عرض كتاب – تاريخ كامبريدج عن الكرد

شارك هذا المقال:

ديفيد ماكدويل

ترجمة: مصطفى إسماعيل

إن كتب كامبريدج التأريخية هي سلسلة عريقة ومتميزة للغاية من المقالات حول بلدان مختلفة إضافة إلى هذا العمل الفخم الذي يركز بشكل خاص على الكُرد، وهم شعب بدون دولة، لهي جديرة بالترحيب. المحررون الثلاثة للكتاب معروفون ويحظون بتقدير كبير في هذا المجال، وقد دعوا بدورهم 38 خبيراً مساهماً للمساعدة في الكتابة عن مختلف جوانب التجربة الكردية. لا يمكنني، بطبيعة الحال، ذكر أسماء جميع المساهمين، لذا سوف أشير فقط إلى أولئك الذين لفتوا انتباهي بشكل خاص.

سعى محررو الكتاب إلى عدم الامتثال لاستبداد الحدود السياسية التي قسمت كردستان منذ عشرينيات القرن الماضي، من خلال مطالبة العديد من أولئك المساهمين بعدم التقيد بتلك الحدود التي أعتقدُ أن المحررين يرونها عوائق أيضاً أمام تفكيرنا وفهمنا عن الكرد.

ينطلق بوريس جيمس Boris James بنا مع بداية ممتازة من خلال سرده عن صعود الإمارات الكردية وسقوطها، حيث صاغ كلمة “البينية” التي تلخص بشكل مناسب المعضلة السياسية الدائمة للكُرد، سواء كنا نتحدث عن العالم الإسلامي في العصور الوسطى أو القرن الواحد والعشرين. نظراً لوقوعهم بين مراكز القوى الكبرى في الشرق الأوسط، كان على الزعماء الكرد دائماً موازنة مسألتين منفصلتين، ولكن متداخلتين: (1) لأي من الحكام الخارجيين يجب أن يدينوا بالولاء و (2) مدى هذا الولاء. وإذا كان هذا صحيحاً عندما كان الزعماء الكرد محاصرين بين المماليك والمغول في القرن الرابع عشر، فإن ذلك يصدق أيضاً بالنسبة للقادة البارزانيين في سبتمبر 2017، عندما ذكّرهم جيرانهم المباشرون بقوة بـ “بينيتهم”. في الفصول الخمسة اللاحقة، يتبين لنا حال الإمارات الكردية في أوجها وزوالها اللاحق. نادراً ما كان الأمراء الكرد أقوياء بما يكفي لرفض الامتثال الصريح لسيد خارجي، ولكن فيما يتعلق بالولاء، ربما لم يكن الاعتبار الرئيسي لدى الأمراء الكرد هو الهوية الدينية، ولكن المسافة الفاصلة بين الإمارة ومقر السلطة الإمبراطورية وما يترتب على ذلك من صعوبة عسكرية متأصلة قد يواجهها الحاكم الأعلى (السلطان) في إحكام السيطرة على مرؤوسيه. كانت اسطنبول أبعد بكثير (من أصفهان/ طهران) وبالتالي فإن سيطرتها كانت أكثر ضعفاً. كان ذلك مناسباً للزعامات الكردية الساعية إلى أقصى قدر من حرية التحرك للوصول إلى ترتيب يضفي الطابع الرسمي على الإمارات في مواجهة إسطنبول.

لأن الكرد قد أصبحوا ضحايا مراراً، فمن السهل أن نستنكر إحكام السيطرة الإمبراطورية عليهم دون أن نأخذ في الحسبان بشكل كامل إلى أي مدى شعرت فيه الإمبراطوريتان العثمانية والإيرانية بالتهديد من قبل القوى الأوروبية. لا يمكن لأي منهما تحمل تبعات الانخراط في تعزيز كيانات الحكم الذاتي المحلية، لأن هذه الكيانات أضعفت أسوار الإمبراطورية في مواجهة الشهية الأوروبية. يبدو أن المؤشرات المبكرة على الهوية القومية الكردية إنما جاءت كرد فعل على البطش المتزايد من قبل اسطنبول وأصفهان، مدفوعتين بالخوف من أوروبا. لا تزال أقوال الشيخ عبيد الله (النهري) تبهر أولئك الباحثين عن دليل مبكر على النزعة القومية (الكردية). إذ يعده جين ريس باجالان  Djene Rhys Bajalanمن القوميين الأوائل، لكنه يقرُّ في المقابل بأن آخرين يشككون في هذا الاستنتاج (ص 104). يزيحُ كمال سليماني Kamal Soleimani هؤلاء المتشككين جانباً، حيث يرى أن قومية عبيد الله “لا ريب فيها” (ص 140)، قياساً على أقواله أكثر من أفعاله. أشكُّ في أن هذا النقاش المحدد سوف ينتهي في المستقبل المنظور، لكن سليماني محقٌّ في إظهار كيف أن تفكك المشاعر الدينية والقومية يهدد بإساءة فهم سلوك العديد من الفاعلين الذين يتداخل الجانبان لديهم.

نظرًا لأن العثمانيين سعوا بعدم اقتدار إلى إدماج كردستان في الدولة العثمانية بمزيد من الحزم، فإن الكرد كان بإمكانهم أن يشعروا بسهولة أن هذا يرقى إلى محو متعمد لثقافتهم ورخائهم. وفي حين أنها أضرت بالكرد اقتصادياً، إلا أنني لست مقتنعاً بأن اسطنبول “هدفت إلى قطع صلة مهمة بين الذاكرة التاريخية والناس” (ص 97). لم يكن القضاء على الإمارات فعل حقد لا مسوغ له. كما أنني أشك في أن العثمانيين أضروا عمداً باقتصاد كردستان. إذ كانوا على نفس القدر من الحماقة وعدم الكفاءة ومخربين في أماكن أخرى أيضاً.

يمكن للمرء أيضاً إدراك الشعور بالتعرض للخيانة الذي يشعر به الكرد من خلال نقطة جذب أخرى للهوية الكردية وهي معاهدة سيفر التي تحظى باهتمام كبير أكثر مما تستحقه. في الواقع لم تكن سيفر حدثاً ذا شأن. إذ لم يصدّق العثمانيون أبداً على تلك الصفقة المقيتة، في حين حولها تمرد مصطفى كمال إلى موضوع أكاديمي بحت. على أي حال، فإن بريطانيا نفسها التي صاغت المواد 62 و64 المتعلقة بالكرد في المعاهدة، ظلت غير متأكدة من نيتها الحقيقية وراء إبقاء الأتراك بعيدين عن الطرق الشمالية لـ ميزوبوتاميا. اعتمد أي تنفيذ للمادتين بشكل كبير على أن الكرد أنفسهم يجب أن يكونوا فاعلين، ومفهوم أنهم لم يكونوا كذلك، لأن (1) لم يتمكنوا كحال اللاعبين الآخرين من تحديد الاتجاه الذي كانت تهب منه الرياح السياسية. (2) ولم يكونوا متأكدين من أن الأوروبيين لن يحاسبوهم على الإبادة الجماعية للأرمن. (3) ولكونهم منظمين قبلياً، كانوا ممزقين للغاية بالتنافسات الداخلية.

البحث الأكثر قيمة في الجزء الأول هو البحث الرائع لـ ولي ياديرغي  Veli Yadirgiعن الاقتصاد السياسي في كردستان والذي، مثل كتابه الرائد الذي يحمل عنواناً مشابهاً، يعرض بكثير من الوضوح توصيفاً اقتصادياً مقنعاً للتراجع التدريجي في تنمية كردستان من عهد التنظيمات (الإصلاح العثماني في منتصف القرن التاسع عشر) فصاعداً. رغم مساهمته الرائعة، لا يزال التاريخ الاقتصادي، من وجهة نظري، أشبه بـ “سندريلا” في حقل الدراسات الكردية، وربما يمكن اكتساب المزيد من دراسات إضافية، مع زاوية رؤية أوسع لاستيعاب التأثير الاقتصادي للقوى العظمى، وأيضاً مع تركيز أضيق بكثير على مواقع معينة في منعطفات معينة.

يعتبر المبحثان التاليان، “التطورات السياسية الإقليمية” و”التطورات السياسية المحلية”، كلاهما يغطيان القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، أقل نجاحاً من وجهة نظري. ففي حين أن هناك مادة قيمة عن الكرد في الدول الأربع، إلا أن هناك العديد من المنعطفات التي يبدو أن المؤلفين لم يفطنا إلى النقاط الحاسمة فيها. يمكن للمرء أن يرى النية في فصل القضايا المحلية عن الإقليمية، ولكن ما يسمى بالتطورات المحلية داخل المجتمع الكردي تتداخل بشكل وثيق مع سياسة الدولة داخل حدود النظام السياسي المعين ما بعد عام 1918 الذي وجد الكرد أنفسهم داخله. تبعاً لذلك، بدلاً من الإظهار المتسق لكيفية تفاعل المسائل المحلية الإقليمية والكردية، فإن ما لدينا في بعض الأحيان يكون غير مكتمل وعرضي ومفتقر إلى أوجه مهمة، بينما تتم مناقشة أحداث تطورات أخرى بشكل متكرر، أولاً كظاهرة إقليمية، وثانياً كظاهرة محلية مع عدم إيلاء اعتبار كاف للتشعبات الأوسع نطاقاً. على سبيل المثال، أدى القمع، الذي يقارب الإبادة الجماعية، لتمرد الشيخ سعيد عام 1925 بشكل مباشر إلى منح عصبة الأمم لولاية الموصل للعراق في عام 1926، الولاية التي كانت تركيا تريدها بأي شكل، لكنها تخلت عنها بشكل تلقائي. وفي الوقت ذاته، فإن افتراض المؤلفين أن التمرد فشل لأنه “لم يكن مدعوماً من قبل كرد المناطق الحضرية وأن بريطانيا والاتحاد السوفييتي لا يدعمان كردستان مستقلة” (ص 314-315) لا يخضع للتدقيق. بريطانيا، مثلاً، كانت ستسر باستقرار كردستان كمنطقة عازلة بين تركيا الجديدة والعراق. هذا ما كان البريطانيون يأملونه تماماً بشكل غير واقعي في سيفر. لكنهم بالتأكيد لم يكونوا ليقدموا قوات لحربٍ من الواضح أن ليس بإمكانهم، مع أو بدون الكرد في المناطق الحضرية، تحقيق النصر فيها. لم تتح للشيخ سعيد الفرصة. نظراً لأسلحتها وانضباطها وحيازتها للتلغراف والسكك الحديدية، كان بإمكان أنقرة دائماً تركيز قواتها في أي نقطة بقوة أكبر وبسرعة أكبر من رجال قبائل ضعيفي التنظيم والتسليح. (محمد كورتMehmet Kurt  محق تماماً في قوله إن القبائل الأخرى قوّضت الثورة (ص 509). بالحديث عن النقاط المفقودة مثل منح عصبة الأمم ولاية الموصل للعراق، فإن معاهدة سعد آباد (1937) لا تحظ بأي اهتمام، رغم أنها أضفت الطابع الرسمي على السياسة المشتركة الدائمة لتركيا والعراق وإيران (يمكن للمرء أيضاً أن يضيف إليهم سوريا غير الموقعة على المعاهدة) في رفض الانفصالية الكردية باستمرار. باستثناء تركيا، فإن كل دولة من تلك الدول قد استخدمت الكرد كمخلب قط لإثارة الاضطرابات كل مرة لدى أحد دول الجوار، ولكن بالتزامن استنكرت تلك الدول استقلال الكرد. هذا الوضع، لعنة “البينية”، يظل عاملاً حاسماً باستمرار.

أيضاً هناك أحياناً ميل إلى عدم رؤية الصورة الأوسع حول لماذا تتصرف القوى الإقليمية أو العظمى بالطريقة التي تتصرف بها. فلم يكن اضطهاد سوريا للأقلية الكردية مجرد تحامل عنصري. صحيح أن تلك العنصرية كانت مدفوعة جزئياً بقرون من “المشاكل” المتصورة مع الكرد، ولكن بحلول خمسينيات القرن الماضي، شعرت سوريا العربية، خارجة من السيطرة الإمبريالية الفرنسية ومحاطة بأعداء فعليين، بضعفٍ لا يوصف. كانت لديها أسباب معقولة لشعورها بالضعف والبارانويا في ضوء التهديد الدائم الذي تشكله إسرائيل والولايات المتحدة (وربما من تركيا، حليفة الولايات المتحدة في الناتو، التي قضمت بالفعل سنجق الإسكندرونة/ هاتاي عام 1939). لذا نشدت سوريا القوة من خلال الظهور الكاريزمي للقومية العربية بقيادة عبد الناصر. ضمن هذا السياق الأوسع، لم يكن خوف سوريا من أن يكون كردها حصان طروادة محتمل بلا أساس. نعلم جميعاً أن الخوف يولد بعض القرارات السيئة للغاية، سواء كان ذلك في الحياة العامة أو الشخصية.

أين هو الشارع الكردي في الدراسات الكردية؟ غالباً ما يتجاهل المؤرخون مناقشة حياة الناس العاديين، لذا فإن الفصل المميز لنيكول واتس Nicole Watts حول الاحتجاج في الشوارع ومعارضة النخبة المهيمنة في العراق هو موضع ترحيب، و”يلفت انتباهنا إلى تمثيل الناس الذين ليسوا بالضرورة ناشطين في الأحزاب والجمعيات السياسية” (ص 402). كما هو الحال مع الدراسات الاقتصادية، نحن بحاجة إلى مزيد من دراسة الأساس لما كان يجري في أي من الدول التي يتواجد فيها الكرد، لأنها ستوفر الكثير من المعلومات فيما يتعلق بالمجتمع الكردي. بسبب انتشار وتصاعد نجم وسائل التواصل الاجتماعي والنشر الرقمي، يمكننا أن نأمل في الحصول على مزيد من المعلومات من شوارع كردستان، وكذلك من الشتات الكردي.

بصرف النظر عن تحفظاتي على القسمين الثاني والثالث، فإن القسم الرابع (الدين والمجتمع) يقدم مساهمة قيمة للغاية في الدراسات الكردية. حيث نجد أنفسنا في هذا القسم في أيد أمينة بالفعل. يلاحظ ميشيل ليزينبيرغ Michiel Leezenberg أنه “بين القوميين الكرد العلمانيين، وفي وسائل الإعلام الأجنبية، قد يجد المرء تصور (ذاتي) ثابت مفاده أن العقيدة الإسلامية أقل انتشاراً وأقل تجذراً بين الكرد قياساً إلى جيرانهم العرب والأتراك والفرس. بتفحص أدق، تبدو الأمور أكثر تعقيداً إلى حد ما: لقد لعب الدين دائماً، ولا يزال، دوراً أكبر إلى حد ما في الحياة العامة والخاصة للكرد مما يعترف به القوميون العلمانيون الكرد (ص 477)، ويمكن للمرء أن يضيف إليهم أيضاً، الأكاديميين العلمانيين. إن فصل ليزينبيرغ وما يليه، تصحيحات بارعة لهذا التصور العلماني. يكتب محمد كورت عن التعقيد والتفاعل والصراع بين التقاليد الإسلامية المختلفة والهوية القومية التركية والكردية. إنه مرشد موثوق. إذ يستنتج أن “صعود المجتمع المدني الإسلامي في تركيا عامة، والمنطقة الكردية خاصة، قد جلب المعتقدات والاحتفالات والخطابات الدينية إلى جوهر المجال العام”. (ص 529) يجب أن أعتبر نفسي من المذنبين في إعطاء البعد الإسلامي مساحة غير كافية. ثم يأخذنا فيليب كرينبروك Philip Kreyenbroek وخانا عمرخالي Khanna Omarkhali  وأردال غيزيك Erdal Gezik عبر متاهة الأقليات الدينية، ليخبرونا بالكثير عنهم وعن ترابطهم الذي لم أكن أفهمه شخصياً بشكل جيد. هناك الكثير مما يجب استيعابه هنا، والكثير لتذكيرنا بأن مجرد الكتابة عن “الكرد” تخاطر بأن تكون مفرطة في التبسيط. إن الهوية الدينية بكل تنوعها وتعقيدها وغموضها تتطلب منا الاهتمام.

في الفصل 23، يقيم حميد بوز أرسلان  Hamit Bozarslanوجنكيز غونيش Cengiz Gunes الأدوار التي لعبتها القبائل الكردية وكيف تطورت هذه الأدوار، بما في ذلك الاعتراف بسلطتها السياسية المتدهورة عموماً، باستثناء الحالات التي تكون فيها قادرة على الاستفادة من نظام حراسة القرى المربح. يجب أن يكون قراءة هذا الفصل إلزامية لجميع المهتمين بالشأن السياسي الكردي. غير أن المؤلفين لا يناقشون متى أدار زعماء القبائل، كما في أماكن أخرى من العالم، التدهور السياسي من خلال استثمار الجهد والتأثير والموارد في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وهو أمرٌ وصفته آنا غرابول-جليكا Anna Grabolle-Çelika في كتابها المتميز “الحياة الكردية في تركيا المعاصرة” (2013)، وهو أمر يستدعي الدراسة في حالة زعماء القبائل في إقليم كردستان العراق: إلى أي مدى يمكن للزعماء الكرد المحافظة على المعتمدين عليهم والمستفيدين منهم من خلال الوسائل الاقتصادية والاجتماعية.

يستكشف القسم الخامس اللغة الكردية في عديد لهجاتها، بما في ذلك الكرمانجية (اللهجة الشمالية)، الكردية الوسطى (غالباً ما تسمى السورانية)، والكرمانجكي (التي يسميها الغرباء عادة زازكي، لكنها معروفة أيضاً بتسميات أخرى داخل المنطقة). مجدداً، بالنسبة لغير المتحدثين بالكردية، تُخبرُ فصول هذا القسم عن الطابع المعقد للهجات والهوية عدا عن الصعوبات السياسية الكامنة في مواجهة الدولة.

يتضمن القسم السادس مقالات عن الشعر وأشكال التعبير الأدبي والفني الجديدة (المأخوذة من أوروبا): الروايات والمسرح والسينما. نظراً لأن قلة من الكرد يمارسون عادة القراءة، فمن المحتمل أن تظل السينما هي الوسيلة الأكثر تأثيراً، ولدينا في هذا السياق مرجع موثوق يتمثل في ما كتبته الباحثة بهار شيمشك Bahar Şimşek . فيما يتعلق بالفنون البصرية، ربما كان إدراج بعض الرسوم التوضيحية النموذجية في الكتاب مفيداً.

عنوان القسم السابع “ديناميكيات عَرَضِيّة” باعث على الحيرة إلى أن يقرأ المرء محتويات هذا القسم. يلفت يوست جونغردين Joost Jongerden وحمدي آك كايا Hamdi Akkaya الانتباه إلى الظهور البطيء لمعسكرين سياسيين كرديين، كلاهما كانا موجودين في جمهورية مهاباد 1946-1947، ولكن اليوم يمكن رؤيتهما بمنتهى الوضوح في معسكر بارزاني المحافظ الذي يهيمن على إقليم كردستان العراق، والنهج الأوجلاني الراديكالي المعبر عنه في الحركة المدنية المؤيدة للكرد في تركيا ومجلس سوريا الديمقراطية في شمال سوريا. منذ تجمعات الصالونات الأولى في اسطنبول في أوائل القرن العشرين، انقسم القادة الكرد بين دعاة الانفصال ودعاة الحكم الذاتي ودعاة الاندماج. لا يجب أن نقلق بشأن هذا التوجه الأخير (الاندماج) لأنهم احتضنوا الثقافة السائدة للدول التي يسكنونها، لكن التوجهين الآخرين لا يزالان يتنافسان للحصول على الدعم. لعله من باب المفارقة أن “الانفصاليين” البارزانيين أصبحوا الآن مثقلين بشدة بالحكم الذاتي كعراقيين، في حين أن الحكم الذاتي الذي يتمتع به الكرد السوريون حالياً مرجحٌ لأن يكون مؤقتاً.

يغطي الفصلان 33 و 34 قضايا النزوح. يناقش الأول “الأصلانية الكردية العابرة للحدود” والتي، كما يقر مؤلفها، “هي للوهلة الأولى تناقض لفظي في اللغة” (ص 829). لست مقتنعاً تماماً بأن الباحثة نجحت في توضيح الموضوع. فالمهاجرون مضطرون بفعل النزوح ذاته والظروف الجديدة – الحضرية عادة – التي يجدون أنفسهم فيها، على إعادة تقييم هويتهم. يندمج البعض منهم ببساطة في البيئة الجديدة، لكن أولئك الذين يبحثون عن العزاء في الهوية، والتي يعتقدون أنهم يحملونها بشكل ثابت تقريباً، يعيدون تشكيلها في صورة معدلة بشكل أساسي، وعادة ما تكون فتاكة أكثر. لقد عاينت ذلك بشكل مباشر منذ أكثر من 40 عاماً في الحرب الأهلية في بيروت، حيث قام القرويون السابقون من خلفيات دينية مختلفة والذين كان لديهم الكثير من القواسم المشتركة مع بعضهم البعض أكثر من الاختلافات، بإعادة بناء هويتهم في الأحياء الفقيرة الحضرية لحشد تضامنهم على أساس المعتقد لا الطبقة الاجتماعية، ثم ذهبوا إلى الحرب. في الواقع، يمكن لتجربة المهاجرين/ المغتربين أن ترفد المجتمع الأصلي، كما يتتبع الفصل 34، وهو أمر دفع حقاً النزعة القومية الكردية في تطورها، لكن هذه النزعة القومية لم تعد في حد ذاتها أصلية، بل نتاج مزيج من الخبرات والفكر السياسي، حتى بالنسبة لأولئك الذين يتخيلون أنهم قد توصلوا إلى جوهر أنقى لهويتهم.

مؤسف أننا يجب أن ننتظر حتى الفصلين الأخيرين من الكتاب بأكمله لإلقاء نظرة على النصف الآخر من المجتمع الكردي: النساء والفتيات. لا أعتقد أنني كنت سأخمن أنهم شكلوا “ديناميكية عرضية” مقارنة بالنصف الآخر من التركيبة السكانية الكردية، وبالتالي كان يمكن مناقشة وضعهن بشكل أنسب في القسم الرابع (مناقشة المجتمع). برأيي، فإن الفصل الذي كتبته إيزابيل كاسر هو المساهمة الأكثر ذكاءً في هذا الكتاب، فإنه من المؤسف أن يدرج في نهاية الكتاب. بالرغم من أنني متأكد من أن محرري الكتاب لم يقصدوا التقليل من أهمية البعد الجندري للمجتمع الكردي (والسياسة الكردية)، إلا أنهم فعلوا ذلك عن غير قصد. تحتوي كل صفحة من مساهمة كاسر رؤى كاشفة كنت أتمنى شخصياً لو قرأتها قبل أن أحاول الكتابة – أشعر الآن أنني معصوب العينين- عن الجندر. لذا، إذا كنت لا تقرأ شيئاً آخر، انتقل مباشرة إلى الصفحة 893.

عند تقييم الكتاب ككل، من المحتمل أن تكون الجودة متفاوتة مع إجمالي 41 مساهماً. كذلك فإن درجة اهتمام القارئ بكل مساهمة سوف تكون متفاوتة بالضرورة. بعضها مكتوب بلغة إنكليزية واضحة، لكن في المقابل فإن عدداً لا يستهان به من المساهمات ليس كذلك. هنا في هذه النقطة يجب على محرري دار النشر والمحررين الأكاديميين العمل معاً لأجل ضمان إنتاج نثر جيد في مجمل الكتاب واستبدال الكلمات المبهمة (وجدت نفسي مضطراً للبحث عن معاني كلمات ليست موجودة حتى في قاموس أكسفورد، ومتاحة فقط على الإنترنت)، وإعادة صياغة التعبيرات الصعبة المتأثرة بالحقل الأكاديمي من خلال صياغة بسيطة. بصراحة، إذا كان لا يمكن التعبير عن تلك الأمور بلغة إنجليزية بسيطة، فمن شبه المؤكد أنها لا تستحق الذكر. هناك أيضاً في بعض المواضع من الكتاب قدر معين من المواد الوصفية الخارجة عن الموضوع ودون أي ارتباط حقيقي بالحجة المطروحة وكان من المفيد استبعادها. أعتقد أيضاً أنه كان من الخطأ التأثير في النص الموجود بين قوسين بالإحالة إلى أعمال أكاديميين آخرين، أحياناً عبر سلاسل أشبه بالسباغيتي، وغالباً ما يكون هناك مسوغ غير ضروري بالكامل (قد يكون ذلك مناسباً لأطروحة دكتوراة، ولكن إذا كان هناك ضرورة قصوى لذلك في كتاب من هذا النوع، فمن الأفضل وضع تلك الإحالات في أسفل الصفحة مثل الهوامش). كان ينبغي على الناشرين الإصرار على أن يكون وضوح وسهولة القراءة أولوية مطلقة. ينبغي لنا ترك باب الدراسات الكردية مفتوحاً ومرحباً بالباحثين الجدد، وليس ترك هذا المجال مخفياً وراء حواجز متراصة من الأعمال الأكاديميات المبهمة. لذا، أختم حديثي بمناشدة أن مثل هذه الكتب يجب أن تكتب بنثر جيد وواضح، وبكلمات شائعة الاستخدام. ينبغي أن نضع في الحسبان، نحن الذين نكتب مثل هذه المواد، كما لو أننا نريد أن نخبر في جلسة شراب قارئاً أو صديقاً غير متمرس في الشؤون الكردية ما نريده حقًاً أن يعرفه ويفهمه. ومن فضلكم أدرجوا المزيد من الخرائط في هكذا مواد!

ديفيد ماكدويل: درس التاريخ الإسلامي على يد ألبرت حوراني للحصول على شهادته الأولى، وكتب أطروحة التخرج عن الثورة الدرزية في سوريا 1925-1927. وهو متخصص عمل في المجلس الثقافي البريطاني ووكالة غوث اللاجئين الأونروا قبل أن يصبح كاتباً متفرغاً يكتب عن بريطانيا، وفلسطين، ولبنان، والكرد. وهو مؤلف الكتاب الرائد “تاريخ الكرد الحديث”، والذي نشر لأول مرة في 1996 وبلغ حالياً طبعته الرابعة.

حول هذه المادة: نُشرتْ هذه المادة على مدونة مدرسة لندن الاقتصادية LSE بتاريخ 7 يوليو 2021، فيما صدر الكتاب في 22 أبريل2021 وقد حرره كل من الباحثين المعروفين: حميد بوز أرسلان وجنكيز غونيش وولي ياديرغي.
تقرأون النسخة الإنكليزية الأصل لهذه المادة على الرابط التالي:

شارك هذا المقال: