القبيلة القَيمُرية الكردية في إقليم الجزيرة ودورها في بلاد الشام ومصر خلال العصر الوسيط

شارك هذا المقال:

القبيلة القَيمُرية الكردية في إقليم الجزيرة ودورها في بلاد الشام ومصر خلال العصر الوسيط

د. زرار صديق توفيق *

مجلة (الحوار) ، العدد (70) ، صيف 2017

 

القَيمُرية  قبيلة كبيرة ومعروفة منذ العهد الأيوبي وعرفت باسم قلعتها قَيمُر وهي مقر أمرائها وعاصمة إمارتها الوراثية، ولم تكن قلعة قَيمُر والقبيلة القَيمُرية المنسوبة اليها معروفة حتى أيام الأيوبيين، على الرغم من الشهرة التي نالتها في العهود اللاحقة، وياقوت الحموي هو أول من عرّف قلعة قَيمُر، ولم يكن له بدوره معلومات دقيقة عنها، فتعريفه لها لايخلو من التعميم ولا يساعد على تعيين موضعها وتحديد موقعها بين مدن وبلدات وقلاع ديار بكر المتعددة، فذكر: «قلعة في الجبال بين الموصل وخلاط، ينسب إليها جماعة من الأمراء بالموصل وخلاط وهم أكراد»([1])، وبعد تنامي دور أمراء القَيمُرية في أحداث بلاد الشام ومصر أواخر العهد الأيوبي ومطلع العهد المملوكي وتعاظم شأنهم بفضل جهودهم المشهودة على الصعيدين الجهادي والعمراني، صارت قلعة قَيمُر مشهورة ومعروفة عند المؤرخين الشاميين والمصريين، وكانوا على علم واطلاع بأخبارها، فهي كائنة بالقرب من اسعرد – سعرت- سيرت ([2])، بينها وبين جزيرة ابن عمر- بوهتان([3])، وهي ليست قلعة قُمري – قومرى الواقعة بين قريتي قُمري وهرور بمنطقة بروارى بالا – دهوك.

وعرفت القبيلة الكُردية المقيمة بقلعة قَيمُر ونواحيها وقراها وضياعها بالقَيمُرية نسبة إليها كما ذُكر، فهي قاعدة امارتها ومقر حكم أمراءها.

واضطلع أمراء القَيمُرية بدور بارز ومؤثر في أحداث بلاد الشام خلال فترة انتقال السلطة من الأيوبيين الى المماليك، ودافعوا بإخلاص وتفانٍ عن الأيوبيين في صراعهم مع المماليك الاتراك وكذلك في التصدي لحملات المغول على بلاد الشام، ومن أبرز أمراء القَيمُرية:

-الأمير ناصر الدين الحسين بن عزيز بن ابي الفوارس بن موسك القَيمُري (600-665هـ/1203-1267م) واقف المدرسة القَيمُرية بدمشق ([4]).

-علاء الدين القَيمُري ([5]).

– الأمير سيف الدين أبو الحسن يوسف بن أبي الفوارس بن موسك القَيمُري، وصف بـ «الأمير الكبير» و «أكبر الأمراء القَيمُرية»، وهو واقف مارستان الصالحية بسفح جبل قاسيون بدمشق ([6]).

– ضياء الدين يوسف القَيمُري، قتل سنة 648هـ/1250م في الحملة الأيوبية على مصر مع شهاب الدين القَيمُري وغيرهم ([7]).

أما في كردستان، فقد أقام أمراء القَيمُرية امارة صغيرة بقلعة قَيمُر.

الإمارة القَيمُرية:

لم تبين المصادر التأريخية متى أقام أمراء القَيمُرية إمارتهم الصغيرة وكيف تمت لهم السيطرة على قلعة قَيمُر، ويبقى تاريخ القبيلة مجهول تماماً حتى العهد الأيوبي، غير أن بحلول القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي يلاحظ أن أمراء القَيمُرية أصبحوا في عداد «أعيان الأمراء»([8])، ومن ذوي الشأن والسلطة والتأثير على مجرى الأحداث الجارية بإقليم الجزيرة وديار بكر خلال النصف الأول من القرن المذكور ودور مؤثر في مناصرة ودعم ملوك آل ايوب في صراعاتهم الإقليمية مع الخوارزمية وسلاجقة الروم والمغول، وهم:

1- الأمير أسد الدين أبو الفوارس بن موسك (الربع الأول من القرن 7هـ/13م):

يعد الأمير أسد الدين أبو الفوارس أول من عرف من أمراء القَيمُرية وغالبية الأمراء والشخصيات القَيمُرية هم من أولاده وأحفاده، وكان أمير قلعة قَيمُر في حقبة تاريخية يمكن حصرها تخمينا بين 595-620هـ/1198- 1223م ولم يسجل له أي دور ومشاركة في الأحداث، وخلف عدة أولاد ([9]).

2- الأمير حسام الدين الحسين بن أبي الفوارس القَيمُري (620-648هـ/ 1223-1250م):

يستدل من سير الاحداث أن الأمير حسام الدين الحسين خلف أباه في الحكم، وكان معاصراً للملك الأشرف موسى بن الملك العادل سيف الدين أبو بكر الأيوبي أمير الجزيرة ومن أمرائه، ولما مد الأيوبيون سيطرتهم إلى إقليم الجزيرة وديار بكر سعوا إلى الاتصال بالأمراء وزعماء القبائل الكُردية وأصحاب القلاع الكُرد وحثوهم على الانضمام إليهم والانخراط برجالاتهم واتباعهم في صفوف الجيش الأيوبي، ورتبوهم في فرق عسكرية خاصة وأناطوا قيادتها بهم، ونذكر منهم:

– أمراء بنو زكري وهم «من بيت كبير في الأكراد» ([10]).

– أمراء بيت (الطوري).

– أمراء آل أبو الفوارس بن موسك من القَيمُرية.

التحق الأمير حسام الدين القَيمُري بالملك الأشرف الأيوبي وغدا أحد قادة جيشه الكبار بديار بكر وأخلاط، وكان محل ثقة الملك الأشرف وموضع اهتمامه واعتماده، فزوجه من أخته من أمه([11]).

وكان الأمير حسام الدين القَيمُري ضمن الجيش الأيوبي بمدينة أخلاط، حين داهمها جلال الدين خوارزمشاه(617-628هـ/1220-1231م) سنة 626هـ/1229م وشدد الحصار عليها بنصب عدة منجنيقات في ما حولها، فأبلى الأمير القَيمُري بلاء حسناً في المقاومة والتصدي للخوارزمية الغزاة([12])، وحين اقتحم الخوارزمية المدينة بعد حصار دام سبعة أشهر (شوال 626هـ – نهاية جمادى الأولى 627هـ) واحتلوها، وقع الأمير حسام الدين في الأسر، إلا انه أفلت من قبضة الخوارزمية وخرج من أخلاط هاربا وسار إلى الأشرف بالرقة وحكى له «عن ضعف الخوارزمي وقلة من معه وانهم غير عاجزين عنه»، فأرسله الأشرف إلى أخيه الملك الكامل صاحب مصر بدمشق، ليطلعه على حقيقة الأوضاع والموقف القائم بأخلاط، ويذكر ابن نظيف الحموي «وصلت كتب أيبك – عز الدين أيبك من أمراء الملك الأشرف ومن الذين أسرهم خوارزمشاه بأخلاط –  بتشديد الخوارزمي عليهم وفي عزمه خنقهم بعد هربة القَيمُري لحنقه»، وأثار هروب القَيمُري حفيظة خوارزمشاه، فصب جام غضبه على بقية الأمراء الأسرى عنده وعاملهم بالقسوة والشدة ([13]).

ساءت علاقة حسام الدين القَيمُري بالملك الأشرف لأسباب غير واضحة، فنقم عليه الأشرف وعزله عن ما يتولاها وأدخله السجن، ثم أطلق سراحه، ففارق حسام الدين خدمة الأشرف واتصل بالسلطان علاء الدين كيقباد الأول السلجوقي وبين له «انا افتح لك البلاد» وسلم اليه خلاط وما بيده من الاعمال سنة 630هـ/1232م ([14]).

عاد حسام الدين القَيمُري بعد بضع سنوات الى صفوف الأيوبيين وخدم عند الملك الناصر يوسف امير حلب وبنى سنة 646هـ/1248م بحلب مدرسة للشافعية عرفت بالمدرسة القَيمُرية ([15])، كما شارك في الحملة الأيوبية على مصر سنة 648هـ/1250م، فأصيب في معركة العباسة ومات بعد أيام، فحمل جثمانه وجثمان أخيه ضياء الدين الى القدس، فدفنا بها ([16]).

3- شمس الدين عزيز بن أبى الفوارس القَيمُري (؟):

الراجح هو الابن الأكبر لأبى الفوارس القَيمُري، وبالرغم من كونه من «إجلاء الأمراء»([17])، فلم نعثر على أي خبر له في المصادر، وهو والد «الأمير الكبير» ناصر الدين أبو المعالي الحسين المولود بقلعة قَيمُر سنة 600هـ/1203م وباني المدرسة القَيمُرية بدمشق، والمتوفى بالساحل الشامي مرابطاً سنة 665هـ/1266م([18]).

ويجدر الإشارة إلى ان الحديث هنا، يدور حول أمراء القَيمُرية الذين ثبت لدينا بأنهم تولوا الحكم بقلعة قَيمُر قبل وبعد هجرة القَيمُرية إلى الديار الشامية سنة 642هـ/1244م، وان ابراز دور أمراء القَيمُرية الكبار (ضياء الدين موسى وسيف الدين يوسف وشهاب الدين الكبير وعز الدين محمد وناصر الدين الحسين) وغيرهم ببلاد الشام في توجيه الأحداث خلال الفترة الانتقالية من الأيوبيين إلى المماليك ومآثرهم الجهادية في الساحل الشامي ومشاريعهم العمرانية الخيرية من مدارس ومساجد ومستشفيات، وما لهم من أعمال البر والخيرات والحسنات تستلزم دراسة مستفيضة([19]).

4- الأمير نجم الدين القَيمُري (؟ – 643هـ/ 1245م):

أمير مجهول من القَيمُريين المهاجرين إلى الشام وتوفي بدمشق سنة 643هـ/1245م ودفن بالجبل، وبالإمكان تصحيح عبارة أبوشامة الذي انفرد بنقل خبر وفاة الأمير نجم الدين القَيمُري «نجم الدين القَيمُري عمر ناصر الدين» إلى «نجم الدين القَيمُري عم ناصر الدين»([20])، ويقصد ناصر الدين الحسين بن شمس الدين عزيز القَيمُري المعاصر له وهو من أشهر أمراء القَيمُرية.

والأمير نجم الدين القَيمُري هو والد كل من الأمير شهاب الدين القَيمُري والأمير ناصرالدين محمد القَيمُري([21]).

5- الأمير سيف الدين يوسف بن أبى الفوارس القَيمُري (؟ – 654هـ/ 1256م):

وصف المؤرخون الأمير سيف الدين القَيمُري: «وكان أكبر الأمراء في آخر عمره وأعظمهم مكانة وأعلاهم همة وجميع أمراء الأكراد من القَيمُرية وغيرهم يتأدبون معه ويقفون في خدمته وهم بين يديه كالاتباع مطاعاً فيهم»([22])، «من أجل الأمراء وأبطالهم المذكورين»([23]) و «من أكابر الأمراء وله المكانة العلية من الملوك»([24])، و «الأمير الكبير… أكبر أمراء القَيمُرية، كانوا – أي الكُرد – يقفون بين يديه كما تعامل الملوك» ([25]).

وكان هكذا فعلاً بدمشق والشام، أما بقلعة قَيمُر فلسنا نعلم على وجه التأكيد هل حكم وتأمَر أم لا؟ ويقول الكتبي في رواية مشكوك من دقتها انه هو أبن أخت صاحب قَيمُر([26])، والصحيح هو أبن صاحب قَيمُر الأمير أسد الدين القَيمُري، ويقول الذهبي: «يقال إنه أبن صاحب قَيمُر»([27]).

ثم أن من الثابت لدينا أن حفيده عزالدين علي عرف بأنه «صاحب قلعة قَيمُر المشهورة وأن القلعة انتقلت إليه من أسلافه»([28]).

6- الأمير ناصر الدين عيسى بن سيف الدين يوسف القَيمُري:

لم تخبرنا المصادر بالمعلومات عنه سوى انه ألتحق مع أبيه وأعمامه بالملك الصالح نجم الدين الأيوبي امير مصر سنة 642هـ/1244م، وقتل مع كوكبة من الأمراء الكُرد في الحملة الأيوبية التي قادها الملك الناصر يوسف امير دمشق وحلب بهدف استرداد مصر من المماليك الاتراك سنة 648هـ/1250م([29]).

7- الأمير عز الدين علي بن ناصر الدين عيسى بن سيف الدين يوسف القَيمُري (ت:681هـ/ 1282م) وسقوط الإمارة القَيمُرية:

ولد بقلعة قَيمُر في حدود عام 641هـ/1243م وأختار البقاء بمسقط رأسه بعد هجرة أبيه وأعمامه الى بلاد الشام ومصر، اما أخيه جمال الدين يوسف فتحول الى مصر واستقر بها ([30]).

ولما احتل المغول اقليم الجزيرة وقضوا على السلطات المحلية الكُردية وسقطت قلعة قَيمُر بيدهم، أُجبر الأمير عزالدين على التوجه الى بلاد الشام، فخدم مدة ثم بطل الخدمة وتوفي سنة 681هـ/1282م، وبوفاته سقطت الامارة القَيمُرية نهائياً([31]).

 

* باحث في التاريخ وأستاذ جامعي-   كردستان العراق. تنشر الدراسة بالاتفاق مع الكاتب. وهي فصل من كتاب عن (القبائل والزعامات القبلية الكردية في العصر الوسيط) صدر عن دار الزمان مؤخراً.

 

([1]) معجم البلدان، 4/424.

([2]) اليونيني، ذيل مرآة الزمان، 4/174، الصفدي، الوافي بالوفيات، 21/250.

([3]) الكتبي، عيون التواريخ، 21/315.

([4]) البداية والنهاية، 13/ 250، مرآة الزمان، 1/760 – 762.

([5]) آقسرائي، مسامرة الأخبار، ص 51 بالفارسية.

([6]) البداية والنهاية، 13/ 195.

([7]) تأريخ أبو الفداء، 2/291، النجوم الزاهرة، 7/6-7.

([8]) معجم البلدان، 4/424.

([9]) المصدر نفسه، 4/424، البداية والنهاية، 13/195، 14/144.

([10]) المنهل الصافي، 1/30.

([11]) التأريخ المنصوري، ص202، الجويني، تأريخ جهانكشاى، 2/182، جامع التواريخ، ص465.

([12]) التأريخ المنصوري، ص184-186، الكامل، 9/380.

([13]) التأريخ المنصوري، ص143.

([14]) المصدر نفسه، ص155، 173.

([15]) الأعلاق الخطيرة، 1/262.

([16]) الحنبلي، الانس الجليل في تأريخ القدس والخليل، 1/262.

([17]) الوافي بالوفيات،12/261، الدارس، 1/442.

([18]) ذيل مرآة الزمان، 2/369، الوافي بالوفيات، 12/261 – 262، عيون التواريخ، 20/351، البداية والنهاية، 13/250.

([19]) للمزيد عن الدور السياسي والعمراني للكرد القَيمُرية، يراجع كتابنا باللغة الكُردية: دراسات في تأريخ الكُرد، ص76-113.

([20]) ذيل الروضتين، ص 178.

([21]) تأريخ البرزالي، 3/258.

([22]) ذيل مرآة الزمان، 1/43-44.

([23]) الذهبي، العبر،3/270.

([24]) عيون التواريخ، 20/83.

([25]) البداية والنهاية، 13/195.

([26]) عيون التواريخ، 20/83.

([27]) تأريخ الإسلام، حوادث (651-660هـ)، ص148.

([28]) ذيل مرآة الزمان، 4/174، عيون التواريخ، 21/315.

([29]) تأريخ الاسلام (حوادث 641-650هـ)، ص60.

([30]) تأريخ الجزري، 3/704.

([31]) ذيل مرآة الزمان،4/174، عيون التواريخ،21/250.

 

شارك هذا المقال: