سياسي بالدرجة الأولى لا علاقة له بمنطق الحقائق التاريخية الدالة على وجوده كشعب عريق من شعوب المنطقة.
لا ينتاب معظم الباحثين القدامى منهم والجدد على حدّ سواء أي شك بأنّ أجداد الكرد هم خليط من الأقوام والشعوب التي سكنت المنطقة، كـ ‹الهوريين والسوباريين والميتانيين والميديين›، وما الشعب الكردي الحالي سوى المولود الطبيعي من تمازج واندماج تلك المجموعات البشرية، وبهذا الصدد يقول ديفيد مكدويل: «إنّ الشعب الكردي هو كل هؤلاء، في رأيي، والذين لديهم شعور مشترك بانتمائهم إلى الهوية الثقافية الكردية، نتيجة لعيشهم في بيئة واحدة».
أما المؤرخ السير سيدني سميث يقول بصدد تسمية Cyrtii كأول ذكر للكرد في القرن الثاني للميلاد: «إنّ السوباريين كانوا يقطنون منطقة شمالها بحيرة وان وشرقها كركوك وجنوبها بابل وغربها وادي الخابور والسوباريون ذاتهم عرفوا باسم الهوريين في القسم الغربي من نهر الفرات، ودانت لهم السيطرة على القسم الأكبر من سوريا في القرن 18 ق.م، حتى أنّ المصريين القدماء كانوا يطلقون على سوريا اسم بلاد هورو.
كما أنّ العالم هورست كلينكل يقول: «إنّ الهوريين بدؤوا بالظهور في سوريا منذ مطلع الألف الثالث قبل الميلاد».
ودعماً لآراء المؤرخين والمهتمين بالحضارات القديمة التي ظهرت في سوريا، اكتشف عالم الآثار البروفسور جورجيو بوتشيلاني، البروفسور في جامعة كاليفورنيا، بأنّ الآثار التي تم التنقيب عنها في تل موزان قرب مدينة عامودا تعود إلى ملوك الهوريين وأنّ التل المذكور هو ‹أوركش› عاصمتهم ما بين 2300-2500 ق.م، وكانت جبال زاغروس تحدّهم شرقاً وجبال ماردين شمالاً ونهر الخابور غرباً.
وفي القرن السادس عشر قبل الميلاد بدأ اسم الميتانيين كعرق هندو- أوربي بالظهور بعد أن أسسوا مملكتهم التي كانت تسمى ‹بالمملكة الهورية الميتانية › والتي دلت الحفريات على أنّ عاصمتها كانت ‹واشوكاني› الواقعة في موقع تل الفخّارية المحاذي لبلدة رأس العين، وهي المملكة التي انحصرت بين نهري الفرات غرباً والخابور شرقاً، وفي امتزاج الهوريين بالميتانيين يقول الدكتور فيليب حتّي « كان الهوريون في هذه المملكة يشكّلون أكثرية السكان ولكنّ الأرستقراطية كانت من الآريين» والجدير ذكره هو أنّ هذه المملكة بلغت أوج قوتها عام 1450ق.م عندما احتلت عاصمة الآشوريين التي بقيت خاضعة لنفوذ الهوريين من 1450-1375 ق.م».
أما الدكتور توفيق سليمان يقول «إنّ هذه المملكة امتدت من أروافا في مقاطعة كركوك الحالية شرقاً وحتى إمارة ‹موكيش› في الجنوب الغربي من حلب».
وبعد سقوط نينوى عام 612 ق.م، سيطرت إمبراطورية ميديا على كامل المنطقة وامتدت حدودها عبر دجلة إلى شمال مدينة أكاد، وفي قوس كبير اتجهت شمالاً من آشور والموصل ثم بشكل منحنٍ غرباً باتجاه شمال سوريا الحالية لتجتاز حدود الإمبراطورية نهر الخابور، مروراً بالقرب من جبل عبد العزيز (جنوب غرب الحسكة) إلى نهر الفرات غرباً.
وإنّ الآثار المكتشفة في تل شاغر بازار، وتل براك، وتل الفخارية، وتل موزان، الواقعة في محافظة الحسكة، على يد البعثة الأثرية البريطانية برئاسة ماكسويل مالاوان، والبعثة الأثرية الألمانية برئاسة أنطون مورتفات بين عامي 1955 و1956 وبعثات أثرية أخرى تؤكد بأنّ المحافظة كانت موطناً تاريخياً لأجداد الكرد من الهوريين والميتانيين، حتى أنّ منطقة عفرين لا زالت تحتضن ضريح أحد أنبياء الهوريين الذي يعرف باسم ‹النبي هورو›. وعند ظهور الإسلام واعتناق الغالبية العظمى من الكرد لهذا الدين، نشأت دول وإمارات كردية بعضها كانت ذات طابع اسلامي، والبعض الآخر كانت على أساس عشائري، ومن أهمّها:
الإمـارة الدُّوْسِتكية، وتُسمى في المصادر العربية باسم الدولة المروانية، وقـد نشأت هـذه الدولة سنة 372هـ/ 982م، وظلت قائمـة إلى سنة 478هـ/ 1086م، وتأسّست في شمالي كُردستان، وشمل حكمها جميـع الأراضي الواقعة في ولايات ديار بكر وماردين وسِعِرْد (سِيرت) وبَدْليس، وقسماً من ولاية مُوش، إضـافةً إلى قضاء أَرْدِيش (أَرْجِيش) من ولاية وان، وأجـزاء من ولايات آلَزِگ (العـزيز= خَرْبوت= خَرْتَبِرْت= حِصن زياد) وولاية أُورفـا (رُهـا)، وجزءاً من مناطق غربي كُردستان حتى نهر دجلة. (عبد الرقيب يوسف: الدولة الدوستكية، 1/ص14).
الدولة الأيوبية ( 1172-1250م)، وكانت تبسط سيطرتها على كل المناطق في بلاد الشام.
إمارة جان بولات عام 1607 م، والتي تمركزت في “كلس” شاملةً جبال الأكراد ومنطقة عفرين برمتها.
إمارة بدرخان باشا 1812-1848 م، كان مركزها بوطان وشملت ما يعرف اليوم بمنقار البط وكامل الجزيرة السورية حالياً.
إمارة إبراهيم باشا الملي والتي امتدت لمسافة 50 كم جنوب بلدة رأس العين وحتى نهر الفرات غرباً.
أمّا بخصوص الخرائط المتعلقة بوجود الكرد في المنطقة، فهناك أول خريطة تضمنت تعريفاً بالكرد وبلادهم وهي خريطة محمود الغشقري عام 1076 م.
كما أن الكاتب الدانماركي كريستين نيوبوهر وزّع خريطة حول رحلته عام 1764م إلى منطقة الجزيرة في سوريا مؤكداً في خريطته تلك، على وجود أربعة عشائر كردية هي الملي-الكيكان-الدقورية-الآشيتي، وهذه العشائر لا زالت متواجدة في نفس مناطق سكناها الموضحة في تلك الخريطة.
ويؤكد ب. روندوت في كتابه‹الأكراد في سوريا› بأنّ بعض العشائر مثل الكيكان كانت موجودة في المنطقة قبل مجيء صلاح الدين الأيوبي وإنشاء الدولة الأيوبية، أي قبل عام 1200م، وهو ما أكده المسعودي في كتابه “التنبيه” ص 88-89، علماً بأن هناك الكثير من المعالم الطبيعية والجغرافية المهمة لا زالت تعرف باسم هذه العشيرة أو تلك.
وفي كتابه ‹عشائر الشام› 1917 يقول أحمد وصفي زكريا: “على أنّ السواد الأعظم من عشائر الأكراد يقطن محافظة الجزيرة ويمتد من أقصى شمالها الشرقي في قضاء ديريك قرب نهر دجلة ويتجه نحو الغرب إلى قضاء القامشلي ثم إلى ناحية رأس العين». ويعدد الكاتب أسماء العشائر بالترتيب الصفحات 658 -664.
وكما أنه يذكر في كتابه ‹جولة أثرية في بعض الأنحاء الشامية سنة 1934م›: «والأكراد يكثر وجودهم في شمالي بلاد الشام على مقربة من الحدود التركية الحالية كالذين في شمالي نهر عفرين في الجبل المسمى جبل الكرد (كرداغ) والذين في حرة اللجة شمالي العمق وفي أقضية أعزاز والباب وجرابلس والأقضية في الشمال الشرقي من لواء الجزيرة الفراتية: وكل هؤلاء أكراد أقحاح لم تتصل إليهم العربية في شيء» ص 331.
كما أن الأستاذ علي سيدو كوراني يذكر في كتابه (من عمان إلى العمادية أو جولة في كردستان الجنوبية سنة 1939) ما يلي:
(الأقضية الكردية في سوريا الشمالية:
لواء الجزيرة- لواء ينقسم إلى ثلاثة أقضية هي: دجلة، والقامشلي، و الحسيچة (الحسيكة) ويبلغ مجموع السكان فيه 173850 نسمة، منهم 4955 أرمن يقطنون في القامشلي، وعين ديوار، وديريك، ورأس العين، و الحسيچة. و (9000) آشوريون على ضفاف الخابور والفرات. و(83000) سريان موزعون في بلدان الجزيرة. و (30000) أعراب يقيم نصفهم في قضاء الحسيچة وهم (5000) من البقارة و(5000) من الشمر، و(5000) من الجبور، والنصف الثاني في قضائي القامشلي ودجلة وهم (10000) من طي في القضاء الأول و(5000) من شمر في القضاء الثاني. وأما الأكراد فيبلغ تعدادهم (92000) يقطنون في القرى والأقضية الآتية:
وهناك إيزيديون متفرقون يبلغ عددهم 5000 نسمة يضاف إلى مجموع الأكراد الذي يبلغ بذلك (115500).
أخذت هذه المعلومات الأخيرة من (ملى زاده سامي بك) أحد وجهاء الأكراد في الحسيچة ويضاف إلى العناصر الأخرى 600 يهودي يتكلمون الكردية).
لقد تطرق الأستاذ علي سيدو كوراني في كتابه المذكور آنفاً إلى الوجود الكردي أيضاً في جرابلس ومنبج وقضاء الباب وقضاء كرداغ (جبل الكرد) ولواء اسكندرونة، ولكن دراسة الأستاذ علي مسلم (الكرد في منطقة الباب وأطرافها) التي نشرها في كتاب عام 2015 تعدّ الأول من نوعها لغزارة المعلومات الواردة فيها عن الكرد في تلك المناطق من كل النواحي.
ويمكن الاستنتاج مما تقدّم أنّ للشعب الكردي وجود تاريخي في سوريا، وأنّهم ليسوا غرباء أو مهاجرين تسللوا إليها عبر الحدود، ومع ذلك يمكن القبول بنقاش الرأي القائل بأنّهم مهاجرون اجتازوا الحدود السورية قادمين من تركيا بعد أحداث ثورة شيخ سعيد عام 1925. إنّ أصحاب هذا الرأي يعتبرون بلا جدل أن ثمة أراضٍ سورية مغتصبة من قبل تركيا، وتمتد تلك الأراضي من نقطة الحدود السورية-التركية حتى ديار بكر. إذاً، وفقاً لهذا المنطق فإنّ الذين يعيشون في الرقعة الجغرافية بين نصيبين ودياربكر حيث جاء منها ‹المهاجرون› هم سوريون أيّاً كانت هويتهم القومية، ولهم بالتالي حق العودة إلى وطنهم متى شاؤوا، فكيف إذا كانوا قد هربوا من القمع والاضطهاد. لتقريب الصورة أكثر إلى ذهن القارئ العربي الكريم، لابدّ من طرح السؤال الآتي: هل يشك سوري واحد بأنّ هضبة الجولان المحتلة هي ليست سوريّة؟ من الصعب تصور ذلك، وإذا كانت الجولان هي أرض سوريا فإن الذين يعيشون عليها هم مواطنون سوريون لهم حق العودة إلى وطنهم متى شاؤوا أو استطاعوا، يعيشوا فيه كبقية أبنائه مواطنين لهم كامل الحقوق والواجبات. بناءً على ذلك، فإن الكردي المهاجر من تركيا، حسب هذا المنطق، هو سوري لأنّه اضطر إلى النزوح بسبب القمع والاضطهاد الذي لاقاه على يد المغتصب التركي الذي اغتصب الأراضي السورية. وهكذا فإنّ ذاك النازح يتحرك ضمن أرضه، ولا يعتبر مهاجراً رغم الخط الحدودي الفاصل بين أراض سورية مغتصبة وأراض أخرى غير مغتصبة.
من دون أدنى شك أنّ أصحاب الرأي السابق لن يقبلوا بهذا النقاش المنطقي بل سيمضون إلى حجج أكثر سفسطة من حجة الأستاذ سمير النشار القائلة إنّ وجود أكثر من أربعين مليون كردي في وطنهم المجزأ كردستان هو مجرد وجود بالمفهوم الثقافي ليس أكثر.
على العكس من هذا، تؤكد الحقائق التاريخية بأنّ الكرد هم من الشعوب التي تركت بصماتها بعمق في صيرورة الحضارات التي شهدتها المنطقة. وإنّهم مكوّن طبيعي وجزء أصيل من النسيج السكاني لهذه المنطقة، وكان لهم دور فاعل في مراحلها التاريخية المختلفة، إلى جانب الشعوب والأمم الأخرى. وإنّ عدم الاعتراف بهم حتى الآن لا يعني البتة عدم وجودهم في سوريا كشعب له تميّزه الثقافي والحضاري. وأيّ رأي مخالف لذلك سيكون بمثابة من يلغي قانون الجاذبية أو الضغط الجوي بقرار.
الوجود الكردي وسياسات التغيير الديمغرافي في المرحلة العثمانية
لا يمكن معرفة الحقائق التاريخية المتعلقة بالوجود الكردي في سوريا وما تعرضوا إليه في العصور الحديثة ما لم يتم الوقوف على مرحلة الإمبراطورية العثمانية وبشكل خاص وثائقها في القرن الثامن عشر وتناولها الوجود الكردي بكثافة في تلك الفترة التاريخية، والسياسات المنهجية التي مارسها العثمانيون لتغيير البنية الديمغرافية في مناطقهم قبل سلطة البعث بقرون. وهنا لا بدّ من تسجيل تقديرٍ خاصّ للباحث محمد أحمد علي الذي ترجم بجهوده الفردية مؤخراً جزءاً من تلك الوثائق إلى اللغة العربية.
يقول استيفان فنتر في كتابه أكراد سوريا في مرآة مصادر الأرشيف العثماني خلال القرن 18 للميلاد: «كانت الأراضي العليا على طول الحدود الشمالية السورية – التركية والتي تشكل منطقة انتقال من الصحراء العربية إلى منطقة جبال طوروس – وما زالت حتى يومنا ذات كثافة سكانية كردية، وهناك جدل حول تاريخ الاستيطان في هذه المنطقة وهذا الأمر يعود إلى الاضطرابات والهجرات التي رافقت الحرب العالمية الأولى. وفي مقابل ذلك تشير مشاريع التوطين العثمانية العائدة إلى القرن 18 إلى تبدّل سكاني شمل الكرد والعرب والترك قبل ظهور عصر القوميات الحديثة في أوروبا». (من كتاب: الكرد في منطقة الباب وأطرافها-للكاتب علي مسلم ص53).
لقد تعرّض الوجود الكردي في أجزاء من الأراضي العليا من الحدود الشمالية السورية-التركية في ظل الحكم العثماني في القرنين السابع عشر والثامن عشر إلى تغيير ديمغرافي كبير، وكانت هناك عوامل أساسية وراء هذا التغيير، فمن جهة كانت تلك المناطق تعتبر مناطق استراتيجية للعثمانيين، ومن جهة أخرى شهدت تلك المناطق ثورات كردية ضد الحكم العثماني، وما كانت ثورة جان بولات (جنبلاط) في حلب 1607 إلاّ البداية بعد أنّ احتلّ العثمانيون البلاد العربية بعد عام 1516.
لقد كانت لتلك الرقعة الجغرافية وخاصة المنطقة الممتدة بين أورفة وجرابلس وولاية الرقة على الفرات شرقاً وشواطئ البحر الأبيض المتوسط بما فيها حلب ومناطق الباب وكلس واعزاز وسهل العمق وأنطاكية وسهل العمق غرباً، ذات أهمية استراتيجية كبيرة للسلطنة العثمانية. لقد كانت المنطقة تُعتبر ممراً لقوافل الحج التي كانت تتولى مسؤوليتها ذهاباً وإياباً السلطنة العثمانية، كما أنّها كانت ممراً للقوافل التجارية لطريق الحرير، فضلاً عن أنّها كانت ممراً لسكة قطار الشرق السريع التي كانت تربط أوروبا بالشرق عبر إسطنبول.
كانت المنطقة السّالفة الذكر ذات أهمية اقتصادية كبيرة تدرّ على السلطنة الكثير من الأموال سنوياً لتمويل حروبها التوسعية هنا وهناك. ولكن كانت تقع بشكل أساسي ضمن إمارة جان بولات (جنبلاط) حيث كان مركزها في كلس، وكانت تشمل جبال الكرد في الغرب ومدينة حلب في الجنوب الشرقي.
لقد شهدت هذه المنطقة الثورة الأولى ضد العثمانيين وهي ثورة جان بولات عام 1607. حيث أن أميرها الذي كان يدير شؤون الإمارة من حلب رفض أن يلتحق هو ورجاله بالسلطان العثماني في إحدى حروبه فقتله العثمانيون، الأمر الذي دفع بأخيه علي لإعلان الثورة على العثمانيين من حلب ولكن تمكن العثمانيون من القضاء عليها.
بعد أن تمكن العثمانيون من إخماد الثورة سارعوا إلى تكثيف جهودهم الرامية إلى تأمين تلك المنطقة الاستراتيجية لغايات سياسية مستقبلية، لهذا استغلوا هذا العامل إلى الحد الأقصى، فاتبعوا سياسة قوامها البطش والتنكيل استهدفت الوجود الكردي في تلك المنطقة، ونتيجة لتلك الممارسات: «تشتت القبائل الكردية، فمنها من فرّت إلى لبنان واستقرت بها، ومنها من ذهبت باتجاه جبال اللاذقية وحارم واستقرت هناك، ومنها من توجهت إلى الداخل التركي، ومنها من توارت في العمق السوري في الرقة ودير الزور، وبقي قسم منها يقيم في مناطقه يدفع الضرائب ويساهم في حروب العثمانيين هنا أوهناك» (ص60).
أما المرحلة الثانية من التدخل العثماني في التغيير الديمغرافي للكرد فقد حصل مع اندلاع ثورة تيمور باشا في الرقة عام 1790. ويقول الأستاذ علي مسلم في كتابه ‹الكرد في منطقة الباب وأطرافها› عن تيمور باشا وثورته: لقد «استولى على جميع المراكز الحكومية الواقعة في ولايات حلب وديار بكر والرقة (….) ولذلك اناط السلطان بوالي بغداد سليمان باشا أمر القضاء عليه، على أن يعاونه والي الرقة مصطفى باشا الكوسا وواليي حلب وديار بكر، وقد حشد سليمان باشا جيشاً قوامه ثلاثون ألفاً وتوجه شمالاً إلى الموصل ومنها إلى أورفة حين هرب تيمور وتشتت اتباعه». (ص62)
وفي الثلث الأول من القرن التاسع عشر شهدت المنطقة عصياناً عُرف بـ‹عصيان بيراجيك› عام 1831. وتقع بيراجيك حالياً في تركيا وهي محاذية لمنطقة جرابلس السورية وذات غالبية كردية. ويقول الباحث محمد علي أحمد في مقال نشره بعنوان ‹البرازية في الأرشيف العثماني› في موقع مدارات كرد في 13/5/2013 جاء فيه: «ويمكن حصر أحداث بيراجيك هذه بين عامي 1831- 1845 ، وذلك من التواريخ التي تحملها الوثائق المتعلقة بهذا الموضوع، وفي الوثيقة ذات الرقم 389 من المجلد 20707/P رقم الخزانة HAT تاريخ 1831 م جاء: «اتحاد أهالي بيراجيك مع البرازية والكيتكان والملية من عشائر الرقة وقيامهم بالعصيان، وانسحاب المتسلم (العثماني) إلى القلعة ومقاومتهم للعصيان، وارسال محمد باشا قائم مقام حلب المدافع والجنود إثر طلب النجدة».
وتعليقاً على تلك الأحداث بعد رصدٍ تاريخي دقيق لممارسات سلطات الإدارة العثمانية يقول الأستاذ علي مسلم: «إنّ الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل تجاوز ذلك كثيراً، حيث عمدت سلطات الإدارة العثمانية في العقود الأخيرة من عمرها بترحيل العشائر الكردية من تلك المناطق إلى مناطق بعيدة في العمق الصحراوي، كإجراء احترازي منهجي، القصد منها ضرب العمق الجغرافي لتلك العشائر وتقطيع أواصر التواصل بينها، إلى جانب إسكان عشائر أخرى غير كردية بدلاً عنها». (ص63).
الكرد والتقسيم الاستعماري في بداية القرن العشرين
إنّ ما تقدّم كان جزءاً يسيراً من تاريخ المناطق الشمالية الواقعة بين الفرات شرقاً والبحر الأبيض المتوسط غرباً، حيث لعبت الإدارة العثمانية بالتركيبة السكانية لتلك المناطق حتى تفقدها الصبغة الكردية، وتتحرر بالتالي من هاجس الثورات والانتفاضات التي كانت تثير ضدها بين فترة وأخرى. وقد استمر الوضع على هذه الشاكلة حتى اتفاقية سايكس-بيكو بين بريطانيا وفرنسا في 16 أيار/مايو عام 1916. وبدخول هذه الاتفاقية حيز التطبيق بدأت مرحلة جديدة ليس في سوريا فحسب، وإنما في مجمل منطقة الشرق الأوسط. لقد انحسرت الإمبراطورية العثمانية بشكل أساسي في حدودها الحالية تقريباً، وحل محلها قوى استعمارية أوربية، فرنسا وبريطانيا، وبموجب اتفاقية سايكس-بيكو انقسمت ممتلكات ‹الرجل المريض› إلى مناطق نفوذ بين كل من الدولتين آنفتي الذكر. عندها ولدت الدولتان السورية والعراقية من رحم المصالح الاستعمارية بعملية قيصرية وبمشرط المستعمر الجديد، دون أي مراعاة لحقوق القوميات الأخرى التي أدخلت قسراً ضمن حدود هاتين الدولتين.
لقد عقد الكرد بعض الأمل على معاهدة سيفر عام 1920 التي نصت على إمكانية حصول كردستان على الاستقلال على مراحل، حين كانت المنطقة تشهد تقسيماً وميلاد دولٍ جديدة، وتتبلور يوماً بعد يوم لتأخذ مساراً مختلفاً عما كانت عليه في السابق، ولكن سرعان ما حلّ محلّها معاهدة لوزان عام 1923، لتلغي ما جاء في سيفر، وترسم الخط العام لأفق التطورات اللاحقة في المنطقة وفقاً لترتيبات وخطط استعمارية محضة، هدفها الأول والأخير مزيداً من النفوذ عبر الوصول إلى مصادر الثروات وفتح أسواق جديدة لمنتجاتها بعد أن ضاقت أسواق بلدانها على حركة رأسمالها.
بعد دخول الاستعمار الفرنسي سوريا وترسيم الحدود بشكل نهائي بين سوريا وتركيا عام 1939، ألحق جزء من كردستان بسوريا، وأصبح جزءاً من سوريا الحديثة، وارتبطت منذ ذلك الحين صيرورة التطورات فيه بسياسات الدولة السورية، في الوقت الذي انقطعت صيرورة التطور السوري عن مسار المصالح العثمانية لترتبط بالمصالح الاستعمارية الفرنسية.
الكرد ما بعد الاستقلال والسياسات الشوفينية الممنهجة
بعد خروج المستعمر الفرنسي ساد سوريا جو من النشاط السياسي الوطني لبعض الوقت رغم الاضطرابات والانقلابات العسكرية، وتشكيل أحزاب وكتل سياسية جديدة. ولم يكن ميلاد حزب البعث في 1947 على يد ميشل عفلق وصلاح البيطار إلاً واحداً من تلك الأحزاب. ومنذ أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات للقرن العشرين تمكن هذا الحزب من تعزيز دوره السياسي في المجتمع السوري ومن نشر مفاهيمه الشوفينية والبدء بتطبيق التمييز القومي بشكل صارخ تجاه الوجود الكردي في عموم سوريا، وبشكل خاص تجاه الكرد في محافظة الجزيرة (الحسكة لاحقاً).
مع استلام البعث السلطة انقطعت صيرورة المجتمع السوري الطبيعية للمرة الثانية، حيث ألغى البعث المعادلة الوطنية التي سادت فترة الخمسينيات في سوريا لصالح غلاة القوميين الوحدويين العرب الذين آمنوا بنقاء العرق واعتبروا الوطن العربي وحدة جغرافية وبشرية وكل من يعيش عليها هو عربي. وقد حدث قبل ذلك في تركيا أيضاً مع صعود كمال أتاتورك إلى سدة الحكم واعتبار كل من يقع ضمن إطار الدولة التركية الحديثة تركياً أياً كانت هويته القومية.
بدأت آلة القمع والتجهيل والتجويع والتهميش والصَّهر ضد الكرد تظهر رسمياً في سياسات هذا التيار في سوريا في مطلع الستينيات من القرن الماضي. وأول تلك السياسات الممنهجة الشوفينية العنصرية التي استهدفت الوجود التاريخي للكرد في سوريا، هي الخطة التي جاءت في كراس محمد طلب هلال رئيس الشعبة السياسية بالحسكة عام 1962 م ‹دراسة حول محافظة الجزيرة من النواحي السياسية والاجتماعية والقومية› والتي أصبحت فيما بعد مرتكزاً للتعامل الرسمي الشوفيني العنصري لذاك التيار وتتضمن جملة من المقترحات الرامية إلى صهر الكرد في بوتقة ‹الأمة العربية› وبالتالي القضاء على خصائصهم القومية والتخلص من وجودهم في سوريا، وذلك وفق الخطوات التالية:
أن تعمد الدولة إلى عمليات التهجير إلى الداخل مع التوزيع في الداخل، ومع الملاحظة، عناصر الخطر أولاً فأول.
سياسة التجهيل: أي عدم إنشاء المدارس أو معاهد علمية في المنطقة لأن هذا أثبت عكس المطلوب بشكل صارخ.
سحب الجنسية السورية منهم ومن ثم تهجيرهم.
سدّ باب العمل أمام الأكراد حتى نجعلهم في وضع غير مستقر حتى يكونوا أمام الرحيل في كل وقت.
شنّ حملة من الدعاية المعادية للأكراد بين العناصر العربية.
نزع الصفة الدينية عن مشايخ الدين عند الأكراد وإرسال مشايخ بخطة مرسومة عرباً أقحاحاً.
ضرب الأكراد ببعضهم البعض عبر إثارة الفتن بينهم.
إسكان عناصر عربية وقومية في المناطق الكردية على الحدود، فهم رقابة على الأكراد ريثما يتم تهجيرهم.
جعل الشريط الشمالي للجزيرة منطقة عسكرية كمنطقة الجبهة توضع فيها قطعات عسكرية مهمتها إسكان العرب وإجلاء الأكراد وفق خطة من الدولة.
10ـ إنشاء مزارع جماعية للعرب الذين تُسكنهم الدولة في الشريط الشمالي على أن تكون المزارع مدربة ومسلحة عسكرياً مثل المستعمرات اليهودية على الحدود تماماً.
11ـ تجريد كل من لا يتكلم العربية من حق الانتخاب في المنطقة.
12ـ منع إعطاء الجنسية مطلقاً لمن يريد السكن في تلك المناطق مهما كانت جنسيته الأصلية (عدا الجنسية العربية).
لقد اعتمدت السلطة السورية آنذاك هذه الدراسة وبدأت بتطبيق بنودها، وكانت البداية هي إصدار المرسوم التشريعي 93 الذي صدر بتاريخ 23/8/1962 والقاضي بإجراء إحصاء استثنائي في محافظة الجزيرة، وقد جرى الإحصاء في يوم واحد فقط وكان ذلك بتاريخ 5/10/1962 وتم فيه تجريد 120000 ألف مواطن كردي سوري من هويته وجنسيته السورية من أصل 400000 ألف كانوا مجمل سكان المحافظة آنذاك. عرفوا فيما بعد بأجانب الحسكة. حتى أنّ بعض الذين جردوا من جنسيتهم كانوا في خدمة العلم وقتها، ولعل حالة رئيس الأركان السوري توفيق نظام الدين الذي جرد من جنسيته هي إحدى هذه المفارقات الغريبة.
لقد استمرت هذه الإجراءات بعد انقلاب البعث في 8/3/1963 واستلامه السلطة وإعلان حالة الطوارئ في البلاد. لقد بدأت السلطة الجديدة بانتهاج سياسة عدائية رهيبة ضد الوجود الكردي في سوريا عبر سلسلة من القرارات الإلغائية والمشاريع الاستثنائية العنصرية والمراسيم الخاصة لصهر الوجود الكردي، ومن أهمها كانت:
تثبيت نتائج الإحصاء الاستثنائي آنف الذكر، ضارباً بكل مبادئ حقوق الإنسان عرض الحائط.
استقدام وتوطين العرب من محافظتي الرقة وحلب بحجة غمر أراضيهم بعد بناء سد الثورة على الفرات واعطائهم أخصب الأراضي الزراعية في الشريط الحدودي مع تركيا بعرض 10-15 كم وطول 375 كم من دجلة حتى الخابور. عرف هذا المشروع بالحزام العربي، ولطف باسم الحزام الأخضر، وبدأ عام 1974 وتوقف عام 1975، ولكن مصادرة الأراضي استمرت هنا وهناك حتى عام 2011.
وفي كانون الأول عام 1966 صدر مجلة “المناضل” العدد 11 الصفحة 12-13، وكان العدد يتضمن نص المشروع المقدم من رئيس مكتب فلاحي البعث يرسم فيه خطوات التوطين ومتطلباته وكيفية تهجير الكرد من الشريط الحدودي ومنعهم من التواصل مع أخوتهم الكرد على الجانب الآخر من الحدود مع تركيا، وفيما يلي بعضاً من فقراته:
(إنّ المخاطر التي واجهت وتواجه شعبنا العربي في شمال العراق والتي خُلقت من قبل الإمبريالية، بدأت تهددنا أيضا منذ بضعة أعوام في محافظة الحسكة أهملتها الحكومات السابقة ولكن تحتاج اليوم إلى حلّ جذري وصريح … إنّ حجم القسم الذي ندرسه من الحزام العربي يبلغ حوالي /3001911/ دونم ويمتد من المالكية وحتى حدود محافظة الرقة … إن أفرادا غير عرب واغلبهم أكراد قد هاجروا إلى هذه المنطقة من تركيا والعراق وفقاً لخطة تؤيدها وتشجعها الإمبريالية … ولأن المنطقة واقعة بالقرب من الحدود التركية والعراقية المأهولة بالأكراد وهم مطلوبون للمؤامرات والجاسوسية التي تحاك ضدنا في منطقة الحدود فمن العاجل جداً أن نتخذ الإجراءات الضرورية لكي ننقذ العرب في المنطقة … إذا أخذنا في الاعتبار أهمية المنطقة زراعياً وصناعياً وخاصة بعد اكتشاف البترول، لقد اتخذت هذه الإجراءات من قبل السلطات والحزب لتنفيذ خطة الحزام:
ا-أصدر الرفيق محافظ الحسكة إنذارا نهائيا إلى السكان الريفيين المزارعين والفلاحين والملاكين يمنعهم فيه زراعة واستثمار الأراضي المصادرة من منطقة الحزام.
ب- بدأ مكتب الأراضي بتنظيم الأراضي المصادرة.
ج – بدأ مكتب الإصلاح الزراعي باتخاذ الإجراءات لترحيل 4 ألاف عائلة من منطقة الحزام إلى مناطق أخرى، لكن من جهة أخرى فان هناك حوالي 25 ألف نسمة داخل منطقة الحزام، مسجلين عند السلطات كأجانب.
فكر الحزب والحكومة في محافظة الحسكة بأن هؤلاء الأجانب يجب أن يمنعوا من السكن في منطقة الحدود وأن الطريق الصحيح لتحقيق هذا الغرض هو إجبارهم ومنعهم من الحصول على أية وظيفة لكي يهاجروا بالتدريج إلى البلاد الأخرى خلال خمس سنوات ويجب أن تستخدم القوة ضدهم إذا كان ذلك ضرورياً.
د- إنّ الحزب ومكتب الفلاحين يحاولان أن يستخدما عناصر عربية شابة من بين الذين يؤمنون بالعرب وبالقومية العربية لكي يعملوا كعمال مسلحين في منطقة الحزام.
ه- هناك صعوبة كبرى نظراً لتداخل الأراضي الزراعية المصادرة مع غيرها من الأراضي الخاصة، فمن أصل 497 قرية كردية موجودة في منطقة الحزام تم مصادرة أراضي 385 قرية وبشأن الباقي نقترح :
– إصدار الحكومة لمرسوم تصادر فيه الأراضي الزراعية للقرى الأخرى.
– يجب توسيع منطقة الحزام لتشمل كل المنطقة الكردية مستقبلاً.
– إنّ التجمع العرقي للسكان يجب أن يبدل بنقل أو نفي العناصر غير العربية.
– إنشاء قرى نموذجية للعناصر المهاجرة من قبل الدولة) .
لقد تمخّض عن هذا القرار الشوفيني إنشاء 36 قرية نموذجية (1974-1975) بعد القرى العشرة في المرحلة التجريبية (1959-1960)، كتطبيق عملي للخطة المقترحة في المجلة، وقد بُنيت تلك القرى بجانب القرى الكردية الموجودة بعد تغيير اسمها لتصبح المستوطنات التي أشار إليها محمد طلب هلال في مقترحاته الاثني عشر للقادمين الجدد من العرب بعد مصادرة كافة الأراضي الزراعية فيها والاستيلاء عليها من مالكيها الحقيقيين من الفلاحين الكرد وتوزيعها على المستوطنين الجدد الذين تحولوا إلى أداة عمياء لمشروع عنصري بغيض.
أما التقرير الخاص بمنطقة عفرين والذي صدر في 13 حزيران/يونيو 1966 فقد أشار إلى أن «المنطقة هادئة ونشاط الحزب الديمقراطي الكردستاني لا يشكل خطراً كما هو الحال في الجزيرة»، وكانت توصية التقرير بعد دراسة الوضع الاجتماعي والزراعي في قرى منطقة عفرين تنبع من «أن الغالبية العظمى من السكان هم أكراد إذ لا يفهمون العربية أبداً .. والعائلات العربية تعيش بينهم وتتكلم الكردية، معظمهم في جنديرس … لا يوجد شعور بالكراهية بين العرب والأكراد وأن طبيعة هذا الشعب جيد وسلمي … إنه من الخطأ أن نحاول التغلغل في المنطقة سياسياً قبل أن نعطي المواطن الفرصة ليصبح مواطن عربي عادي، وهذا الهدف غير مستحيل إذا طبقت الدولة الخطة الصحيحة … لم نقل أن لا نمارس زرع العرب في المنطقة ولكن يجب أن يكون مدروسا بشكل موضوعي».
القرارات والقوانين والمراسيم وتكريس سياسة التعريب
لم يكتف البعث بالإحصاء الجائر والحزام العربي الخانق، بل راح يصدر جملة من القرارات والقوانين والمراسيم تباعاً لتعريب ما تبقى من معالم الوجود الكردي في سوريا، والقضاء على كل ما يتعلق بثقافته وأزيائه وطقوسه وأعياده الاجتماعية والقومية، وما القرارات التالية إلاّ سلسلة من الخطوات التي تكمل مشروع الحزام والإحصاء، وبرهان على التعامل الشوفيني للسلطات حيال الكرد، ومن بعض تلك القرارات:
1- بناءً على أوامر إدارية تم تعديل مخطط الدائرة الفنية في محافظة الحسكة بتاريخ 15/2/1978 حيث تم تعريب اسم 136 قرية وبلدة كردية.
2- قرار وزير الإدارة المحلية رقم 4524 تاريخ 20/12/1997 تم فيه تعريب اسم 104 قرية كردية في محافظة الحسكة.
3- قرار وزير الإدارة المحلية رقم 2123 تاريخ 5/5/1998 تم فيه تعريب اسم 120 قرية كردية في محافظة الحسكة.
4- قرار وزير الإدارة المحلية رقم 580 تاريخ 18/5/1998 تم فيه تعريب اسم 325 قرية كردية في مناطق عفرين والباب وعين العرب.
5- قرار محافظ الحسكة رقم 334 /لعام 1998 تم فيه تعريب اسم 209 قرية ومدرسة كردية في محافظة الحسكة.
6- تعميم وزير الداخلية رقم 122 تاريخ تشرين الأول 1992 القاضي بمنع تسمية المواليد الجدد بأسماء كردية.
7- تعميم سري من محافظ الحسكة مستند إلى قرار القيادة السياسية يحمل رقم 1865/س/25 تاريخ 1/11/1989 يمنع فيه التكلم باللغة الكردية وخاصة للموظفين، مؤكدا في متنه على ضرورة تنفيذ قرار سابق صدر بهذا الخصوص يحمل رقم 2013/س/25 تاريخ 11/11/1986.
8- تعميم رقم 4/61/د تاريخ 10/2/1993 يقضي بضرورة تغيير أسماء المحلات التجارية الخاصة والعامة وإطلاق أسماء عربية عليها، المرفق بكتاب محافظ الحسكة رقم 1553 تاريخ 20/2/1993 المتضمن الطلب من الجهات المسئولة تنفيذ التعميم السابق.
9- كتاب محافظ الحسكة رقم 933/هـ تاريخ 24/2/1994 لتنفيذ كتاب وزير الإدارة المحلية رقم 13/61/1/د تاريخ 26/4/1987 القاضي بتعريب أسماء القرى والبلدات الكردية.
10- كتاب محافظ الحسكة رقم 5785/هـ/135 تاريخ 6/12/1995 القاضي بتنفيذ تعريب الأسماء الكردية.
11- كتاب محافظ الحسكة رقم 276/ب تاريخ 14/3/1996 بضرورة إغلاق المحلات التي لها أسماء غير عربية.
12- تعميم محافظ الحسكة رقم 7014/هـ تاريخ 3/10/1996 والمستند إلى كتاب فرع حزب البعث في المحافظة رقم 380/س تاريخ 29/9/1996 والقاضي بمنع التكلم بغير اللغة العربية.
13- كتاب المحامي العام العقاري رقم 287/ت ي 6 تاريخ 5/6/1996 الصادر عن المحكمة العقارية في القامشلي والقاضي بمصادرة البيوت والعقارات السكنية التي لا زالت مسجلة بأسماء أجانب الحسكة (المجردين من الجنسية بموجب إحصاء عام 1962).
14-قرار محافظ حلب رقم 786 تاريخ 20/4/2000 المستند إلى طلب الأمن السياسي رقم 1999 تاريخ 10/4/2000 القاضي بضرورة إغلاق محلات بيع أشرطة الكاسيت والفيديو الكردية في أحياء الأشرفية وشيخ مقصود.
15 -تعميم صادر عن محافظ الحسكة رقم 7889/ح تاريخ 15/10/1999 يتضمن مصادرة واتلاف أية وثيقة سورية (شهادات تعريف أو وثائق مماثلة ممنوحة من مخاتير القرى) من مكتومي القيد استنادا إلى كتاب وزارة الداخلية رقم 567/س/4/9/611/د/18/س تاريخ 24/7/1986.
16-تعميم وزير الداخلية رقم 1028/س تاريخ 31/12/2000 القاضي بضرورة التحقق من مسألة الحصول على بدل ضائع من الهويات وقد ورد في البند الرابع منه (أن لا يتم منح هوية جديدة للمواطنين من أصل كردي إلا بعد الحصول على موافقة شعبة المخابرات العامة والأمن السياسي والأمن العسكري)
17-المرسوم التشريعي رقم 49، تاريخ 10/9/2008 الخاص بالملكية والعقارات والاستثمارات والاستئجار ونقل الملكية وغيرها في المناطق الكردية، لقد جمّد هذا المرسوم الحياة في المناطق الكردية، وقضى على كل إمكانية لتطويرها في المستقبل.
وهناك عشرات المراسيم والقرارات والتعاميم الأخرى بحق الكرد تستهدف جميعها إلى هدف واحد وهو انجاز النقاط الواردة في المشروع سيء الصيت المقترح من قبل طلب هلال.
الخاتمة
لقد خلق سيل القوانين والأوامر الإدارية والقرارات الاستثنائية البربرية التي انتجها العقل الشوفيني في مؤسسات سلطة البعث على مدى ستة عقود ونيف شعوراً بالإحباط والغضب في آن لدى الكردي من كل ما يتعلق بالدولة أو الوطن الذي يعيش فيه. لقد دفعه النظام إلى زاوية هامشية مضاعفة الدرجات في المعاناة والاضطهاد. ومع كل هذا العنف الممارس ضد إنسانيته كفرد، وحقوقه كشعب، لم يفقد الأمل وبقي يجترح المعجزات لمواصلة كفاحه اليومي للاستمرار في الحياة بإصرار وتوازن، انتظاراً للحظة الثورة التي من المفترض أن تعيد الأمور إلى مساراتها الصحيحة، وتعيد الكرامة والحرية إلى الإنسان السوري عموماً وإلى الكردي كامل حقوقه المشروعة كشعب يعيش على أرضه التاريخية وتفتح أمامه عهداً جديداً يمنحه القدرة على صياغة ذاته من جديد وفق معادلات وطنية سورية في ظل دستور عصري يعترف بالجميع ويحمي حقوقهم، ويقرّ بالتنوع اللغوي والثقافي وتعدد الهويات في سوريا المستقبل.
لقد عبّر الكرد في سوريا عن هذا التوق للحرية والانعتاق في انتفاضة عام 2004، ولكن العمق السوري كان أخرساً آنذاك، لم يبدِ أي نوع من التضامن مع أخوته الكرد لتخفيف شيء من معاناته، بل راح الرأي العام في طول البلاد وعرضها بدلاً من ذلك يصدّق أجهزة الإعلام الرسمية لأول مرة ويتشرّب من السموم التي تبثها لزرع الشقاق بين مكونات المجتمع السوري وتعميق الهوة بينها. إنّ الذهنية التي أوجدت الإحصاء والحزام العربي قد تركت بصماتها بعمق في المجتمع السوري، وخلقت إرثاً من الشوفينية العمياء شربت منها أغلبية قيادات المعارضة السورية وشارعها، حتى انتقلت من شعار ‹إسقاط النظام› إلى ‹اسقاط الفيدرالية› في سياق ‹ثورتها› على النظام!!
يمارس النظام البعثي منذ الستينيات ولا زال سياسة منهجية للتخلص من الوجود الكردي في سوريا، عبر سلسلة هائلة من الإجراءات استهدفت التغيير الديمغرافي في مناطقه وتوطين العرب بدلاً منهم وحمايتهم بكافة السبل. إنّ ممارسة تلك السياسة الشوفينية وحدها تكفي لتؤكّد أنّ الكرد شعب عريق من شعوب المنطقة وله أرض وجذور وتاريخ وُجِد في المنطقة قبل العرب وقبل الترك بقرون، ولولا هذه الحقيقة لما مورست بحقه هذه المظالم للتخلص منه. إنّ هذا وحده يكفي كبرهان على الوجود الكردي التاريخي والجغرافي في سوريا، لهذا يتبيّن أن الحديث عن النسب السكانية هنا وهناك سيكون ضرباً من العبث لا طائل منه. وأي فريق ما لم يأخذ بعين الاعتبار ما مارسه النظام من مظالم بحق الكرد، وأغمض عينيه عن الحقائق تلك، سيكون بلا شك شريكاً في الجرائم المرتكبة بطريقة أو أخرى.
لقد مضى على دول المنطقة التي تقتسم كردستان قرناً كاملاً منذ المعاهدة التقسيمية الاستعمارية سايكس-بيكو 1916، رغم ذلك فشلت في الاعتراف بأدنى حقوق الكرد وعجزت أيضاً عن بناء حكومات وطنية تتسع لجميع الهويات والمكونات، لذا فإنّ شعوب المنطقة هي أحوج من أي وقت مضى لإعادة النظر في مفاهيمها السياسية والأيديولوجية للتخلص من إرث الأنظمة الاستبدادية وذهنيتها، والعمل معاً لتصحيح المسارات التي تخدم العملية التطورية ودعمها بنشر ثقافة التسامح والتعاون والبناء.
المصادر:
– خلاصة تاريخ الكرد وكردستان – العلامة محمد أمين زكي
– ميديا –إ.م. دياكونوف –ترجمة وهبية شوكت
– من عمان إلى العمادية – الأستاذ علي سيدو گوراني
– الكرد في منطقة الباب وأطرافها – الأستاذ علي مسلم
– تاريخ الأكراد الحديث –ديفيد مكدول – ترجمة الأستاذ راج آل محمد
– تاريخ الاكراد في شــمال ســوريا الحالية قديماً وحديثاً، دراسة بقلم آ. باكاسي
– القضية الكـــردية في ســـوريا بيــــن المسكوت عنه وسكونية أنظمة التسويغ، دراسة بقلم مشعل التمو
– وعدة مقالات في دوريات مختلفة وفي موقع ‹مدارات كرد› للباحث محمد علي أحمد والباحث محسن سيدا.