بين التعليم الإسلامي وفقه اللغة القومية: ملا محمود البايزيدي والأنثروبولوجيا الذاتية للكرد (2)

بريشة الفنان التشكيلي محمد شاهين

شارك هذا المقال:

ميشيل ليزنبيرغ- جامعة امستردام، هولندا

الترجمة عن الإنكليزية: راج آل محمد

إهداء إلى جان دوست [ميشيل ليزنبيرغ]

3 حياة البايزيدي وأعماله:

يجب أن ندرس حياة بايزيدي على خلفية هذه الامبراطوريات المتصارعة والامبريالية الناشئة وتسارع المركزية العثمانية وأفول الإمارات الكردية. أقدم مصدر- والوحيد عملياً في واقع الأمر- هو المعلومات الذاتية الواردة في رسالة لأوغست جابا مؤرخة في 10/22 أيلول 1857 أُعيد نشره في مقدمة ليرخ لكتاب جابا Recueil . ورغم عدم خلوها من الأخطاء، فإن هذا المصدر يزودنا بمعلومات أساسية عن بايزيدي نفسه وعن انخراطه في بعض التطورات السياسية الرئيسية في أيامه.[1] تقول الرسالة أن بايزيدي تلقى تعليمه أولاً في مسقط رأسه، بايزيد، ثم في تبريز ومن ثم في مختلف أنحاء المناطق الحدودية القاجارية-العثمانية، وعلى ما يبدو كان بايزيدي طليقاً ليس بلغته الكردية فحسب بل أيضاً باللغات العربية والفارسية والتركية.

أما بخصوص ثقافة بايزيدي سواء في مسقط رأسه بيازيد أو في تبريز فإن لدينا قرينة ظرفية فقط. ففي وصفه القصير، ولكن المهم، عن حياة المدرسة  medres الكردية (أُعيد نشرها في أعمال جابا 1860) يُورد بايزيدي أهم الكتب التي كانت تُدرس في السنوات الأولى من التعليم في المدرسة في المناطق الريفية الشمالية من كردستان. يبدو بديهياً أن نستنتج أنه هو أيضاً قد درس ذلك المنهاج، ولكنه لا يذكر ذلك بوضوح، بل إنه مجرد تخمين منطقي. أبرز العناصر في تلك القائمة هي مجموعة من الكتب المدرسية الابتدائية باللغة الكردية معجم عربي (لأحمدي خاني بعنوان نوبهارا بجوكان) وعن مبادئ العقيدة (عقيدة الإيمان لذات المؤلف) وكتب عن القواعد والصرف (تصريف وظروف وتركيب التي ينسبها جميعاً إلى الملا يونس خالقاتيني المتوفى سنة 1791) . تتضمن القائمة أيضاً مجموعة من المؤلفات لمؤلفين عرب من أمثال سعدالدين التفتنازي ويوسف الأردبيلي وجميعهم ينتمون إلى المذهب الشافعي. تشير هذه القائمة المتساوقة بشكل ملحوظ مع قوائم الكتب الإلزامية التي قدمها خريجو مدارس آخرون أكثر حداثة من كردستان الشمالية أنه بحلول 1800 على أبعد تقدير كان قد تبلور منهاج كرمانجي شافعي ثابت تقريباً وبقي على ما هو عليه لغاية القرن العشرين[2].

بحسب جابا كان بايزيدي يحظى بتقدير كبير من لدن العلماء المحليين في سن مبكرة. يجعل هذا الزعم مسألة تماهي بايزيدي مع عالم كردي محلي يُسمى ” حجي محمود” الذي قابله [رئيس] البعثة التبشيرية البروتستانية البولندي المولد فوليشن فون زاريمبا Felician von Zaremba أثناء رحلته في 1830 في بيازيد والذي، بحسب وصفه، “يُعتبر أكثر الملالي علماً”. ولكن، لسوء الحظ، لا يعطي زاريمبا أية تفاصيل إضافية عن تلك الزيارات ولا عن الملا المعني. إن كولتكين على يقين أن ذلك العالم المحلي لم يكن سوى محمود بايزيدي. ربما يكون ذلك صحيحاً، ولكن بايزيدي لم يكن حينها يتجاوز 33 عاماً، وما من دليل مستقل أنه قد حجّ إلى مكة في ذلك العمر، لذا فإن هذا التشخيص غير نهائي بقدر ما هو مغري.

لا يبدو من المصادر الشحيحة فيما إذا كان بايزيدي قد عمل فعلاً في بلاط بهلول باشا أو في خدمته، ولكن يبدو أنه قد تلقى بعض الدعم والرعاية من الباشا المذكور. ومن غير الواضح أيضاً متى بالضبط شارفت الرعاية من آخر حاكم كردي شبه مستقل لبايزيد على نهايتها. في فترة ما قبل 1854 وربما على الأغلب في أواخر 1840، ترك بايزيدي مسقط رأسه وتوجه إلى أضروم. في عام 1846 كلّفه حافظ باشا، المشير العسكري Military mushir بمهمة هامة إلى بدرخان بك الذي كان قد أعلن التمرد على الحكومة العثمانية في عام 1846 والذي أُلقي عليه القبض أخيراً وتم نفيه في 1847. بعد عام من ذلك، كلّفه كامل باشا حاكم أرضروم بمهمة مشابهة إلى نورالله بك، الزعيم الكردي لهكاري. على ما يبدو كانت السلطات العثمانية مسرورة جداً من أسلوب بايزيدي في معالجة مهام دبلوماسية هامة كهذه بحيث إنه عيّن ترجماناً لدى محمود خان، حاكم موكس السابق والعضو الثالث في الثلاثي الكردي الثائر والذي لم يكن يتكلم سوى الكردية، والذي نُفي إلى ولاية أرضروم ووُضع رهن الإقامة الجبرية في قرية خيفاش (قرية كيفاش الحالية) على الشاطئ الجنوبي-الشرقي لبحيرة وان. ولكن سرعان ما انتفض محمود خان من هناك ونتيجة ذلك، سُجِن بايزيدي لمدة أسبوعين.[3]

مصدر آخر، وهي مقالة لمؤلف مجهول نُشرت في العدد الثالث (1898) من  صحيفة كردستان، أول صحيفة كردية ، حيث تُعطي بعض المعلومات الإضافية عن الجهود الدبلوماسية لشخص يُدعى “ملا أفندي”الذي حدده موسايليان Musaelian   بصورة مقنعة أنه البايزيدي نفسه.[4] وتشير المقالة إلى أنه قام بدور وسيط متناقض بين البلاط العثماني والحكام الأكراد المحليين وأنه ربما تورط في عمالة مزدوجة. يُقال أنه عندما أُرسِل إلى بلاط بدرخان بك في بوطان طلب من القائد الأعلى العثماني، عثمان باشا، ألا يباشر بالهجوم قبل عودته، لكن عثمان باشا عارض جهود ملا محمود الدبلوماسية من البداية، وباشر بالهجوم قبل انتظار رد بدرخان. غير إن المقاومة العنيفة التي واجهها من المتمردين الأكراد جعلته يستنتج أن بايزدي قد أفشى بالخطة السرية وبناءً عليه أمر باعتقال الأخير وإرساله إلى استانبول  ليُحاكم. بناءً عليه، تم نفي بايزيدي إلى المنفى في وان. وهناك، انخرط في ثورة خان محمود، ولكن، بناءً على ذلك التقرير، فإن الأخير، وليس ملا محمود، هو الذي اعتُقِل لمدة أسبوعين.  ورغم إن بايزيدي استطاع أن يتجب حكماً قاسياً لخان محمود، فإنه فقد أية ثقة للسلطات العثمانية به وبولائه.[5]

وقد جلبت المواجهة العسكرية بين الامبراطوريتين العثمانية والروسية التي اندلعت في 1853 مأساة شخصية للبايزيدي فقد قُتِل أخاه وابنه الذي بقي في بيازيد لمتابعة نشاطاته التجارية، وخسر كذلك كل ممتلكاته[6]. ونتيجة ذلك، بقي بايزيدي في أرضروم دون أي مورد و”أنه فكر في العودة إلى كردستان” كما كتب جابا. ولكن في تلك الفترة (على الأرجح في أعقاب التوقيع على اتفاقية باريس 1856 التي أنهت حرب القرم) عاد أوغست جابا إلى أرضروم كقنصل روسي. بعد ذلك مباشرة أصبح بايزيدي معلم جابا للغة الكردية، وبنتيجة ذلك بدأ الاثنان تعاوناً مثمراً في جمع وكتابة المواد باللغة الكردية. وفق بعض المصادر توفي بايزيدي في عام 1858، ولكن بعض المصادر الأخرى، بيربال على سبيل المثال، تعتبر سنة وفاته هي 1868.

يتبين مما سبق أن بايزيدي لعب دوراً دبلوماسياً هاماً في بعض أهم التطورات الاجتماعية والسياسية في زمانه-يبدو أنه تورط عميقاً في المساعي العثمانية لتحييد ثلاث من أقوى الزعامات الكردية في منتصف القرن التاسع عشر. لا نعرف الكثير في الوقت الحاضر عن نشاطاته الدبلوماسية الحقيقية ولا عن طبيعة العلاقات بشكل دقيق مع كل من الحكام الأكراد والسلطات العثمانية، ولكن الأرشيف العثماني والأراشيف الأخرى قد تكشف مزيداً من المعلومات عن هذه القضايا. وبالمثل، ورغم إنني لم أصادف بعد أي دليل على أنه كانت للملا محمود علاقات مع القنصل البريطاني في أرضروم، فإنه من المحتمل جداً أن تحتوى مصادر المحفوظات الأرشيفية البريطانية، وخاصة تلك التي تتعلق بالقنصلية البريطانية في أرضروم،  على وثائق بهذا الخصوص.

غير إن ما يهمنا هنا هو ليس انشغال بايزيدي بالقضايا السياسية المعاصرة بقدر ما يهمنا محتوى وسياقات كتاباته. من بين تلك الكتابات، هناك عدد كبير منها محفوظة في المكتبات الأوربية، ولكن نُشر القليل منها نسبياً. كان بايزيدي أحد أهم الموّردين ، إن لم يكن الموّرد الأهم، للمخطوطات الكردية لمكتبات روسيا الإمبراطورية؛ وهكذا فإنه من أصل 84 مخطوطة مذكورة في كتالوج رودينكو لعام 1961 عن المخطوطات الكردية في لينينغراد (الأغلبية العظمى منها تعود لمجموعة جابا من الأعمال الكردية) فإن ما لا يقل عن 13 منها مكتوبة أو منسوخة من قبل البايزيدي نفسه. تتفاوت تلك الأعمال من أعمال أولية لاكتساب اللغة-مثل الأبجدية الكردية (no.81,cat.no.GPB Kurd 6)  عينة عن تصريف الأفعال “وفق طريقة النحو والصرف (no.78,cat,no.GPB, Kurd37) ونص محادثة (no.76,cat.no.GPB Kurd 50) وترجمات كردية لشرفنامنة للبدليسي باللغة الفارسية (no.84,cat.no.GPB Kurd 31) ونسخة باللغة التركية عن قصة ليلى ومجنون (no.49,cat.no. GPB Kurd 31)  وعدة مجموعات قصصية (حكايا [ت]) بالإضافة إلى وصف للأزياء الكردية، رسالة في عادات الأكراد وتقاليدهم (no.82, cat.no.GPB, Kurd 34) لقد ظهرت بعض هذه الأعمال مطبوعة، وعدد قليل منها نُشِرت في طبعات علمية. كُتِبت كل تلك الكتابات باللهجة الكرمانجية، أو الكردية الشمالية، ولكن معروف عن بايزيدي أنه كتب عدداً من الأعمال باللغتين التركية والفارسية. في واقع الأمر يُقال أنه كان العالم الوحيد الكائن في أرضروم الذي كان الحكام العثمانيون يثقون به في ترجمة النصوص التركية إلى اللغة الفارسية[7].

أعمال بايزيدي المطبوعة، التي ستكون محور النقاش، تتضمن ما يلي:

رسالة في عادات الأكراد وتقاليدهم: طُبِعت لأول مرة بعد أكثر من قرن على كتابتها في طبعة من تحرير رودينكو تتضمن المخطوط الكرمانجي بحروف عربية مع ترجمة روسية. في 1979 طبع دليل إيزولي بشكل خاص نسخة من طبعة رودينكو بالأحرف اللاتينية، ولكنها لم تتضمن تعليقاً أو ترجمة كردية حديثة لها. لذا، من غير المرجح أنها قد لاقت رواجاً واسعاً. بعد ذلك، ظهرت ترجمة صورانية وتركية لها في 1982 و1999 على التوالي. في عام 2006 طبع رشيد فندي نسخة باللهجة الكرمانجية -البادينية بالحروف العربية/الفارسية مع ترجمة عربية لها، لكن لم يصبح النص الكرمانجي الأصلي بالأحرف اللاتينية، وهي الوحيدة المتاحة لأغلبية الناطقين بالكرمانجية في تركيا، إلا في سنة 2010 حيث ظهرت طبعتان مستلقتان لكل من جان دوست وزيا آفجي على التوالي. [8]

  • جامع الحكايات (يشار إليه فيما بعد بـ (ج.ح): وهي مجموعة من النصوص المختارة نُشرت مع ترجمة باللغة الفرنسية من قبل أوغست جابا في 1860 وتتضمن 40 قصة (حكاية) إضافة إلى ثلاثة نصوص قصيرة تصف على التوالي القبائل الكردية في كردستان الشمالية، خاصة في محيط بيازيد، ومناقشة قصيرة لثمانية شعراء كرد كلاسيكيين، ومقدمة في علم الصرف (مورفولوجيا) وعن الكتب المدرسية المستخدمة في التعلم اللغوي في المدارس الكردية. نُشِر النص الكردي لهذه المجموعة، مثلها مثل عادات الكرد، بالأحرف اللاتينية في 2010تعتمد هذه النسخة على نص مكتوب بالأحرف العربية في كتاب جابا 1860 ويتضمن في الحقيقة استنساخاً ضوئياً للعمل برمته.
  • تاريخ كردستان القديم وهي ترجمة بايزيدي لكتاب شرفنامه الذي ألفه شرفخان البدليسي باللغة الفارسية عن التاريخ الكردي. وقد نُشرت صورة ضوئية عن المخطوطة في موسكو في 1986، وقد ظهرت نسخة كردية حديثة بالحروف العربية حررها سعيد ديرَشي في دهوك 2007.
  • كتاب تاريخ كردستان الحديث: يُزعم أن هذا الكتاب مفقود، ولكن تم الاحتفاظ بترجمة فرنسية لمقدمتها التي تقع في 50 صفحة.وقد قامت إيلينا فاسيلييفا Elena Vasilyeva بنشر ترجمة روسية لهذا النص وقد تم ضم الترجمة الكردية بالأحرف العربية في طبعة ديرشي لترجمة بايزيدي لكتاب شرفنامه وقد اُعيد نشرها بالأحرف اللاتينية من قبل جان دوست وآفجي في رسالة في عادات الأكراد وتقاليدهم[9].وحسب [باسيل] نيكيتين فإن المستشرق الروسي الشهير فلاديمير مينورسكي قد استرد عدداً من الأعمال غير المنشورة لجابا (كذا في الأصل) التي قيل إنها مفقودة وإنه مُنِح كافة الوثائق المتبقية والملاحظات اللغوية من قبل أحفاد جابا، ولكن يبدو أنه لم يستطع أن ينشر أي من تلك المواد[10]. إن كان ذلك صحيحاً، فإن الأمل ما يزال موجوداً بأن تاريخ بايزيدي الحديث قد يُعثر عليه في يوم ما.
  • ملخص نثري لقصيدة أحمدي خاني المثنوية مم وزين. وقد نُشِرت نسخة كرمانجية مع الترجمة الفرنسية لالكسندر جابا مع مقدمة لهلكوت حكيم في 1989 وظهرت إعادة طباعة لها من قبل خليل دهوكي في 2008[11].

يبدو للوهلة الأولى أن القليل من هذه الأعمال تنتمي إلى صنف أو حقل المعارف الإسلامية الكلاسيكية أو الأدب، ولكنها في حقيقة الأمر أشبه ما تكون بممارسات في فقه اللغة أو الأنثروبولوجيا كُتِبت خصيصاً، وبتفويض من، القراء الغربيين. قد يغرينا هذا للاستنتاج بأن تلك الأصناف أو الأنواع التي يتم اللجوء إليها قد تشكلت ووُفِرت [بتأثير من] فقه اللغة الغربية والأنثروبولوجيا الاستشراقية. ربما يبدو من الصعب الاعتقاد أن بايزيدي، الذي كان في حينه قد حاز على سمعة طيبة بين العلماء المحليين، قد قام بوحده بكتابة كل تلك الأعمال لجابا، ولكن، مثلما لاحظنا أعلاه، فإنه كان عاطلاً عن العمل ويعيش في حالة فقر مدقع، لذا فإنه على الأرجح قبض ثمن خدماته. على ما يبدو أن تلك الخدمات لم تتضمن فقط إعطاء دروس خاصة باللغة الكردية بل أيضاً المساعدة في إعداد قاموس كردي-فرنسي وتفويضاً بكتابة نصوص عن مواضيع مختلفة. تطرح فاسيلييفا السؤال فيما إذا كان بايزيدي قد تلقى أي تعويض مالي أو مرتباً لقاء خدماته تلك، ولكن تخلص إلى حقيقة أنه ما من معلومات مادية عن تلك المسائل.[12] لكن الشروط المادية المسبقة لنوع من الرعاية من جانب جابا تبدو واضحة خاصة بعد حل الإمارات الكردية حيث لم يعد بايزيدي يتمتع بأي رعاية من جانب الحكام المحليين أمثال بهلول باشا، وفقدان أخيه لحياته خسارة ابنه لكل ثروته في الحرب، لذلك، لم يكن يستطيع أن يلجأ إلى أسرته للدعم، وكما يلاحظ هو نفسه، لم يقدم السكان المحليون لا الدعم المادي ولا الاحترام للتعلم والعلماء كالذي كانت تبديه في السابق.[13]  لذلك، يبدو من الواضح أنه كان دون أي مصدر رئيسي للدخل عندما قابل جابا في 1856.

تاريخ نشر تلك الأعمال تفصح عن ذاتها: فقد كانت تُرسل أولاً إلى الأكاديمية الامبراطورية في سان بطرسبورغ في روسيا، ونُشِرت جزئياً في طبعة ثنائية اللغة في عام 1860 والتي كانت مؤلفة من نصوص كردية بالحروف العربية إضافة إلى ترجمات فرنسية لها من قبل جابا. المثير للانتباه أن أعمال بايزيدي هذه نُشرت على أساس أنها أعمال جابا. في منتصف القرن العشرين بدأت أعمال بايزيدي تظهر بالروسية تحت اسمه. وقد نُشِرت أولى النسخ الكردية من كتابات بايزيدي بعد ذلك في تركيا أو العراق ، في الثمانينات والتسعينات، وقد اعتمدت معظمها في واقع الأمر على النسخ السوفيتية المطبوعة أكثر من اعتمادها على المخطوطات الأصلية.

يبدو أن معظم كتابات بايزيدي عن اللغة الكردية بقيت غير منشورة، لعل أهمها على الإطلاق هو Tuhfet al-khillan fî zimanê kurdan أو تحفة الخلان في لغة الأكراد[14] ومخطوطة تقع في 476 صفحة بعنوان “حوارات كردية” ولا سيما الفصل المعنون “عن معرفة اللغات” والتي، بحسب موسليان، تتضمن سيرة ذاتية بقلم المؤلف[15].  نسخة بايزيدي عن عمل ترماخي الرائد تصريف لم تنشر لغاية 1971، ليس في موسكو ولا في لينينغراد بل في بغداد,[16]. يظهر هذا الاهمال الملحوظ لعمل بايزيدي عن فقه اللغة في روسيا الإمبراطورية الاعتقاد السائد في ذلك الوقت، أن العلماء الغربيين، ورغم اعتمادهم الواضح على الرواة المحليين، يجب ألا يعوّلوا كثيراً على المعلومات القواعدية والألسنية التي يقدمونها. سوف أعود إلى هذه النقطة فيما بعد.

إجمالاً يبدو أن حياة بايزيدي ومهنته وكتاباته قد تشكلت من خلال التطورات السياسية المثيرة في حياته- من جهة اصلاحات التنظيمات  المركزية التي أدت في الأقاليم الكردية إلى تهدئة أو إلغاء الإمارات الوراثية وإدخال التجنيد العسكري، ومن ناحية أخرى توسع النفوذ الامبراطوري الروسي سواء أكان ذلك على شكل التمثيل الدبلوسي مثل [فتح] قنصلية في أرضروم أو على شكل احتلال عسكري كما في حالة بيازيد خلال الفترة 1828-1829. على الصعيد السياسي كان بايزيدي منخرطاً بقوة في تلك الأحداث- تشهد على ذلك مهماته بالنيابة عن العثمانيين للزعماء القبليين الكرد المتمردين وصلاته الواسعة مع قنصل دولة معادية. وسوف نناقش كيف أن كتاباته عكست تلك التطورات المثيرة. وسوف يتبين أن أعماله ليست ببساطة جزءاً من التعلم الإسلامي التقليدي ولا هي مجرد نسخة كربونية من أشكال المعرفة الغربية الحديثة بل إنها تشكل لحظة متميزة من حيث المحتوى الوصفي والمفردات النظرية.

[1] جابا Recueil  VIII-X هذه التعليقات تتضمن أخطاء طفيفة كأن يكتب جابا Pehloul  بدلاً من  Behloul  .  ويعرّف محمود خان على أنه شقيق بدرخان. يلاحظ مسيلان أن جابا ذكر في عام  1880 ، أولاً، 4   أنه ينوي كتابة السيرة الذاتية للبايزيدي، ولكن فيما يبدو، لم يفعل ذلك أبداً. تظهر بعض التعليقات القصيرة عن البايزيدي في كتاب بيتر ليرخ وانظر أيضاً فرهاد بيربال ملا محمود بايزيدي أول قاص كردي (أربيل، آراس، 2000) أما استعراض ساكنيج القصير لسيرة ملا محمود بايزيدي في كتابه Diroka Wêjeya Kurdî(Istanbul, Weşanên Enstîtuya Kurdi ya Stenbolê, 2002,443-45)  فيبدو أنها مستقاة بالكامل من هذين المصدرين التي يضيف إليهما بعض الأخطاء الطفيفة: مثلاً يكتب Adab بدلاً من  Adat    في مجموعة بايزيدي الاثنوغرافية.

[2] عن مناهج المدرسة الكردية الشمالية، قارن لينزبيرغ، Termaxi 727-732

[3] Jaba, Recueil, ix

[4] J.S. Musaelian, “On the first Kurdish Edition of the Sharaf-nama by Mulla Mahmûd Bayazîdî, “Monuscrpta Orientalia 4:4 (1999),3-6 esp.4.

[5] Reprinted in Kurdistan; Yekemûn rozhanmey kurdî, ed. K. Fuad (Baghdad; n.p, 1972) 43-44; Latin transcription in Kurdistan, ed. By M. E. Bozarslan (Stockholm: Weşanxana Deng, 1991), cild I, 264-67.

[6] لدى الصديق محسن سيدا وثيقة عثمانية  تتحدث عن سوء الحالة المادية لملا محمود  وتناشد  الحكومة مد يد العون له وتخصيص راتب له و الأهم في الوثيقة هو تحديد عمر ملا محمود  ، تاريخ الوثيقة عام 1860م ) المترجم

[7] Jaba, Recueil

[8]

[9]  بما إن مقدمة بايزيدي محفوظة بترجمة إلى اللغة الفرنسية فقط وبإعادة ترجمتها إلى الكردية الحديثة، ينبغي أن يكون المرء حذراً جداً من الاستدلال كثيراً من صياغتها حيث إنها تتضمن كلمات دخيلة أقل من اللغة العربية وتعابير كردية جديدة أكثر من النصوص الأخرى للبايزيدي. بناءً عليه،يستمل جان دوست تعبيراً  جديداً هو bingehan  فيما النسخة الأصلية تستعمل كلمة دخلية من العربية هي “eslan  أو usûl . لسوء الحظ لم أتمكن من الاطلاع على النص الفرنسي الأصلي.

[10] Nikitine, Kurdes, 294-295

[11] Halkawt Hakim, “Mem u Zin: un resume de Mahmud Bayazidi”, Debireh, no. 5, Paris, 1980. 181-92. Mem û Zin ed. By X. Duhoki (Diyarbakir: LIS,2007)

[12] اقتبسه جان دوست في رسالة في عادات الأكراد وتقاليدهم، ص214

[13] Jaba, Recueil, 14

[14] Rudenko, Opisanie, 105-107

[15] Musaelian,” First”,4

[16] لمناقشة مستفيضة عن كتاب تصريف للترماخي، قارن ليزينبيرغ، ترماخي ص715-20

شارك هذا المقال: