المسألة الكردية في إيران وآثارها على علاقات إيران وتركيا

شارك هذا المقال:

بيرم سينكايا **

ترجمة: مصطفى إسماعيل

 

ملخص

لقد لعبت القضية الكردية دوراً معقداً في العلاقات بين إيران وتركيا. بعد ظهور الدول الحديثة، كانت إيران وتركيا منشغلتين في المقام الأول بالقضايا الأمنية التي هيمنت على العلاقات بين البلدين. ثم احتلت القضية الكردية مكاناً بارزاً في العلاقات الإيرانية- التركية إما كمصدر للصراع أو التنافس أو كمصدر للتعاون. يهدف هذا المقال إلى استعراض المسألة الكردية في إيران، وتأثير القضية الكردية على العلاقات الإيرانية- التركية منذ “الثورة الإسلامية” عام 1979. في هذا الصدد، فإن المقال يتناول القضية الكردية كمسألة أمنية في إيران ويحلل سياسات الجمهورية الإسلامية حيالها. ينتقل المقال ثم إلى العلاقات الإيرانية- التركية، ويحلل دور القضية الكردية كمصدر للصراع والتنافس والتعاون بين البلدين. وأخيراً، يتناول المقال آثار الديناميات الإقليمية الجديدة للقضية الكردية وتأثيراتها على علاقات إيران مع تركيا.

 

المسألة الكردية في إيران وآثارها على علاقات إيران وتركيا

يُنظرُ إلى معاهدة قصر شيرين (زوهاب) التي وقعت بين الإمبراطوريتين العثمانية والصفوية في 1639 على أنها رسمت الحدود الحالية بين تركيا وإيران. وهي المعاهدة التي يعدها الكثير من الإيرانيين والأتراك- وبخاصة الدبلوماسيين- رمزاً لقرون من الصداقة بين البلدين. بيد أن القوميين الكُرد يعيدون إلى الأذهان على مضض المعاهدة نفسها باعتبارها تقسيماً رسمياً للشعب الكُردي بين البلدين.1 تم الاحتفاظ بهذا التقسيم في تقاسم المناطق ما بعد الحرب العالمية الأولى والذي قسم أيضاً الشعب الكُردي بين العراق وإيران وسوريا وتركيا.

بالإضافة إلى تطلعات النشطاء الكُرد السياسية في الحكم الذاتي والاستقلال، فإن مقاومة بعض القبائل الكردية لسياسات القومنة والمركزة للدول الحديثة تطورت لتبلور المسألة الكردية.2 مبدئياً، لم ترحب أي من الدول التي تضم أقلية كردية جديرة بالاعتبار بفكرة دولة كردية مستقلة، وهو القاسم المشترك بين الدول الأربع. من ناحية أخرى، لدى معظم هذه الدول تاريخ من استخدام الحركات الكردية في بلدان الجوار إما ضد الأنظمة المعادية أو لمصالح أمنها القومي. ومن هذا المنطلق تعتبر الحكومات القومية المسألةَ الكردية تحدياً أمنياً استغله المتنافسون الأجانب والمتنافسون في الجوار. منذ ظهور الدول الحديثة في بدايات القرن العشرين، وضع هذا الإطار المعالم التقليدية للعلاقات الدولية في الشرق الأوسط فيما يخص المسألة الكردية. في النهاية، احتلت هذه القضية موقعاً مركزياً في السياسات الخارجية للدول الإقليمية- بما فيهم إيران وتركيا بالتعاقب- كمصدرٍ للصراع والتعاون.3

لكن منذ حرب الخليج عام 1991، بدأت معالم جديدة في تشكيل العلاقات الدولية في المنطقة فيما يخص القضية الكردية. الأهم بينها هو أن أحد اللاعبين التقليديين- الحكومة القومية في بغداد- قد تم إخراجه من المعادلة. فمع إنشاء حكومة إقليم كردستان كشبه دولة في شمال العراق، فقدت بغداد نفوذها الإقليمي على المسألة الكردية. في السنوات الأخيرة، اكتسبت الحركة الكردية في سوريا بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي قدراً كبيراً من القوة وأسست إدارة متمتعة بالحكم الذاتي في شمال البلاد. أطلقت السلطات المنهارة للحكومات المسيطرة على المناطق المأهولة بالسكان الكرد في شمال العراق وشمال سوريا العنان للتنافس بين إيران وتركيا للتأثير على الحركات الكردية والمنطقتين.4

يهدف هذا المقال إلى تناول المسألة الكردية كمسألة أمنية في حالة إيران، وتحليل آثار المسألة الكردية على العلاقات الإيرانية- التركية منذ الثورة الإسلامية عام 1979. يدّعي المقال بأن المعايير التقليدية في مقاربة المسألة الكردية لا تزال تطغى على السياسات الإيرانية والتركية- وهي أن القضية الكردية تعد مشكلة أمنية في كلا البلدين- وأن هذا يصيغ أيضاً سياساتهما الإقليمية. لقد أجبر التهديد الكردي المفترض أنقرة وطهران على التعاون بين الحين والآخر، لكنه كان أيضاً مصدراً للخلاف بين البلدين. لقد منعت الاختلافات في المقاربات الإيرانية والتركية للسياسات الإقليمية والتباين في مصالحهما من تطوير تعاون إقليمي فعال وطويل الأمد بشأن القضية الكردية. يبدأ هذا النقاش بتناول المسألة الكردية كقضية أمنية في إيران ويحلل سياسات الجمهورية الإسلامية في هذا الصدد. ثم ينتقل النقاش إلى قضية العلاقات الإيرانية- التركية ويستعرض دور القضية الكردية كمصدر للصراع والتنافس، وكمصدر للتعاون المتبادل. وفي الختام، ينتقل النقاش إلى تأثيرات الديناميكيات الإقليمية الجديدة للقضية الكردية على علاقات إيران المستمرة مع تركيا.

لمحة عامة عن المسألة الكردية في إيران

يشكل كرد إيران 10% من مجمل سكان إيران تقريباً. يعيش معظمهم في محافظات كردستان وأذربيجان الغربية وكرمانشاه وإيلام على طول حدود إيران مع تركيا والعراق. ما يقدر بنسبة 60% منهم هم مسلمون سنة، بينما هناك أقلية مهمة بينهم متشيعة، وأقلية صغيرة تتبع النظام المعتقدي اليارسانية (أهل الحق).5

منذ ظهور إيران الحديثة، تم تأطير القضية الكردية كمسألة أمنية.6 عاينت إيران عدداً من الحركات السياسية الكردية الساعية إلى الحكم الذاتي والحقوق السياسية التامة بدءاً من تمرد سمكو- أطلق على التمرد اسم زعيم قبيلة شكاك- في بدايات عشرينيات القرن العشرين. الحدث البارز كان تأسيس جمهورية مهاباد المستقلة في يناير 1945 والتي تم تحطيمها سريعاً من قبل الحكومة الإيرانية.7 في أواخر ستينيات القرن العشرين، ساعد التمرد الكردي في العراق بقيادة الملا مصطفى البارزاني في انبعاث الحركة السياسية الكردية في إيران، لكنها انشقت إلى عدد من الأحزاب- يقودها الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران وكومله (منظمة الكادحين الثوريين في كردستان الإيرانية) – التي صاغت اللغة السياسية للكرد الإيرانيين، وفي حين كان الحزب الديمقراطي الكردستاني معروفاً بنفوذه بين الشخصيات البارزة، كان كومله حزباً ماوياً مؤلفاً من شباب حضري متعلم يحاول تنظيم مقاومة الفلاحين ضد ملاك العقارات الإقطاعيين.8

في أعقاب ثورة 1979، برزت الحركة السياسية الكردية كأحد أقوى التحديات التي تواجه ترسيخ الجمهورية الإسلامية. إضافة إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني وكومله، ظهرت جماعات سياسية جديدة مثل مكتب القرآن الذي يتخذ من سنندج مقراً له- والذي كان يقوده أحمد مفتي زاده- والذي استقطب الكرد المتدينين القوميين. وكان الشيخ عز الدين حسيني- وهو زعيم ديني من مهاباد- زعيماً مؤثراً آخر للحركة في ذلك الوقت. بعد انهيار نظام بهلوي، أصبحت معظم التنظيمات الكردية مسلحة ومطالبة ببعض من أشكال الحكم الذاتي في المنطقة الكردية. بعد وقت قصير من الثورة، اجتمع ممثلون عن الجماعات الكردية المختلفة لصياغة مطالبهم بما فيه الحكم الذاتي للمناطق الكردية التي ستوحد في كيان إداري واحد.9

بالإضافة إلى الجهود الكردية باتجاه الحكم الذاتي، أججّ نزاع أحاط بـ عبد الرحمن قاسملو التوترات بين الجماعات الكردية والحكومة الثورية. رغم أن قاسملو- زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران- قد انتخب لعضوية مجلس الخبراء المكلف بصياغة الدستور، فقد مُنع من الانضمام إليه. بعد سلسلة من المفاوضات غير المثمرة بين الجماعات الكردية التي يقودها الحزب الديمقراطي الكردستاني والحكومة، حاول الأول الاستيلاء على المباني الحكومية ومراكز الشرطة والثكنات العسكرية. اتخذت الجمهورية الإسلامية- التي رفضت مطالب الحكم الذاتي بعدّها انفصالية- تدابير عسكرية لتقويض القومية الكردية وتحطيم المقاومة الكردية. وهكذا، تحولت النزاعات المسلحة المتفرقة بين الأحزاب الكردية وقوى الأمن إلى تمرد كامل في أغسطس 1979. 10

قُمعَ التمرد الكردي باندفاع قوي من الحرس الثوري بعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية في سبتمبر عام 1980، وتمت استعادة سلطة الحكومة المركزية على المناطق الكردية. رغم ذلك، استمرت الاشتباكات الطفيفة بين الحرس الثوري من جهة ومقاتلي الحزب الديمقراطي الكردستاني ومقاتلي كومله (البيشمركة) من جهة أخرى حتى منتصف الثمانينيات، حيث انتقلت معظم البيشمركة الكردية إلى شمال العراق وتم إيوائهم من قبل صدام حسين.11 استمرت البيشمركة بشن هجمات متقطعة عبر الحدود ضد أهداف داخل إيران إلى أن أوقف الحزب الديمقراطي الكردستاني أنشطته المسلحة من طرف واحد في عام 1996. لكنه لم يتخل بعد عن التزامه بالكفاح المسلح واحتفظ بقوات البيشمركة.

عمقت الأحداث الدامية ما بعد الثورة عدم الثقة المتبادلة بين الجماعات السياسية الكردية والجمهورية الإسلامية. تم تهويل هواجس أمن الدولة من خلال الموقع الجغرافي التاريخي لمعظم الكرد الإيرانيين في المنطقة الحدودية الجبلية المتاخمة لمناطق أبناء جلدتهم في تركيا والعراق. المعروف أنه يصعب على الحكومة السيطرة على المنطقة نظراً لخصائصها الطبيعية الصعبة. لكن الكرد- الذين على دراية بتضاريس الأرض- كانوا في تفاعل مستمر مع إخوتهم على الطرف الآخر من الحدود، ما وفر درجة عالية من التحرك للمتمردين المسلحين. لأجل هذا اتجهت الحكومة إلى اعتبار المناطق ذات الغالبية الكردية مناطق اضطرابات محتملة، الأمر الذي جعلها معارضة للاستثمار في هذه المناطق. بناء على ذلك، فإن المناطق الكردية في إيران لا تزال بشكل ملحوظ أقل نمواً.12

إن المسألة الكردية في إيران ملازمة لانقسامات طائفية ما جعل منها تحدياً هائلاً للجمهورية الإسلامية. لقد حظيت الحركة القومية الإثنية بشعبية وخاصة بين الكرد السنة في إقليم كردستان وبعض أجزاء أذربيجان الغربية. لكن محافظتي كرمانشاه وإيلام اللتين تقطنهما غالبية من الكرد الشيعة فلقد بقيتا مواليتين لطهران وأصبحتا معقلين للنظام. وفي حين عارض الكرد السنة استبدال نظام بهلوي بجمهورية إسلامية على أساس المبادئ الشيعية، فإن الكرد الشيعة وقفوا بجانب النظام الإسلامي.13 يشعر الكثير من الكرد السنّة بالتمييز المزدوج ضدهم في ظل النظام الشيعي.14 إن توظيف الشيعة الثوريين المتعصبين في المناطق الكردية ذات الغالبية السنية أبرز هذا القلق.15 رغم ذلك، فإن معظم التنظيمات السياسية الكردية التي تقاتل الجمهورية الإسلامية قد جرى حشدها من خلال الهوية “القومية” وليس الطائفية، أو عن طريق الإيديولوجية اليسارية.

على الرغم من تراجع النشاط العسكري في التسعينيات، إلا أن انتشار الإصدارات الكردية والتفاعلات المتزايدة بين الكرد الإيرانيين وأقاربهم الإثنو- لغويين في البلدان الأخرى قد تُوّج بتطوير شعور بالأمة الكردية مدعوماً بتزايد التنقل والشبكات عبر الوطنية وتقنيات التواصل العالمية.16 هناك عامل آخر أسهم في إحياء النشاط العرقي القومي الكردي بشكل عام وداخل إيران بشكل خاص، وهو ترسيخ الحكم الذاتي لحكومة إقليم كردستان في العراق. تأسست حكومة إقليم كردستان كشبه دولة في يونيو 1992، وحصلت في نهاية المطاف على اعتراف رسمي كإقليم فيدرالي بموجب الدستور العراقي الجديد لعام 2005. نجاح حكومة إقليم كردستان شجع الكرد الإيرانيين على الدفع لانتهاج طرق مماثلة. أصبحت حكومة إقليم كردستان منذ ذلك الحين مركزاً للنشاط السياسي والثقافي للجماعات الكردية من إيران وسوريا وتركيا. تم إعادة تفعيل الحزب الديمقراطي الكردستاني- إيران وكومله بشكل خاص، واستفادوا من البث التلفزيوني الفضائي وتقنيات المعلومات الجديدة لنشر آرائهم. لقد طالبوا بنظام فيدرالي في إيران مستوحى بشكل جلي من تجربة حكومة إقليم كردستان.17

في مقابل إحياء القومية العرقية الكردية، تم تجديد الكفاح المسلح الكردي أيضاً في إيران بعد تأسيس حزب الحياة الحرة. تم تأسيس حزب الحياة الحرة الكردستاني في 2002 كفرع لحزب العمال الكردستاني في إيران، وقد طالب بإنشاء إيران فيدرالية من شأنها ضمان قدر كبير من الحكم الذاتي وحقوقاً ثقافية أكبر للكرد الإيرانيين.18 باستخدام نفس القواعد العسكرية لحزب العمال الكردستاني في جبال قنديل على الحدود العراقية- الإيرانية، بدأ حزب الحياة الحرة الكردستاني مع ما يقدر بنحو 3000 مقاتل حرب عصابات مستهدفاً قوات الأمن والمسؤولين الإيرانيين.19 كما استهدف المباني الحكومية والبنية التحتية الأساسية بما في ذلك خطوط أنابيب النفط. نتيجة لذلك، أصبحت المناطق الشمالية الغربية لإيران المحاذية للعراق وتركيا مسرحاً لتجدد الاشتباكات بين قوى الأمن الإيرانية ومقاتلي حزب الحياة الحرة. استمرت الاشتباكات العنيفة بين الطرفين حتى يوليو 2011 عندما أعلن الحزب وقف إطلاق النار.20

لم تكن المسألة الكردية في إيران منعزلة عن التطورات الإقليمية، ولم تكن بمنأى عن التدخل الخارجي. الواقع أن إلقاء اللوم على القوى الأجنبية في الاضطرابات الداخلية هو ممارسة مشتركة بين الحكومات الاستبدادية، تُستخدمُ لتشويه سمعة المعارضة وتبرير قمعها العنيف. فيما يتعلق بالمسألة الكردية في إيران، لا يمكن بسهولة استبعاد الدور المحتمل للقوى الأجنبية في بذر الاضطرابات الداخلية.21 بعد إرغامهم على الخروج من إيران، استقرت جماعات المعارضة الكردية المسلحة في شمال العراق، حيث أقامت علاقات وثيقة مع الساسة الأوروبيين، وأنشأت فروعاً لها في بعض الدول الأوروبية. لم يكشفوا فقط عن انتهاكات حقوق الإنسان والسعي لنيل الدعم لأهدافهم السياسية فقط، بل طالبوا أيضاً بتغيير النظام في إيران.22

بالنظر إلى المحاولات الأمريكية والإسرائيلية لـ “تغيير النظام” في طهران بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، صعّدت الحركات القومية الإثنية الكردية الإيرانية وارتباطاتها المزعومة بأجهزة الاستخبارات الأجنبية من مخاوف إيران الأمنية. في الواقع، رصدت الحكومة الأمريكية مبلغاً معيناً من المال لدعم “الديمقراطية” في إيران. وأفيد أن مائير داغان- الرئيس السابق للموساد- قد أعلن أن أحد ركائز سياسة إسرائيل في مواجهة إيران هو استخدام الأقليات العرقية المحلية بما في ذلك الكرد والبلوج.23 تحدث سيمور هيرش- الصحفي الاستقصائي الأمريكي المعروف- عن العلاقات السرية للمعارضة الكردية الإيرانية مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية التي عملت معاً لدعم حزب الحياة الحرة الكردستاني.24 فضلاً عن ذلك، فإن زعيم حزب الحياة الحرة حاج أحمدي قد سافر إلى واشنطن في صيف 2007 لطلب الدعم السياسي والمالي والعسكري. استمر ظهور العديد من التقارير التي زعمت وجود علاقات سرية بين المعارضة الكردية وأجهزة الاستخبارات الأجنبية، الأمر الذي فاقم من قلق إيران من الحركات السياسية الكردية.25

انتظمت أحزاب المعارضة الكردية الإيرانية-بعيداً عن متناول إيران- للتغلب على خلافاتها وتوحيد قواتها. على سبيل المثال، التقى مصطفى هجري من الحزب الديمقراطي الكردستاني وعبد الله مهتدي من كومله، ووقعا اتفاق تعاون وتنسيق في 22 أغسطس 2012. بمقتضى الاتفاقية، “يعتقد الطرفان أن الديمقراطية وحقوق القوميات في إيران- وخاصة القومية الكردية- لن تتحقق دون الإطاحة بنظام الجمهورية الإسلامية. يعتقد الجانبان أيضاً أن النظام السياسي المستقبلي لإيران يحتاج إلى أن يكون علمانياً وديمقراطياً وفيدرالياً”.26

مقاربة الجمهورية الإسلامية للمسألة الكردية

لم تنكر إيران أبداً وجود الإثنية الكردية التي كانت تعتبر جزءاً من الأمة الإيرانية. وأفيد أن الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي قد قال “لا يحق لأحد الادعاء بأنه إيراني أكثر من الكرد”.27 في الواقع، كانت هناك ممارسة مديدة داخل إيران للتأكيد على الجذور العرقية واللغوية المشتركة بين الفرس والكرد كوسيلة لتعزيز السلامة الوطنية. بدلاً من هذا الخطاب “الآري” الذي استخدمه نظام بهلوي على نطاق واسع، وظفت الجمهورية الإسلامية في المقام الأول خطاباً “إسلامياً” لربط الأقليات العرقية المختلفة معاً.28 وفقًا لهذا الخطاب، لا يوجد فرق بين المسلمين الذين يتحدثون العربية والتركية والفارسية والكردية وغيرها من اللغات، والقومية العرقية هي أداة الإمبرياليين لتقسيم الأمة الإسلامية.

رغم الخطاب الجامع والإسلامي، فإن الحكومات الإيرانية المتعاقبة قد اعتمدت التمييز بين “الكرد العاديين”- الذين دعموا الثورة والجمهورية الإسلامية- والجماعات الكردية المسلحة المناوئة للثورة.29 وبذلك تم تهميش الحركات القومية العرقية الكردية ووسمت بأنها معارضة للثورة. لم تتردد الجمهورية الإسلامية في استخدام القوة ضد هؤلاء “الإرهابيين الانفصاليين”. وفقًا للرأي السائد، فإن مطلب الحكم الذاتي السياسي ليس هو مطلب الشعب الكردي، بل هو ذريعة يستغلها أعداء الإسلام والأمة. يتم اتهام أحزاب المعارضة الكردية بأنهم وكلاء لوكالات الاستخبارات الأجنبية المعادية والتي- إذا أتيحت لها الفرصة- قد تحث على فصل كردستان عن إيران في خاتمة المطاف، أو تقوم بتدمير الجمهورية الإسلامية. لذلك ردت الحكومة بإجراءات عسكرية لتفكيك النفوذ السياسي والعسكري لتلك الأحزاب.30 وقد اختارت بعض القبائل الكردية البارزة منذ أوائل الثمانينيات لدواعي الأمن. قاتلت هذه الميليشيا القبلية المعروفة باسم البيشمركة المسلمة إلى جانب القوات المسلحة الإيرانية لتحقيق الاستقرار في المناطق التي يسكنها الكرد، ولإلحاق الهزيمة بحركات المعارضة المسلحة الكردية.31

بينما تم قمع الجماعات المسلحة “المناوئة للثورة” بالإجراءات العسكرية، سمحت إيران باستمرار عمل الجماعات غير العنفية من “الكرد العاديين”، الذين سمح لهم أيضاً بالتمثيل في البرلمان وتقلد مناصب حكومية مهمة. بخاصة خلال التسعينيات تحت قيادة الرئيس السابق خاتمي، سمحت بعض “الانفتاحات المتواضعة” بإصدار المجلات والنشرات الكردية. تم منح مجالس المدن المنتخبة في إيران بشكل عام، وفي المناطق التي يسكنها الكرد بشكل خاص، سلطة أكبر في إدارة الشؤون المحلية. عيّن خاتمي عبد الله رمضان زاده كأول محافظ كردي لمحافظة كردستان، وبعد ذلك متحدثاً باسم مجلس الوزراء.32 أسس المثقفون الكرد معاهد ثقافية وأكاديميات لغة ومنظمات غير حكومية. في بدايات 2006، أسس بهادين أداب- النائب الكردي المخضرم في البرلمان- الجبهة الكردية الموحدة.33 بجمع النواب الكرد معاً. قاد أداب أيضاً كتلة كردية في الدورتين البرلمانيتين السادسة والسابعة.34

لم يؤد توظيف الخطابات الوطنية والإسلامية الجامعة إلى النتائج المتوقعة، حيث اعتبر الكثير من الكرد السنة أنفسهم مُعانينَ من دولة شيعية بقيادة فارسية.35 لم تكن مشاريع الحكومة التنموية كافية لرفع مستويات المعيشة في المناطق الكردية، واستمر الاستياء حتى خلال الاستقرار النسبي في التسعينيات. في نهاية الأمر ومع بروز مخاوف الأمن القومي الإيراني في ظل الظروف الجيوسياسية الجديدة التي صاحبت الاحتلال الأمريكي للعراق، فإن “الانفتاحات المتواضعة” قد تراجعت تقريباً بالكامل. سرعت نهاية ولاية خاتمي كرئيس في عام 2005- الذي خلفه الراديكالي الجديد محمود أحمدي نجاد- تراجع الانفتاح السياسي والثقافي. تم حظر بعض الصحف والمجلات الكردية وواجه محرروها محاكمات طويلة.36 حُكِمَ على مؤسس منظمة حقوق الإنسان الكردية محمد صادق كابودفند بالسجن 11 عاماً في 2007 بتهمة نشر دعاية ضد الجمهورية الإسلامية. وحُلّتْ الكتلة الكردية في البرلمان.

بموازاة المخاوف الأمنية المتزايدة في إيران بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، تبنت قوى الأمن الإيرانية أيضاً إجراءات مشددة لإخماد التمرد الكردي الذي تميز بصعود حزب الحياة الحرة الكردستاني. أصبح مقتل المتظاهر الكردي شفان قادري في يوليو 2005 برصاص قوات الأمن وسحلُ جثته في شوارع مريوان رمزاً لعنف الدولة.37 إضافة إلى ذلك، أعدمت إيران عدداً آخر من النشطاء السياسيين الكرد. كان إعدام إحسان فتاحيان في نوفمبر 2009 هو الأول في موجة من عمليات الإعدام التي طالت “المجرمين السياسيين” الذين حكم عليهم بالإعدام بسبب عضويتهم في منظمات غير قانونية ولتورطهم في الكفاح المسلح ضد النظام.38 كانت الحملات العسكرية الإيرانية عبر الحدود في شمال العراق رداً على عمليات حزب الحياة الحرة الكردستاني. ورغم أن حزب الحياة الحرة الكردستاني أوقف أنشطته ضد إيران في 2011 لكن الدولة واصلت إجراءاتها العسكرية في المناطق التي يسكنها الكرد.

إن تراجع الانفتاح والإجراءات الأمنية المستمرة إضافة إلى الاستبعاد الملاحظ للكرد من المراكز المؤثرة جعل الرئيس السابق أحمدي نجاد لا يحظى بشعبية بين الكرد. مع التفاؤل إزاء تحسين وضعهم والمزيد من التمثيل في الحكومة، صوّت معظم الكرد الإيرانيين لصالح حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية في يونيو 2013. لكن روحاني فشل في تعيين أي سياسي أو بيروقراطي كردي في أي منصب رفيع المستوى في الإدارة. في الواقع، إضافة إلى إحباطه الكرد الإيرانيين، تميزت فترة ولايته بزيادة ملحوظة في عمليات إعدام النشطاء الكرد.39 في مايو 2015، اندلعت احتجاجات مناوئة للحكومة في مهاباد بسبب إساءة معاملة ضباط الأمن لفتاة كردية. خلال زيارته إلى مهاباد في مايو 2016، كرّر روحاني المقاربة الجمهورية الإسلامية المعروفة تجاه القضية الكردية، مُخبراً جمهوره الكردي أنهم “إيرانيون ومسلمون” أولاً وأخيراً.40 بحلول صيف 2016، استأنفت الميليشيات الكردية الإيرانية بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني- إيران أنشطتها المسلحة داخل إيران ما أدى إلى رد عسكري إيراني.

تداعيات الكفاح المسلح الكردي المتصاعد على العلاقات الإيرانية- التركية

مع غالبية من الكرد لديها، عاينت تركيا المسألة الكردية بخوفٍ مشابه كالذي لإيران المجاورة. تركيا التي شهدت ثورات كردية مستمرة منذ تأسيس الجمهورية في 1923، اعتبرت الحركات الكردية العرقية القومية بمثابة تهديد لأمنها وسلامة أراضيها. وفي نهاية المطاف أطلق حزب العمال الكردستاني- الذي تأسس على خليط من الأفكار الماركسية اللينينية والقومية الكردية في أواخر السبعينيات- “حرب عصابات” ضد تركيا مرتكباً العديد من الهجمات “الإرهابية”. تسبب قتال الحكومة المستمر ضد “الانفصاليين الكرد” في اتخاذ مقاربة تركز على الجانب الأمني في التعامل مع القضية الكردية.

وكما في حالة إيران، حاولت تركيا دمج “الكرد العاديين” مع بقية الأمة 41 متيحة لهم المشاركة في الحياة السياسية في أي من طرفي الطيف السياسي والخدمة في الحكومة. لكن تركيا نفت رسمياً وجود الكرد كشعب مختلف، واللغة الكردية كلغة مختلفة وذلك حتى بدايات القرن الحادي والعشرين، حين تم إجراء عدد من الإصلاحات في إطار محاولتها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.42

إضافة إلى ذلك، فإن الإصلاحات التي أجريت في إطار التحول الديمقراطي في ظل حكم حزب العدالة والتنمية لبّت معظم المطالب الكردية وساعدت على حل بعض القضايا الخلافية المحيطة بالقضية الكردية في تركيا. شملت تلك الإصلاحات إنهاء حالة الطوارئ، ورفع الحظر المفروض على استخدام اللغة الكردية في النشر والبث والتعليم، والمشاركة السياسية. كما تم إضفاء الطابع القانوني على الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني الكردية، وأعيدت حقوق المواطنة لبعض النشطاء الكرد. 43

لكن أنشطة حزب العمال الكردستاني المتواصلة تسببت في إبقاء الحكومة على منظور يركز على التعامل الأمني. اعتادت تركيا على النظر إلى الحركات الكردية في العراق وإيران من خلال المنظور الأمني نفسه، وكانت قلقة حيال نهوض التنظيمات المسلحة الكردية في دول الجوار. كما أنها كانت قلقة من المحاولات الإيرانية والعراقية للعب “الورقة الكردية” ضد بعضهم البعض. ولهذا حاولت تركيا التنسيق مع الحكومتين العراقية والإيرانية في إجراءاتها ضد الحركات الكردية المسلحة.44 لكن الشواغل التاريخية والاعتبارات الجيوسياسية والمصالح الإقليمية المتضاربة لإيران وتركيا حالت دون التعاون الفعال بين البلدين.45

رغم تاريخ من التعاون العرضي بين الدولتين فيما يتعلق بالمسألة الكردية، فإن تصاعد الكفاح المسلح الكردي خلال الثمانينيات أثر سلباً على العلاقات الإيرانية- التركية. بداية، ألقت إيران باللوم على تركيا لإيوائها الجماعات الكردية المسلحة، مدعية أن ذلك عزز عدم الاستقرار في المناطق الكردية في شمال غرب إيران. إضافة إلى الثوار الملكيين المناوئين للثورة الإسلامية، نفذت بعض جماعات المعارضة الكردية هجمات داخل إيران منطلقة من الأراضي التركية. بعد فترة توتر بين البلدين، أفيد أن هذه الجماعات غادرت تركيا في منتصف التسعينات إلى شمال العراق.46

أما التأثير الثاني للكفاح المسلح الكردي المتصاعد على العلاقات بين إيران وتركيا فيتعلق بنشاط حزب العمال الكردستاني. معتمداً على اتفاقية تعاونه مع الحزب الديمقراطي الكردستاني والتي تم التوقيع عليها في دمشق عام 1983، أنشأ حزب العمال الكوردستاني عدة معسكرات في شمال العراق.47 ونظراً لأن الحزب الديمقراطي الكردستاني كان آنذاك حليفاً لإيران، فإن تركيا اعتبرت اتفاقية الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب العمال الكردستاني تعني ضمنياً الدعم الإيراني لحزب العمال الكردستاني.48 إضافة إلى ذلك، زاد حزب العمال الكردستاني من وجوده في محافظة أذربيجان الغربية في إيران، مستخدماً الجغرافيا الجبلية للحدود التركية الإيرانية خلال منتصف الثمانينيات. راقبت تركيا بقلق علاقات حزب العمال الكردستاني مع الأحزاب الكردية المتحالفة مع إيران، وأنشطته على الأراضي الإيرانية. وفي حين أن وسائل الإعلام التركية أبرزت علاقات حزب العمال الكردستاني مع إيران، فإن سياسيين أتراك نددوا بإيران لدعمها حزب العمال الكردستاني.
هكذا ظهر حزب العمال الكردستاني كعامل مهم معيقاً العلاقات التركية- الإيرانية، إذ رفضت طهران طلب أنقرة باتفاق المطاردة الساخنة لملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي الإيرانية. لكن البلدين وقعا على اتفاقية أمنية في نوفمبر 1984 في أنقرة. 49 تلزم هذه الاتفاقية الطرفين بمنع أنشطة أي مجموعة تنخرط في فعل تخريبي ضد أمن الطرف الآخر. لكن لعبة إلقاء اللوم على أنشطة حزب العمال الكردستاني استمرت بين البلدين، ومن أجل التغلب على خلافاتهما حول مخاوفهما الأمنية وقعوا على بروتوكول أمني جديد في سبتمبر 1992. البروتوكول- الذي كرر أحكام البروتوكول السابق- يلزم كلا الطرفين بمنع أي أنشطة مهددة لأمن الآخر، وكذلك منع المعابر الحدودية غير القانونية. كما نص على إنشاء لجان أمنية على مستوى الخبراء وكبار المسؤولين.50

رغم البروتوكولات الأمنية بين الطرفين، استمرت المزاعم التركية حول الدعم الإيراني لحزب العمال الكردستاني طيلة سنوات التسعينيات. اُتهمتْ إيران بالسماح لحزب العمال الكردستاني بإنشاء معسكرات داخل أراضيها، وبالتورط في هجمات عبر الحدود. حتى أن كبار المسؤولين الأمنيين في تركيا ادّعوا علانية أن إيران “تستخدم الإرهاب لتحقيق أهدافها السياسية” ضد تركيا. 51 وزُعمَ أن الجانب الإيراني من جبال شهيدان المتاخمة لولاية هكاري التركية هو قاعدة لعدة معسكرات لحزب العمال الكردستاني تضم حوالي 700-800 مسلح. استعد الجيش التركي لمهاجمة أحد هذه المعسكرات في مايو 1995، خطة تم منعها من قبل الرئيس التركي آنذاك سليمان ديميريل لتجنب مفاقمة التوترات مع طهران.52 شكلت تلك الادعاءات جزءاً ملحوظاً من أجندة العلاقات الثنائية بين البلدين. أنكرت إيران دائماً وجود معسكرات لحزب العمال الكردستاني داخل إيران، لكنها اعترفت بصعوبة ضبط المنطقة الحدودية بسبب الخصائص الطبيعية للمنطقة والتي يمكن استغلالها من قبل بعض أعضاء الحزب.

اعتقلت قوى الأمن التركية زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في فبراير 1999. أقر أوجلان خلال محاكمته بأن منظمته قد تلقت الدعم من قبل عدد من الدول، من بينها إيران. ووفقاً لاعترافاته المنشورة على نطاق واسع، فإن إيران قد سمحت بشحن أسلحة إلى حزب العمال الكردستاني، ووفرت له معسكرات داخل أراضيها، وأرغمت الاتحاد الوطني الكردستاني على السماح بعمليات حزب العمال الكردستاني. بقيت إيران عموماً صامتة تجاه هذه الاتهامات. في المقابل، وصف رئيس الوزراء التركي بولنت أجويد إيران بأنها حلت محل سوريا بصفتها راعي حزب العمال الكردستاني. ردت إيران على ذلك من خلال محاولة إبعاد حزب العمال الكردستاني عن حدودها مع تركيا، ساعد توسطها بين حزب العمال الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني الأول على الاستقرار في جبال قنديل.53 وأخيراً، أوقف حزب العمال الكردستاني أنشطته المسلحة في تركيا حتى عام 2004.

أثرت القضية الكردية سلباً على العلاقات بين أنقرة وطهران، ليس فقط بسبب الدعم الإيراني المزعوم لحزب العمال الكردستاني، ولكن أيضاً بسبب العمليات العسكرية التركية ضد الحزب والتي تسببت بأضرار كبيرة أحياناً على الجانب الإيراني من الحدود. إحدى الأمثلة على ذلك، أن سلاح الجو التركي قتل تسعة قرويين إيرانيين أثناء قصفها معسكر زاله بالقرب من الحدود في يناير 1994. 54 في يونيو 1996، زعمت إيران أن مروحية هجومية تركية قد دخلت مجالها الجوي لمسافة خمس كيلومترات، ما أسفر عن مقتل ستة قرويين وإصابة 17 آخرين في قرية سيلفانا الحدودية. 55

تصاعد التوتر مجدداً عندما خرقت طائرة تركية المجال الجوي الإيراني وقصفت موقعاً عسكرياً بالقرب من بيرانشهر في يونيو 1999. وأفيد أن خمسة جنود إيرانيين واثنين من القوات شبه العسكرية الإيرانية قد قتلوا في الحادثة. إضافة إلى رد فعل قوي من وزارة الخارجية الإيرانية، أعلن رئيس الأركان المشتركة للقوات المسلحة الإيرانية عن حق بلاده في الثأر. بعدها بفترة وجيزة، اعتقل حرس أمن الحدود الإيراني جنديين تركيين لعبورهما الحدود بشكل غير قانوني، وتم التوصل إلى تسوية في أغسطس 1999 في اجتماع اللجنة الأمنية رفيعة المستوى للبلدين في أنقرة. 56

التنافس الإيراني- التركي على إقليم كردستان العراق

التأثير الآخر للقضية الكردية على العلاقات الإيرانية-التركية يتعلق بالتنافس بين البلدين في إقليم كردستان العراق. الواقع أن المقاربات الإيرانية والتركية تجاه الإقليم تشكلت من عوامل متشابهة. إذ أن كل من المعارضة المسلحة الكردية الإيرانية ومقاتلي حزب العمال الكردستاني قد استقروا في شمال العراق في منتصف الثمانينيات، حيث واصلوا هجماتهما عبر الحدود على إيران وتركيا. مهتمين بشكل رئيسي باحتواء هذه الهجمات، اقتربت إيران وتركيا من الأحزاب الكوردية العراقية. في المقابل، كانت الأحزاب الكردية العراقية محاطة بالريبة واللا استقرار في بلادها، متحمسة لتلقي الدعم المالي واللوجستي والسياسي من إيران وتركيا المجاورتين. في النهاية، تطورت علاقات كل دولة مع الكرد العراقيين تدريجياً وفقاً لحساباتهما الاستراتيجية الخاصة والمخاوف الأمنية.

في الواقع، كان لإيران تاريخ حافل من التدخل في الشؤون الكردية العراقية. خلال محاربتها للمعارضة الكردية، استخدمت إيران الحركات الكردية العراقية ودعمتها كوسيلة ضغط ضد الحكومة العراقية وكطريقة لاحتواء المعارضة الكردية الإيرانية. مباشرة بعد الثورة (الإسلامية في إيران)، تلقى البارزانيون الذين انسحبوا إلى شمال غرب إيران بعد هزيمتهم في منتصف السبعينيات، موافقة من المجلس الثوري لإعادة تنظيم الحزب الديمقراطي الكردستاني وإعادة تسليح ميليشياتهم من أجل مساعدة قوات الأمن الإيرانية على توفير الاستقرار في مناطق الكرد الإيرانيين.57 بذا ساعد الحزب الديمقراطي الكردستاني القوات المسلحة الإيرانية في دفع بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني- إيران من مواقع استراتيجية على الحدود. بعد اندلاع الحرب العراقية- الإيرانية في سبتمبر 1980، انتقل الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى شمال العراق للسيطرة على المواقع الاستراتيجية بالتنسيق مع السلطات الإيرانية.

خلافاً للحزب الديمقراطي الكردستاني، اقترب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة الطالباني- الذي انفصل عن الحزب الديمقراطي الكردستاني لأسباب تكتيكية وإيديولوجية- في أوائل الثمانينيات من بغداد في البداية، وحافظ على علاقات ودية مع المعارضة الكردية الإيرانية.58 لكن بعد فشل المفاوضات مع بغداد عام 1984، تحول الاتحاد الوطني الكردستاني إلى طهران للحصول على الدعم السياسي واللوجستي. سرعان ما تحسنت العلاقات بين الاتحاد الوطني الكردستاني وإيران فيما بعد. علقت إيران أهمية كبيرة على علاقاتها مع الاتحاد الوطني الكردستاني لأنه كان يسيطر على معظم المنطقة الحدودية على الجانب العراقي من الحدود حيث تتمركز المعارضة الكردية الإيرانية. بموجب الاتفاقية الموقعة بين إيران والاتحاد الوطني الكردستاني، سُمح للأخير بفتح مكتب في طهران من أجل نقل الأسلحة والبضائع، والحصول على تصاريح إقامة لعائلات البيشمركة. كما توسطت إيران في النزاع بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، ما أدى إلى إنشاء الجبهة الكردية في 1987. كان الدعم الإيراني للكرد العراقيين معلقاً على قتالهم ضد الحكومة العراقية، وجهودهم لتهدئة وتأمين المنطقة الحدودية عبر احتواء المعارضة الكردية الإيرانية.

في الوقت نفسه، توغل الجيش التركي مراراً في شمال العراق بعد مايو 1983 لقتال مسلحي حزب العمال الكردستاني. تم تبرير هذه التوغلات باتفاقية أمنية بين أنقرة وبغداد تُخوّلُ القوات المسلحة التركية بملاحقة الجماعات الإرهابية الهاربة. جرت معظم العمليات العسكرية التركية في العراق داخل المنطقة التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني، حليف إيران لمدة طويلة. تقربت تركيا أيضاً من كرد العراق لاحتواء أنشطة حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. لاحقاً، أنهى الحزب الديمقراطي الكردستاني تعامله مع حزب العمال الكردستاني من طرف واحد وحسَّن علاقاته مع تركيا.

ازدادت الجهود التركية للتواصل مع الكرد العراقيين بعد حرب الخليج 1991. بتشجيع من هزيمة الجيش العراقي من قبل تحالف دولي قادته الولايات المتحدة، ثار كرد العراق مع الشيعة ضد بغداد. لكن قمع صدام حسين للانتفاضة كان شديداً، إذ دفع نحو مليون ونصف كردي عراقي إلى الجارتين إيران وتركيا. من أجل منع التأثيرات المدمرة لعمليات القمع هذه، ولضمان المساعدة الإنسانية، فإن مجلس الأمن الدولي اعتمد القرار 688 الذي مهد الطريق لفرض منطقة حظر جوي على المناطق المأهولة بالسكان الكرد لمنع المزيد من الهجمات من الجيش العراقي. دعمت تركيا- مُكابدةً الضغوط الاقتصادية والسياسية التي مارسها اللاجئون عليها- القرار الأممي، واستضافت عملية “توفير الراحة”، الجهد العسكري الأمريكي للدفاع عن الكرد.59 في الأثناء، تواصلت تركيا مع الزعيمين الكرديين العراقيين بارزاني وطالباني، اللذين التقيا بالرئيس التركي آنذاك تورغوت أوزال في أنقرة في سبتمبر 1992. لاحقاً، افتتح الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني مكتبين لهما في أنقرة لتنسيق علاقاتهما مع تركيا. فضلاً عن ذلك، زودت تركيا قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني بجوازات سفر دبلوماسية لتسهيل اتصالاتهم الدولية. إضافة إلى ذلك، تحولت بوابة خابور الحدودية بين تركيا والعراق إلى شريان حياة لإقليم كردستان العراق.60

ومن قبيل المفارقة أن التطورات ما بعد حرب الخليج، بما في ذلك عملية توفير الراحة والتوافق بين تركيا والقادة الكرد العراقيين ساعدت في إنشاء منطقة الحكم الذاتي الكردية. لاحقاً بعد القرار 688، عقدت الحكومة العراقية والقادة الكرد جولات عدة من المفاوضات غير المثمرة لمعالجة قضية الحكم الذاتي. ختاماً، انسحبت الحكومة العراقية بشكل أحادي من المنطقة ما أدى إلى تولي الكرد مقاليد الإدارة. بعد فترة وجيزة، نظم الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني انتخابات برلمانية مشكلين حكومتهم (حكومة إقليم كردستان).

رغم علاقاتهما مع الأحزاب الكردية العراقية، إلا أن إيران وتركيا كانتا متخوفتين من ظهور حكومة إقليم كردستان بسبب مخاوفهما الأمنية التقليدية. إن إمكانية قيام دولة كردية مستقلة من شأنها أن تتحول إلى معقل لقوى معادية وقد يهدد ذلك المصالح الإيرانية والتركية في المنطقة. لقد أقلقت الأحزاب الكردية العراقية، التي كانت اعتقدت أنها طورت بالفعل علاقات معقدة مع أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، المسؤولين في البلدين (إيران وتركيا)، لذلك أعربتا دائماً عن دعمهما لوحدة أراضي العراق، ما عنى معارضة قيام دولة كردية. من أجل تهدئة المخاوف التركية والإيرانية، اعتاد قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني على إعلان دعمهم لمنطقة حكم ذاتي داخل عراق فيدرالي، وليس دولة مستقلة.
كانت كل من إيران وتركيا، اللتان كانتا تتنافسان بالفعل على ممارسة النفوذ على الأحزاب الكردية العراقية، تخشيان من أن تقوم الأخرى برعاية الكيان الكردي المزدهر ضد مصالحهما الخاصة. وبالتالي، فلقد راقبت أنقرة وطهران بتوجسٍ أنشطة بعضهما البعض، وكذلك أنشطة الأطراف الثالثة في المنطقة.

اعتادت إيران النظر إلى التوغلات العسكرية التركية في شمال العراق على أن لها اعتبارات جيو استراتيجية وجيو اقتصادية أوسع61 في إطار طموحها التاريخي المعتبر للسيطرة على شمال العراق واحتياطيات النفط في كركوك. إضافة إلى تزايد الطلب على الطاقة، أدى خطاب قومي دائم يحاول إحياء المطالب التركية بشأن ولاية الموصل العثمانية السابقة- والتي تتضمن أيضاً كركوك والسليمانية- إلى إثارة المخاوف الإيرانية فيما يتعلق بنوايا تركيا. زادت تصريحات بعض المسؤولين الأتراك- بشأن إعادة النظر في الحدود بين العراق وتركيا لأسباب أمنية وإنشاء منطقة أمنية داخل العراق- من المخاوف على الجانب الإيراني.62

انزعجت إيران أيضاً من تقارب تركيا مع الكرد العراقيين، وخاصة بعد حرب الخليج عام 1991. تنبع المخاوف الإيرانية من هذا التقارب من عدة عوامل. لأن من شان هذا التقارب قبل كل شيء أن يقلل من اعتماد الكرد العراقيين على طهران من أجل البقاء وفيه فرص للانفتاح على العالم. الواقع أن تحالف إيران الممتد منذ عقود مع الحزب الديمقراطي الكردستاني قد انهار مع اندلاع الحرب الأهلية الكردية في عام 1994، عندما أدان الحزبُ طهران لتدخلها في شؤون العراق من خلال دعم الاتحاد الوطني الكردستاني على نحو فعال. بدورهما، انتقدت كل من إيران والاتحاد الوطني الكردستاني بشدة الحزب الديمقراطي الكردستاني لتعاونه مع أنقرة. وعليه، تحولت الأحزاب الكردية العراقية جزئياً إلى وكلاء لتركيا وإيران. جرت بعد ذلك وساطة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني في مدن غربية مثل دبلن وأنقرة وواشنطن برعاية الولايات المتحدة وتركيا، وبالتالي جرى تهميش إيران .63 أضف إلى ذلك أنه من خلال المصالحة مع الكرد العراقيين، فإن تركيا عززت وجودها الأمني والاستخباراتي في شمال العراق، الأمر الذي أدى إلى تفاقم مخاوف إيران حول الرغبة التركية الملموسة في السيطرة على المنطقة. نُظرَ إلى اهتمام تركيا المتزايد بالتركمان كعلامة أخرى على الطموحات التركية فيما يتعلق بشمال العراق. في الوقت نفسه، عززت العلاقات التركية الإسرائيلية- التي تحولت إلى شراكة استراتيجية تدعمها الولايات المتحدة في منتصف التسعينيات- من مخاوف إيران بشأن الانخراط التركي في المنطقة.64

رداً على تزايد الانخراط التركي في كردستان العراق، وبهدف احتواء أنشطة المعارضة الكردية الإيرانية التي استقرت في هذه المنطقة، زادت طهران من دعمها السياسي واللوجستي للاتحاد الوطني الكردستاني. إضافة إلى ذلك، اتخذت القوات المسلحة الإيرانية بعض التدابير العسكرية في المناطق الحدودية. في أغسطس 1996، هاجم الحرس الثوري بالشراكة مع الاتحاد الوطني الكردستاني مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني- إيران الواقع في أطراف بلدة كويسنجق على بعد 100 كيلومتر داخل الحدود العراقية. كما دعمت إيران حزب الله الكردي- الذي كان نشطاً في الجزء الذي يسيطر عليها البارزاني في شمال العراق- كوسيلة ضغط ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني.65 في مواجهة ضغوط منسقة من إيران والاتحاد الوطني الكردستاني، أُجبرَ الحزب الديمقراطي الكردستاني- إيران وكومله على وقف عملياتهما المسلحة داخل إيران.

لدى تركيا أيضاً بعض التحفظات فيما يتعلق بأنشطة إيران في شمال العراق.66 وفوق هذا كله، اعتقدت السلطات التركية أن وجود حزب العمال الكردستاني في المناطق التي يسيطر عليها حلفاء إيران كان في الواقع قائماً على تفاهم بين حزب العمال الكردستاني وإيران. كما أن تركيا كانت واثقة من أن حزب العمال الكردستاني يتم دعمه من قبل سوريا وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني وحلفاء إيران الآخرين في المنطقة. واعتبرت أنقرة توسيع النفوذ الإيراني عبر شمال العراق إلى سوريا إنما محاولة لقطع العلاقات التركية مع بغداد. العلاقات المزدهرة بين طهران والأحزاب الإسلامية في شمال العراق أيضاً أزعجت تركيا. اشتبهت أنقرة باستمرار في محاولة إيران غرس دولة كردية تحت حمايتها واستخدامها لزعزعة استقرار تركيا.

القضية الكردية كمصدر للتعاون (2003- 2011)

بعد عقدين تقريباً من عدم الثقة المتبادل والتنافس الذي دار حول القضية الكردية، وجدت إيران وتركيا أن مصالحهما يمكن أن تلتقي عند نقطة وذلك عشية التدخل الأمريكي في العراق في مارس 2003. قبل كل شيء، أدت الشكوك حول النوايا الأمريكية فيما يتعلق بمستقبل العراق إلى تقارب طهران وأنقرة. كان كلا البلدين قلقين من إمكانية استقلال الكرد العراقيين الذين بدا أنهم الشريك الرئيسي للولايات المتحدة. قبل التدخل الأمريكي، أعلنت تركيا أنها ستعتبر كلا من الاستقلال الكردي والنظام الفيدرالي في العراق “خطوطها الحمراء”. من أجل تهدئة مخاوف دول الجوار، أرسل الكرد وفوداً إلى إيران وتركيا، إلى جانب الدول العربية الرئيسية بما في ذلك سوريا ومصر والمملكة العربية السعودية، لطمأنتهم بأنهم سيظلون ملتزمين بالعراق.67

رغم تأكيدات الكرد عن الانتماء للعراق والإدعاءات الأمريكية ببناء عراق ديمقراطي، فقد شبهت تركيا وإيران الحرب القادمة بفتح صندوق باندورا، حيث سيتشارك جيران العراق عواقبه. لذلك قام رئيس الوزراء التركي آنذاك عبد الله غول بجولة في بلدان جوار العراق بحثاً عن طريق لتجنب الحرب، وقد بلغت هذه المساعي التركية ذروتها في سلسلة من الاجتماعات مع وزراء خارجية جوار العراق، عقد أولها في اسطنبول في 23 يناير 2003. لقد تحولت هذه الاجتماعات إلى منصة لدول جوار العراق مكررة التزامها بسلامة أراضي العراق.

رغم أنهم كانوا يتشاركون مخاوف مماثلة فيما يتعلق بالاحتلال الأمريكي، وكذلك “وحدة أراضي” العراق، إلا أن أنقرة وطهران اتبعتا سياسات متباينة تجاه العراق والكرد العراقيين. فرغم علاقاتها العميقة مع الأحزاب الكردية العراقية منذ بداية التسعينيات، عارضت تركيا على الفور إقامة نظام فيدرالي وإضفاء الصفة الرسمية على حكومة إقليم كردستان. اعترف الدستور العراقي لعام 2005 بإقليم كردستان كإقليم فيدرالي، رغمها كانت أنقرة مترددة في الاعتراف بسلطة حكومة الإقليم على شمال العراق، وتجاهلت حكومة إقليم كردستان لفترة طويلة. كانت سياسة طهران تجاه العراق المحتل أكثر تعقيداً، فبينما عارضت الاستقلال الكردي، كانت إيران الدولة الإقليمية الوحيدة التي دعمت النظام الفيدرالي في العراق. إضافة إلى ذلك، سعت إيران جاهدة لبناء تحالف سياسي يجمع الشيعة والكرد العراقيين يكون صديقاً لطهران. على عكس تركيا التي رفضت أي تواصل مع حكومة إقليم كردستان لسنوات، وسّعت إيران علاقاتها مع حكومة إقليم كردستان، إذ افتتحت إيران قنصلية ثانية في أربيل عام 2005، بعد قنصليتها في السليمانية. أضف إلى ذلك أن حكومة إقليم كردستان افتتحت “مكتب تمثيل” لها في طهران عام 2007، إلى جانب وجود مكاتب سابقة للأحزاب الكردية العراقية في إيران.68

لكن وجود القوات الأمريكية في العراق خفف من التدخلات الإيرانية والتركية في شمال العراق، وحدَّ من أنشطتهما الاستخباراتية هناك. ففي يوليو 2003، اعتقلت القوات الأمريكية وحدة من القوات الخاصة التركية في السليمانية. كما اعتقل الأمريكيون أيضاً في يناير 2007 ضباطاً في الاستخبارات الإيرانية في القنصلية الإيرانية بأربيل. إذن، فإن الوجود العسكري الأمريكي وإقامة نظام فيدرالي في العراق عزز استقلالية الأحزاب الكردية العراقية وحكومة إقليم كردستان. خلافاً لعادتهم السابقة في التقرب من إيران وتركيا، أصبح الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني يشجعان على انتقاد التدخلات الإيرانية والتركية في المنطقة وسياساتهما تجاه القضية الكردية. أكثر من ذلك، تحولت حكومة إقليم كردستان إلى مركز للدعاية القومية الكردية والنشر والبث. كما استضافت العديد من المؤتمرات، التي تتناول مستقبل الكرد في إيران وتركيا، حضرتها المعارضة الكردية الإيرانية والتركية.

في الأثناء، زاد حزب العمال الكردستاني وحزب الحياة الحرة الكردستاني (من معقليهما في جبل قنديل) من هجماتهما المسلحة في إيران وتركيا وخاصة بعد 2004. أدانت أنقرة وجود حزب العمال الكردستاني في شمال العراق واحتجت على لامبالاة الولايات المتحدة وفشلها في إنهاء “الأنشطة الإرهابية” هناك. بيد أن قيادة الولايات المتحدة المحتلة في العراق كانت غير راغبة في تقييد أنشطة حزب العمال الكردستاني والجماعات الكردية الإيرانية في إقليم كردستان. لكن رداً على الاحتجاجات التركية تم تشكيل لجنة ثلاثية تضم ممثلين عن العراق وتركيا والولايات المتحدة في نوفمبر 2007، من أجل تنسيق التدابير ضد حزب العمال الكردستاني. وبشكل مماثل، صنفت الولايات المتحدة حزب الحياة الحرة الكردستاني كمنظمة إرهابية في فبراير 2008. لكن هذه التدابير لم تخفف بشكل فعال من المخاوف الإيرانية والتركية حيال السياسات الأمريكية في المنطقة.

تجدد العمليات العسكرية لحزب العمال الكوردستاني/ حزب الحياة الحرة الكردستاني في تركيا وإيران جعل حزب العمال الكردستاني عدواً مشتركاً للبلدين، وأدى التردد الأمريكي في محاربة حزب العمال الكردستاني وحزب الحياة الحرة الكردستاني إلى مزيد من التعاون بين أنقرة وطهران. في يوليو 2004، أعلنت إيران حزب العمال الكردستاني والمنظمات التابعة له تنظيمات إرهابية. استهدف البلدان جبل قنديل، حيث شنت المقاتلات التركية غارات جوية، فيما قصفت المدفعية الإيرانية قواعد مشتركة للعمال الكردستاني والحياة الحرة الكردستاني.69 كما تبادلت إيران وتركيا معلومات استخبارية، ونسقتا أحياناً عملياتهما العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني. على سبيل المثال، في أغسطس وسبتمبر 2007 شنت كل من إيران وتركيا هجمات متفرقة عبر قصف قواعد حزب العمال الكردستاني في قنديل. في يونيو 2008، كررت إيران وتركيا ضرباتهما المنسقة، وأقرّ إلكر باشبوغ، قائد القوات البرية التركية حينها، بالتعاون الإيراني- التركي “في مكافحة الانفصاليين” فيما يتعلق بتبادل المعلومات الاستخبارية والتخطيط لهجمات منسقة.70 أكد رئيس الوزراء أردوغان على التعاون الإيراني- التركي ضد حزب العمال الكردستاني وأشار إلى عمليات عسكرية مشتركة ضد العدو المشترك في سبتمبر 2011. 71 كرر المسؤولون الإيرانيون والأتراك باستمرار تصميمهم وتعاونهم في القتال ضد حزب العمال الكردستاني وحزب الحياة الحرة الكردستاني.72

تباين المصالح وتجدد النزاع بعد 2011
استمر التعاون المباشر أو غير المباشر بين أنقرة وطهران ضد حزب العمال الكردستاني حتى أواخر عام 2011. أصبحت القضية مرة أخرى مصدراً للخلاف مع جدال في أغسطس 2011 حول تقارير إخبارية تدعي أن إيران اعتقلت مراد قره يلان، أحد الشخصيات القيادية في حزب العمال الكردستاني. وفيما نسبت هيئة البث التركية TRT التقرير إلى مصادر إيرانية، نفى المسؤولون الإيرانيون القبض على قره يلان. أدى هذا اللغز إلى بعض التكّهنات حول مقايضة بين حزب العمال الكردستاني وإيران والتي تم تغطيتها على نطاق واسع في وسائل الإعلام التركية.73 في هذه الأثناء، شن حزب العمال الكردستاني سلسلة هجمات في قضاء شمدينلي التابع لولاية هكاري، ما أدى إلى اشتباكات عنيفة بين مقاتلي الحزب وقوات الأمن التركية. لاحقاً، بدأت وسائل الإعلام الموالية للحكومة في تركيا بإلقاء اللوم على إيران لتجديد دعمها لحزب العمال الكردستاني، وهو موقف يشارك فيه العديد من المسؤولين الأتراك أيضاً.74 تبعاً لذلك، شجع وقف إطلاق النار بين حزب الحياة الحرة الكردستاني وإيران في 2011 طهرانَ على استخدام حزب العمال الكردستاني كوسيلة ضغط على تركيا بسبب تباين المصالح وتعارض السياسات الإقليمية للدولتين.

عملية الحل في تركيا

اختلفت إيران وتركيا أيضاً في مقاربتهما للقضية الكردية. ففي حين واصلت إيران إجراءاتها العسكرية لاحتواء المعارضة الكردية، سنّت حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا عدة إصلاحات من أجل حل سلمي للقضية الكردية والتي ستؤدي في نهاية المطاف إلى نزع سلاح حزب العمال الكردستاني. تطور “الانفتاح الكردي” لعام 2009 فيما بعد إلى مشروع للوحدة الوطنية والأخوة. وفي غضون ذلك، عقدت منظمة الاستخبارات التركية MIT سلسلة من اللقاءات مع شخصيات قيادية في حزب العمال الكردستاني في أوسلو، النرويج. لكن هذه المحاولات توقفت بسبب تجدد هجمات حزب العمال الكردستاني في أكتوبر 2011. أخيراً، بدأت الحكومة التركية “عملية حل” في أواخر 2012 أجريت من قبل جهاز الاستخبارات التركي MIT من خلال التحاور مع عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني السجين. شارك في هذه العملية أيضاً حزب السلام والديمقراطية BDP والذي اعتبر الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني، متوسطاً بين أوجلان وقيادة حزب العمال الكردستاني في قنديل والحكومة التركية. وبناءً عليه، أعلن حزب العمال الكردستاني وقفاً لإطلاق النار في مارس 2013، ووافق على مغادرة الأراضي التركية في الوقت الملائم.75 لكن وبعد عامين من بدء عملية الحل، لم يكن مقاتلو حزب العمال الكردستاني قد انسحبوا بعد. بدلاً من ذلك، مستغلاً التساهل الذي أظهرته الحكومة من أجل إنقاذ عملية الحل، أسس حزب العمال الكردستاني ميليشيا شباب مدينية YDG-H وحاول إضفاء الطابع المؤسسي على ما يسمى بالحكم الذاتي الديمقراطي في مدن محددة، وبالتالي التحريض على ردة فعل شعبية. في نهاية المطاف توقفت المحادثات، واستؤنفت الاشتباكات بين حزب العمال الكردستاني وقوات الأمن التركية في يوليو 2015 مع مقتل ضابطي شرطة في جيلان بينار في ولاية شانلي أورفا.

هناك عدة أسباب لفشل عملية التفاوض تتجاوز إطار هذه الدراسة.76 لكن المسؤولين الأتراك يعتقدون أن بعض الجهات الإقليمية كانت تخرب عملية الحل، وكانت إيران من بينها. بناءً على ذلك، في حال التوصل إلى حل سلمي للقضية الكردية في تركيا، سوف تكون إيران الدولة الوحيدة التي يوجد بها عدد كبير من السكان الكرد محرومين من حقوقهم السياسية والثقافية. يضاف إلى ذلك أن الجيوسياسية الكردية المتغيرة في السنوات الأخيرة، متضمنة عملية الحل في تركيا والقوة المتزايدة لحكومة إقليم كردستان وبروز الحركة الكردية السورية كعامل مؤثر في شمال ذلك البلد سيشجع في نهاية المطاف الأقلية الكردية الإيرانية على المطالبة بحقوق أكبر، ما قد يفاقم القضية الكردية في إيران.77 رغم هدنة 2011 بين حزب الحياة الحرة الكردستاني وطهران، كانت إيران تخشى من انضمام 4 آلاف مقاتل سابق من حزب العمال الكردستاني يستعدون للانسحاب من الأراضي التركية إلى المعارضة الكردية الإيرانية.78 إضافة إلى ذلك، إذا ما قيد لعملية الحل النجاح فمن المفترض أن معظم الكرد في المنطقة سيكونون أكثر وداً لأنقرة، وهو أمر ذكّر المسؤولين الإيرانيين بالتحالف في القرن السادس عشر بين العثمانيين والكرد ضد إيران الصفوية.79 وبالتالي، تم اعتبار عملية الحل في تركيا من قبل طهران تهديداً لتأثيرها المحتمل على القضية الكردية في إيران، وحرمان طهران من أداة مؤثرة في السياسة الإقليمية.80

لذلك، كانت إيران متحفظة تجاه عملية الحل في تركيا. وقال دبلوماسي إيراني في أنقرة إن بلاده لن ترحب بعودة المواطنين الإيرانيين الذين انضموا إلى حزب العمال الكردستاني.81 عبّر نائب وزير الخارجية عباس عراقجي عن عدم ارتياح إيران لانسحاب مقاتلي حزب العمال الكردستاني مجادلاً أنه “عندما تحدث بعض التطورات على الحدود وتتحرك القوات، فمن المؤكد أن ذلك يجب أن يحدث بموافقة الحكومات المركزية في العراق وإيران”.82 ولكن لأن الحكومة التركية كانت ترغب في المحافظة على العملية من خلال طاقتها الوطنية الخاصة، لم تطرح هذه القضية على أجندتها للشؤون الخارجية. من أجل تبديد المخاوف الإيرانية، صرح القيادي في حزب العمال الكردستاني مراد قره يلان أن وقف إطلاق النار بين حزب الحياة الحرة الكردستاني وإيران يجب أن يستمر.83 مع ذلك، أفادت تقارير كثيرة أن إيران مارست ضغطاً أكبر على حزب العمال الكردستاني لاستئناف كفاحه المسلح من أجل تقويض عملية الحل في تركيا.84 بناءً عليه، قام مسؤولو المخابرات الإيرانية بمن فيهم قائد فيلق القدس قاسم سليماني بعدة زيارات لقنديل من أجل عرض أسلحة ثقيلة على قادة حزب العمال الكردستاني مقابل وقف انسحاب مقاتلي الحزب من تركيا. وبالتالي برزت قضية حزب العمال الكردستاني مجدداً كمصدر للنزاع بين أنقرة وطهران.

تجدد التنافس على إقليم كردستان

دفع “توطيد” النظام الفيدرالي، والسلطة الكردية التي تم تأسيسها في شمال العراق بحلول عام 2010، تركيا إلى إعادة النظر في نهجها تجاه حكومة إقليم كردستان. طلب تركيا المتزايد على الطاقة ومصالحها التجارية في كردستان العراق، وكذلك الشراكة المتنامية بين الحكومة المركزية التي يهيمن عليها الشيعة في بغداد وطهران، أرغمت فعلياً أنقرة على إعادة النظر في علاقاتها مع حكومة إقليم كردستان. إضافة إلى ذلك، رغبت أنقرة في تنشيط الدعم الكردي العراقي لاستراتيجيتها الجديدة للحل السلمي للقضية الكردية في تركيا.85

ومن هذا المنطلق، فتحت تركيا لأول مرة قنصلية لها في أربيل في مارس 2010، ومنذ ذلك التاريخ زادت العلاقات الاقتصادية التركية مع حكومة إقليم كردستان بشكل ملحوظ. ورغم العلاقات راسخة الجذور بين إيران والكرد العراقيين، تجاوزت تركيا إيران من حيث العلاقات الاقتصادية. في عام 2013، بلغ إجمالي التعاملات التجارية بين حكومة إقليم كردستان وتركيا حوالي 11 مليار دولار أمريكي، في حين بلغ حجم العلاقات التجارية بين حكومة إقليم كردستان وإيران حوالي 6 مليار دولار.
كان التقارب بين تركيا وحكومة إقليم كردستان قد رُمزَ له باتفاق الطاقة الموقع في مارس 2013 لتسهيل تصدير النفط من إقليم كردستان، في تحدٍ لواشنطن وبغداد.86 بناء على ذلك، قامت حكومة إقليم كردستان بتركيب خط أنابيب جديد انضم إلى خط كركوك – جيهان ووصل إلى محطة جيهان النفطية على البحر المتوسط. تم تزويد الأسواق العالمية بأول دفعة من نفط إقليم كردستان في أبريل 2014. بعد فترة وجيزة من الكشف عن صفقة تركيا- حكومة إقليم كردستان، سعت إيران أيضاً إلى إبرام اتفاقيات للطاقة مع حكومة كردستان العراق.

منذ أن أبرمت تركيا علاقات رسمية مع حكومة إقليم كردستان، زادت علاقات الحزب الديمقراطي الكردستاني مع أنقرة على نحو ملحوظ. ورغم العلاقات البراغماتية لطالباني مع المسؤولين الأتراك، بقي الاتحاد الوطني الكردستاني شريكاً رئيسياً لإيران. يُذكر أن عادل مراد، العضو المؤسس في الاتحاد الوطني الكردستاني، أعرب علناً عن دعمه لانخراط إيران بدلاً من تركيا (والمملكة العربية السعودية) في الشؤون العراقية.87 بعد الانتخابات البرلمانية في كردستان العراق في سبتمبر 2013، خسر الاتحاد الوطني الكردستاني معاقله أمام حركة كَوران التي انشقت عن الاتحاد الوطني الكردستاني. أثناء ذلك، أطلق مرض طالباني المديد، والذي كان مسؤولاً جزئياً عن إضعاف الاتحاد الوطني الكردستاني، العنان لمنافسة ضارية بين شخصيات قيادية على قيادة الحزب. لاحقاً، أفادت تقارير بأن إيران انخرطت في التنافس الداخلي على قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني، وسعت جاهدة لتأمين مكان للاتحاد الوطني الكردستاني في الحكومة الإقليمية.88 وأخيراً تم تشكيل حكومة في أواخر أبريل 2014 برئاسة نيجيرفان البارزاني، الذي كان شديد الحذر لناحية الحفاظ على توازن دقيق في علاقات الإقليم مع طهران وأنقرة. لذلك تنقل بانتظام بين أنقرة وأربيل وطهران. بالرغم من ذلك، تحول استياء الاتحاد الوطني الكردستاني وكَوران المدعومتين من إيران إلى أزمات سياسية مقوّضة حكم الحزب الديمقراطي الكردستاني/ البارزاني من حين لآخر. على سبيل المثال، في يونيو 2015، برز نزاع في حكومة إقليم كردستان عندما حاول بعض البرلمانيين من كَوران والاتحاد الوطني الكردستاني مراجعة القانون الرئاسي وتقييد سلطة رئيس إقليم كردستان. أضف إلى ذلك أن القنصل الإيراني في أربيل ظهر في الجلسة البرلمانية لدعم المحاولة شكلياً ضد مسعود البارزاني.89

ديناميات إقليمية جديدة والقضية الكردية

دخل لاعب جديد الحلبة في يونيو 2014. إذ ظهر داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، وهي جماعة متطرفة مسلحة، لأول مرة في العراق كفرع لتنظيم القاعدة وتضخم في سوريا بسبب الحرب الأهلية. استولى داعش على الموصل، اقتحم القنصلية التركية وأسر الدبلوماسيين الأتراك لمدة شهرين، واتجه نحو بغداد. بسبب العلاقات المتوترة بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد، طلب رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني من برلمان كردستان إعداد استفتاء على الاستقلال. ردت إيران بشدة على البيان وحذرت حكومة إقليم كردستان من أي محاولة للاستقلال واتهمت البارزاني كمتحين للفرص. قال حسين أمير عبد اللهيان، نائب وزير الخارجية الإيراني المسؤول عن الشؤون العربية أن “إيران تعتقد أن هناك أفراداً أذكياء بين القادة الكرد يعارضون تفكيك العراق”. كرّر مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى التأكيد على أهمية الحفاظ على سلامة أراضي العراق من أجل إيران.90 وأخيراً، عارضت شخصيات مؤيدة لإيران في كردستان العراق، بما في ذلك شخصيات بارزة في الاتحاد الوطني الكردستاني مثل محافظ كركوك نجم الدين كريم اقتراح البارزاني حول الاستفتاء.91 رد فعل إيران القوي جزئياً ناجم عن مخاوفها التقليدية فيما يتعلق بدولة كردية مستقلة، فضلاً عن مخاوف إيرانية من احتمال أن تكسب تركيا وإسرائيل نفوذاً أكبر على كردستان يهيمن عليها البارزانيون. تبنت تركيا نهجاً متناقضاً تجاه جهود حكومة إقليم كردستان في الاستقلال. صرح المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم آنذاك حسين جيليك في مقابلة: “في الماضي كانت دولة كردية مستقلة سببًا للحرب [مع تركيا]، ولكن ليس لأحد الحق في أن يقول هذا الآن”. وأضاف جيليك: “إذا تم تقسيم العراق، وهذا أمر لا مناص منه، فإن [كرد العراق] هم إخوتنا”.92 تم تفسير هذه المقابلة على نطاق واسع على أنها تغيير كبير في معارضة تركيا التقليدية لاستقلال حكومة إقليم كردستان. لكن بعد فترة وجيزة أصدر جيليك بياناً لتوضيح أقواله، حيث كرر فيه السياسة التركية حول الحفاظ على وحدة أراضي العراق.93 واصل مسؤولو حكومة إقليم كردستان الحديث عن إجراء استفتاء على الاستقلال. وبينما رفضت إيران بدأب مثل هذه المحاولات، فإن تركيا حافظت على موقفها الغامض، رغم أن المسؤولين الأتراك أعربوا باستمرار عن التزامهم بسلامة أراضي العراق.

إضافة إلى ذلك ورغم أن إقليم كردستان كان مُهدداً بصعود داعش، إلا أن تركيا قدمت القليل من الدعم لحكومة إقليم كردستان بينما كان داعش يتجه صوب أربيل وسنجار. برزت إيران كداعم رئيسي لحكومة إقليم كردستان ضد هجمات داعش، مزودة الإقليم بالأسلحة والذخائر. كما تدفق الضباط الإيرانيون المنتمون إلى فيلق القدس على العراق وكردستان العراق لتنسيق العمليات العسكرية ما ساهم في تحسين العلاقات بين إيران وحكومة إقليم كردستان.94 بعد فترة، انضمت تركيا إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الذي تم تشكيله في أغسطس 2014 لمكافحة داعش. إضافة إلى ذلك، وبالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان والحكومة العراقية، نشرت تركيا قوة عسكرية صغيرة في بعشيقة بالقرب من الموصل، من أجل تدريب كل من السكان المحليين وقوات البيشمركة الكردية. لكن سرعان ما أثار الوجود العسكري التركي في بعشيقة خلافاً بين أنقرة والحكومة المركزية العراقية التي أصبحت متحسسة من دعم تركيا للقبائل والسياسيين السنة، ووصفت تركيا بـ “مُحتلة”.95 بسبب مخاوفها التاريخية من الطموحات التركية المزعومة في شمال العراق، التحقت إيران ببغداد في إدانة الوجود العسكري التركي في بعشيقة.96

في هذه الأثناء، دفعت الأزمة الجارية في سوريا، بعد مظاهرات 2011 ضد إدارة الأسد، الكرد السوريين إلى الواجهة. نجح حزب الاتحاد الديمقراطي PYD (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني) في هزيمة الأحزاب الكردية الأخرى في سوريا، وادعى إنشاء “إدارات كانتونية” في المناطق ذات الكثافة السكانية الكوردية، في عفرين وكوباني والجزيرة. في مارس 2016، أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي ظاهرياً وبالاشتراك مع مجموعات عرقية أخرى في شمال سوريا، أن النظام الفيدرالي الديمقراطي لروجافا- شمال سوريا هو إدارة ذاتية الحكم.97 إن تصاعد الحكم الذاتي الكردي، سيما تحت رعاية حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا، أعاد القلق التركي والإيراني التقليدي من احتمال قيام دولة كردية. رغم أنهما كانتا مهتمتين بالأنشطة الكردية في روجآفا، إلا أن تركيا وإيران لم تتمكنا من تنسيق سياساتهما فيما يتعلق بهذا التطور بسبب خلافاتهما الإقليمية وعدم الثقة فيما بينهما. أضف إلى ذلك، أن التنافس التقليدي بين إيران وتركيا حول كردستان العراق قد امتد الآن إلى شمال سوريا.

تحول شمال سوريا إلى مجال جديد للتنافس بين إيران وتركيا وحلفائهم الكرد. بينما رغب الحزب الديمقراطي الكردستاني بالاتفاق مع تركيا في انضمام الكرد السوريين إلى المعارضة، وأدان محاولات حزب الاتحاد الديمقراطي لإنشاء منطقة فيدرالية بحكم الأمر الواقع، حافظ الاتحاد الوطني الكردستاني على علاقات دافئة مع حزب الاتحاد الديمقراطي ودعم إنشاء مقاطعات حكم ذاتي. الواقع أن المجلس الوطني الكردي KNC، وهو تنظيم قد جمع الأحزاب الكردية الموالية للبارزاني للانضمام إلى المعارضة السورية، كان يعمل بالتنسيق مع تركيا. كما أدان المجلس الوطني الكردي النظام الفيدرالي الذي أعلنه حزب الاتحاد الديمقراطي وحلفاؤه في مارس 2016. 98 أما بالنسبة لحزب الاتحاد الديمقراطي، فلقد طوّر علاقة معقدة مع إدارة الأسد وحليفيها إيران وروسيا. في ضوء العلاقات الوثيقة بين إيران والاتحاد الوطني الكردستاني وحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي، كانت تركيا منزعجة من محاولة حزب الاتحاد الديمقراطي لتوحيد ثلاثة كانتونات غير مترابطة جغرافياً تحت ستار محاربة داعش، وبناء ممر يمتد من عفرين إلى الحدود مع العراق جنوب تركيا، وعنّفتْ إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي حول ذلك. من أجل منع ظهور ممر كردي مترابط جغرافياً يسيطر عليه حزب الاتحاد الديمقراطي، دخلت القوات المسلحة التركية إلى جانب وحدات الجيش السوري الحر شمال سوريا في أغسطس 2016 بحجة محاربة داعش. لا غرابة، أن إيران انتقدت بشدة التدخل التركي. إذ صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي بأن “مكافحة الإرهاب وبذل الجهود للحفاظ على الاستقرار والأمن في المنطقة … لا يمكن ولا يجب استخدامه لتبرير انتهاك وحدة الأراضي وتجاهل سيادة دولة أخرى”. وأضاف: “على الجيش التركي أن يوقف على الفور عملياته العسكرية” في سوريا.99

خاتمة

يعود تاريخ القضية الكردية في إيران إلى تأسيس الدولة الإيرانية الحديثة في عشرينيات القرن الماضي. تحولت التطلعات السياسية للشعب الكردي من حين لآخر إلى حركات مسلحة تهدد أمن وسلامة أراضي إيران. قمعت طهران بنجاح النضال الكردي في مراحل زمنية مختلفة، واستخدمت بفعالية “البطاقة الكردية” في سياستها الخارجية. كما واجهت الجمهورية الإسلامية التي تأسست بعد الثورة التحدي الكردي. تغلبت طهران على القضية الكردية في تسعينيات القرن العشرين باستخدام استراتيجية تمزج بين التدابير العسكرية واحتواء “الكرد العاديين” في دوائر السلطة. لكن القومية العرقية الكردية التي برزت في أوائل القرن الحادي والعشرين استمرت في تحدي إيران. كان النضال الكوردي قد تجدد في غضون عقد مع ظهور حزب الحياة الحرة الكردستاني PJAK. بالتالي، وبعد ما يقرب من قرن من التدابير العسكرية والخطابات الآرية الشاملة أو الخطاب الإسلامي الشامل، تبقى القضية الكردية مسألة أمنية مهمة في إيران.

لذلك، استمرت المقاربة الكلاسيكية القائمة على الجانب الأمني في التأثير على السياسات الإيرانية فيما يتعلق بالقضية الكردية وكذلك علاقاتها مع دول الجوار بما فيها تركيا. رغم أن تركيا حافظت على علاقاتها المتنامية حديثاً مع حكومة إقليم كردستان، إلا أن محاولاتها للسلام والحل ظلت غير مثمرة، وتم اللجوء إلى استخدام التدابير العسكرية والسياسات الأمنية لمحاربة التشدد الكردي.

في مطلع القرن الحادي والعشرين، ظهرت مؤشرات جديدة لتشكيل السياسة الدولية فيما يتعلق بالقضية الكردية. أولاً، تم استبدال النظام القومي في العراق بحكومة فيدرالية. في المقابل، أقام الكرد العراقيون حكومة إقليم كردستان، التي أصبحت دولة شبه مستقلة. إلى جانب المخاوف الأمنية، بدأت المصالح الاقتصادية للجهات الفاعلة الإقليمية في صياغة سياساتها، وخاصة المحاولات التركية والإيرانية لتطوير علاقات اقتصادية مع حكومة إقليم كردستان. انضم أيضاً لاعبون جدد إلى اللعبة السياسية. بالإضافة إلى الأحزاب الكردية الراسخة في بلدان المنطقة، تتطلع الحركات السياسية- العسكرية الجديدة مثل داعش أو حزب الاتحاد الديمقراطي إلى لعب دورها في السياسة الإقليمية. أخيراً، ونظراً للعلاقات المعقدة بين دول الجوار، أصبحت القضية الكردية قضية مهمة على أجندة تفاعلات أنقرة- طهران. بناء عليه، ورغم الاختلافات حول عدد من القضايا الإقليمية بما في ذلك القضية الكردية، واصلت إيران وتركيا توسيع علاقاتهما الاقتصادية والسياسية.

رغم ذلك، أثرت القضية الكردية بشكل عميق على العلاقات الإيرانية- التركية لسنوات عديدة، وقد تسببت في مخاوف أمنية وكان مصدر خلاف بداخل المعايير الكلاسيكية للعلاقات الدولية، وكانت أحياناً أيضاً دافعاً للتعاون بين الجيران. ورغم أن البلدين قد استمرا في النظر إلى القضية الكردية على أنها مسألة أمنية، وإلى محاولات الكرد من أجل الحكم الذاتي كتهديد لأمنهما القومي، فإن الرؤى والمصالح الإقليمية المتنافسة لأنقرة وطهران قد منعتهما من تبني سياسات إقليمية منسقة ومتماسكة فيما يتعلق بالقضية الكردية. بدوره، أفضى التنافس بينهما إلى مزيد من تشرذم الحركات الكردية في المنطقة، وإلى التنافس فيما بينها من خلال الكتل الإقليمية.

 

*صدرت هذه الدراسة في المجلة البريطانية لدراسات الشرق الأوسط، العدد 45 لعام 2018.
Bayram Sinkaya (2018) The Kurdish question in Iran and its effects on Iran-Turkey relations, British Journal of Middle Eastern Studies, 45:5, 840-859, DOI:10.1080/13530194.2017.1361315

** بيرم سينكايا Bayram Sinkaya: باحث تركي متخصص في الشؤون الإيرانية وشؤون الشرق الأوسط، وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة أنقرة يلدرم بيازيد، عمل لسنوات أستاذاً زائراً في جامعات كولومبيا الأمريكية وطهران الإيرانية. من كتبه: الحرس الثوري في السياسة الإيرانية: النخب وتغيير العلاقات، الصادر في 2015.

 

مراجع

  • Abdurrahman Qasimlo, İran Kürdistanı (İstanbul: Belge, 1991), 27.
  • Kaveh Bayat, ‘Iran and the Kurdish Question’, Middle East Report, no.247, (Summer 2008), 29.
  • Robert W. Olson, The Kurdish Question and Turkish-Iranian Relations: From World War I to 1998 (Costa Mesa, CA: Mazda, 1998).
  • Akın Ünver, ‘Schrödinger’s Kurds: Transnational Kurdish Geopolitics in the Age of Shifting Borders’, Journal of International Affairs, 69(2) (Spring/Summer 2016).
  • Kerim Yıldız and Tanyel B. Taysi, The Kurds in Iran: The Past, Present and Future (London: Pluto Press, 2007), 1–10; Abbas Vali, ‘Reflections on Kurdish Society and Politics in Rojhelat’, in Kurdish Issues: Essays in Honor of Robert W. Olson, ed. M.M. Gunter (Costa Mesa, CA: Mazda, 2016), 283–314; Soheila Ghaderi-Mameli, ‘Kurds in the Islamic Republic: A Survey’, in Shia Power: Next Target Iran?, eds. Michel Korinman and John Laughland (V. Mitchell Academic, 2007), 251–63.
  • Ali Rıza Şeyh Attar, Kürtler: Bölgesel ve Bölge Dışı Güçler (trans. A. Dursunoğlu) (İstanbul: Ağaç, 2014), 19.
  • Abbas Vali, Kurds and the State in Iran: The Making of Kurdish Identity (New York: I.B. Tauris, 2011).
  • David McDowal, A Modern History of the Kurds (New York: I.B. Tauris, 2007), 249–61.
  • Hamidreza Jalaeipour, ‘The Rise and Decline of Kurdish Movement in Years 1978–88’, International Journal of Social Sciences, 1(2) (Spring 2011), 93; Benjamin Smith, ‘Land and Rebellion: Kurdish Separatism in Comparative Perspective’, 2009, 18. Available at https://www.kurdipedia.org/documents/88423/0001.PDF.
  • Jalaeipour, ‘The Rise and Decline of Kurdish Movement’, 93–4.
  • Martin van Bruinessen, ‘The Kurds Between Iran and Iraq’, Middle East Report, 141 (July-August 1986), 20; Charles G. MacDonald, ‘The Impact of the Gulf War on the Iraqi and Iranian Kurds’, Middle East Contemporary Survey, 7 (1982–1983), 268.
  • Kamal Nazer Yasin, ‘Iranian Kurdistan: A simmering cauldron’, ISN Network, 12 November 2007, https://www.isn.ethz.ch/ Digital Library/Articles/Detail/?ots777=4888caa0-b3db-1461-98b9 e20e7b9c13d4&lng=en&id=53697
  • Bayat, ‘Iran and the Kurdish Question’, 33; Jalaeipour, ‘The Rise and Decline of Kurdish Movement’, 91; McDowal, A Modern History of the Kurds, 270; Martin van Bruinessen, ‘Religion in Kurdistan’, The International Journal of Kurdish Studies, 4(1/2) (1991), 3–4.
  • Najmeh Bozorgmehr, ‘Iran’s Kurds seek coexistence with Shia as life improves’, Financial Times, 3 December 2014.
  • مقابلات أجريت في طهران مع خبراء في القضية الكردية الذين تحدثوا بشرط إغفال أسمائهم، سبتمبر 2013.
  • Geoffrey F. Gresh, ‘Iranian Kurds in an Age of Globalization’, Iran and the Caucasus, 13 (2009), 187–96.
  • Vali, ‘Reflections on Kurdish Society and Politics in Rojhelat’, 310–13.
  • Chris Zambelis, ‘The Factors Behind Rebellion in Iranian Kurdistan’, CTC Sentinel, 4(3) (March 2011), 18–21.
  • Yasin, ‘Iranian Kurdistan: A simmering cauldron’.
  • Jonathan Spyer, ‘Iran strikes across border into Iraqi Kurdistan’, The Jerusalem Post, 20 July 2011.
  • Zambelis, ‘The Factors Behind Rebellion’, 18–21; Bruinessen, ‘The Kurds Between Iran and Iraq’, 14.
  • على سبيل المثال، شارك الأمين العام للحزب الديمقراطي الكوردستاني مصطفى هجري في ندوة دولية عقدت في باريس في 16 يونيو 2006، حيث طلب من المجتمع الدولي “الإزالة الكاملة والسلمية للجمهورية الإسلامية”. والخطاب متوفر على
    https://www.institutkurde.org/en/conferences/which_way_is_iran_g ing/Mustafa+HEJRI.html [accessed 10 June 2015].
  • ‘Wikileaks: Red Crescent smuggled weapons for Iran’, Ynet News, 29 November 2010, https://www.ynetnews.com/articles/0,7340,L-3991099,00.html
  • Seymour M. Hersh, ‘The Next Act: Is a Damaged Administration Less Likely to Attack Iran, or More?’ The New Yorker, 27 June 2006; Seymour M. Hersh, ‘Preparing the Battlefield: The Bush Administration steps up its secret moves against Iran’, The New Yorker, 7 July 2008.
  • Muhammad Sahimi, ‘Stop Supporting Separatist Groups in Iran’, Anti War.com, 15 October 2012, https://original.antiwar. com/muhammad-sahimi/2012/10/14/stop-supporting-separatist groups-in-iran/; Mohammad Sahimi, ‘Ahzab-e Kord-e Irani: Az Ettehad ba Esrail and Saddam Hussein ta Tajzeye Talebei’, Gooya, 8 Dey 1392, https://news.gooya.com/politics/ archives/2013/12/172844.php .
  • ‘Federalism is the Solution in Iran: Kurdish PDKI, Komala Parties’ Joint Agreement’, Ekurd Daily, 13 September 2012, https:// ekurd.net/mismas/articles/misc2012/9/irankurd882.htm.
  • مقتبس من Bayat, ‘Iran and the Kurdish Question’, 35.
  • Walter Posch, ‘Fellow Aryans and Muslim Brothers: Iranian Narratives on the Kurds,’ 2013, draft paper available at https:// www.academia.edu/25506135/Fellow_Aryans_and_Muslim_brother _Iranian_narratives_on_the_Kurds
  • Jalaeipour, ‘The Rise and Decline of Kurdish Movement’, 99.
  • كجزء من استراتيجيتها في محاربة المعارضة الكوردية، اغتالت إيران قادة الحزب حتى خارج أراضيها. قام عملاء إيرانيون باغتيال زعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني قاسملو في فيينا، النمسا في يوليو 1989. كما اغتيل خليفته صادق شرفكندي في سبتمبر 1992 في برلين، ألمانيا. تزعم قوات المعارضة أنه منذ أوائل التسعينات اغتيل ما يقرب من 300 ناشط كوردي على أيدي الاستخبارات الإيرانية في شمال العراق.
    ‘Iranian Kurdish parties accuse Tehran of mass assassinations’, Rudaw, 14 December 2014.
  • Vali, ‘Reflections on Kurdish Society and Politics in Rojhelat’, 297–9.
  • Bayat, ‘Iran and the Kurdish Question’, 34; Jacques Neriah, ‘Kurdistan: the Next Flashpoint between Turkey, Iraq and the Syrian Revolt’, The Jerusalem Center for Public Affairs, August 2012, 16.
  • ‘Iran Kurds Form Reformist Front’, Turkish Daily News, 3 January 2006. Retrieved from https://www.institutkurde.org/en/info/iran- kurds-form-reformist-front-1136281758.html; Fuad Haqiqi, ‘Kurdish United Front Hopes for Growth Under Iran’s New President’, Rudaw, 28 July 2013, https://rudaw.net/english/middleeast/iran/28072013.
  • Fuad Haqiqi, ‘Kurdish Faction Remains Missing in Iranian Parliament’, Rudaw, 2 January 2014, https://rudaw.net/english/ middleeast/iran/02012014.
  • Zambelis, ‘The Factors Behind Rebellion’, 18–21.
  • ‘Iran: Freedom of Expression and Association in the Kurdish Regions’, Human Rights Watch, January 2009.
  • ‘Iran: Security Forces Kill Kurdish Protestors’, Human Rights Watch, 11 August 2005, https://www.hrw.org/news/2005/08/10/iran-security-forces-kill-kurdish-protestors
  • Nazila Fathi, ‘Iran Executes Kurdish Activist who was Accused of Armed Struggle’, New York Times, 11 November 2009; Neriah, ‘Kurdistan: the Next Flashpoint’, 17.
  • Behdad Bordbar, ‘Iranian Kurds disappointed with Rouhani’, Al Monitor, 23 December 2013; Rouhani didn’t keep his promises to Kurds: Kurdish MP’, K24 News, 12 December 2016, https://www.kurdistan24.net/en/news/bcc06f23-4feb-4045-83dddfb393d5d503/‘Rouhani-didn’t-keep-his-promises-to-Kurds’.
  • ‘Iranian President visits Kurdish cities’, Basnews, 31 May 2016, https://www.basnews.com/index.php/en/news/middle-east/279009
  • Kemal Kirişçi and Gareth Winrow, The Kurdish Question and Turkey: An Example of Trans-state Ethnic Conflict (Abingdon: Frank Cass, 1997); Metin Heper, The State and Kurds in Turkey: The Question of Assimilation (New York: Palgrave Macmillan, 2007).
  • Kerim Yildiz, The Kurds in Turkey: EU Accession and Human Rights (London: Pluto Press, 2005).
  • Silent Revolution: Turkey’s Democratic Change and Transformation Inventory 2002–2013, Republic Turkey, Prime Ministry, Undersecretariat of Public Order and Security, Ankara, 2013.
  • Bruinesseen, ‘The Kurds Between Iran and Iraq’, 26.
  • Karabekir Akkoyunlu, ‘Turkey’s Iranian Conundrum: A Delicate Balancing Act’, in Another Empire? Turkey’s foreign policy in a new century, ed. A. Kadıoğlu, M. Karlı and K. Öktem (Istanbul: Bilgi University Press, 2012), 4–8, 16–20.
  • Jafar Haghpanah, Kordha ve Seyasete Khareje-ye Jomhour-e Eslame-ye Iran (Tehran: Moessese-ye Abrar, 1387), 148; Turgut Tülümen, İran Devrimi Hatıraları, (İstanbul: Boğaziçi Yay, 1998), 77–8.
  • Özgür Bilge, ‘PDK (KDP) ile Türk Devletinin Birafiroş-Birakujîli İttifaki’, Kürdistan Stratejik Araştırmalar Merkezi, 18 December 2013, available at https://www.lekolin.net/haber-3837-PDK-KDP-ILE-TURK-DEVLETININ -BIRAFIROS -BIRA KUJILI-ITTIFA KI. html (accessed on 25 December 2014).
  • Nihat Ali Özcan, ‘İran’ın Türkiye Politikasında Ucuz Ama Etkili Bir Manivela: PKK’, Avrasya Dosyası, 5(3) (Autumn 1999), 333–6.
  • Süha Bölükbaşı, Türkiye ve Yakınındaki Ortadoğu (Ankara: Dış Politika Enstitüsü, 1992), 29–30.
  • Atay Akdevelioğlu and Ömer Kürkçüoğlu, ‘İran’la İliskiler’, in Türk Dış Politikası Kurtuluş Savaşından Bugüne Olaylar, Belgeler, Yorumlar, ed. Baskın Oran, vol. II (İstanbul: İletişim Yay., 2001), 582.
  • Michael M. Gunter, ‘Turkey and Iran Face off in Kurdistan’, Middle East Quarterly, March 1998, 33–40.
  • ‘İran Operasyonunu MGK durdurdu’, Aksiyon, 19 February 2007.
  • Haghpanah, Kordha ve Seyasete Khareje-ye Jomhour-e Eslame, 177.
  • Gunter, ‘Turkey and Iran Face off in Kurdistan’, 33-40.
  • ‘Iran threatens Turkey after Military Incursion Kills Six’, Washington Report on Middle East Affairs, August/September 1996, https://www.wrmea.org/1996-august-september/issues-in-the-news.html
  • Bayram Sinkaya, ‘Turkey-Iran Relations in the 1990s and the Role of Ideology’, Perceptions, 10, no.1 (2005), 8–11.
  • Ardeshir Pasang, ‘Kordha-ye Iraq dar Jang-e Iran va Iraq’, 11 Mehr 1391, https://ardeshir58.persianblog.ir/post/468/.
  • MacDonald, ‘The Impact of the Gulf War’, 264–6; Bruinesseen, ‘The Kurds Between Iran and Iraq’, 14.
  • Baskın Oran, Kalkık Horoz: Çekiç Güç ve Kürt Devleti (Ankara: Bilgi, 1998).
  • Cengiz Çandar, Mezopotamya Expresi: Bir Tarih Yolculuğu (İstanbul: İletişim, 2012), 167–84.
  • Jahangir Karami, ‘Seyasete Iran der Ghabale Kordestan-e Iraq,’ Pajouhashgahe Olum ve Maarefe Dafaa-ye Moghaddes, 12 Mehr 1388, 9.
  • Gunter, ‘Turkey and Iran Face off in Kurdistan’, 33–40.
  • Oran, Kalkik Horoz, 177–82.
  • Mahmood Sariolghalam, ‘Israeli-Turkish Military Cooperation: Iranian Perceptions and Responses’, Journal of Political and Military Sociology, 29 (Winter 2001), 293–304; Bülent Aras, ‘Turkish-Israeli-Iranian relations in the nineties: Impact on the Middle East’, Middle East Policy, 7(3) (2000), 151–64.
  • Haghpanah, Kordha ve Seyasete Khareje-ye Jomhour-e Eslame, 190.
  • Bölükbaşı, Türkiye ve Yakınındaki Ortadoğu 31–2.
  • ‘Turkey, Iraqi Kurds and Iran: The battle for northern Iraq’, The Economist, 20 May 2003.
  • Bayram Sinkaya, ‘Iran-KRG Relations Within The Grip Of Distrust’, ORSAM, 14 July 2015, https://orsam.org.tr/index.php/ Content/Analiz/4460?s=orsam%7Cenglish
  • Zambelis,‘The Factors Behind Rebellion’,18.
  • ‘İran’la Ortak Operasyon’, Hürriyet, 6 June 2008.
  • ‘Turkish Premier Signals Joint Operation with Iran’, Turkish Weekly, 27 September 2011.
  • ‘Turkey and Iran “collaborating against Kurdish rebels”’, BBC News, 21 October 2011.
  • Abdülkadir Selvi, ‘Yakalanan Karayılan Urumiye’ye Götürülmüş’, Yeni Şafak, 11 October 2011.
  • Pınar Tremblay, ‘Iranian-Turkish tug-of-war over Kurds’, Al-Monitor, 13 Aralık 2016.
  • Yılmaz Ensaroğlu, ‘Turkey’s Kurdish Question and the Peace Process’, Insight Turkey, 15(2) (2013), 7–17.
  • Michael M. Gunter, ‘The Kurdish Issue In Turkey: Back To Square One?’ Turkish Policy Quarterly, 14(4) (Winter 2016), 77–86; Galip Dalay, ‘Is Turkey’s Kurdish Process on the Brink’, Al Jazeera Center for Studies, 15 September 2015.
  • Ofra Bengio, ‘A Kurdish Awakening in Iran’, Haaretz, 26 October 2012.
  • Wladimir van Wilgenburg, ‘Iran has reasons to spoil PKK-Turkey peace process’, Al-Monitor, 1 May 2013.
  • Ünver, ‘Schrödinger’s Kurds’, 68–9.
  • ‘İran’dan Türkiye’ye “Kürt Sorunu” Oyunu!’, Timetürk, 15 November 2013.
  • ‘İran: PKK’lıların ölüsünü almıyoruz, dirisini de almayız’, Milliyet, 25 April 2013.
  • ‘Iranian deputy minister in Ankara for Syria, PKK talks’, Hürriyet Daily News, 23 May 2013.
  • Jake Hess, ‘Iran awaits “Kurdish Spring”’, Al Jazeera, 29 June 2013.
  • Aslı Aydıntaşbaş, ‘İran’dan Kandil’e “Çekilmeyin” Baskısı’, Milliyet, 29 April 2013; Melik Duvaklı, ‘İranla Kürt Satrancı’, Türkiye Gazetesi, 20 November 2013.
  • Marianna Charountaki, ‘Turkish Foreign Policy and the Kurdistan Regional Government’, Perceptions, 17(4) (Winter 2012), 185–208.
  • Daniel Dombey, ‘Turkey agrees energy deal with Kurdish north Iraq’, Financial Times, 13 May 2013.
  • ‘Across the Zagros: Iranian Influence in Iraqi Kurdistan’, The Guardian, 21 November 2013.
  • Kamal Chomani, ‘Turkey, Iran influence Iraqi Kurdistan politics’, Al-Monitor – Iraq Pulse, 22 November 2013.
  • Salih Mustafa, ‘Iran’s Role in the Kurdistan Region’, Al Jazeera Center for Studies, 20 April 2016, 6.
  • Alex Vatanka, ‘Why Iran Fears an Independent Kurdistan’, The National Interest, 25 July 2014.
  • Kamal Chomani, ‘Push for Kurdish independence divides Iraqi Kurds’, Al-Monitor – Iraq Pulse, 9 July 2014.
  • Daniel Bombey, ‘Turkey ready to accept Kurdish State in Historic Shift’, Financial Times, 27 June 2014,.
  • ‘Hüseyin Çelik’ten Kürdistan Açıklaması’, Milliyet, 30 June 2014.
  • Aslı Aydıntaşbaş, ‘Erbil Ankara’ya Kırgın’, Milliyet, 11 September 2014.
  • Mohammad-Ali Dastmali, ‘Iran and Turkey: Rivalry in Iraq and the Middle East’, Iranian Diplomacy, 14 October 2016.
  • ‘Iran Cautions Turkey against Violating Iraq’s Sovereignty’, Fars News Agency, 24 October 2016.
  • ‘Syria civil war: Kurds declare federal region in north’, Al Jazeera, 17 March 2016.
  • Wladimir van Wilgenburg , ‘Kurdish National Council in Syria condemns federalism declaration by Kurdish rival’, ARA News, 19 March 2016, https://aranews.net/2016/03/kurdish-national-council-syria-condemns-federalism-declaration-kurdishrival/
  • ‘FM voices concern at Turkey’s military incursion in Syria’, Mehr News Agency, 31 August 2016.

شارك هذا المقال: