الاقليم الكردي الموحد في سوريا

شارك هذا المقال:

يعيش الكرد في  الجزء الشمالي والشمالي الشرقي من  سوريا  على طول حدود الدولة التركية  ولمسافة  أكثر من 800 كم متواصلة  وبدون انقطاع ،وتمتد بالقرب من شواطئ المتوسط غرباً وحتى الحدود العراقية في المثلث الذي يلتقي فيها  فيش خابور مع نهر دجلة شرقاً ، وبعمق غير متجانس يتراوح ما بين 15كم في بعض المناطق حتى اكثر من 40 – 50 كم في بعض المناطق الاخرى ، بشكل مواز لمناطق تواجد أقرانهم في تركيا على طول الحدود  في المحافظات التالية  (الحسكة – الرقة – حلب – ادلب – حماة – اللاذقية ), وقد تم ترسيم الحدود بين تركيا وسوريا بعد اتفاقات سايكس بيكو بين فرنسا وبريطانيا عام 1916 بعد انهيار الامبراطورية العثمانية إثر خسارتها  في الحرب العالمية الاولى (1914 – 1918 )

 

خارطة توضح توزع الشعب الكردي على طول الحدود السورية التركية

الواقع السياسي لكردستان قبل الحرب العالمية الاولى

تعود جذور المشكلة الكردية إلى ما قبل الميلاد بفترة طويلة وإن لم تكن تعرف بهذا الوصف، حيث تسبب سقوط الإمبراطورية الميدية التي أسسها الكرد على يد الفرس الأخمينيين وتعرضهم لاستعباد الأقوام الهندوأوروبية التي نزحت لمنطقة كردستان الحالية، في ظهور شعور مبكر بالظلم واغتصاب الهوية، لم يتخذ ذلك مظاهر قومية واضحة  في حينها لكنه أسس للمشكلة التي مرت عليها فترات هدوء بعد الفتح الإسلامي الذي منح الكرد بعضاً من الحرية في تأسيس إمارات عديدة كردية تحكم نفسها بنفسها في إطار الدولة الإسلامية، وذلك قبل أن تبدأ المعالم الحديثة للمشكلة الكردية بالتشكل منذ بدايات القرن السادس عشر.

بدايات ظهور المشكلة الكردية :

بدأت ملامح المشكلة الكردية بالظهور بصورة واضحة في العصر الحديث عند اصطدام الدولتين الايرانية والعثمانية عام (1514م) في معركة جالديران ، كان من نتائجها تقسيم كردستان عملياً بين الدولتين الايرانية والعثمانية حيث كانت كردستان قبل سنة (1514م) تدار على شكل إمارات مستقلة تقوم بتنظيم شؤونها الداخلية، لكن سوء معاملة الشاه إسماعيل إضافةً إلى الاختلاف المذهبي أدى إلى وقوف أكثرية الإمارات إلى جانب الدولة العثمانية فضلاً عن جهود العلامة ملا إدريس البدليسي الذي لعب دوراً كبيراً في استمالة الكرد إلى جانب الدولة العثمانية، وجاءت نتائج المعركة المذكورة لتضع أغلبية أراضي كردستان تحت سيطرة العثمانيين.

وفي عام 1515 قام العلامة إدريس البدليسي، بتفويض من قبل السلطان العثماني، بعقد اتفاقية مع الأمراء الكرد، يتضمن اعتراف الدولة العثمانية بسيادة تلك الإمارات على كردستان وبقاء الحكم الوراثي فيها ومساندة الأستانة لها عند تعرضها للغزو أو الاعتداء مقابل أن تدفع الإمارات الكردية رسومات سنوية كرمز لتبعيتها للدولة العثمانية وأن تشارك إلى جانب الجيش العثماني في أية معارك تخوضها الإمبراطورية إضافة إلى ذكر اسم السلطان والدعاء له من على المنابر في خطبة الجمعة. تضمن هذا الاتفاق اعترافا من الدولة العثمانية  بالسلطات الكردية.

وفي عام (1555م) عقدت الدولتان الايرانية والعثمانية اتفاقية ثنائية عرفت بـ اتفاقية “أماسيا” وهي أول معاهدة رسمية بين الدولتين. وتم بموجبها تكريس تقسيم كردستان رسمياً وفق وثيقة رسمية نصت على تعيين الحدود بين الدولتين، وخاصة في مناطق شهرزور، وقارص، وبايزيد(وهي مناطق كردية صرفة). وتلت تلك المعاهدة، معاهدات واتفاقيات لاحقة منها: معاهدة “زهاو” أو تنظيم الحدود عام (1639م) بين الشاه عباس والسلطان مراد الرابع، وتم التأكيد على معاهدة أماسيا بالنسبة لتعيين الحدود، وهذا زاد من تعميق المشكلة الكردية، ثم عقدت بعد ذلك معاهدات أخرى مثل “أرضروم الأولى” (1823م) و “أرضروم الثانية” (1847م) واتفاقية طهران (1911م) واتفاقية تخطيط الحدود بين الدولتين: الإيرانية والعثمانية عام (1913م) في الأستانة، وكذلك بروتوكول الأستانة في العام نفسه.

كرست جميع هذه المعاهدات تقسيم كردستان وشعبها بشكل مجحف، وبسبب ذلك تعقدت المشكلة الكردية يوماً بعد آخر، ولا سيما بعد بدء انتشار الأفكار القومية في الشرق، وبالأخص منذ بداية القرن التاسع عشر، حيث بدأت الدول الأوروبية تحتك بكردستان عن طريق الرحالة الأجانب والإرساليات التبشيرية، وكذلك عن طريق بعض القنصليات وأهمها البريطانية والروسية والفرنسية ثم الأميركية. ومارست كل هذه الجهات أدوارا مهمةً في تحريض العشائر الكردية ضد الدولة العثمانية خاصةً، ثم الإيرانية، لكي يأخذوا الامتيازات، أو يزداد نفوذهم في الدولة العثمانية خاصة. وبالرغم من هذا، فإن الدولتين العثمانية والإيرانية، لم تتمكنا من بسط سيطرتهما على كردستان لأسباب عدة، منها طبوغرافية كردستان المعقدة، ودفاع الكرد عن أراضيهم ببسالة.

بداية تدويل القضية الكردية :

يمكننا القول إن اشتداد الصراع الدولي في الشرق، وخاصة بين القوتين البريطانية والروسية أثرّ بشكل سلبيً على مستقبل الشعب الكردي، وأخرج المشكلة الكردية من الطابع الإقليمي إلى الطابع الدولي، كما يتضح من خلال النقاط الآتية :

أولاً: الاتصال المبكر بالكرد من قبل روسيا، ثم بريطانيا، حيث كانت الحكومة الروسية شديدة الاهتمام بأوضاع البلدان والشعوب المتاخمة لحدودها، ونظرت الحكومة البريطانية بقلق إلى المطامح الروسية خوفاً من أن يمتد الروس إلى بلاد ما بين النهرين. وكانت شركة الهند الشرقية من أهم بؤر التجسس في المنطقة، كما كانت هناك محاولات فرنسية للتغلغل في كردستان عن طريق الإرساليات التبشيرية. ويمكن القول إن أميركا كانت موجودة في المنطقة على عكس ما كان شائعاً من تطبيقها لمبدأ “مونرو” الذي يؤكد على عدم التورط في المشاكل السياسية خارج أميركا.

ثانياً: محاولات الكرد أنفسهم للتقرب من الأجانب، وخاصة البريطانيين في بداية القرن العشرين، حيث كانت جهود الدبلوماسي الكردي شريف باشا واضحة في هذا المجال، إذ حاول الاتصال بالإنجليز عام (1914) لكي يعرض خدماته، لكن الحكومة البريطانية لم تستجب له، وبحلول عام (1918) وعند احتلال بريطانيا للعراق طلبت وزارة الخارجية البريطانية من السفير برسي كوكس أن يلتقي بشريف باشا في مدينة مرسيليا الفرنسية للاستماع إلى أقواله فقط !

ثالثاً: اتفاقية سايكس بيكو عام (1916) حيث اجتمع وزراء الخارجية الروسية والبريطانية والفرنسية، ودارت بينهم مباحثات سرية حول الترتيبات المقبلة للشرق الأوسط، بعد أن أصبحت هزيمة ألمانيا وحليفتها الدولة العثمانية وشيكة، وتضمنت الاتفاقية تقسيم تركة الدولة العثمانية، وبما أن القسم الأكبر من كردستان كان تحت السيطرة العثمانية، فقد شملها التقسيم، وهذا الوضع الجديد زاد من تعقيدات المشكلة الكردية، وأخرجها من نطاقها الإقليمي إلى النطاق الدولي، حيث تعد معاهدة سايكس بيكو أول معاهدة دولية اشتركت فيها ثلاث دول كبرى، وقوضت الآمال الكردية في تحقيق حلمهم المشروع في تقرير المصير ، بعد الحرب العالمية الاولى برزت إمكانية حل المشكلة الكردية إلى الوجود لأول مرة ، ولعل أحد أهم أسبابها إيجاد منطقة عازلة بين أتراك الأناضول والأقوام التي تتكلم اللغة التركية في آسيا الوسطى والقفقاس وبصورة خاصة في أذربيجان” ، تحرك الكرد لاستثمار الظروف الدولية الجديدة وهزيمة الدولة العثمانية بالحرب العالمية الأولى لنيل حقوقهم المشروعة والاستفادة من مبادئ ويلسون بحق الشعوب في تقرير المصير” وقد تحرك الكرد وبذلوا جهوداً مضنية لإيصال صوتهم إلى مؤتمر الصلح في باريس عام (1919) على أمل أن ينالوا حقوقهم المشروعة، ولا سيما بعد أن أعلن رئيس الولايات المتحدة الأميركية ويدرو ويلسون عن مبادئه التاريخية  بحق الشعوب في تقرير مصيرها في بنوده الأربعة عشر المشهورة، ولم يكن للكرد كيان سياسي مستقل حتى يشارك وفدهم رسمياً في ذلك المؤتمر، شأنهم شأن القوميات والشعوب المضطهدة الأخرى، ولذلك خول الشعب الكردي من خلال العشائر والجمعيات السياسية شريف باشا لتمثيلهم والمطالبة بالحقوق الكردية المشروعة.

أصدر الحلفاء بعد استكمال تحضيراتهم للمؤتمر قراراً في شهر يناير/كانون الثاني 1919 نص على ما يأتي: “… إن الحلفاء والدول التابعة لهم قد اتفقوا على أن أرمينيا وبلاد الرافدين وكردستان وفلسطين والبلاد العربية يجب انتزاعها بكاملها من الإمبراطورية العثمانية وانطلاقاً من هذا القرار قدم الممثل الكردي شريف باشا مذكرتين مع خريطتين لكردستان إلى المؤتمر، إحداهما بتاريخ (21/3/1919م) والأخرى يوم (1/3/1920). كما طلب من القائمين على شؤون المؤتمر تشكيل لجنة دولية تتولى تخطيط الحدود بموجب مبدأ القوميات، لتصبح كردستان المناطق التي تسكن فيها الغالبية الكردية، وإضافة إلى ذلك فقد جاء في المذكرة الأولى “إن تجزئة كردستان لا يخدم السلم في الشرق…”. كما جاء في المذكرة الثانية “إن الترك يتظاهرون علناً بأنهم مع المطالب الكردية، وإنهم متسامحون معهم، لكن الواقع لا يدل على ذلك مطلقاً…” كما طالب شريف باشا رسمياً من رئيس المؤتمر جورج كليمنصو أن يمارس نفوذه مع حكومة الأستانة لمنع اضطهاد الشعب الكردي، وجاء في رسالته إلى رئيس المؤتمر (إنه منذ أن تسلمت جماعة الاتحاد والترقي السلطة فإن جميع الذين يحملون آمال الحرية القومية قد تعرضوا للاضطهاد المستمر.. وإنه من الواجب الإنساني في المجلس الأعلى أن يمنع إراقة الدماء مجدداً، وإن السبيل لضمان السلم في كردستان هو التخلي عن مشروع تقسيم هذه البلاد أي كردستان) ودل كل ذلك على أن المشكلة الكردية تقدمت خطوة كبيرة إلى الأمام في أعقاب الحرب. وما تصريح كليمنصو عندما أعلن على الملأ في مؤتمر الصلح إلا إحدى العلامات حيث قال “إن الحكومة التركية ليست كفؤة  وغير قادرة على إدارة الأمم الأخرى، لذلك لا يمكن الوثوق بها ولا يجوز أن تعاد إلى سيطرة الأتراك قومية عانت من مظالم الأتراك واستبدادهم” وعندما رأى شريف باشا أن تعاطف الدول الأوروبية كثير للقضية الأرمنية “ربما بسبب الانتماء الديني للأرمن” بادر إلى عقد اتفاقية مع ممثل الأرمن بوغوص نوبار وبحضور الرئيس المؤقت لوفد جمهورية أرمينيا أوهانجيان، وقع الجانبان باسم الشعبين الاتفاقية، مؤكدين فيها على أن للكرد والأرمن مصالح وأهدافا مشتركة هي: الاستقلال، والتخلص من السيطرة العثمانية.. وقدما نص الاتفاقية بمذكرة رسمية إلى المجلس الأعلى للمؤتمر، ووافق المجلس مبدئياً على المذكرة، ووصف المندوب السياسي البريطاني في الأستانة الاتفاقية بأنها من أسعد البشائر.

معاهدة سيفر 1920

وقد نصت هذه المعاهدة على:

منح تراقيا والجزر التركية الواقعة في بحر إيجه لليونان.

الاعتراف بكل من سوريا والعراق كمناطق خاضعة للانتداب.

الاعتراف باستقلال شبه الجزيرة العربية.

الاعتراف باستقلال أرمينيا.

اعتبار مضائق البسفور والدردنيل مناطق مجردة من السلاح وتحت إدارة عصبة الأمم.

وفيما يتعلق ببنود المعاهدة الخاصة بالشأن الكردي فقد نصت على:

حصول كردستان على الاستقلال حسب البندين 62 و 63 من الفقرة الثالثة، والسماح لولاية الموصل بالانضمام إلى كردستان استنادا إلى البند 62:

خارطة سيفر 1920 – تموضع آماكن الاقليات

نجح شريف باشا في إدخال ثلاثة بنود تتعلق بالقضية الكردية في معاهدة سيفر التي أبرمها الحلفاء بباريس في أغسطس /آب 1920، وقد كرس ذلك عملية تدويل القضية الكردية بصورة رسمية، رغم أن الدولة العثمانية حاولت مراراً أن تصف القضية الكردية بأنها قضية داخلية تستطيع الدولة حلها. وتعد معاهدة سيفر وثيقة فريدة في تاريخ القضية الكردية، حيث نصت على تحقيق حل المشكلة الكردية بمراحل، وإذا اجتاز الكرد هذه المراحل، وطالبوا بالاستقلال، ورأت دول الحلفاء أهلية الكرد لذلك يصبح الاستقلال أمرا واقعياً، وعلى الحكومة التركية الاعتراف بذلك… ويعد هذا أول اعتراف رسمي دولي بحقوق الشعب الكردي، ولا سيما حق تقرير المصير حيث طرحت المسألة في العرف القانوني للمعاهدات الدولية، وقد وصف كمال أتاتورك المعاهدة بأنها بمثابة حكم الإعدام على تركيا، وحاول بمختلف الوسائل وضع العراقيل لمنع تطبيق المعاهدة… ولذلك بقيت معاهدة سيفر حبراً على ورق، إلا أن هذا الورق أصبح وقوداً لنضال الحركة القومية الكردية فيما بعد  .

معاهدة لوزان (1923)  :

خارطة لوزان 1923

جاءت فكرة عقد معاهدة لوزان بعد الانتصارات الكبيرة التي حققتها الحكومة التركية الجديدة على الجيش اليوناني، وبذلك ظهرت تركيا كدولة فتية قوية لأول مرة بعد قرنين، وقامت الحكومة الجديدة بتحسين العلاقة مع جارها الاتحاد السوفياتي، وعقدت مباحثات المعاهدة على فترتين: استمرت الأولى نحو ثلاثة أشهر بين نهاية العام 1922 وبداية العام 1923، والفترة الثانية استمرت الفترة ذاتها ما بين ربيع وصيف عام 1923.ونصت معاهدة لوزان على أن تتعهد أنقرة بمنح معظم سكان تركيا الحماية التامة والكاملة، ومنح الحريات دون تمييز، من غير أن ترد أية إشارة للكرد فيها، كما لم تجر الإشارة إلى معاهدة سيفر، واعتبر الكرد أن هذه المعاهدة شكلت ضربةٌ قاسية ضد مستقبلهم وحطمت آمالهم… وبذلك يتحمل الحلفاء المسؤولية الأخلاقية الكاملة تجاه الشعب الكردي ولا سيما الحكومة البريطانية التي ألحقت فيما بعد ولاية الموصل – التي يشكل الكرد  الأغلبية المطلقة فيها.

وساهم ذلك في زيادة تعقيدات المشكلة الكردية  بعد أن أصبح وطن الشعب الكردي مقسماًعمليا وقانونيا بين أربع دول بدل دولتين، لتزداد معاناته وليبدأ فصل جديد من فصول علاقته بالدول الجديدة طغى عليها التوتر والعنف الذي لم يجد حتى اليوم حلولا عادلة، فيما بدأت الأحزاب والقوى القومية الكردية تتشكل لكي تقود النضال والكفاح من أجل حق تقرير المصير.

 

بدايات ترسيم الحدود بين تركيا وسوريا

جانب من تبعات الحدود بين سوريا وتركيا

ورد في الملحق 1 للاتفاقية التركية الفرنسية بتاريخ 30 أيار عام 1926التي  رسمت الحدود بين الدولة السورية والدولة التركية في ثلاثة قطاعات:

القطاع الاول:  من البحر الأبيض المتوسط إلى محطة ﭽوبان- بي والمقصود جوبان بيك (الراعي بعد تعريبها ) وهي مركز ناحية تابعة لمنطقة الباب شمال حلب

القطاع الثاني:  من محطة ﭽوبان- بي إلى نصيبين ( مدينة كردية ضمن حدود تركية مقابل مدينة القامشلي )

القطاع الثالث:  من نصيبين إلى جزيرة ابن عمر. هذا وقد تم بموجب ملحق آخر، بتاريخ 22 حزيران عام 1929حول ترسيم الحدود التركية – السورية المتضمن في الاتفاقية بين تركية وفرنسة، ترسيم القطاع الثالث من الحدود الممتد بين نصيبين والتقاء فش خابور بدجلة في المثلث الحدودي .

الوجود الكردي في سوريا :

يمتد تأريخ الكورد في سوريا الحالية إلى ما قبل التاريخ حيث الكورد هناك كانوا جزئاً من السوباريون والذين كانوا يعرفون بالهورو Huru أو الخوريون ، والعالم هورست كلينكل يقول أن الهوريين بدؤوا بالظهور في سورية منذ مطلع الألف الثالث قبل الميلاد و استطاعوا تسلم القيادة السياسية في عدد من الحواضر السورية .

و بحسب بعض المصادر أيضا فإن مواطن الهوريين كانت تمتد غربا لغاية جبال أمانوس على الساحل الشمالي الشرقي للبحر الأبيض المتوسط . إستمر الحوريون حتى القرن السابع عشر قبل الميلاد والذين إنفصلوا عن الشرق ليستقطبوا أقوام أرية كوردية أخرى ليشكلوا مملكة ميتاني ، والذين برزوا بشكل كبير في القرن السادس عشر قبل الميلاد.ولكن تحول الحكم من الأكراد الخوريون في كوردستان سوريا الى حكم الآشوريون عام 732 ق.م. ولكن هذا لم يستمر طويلاً حيث عاد الأكراد الميديون كقوة كبرى في شرقي كوردستان خلال القرن السابع قبل الميلاد فقد تمكنوا من القضاء نهائيا على الآشوريين عام 612 ق. م ثم تقاسموا مع حلفائهم البابليين بلادهم التي كان الآشوريين يسيطرون عليها . فنال البابليون كلا من جنوب البلاد ما بين النهرين و سورية و فلسطين حيث تشكلت الامبراطورية البابلية الثانية . أما الميديون فقد استردوا شمال ما بين النهرين و باقي كوردستان بكاملها بما فيها مناطق الهوريين و الميتانيين اضافة الى بلاد فارس و كبادوكية مناطق الحثيين في أواسط الاناضول حيث تشكلت امبراطورية ميديا الكبرى . ومع مرور الزمن تم في هذه الامبراطورية اختلاط كافة الفئات الكوردية فيما بينها بشكل عام بما فيها الهوريون و الميتانيون .

على أن خط الحدود التي رسماها بين امبراطوريتهما منذ ذلك الزمن يؤكد ما كانت عليه مواطن الهوريين و الميتانيين أي شمال سورية الحالية و الجزيرة العليا مناطق أساسية من كوردستان . إذ كان خط الحدود بين الامبراطوريتين بعد انحرافه غربا و اختراقه نهر دجلة الى الشمال من مدينة – أكاد – كان يتجه شمالا في قوس كبير الى الغرب من آشور و الموصل تاركا إياهما ضمن كوردستان ثم ينحني غربا باتجاه شمال سورية الحالية ليجتاز نهر الخابور و يمر من جنوب جبل عبد العزيز و يجتاز نهر الفرات و يمر بجنوب جبل الاكراد ليصل الى الساحل الشمالي الشرقي للبحر الأبيض المتوسط .

كما أن الآثار التي اكتشفت حديثا في محافظة الجزيرة الحسكة من المملكة الهورية الميتانية القديمة لها دلالاتها البينة على أن هذه المحافظة بأرضها و سكانها هي كوردية :

ذكر منذ أقدم العصور المدن الكوردستانية في سوريا ، فقد جاء في كتاب ايبلا = عبلا ص 31 أن بعثة أثرية بريطانية برئاسة ماكسويل مالاوان حققت في تل شاغر بازار الواقع جنوب القامشلي حيث عثر فيه على أثريات هامة يتراوح تاريخها بين عصور ما قبل التاريخ و الألف الثاني قبل الميلاد .

تل براك : شمال الحسكة حققت نتائج باهرة حيث أزاحت الستار عن معبد يرقى تاريخه الى مطلع الألف الثالث قبل الميلاد و أكتشف إثر ذلك مدينة ميتانية و القصر الملكي فيها و كذلك الكثير من رقم ملوكها . ثم قامت بعثة أثرية المانية برئاسة انطوان مورتتان بين عامي ( 1955-1956 ) بمواصلة التحريات في موقع تل الفخيرية شمال سورية في أعالي نهر الخابور حيث سبق لهذه البعثة أن اكتشفت آثار مدينة يعود تاريخها الى العهد الهوري الميتاني في الألف الثاني قبل الميلاد . وحديثا اكتشف فيها آثار أخرى تؤكد افتراض المنقبين السابق بأن عاصمة الميتانيين المعروفة باسم واشوكاني تقع في ثنايا هذا التل .

تل موزان : قرب بلدة عامودة الذي اكتشف فيها جورجيو بوتشيلاتي قصر الملك توبكيش الهوري – وسبق الحديث عنه – ومن الآثار الهورية الرائعة هو ضريح النبي هورو الذي لايزال قائما منذ ذلك الزمن القديم سليما حتى اليوم في جبل الاكراد شمال غربي حلب . ولاشك في أن ما كان عليه هذا النبي من مكانة مقدسة بين الهوريين قد جعل اسمه يتمثل اسم الهوريين نفسهم . وهكذا نرى في ذلك كله ما يثبت بشكل قاطع استيطان الاكراد في شمال سورية منذ اقدم العصور ، وينفي نفيا قاطعا ادعاء الدكتور  سهيل زكار من أن الاكراد لم يستقروا في الجزيرة قط !.

حدثت الهجرات العربية إلى كوردستان مع الهجمات السامية المتمثلة بالآراميين الساميين والآشوريين هذا قبل الإسلام ، أما بعد دخول البلاد الإسلام وبالتحديد في عهد الخليفة المنصور ( 754-775م ) الذي كلف يزيد بن أسيد بالتوجه الى حران الواقعة بين تل أبيض جنوبا و أورفا شمالا لتحريرها من البيزنطيين وبعد أن نجح في مهمته فانه نظمها وأقام فيها . وفي هذه الفترة كانت هذه المنطقة من كوردستان هدفا لنزوح بعض القبائل العربية إليها و الأستقرار فيها كالقبائل اليمنية و بني قيس و النزارية . فكان ذلك هي المرة الثانية بعد الآراميين لتغلغل العناصر العربية الى هذه المناطق الكوردية و التي أصبحت فيما بعد على طرفي الحدود بين تركيا و سورية . و منذ القرن العاشر الميلادي و بعد اضمحلال الدولة العباسية و ضعف البيزنطيين في الغرب و كذلك انقسام الدولة السلجوقية التركية الى دويلات أتابكية و الصراع بينها و بروز بعض الامارات الكوردية تمثل دورها على مسرح التاريخ فان الشرق الاسلامي كان قد أصبح هدفا سهلا للصليبيين من الغرب ، ثم لقمة سائغة للمغول من الشرق ولما كان للكرد الدور الرئيسي في الحروب الصليبية و الانتصار فيها ، فمن المعروف إن الدعم الكردي للزعيم صلاح الدين الأيوبي كان يأتيه من جميع أنحاء كوردستان و تصله عبر تجمعه في الموصل وجزيرة بوتان و ديار بكر . وهذا ما يؤكد ثانية على كردية الجزيرة في سورية الحالية .

أما بعد الحروب المذهبية بين الإيرانيين و العثمانيين على أرض كوردستان ثم احتلال العثمانيين للبلاد العربية منذ عام 1516م و الذين تقاسموا كوردستان مع الإيرانيين . فكان هناك كوردستان الإيرانية و كوردستان العثمانية التي من ضمنها كوردستان سورية التي عرفها العثمانيين باسم ولاية حلب العثمانية . كما ان تلك الامارات الكردية السابقة الذكر قد أصبحت منذ عام 1747م تحت حكم الدولتين المباشر .

إن ما عاناه الاكراد من الفرس بين العهد المكدوني وأخيرا من العثمانيين ما لبث أن أصبح حافزا قويا أثار المشاعر ضد كل ما هو مجحف بحقهم كأمة لها كيانها خاصة لما كانت عليه العصور الحديثة آنذاك من خصائص الروح القومية بين الشعوب . فكان أن حدث انعطافهم التاريخي نحو المصلحة القومية الكردية .الامر الذي أدى مجددا الى بروز إمارات كوردية حديثة و ثارت ضد العثمانيين المحتلين الذين نجحوا في القضاء عليها تباعا . وقد اخترنا من هذه الامارات في كوردستان ما كانت مناطق كل منها تشمل أجزاء من شمال سورية الحالية أبان احتلال العثمانيين للبلاد العربية و عدم وجود أية حدود سابقة وعلى الرغم من فشل هذه الثورات فإن الباب العالي كان يبقي على علاقته بتلك القاعدة الاجتماعية الكردية التي كان بوسعه الاعتماد عليها في حروبه ، وكم من مرة نال البعض من زعماء هذه الثورات العفو السلطاني العثماني .

ان أولى هذه الثورات كانت في امارة جانبولات=جنبلاط 1607م وكان مركزها كلس التي كانت تشمل جبال الاكراد الى الغرب منها و كذلك منطقة حلب الى الجنوب الشرقي منها أيضا وبعد ان قتل العثمانيون أميرها الأمير حسين الذي كان يتولى شؤون الامارة من حلب لأنه لم يلتحق و رجاله بالسلطان العثماني في إحدى حروبه فما كان من أخاه الأمير علي إلا ان أعلى الثورة من حلب ولكن العثمانيين قضوا عليها .

كما أن إمارة بدرخان باشا خلال الاعوام ( 1812-1848 م ) كان مركزها جزيرة بن عمر = بوتان الواقعة في تركيا الحالية قرب الحدود السورية في أقصى الشمال الشرقي منها .

أما امارة إبراهيم باشا المللي فكان مركزها ويران شهر الواقعة الى الشمال من بلدة رأس العين وكانت تمتد الى الجنوب من رأس العين لمسافة تزيد عن 50 كم داخل شمال سورية الحالية أيضا و قد ثارت هذه الامارة بعد ان اتحد الاكراد و القبائل العربية التي كانت تستقر في هذه المنطقة منذ أيام العباسيين . إلا أن العثمانيين ضيقوا الخناق على إبراهيم باشا في جبل عبد العزيز و قبضت عليه و أعدمته عام ( 1908 )

وعلى ذلك فان المناطق الكردية  في شمال سورية الحالية يثبت أيضا قدم استقرار الكرد فيها و ما كان بينهم  كأصحاب الارض الأصليين و بين العرب و الآشوريين من علاقات وطيدة.

أما منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وما حدث للكرد من مآسي بعد قضاء الاتراك على ثوراتهم الآنفة الذكر و غيرها . فان مناطق هؤلاء الاكراد في شمال سورية  أصبحت مرة أخرى عرضة لتواجد بعض القبائل العربية  الذين انتشروا على ضفاف الخابور جنوب الحسكة .

وعن هذه الفترة يقول أحد أبناء منطقة  الجزيرة والعارف بأحوالها , كانت الجزيرة في أوائل هذا القرن يسكنها عدد قليل من السكان قدر آنذاك بحوالي أربعين ألف نسمة و كانوا ينتمون  في غالبيتهم الى العنصر الكردي و العربي و قليل من اليعاقبة. و كانت العشائر العربية في حالة البداوة  و كانت تسكن جنوب القامشلي و الجبور و حول الحسكة ثم البكارة في منطقة جبل عبد العزيز و الشرابيين في منطقة رأس العين و عدد قليل من عشيرة شمر التي كانت في غالبيتها الساحقة في العراق . أما الاكراد فكانوا نصف حضر يسكنون الى الشمال من هؤلاء العرب وفي الجزيرة العليا جنوب سلسلة جبل طوروس في العديد من القرى وهم ينتمون لعدد من العشائر الكردية . وينقل عن السيد محمد علي إبراهيم باشا في مخطوطته المعدة للطبع تعداده للعشائر الكردية الموجودة في الجزيرة عندما قامت عشيرة شمر عام ( 1904 ) بحملة واسعة ضد عشيرة الملية الكردية التي كانت تنافسها على النفوذ في منطقة الجزيرة ، و ان العشائر الكردية في الجزيرة آنذاك كانت ميران – سنان – آشيتية – عباسيان – اليان – دقورية- ملاني خضر – كيكية وهذا منقول عن شهادات العشرات من المعمرين عربا و أكراداً وعن العديد من المؤرخين و الوثائق المكتوبة .. مما يثبت و جود العشائر الكردية المذكورة في هذه المنطقة منذ أمد بعيد ،على عكس ادعاءات الدكتور سهيل الزكار من أنهم قدموا إليها بعد ثورة الشيخ سعيد عام 1925م .

أما بعد خروج العثمانيين من البلاد العربية في الحرب العالمية الأولى ( 1914-1918 ) وانتداب الفرنسيين و الإنكليز عليها وجعلها مناطق نفوذ بموجب اتفاقية سايكس بيكو 1916 ، فان هذه الاتفاقية الاستعمارية قد اشتملت على تقسيم كوردستان العثمانية أيضا بحيث قسمت بين تركيا و كل من العراق و سورية اللتان أنشئتا حديثا ، وبقي القسم الشرقي من كوردستان تحت الحكم الإيراني . فكان أن حرم الاكراد من التمتع بمبدأ تقرير المصير للشعوب الواقعة تحت السيطرة العثمانية الذي أعلن رسميا آنذاك .

(مملكة ميتّاني الحورية)

الاقليم الكردي الموحد ومشكلة الجيوب غير الكردية :

مما لا شك فيه أن المراحل التاريخية التي تعاقبت على منطقة الهلال الخصيب لم تشهد في يوم من الايام أي شكل من الاستقرار والهدوء ،  وعانت على الدوام من تبعات الحروب  وويلاتها , وقد أنعكس ذلك على استقرار سكانها فكانوا كالكثبان الرملية تراهم في حراك دائم بحثاً عن الاماكن الهادئة والبعيدة عن ساحات الحروب , الى جانب قدوم العديد من الاقوام الأخرى من مناطقهم الاصلية كجنود ومقاتلين  في  قوام الجيوش الغازية والتي لم تكن تكترث لأي رادع أخلاقي سوى البحث عن إخضاع المزيد من المناطق لنفوذها وبسط سيطرتها بالدم , كما حدث للعرب حيث استقروا في المناطق التي غزوها تحت مسمى الفتوحات الاسلامية بالتزامن مع انتهاء الفتوحات  حوالي عام 733م , وكذلك التركمان الذين وفدوا الى هذه المناطق هرباً من بطش المغول قبل انتهاء الالفية الاولى للميلاد ، اما في عهد المغول وسيطرة السلاجقة والعثمانيين فان النزاعات التي سادت بين الكرد والقبائل التي رافقت هذه الغزوات تكثر ورودها في بطون التواريخ الإسلامية وكان أغلب هذه النزاعات تتمحور حول السيطرة على الثغور والمراعي حيث ان القبائل الغز التركمانية التي سادت المنطقة بعد غزو السلاجقة المغول كانت قبائل رحالة تبحث عن الكلأ لقطعانها. وأجزم أن هذه المنطقة لاقت من الحروب والغزوات ما لم تلقه أية بقعة  أخرى على وجه الارض بما في ذلك الساحات الاوربية لما تتمتع بها من موقع جيو- استراتيجي هام ، يضاف الى ذلك غناها بالموارد الطبيعية من مصادر مياه ومعادن وبترول والتي جذبت الغزاة من أقاصي المعمورة  .

وربما كانت المرحلة العثمانية التي امتدت من عام 1516 – 1918 من أكثر المراحل قباحة  في هذا الاتجاه , فقد لعبت دوراً محورياً في مسار التغيير الديموغرافي لهذه المناطق ، وذلك عبر منهجيتها المعهودة والتي اعتمدت على الموارد الزراعية كاقتصاد حرب وتمويل خزائن السلطنة بالمال ، حيث اعتمدت بالدرجة الاولى على الضرائب والاعشار وأطلقت يد اتباعها في حرية فرضها وسبل جمعها ، وقد رافق ذلك كما ذكرنا سابقاً جملة من القيود على ملكية الاراضي وسنت قوانين قاسية بغية تحكيم قبضتها على مصادر تمويل حروبها مثل قانون الاراضي عام 1858م والتي عمدت من خلالها الى احكام سيطرتها على الاراضي وتأكيد حقها فيه في وجه القوى المحلية وبقايا الاقطاع ، كما اصدرت فيما بعد قوانين لاحقة مثل قانون عام 1859م والتي احتوت على لائحة تعليمات بحق سندات الطابو وقانون الطابو عام 1861 وملحقات قانون الطابو عام 1867م  , وقد أباحت في آخر مراحل حكمها يد جامعي الضرائب من أتباعها من العسكريين في حرية مصادرة واستملاك الاراضي والتيمارات وتوزيعها على أقربائهم مما ساهم في تشكيل الاقطاعات العسكرية الواسعة ، وانحسار ملكية الاراضي الاميرية التي كانت بيد القرويين في الارياف  .

وحسب اعتقادي بأن هذا الامر(فرض الضرائب واستملاك العقارات بالقوة )  بالإضافة الى جملة من الممارسات الاخرى كالتهجير القسري  للسكان الاصليين  وتوطين الغرباء من الاتباع والمقربين في هذه المناطق قد ساهمت في مجملها على تبديل وتغيير البنية الديموغرافية لهذه المناطق الى حد كبير ، حيث نرى مناطق ذات أغلبية كردية مطلقة ، الى جانب وجود مناطق ذات غالبية كردية نسبية , ووجود مناطق تستحوذ على حالات من التوازن بين الكرد والمكونات الأخرى من عرب وأتراك وسريان , كما في مناطق تل أبيض وجرابلس وبعض أطراف منطقة أعزاز , وهذا بطبيعة الحال سوف لن يؤثر على السياق العام لجعل هذا الاقليم الحيوي الكردستاني متواصلاً من شرقها حتى غربها , وهذا ما سوف يعزز مستقبلاً من امكانية التعايش المشترك، وسيشكل قاعدة مادية صلبة للبناء عليها .

 

 

شارك هذا المقال: