رقعة شطرنج بترول شمال العراق: الطاقة والسياسة والقوة

شارك هذا المقال:

 

 

 Northern Iraq’s Oil Chessboard: Energy, Politics and Power

Robin M. Mills

الكاتب كبير المستشارين في Manaar Energy, والمقال منشور في  Insight TurkeyVol. 15 / No. 1 / 2013, pp. 51-6

ترجمة : د. مسلم عبد طالاس

 

رقعة شطرنج بترول شمال العراق:

الطاقة والسياسة والقوة[i]

عند الهبوط في أربيل(هولير), عاصمة اقليم كردستان العراق, فإن احد الأشياء التي تصدم الزائر هي دور تركيا. هناك حضور بارز لمدراء شركات النفط الغربية والتجار الإيرانيين, لكن بين رجال الأعمال والزوار وشركات البناء والهندسة والمطاعم  والمنتجات الحضور التركي طاغ جداً . إن موارد الطاقة في كردستان تجعل منها شريكا اقتصاديا واستراتيجيا لتركيا في المنطقة, لكنها تجر أنقرة أيضا لتعقيدات الشأن السياسي العراقي الداخلي.

         هنا لعبة شطرنج معقدة تلعب بثلاث طرق بين أربيل وبغداد وأنقرة. وحتى القطع على هذه الرقعة – السياسيين العراقيين والكرد والأتراك, وشركات النفط الغربية , والعراقيين العاديين- لها أجندتها الخاصة. فإن القوى الخارجية مثل إيران والولايات المتحدة تراقب أيضا هذه اللعبة بعناية, وربما تحرك قطعها الخاصة. يمكن لتركيا أن تكسب الكثير من الانغماس في منطقة كردستان, ويمكن أن تحسن أمنها الخاص في مجال الطاقة, وبشكل خاص في مجال الغاز هنا. على الرغم من ذلك لديها مصالح طويلة الأجل في باقي العراق, وعليها أن تلعب بحرص لتجنب خسارتها.

        في نفس الوقت فإن أربيل تسعى لاستخدام نفطها وغازها لضمان مستقبلها الاقتصادي واستقلالها السياسي عن بغداد. آخذة في الاعتبار أن حقائق السياسة والجغرافيا تجعلها معتمدة على تركيا كممر للتصدير.

كردستان : قوة هيدروكربونية ناشئة

احتياطيات غاز ونفط كردستان متوسطة نسبيا إذا ما قورنت بما لدى العراق الفيدرالي (أي باقي العراق باستثناء منطقة كردستان ذات الحكم الذاتي). تصل احتياطيات العراق إلى 143 بليون برميل من النفط, وتعتبر خامس أكبر احتياطي في العالم ( ويحتمل ِان تنمو أكثر لتصل إلى 200 بليون برميل أو أكثر), ولديه 127 ترليون قدم مكعبة من الغاز (وهو في الترتيب الثاني عشر عالميا, متوقع أن يرتفع أيضا).

       في المقابل فإن كردستان العراق تأمل بأن تكتشف ما بين 30-60 بليون برميل من النفط, باستثناءحقل كركوك, الذي يبقى منطقة متنازع عليها, ولديهم الآن 12 بليون برميل من النفط و 22 تريليون قدم مكعبة من الغاز. ومن بين أضخم الحقول هنا هو حقل شيخان والذي احتياطيه 3.3 بليون برميل من النفط, وبرده ره ش 1.2 بليون وكورموروجمجمال 10 تريليون قدم من الغاز. الحقل الأكثر تطورا هو حقل شركة DNO في تاوكه 771 مليون برميل, وحقل طق طق باحتياطي 647 مليون وتمتلكه شركة Genel التركية , وحقل كورمور الذي يورد الغاز لمحطات الطاقة المحلية[1].

       على الرغم من أن موارد النفط في المنطقة الكردية هي فقط حوالي عشر الاجمالي العراقي, لكنها ذات أهمية كبيرة بالمقارنة مع عدد السكان الذين يبلغون 5 مليون نسمة. الموارد المكتشفة في الوقت الحالي ربما كان أكبر من احتياطيات بعض الدول الأعضاء في اوبك مثل الاكوادور (سكانها 15 مليون ) أو مصدر رئيسي مثل أذربيجان (سكانها 9 مليون). تخطط الحكومة الاقليمية في كردستان لوصول طاقة الانتاج إلى 1 مليون برميل يوميا في عام 2016[2], وهو أيضا أكبر مما لدى الاكوادور وأذربيجان. وسيحقق هذا موارد تقدر بـ35  بليون دولار بأسعار النفط الحالية[3], ومقارنة مع الحصة الحالية لاقليم كردستان في الموازنة الوطنية التي تبلغ 12 بليون دولار ذات دلالة واضحة. وهذا يعني أن نفط وغاز كردستان يمكن أن يؤسس لاقتصاد قابل للحياة.

       غالبية هذه الموارد اكتشفت منذ عام 2005 من قبل عدد كبير من شركات النفط الدولية, في البداية أتت الشركات الصغيرة , لكن انضمت لها الآن الشركات الضخمة. لقد اختارت وزارة الموارد الطبيعية , بقيادة آشتي هورامي, شركائها بعناية فائقة من أجل اعطاء تمثيل واسع للدول, بما في ذلك شركات تركية وأوربية وكندية وأمريكية وصينية وهندية وروسية . ولم تنجح كل الشركات وانسحبت شركة كورية وأخرى هندية, لكن مجمل النجاح الجيولوجي كان مثيراً للإعجاب.

أحد الاختلافات الحادة بين كردستان وباقي العراق هي إمدادات الكهرباء. لدى كردستان حوالي 650 ميغا واط من الطاقة الهيدروكهربائية, وعززتها في السنوات الأخيرة  بمحطات الطاقة التي تعمل بالغاز بالتعاقد مع منتجي طاقة مستقلين, ولديها الآن  طاقة كهربائية على مدار 24 ساعة. في المقابل تطور توليد الطاقة في باقي العراق ببطء شديد متخلفا بشدة عن الطلب على الطاقة , و الشبكة الكهربائية الموجودة توفر الطاقة فقط لمدة 8-12 ساعة يوميا, حسب المحافظة والفصل. كانت حكومة اقليم كردستان تقدم بعض الطاقة لكركوك وغيرها من المناطق الحدودية, جزئيا من أجل مد نفوذها السياسي.

         موارد الطاقة في شمال العراق, في المناطق التي تقع خارج منطقة كردستان, هي ايضا ذات أهمية كبيرة جداً. حقل كركوك , وهو ايضا حقل قديم (اكتشف عام 1972), ما زال هو حجر الزاوية في انتاج النفط من الشمال, وهناك عدد من الحقول الأخرى الهامة القريبة مثل جامبوروكاباز وباي حسن. يطور الكرد مرتفع خورمالا في  المنطقة الشمالية من كركوك. ينطلق أنبوب تصدير النفط  الرئيسي من كركوك باتجاه الشمال, ويخترق الحدود التركية في مناطق اقليم كردستان في فيشخابور, وينتهي في ميناء جيهان على البحر المتوسط.  أنبوب النفط المزدوج هذا طاقته النظرية هي 1.6 مليون برميل يوميا,  لكن عمليات التخريب ونقص الصيانة خفضت طاقته إلى حوالي 0.3-0.4 مليون برميل.

العلاقات غير المستقرة بين بغداد وأربيل:

تعاني العلاقات بين الحكومة الفيدرالية في بغداد وحكومة اقليم كردستان من المشكلات منذ فترة طويلة. وأثنين من المجالات التي تكثر فيهما المشكلات هما وضع المناطق المتنازع عليها في كركوك ونينوى وصلاح الدين وديالا, وحق الكرد في توقيع عقود استكشاف مستقلة للنفط, وما يتعلق بذلك من مشكلات التصدير والمدفوعات لشركات النفط العالمية التي تعمل في اقليم كردستان وحصة الاقليم من الموازنة العامة.

        والمناطق المتنازع عليها هي ذات أهمية كبيرة في سياق الطاقة, بسبب مواردها من النفط والغاز. وبشكل خاص حقل كركوك, على الرغم من أن مسألة السيطرة السياسية منفصلة عن عمليات النفط وإيراداته. وهناك عدد من العقود التي وقعتها حكومة اقليم كردستان مع الشركات الدولية تمتد للمناطق المتنازع عليها. ومسألة كركوك مسألة معقدة بوجود القومية التركمانية التي تدعمها تركيا. في نوفمبر اندلعت مواجهة في طوزخورماتو في صلاح الدين بين قوات “دجلة ” التابعة للحكومة المركزية  وقوات البيشمركة الكردية. لكن تدخلت الولايات المتحدة لتشجيع الأطراف على التهدئة , كذلك أكد قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني , حسب التقارير, لرئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني ولرئيس جمهورية العراق جلال الطالباني بأن إيران لن تسمح بنزاع عسكري بين البيشمركة والجيش العراقي.

       ترى سلطات كردستان أنه في ظل الدستور يسمح لهم بتوقيع العقود ” في الحقول المستقبلية” (جوهريا كل الحقول, باعتبار أنه فقط حقول طق طق وجمجمال وكورمور كانت معروفة قبل المصادقة على الدستور لكنها لم تكن قد طورت). تعمل شركات النفط العالمية في كردستان بموجب عقود مشاركة في الانتاج, وهي مختلفة عن عقود الخدمة المفضلة لدى بغداد.

        ترى بغداد أن عقود المشاركة في الانتاج ممنوعة بموجب الدستور. وكذلك هناك اتهامات أن عقود المشاركة في الانتاج التي وقعتها حكومة كردستان مع الشركات العالمية, تؤدي نظريا إلى حصول تلك الشركات على 20% من الأرباح[4], بينما عقود الخدمة التي توقعها بغداد نمطيا يدفع للشركة 1-2 دولار للبرميل للشركة (وهذا يعني 1-2% من الأرباح عند سعر 100 دولار للبرميل). لكن عند تقييم كرم عقود اقليم كردستان يجب أن نأخذ في الاعتبار المخاطر الجيولوجية في كردستان والصغر النسبي لحجم حقول كردستان بشكل عام  بالمقارنة مع الحقول العملاقة المكتشفة في جنوب العراق, يضاف إلى ذلك المخاطر المستمرة في مجال السياسة والمدفوعات.

        في الوقت الحالي فإن التصدير من خلال أنابيب النفط  إلى تركيا التي يسيطر عليها حكومة بغداد يسمح به بشكل متقطع حسب الاتفاق مع بغداد, مثل الاتفاقية في أوائل عام 2011 ومرة ثانية في سبتمبر 2012, لكن هذه الاتفاقيات تخرق بشكل متكرر. العائدات تذهب إلى بغداد, التي تقوم بدورها بدفع حصة حكومة اقليم كردستان من أجل تغطية التكاليف (لكن ليس الأرباح) للشركات العالمية. وفي غياب تصدير متسق, فإن على الشركات العالمية في كردستان أن تبيع الكثير من انتاجها محليا بسعر يبلغ حاليا حوالي 60 دولار للبرميل. ومن ثم يستخدم ذلك النفط في المصافي المحلية أو , حسب بعض التقارير, يصدر من خلال تركيا وإيران, ويعتبر تهريباً بالنسبة للسلطات الفيدرالية.

       في النهاية, فإنه ومهما كانت الحجج القانونية لكلا الطرفين, فإن هذه المسائل ليست قابلة للحل القانوني, فالدستور غامض جداً والنتائج هامة جداً لكلا الطرفين. اعتمد رئيس الوزراء نوري المالكي على الكرد مراراً في الماضي, وبشكل خاص خلال عملية “صولة الفرسان” في عام 2008 ضد المليشيات في البصرة, وخلال عملية تجميع أغلبية بعد الانتخابات البرلمانية عام 2010, وعلينا الانتظار لنرى أي نمط من التحالفات سيحاول بنائها في انتخابات عام 2014. لكن في الوقت الحالي, للكرد دور سياسي كبير في بغداد من خلال أعضائهم في البرلمان  وكبار المسؤولين بما فيهم رئيس الجمهورية جلال الطالباني (زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني) ووزير الخارجية هوشيار زيباري.

        استغل المالكي أيضا الازمات, ومن بينها أزمات افتعلها هو, من اجل الحفاظ على دوره كحاكم لا غنى عنه. أظهر كلا الطرفين تفضيلاً للمواقف المتشددة في المفاوضات, وتشمل طيفا واسعاً من القضايا. وهذا التشدد يستهوي داعمي السياسات القومية على كلا الجانبين: الكرد في اقليم كردستان والسنة العرب في المناطق المتنازع عليها الذين لا يعتبرون ناخبين طبيعيين للمالكي, لكن يمكن أن يجتذبهم من خلال موقف قوي ضد الكرد.

        يمكن الوصول لتسوية: على سبيل المثال يجب أن يكون هناك إمكانية لفصل قضية موارد النفط عن المناطق المتنازع عليها, ويمكن للموارد في المناطق المتنازع إليها أن تطور بشكل مشترك. يمكن تمرير قانون النفط والغاز الوطني , الذي يناقش منذ فترة طويلة, بحيث يشرعن لعقود المشاركة في الانتاج التي وقعتها حكومة اقليم كردستان , ربما مقابل بعد التعديلات القانونية والموازنية البسيطة. يمكن الوصول لاتفاق حول البنية التحتية لتصدير النفط والغاز من كردستان, بينما تصدير طاقة كهربائية [من  اقليم كردستان لباقي العراق]أكثر سيساعد على تسهيل الوضع في العراق الفيدرالية.

       في غياب حل ما, اختار نائب رئيس الوزراء  لشؤون الطاقة (وزير النفط السابق) حسين الشهرستاني وضع الشركات التي توقع العقود مع حكومة كردستان على القائمة السوداء , بما يمنعها من المشاركة في مناقصات عقود الجنوب. في البداية طبق هذا على شركات تعاقدت مع كردستان, مثل سنوبك (بعد الاستحواذ على أداكس) وهيس. وفي اكتوبر 2011 خرقت أكسون موبيل هذه السياسية بتوقع اتفاقية لستة كتل في كردستان, بينما هي في الأصل تعمل في مشروع حقل غرب القرنة 1 بالقرب من البصرة, وهو حجر الزاوية في خطة تطوير الانتاج في بغداد. وباعتبار أن القائمة السوداء كانت في سياسة وزارة النفط, ولم تكن قانونية ولا مبدأً تعاقدياً, فإن خيارات بغداد في العقوبات كان محدودة.

        لكن يبدو الآن (نوفمبر 2012) أن أكسون موبيل, وبعد أن وجدت أن الشروط العقدية والدعم الحكومي في حقل قرنة الغربي 1 مخيبة للأمل, ستبيع حصتها, ومن ثم تتجنب المشكلات بدون حل المسألة الأساسية. وكل من غاز بروم وتوتال هما في نفس الوضع, باعتبارها وقعت عقوداً مع حكومة اقليم كردستان وفي نفس الوقت لديها تعاملات في جنوب العراق, وبينما كانت هناك تهديدات من وزارة النفط لغاز بروم , يبقى علينا الانتظار لنرى إن كانت ستجبر على المغادرة. وهناك شائعات بأن شركات أخرى , وبينها شل وبريتش بتروليوم, قد تدخل في كردستان. هناك الآن القليل من الفرص المفتوحة, ولذلك في المستقبل سيكون على الداخلين الجدد الاستحواذ على الحصص التي يمتلكها الان صغار اللاعبين.

        كذلك نجحت حكومة اقليم كردستان في اجتذاب شركات أخرى بارزة , مثل العملاق شفرون (التي لم تكن تنشط في العراق الفيدرالي), وشركة النفط الوطنية الصينية سينوبك ( من خلال استحواذها على أداكس), وريبسول الاسبانية, ومورفي الكندية , وهيس وماراثون الأمريكيتان, وOMV النمساوية , وMOL الهنغارية. وهذا يعطيه قاعدة تكنولوجية ومالية جيدة لتطوير موارده. لكن البعض من الشركات الأصغر ذات الاكتشافات الضخمة, مثل غولف كويستون (التي تطور حقل شيخان) ربما تحتاج لشركاء أو سيتم الاستحواذ عليها. ربما كان الغياب الواضح عن مشهد الطاقة الكردي هو إيران[5],  التي يمكن أن توفر القليل من التكنولوجيا والتمويل.

       في سبتمبر قال توني هاوارد مدير عام Genel (وهو مدير عام سابق لبريتش بتروليوم) بأنه ” حجم الفرصة في كردستان والعراق ضخم  جدا بحيث سيكون هناك حل. خلال السنة أو السنتين القادمتين ستنمو طاقة الانتاج في كردستان إلى نحو 1 مليون برميل يوميا ,  وهو كمية نفط اضخم من أن توقف نتيجة النزاع السياسي. لذلك ستحل المشكلات بطريقة أو أخرى” [6].

        لكن من غير الواضح أبداً طبيعة ضمانات هذا التفاؤل. الاستثمارات المطلوبة للوصول إلى طاقة مليون برميل في اليوم لن تتم بدون حقوق تصدير واضحة, والشركات الصغيرة نسبياً التي قامت بمعظم الاكتشافات الضخمة حتى الآن, Genel و DNO وغولف كويستونوآفرين, ستجد صعوبة في تمويل عمليات التطوير بالاعتماد على نفسها. وبغداد تعلم مقدار نقطة القوة التي تمتلكها في التحكم بطرق صادرات الكرد.

        في يوليو 2012, توصلت الحكومة التركية وحكومة اقليم كردستان لصفقة, أعلنت عنها بغداد, حول تصدير النفط الخام (في البداية بالشاحنات) مقابل منتجات مصفاة, والتي تشتكي حكومة اقليم كردستان من سوء تخصيص حكومة بغداد لها. صادرات الشاحنات مكلفة ومحدودة الكمية, ولذلك لا يمكن أن تقدم حلالها على نطاق واسع ولفترة طويلة.

        لكن تركيا لم تختر بعد القطع مع بغداد بالموافقة على خط أنابيب نفط أو غاز مستقل للكرد. في 4 ديسمبر 2012 كان يتوقع أن يعلن وزير الطاقة التركي تانربلدز عن أمر مهم حول الاستثمار التركي في الطاقة وربما خطوط تصدير نفط من كردستان في مؤتمر صحفي في اربيل, لكن بغداد منعت طائرته من الهبوط (أو في الحقيقة الاقلاع). لذلك بقي موضوع ذلك الاعلان غير واضح على الرغم من أن معارضة الحكومة المركزية له واضحة.

الدعامات الخمسة لعلاقات الطاقة بين حكومة اقليم كردستان وتركيا:

إن منطقة كردستان العراق ذات أهمية كبيرة لتركيا لخمسة أسباب رئيسية تتعلق بالطاقة (بالطبع هناك اعتبارات أخرى غير الطاقة).

أولا, منطقة كردستان العراق مورد محتمل هام للنفط والغاز سينقل من خلال تركيا و/أو يمكن أن يباع لتركيا. بشكل طبيعي النفط سلعة يمكن ان تستبدل, لكن يمكن القول , بأنه باعتبار أنه ليس للكرد منفذ جغرافي آخر, فإن مورد نفطهم مقيد بتركيا في حالة الاضطرابات في مكان آخر.

        من مصلحة تركيا أن تقدم طرق تصدير بديلة للعراق. وهذا جزئيا بسبب ما تكسبه من رسوم الترانزيت  وجزئيا بسبب النفوذ التي تكسبه على بغداد من ذلك. لكن الأكثر أهمية هو أنه يخفض تهديد قطع صادرات النفط العراقي, وربما كان ذلك سيناريو غير محتمل لكن ذلك يمكن أن يرفع أسعار النفط على كل المستهلكين, بما فيهم تركيا. طريق التصدير البديل يعمل كرادع لأي بلد (إيران) يمكن أن يسعى لإغلاق ممرات التصدير من الخليج. ولا يجب ان يختلط هذا بالأمن المادي َلإمدادات النفط لتركيا, على الرغم من أنه يجب أن نلاحظ استهلاك تركيا من النفط البالغ 700 الف برميل يوميا يمكن أن يلبى كليا من خلال إعادة تأهيل خط كركوك جيهان , أو من خلال خط كردي جديد طاقته 1 مليون. في حالة حدوث أزمة إغلاق للخليج  ومنع التصدير من خلاله, فإن سيطرة أنقرة على الخط الوحيد الباقي للتصدير يمنحها تأثيراً كبيراً على العراق.

       لكن تدرك تركيا أن السماح بخط تصدير نفط مستقل للكرد في تحد لبغداد سيكون حركة استفزازية جداً. حتى إذا كانت غير مرتاحة في التعامل مع حكومة المالكي, يبدو أنه من غير المحتمل كسر العلاقات بشكل حاد. ويمكن أن يواجه ذلك بمعارضة قوية من الاعلام المعادي لحزب العدالة والتنمية والمعارضة السياسية, والتي ستقدم الموضوع على أنه تشجيع للاستقلال الكردي وغيرها من الحركات الانفصالية , وفي سوريا بشكل خاص.

        مصالح تركيا أوضح في حالة الغاز, حيث أنها في موقع يمكنها من مناقشة شروط تفضيلية لتوريد الغاز الكردي, الذي يمكن أن يجمع مع الموارد الاخرى (من أذربيجان وروسيا وإيران) ويورد للسوق الأوربية. وكان هناك أمل بأن يشكل الغاز الكردي/العراقي مورداً أساسياً لخط أنابيب نابوكو[ii], الذي يستهدف تنويع موارد الغاز الأوربي بعيداً عن روسيا.

      سيستمر نابوكو الآن, على الأقل في شكله الاصلي, بسبب التأجيلات في التزامات ضمان التوريد. كذلك فإن تقدم روسيا في انبوب South Stream (الذي يسير في قعر البحر الأسود) يثير احتمال افراط عرض الغاز في السوق الأوربية , ونتيجة للركود ونقص تنافسية  الغاز مقابل الفحم, فإن طلب أوربا على الغاز لا يحتمل أن يعود لمستوى عام 2005 قبل عام 2020. على الرغم من ذلك تتقدم تركيا في خط ترانساناتوليا والذي يمكن أن يوفر عدة خيارات للتوريد لأوربا الجنوبية الشرقية والوسطى وربما  إيطاليا. لذلك فإن الغاز الكردي ذو أهمية محتملة لأوروبا, حتى إذا لم يكن بمستوى الأهمية التي بدى عليها قبل عدة سنوات.

          إمدادات الغاز المأمونة من العراق ستقوي موقف تركيا التفاوضي مع أذربيجان وروسيا وإيران. توريد إيران غير مأمون على نحو خاص, وغالبا ما ينقطع خلال الشتاء عندما يرتفع الطلب المحلي الإيراني. وقد وجدت تركيا صعوبة في دفع قيمة الغاز الذي تستلمه بسبب تزايد العقوبات على القطاع المالي في إيران, مما أدى لتعاملات النفط مقابل  الذهب[7], وهي أيضا مستهدفة بعقوبات مقترحة في مجلس الشيوخ الأمريكي في ديسمبر 2012.

        استهلاك تركيا من الغاز , والبالغ 4.4 بليون قدم مكعبة يومياً في عام 2011, هو الرابع من حيث الحجم على مستوى أوربا, وينمو بسرعة استثنائية بمعدلات نمو مركية 11% منذ عام 2001. في المقابل فإن أسواق الغاز الكبرى الأخرى في أوربا تنكمش.

        كان ميزان الغاز في تركيا عان 2011 كما يلي:

المصدر

الحجم (مليون قدم مكعبة يوميا)

إنتاج محلي

0.45

أنبوب روسيا

2.28

أنبوب أذربيجان

0.36

أنبوب أيران

0.81

مجمل مستوردات الأنابيب

3.45

مستوردات غاز طبيعي مسال

0.6

مجمل المستوردات

4.05

الاستهلاك المحلي

4.43

التصدير بالأنابيب

0.069

        في هذا السياق فإن الصادرات المحتملة من اقليم كردستان والبالغة حولي 1.45 بليون قدم مكعبة  يوميا ستكون ذات أهمية كبيرة, وهي أكثر من كافية للتعويض عن إيران, أو تلبية نمو الطلب لمدة ثلاث سنوات بالمعدل الحالي 10%. باعتبار أن الطريق الوحيد للسوق بالنسبة للغاز الكردي, إذا لم تحدث تحسينات جوهرية في العلاقة مع بغداد, هو من خلال تركيا, لذلك يجب أن تكون تركيا قادرة على الحصول سعر تفضيلي, أو/ و خفض السعر الذي تدفعه للموردين الآخرين . مثلا فإن خفض 1 دولار لكل مليون من وحدات الطاقة (البريطانية MMBtu) للكمية المستوردة من كردستان سيوفر على تركيا أكثر من 500 مليون دولار سنويا (مستوردات الغاز الأوربية الحالية هي بسعر 12 دولار لكل MMBtu).

ثانيا, المنطقة الكردية هي سوق هامة للشركات التركية. وقد قدر رئيس اللجنة الاقتصادية في محافظة السليمانية, أحمد حج رشيد, حجم التجارة بين اقليم كردستان وتركيا بـ12 بليون دولار في عام 2011[8]. وكانت مجمل التعاملات بين تركيا والعراق عام 2010 حوالي 7.5 بليون دولار, ومنها 70% كان مع اقليم كردستان, وقد صرح القنصل العام التركي في أربيل بأن التعاملات التجارية مع اقليم كردستان تجاوزت حجم التعاملات مع سوريا ولبنان والأردن[9]. وقد كان شركة النفط التركية Genel أحد الشركات القيادية الأولى التي طورت نفط كردستان واستمرت في تعزيز موقعها بعد استحواذها على المدير العام السابق لبريتش بتروليوم  توني هاوارد. والشركات الهندسية التركية لاعب هام في تطوير قطاع الطاقة. والنمو الاقتصادي في اقليم كردستان تقوده عائدات النفط والغاز (وأكثره تحويلات من بغداد)  والسياسات الجاذبة للتجارة والاستثمار الاجنبي المباشر.

ثالثا, تركيا هي المسار الأساسي لهيدروكربونيات الكرد إلى السوق العالمية, وكذلك من أجل دخول المواد لاقليم كردستان, وهذ يعطي تركيا امكانية التأثير على أربيل ويدعم التوجه نحو تدخل اقتصادي وسياسي بناء. ويبدو أن حكومة اردوغان تتخذ موقف يرى بأن اقليم كردستان مستقر ومزدهر ويعتمد اقتصاديا على أنقرة هو أفضل ما يمكن تحقيقه للتعامل مع أكرادها. وسعت تركيا للعمل مع مسعود البرزاني من أجل تهدئة سلوك الأحزاب الكردية في شمال شرق سوريا  (وهي أيضا منطقة نفطية هامة ) في الحرب الأهلية المستمرة ضد الرئيس الأسد. لو أن نظام الأسد سقط, لتغيرت صورة المنطقة بشكل حاد, وأعطى حكومة اقليم كردستان خيارات أخرى لصادرات الهيدروكربونيات.

رابعاً, يتعلق الأمر بإمكانية استخدام تركيا لأربيل للتأثير على بغداد. لم ترغب تركيا في كسر العلاقات مع حكومة نوري المالكي, لكن العلاقات تدهورت بسبب عوامل تضمنت الدعم الذي يتوقع أن بغداد تقدمه لحكومة الاسد في سوريا, وزيارة أحمد داوود أوغلو لكركوك المتنازع عليها التي تمت بدون علم بغداد, وووجود نائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي في تركيا والمحكوم بالإعدام بتهمة قيادة فرقة اغتيال. لكن تعرض داوود أوغلو للضغط المحلي مؤخراً باعتبار أن سياسته صفر المشاكل مع الجيران انتهت إلى الحرب الأهلية في سوريا وتدهور العلاقات مع إسرائيل والنزاع مع بغداد[10]. بالطبع فإن استمرار النزاع في سوريا ذو أبعاد قومية وطائفية في سوريا, مع دعم الحكومات الشيعية في العراق وإيران لنظام الأسد[11], ودول الخليج وتركيا تدعم المعارضة السورية السنية بغالبيتها, ويلعب الكرد الذين يغلب عليهم الطابع السني دوراً غامضا في الوسط.

خامساً, لحكومة اقليم كردستان دور هام في علاقة تركيا مع أكرادها. بالإضافة لخط انبوب كركوك جيهان فإن أنبوب النفط باكو –تبليسي – جيهان الذي تبلغ طاقته مليون برميل يوميا وخط أنابيب الغاز باكو-تبليسي – ارزروم القادمة من أذربيجان يسيران في المناطق الكردية وهوجمت من قبل الجماعات الانفصالية الكردية PKK. أن إحداث الازدهار في جنوب شرق تركيا سيساعد في تحسين الظروف في جزء من البلد تعرض للحرمان تاريخيا.

         المصالح المباشرة لتركيا في العراق الفيدرالي في مجال الطاقة هي أقل, على الرغم من أن أهميتها الدولية كبيرة. شركة النفط الحكومية التركية لديها مصالح كبيرة في العراق الفيدرالي, حيث لديها حصة 10% في حقل بدرة على الحدود الإيرانية, و11.25% في حقل ميسان , و40% في حقل صبا للغاز قرب الحدود الكويتية و 50% في حقل غاز المنصورية في ديالي (وهي مشغلته), وتقدر احتياطيات كل من المنصورية وصبا 3.6 تريليون قدم مكعبة من الغاز والاستثمارات المقدرة فيها 3.9 بليون دولار. لكن في نوفمبر تم طرد الشركة الحكومية التركية من الكتلة 9 للاستكشاف شمال العراق بسبب تدهور العلاقات التركية العراقية.

       الاهمية المباشرة للعراق الفيدرالي لتركيا من منظور الطاقة قابلة للنقاش. لم تظهر العراق اندفاعا وسرعة لإعادة تأهيل أو توسيع خط الانابيب كركوك-جيهان, وكذلك الأمر بالنسبة لخط الأنابيب جنوب-شمال التي يسمح بتحريك النفط من الجنوب للشمال وبالعكس. وهذا أمر مفاجئ في ضوء الاعتماد شبه الكلي للعراق في تصدير نفطها على التسهيلات المحبطة بالبصرة , والتي هي معرضة للطقس السيء والحوادث والتخريب , وعلى المرور الحر في  الخليج الفارسي ومضيق هرمز. وقد تطورت العراق ببطء في تطوير تصدير الغاز, جزئيا بسبب تصور خاطئ بأن هناك فقط كميات محدودة متاحة للتصدير بعد تلبية السوق المحلية.

        لكن تركيا تدرك بوضوح أن العراق الفيدرالي , الذي يسكنه 25 مليون نسمة مقابل 5 مليون في اقليم كردستان, وموارد نفطية ربما تكون عشرة أضعاف موارد الاقليم, أكثر أهمية على المدى الطويل. وليس لدى كردستان حلفاء اقليميين آخرين طبيعيين , بينما العراق قريبة من إيران وحسنت علاقاتها مع الكويت والأردن. لذلك فإن الكرد يواجهون مخاطر أن تأخذهم أنقرة كمنحة, أو حتى  أن يوضعوا خارج اللعبة الكبرى, كما حدث مع كرد العراق من قبل شاه إيران عام 1975. من الممكن أن تقدم بغداد عروضا أفضل  لتركيا, وتخفف  شروطها المالية من أجل إبعادها عن اقليم كردستان. لكن على تركيا أن تكون دائما في شك من قدرة حكومة بغداد على إيفاء وعودها. ونظراً للعلاقات السيئة والمتدهورة بين انقرة وبغداد, فإن هذا يبدو احتمال للمدى الطويل.

خاتمة:

ربما كانت موارد الطاقة العراقية ذات أهمية عالمية, وبشكل خاص النفط. غاز ونفط اقليم كردستان أقل أهمية بكثير على المستوى العالمي, لكن ذو أهمية كبيرة لاستقلال الاقليم المستقبلي. ضمان غاز اقليم كردستان سيكون مفيداً جداً لتركيا في محادثاتها مع روسيا وإيران وأذربيجان. الاستقرار الاقتصادي والسياسي لإقليم كردستان ايضا ذو أهمية لتركيا في سعيها لإدارة علاقاتها مع أكرادها وكرد سوريا.

        حتى الآن وازنت تركيا بدقة بين بغداد وأربيل. كذلك فإن حكومة المالكي في بغداد, رغم تعرضها لعدد من الأزمات مع حكومة اقليم كردستان, تدبرت دائما الوصول لحلول مؤقتة. ويمكن أن تستمر هذه الديناميكية لفترة طويلة. الهدف الأساسي لحكومة اقليم كردستان هو ضمان طريق لتصدير النفط والغاز مستقل عن سيطرة بغداد, لكنها ستبقى معتمدة على تركيا. إن قرار أنقرة بالتعامل مباشرة مع حكومة اقليم كردستان حول تصدير النفط والغاز ودفع الإيرادات لهم بدون المرور ببغداد, سيكون له انعكاسات خطيرة على الاعتراف الضمني لتركيا بسيادة حكومة اقليم كردستان, وعلى علاقاتها مع أكرادها وكرد سوريا, وعلى وحدة العراق.

          التسوية الكبرى يجب أن تكون ضمن العراق نفسه, بما في ذلك قانون النفط والغاز, وستكون أقل إثارة للمشاكل ومرضية أكثر وهي حل قابل للاستمرار. لكن يحتاج لمراجعات كبرى للسياسات.

        إن مثلث الطاقة بين العراق الفيدرالي واقليم كردستان وتركيا يمثل حالة مثيرة أصبحت فيها موارد الغاز والنفط, رغم أنها في مراحل الاستكشاف الأولية,  أدوات اقتصادية وسياسية لكل لاعب. المشارك الأضعف, أي حكومة اقليم كردستان, لعب دوره بمهاره حتى الآن. واللعبة تحتاج لحل ملح, لكن منطق الصراع لا يسمح لأنقرة أو بغداد بنقلة كش ملك سريعة.



[1]– كل تقديرات الاحتياطيات هذه يمكن أن ترتفع مع عمليات الاستكشاف.

[2]– “Kurdistan aims for one million barrels of crude per day by 2016”, IJK News, retrieved from http://ikjnews.com/?p=2091

[3]– مطروحا منها تكاليف الانتاج ما بين 3-6 بليون دولار سنويا.

[4]– على الرغم من أن حكومة اقليم كردستان تستعيد 20-25 من الحصة المعنية في معظم الكتل, وبالاعتماد على التكاليف والعلاوات المدفوعة, فإن الشركات الدولية تحصل على حصة حوالي 7%.

[5]– رغم أن إيران منغمسة بشدة في الشأن السياسي والاقتصادي في كردستان وبقي العراق.

[6]-Peg Mackey, “Iraq’s Kurd oil row too big to last – Genel’s Hayward”, Reuters, September 7, 2012, retrieved from http://uk.reuters.com/ article/2012/09/07/uk-genel-kurdistan-idUKBRE8860K320120907.

[7]– For example see Daniel Dombey, “Turkey: so it is gold for gas after all”, BeyondBrics Blog, Financial Times, November 23, 2012, retrieved from http:// blogs.ft.com/beyond-brics/2012/11/23/turkey-so-it-is-gold-for-gas-after-all/#axzz2DGk08HSs.

[8]– “Kurdistan Region to Reduce Trade With Iran and Turkey,” IJK News, retrieved from http:// ikjnews.com/?p=142. Trade with Iran was $10 billion.

[9]– “Open for business: Turkey’s bankers tap into Kurdish boom,” IJK News, June 21, 2011, retrieved from http://ikjnews.com/?p=881.

[10]-See for example, TulinDaloglu, “Turkey’s Davutoglu Under Fire For Failed Mideast Policies”, Al Monitor, November 29, 2012, retrieved from http://www.al-monitor.com/pulse/originals/ 2012/al-monitor/davutoglu-blame-fail.html? utm_source=&utm_medium=email&utm_ campaign=5385.



[i]– بعض معلومات الكاتب أصبحت قديمة, مثل بناء أنبوب النفط المستقل من كردستان باتجاه تركيا. لكن المقال مفيد في تناول هذا الموضوع [المترجم]

[ii]– خط أنابيب The Nabucco-West pipeline وعرف أيضا باسم (Turkey–Austria gas pipeline) خط أنابيب غاز طبيعي تركيا- بلغاريا للحدود النمساوية. وهو تعديل عن المشروع الأساسي الذي كان من أرزروم التركية إلى باومغارتن اندر مارش في النمسا. الهدف من نابوكو هو تنويع إمدادات الغاز الطبيعي لأوربا, مما يخفف اعتمادها على روسيا. دعم المشروع الأصلي من قبل الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة  لكي ينافس خطSouth Stream. وكان المورد الرئيس المتوقع العراق مع توريدات محتملة من أذربيجان وتركمانستان ومصر. [المترجم]

شارك هذا المقال: